العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

لأول مرة : بحث بعنوان " مصطلح الإستحسان وأثر الإختلاف في دلالته في اختلاف الأصوليين

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هديتي لأهل الملتقى المبارك :

بحث بعنوان : "مصطلح الإستحسان وأثر الإختلاف في دلالته في اخلاف الأصوليين"

للشيخ الدكتور محمد جميل أستاذ بجامعة أغادير -جنوب المغرب

والبحث منشور ضمن كتاب من جزئين : اصله مؤتمر علمي عقد بجامعة مولاي عبد الله حول

الدراسات المصطلحية...

(وإن شاء الله نأتيكم بالجديد إذا سمح الوقت)​
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
هذه نسخة خاصة بالملتقى
 

المرفقات

  • مصطلح الإستحسان.pdf
    154.3 KB · المشاهدات: 1
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
النص الكامل للبحث----------------------
----------------------


تمهيد:
في سبيل المصطلح الإسلامي عموما وفي سبيل المصطلح الأصولي والفقهي خصوصا عوائق منهجية تكون سببا لكثير من الإضطرابات قديما وحديثا في مفاهيم المصطلحات الأصولية والفقهية.
ومن هذه العوائق : عدم وجود دراسات حول التطور الدلالي للمصطلح ومنها : اختلاف نظرة الأصوليين والفقهاء إلى المصطلح فللمصطلح الواحد تفسيرات وتأويلات متعددة بل قد يستعمل أصولي أو فقيه مصطلحا , فيقوم شخص آخر بنفسير لهذا المصطلح ثم يعطينا مفهوم هذا المصطلح على انه المقصود لدى صاحبه , فتنشأ نزاعات دون تحرير لمحلها , وهي نزاعات ربما تكون وهمية لو حرر محلها.
ومن هذه العوائق : عدم تحديد البواعث على استعمال مصطلح ما وتحديد البواعث لنشأة المصطلحات تعين على ضبطها.
والإختلاف في دلالة المصطلح يفضي إلى الإختلاف في الإتجاه الفقهي والأصولي و"الإستحسان" نموذج لمصطلح من هذا القبيل . وفي هذا العرض محاولة لبيان المصطلح مع بيان الإختلافات حوله.

وقد اختلف الأصوليون في دلالة هذا المصطلح ثم اختلفوا تبعا لذلك في اعتباره من الأدلة الشرعية فمنهم من بالغ في اعتباره من الأدلة الشرعية ومنهم من قرنه بالبدعة والهوى ونحاه بذلك عن ميدان الأدلة الشرعية ومنهم من توسط في الأمر ومنهم من تردد في موقفه منه.
ومنشأ الجدل حول مصطلح "الإستحسان" يرتد إلى الإرتباط الملاحظ بين المعنى اللغوي وبين المعنى الإصطلاحي للإستحسان , كما يرتد إلى الإضطراب والغموض اللذين يخيمان على هذا المصطلح , ونشأ عن ذلك موقفان للأصوليين متقابلان , إذ اصبح مصطلح الإستحسان مرتبطا لدى بعض الأصوليين بإيثار الهوى على الشرع , بينما يعده بعضهم مشتملا على تسعين في المائة من العلم.

تعريفات الإستحسان :
المعنى اللغوي للإستحسان هو وجود الشئ حسنا أو اعتقاده حسنا وهو نقيض الإستقباح .
أما في الإصطلاح فقد تعددت تعريفات الإستحسان ونذكر منها :
1-العدول عن القياس إلى قياس أقوى منه.
2-تخصيص قياس بدليل اقوى منه.
3-العدول إلى اقوى الدليلين.
4-العدول عن الحكم في مسألة بحكم نظرائها إلى خلافه لوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول.
5-دليل ينقدح في نفس المجتهد ويعسر عليه التنبيه عنه.
6-العدول عن حكم الدليل إلى العادة أو إلى مصلحة الناس.
7-الأخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل كلي.
8-إيثار ترك مقتضى الدليل على طريق الإستثناء والترخص لمعارضة ما يعارض به في بعض مقتضياته.
9-طرح لقياس يؤدي إلى مبالغة وغلو في الحكم , فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم يختص به ذلك الوضع.
10-العدول بحكم المسألة عن نظرائها لدليل خاص من الكتاب والسنة.
11-ترك وجه من وجوه الإجتهاد غير شامل شمول الألفاظ لوجه وهو أقوى وهو في حكم الطارئ على الأول.
وبعض هذه التعريفات متقاربة المعنى وبين بعضها اختلاف , فالأول والثاني والثالث والرابع متقاربة المعنى ولا يخالف في اعتبار مدلولها أحد , وإنما خالف من خالف في تخصيص هذا المدلول باسم الإستحسان.
وهذه التعريفات الأربعة والتعريف الحادي عشر منتشرة في كتب الحنفية.
والتعريف الخامس هو اكثر التعاريف تعرضا للإنتقاد كما سيأتي وهو موجود في كتب الحنفية والمالكية.
والتعريفات الباقية منتشرة في كتب المالكية إلا العاشر فإنه منتشر في كتب الحنابلة.

