رد: لمن ينسب الأولاد عند الحنفية
عندي إشكال: كيف ينسبون للأول؛ وقد قضى الحاكم الشرعي بموته؛ وهم إنما تولدوا من الثاني؟!
إشكالٌ في محلّه ..
المفقود لا تبين منه امرأته .. ففي المذهب الحنفي المفقود يُعدّ حيّاً في حق نفسه، ميتاً في حق غيره (تجري عليه أحكام الميت فيما لم يكن له، فلا يرث من غيره مثلاً)، وتجري عليه أحكام الحي فيما كان له، فلا يورّث ماله ولا تبين منه امرأته .. ولا تتزوج امرأته حتى يأتيها اليقين بالموت أو الطلاق، فهي تبقى محصنة، والله عز وجل يقول: (والمحصنات من النساء) .. ودليلنا على ذلك: حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امرأة المفقود امرأته حتى يأتي زوجها)، والقول المشهور عن الإمام علي رضي الله عنه: (امرأة المفقود امرأة ابتُليت فلتصبر، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته) وعن علي أيضاً: (لا تتزوج امرأة المفقود حتى يأتي موته أو طلاقه) .. ولا يُحكم بموته في ظاهر المذهب إلا عند موت أقرانه من أهل بلده -أو في جميع البلاد- (على الخلاف الذي ذكرناه سابقاً) .. ولأن النكاح عرفنا ثبوته، والغيبة لا توجب الفرقة بحال، والموت محتمل وليس متيقن، وليس يصح أن يزول اليقين بالشك.
فبناءاً على ذلك، إذا اعتبرنا نكاحها من الثاني نكاحاً باطلاً -لأنها زوجة للأول ابتداءاً- نُسب الأولاد للأول إذا عاد، لأن نكاح الثاني صار كالعدم؛ وإلا فيُنسبون للثاني -يعني إذا اعتبرنا نكاحها الثاني فاسداً؛ لأن النسب يثبت عند الحنفية بالأنكحة الفاسدة- .. وربما يؤيد نسبتهم إلى الثاني أن الأول إذا عاد يُفرّق بينها وبين الثاني، لكنها تعتد قبل عودتها إلى الأول -وهو قول الإمام أبي حنيفة-، وبالتالي فنكاحها من الثاني يصير كالوطء بشبهة، والوطء بشبهة يدرء الحد ويثبت به النسب (الولد للفراش). فالله أعلم أيّ ذلك أصحّ.