ومن قال لك يا شيخ فؤاد أن الشافعية لم يأخذوا به ..!!
ومن قال لك يا شيخ فؤاد أن الشافعية لم يأخذوا به ..!!
الشيخ فؤاد حفظه الله وقع في وهم كبير .. قاتل الله العجلة ..!!
فمتأخرو الشافعية كلهم مجمعون على قول الشافعي الجديد في أفضلية الجمع على الفصل .. مُقدِّمين بذلك قول النووي على من خالفه .. كما هو المعتمد عندهم حال الاختلاف في الترجيح
قال النووي في المجموع (1/360) :
(وأما الجمهور الذين حكوا قولين فاختلفوا في أصحهما ، فصحح المصنِّفُ والمحاملي في المجموع والروياني والرافعي وكثيرون الفصلَ .
وصحح البغوي والشيخ نصر المقدسي وغيرهما الجمعَ هذا كلام الاصحاب .
والصحيح بل الصواب تفضيل الجمعِ للأحاديث الصحيحة المتظاهرة فيه كما سبق وليس لها معارض) .
وقال في «المنهاج» :
(والمضمضة والاستنشاق ، والأظهر أن فصلَهما أفضل ثم الأصح يتمضمض بغرفة ثلاثا ثم يستنشق بأخرى ثلاثا ويبالغ فيهما غير الصائم ، قلت : الأظهرُ تفضيل الجمع بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق والله أعلم ).
وقال شيخ الإسلام زكريا في «المنهج» مؤكدا على اعتماد هذا القول :
(فمضمضة فاستنشاق وجمعُهما وبثلاثِ غُرَفٍ أفضلُ)
وهو قول مشهور ، يعرفه أصغر المبتدئين في المذهب ، قال العمريطي في نهاية التدريب نظم متن غاية التقريب لأبي شجاع :
وَ هَاكَ عَشْراً كُلُّهَا تُسَنُّ لَهْ ... النُّطْقُ فِيهِ أوَّلاً بالبَسْمَلهْ
وَ الغَسْلُ لِلْكَفَّيْنِ خَارِجَ الوِعَا ... وَ مَضْمِضَنْ وَ اسْتَنْشِقَنْ وَ لْتَجْمَعَا
وقال با فضل في المقدمة الحضرمية :
( ثم المضمضة ثم الاستنشاق والأفضل الجمع بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ثم يستنشق بباقيها )
ولعل هذا الوهم نشأ من عدم إكمال قراءة نص النووي في «الروضة» ، حيث ذكر قول الرافعي أولا لأنه مختصر «للعزيز» ثم عقب بترجيحه ، قال في «الروضة» :
(الرابعة : المضمضة والاستنشاق ، ثم أصل هذه السنة يحصل بوصول الماء إلى الفم والأنف
سواء كان بغرفة أو أكثر ، وفي الأفضل طريقان : الصحيح أن فيه قولين :
أظهرهما : الفصل بين المضمضة والاستنشاق أفضل .
والثاني : الجمع بينهما أفضل .
والطريق الثاني الفصل أفضل قطعا ،
وفي كيفيته وجهان :
أصحهما : يتمضمض من غرفة ثلاثا ويستنشق من أخرى ثلاثا
والثاني : بست غرفات .
وتقديم المضمضة على الاستنشاق شرط على الأصح ، وقيل : مستحب .
وفي كيفية الجمع وجهان :
الأصح : بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ويستنشق .
والثاني : بغرفة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا ، وقيل : بل يتمضمض منها ثم يستنشق مرة ثم كذلك ثانية وثالثة .
قلت : المذهبُ من هذا الخلاف أن الجمع بثلاث أفضل ، كذا قاله جماعة من المحققين، والأحاديث الصحيحة مصرِّحةٌ به ، وقد أوضحته في «شرح المهذب»
وأما كلام الأخ أبي عبدالله المقدسي حول أن الشافعية يقدمون ما في «الروضة» على ما في «المجموع» ، ذلك لأن الامام النووي رحمه الله صنف الروضة على شرح الرافعي من جهة، ومن جهة أخرى لكونه يختص بترجيحات المذهب بخاصة، بخلاف "المجموع" فالمجموع يتناول المذهب والمذاهب الأخرى ، وفيه نقاشات واستطرادات .
