العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ما الحكمة من التعدد وهل له شروط، وما الرد على من يعترض عليه- الشيخ عبدالملك التاج

إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي



أجاب عليه الشيخ الفاضل عبدالملك التاج- أستاذ في جامعة الإيمان.


ماهي الحكمة من إباحة الشرع لتعدد الزوجات، وهل للتعدد شروط، وكيف يرد على من يعترض على ذلك ويقول: إن في تعدد الزوجات وجود الضرائر في البيت الواحد، وما ينشأ عن ذلك من منافسات وعداوات بين الضرائر تنعكس على من في البيت من زوج وأولاد وغيرهم؟
--------------------------------


نقول وبالله التوفيق:



أولاً: قبل بيان الحكمة من إباحة الشرع لتعدد الزوجات لا بد من بيان ما يلي:

أولاً: إن الإسلام نظام شامل للحياة يعتمد في معالجته لمشاكل الحياة الإنسانية على الواقعية مع الأخذ في الاعتبار المحافظة على نظافة المجتمع وطهارته وقوة تماسكه، وإباحة التعدد إلى أربع زوجات مع قيد العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة هو من هذا القبيل، فهو يمثل حلولاً للمشاكل البشرية ومحافظة على العفة والطهارة للمجتمع.



ثانياً: إن الإسلام لم ينشئ التعدد وإنما حدَّه ووضع له الضوابط حيث جاء الإسلام، وهناك من الناس من في عصمته خمس إلى عشر زوجات أو أكثر من ذلك.



ثالثاً: إن المعارضين لمسألة التعدد من غير المسلمين نظروا إلى ما قد يتوقع من جوانب سلبية طفيفة وأغفلوا الجوانب الإيجابية العظيمة، وما يترتب على التعدد من حلول للمشاكل الإنسانية كما سيتبين لاحقاً.



رابعاً: بالنسبة للمسلم يجب عليه التسليم ابتداءً لأوامر الله تعالى سواء ظهرت له الحكمة من ذلك أو لم تظهر، وله أن يبحث ويستنبط الحكمة من بعض الأحكام الشرعية مع التسليم المطلق قبل ذلك لأوامر الله بنفس راضية.



خامساً: إن إباحة التعدد حكم شرعي ثابت في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعارض له على سبيل الإنكار كافر بإجماع المسلمين بخلاف مسألة الغيرة القلبية عند بعض النساء فإنها غيرة فطرية لا تؤاخذ عليها المرأة إذا سلمت للحكم الشرعي وآمنت به.



سادساً: لقد حرصت الشريعة عند التعدد على سد باب النزاع؛ ولذا اشترطت العدل في المعاملة والنفقة والمبيت، فإن خاف الزوج الجور وعدم العدل بينهن في الطعام والسكن والكسوة والمبيت وعدم الوفاء بحقوقهن حرم عليه الجمع بينهن، ولذا ذكر بعض الفقهاء أنه يكره الجمع بين زوجتين في بيت واحد.



سابعاً: إنما يثيره المشككون من جوانب سلبية من حيث المنافسة والعداوة التي قد تحصل بين الزوجات ليس علاجه منع وتحريم ما أحل الله تعالى، وإنما علاجه التربية والتعليم للناس وتعريفهم بأحكام الشريعة وتعاليمها وآدابها.

ومثل من يمنع التعدد لتأديته للشحناء ويغفل الجوانب الإيجابية كمثل الذي يقال له أن تناول الطعام وبقاء الفضلات في الفم يؤدي إلى تسوس الأسنان فيعالج ذلك بالنصيحة بعدم الأكل نهائياً وإن أدى إلى الموت إذ المهم ألا يصيب أسنانه بالتسوس، رغم أنه كان بالإمكان أن يعالج ذلك بالنصح باستعمال السواك وعدم الامتناع عن الأكل.



ثامناً: هناك حكم عظيمة لمسألة التعدد لا يعلمها كثير من الناس، فالمولى جل وعلا هو الذي خلق هذه النفس البشرية وهو الأعلم بما يصلحها قال تعالى: [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ] {الملك:14} ولذا فإن المتحذلقين الذين يعارضون هذا الحكم الشرعي تحت مبرر أن هناك ملابسات وضرورات جدت يدركونها ويقدرونها، وكأنها والعياذ بالله لم تكن في حساب الله تعالى -سبحانه- ولا في تقديره يوم شرع الشرائع، وهذه المقولة -كما قال سيد قطب- دعوى فيها من الجهالة والعمى بقدر ما فيها من التبجح وسوء الأدب بقدر ما فيها من الكفر والضلالة.



