العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مسألة:هل يجوز الاحتجاج بقصة يوسف على جواز الدخول في الأنظمة الجاهلية

إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :

فمن المسائل التي تداولها أهل العلم والدعوة في الآونة الأخيرة ؛ مسألة الدخول في الأنظمة الجاهلية .
وقد تعددت آراؤهم في ذلك بين مانع ومجيز ؛ كل منهم يستدل لرأيه بما رآه من الأدلة ، ومن هذه الأدلة التي استدل بها لجواز الدخول في الأنظمة الجاهلية : قصة يوسف .
من حيث أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قد طلب أو رضي أن يكون الوزير في حكم الملك , الذي عرض عليه ذلك :
( قال إنك اليوم لدينا مكين أمين . قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم )
فاستدل بهذا الفعل على جواز الدخول في الأنظمة الجاهلية بدعوى المصلحة وغيرها .

فهل يسلم لأصحاب هذا القول استدلالهم بفعله عليه السلام ؟ وإذا سلم فعلى أي الوجوه ؟

ولتحرير محل النزاع : أعني بالدخول في الأنظمة الجاهلية : المشاركة في وزاراتها .
والمشكلة فيه أن الوزير ما هو إلا مطبق للأحكام والقوانين في هذه الأنظمة الحاكمة بغير شرع الله تعالى .
فهل يجوز الدخول في هذه الأنظمة ، استدلالا بما فعل يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ؟
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
الأول : جواز الدخول في الأنظمة الجاهلية ، استدلالا بما فعله يوسف عليه الصلاة والسلام ، وبأدلة أخرى لم أقصد إلى استقصائها .
الثاني : حرمة ذلك مطلقا ، وهؤلاء لا يعتبرون قصة يوسف دليلا يصلح للاستدلال بما نحن بصدده ، واستدلوا بعموم الأدلة التي توجب الحكم بما أنزل الله ، من حيث إن الوزير هنا في هذه الأنظمة الجاهلية ليس إلا مطبقا للقانون الجاهلي ، لا أكثر .
الثالث : الذين قيدوا جواز المشاركة مشروطا ، وشرطهم فيه هو : طلاقة يده في النظام الجاهلي ، وتحكيمه لشرع الله تعالى لا لشرع غيره .

والمختار ، هذا الأخير - والله أعلم بالصواب .

وممن ذهب إليه :
الإمام القرطبي رحمه الله تعالى ، حيث قال عند تفسيره لهذه الآية :
"قال بعض أهل العلم : في الآية ما يبيح للرجل الفاضل أن يعمل للرجل الفاجر والسلطان الكافر ، بشرط أن يعلم أنه يفوّض إليه في فعل ما لا يعارضه فيه ، فيصلح منه ما شاء ، وأما إذا كان عمله بحسب اختيار الفاجر وشهواته وفجوره ، فلا يجوز ذلك " اهـ .
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
وأما يوسف عليه السلام ، فعلى هذه الصفة كان ، فقد خول إليه الملك تدبير أمر مملكته ، فكان هو الآمر الناهي ، وليس لأحد عليه سلطة ونستدل على ذلك بما يلي بيانه :

أولا : قوله تعالى على لسان الملك : (قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ) ،
فمعنى "مكين" ممكن لك في الأرض ، مسلّم من السلطات ،ومخوّل من الصلاحيات ما يجعلك على نفوذ وتمكن .
وأما "أمين" ، فالمعنى : أنك مؤتمن غير مخون لا رقابة عليك ولا متابع ولا معقب لما تقول .

ثانيا : غياب الملك والعزيز عن ساحة الأحداث وعن المشاهد التي عرضتها الآيات بعدما ولي يوسف منصب عزيز مصر ، فلا نسمع لهما صوتا ، ولا نرى لهما تأثيرا ، فكأن يوسف صار كل شيء في إدارة دفة البلاد ، وصار الملك مثل رؤساء بعض الدول التي كل الصلاحيات فيها لرئيس الوزراء .

ثالثا : حكمه في أخيه بشريعة يعقوب عليه السلام : ( ما كان ليأخذ أخاه في دين المك إلا أن يشاء الله ) ، وهذا يدل على طلاقة يده في تحكيم ما يشاء من الشرائع التي تناسب مقام النبوة .

رابعا : قوله تعالى : ( ورفع أبويه على العرش ) ، وهذا يدل على ما ذكرنا ، إذ إن العرش كرسي تدبير الملك ، أي أجلسهما على كرسي تدبير الملك تكريما لهما ، ولا يفعل هذا إلا من دانت له الدولة بقضها وقضيضها .