حجية الإستحسان :

صح أن أبا حنيفة ومالكا واحمد بن حنبل رضي الله عنهم يأخذون بالإستحسان , أما الشافعي فقد كان له كلام عنيف في شأن الإستحسان , ومع ذلك فقد حكي عنه أنه يقول بالإستحسان , وإذا صح هذا عن الإمام الشافعي فإن معناه أن مصطلح "الإستحسان" الذي يأخذ به يختلف عن مصطلح افستحسان الذي يرفضه.
وهذا دليل على وجوب تحرير محل النزاع حول المصطلح.
وإذا صح عن أبي حنيفة القول بالإستحسان فقد نقل بعض الحنفية إنكارهم نسبة الإستحسان إليه كما نقل عن القرطبي إنكاره نسبة الإستحسان إلى مالك
ولا نعلم لهؤلاء المنكرين لنسبة الإستحسان إلى الإمامين أبي حنيفة ومالك معتمدا إلا أن يكون مصب إنكارهم هو الإستحسان بمفهومه البدعي , وهو مفهوم لا يقول به أحد كما قال ابن السمعاني :" إن كان الإستحسان هو القول بما يستحسنه الإنسان من غير دليل فهو باطل , ولا احد يقول به"
وقد توسع الحنفية في مصطلح الإستحسان حتى اطلقوه على النص والإجماع وغيرهما فقد قالوا : إن السلم شرع اشتحساناو والقياس يقتضي منعه , لأنه بيع معدوم في اثناء التعاقد وبيع المعدوم لا يجوز شرعا لكنه استثني من القاعدة الشرعية العامة بمقتضى نص الحديث الوارد في السلم:"من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم..."
لكن الغالب عندهم ان يذكروا الإستحسان مرادا به الأخذ بالقياس الخفي القوي في مقابلة القياس الجلي الضعيف فالإستحسان إذن نوع من القياس لكنه أعم منه إذ "كل قياس خفي استحسان, وليس كل استحسان قياسا خفيا" .
فإذا استعملوا القياس مطلقا من القيد فالمراد به عندهم القياس الجلي , وغذا ذكروا الإستحسان فالمراد به عندهم القياس الخفي , هكذا اصطلحوا عليه . وقد اشار عبيد الله بن مسعود إلى هذا الإنتماء : " واعلم أنا إذا ذكرنا القياس نريد به القياس الجلي , وغذا ذكرنا الإستحسان نريد به القياس الخفي فلا تنس هذا الإصطلاح"
فإذا كان الإستحسان نوعا من القياس فلا داعي لإنكاره , فهي غذن مجرد تسمية اصطلح عليها للتفرقة بين القياس الجلي والقياس الخفي , وهذا مالايستطيع نفاة الإستحسان إنكاره من حيث المضمون على الأقل.
أما المالكية فالغالب في كتبهم ان يذكر افستحسان ويراد به : استعمال مصلحة جزئية في مقابل قياس كلي أو العدول إلى أقوى الدليلين.
على ان نبعض الأصوليين لاينسبون الأخذ بالإستحسان للإمام مالك فابن السبكي في جمع الجوامع نسبه لأبي حنيفة وحده والباقون ينكرونه وابن الحاجب في مختصره نسبه للحنفية والحنابلة والآخرون ينكرونه.
وحصر بعضهم المسائل التي قال فيها مالك بافستحسان في أربع.
لكن كثيرا من العلماء من المالكية وغيرهم نصوا على غكثار المالكية من القول بالإستحسان , ورأوا الأخذ به ضروريا في المسائل التي لايحسن استعمال القياس بان يؤدي على جلب مفسدة او تفويت مصلحة بل ذهب أصبغ بن الفرج إلى أن الإستحسان قد يكون أغلب من القياس
وان التزام القياس قد يؤدي على مناقضة القواعد الشرعية العامة وهو يروي عن الإمام مالك قوله:" إن المغرق في القياس يكاد يفارق السنة"
على ان المبالغ فيه ما رواه محمد بن أحمد (العتبي) قال : حدثنا اصبغ بن الفرج قال : سمعت ابن القاسم يقول : قال مالك :"الإستحسان تسعة أعشار العلم" وروي عن اصبغ أيضا :أن الإستحسان عماد العلم.
قال الشاطبي :"قال العلماء : ولقد بالغ مالك في هذا الباب وأمعن فيه فجوز أن يستأجر الأجير بطعامه وغن كان لابنضبط مقدار أكله ليسار أمره وخفة خطبه وعدم المشاحة و وفرق بين تطرق يسير الغرر إلى الأجل فأجازه , وبين تطرقه للثمن فمنعه, فقال : يجوز للإنسان أن يسشتري سلعة إلى الحصاد أو إلى الجذاذ , وإن كان اليوم بعينه لا ينضبط , ولو باع سلعة بدرهم أو ما يقارب لم يجز , والسبب في التفرقة : المضايقة في تعيين الأثمان وتقديرها ليست في العرف , ولا مضايقة في الأجل : إذ قد يسامح البائع في انتقاص الأيام ولا يسامح في مقدار الثمن على حال.."
وهذا الإتجاه في الأخذ بالإستحسان لاينبئ عن اغفال المقاصد الشرعية ولا عن تجاهل النصوص الشرعية وقد ايدوا ما ذهب إليه مالك في مسألة الأجل هذه بما روي عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشراء الإبل إلى خروج المصدق .. وخروجه لاينضبط باليوم والساعة , ولكنه أمرلا تقريبي .
وإذا كان هذا وامثاله هو ما يعنيه القائلون بمبالغة مالك في الأخذ بالإستحسان فلا ينبغي تفسيرهذه المبالغة بالإعتماد على مجرد العقل والإستجابة لهوى شخصي , قال الشاطبي : "وهذا الكلام لا يمكن ان يكون بالمعنى الذي تقدم قبل وأنه ما يستحسنه المجتهد بعقله و او أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عبارته عنه , فإن مثل هذا لايكون تسعة أعشار العلم ولا اغلب من القياس الذي هو أحد الأدلة.
على ان المبالغة لازالت قائمة ولو لم يقصد بالإستحسان ما تقدم لأن مقتضى كون الإستحسان تسعة اعشار العلم ان يكون أكثر تطبيقا من الكتاب والسنة والإجماع وهو ما لا يسع مالكا رضي الله عنه أن يقوله وعلى أي حال فالعبارة –إذا صحت عنه- لا تعدو ان يقصد بها تأكيد ثبوت الإستحسان وصحته , وان التزام القياس والإغراق فيه قد يؤدي إلى مفارقة السنة وتفويت مقاصد الشريعة.
والإستحسان عند الحنابلة –على ما هو المختار في مذهبهم- هو العدول بحكم المسألة عن نظرائها لدليل خاص من كتاب أو سنة , أي العدول عن حكم هو أولى منه .
ولو اقتصر ابن قدامة المقدسي على هذا الكلام عن الإستحسان في المذهب الحنبلي لأمكننا أن نسلم بتقارب بين المذاهب الثلاثة في مصطلح الإستحسان من ناحية مضمونه, لكنه على أبي حنيفة رضي الله عنه الإستحسان الذي يأخذ به وهو- في نظر ابن قدامة- ما يستحسنه المجتهد بعقله , وقد قدمنا التفسير الذي يأخذ به الحنفية في الغالب , ويظهر من سياق ابن قدامة رحمه الله في رده على ابي حنيفة أنه نقل عن الإمام الغزالي في المستصفى ما رد به على الحنفية وإن كان لم يعزه إليه , والرجوع إلى مصادر الحنفية أولى للوقوف على المعنى الذي يعطونه للإستحسان , وهذه هي إحدى العقبات في طريق ضبط المصطلحات وفهم معانيها كما يريد أصحابها.