ثانياً: أما الحكمة من إباحة الشرع لتعدد الزوجات فتظهر من خلال ما يلي:

1) أن الدول والأمم كثيراً ما تتعرض للأخطار من كوارث وحروب فينتج عن ذلك كثرة الأرامل وفقدان عدد كبير من أبنائها، ولا سبيل لرعاية الأرامل إلا بتزويجهن، كما أنه لا مندوحة لتعويض من فقدوا إلا بالإكثار من النسل والتعدد من أهم السبل لتحقيق ذلك.

2) إن الغالب في كثير من الدول والأمم أن عدد النساء يزيد على عدد الرجال، والحد الأعلى لهذه الزيادة لم يعرف عنها أنها تجاوزت نسبة (4-1)، وأمام مشكلة هذه الزيادة في أعداد النساء ليس أمام الناس سوى خيارت ثلاثة:

أ*- أن يتزوج الرجل امرأة واحدة فقط، ثم تبقى واحدة أو أكثر من النساء المتبقيات دون زواج طوال حياتها لا تعرف الرجال، وهذا الأمر أو الخيار مصادم للفطرة وفوق الطاقة.

ب*- أن يتزوج الرجل امرأة واحدة فقط زواجاً شرعياً نظيفاً ثم يخادن أو يسافح أو يزني مع البقية اللاتي لا يعرفن هذا الرجل إلا زانياً وعشيقاً في الحرام وفي الظلام. وهذا الخيار مصادم لأحكام الإسلام وضد كرامة المرأة الإنسانية التي ستصبح بهذا الخيار محلاً لإفراغ النزوات والشحنات البهيمية لكل غادٍ ورائح.

ت*- أن يتزوج بعض الرجال أو كلهم أكثر من واحدة، فتعرف هذه المرأة الأخرى الرجل الذي يتزوج بها وهي زوجة شريفة عفيفة طاهرة مصانة العرض لا خدينة ولا زانية في الظلام والحرام، فتجد رجلاً يحميها وينتسب ولدها إليه دون فوضى جنسية حيوانية عارمة تحطم المجتمع وتشيع الانحلال والأمراض الجنسية، وهذا الخيار هو ما يتفق مع روح الإسلام ومبادئه الربانية السامية وإن اعترض أهل العمى والضلال. والزيادة في أعداد النساء هي تلك المشكلة التي واجهتها ألمانيا فعقدت حلقة في مؤتمر الشباب العالمي في مدينة ميونخ من أجلها، فكان من توصيات المؤتمر لحل هذه المشكلة إباحة تعدد الزوجات بعد استعراض كثير من الحلول التي لا تجدي. كما طالب أهالي مدينة بون عاصمة ألمانيا الغربية بأن ينص الدستور على إباحة تعدد الزوجات.

3) استعداد الرجل للتناسل أكثر من استعداد المرأة، حيث أن فترة إخصاب الرجل تمتد على السبعين السنة فما فوقها، بينما تقف المرأة عند الخمسين والخمسة والأربعين، فهناك عشرون سنة من سنوات الإخصاب في حياة الرجل لا مقابل لها في حياة المرأة، فليس من العقل أن نكف الحياة عن الانتفاع بفترة الإخصاب الزائدة عند الرجل إذا رغب في ذلك.

4) عزوف المرأة في سن معينة عن الشهوة إما لعائد السن أو المرض أو الحمل مع رغبتها في دوام الحياة الزوجية، وأمام هذه المشكلة سنجد أنفسنا أمام احتمالات ثلاثة:

أ*- الرجل وصده عن نشاطه الفطري، وهذه ضد الفطرة وفوق الطاقة.

ب*- إطلاق الغريزة للرجل يزني ويسافح من يشاء من النساء ثم بعد ذلك يكون ما يكون من أولاد بلا نسب وشيوع للأمراض وتفكك للأسرة والمجتمع.

ت*- إباحة التعدد وعدم طلاق الزوجة الأولى التي تحتفظ بحق رعاية الزوج لها ولأولادها، وتحقق الرغبة الزوجية في الإبقاء على العشرة.