وفيما ذكرته دليل على صورة ما كان عليه يوسف من تنفذ في هذا النظام الجاهلي ، فإن كان الدخول في وزارات الأنظمة الجاهلية على ما كان في قصة يوسف ؛ فليستدل به عليه ، وأما إن لم يكن كذلك فلا .
 
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
والذي يمكن أن يُشكل في هذا الشأن تفسير قوله تعالى : ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك )
حيث استُدل به على أنه كان عليه السلام يحكم بشريعة الملك - إذ إنهم فسروا كلمة "دين" هنا على أنها : شريعة ، واستثنى أخاه من الحكم بشريعة الملك إلى شريعة الوحي المنزل على يعقوب عليه السلام .
أقول : حتى لو قلنا إن تفسير كلمة "دين" هنا : شريعة ، وفسرنا "دين الملك" على أنه نظامه وشريعته ، هل يعني قوله : ( ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) أنه كان يأخذ غير أخيه فيه !!
قد تقول يحتمل ذلك - بناء على ما يسمّه الأصوليون "مفهوم المخالفة" - وهو أضعف أنواع المفاهيم - فأقول : نعم ، يحتمل لكن وضع هذا الاحتمال في ضوء النصوص التي تقطع بحرمة الحكم بغير ما أنزل الله ، وحرمة الركون إلى الذين ظلموا ؛ يُسقط الاستدلال بهذا الاحتمال .
وقد جاء على لسان يوسف في خطابه مع الفتيين : ( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ) ، فهل يكون من يوسف عليه السلام أن يقول ذلك للفتيين ثم يخالفه إلى الحكم بغير ما أنزل الله .
 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
بورك فيكم أخانا الكريم رأفت ، وتقبل منكم ، وجعل بذلكم وجهدكم في موازين اعمالكم .

هل تشريع من قبلنا تشريع لهذه الأمة ؟
أم أن هذه الأمة لها تشريعها الخاص ؟
وعلى فرض صحة قبولنا بتشريع من قبلنا اذا لم يخالف النصوص ، هل المشاركة في أنظمة لا تُحكّم منهج الله وشرعه ، وتستبدل بها أحكاما وضعية من وضع البشر ، وتشترط على من سيتولى الوزارة أن يقوم على تطبيق هذه القوانين ، وتطالبه بالقسم قبل أن يتولى العمل ، وهو أثناء عمله مراقب حتى لا يخرج عن السياج الموضوع له ، هل ترى أن هذا لا يتعارض مع إفراد الحاكمية لله عز وجل ؟
فإن كان كذلك هل ترى - حرس الله مهجتك وأدام بهجتك - أنه يلزمنا أن نتبع هذا التشريع السالف ؟

وفوق هذا فهو كما أشرتم ، فإن يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كان صاحب الموقف ، فالدولة لاستنقاذ اقتصادها ما كانت تستطيع أن تستغني عنه ، لذلك فقد جاء طلبه بعد أن أراد العزيز أن يستخلصه لنفسه ومكنه وأمّنه ..
فالآية الكريمة ليست دليلا بأي حال .

فائدة :
من الدروس والعبر المستفادة في هذا المقام :
1- لم تمنع الفضيحة عزيز مصر أن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، فقد كان لاقتصاد بلده الأولوية ، وهذا درس لحكام هذا الزمان .
2- لفتة في قوله تعالى ( استخلصه ) دخول السين والتاء للمبالغة في الاستخلاص ، فكأنه وجد في يوسف جوهرة نفيسة يريد أن ينفرد بها وأن يخلصها لنفسه دون سواه .
3- درس بليغ : في هذه الآيه الكريمة انتقال من حالة الى حالة ، وكأني بها تسدل الستار على مشاهد من الحزونة والعنت والابتلاء والمحن فيوسف قد وجد شدة عظيمة في حياته صورتها الآيات السابقة ، عبر مراحل من الابتلاء أخذت شوطا كبيرا من حياته لعلها نصف عمره أو ثلثه ، ثم بعد كل هذه الارهاصات جاءت الجائزة وهي المنحة بعد المحنة ، وفي هذا درس لابناء الاسلام أن الشدة مهما عظمت والبلاء مهما طال لا بد من يوم يفرح فيه المؤمنون بنصر الله . (اشتدي ازمة تنفرجي )
4- درس قبل هذه الآية في قوله تعالى : ( ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ) . بدا ذلك لهم بعد أن ظهرت براءته ، وهذا درس يبين طبيعة الأنظمة الجاهلية فهي لا تحتكم الى قوانين ولا الى تشريعات ، فالقانون عندهم يطبق اذا وافق هواهم ، واذا تعارض مع مصالحهم وضع على الرفوف
وتبقى السورة بعد هذا مليئة بالدروس والعبر
رزقنا الله واياكم حسن التدبر في كتابه الكريم ...
لعلي خرجت عن موضوع المشاركة فأعتذر .....
 