مقارنة بين المذاهب الثلاثة:

بدراسة تعاريف الإستحسان في كل مذهب من هذه المذاهب الثلاثة يظهر أنهم يتفقون فيما يأتي :
1-أن الإستحسان عدول عن حكم إلى حكم , وهذا العدول يشمل :
أ-استثناء جزئية من حكم كلي.
ب-تخصيص بعض أفراد العام بحكم خاص.
2-أن العدول عن حكم إلى حكم بما يشمله من الإستثناء والتخصيص لابد له من سند شرعي يعضده.
ويختلفون فيما يلي :
-ان العدول عن حكم إلى حكم –وهو أمر قد اتفقوا عليه- قد يكون :

أ-عند بعضهم عدولا عن حكم دل عليه العموم .
ب-وعند بعضهم عدولا عن حكم دل عليه القياس.
ج-وعند بعضهم عدولا عن تطبيق قاعدة شرعية لمر يقتضي العدول.

ولكن هذا الإختلاف ليس اختلافا جوهريا يستحق ذلك النزاع المحتد الذي نراه عند الأصوليين في شأن هذا المصطلح . وليس احتمال الإستحسان للتفسير البدعي هو الذي حمل بعض العلماء على إنكاره.

نفاة الإستحسان:
أبرز العلماء المنكرين للإستحسان : الإمامان ابن حزم والشافعي وسنحلل موقف كل من هذين الإمامين الجليلين لنبرز حقيقة الإختلاف بينهما وبين القائلين بالإستحسان.
1-ابن حزم والإستحسان:
لاننتظر من ابن حزم رحمه الله أن يصدر منه إلا الهجوم العنيف على الإستحسان وعلى القائلين به : إذ هو يقول بإبطال القياس أيضا –وهو متفق عليه من جمهور المسلمين- ولا يعترف بأي نوع من انواع الأدلة عدا الكتاب والسنة والإجماع.
وقد جمع في كتابه "الإحكام في اصول الأحكام , الإستحسان والإستنباط والرأي في باب , لأنها- في نظره- "ألفاظ واقعة على معنى واحد , لافرق بين شئ من المراد منها وإن اختلفت الألفاظ", وحكم عليها جميعا بالبطلان , وضم إليها القياس والتحليل والتقليد في رسالة سماها :"ملخص إبطال القياس والرأي والإستحسان والتقليد والتعليل".
ويفهم ابن حزم مصطلح افستحسان على انه "الحكم بما رآه الحاكم اصلح في العاقبة وفي الحال", أي يراه كذلك دون ان يأبه بنص شرعي, ويدل على هذا قوله في الإستحسان أيضا إنه "فتوى المفتي بما يراه حسنا, وذلك باطل لأنه اتباع للهوى وقول بلا برهان, والأهواء تختلف في الإستحسان".
ويشفع لابن حزم في حملته على الإستحسان , بل وعلى دليل متفق عليه بين جمهور الأمة , وهو القياس شيئان :
أحدهما : أنه ظاهري يقف عند ظواهر النصوص ولا يتجاوزها , ويرد الأحكام كلها إلى الوحي المتمثل في الكتاب والسنة دون غضافة لي عنصر بشري زائد على فهم هذه النصوص , واعترافه بافجماع ليس إلا لأنه يرجع في حقيقته إلى النص.
ثانيهما: أنه لا يروقه الإختلاف في الدين , بل يؤرقه ومن ذلك المنطلق رفض الإستحسان , لأن ما يستحسنه عالم قد لايستحسنه آخر , وما استحسنه المالكية قد يستقبحه الحنفية , فكيف يكون دين الله محكوما باستحسان بعض الناس ؟ فصح –في نظره- ان الإستحسان "شهوة واتباع للهوى وضلال"

