العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مسألة حكم صيام الشيخ والعجوزوالحامل والمرض والمريض مرضا مزمنا

إنضم
4 يوليو 2008
المشاركات
46
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
الفلسفة والفكر والحضارة
المدينة
تطوان
المذهب الفقهي
الحديث

مسألة
حكم صيام الشيخ والعجوز
والحامل والمرض والمريض مرضا مزمنا​
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:
فإن أعجب المذاهب إلى قلبي في هذا الباب مذهب أبي محمد ابن حزم رحمه الله تعالى, فقد أبان حقا عن وجه الحق, واستعمل قواعد قوية وإن لم يسمها, لكن اللبيب يستشعرها من خلال كلامه المنظوم نظما رائقا.
والأصل في هذا قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين)
فروى البخاري عن سلمة بن الأكوع أنه قال: (كان من أراد أن يفطر ويفتدي, حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها).
وروى (1847) عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم ممن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها (وأن تصوموا خير لكم ) فأمروا بالصوم.
وروى (1848) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قرأ (فدية طعام مسكين ) قال: هي منسوخة.
فكل هذا دال على أن المسلمين ممن كان يطيق الصوم ويقدر عليه كانوا مخيرين بين أن يصوموا وهو خير لهم وبين أن يفطروا ويفدوا.فنسخ التخيير وألزموا الصوم بقوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)
واختلفوا في الشيخ والعجوز الذين لا يقدران ولا يطيقان الصوم.فذهب طائفة من أهل العلم إلى أنهما يفطران ولا يقضيان ولا يفديان.
فقال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار (3/363): (الصحيح في النظر - والله أعلم - قول من قال: إن الفدية غير واجبة على من لا يطيق الصيام, لأن الله تعالى لم يوجب الصيام على من لا يطيقه, لأنه لم يوجب فرضا إلا على من أطاقه. والعاجز عن الصوم كالعاجز عن القيام في الصلاة. وكالأعمى العاجز عن النظر. لا يكلفه. وأما الفدية فلم تجب بكتاب مجتمع على تأويله, ولا سنة يفقهها من تجب الحجة بفقهه, ولا إجماع في ذلك عن الصحابة ولا عن من بعدهم. والفرائض لا تجب إلا من هذه الوجوه. والذمة بريئة ) وهو مطابق لقول أبي محمد ابن حزم في المحلى (6/266): (والشيخ والعجوز اللذان لا يطيقان الصوم فالصوم لا يلزمهما قال الله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )وإذا لم يلزمهما الصوم فالكفارة لا تلزمها لأن الله تعالى لم يلزمهما إياها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم والأموال محرمة إلا بنص أو إجماع)
وذهب ابن عباس إلى أن الآية غير منسوخة,وهو مروي عن عائشة و مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة وجماعة من التابعين وغيرهم - كما عند ابن عبر البر في الاستذكار! - وأنها في الشيخ والشيخة غير القادرين على الصوم. روى البخاري عن ابن عباس أنه قال في الآية: (ليست منسوخة,هو الشيخ الكبير , والمرأة الكبيرة,لا يستطيعان أن يصوما,فيطعمان مكان كل يوم مسكينا)
وروى الدارقطني وصححه عن ابن عباس أنه قرأ قوله تعالى : (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) وقال: (هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام يفطر ويطعم على كل يوم مسكينا نصف صاع من حنطة)
وفي رواية للنسائي أنه قال: (يطيقونه) يكلفونه.ولا يطيقونه.
وهو مخالف للجمهور كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8/180).ورد بأمورمنها أن القراءة شاذة.
قال الطبري في الجامع (2/132): (قراءة كافة المسلمين (وعلى الذين يطيقونه) وعلى ذلك خطوط مصاحفهم. وهي القراءة التي لا يجوز لأحد من أهل الإسلام خلافها, لنقل جميعهم تصويب ذلك قرنا عن قرن). وأنكر ابن حزم الاحتجاج بها فقال في المحلى (6/266): (وأما الرواية عن ابن عباس أنه كان يقرؤها(وعلى الذين يطيقونه) فقراءة لا يحل لأحد أن يقرأ بها, لأن القرآن لا يؤخذ إلا عن لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن احتج بهذه الرواية, فليقرأ بهذه القراءة, وحاشا لله أن يطوق الشيخ مالا يطيقه)
وزعم بعضهم أن في القراءة المشهورة حذف حرف نفي, وهو(لا), وتقدير القراءة (وعلى الذين لا يطيقون) ورد بأن الأصل عدم التقدير.
ومما عورض به الاحتجاج بقراءة ابن عباس أنهم قالوا:الآية تقتضي الإطاقة والقدرة لا عدمها بدليل أنه قال : (وأن تصوموا خير لكم) وهذا لا يقال إلا للمطيق القادر, فـتأمل جيدا.
وعلى هذا فقول ابن عباس إنها غير منسوخة غير صحيح كما قال الشوكاني , ولفظه في السيل الجرار (2/130): (وأما قوله لم تنسخ فغير صحيح, فإن الله سبحانه قال (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) ولم يقل (وعلى الذين لا يطيقونه))
واحتجوا بما رواه الدارقطني (2/208) عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح أن أبا حمزة حدثهم عن سليمان بن موسى عن عطاء عن أبي هريرة أنه قال : (من أدركه الكبر فلم يستطع أن يصوم رمضان,فعليه لكل يوم مد من قمح)
وبما رواه الدارقطني ايضا (2/207) بسند صحيح والبيهقي (4/271)عن أنس بن مالك أنه ضعف عن الصوم عاما , فصنع جفنة ثريد ودعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم) وفي رواية البيهقي(4/271) أن العام كان قبل موته.
واعترض على أثر أبي هريرة بأن أبا صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث كثير الغلط إلا إن روى من كتابه.