كلام خاطئ جداً وناشئ عن عدم معرفة بالمذهب ، فمتأخرو الشافعية بعد استقرار اعتمادهم للنووي ، اعتمدوا ترتيب الشيخ ابن حجر الهيتمي لكتب النووي مقدمين بذلك «المجموع» على ما سواه من الكتب ، وأنقل لكم ما كتبته حول هذا الموضوع من رسالتي «المعتمد عند الشافعية» للفائدة .
ويسرني أن أتطفل على موائدكم يا شيخ فؤاد ، فأنتم من أنتم علما ومعرفة ، حفظكم الله ..
قلتُ :
[FONT="]
* عدم التطابق بين آراء النووي :[/FONT]
[FONT="] عندما قرر الفقهاء اعتماد آراء الشيخين ، وباشروا تطبيق ذلك عمليا في عهد مرتبة (النُّظَّار) ، لم تواجههم مشكلة في تحديد أقوال الرافعي نظرا لأن مؤلفاته قليلة وهي 3 مؤلفات كما مرَّ .[/FONT]
[FONT="] أما تحديد رأي النووي في المسائل التي تكلم عليها ، فكان يتطلب سبرا ومراجعة لكتبه الكثيرة والمتفرقة وغير المكتملة ، مما جعل الفقهاء يختلفون كثيراً في تحديد الرأي النهائي للنووي .[/FONT]
[FONT="]يقول الكردي(ت1194هـ) : (نعم ، الحق أنه لابد من نوع تفتيش ، فإن كتب المصنف نفسه كثيرة الاختلاف فيما بينها ، فلا يجوز لأحد أن يعتمد ما يراه في بعضها حتى ينظر في بقية كتبه أو أكثرها ، أو يعلم أن ذلك المحل قد أقره عليه شارحه أو المتكلم عليه الذي عادته حكاية الاختلاف بين كتبه وبيان المعتمد من غيره) (
[FONT="][1][/FONT])[/FONT]
[FONT="]بينما الدكتور محمد العقلة الإبراهيم يجعل التطابق بين آراء النووي يتجاوز 95% من خلال مراجعته لأكثر من 900 مسألة في تحقيقه «لتصحيح التنبيه» (
[FONT="][2][/FONT]).[/FONT]
[FONT="] ومن أسباب اختلاف آراء النووي - على ما يبدو [/FONT]–[FONT="] أنه لم يكن يراعي الترتيب الزمني في تأليفها ، بحيث يشرع في تأليف الكتاب فلا يدعه حتى يفرغ منه ، بل كان يعمل في تصنيف أكثر من كتاب في آن واحد ، وكون كثير من مصنفاته كتبها أثناء طلبه للعلم ، في فترة عمره القصيرة نسبياً ، مما جعل مصنفاته أشبه بمسوَّدات لم يتمَّ أكثرها ، كما قدمته أثناء حديثي عن مصنفاته الفقهية . [/FONT]
[FONT="]يقول التاج السبكي (ت771هـ): (و«الروضة» فرغ منها النووي يوم الأحد خامس عشر شهر ربيع الأول سنة 669هـ وبدأ في« شرح المهذب» - كما رأيت بخطه - يوم الخميس من شعبان سنة 662هـ ، وختم الجنائز ضحوة يوم عاشوراء سنة 673هـ ، وفي ذلك اليوم بدأ في كتاب الزكاة ، وختم باب الإحرام يوم الاثنين تاسع شوال من هذه السنة ، وفي ذلك اليوم بدأ في صفة الحج ، وختم ربع العبادات ، يوم الاثنين رابع عشر من ربيع الأول سنة 674هـ، وافتتح البيع فوصل إلى أثناء الربا ، ومات ولم يعين تاريخا .) (
[FONT="][3][/FONT])[/FONT]
[FONT="]يتضح من هذا السرد صعوبة معرفة المتقدم والمتأخر من كتب النووي زمنياً .[/FONT]
[FONT="] الأمر الذي جعلهم يجعلون - لمن لم يبلغ مرتبة الترجيح في المذهب - ترتيباً لكتب النووي ، يقدم أولها حال التعارض في الحكم على الذي بعده ، وهذا الترتيب ذكره الشيخ ابن حجر وتابعه عليه من جاء بعده . وهذا الترتيب هو : [/FONT]