2-الإستحسان في نظر الشافعي:
حمل الشافعي على الإستحسان حملته على المصالح المرسلة وهما منسوبان إلى شيخه مالك ورويت عن الشافعي كلمته الشهيرة "من استحسن فقد شرع" وقرن في كتابه الرسالة الإستحسان بالتعسف ورأى ان تعطيل القياس , والقول بمجرد افستحسان فيما لاعلم للفقيه به تجرؤ على حدود الله , إذ"حلال الله وحرامه أولى ألا يقال فيه بالتعسف والإستحسان أبدا , وإنما الإستحسان تلذذ".
والخلاف بين الشافعي وبين القائلين بالإستحسان يبدو في دلالة هذا المصطلح على عكس الخلاف بينهم وبين ابن حزم ,فهو خلاف جوهري.
والذي يدلك ويدل على ان الخلاف بينهم وبين الشافعي إنما هو خلاف في دلالة المصطلح أن الشافعي روي عنه الأخذ بافستحسان في مواضع فقد نقل عنه أنه قال في المتعة : استحسن أن تكون ثلاثين درهما , وقال في الشفعة ك أستحسن ان يثبت للشفيع الشفعة إلى ثلاثة أيام , وقال في السارق إذا أخرج يده اليسرى فقطعت , القياس أن تقطع يمناه , والإستحسان أن لاتقطع. وأنكر بعض الشافعية في حديثهم عن المسائل التي قال فيها الشافعي بافستحسان أن يكون "استحسان" الشافعي من هذا النوع المصطلح عليه اصوليا , ففي حاشية البناني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع :"أما استحسان الشافعي التحليف على الصحف والحط في الكتابة لبعض من عوضها ونحوهما , كاستحسانه في المتعة ثلاثين درهما فليس من الإستحسان المختلف فيه إن تحقق , وإنما قال ذلك لمآخذ فقهية مبينة في مجالها"
فإذا كان ما نقل عن الشافعي من القول بالإستحسان صحيحا , كما صح عنه إنكاره من جهة اخرى , فإننا نربأ بالإمام الشافعي عن التناقض في الموقفين , كما نربأ بالقئلين بالإستحسان ادعائهم التشريع من تلقاء أنفسهم , فينبغي ان نفهم كلام كل من الجانبين حول هذا المصطلح فهما صحيحا.
وخلال تقصينا لما قيل حول موقف الشافعي من افستحسان تبين لنا أن موقفه من هذا المصطلح فسر ثلاثة تفسيرات:
1- التفسير الأول , يتضمن إنكار الإستحسان إنكارا قاطعا.
2- التفسير الثاني , يتضمن إنكاره للإستحسان المبني على مجرد الهوى دون الإعتماد على الدليل , وهذا التفسير هو الذي نراه اكثر انسجاما مع كلامه عن الإستحسان في كتاب الأم الذي يدل على انه إنما يحمل على الإستحسان تلك الحملة العنيفى حتى لايتجرأ الناس على التقول على شريعة الله , وندرك مدى حدة هجومه الذي لا يقل عن مدى حدة هجوم ابن حزم , من الباب الذي عقده للبكلام عليه في "الأم" إذ عنونه هكذا : "باب إبطال الإستحسان" . بين فيه أن القول بالإستحسان يشعر بأن هناك ثغرات في القواعد الشرعية يحتاج إلى سدها , بإضافة اشياء من تلقاء المكلفين , ويشعر ذلك بأن الإنسان ترك هملا في مثل هذه المسائل المقول فيها بالإستحسان , والقرآن الكريم ينفي ذلك قال تعالى :"(أيحسب الإنسان أن يترك سدى), وفسر "السدى" بأنه الذي لايؤمر ولا ينهى , ومن ثم فإن "من أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه أن يكون في معاني السدى".