التعديل الأخير:
إنضم
28 ديسمبر 2007
المشاركات
677
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
حنبلي
كلام بديع ..أمتعتنا به وأفدتنا ..فجزاك الله خيرا ..

قبل أن نناقش كون شرع من قبلنا شرع لنا أو أنه ليس كذلك ، أثبتنا أن يوسف عليه السلام لم يحكم بشريعة الملك ، وإنما بوحي السماء .
وعليه ؛ فسواء علينا أن نقول : شرع من قبلنا شرع لنا أو ليس شرعا لنا ، لأنه لا ثمرة للخلاف هنا في هذه المسألة ، لأنه -كما أسلفت - لم يحكم بغير شريعة الله تعالى .

فإن أردنا أن نسلم بأنه عليه السلام حكم بشريعة الملك - وهو ممنوع كما بينت - أوردنا سؤالا آخر ؛ وهو : هل شرع من قبلنا شرع لنا أو لا ؟
فإن سلمنا أن شرع من قبلنا هو شرع لنا ،أوردنا عليه :
أن شرع من قبلنا شرع لنا ، لكن إن لم يأت في شرعنا ما ينقضه ، وقد أتى في شرعنا ما ينقضه - على التسليم بأن ذلك كان من يوسف عليه السلام .

والله أعلم بالصواب ، وهو الهادي إلى سواء السبيل .
 

أيمن بن ميرغني

:: متابع ::
إنضم
22 ديسمبر 2007
المشاركات
14
الكنية
أبو محمد
التخصص
علوم الحديث
المدينة
الخرطوم
المذهب الفقهي
بدون
من أفضل ما سمعت في ذلك، القول بأن الملك قد أسلم حين بين له يوسف التوحيد، وهذا من الإيجاز في قوله تعالى: [فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين] فالرسل تتكلم بالتوحيد قبل كل شيء، وكذا الكريم يوسف -عليه السلام- كلم صاحبيه بالتوحيد قبل أن يشرع في تفسير الرؤى.
 

فؤاد الزبيدي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
1 يناير 2008
المشاركات
79
التخصص
التفسير وعلوم القران
المدينة
اسطنبول
المذهب الفقهي
شافعي
فائدة لطيفة جميلة لكن لا يمكن الجزم بذلك الا بوجود اثر صحيح والله اعلم
 

شهاب الدين نقادى

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
8 فبراير 2008
المشاركات
1
السلام عليكم و رحمت الله و بركاته
و بعد
"فالرسل تتكلم بالتوحيد قبل كل شيء، " هذا صحيح و لا شك فيه أخى أيمن لكن هذا الإيجاز - فى نظرى - مخل لأنه إخفاء لأمر هو من الأهمية بمكان و لعل الذى ينقدح فى الذهن بعد تدبر قوله تعالى "قال إنك اليوم لدينا مكين أمين" هو أن الذى كلم يوسف فيه العزيز كان شيء يدل على حنكته السياسية و مهارته الإقتصادية فى تدبير شؤون الدولة فبنى عليهما العزيز مقولته ثم مكن يوسف - عليه السلام - فى أرضه و أمنه على خزائنها و الله أعلم
 

عبد الرشيد الهلالي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
8 يناير 2008
المشاركات
17
من أفضل ما سمعت في ذلك، القول بأن الملك قد أسلم حين بين له يوسف التوحيد، وهذا من الإيجاز في قوله تعالى: [فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين] فالرسل تتكلم بالتوحيد قبل كل شيء، وكذا الكريم يوسف -عليه السلام- كلم صاحبيه بالتوحيد قبل أن يشرع في تفسير الرؤى.

مخرج سديد، ولكن ينقضه ما ورد من قوله تعالى بعد ذلك : ( ما كان ليأخذ اخاه في دين الملك )وهو ظاهر لا يحتاج الى طويل تأمل.
 
أعلى