[FONT="]1.[/FONT][FONT="]« التحقيق».[/FONT]
[FONT="]2.[/FONT][FONT="]«المجموع».[/FONT]
[FONT="]3.[/FONT][FONT="]«التنقيح» .[/FONT]
[FONT="]4.[/FONT][FONT="]«الروضة».[/FONT]
[FONT="]5.[/FONT][FONT="]«المنهاج».[/FONT]
[FONT="]6.[/FONT][FONT="]«فتاواه».[/FONT]
[FONT="]7.[/FONT][FONT="]«شرح مسلم».[/FONT]
[FONT="]8.[/FONT][FONT="]«تصحيح التنبيه».[/FONT]
[FONT="]9.[/FONT][FONT="]«نكت التنبيه » .[/FONT]
[FONT="]قال الشيخ ابن حجر : (الغالب تقديم ما هو متتبع فيه كالتحقيق، فالمجموع فالتنقيح، ثم ما هو مختصر فيه كالروضة، فالمنهاج، ونحو فتاواه، فشرح مسلم، فتصحيح التنبيه، ونكته من أوائل تأليفه فهي مؤخرة عما ذكر، وهذا تقريبٌ ، وإلا فالواجب في الحقيقة عند تعارض هذه الكتب مراجعة كلام معتمدي المتأخرين واتباع ما رجحوه منها)(
[FONT="][4][/FONT])، وزاد في «حاشية الإيضاح» : (وما اتفق عليه الأكثر من كتبه مقدم على ما اتفق عليه الأقل منها غالباً، وما كان في بابه مقدم على ما في غيره غالباً أيضاً ) (
[FONT="][5][/FONT]) [/FONT]
[FONT="]وهذا الترتيب [/FONT]–[FONT="]كما يبدو- مبني على زمن تأليف الكتاب ، ومنهج المؤلف في الكتاب ، ثم وجود المسألة في مظنتها ، وترجيح الأكثر على الأقل ، وهي محاولة تقريبية لمعرفة رأي النووي الذي يشكل (المعتمد) في المذهب ، ولكنها ليست قاعدة مطردة ، فالبحث والاستقراء والتتبع لا يتقيد بمثل هذه الضوابط التقريبية .[/FONT]
[FONT="]وتحديد رأي النووي النهائي في كل مسألة ، وتوجيه كلامه حال الاختلاف ، شغل طبقة (النُّظَّار) كثيرا في مؤلفاتهم في عصر (شروح المنهاج) ، وهو أمر يحتاج إلى تتبع وبحث ، وهو من الأبحاث المفيدة التي تستحق أن تشغل طلاب الشافعية خدمة للمذهب وتلخيصاً لأقوال المتأخرين ، لأن هذا يشكل خلاصة أبحاث (المعتمد) لدى الشافعية حالياً .[/FONT]
[FONT="]وقد اهتم الفقهاء في هذا الصدد بـ«المنهاج» ، وبينوا الأقوال التي رجحها النووي مخالفا لما فيه ، وتقديمها عليه حسب ضابط الشيخ ابن حجر .[/FONT]
[FONT="]وللباحث السيد مصطفى حامد بن سميط بحث قيم في هذا المجال بعنوان «المسائل غير المعتمدة في المنهاج»(
[FONT="][6][/FONT]) أحصى فيه 46 مسألة ضعفها شراح المنهاج المحققون ، وأغلبها يرجع لتطبيق ضابط الشيخ ابن حجر المتقدم.[/FONT]
[FONT="]* أمثلة : [/FONT]
[FONT="]1- كراهة قتل الكلب :[/FONT]
[FONT="]قال ابن الوردي(ت749هـ) (قلت : لا يغتر أحد بقول النووي في «الروضة» : يكره قتل الكلب الذي ليس بعقور كراهة تنزيه(
[FONT="][7][/FONT]) ، فإن المصنفين مصرحون بالتحريم ، حتى النووي في «شرح المهذب»(
[FONT="][8][/FONT]) قال : وقال إمام الحرمين : والأمر بقتل الكلاب منسوخ ) (
[FONT="][9][/FONT]). [/FONT]