وكل حديث عن الإستحسان في كتابه "الأم" لا يستقيم إلا إذا فسر بما ذكرناه , بدليل أنه ردد فيه عبارات تشعر بأن الإستحسان هو ما خطر على الأوهام بلا دليل صحيح أو القول بما لم يكن به أمر أو نهي , فهو يقول في حديثه عن قوله تعالى :" فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره" :"وكان معقولا عن الله عز وجل أنما يأمرهم بتولية وجوههم شطره بطلب الدلائل عليه لابما استحسنوه , ولابما سنح في قلوبهم ولا خطر على اوهامهم بلا دلالة جعلها الله لهم , لأنه قضى أن يتركهم سدى...لأن من طلب أمر الله بالدلالة عليه فإنما طلبه بالسبل التي فرضت عليه , ومن قال : استحسن لا عن أمر الله , ولا عن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يقبل عن الله ولا عن رسوله , وكان الخطأ في قول من قال هذا بينا , بأنه قد قال : أقول وأعمل بما لم أؤمر به ولم أنه عنه وبلا مثال على ما أمرت به ونهيت عنه , وقد قضى الله خلاف ما قال , فلم يترك أحدا إلا متعبدا".
وإذا أمكن ان يفهم من كلام الشافعي في بعض المواضع أنه يرفض الإستحسان ولو لم يكن عن اتباع الهوى , كالإستحسان المراد به قيسا خفي في مقابلة قياس ظاهر مع الإستناد إلى دليل آخر , كما في قوله :"فإن قلتم ك فنحن تركنا القياس عن غير جهالة بالأصل , قيل : فإن كان القياس حقا فأنتم خالفتم الحق عالمين به , وفي ذلك من المآثم ما إن جهلتموه لم تستأهلوا أن تقولوا في العلم , وإن زعمتم أن واسعا لكم ترك القياس , والقول بما سنح في أوهامكم وحضر أذهانكم واستحسنته مسامعكم حججتم بما وصفنا من القرآن والسنة وما يدل عليه الإجماع من أن ليس لأحد أن يقول إلا بعلم".
فإن هذا الفهم لا يستقيم إذا تتبعنا كلامه من أوله إلى آخره , لأنه يصف الإستحسان بأنه القول بما سنح في الأوهام , وهو لايسمح بترك القياس ما دامت أركانه سليمة , ويرى أن علته يجب أن تبقى سارية دون تخصيص , ولايرى أن تخصص بخير الواحد كما يرى ابو حنيفة ولا بالمصلحة كما يرى مالك.
وقد دافع الحنفية بشدة عن وجهة نظرهم في الأخذ بالإستحسان ونفو انفيا قاطعا ان يكون استحسانهم مبنيا على مجرد رأي يرونه وتميل إليه نفوسهم , وقد عرض النسفي بموقف الشافعي ومن تبعه بقوله :" وللجهل بالمراد طعن بعض الناس على عبارة علمائنا في الكتب :"إلا أنا تركنا القياس واستحسنا" حتى قال الشافعي رحمه الله ك" من استحسن فقد شرع" وقالوا : إنه إثبات الحكم بمجرد الشهوة , لأن اللفظ ينبئ عنه , وكان معنى قولهم : "إنا تركنا القياس واستحسنا أنا تركنا العمل بالقياس الذي هو حجة شرعية , وعملنا بما ليس بحجة اتباع للهوى والشهوة , ولأنكم إن أردتم ترك القياسالذي هو حجة فالحجة الشرعية حق , وماذا بعد الحق إلا الضلال , وإن أردتم ترك القياس الباطل شرعا فالباطل مما لا يسوغ ذكره...
"وغرضنا من هذه التسمية ك التمييز بين الحكم الأصلي الذي يدل عليه القياس الظاهر , وبين الحكم الممال عن ذلك السنن الظاهر بدليل أوجب الإمالة فسمينا الأول قياسا والممال استحسانا , وإذا صح المراد على ما قلنا بطلت المشاحة في العبارة وتبين أنا لم نترك الحجة بالهوى والشهوة".
3- أما التفسير الثالث : لموقف الشافعي من الإستحسان فهو أبعد التفاسير عن الحقيقة , ومضمونه أن الشافعي لم ينكر الإستحسان أصلا بل حبذه ومدح القائلين به , ولكي يتماشى هذا التفسير وعبارة الشافعي :" من استسحسن فقد شرع" تكلف نظام الدين النصاري في فهم عبارة الشافعي هذه على "أن مقصود الشافعي بقوله "من استحسن فقد شرع, مدح المستحسن وأراد من استحسن فقد صار بمنزلة نبي ذي شريعة وأتباع الشافعي لم يفهموا كلامه على وجهه هذا ".
وهناك ملا حظة ينبغي ألا نغفلها ونحن نحلل موقف الشافعي المتشدد من الإستحسان وهما : أن ولوع عشاق البدع باكتشاف براهين من كلام الأئمة وجعلها معبرا إلى بدعهم إن بالإستحسان وإن بالمصالح المرسلة قد جعل الشافعي يسد عليهم هذا الباب الذي يلهجون به في سبيل إضفاء الصبغة الشرعية على ما يختلقونه من بدع.