لكن أشار الشيخان علي حسن وسليم الهلالي في صفة صوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ص60) إلى أن له شواهد! ولم أجدها وليتهما ذكراها!
وعلى أثر أنس بأنه لا يعدو كونه فعلا ليس فيه دلالة على شيء, وظاهره الاجتهاد.
واحتج الشيخان علي حسن وسليم الهلالي في صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم (ص82) بما أخرجه أبو داود ( 507 ) وأحمد ( 5 / 246 - 247 ) من طريق المسعودي : حدثني عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل أنه قال في حديث طويل : (وأما أحوال الصيام فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وقال يزيد فصام سبعة عشر شهرا من ربيع الأول إلى رمضان من كل شهر ثلاثة أيام وصام يوم عاشوراء ثم ان الله عز وجل فرض عليه الصيام فانزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى هذه الآية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين )قال: فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه قال ثم ان الله عز وجل أنزل الآية الأخرى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) إلى قوله ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه) .قال: فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر, وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام)
لكن قال الشيخ الألباني في الإرواء (4/21): (المسعودي كان اختلط ، ثم إنه منقطع ، وبه أعله البيهقي فقال عقبه : ( هذا مرسل ، عبد الرحمن لم يدرك معاذ بن جبل ) .. وبذلك أعله الدارقطني والمنذري ، وقد ذكرت كلامهما في ( صحيح أبي داود ) ( رقم 524 ) . لكن قد جاء بعضه من طريق غير المسعودي فراجع المصدر المذكور)
قلت: لفظة (وثبت الإطعام للكبير ..) ضعيفة,تفرد بها المسعودي عن ابن أبي ليلى.وقد علمت حال المسعودي والانقطاع بين ابن أبي ليلى ومعاذ!
وألحق بعض العلماء بالشيخ والعجوز المريض مرضا مزمنا لا يرجى برؤه .كالمريض بداء السكري مثلا. فإنه لا يقدر على القضاء, فسقط عنه, ولا ينتقل إلى إيجاب الفدية إلا بدليل!
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/362): (والمريض لا يخلو من أن يرجى برؤه وصحته, فهذا إن صح قضى ما عليه عدة من أيام أخر ,وإن لم يطمع له بصحة ولا قوة كالشيخ والعجوز اللذين قد انقطعت قوتهما, ولا يطمعان أن يثوبا إليهما حال يُمَكِّنها من القضاء, فلا شيء عليهما من فدية ولا غيرها, لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
هذا معنى قول القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله ومكحول الدمشقي وربيعة بن عبد الرحمن وسعيد بن عبد العزيز ومالك وأصحابه وبه قال أبو ثور ورواية عن قتادة ) اهـ
وأما الحامل والمرضع فاختلفوا فيهما أيضا.فاحتجت طائفة بالآية على أنهما إن خافتا على نفسيهما أفطرتا وفديتا كالشيخ والعجوز.ومأخذهم في الآية واحد .
واحتجوا ايضا بما صح عن ابن عباس وابن عمر – عند الطبري في الجامع والدارقطني, وانظر إرواء الغليل للشيخ الألباني [4/19] - أنهما قالا لزوجتين لهما وكانتا حبليان : (أفطري وأطعمي مكان كل يةوم مسكينا ولا تقضي)
وذهبت طائفة إلى أنهما إن خافتا على نفسيهما أفطرتا وقضتا, منزلين إياهما منزلة المريض. وقد قال تعالى (فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) وهو قول الإمام الأوزاعي . فقد نقل ابن عبد البر في الاستذكار (3/365) عنه أنه قال: ( الحمل والرضاع عندنا مرض من الأمراض تقضيان ولا إطعام عليهما ). وهو اختيار ابن حزم فقد قال في المحلى (6/262),ونسبه ابن عبد البر في الاستذكار (3/365) إلى الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء والزهري والضحاك والأوزاعي وربيعة والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والليث والطبري وبه قال أبو ثور وأبو عبيد.
وإن خافت المرضع على رضيعها ولم تجد بديلا عن حليبها أو الحامل على جنينها فقد اختار ابن حزم أنهما تفطران وجوبا ولا قضاء عليهما. فقال: (فإن خافت المرضع على المرضع قلة اللبن وضيعته لذلك, ولم يكن له غيرها, أو لم يقبل ثدي غيرها, أو خافت الحامل على الجنين, أو عجز الشيخ عن الصوم لكبره؟, أفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام!
وأما وجوب الفطر عليهما في الخوف على الجنين والرضيع فلقول الله تعالى: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لا يرحم لا يرحم)فإذ رحمة الجنين والرضيع فرض ولا وصول إليها إلا بالفطر, فالفطر فرض. وإذ هو فرض فقد سقط عنهما الصوم, وإذا سقط الصوم, فإيجاب القضاء عليهما شرع لم يأذن الله تعالى به, ولم يوجب الله تعالى القضاء إلا على المريض والمسافر والحائض والنفساء ومتعمد القيء فقط . (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) اهـ..
وفي قول أبي محمد (وإذ هو فرض فقد سقط عنهما الصوم.. )شيء, فإن الحائض فرض عليها أن تفطر, ومع ذلك أمرت بالقضاء, إلا أن يقال: (الأصل أن من وجب عليه الإفطار لا يجب عليه القضاء إلا بدليل من الشرع) جريا على ما اختاره بعض المحققين في أصول الفقه من أن وجوب القضاء يستفاد من أمر جديد لا من أمر الأداء!. وبهذا تنتظم هذه الفروع إن شاء الله تعالى والله أعلم.
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وصحبه .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيكم
 
أعلى