5) عقم الزوجة وعدم الإنجاب: وأمام هذه المشكلة يكون الزوج بين خيارين:

أ*- إما أن يطلقها ويستبدل بها زوجة أخرى تلبي رغبته وحجته في النسل.

ب*- وإما أن يتزوج بالثانية ويبقى على عشرته مع الزوجة الأولى. فأيهما أنفع أيها العقلاء: أن تدوم العشرة وتبقى الرابطة الزوجية أم أن تنفك عراها وتطلق الزوجة الأولى بغير ذنب اقترفته يداها.

6) أن كثرة المواليد والتناسل من أسباب وعوامل القوة في أي دولة ولذا قال صلى الله عليه وسلم: « تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة » [ مصنف عبدالرزاق: (6/173) ( 10391) ].

وعلى أساس نسبة المواليد إلى نسبة الوفيات والشيخوخة يتحدد مصير الأمم ويدق ناقوس الخطر.

ولذا حذرت الأمم المتحدة أوروبا في نشرة أصدرتها عام (1989م) من تناقص عدد المواليد في أوروبا في أوروبا، وأن سكان أوروبا، وأن سكان أوروبا سيصح عام (2025م) (6.4%) من سكان العالم بعد أن كان (15.6%) عام (1950م)، ولذا فلزيادة عدد المواليد هناك طريقان لا ثالث لهما:

- الأول/ الزواج المبكر.

- الثاني/ تعدد الزوجات.

وقد أشار الرحالة الألماني (بول أشميد) إلى:

أهمية النسل وأنه عنصر من عناصر القوة في حياة المسلمين كما ورد في كتابه "الإسلام قوة الغد" الذي ظهر سنة (1936م)، وأن قوة الشرق تنحصر في عوامل ثلاثة:

أ*) في قوة الإسلام كدين وفي الاعتقاد به وفي المؤاخاة التي يصنعها بين مختلفي الجنس واللون والثقافة.

ب*) وفرة مصادر الثروة الطبيعية التي يتمتع بها العالم الإسلامي.

ت*) خصوبة النسل البشري لدى المسلمين، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة، ويضيف أنه متى ما توحد المسلمون على العقيدة وغطت ثروتهم الطبيعية تزايد عددهم، كان الخطر الإسلامي خطراً منذراً بفناء أوروبا وبسيادة عالمية في منطقة هي مركز العالم كله.

7) أن بقاء المجتمع في العالم الإسلامي نقياً نظيفا طاهراً متماسكاً بعيداً عن الرذائل من أسبابه عدم مصادمة الفطرة ووجود الحلول الشرعية التي تستوعب الزيادة في أعداد النساء بخلاف المجتمعات التي تحرم التعدد وتبيح الزنا والسفاح فقد نتج عن ذلك مشاكل كبيرة منها:

أ*- زيادة عدد البغايا على عدد المتزوجات.

ب*- كثرة مواليد السفاح.

ت*- انتشار الأمراض الخبيثة والعقد النفسية.

ث*- تفكك المجتمع واضطراب الحياة والأسرية.

ج*- ضياع النسب الصحيح للأولاد حيث لا يستطيع الزوج الجزم أن الأولاد من صلبه.



فهذه بعض الحكم الظاهرة من التعدد، والتي لا ندري بأي عقل يفكر أولئك المشككون والمعارضون لأحكام الله تعالى، فيتكئون على حجج هي أوهى من بيت العنكبوت من أن التعدد يؤدي إلى منافسات وعداوات بين الضرائر وينسون الجوانب الإيجابية العظيمة بسبب قصر النظر والجهل أو المؤامرة المقصودة لتدمير المجتمع الإسلامي.

ولمزيد من الفائدة يمكن الرجوع إلى بداية تفسير سورة النساء في ظلال القرآن الكريم لسيد قطب (578/1) وفقه السنة لسيد سابق (2/432) والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
 
إنضم
7 يناير 2008
المشاركات
39
التخصص
فقه مقارن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
جزاك الله خيرا يا أبا عبدالله

موضوع ماتع نافع
 
إنضم
18 ديسمبر 2012
المشاركات
37
الكنية
أبي عبد الباري
التخصص
القواعد الفقهية ومقاصد الشريعة
المدينة
الأغواط
المذهب الفقهي
مالكي
رد: ما الحكمة من التعدد وهل له شروط، وما الرد على من يعترض عليه- الشيخ عبدالملك التاج

جزاك الله خيرًا على هذا الموضوع الطيب
 
أعلى