هل الإختلاف في مصطلح الإستحسان والإعتداد به لفظي أو جوهري؟
الخلاف حول الإعتداد بالإستحسان خلاف لفظي في الغالب –كما سبق أن أشرنا- ونفهم ذلك إذا تأملنا التعاريف المختلفة للإستحسان فالخلاف منصب على التسمية أما المضمون فلا يسع أحدا إنكاره فإذا كان الإستحسان هو العدول عن قياس اقوى منه أو العدول إلى أقوى الدليلين فالخلاف في تلقيبه بهذا الإسم وإذا كان بمعنى العدول عن القياس إلى العادة أو مصلحة الناس فالعادة إن ثبتت في زمن الرسالة فهي ثابتة بالسنة وإن ثبتت في عصر الصحابة وتكرر ذلك من غير إنكار فهي إجماع , وإن كانت عادة من لا يحتج بعادته كالعادات العامة من غير نظر إلى دليل فلا يجوز العدول عن الدليل الشرعي إليها.
وعلى هذا الإعتبار أليس من اللائق الإستغناء عن هذا المصطلح ؟
بعض العلماء نظروا للمسألة هذه النظرة فرأو الإستغناء عن هذا المصطلح حتى نريحالناس من شرر الخلاف , قال الشاطبي :"فإن الإستحسان لا يكون إلا بمستحسن , وهو إما العقل أو الشرع , أما الشرع فاستحسانه واستقباحه قد فرغ منهما , لأن الأدلة اقتضت ذلك فلا فائدة لتسميته استحسانا , ولا لوضع ترجمة له زائدة على الكتاب والسنة والإجماع وما ينشأ عنها من القياس والإستدلال فلم يبق إلا العقل هو المستحسن فإن كان بدليل فلا فائدة لهذه التسمية , وإن كان بغير دليل فذلك هو البدعة التي تستحسن"
وأصرح من قول الشاطبي قول الشوكاني :" إن ذكر الإستحسان في بحث مستقل لا فائدة فيه أصلا لأنه إن كان راجعا إلى الأدلة المتقدمة فهو تكرار وإن كان خارجا عنها فليس من الشرع في شئ , بل هو من التقول على هذه الشريعة بما لم يكن فيها تارة وبما يضادها تارة".
وقد نعتبر الخلاف جوهريا إذا عرفنا الإستحسان بأنه :"دليل ينقدح في نفس المجتهد ويعسر عليه التعبير عنه.
وقد نوافق الإمام الغزالي في وصف هذا التعريف بأنه هوس ! "لأن ما لا يدري أنه وهم و خيال أو تحقيق لا بد من ظهوره ليعتبر بأدلة الشريعة لتصححه الأدلة أو تزيفه".
وقد نوافقه في هذا الوصف لسببن :
أحدهما : اننا لا نتصور كيف يثبت الدليل في نفس المجتهد ثبوتا شرعيا تعضده البراهين ثم يعجز عن وصف هذا الثبوت وعن سرد البراهين عليه.
وثانيهما : أن ذلك يساعد على فتح الباب على مصراعيه لكل من يريد أن يقول :إنني استحسن كذا وكذا ولدي دليل اقتنعت به , ولكنني عاجز عن إبرازه.
وإذا قطعنا النظر عن هذا التعريف فإن الخلاف لا يكون في حقيقة أمره غالبا إلا لفظيا ولكن سؤالا معقولا يطرح هنا وهو : إذا كان الخلاف لفظيا فلماذا اتسعت شقة الخلاف بين مثبتي ومنكري الإستحسان إلى حد أن بعض الناس كفروا أبا حنيفة , وبعضهم بدعوه بسبب الإستحسان؟
لعل اتساع شقة الخلاف يعود إلى الأسباب الآتية :
1- عدم تحرير محل النزاع في شأن الإستحسان , وما أكثر الخلافات التي لو حرر محلها تحريرا علميا دقيقا لتقلص ظلها وانمحت آثارها وقد قال سعد الدين التفتازاني :" والحق أنه لا يوجد في الإستحسان ما يصلح محلا للنزاع إذ ليس النزاع في التسمية لأنه اصطلاح".