[FONT="] اختلف كلام النووي «المجموع» و«الروضة» ، فقدم ما في «المجموع» .[/FONT]
[FONT="]2- حكم النفض في الوضوء: [/FONT]
[FONT="]النفض مكروه ، كما في «المجموع»(
[FONT="][10][/FONT]) ، و«الروضة» (
[FONT="][11][/FONT]) [/FONT]
[FONT="]وأما في «التحقيق» ، فهو خلاف الأولى(
[FONT="][12][/FONT]) [/FONT]
[FONT="]فعلى ضابط الشيخ ابن حجر يقدم ما في «التحقيق»[/FONT]
[FONT="]3- أكثر الضحى :[/FONT]
[FONT="]في «الروضة» : أفضلها ثمان وأكثرها ثنتا عشرة (
[FONT="][13][/FONT])[/FONT]
[FONT="] ونقل في «المجموع» عن الأكثرين : أن أكثرها ثمان (
[FONT="][14][/FONT]) .[/FONT]
[FONT="]فيقدم ما في «المجموع» على ما في «الروضة»[/FONT]
[FONT="]4- من قصد مكة لا لنسك استحب له الإحرام ، وفي قول : يجب .[/FONT]
[FONT="]قال الشربيني في «مغني المحتاج» : [/FONT]
[FONT="] (ومن قصد مكة أو الحرم لا لنسك استحب له أن يحرم بحج إن كان في أشهره ويمكنه إدراكه أو عمرة قياسا على التحية وهذا ما في «المجموع»(
[FONT="][15][/FONT]) عن الأكثرين ، وعن نص الشافعي في عامة كتبه .[/FONT]
[FONT="] وفي قول : يجب ، وهو منصوص «الأم» ، وجعله في «البيان» الأشهر وصححه جمع منهم المصنف في «نكت التنبيه» ) (
[FONT="][16][/FONT])[/FONT]
[FONT="] فيقدم ما في «المجموع» على ما في «نكت التنبيه» [/FONT]
[FONT="]5- من دَمي سلاحه فأمسكه وصلى به ، تصح صلاته ، وهل عليه القضاء ؟[/FONT]
[FONT="]في «المنهاج» : لا قضاء عليه (
[FONT="][17][/FONT]).[/FONT]
[FONT="] وفي «المجموع»(
[FONT="][18][/FONT]) و«الروضة» (
[FONT="][19][/FONT]): عليه القضاء.[/FONT]
[FONT="]فيقدم ما في «المجموع» .[/FONT]
[FONT="]وهناك أمثلة كثيرة لا أطيل بذكرها ، فليست هي محل بحثي ، ولكن تصلح مجالا لأطروحات جامعية ، تتناول تحديد رأي النووي في المسائل التي اختلف فيها كلامه ، وتطبيق ضابط الشيخ ابن حجر عليها
[/FONT]
([1])الكردي ، الفوائد المدنية (34) ([2]) النووي ، تصحيح التنبيه (1/75) .
([3])السبكي ، ترشيح التوشيح (443) .
([4]) ابن حجر ، تحفة المحتاج (1/39)
([5]) ابن حجر الهيتمي ، حاشية على شرح الإيضاح للنووي ، راجعه : عادل السيد ، (دار الحديث ، بيروت ، ط2 ، 1405هـ) (ص10)
(1)مصطفى حامد بن سميط ، المسائل غير المعتمدة في المنهاج (دار العلم والدعوة ، تريم ، ط1 ، 1426هـ ).
([7])النووي ، الروضة (3/147) .
([8])النووي ، المجموع (9/222) .
([9])ابن الوردي ، تاريخ ابن الوردي (2/282) .
([10])النووي ، المجموع (1/516) .
([11])النووي ، الروضة (1/63) .
([12])النووي ، التحقيق (1/61) .
([13]) النووي ، الروضة (1/434) .
([14])النووي ، المجموع (3/529) .
([15])النووي ،المجموع (7/18) .
([16])الشربيني ، مغني المحتاج (1/484) .
([17])المصدر نفسه (1/414) .
([18])النووي ،المجموع (4/313) .
([19])النووي ،الروضة (1/567)
[FONT="] .[/FONT]