2- تعصب بعض مقلدي أئمة المذاهب فإذا وجدوا منفذا للنقد والتشنيع استغلوه لإبراز ضعف ذلك المذهب ,فيأتي من بعدهم ليضيف إلى ما قالوه فتزداد شقة الخلاف اتساعا ويزداد المصطلح غموضا.
3- الجرأة على إطلاق بعض الأوصاف والأحكام , ومن أبرز الأمثلة على هذه الجرأة ما قيل من أن الإمام الجليل أبا حنيفة رحمه الله تعرض للإتهام بالكفر والبدعة بسبب مصطلح الإستحسان هذا.
قال سعد الدين التفتازاني وهو يتحدث عن تبادل مثبتي ومنكري الإستحسان للإتهام :" ومبنى الطعن من الجانبين على الجرأة وقلة المبالاة".
 
ا

الكندي

زائر
اخي عبدالرحمان ......... أستغربت كثيرا أن تاتين بمثل هذا الكلام الذي لا أر إلا محولة من فئة معينة تريد التشريع بالرأى ........ بمسميات عديدة منها الاستحسان و المصلحة والمقاصد

ولماذا الشكيك في قول الشافعي والشافعية في الاستحسان ومحولة إدخالهم في زمة القالين به ؟؟؟؟؟
ثم ماالدليل على أن الامام احمد يقول به لا بلفظ الكلمة ولكن بمعنه عند الطائفتين القالتين به؟؟

وليس لهم فيه حجة ولا قيد ولا ضابط لا من كتاب ولا سنة الا مثله من القول براى
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
أحسن الله إليك أخي الكندي الظاهري , تعرف أن ساحة البحث العلمي تقتضي البحث في كل المسلمات, وأنا هنا لست في مقام الدعوة ولذلك لا أجد حرجا في طرح كل شئ ....

على ان تحرير محل النزاع وفهم مصطلح الإستحسان كما فهمه اصحابه مهم جدا فهو أدعى للإنصاف وأدعى للإعذار...

أما رأي الشافعي فتحرير مذهبه في القضية ومعالجة الآراء المطروحة حوله واجب ...

وتقبل تحيات أخيك الأثري.
 
ا

الكندي

زائر
أحسن الله إليك أخي الكندي الظاهري

جزاك الله خيرا على حسن الكلام .................ولكن لا تسمني بما لم اسمي به نفسي "لظاهري" فلا احب هذه التسميات و الوصف التي لا تلتي بخير على الأغلب والله أعلم بسرائر
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
بحث مفيد ودقيق. ومن وجهة نظري إن ما يستحق اسم الاستحسان هو العدول عن القياس أو العموم لمصلحة مرسلة كما في مسألة الترس التي ذكرها الغزالي في باب المصلحة المرسلة، وقد يمثل لهذا بالعمليات الاستشهادية (أو الانتحارية على رأي من لا يجيزونها) فقد تعارضت هنا مصالح مرسلة من حفظ الدين وحفظ البيضة مع نصوص عامة كالتي تحرم قتل المؤمن (في مسألة الترس) وكالتي تحرم الانتحار وقتل النفس (في مسألة العمليات الاستشهادية) والله أعلم.
 

فاتن حداد

:: متخصص ::
إنضم
14 يوليو 2009
المشاركات
553
الجنس
أنثى
الكنية
أصولية حنفية
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
إربد
المذهب الفقهي
المذهب الحنفي
كيف ذاك؟
وهل يحصر مسمى الاستحسان بنوع واحد من أنواعه؟​
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
كيف ذاك؟
وهل يحصر مسمى الاستحسان بنوع واحد من أنواعه؟​
لست أقول بالحصر كتوصيف للمصطلح في لغة الأصوليين، وإنما ما يستحق أن يجري فيه الخلاف، فالاستحسان بالنص والإجماع وبالضرورة والحاجة وبالقياس الخفي وغير ذلك لا خلاف في حجيته بين القائسين على التحقيق، أما الاستحسان بالمصلحة المرسلة فهذا في محل الاجتهاد، ومن وجهة نظري لا ينبغي منعه أو إجازته كليا بل كل مسألة مذاق خاص، تعتمد على درجة قوة العموم المخصَّص ودرجة قوة المصلحة المخصِّصة، ولي في بحث إشكالية تعارض المصلحة مع النص تفصيل حول هذا الأمر يسر الله تعالى نشره قريبا
 
إنضم
21 فبراير 2010
المشاركات
456
الإقامة
الإمارات العربية المتحدة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو حاتم
التخصص
أصول الفقه ومقاصد الشريعة
الدولة
الإمارات العربية المتحدة
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
يجب أن يفهم من يرد الاستحسان وينفيه أن التدقيق فيه يثبت أنه ما هو إلا أداة من أدوات الترجيح بين المصالح والمفاسد ضمن العمل بمبدأ مراعاة المآل، ويكفي المرء أن يفهم حقيقة ما صبا إليه الشاطبي وهو يقعد لهذا الأصل المقصدي، وما الغاية التي جعلته يتناول في المسألة العاشرة من كتاب الاجتهاد الاستحسان ضمن اعتبار المآل لينتفي من ذهنه أن المقصود بالاستحسان ما تنشأ به الأحكام، وللدكتور قطب الريسوني حفظه الله مقال في تحرير مسمى الاستحسان عند المالكية، فليقرأ بعين المنصف المتجرد من كل خلفية أصولية ومذهبية حتى يمكن أن يصل إلى طبيعة استثمار المجتهدين والمفتين للاستحسان، لأنه لا يعقل أن يكون اليوم من لا يدرك معنى قول الشافعي : " من استحسن فقد شرع" ، وأن يبنى على هذه القالة أن الاستحسان جرأة في الدين ، فالمسألة حققت وثبت أن الاستحسان المتنازع فيه هو الراجع لمجرد الذوق والتشهي لا التدليل والترجيح، وظني أن صور الاستحسان وأنواعه يجب أن يفصل فيها ، ويبين منها ما هو من الاستحسان وما ليس منه، فخذ مثلا الاستحسان بالنص ، فهذا لا يكون في تصوري استحسانا بل هو دليل في ذاته ، وكذا الاستحسان بالاجماع ، وتبقى صور الاستحسان الأخرى ممكنة الاعتبار ضمن الاستحسان، واقصد الاستحسان للضرورة والاستحسان ليسارة الشيء وتفاهته، والاستحسان بالمصلحة، والاستحسان بمراعاة الخلاف، وزد إن شئت الاستحسان بالعرف والأخذ بما جرى به العمل بمفهوم أصولي دقيق لا عموم ما يطلقه المالكية من اعتبارهم العمل مطلقا ,
 

اخلاص

:: متخصص ::
إنضم
7 ديسمبر 2009
المشاركات
176
التخصص
أصول الفقه
المدينة
...
المذهب الفقهي
حنفي
البحث المتقدم بذل الباحث فيه جهد كبير ، لي ملاحظات عليه :
في العنوان قال مصطلح الاستحسان اي انه سيقدم التعاريف وينسبها لقائليها ثم يناقشها ثم يخلص الى التعريف الاصطلاحي الذي ثبت عند القائلين به وهذا لم اجده.
ثم هناك التطور الزمني لمدلول الاستحسان لم يبينه في البحث ، اول من قال به ائمة الحنفية ولم يحدوا له حدا ثم جاء اعتراض الشافعي عليهم فقام علماء الحنفية بتحديده بتعريف قبله علماء الشافعية من بعدهم وهذا يحل الاشكال.
لم يتطرق الباحث الى نوعي الاستحسان وهو في صلب موضعه، فمصطلح الاستحسان من المصطلحات التي لها حقيقتين او تصدق على معنيين مختلفين هما الاستحسان القياسي والاستحسان الاستثنائي كما اصطلح عليهما د. محمد سلام مدكور.
ثم ان الموضوع له تعلق بالقياس بشكل كبير كما هو معلوم واثر النوعين في الحكم عند الحنفية مختلف فالاستحسان الذي هو القياس الخفي المقدم على القياس الجلي يجوز القياس عليه والاستحسان الذي هو مسالة جزئية معدولة عن نظائرها فالحنفية لايقيسون عليها لانها استثناء. وهذا محل خلاف. ثم ان اصطلاح الحنفية لها المصطلح جاء لتنبيه الفقيه على ان حكم المسالة هنا معدول أي ممال به عن القاعدة العامة او القياس الجلي كما ذكر الباحث حفظه الله.
ثم هناك فرق عند المالكية بين الاستدلال بالمصالح المرسلة والاستحسان بالمصالح المرسلة.
ثم ان الحنابلة اصطلحوا عليه ولم يستدلوا به كثيرا لغلبة سد الذرائع عندهم.
الناظر الادلة المختلف بها بين العلماء يجد ان بعضهم اخذ بادلة اكثر من غيره فاشتهر عند الحنفية الاستحسان وعند المالكية المصالح المرسلة وعن الحنابلة سد الذرائع وعلى هذا فان العلماء وان اتفقوا على صحة الاخذ بالاستحسان غير ان نطاق الاخذ به يختلف من مذهب لاخر وقد تاتي مسالة يتفق العلماء على يجوزها او يمنعونها ولكنهم يختلفون بادلتهم الموصلة للحكم.
هذا بعض ما لدي على البحث
وجزالكم الله خيرا
 

حفيدة عائشة

:: متابع ::
إنضم
18 فبراير 2011
المشاركات
17
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
المذاهب الأربعة
رد: لأول مرة : بحث بعنوان " مصطلح الإستحسان وأثر الإختلاف في دلالته في اختلاف الأصوليين

بارك الله فيكم وجزاكم خيراً ونفع بعلمكم
 
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
5
الكنية
أبو أنس
التخصص
أصول فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: لأول مرة : بحث بعنوان " مصطلح الإستحسان وأثر الإختلاف في دلالته في اختلاف الأصوليين

جزاكم الله ألف خير
 
أعلى