العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مسائل في النكول ..

إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله .. وبعد , فهذه بعض مسائل النكول أخذتها من بحثي في مرحلة البكالوريوس النكول وأحكامه :

المبحث الأول : تعريف النكول لغة واصطلاحا وأنواعه , وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : تعريف النكول لغة
النكول لغة : مشتق من الفعل نكل , أي نكص وجبن , يقال نكل عن العدو ونكل عن اليمين وفلانا عن الشيء نحاه عنه وبفلان نكلة قبيحة أصابه بنازلة ويقال رماه بنكله ( )

المطلب الثاني : تعريف النكول اصطلاحًا
عُرف النكول اصطلاحًا بتعريفات , منها :
أن تجب اليمين على المنكر فيمتنع منها( )
وقيل : امتناع من وجبت عليه أو له يمين( )
وقيل : الامتناع عن اليمين في مجلس القضاء ( )
وهذا التعريف أجودها لأن النكول المعتبر هو ما كان في مجلس القضاء كما سيأتي في شروط النكول المعتبر .


المطلب الثالث : أنواع النكول
النكول نوعان , هما :
النوع الأول : النكول الحقيقي كأن يُقال له احلف فيقول : لا أحلف , على خلاف في القضاء بهذا النكول من عدمه على ما سيأتي( ) .
النوع الثاني : النكول الحكمي كأن تُطلب منه اليمين فيسكت ولا يحلف فهذا نكول حكمي على أن لا يكون به إذا لم تكن بلسانه آفة ، فإن كانت في لسانه آفة تمنعه عن الجواب ، أو بأذنه آفة تمنعه من السماع لا يجعل امتناعه عن اليمين نكولا حكما ؛ لأنه ما لم يسمع ويقدر على الجواب لا يصير ظالما فلا يجعل نكولا حكما( ) .
وذهب المالكية الى أن من سكت من توجهت عليه اليمين زمنا من غير إظهار نكول فلا يعد سكوته هذا نكولا( ) .
قلت : والقول بأن السكوت نكول هو الأصح لأن السكوت في معرض الحاجة عن البيان بيان( ) .

مسألة : فإن قال : لي بينة أقيمها أو حساب استثبته فهل يعد هذا من النكول الحكمي
اختلف في ذلك على قولين :
القول الأول : أنه ليس بنكول وهذا هو المذهب وقول الشافعية , وقالوا يمهل مدة قريبة كثلاثة أيام مثلا( ) .
القول الثاني : أنه نكول وليس له أن يُمهل وهذا قول أبي الخطاب من الحنابلة .
قال ابن قدامة : والأول أصح لأنه لا يتأخر إلا حقه بخلاف المدعى عليه( ).
 
التعديل الأخير:
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مسائل في النكول ..

المبحث الثاني : ما يترتب على نكول المدعى عليه عن اليمين

إذا طلب القاضي من المدعى عليه اليمين فنكل فما الحكم حينئذ ؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال :
القول الأول : أنه يُقضى على المدعى عليه , ويُلزمه القاضي ما ادُعي عليه , وهذا هو قول الحنفية( ) , وهو المذهب عند الحنابلة( ) , وهو محكي عن جمع من الصحابة منهم عثمان وأبو موسى الأشعري وابن عباس وابن عمر( ) .
واستدلوا بما يلي :
1- قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) آل عمران 77
وجه الدلالة : أن ظاهر الآية تدل على أنه لا يستحق أحد بيمينه مالا هو في الظاهر لغيره وكل من في يده شيء يدعيه لنفسه فالظاهر أنه له حتى يستحقه غيره وقد منع ظاهر الآية والآثار التي ذكرنا أن يستحق بيمينه مالا هو لغيره في الظاهر ولو لا يمينه لم يستحقه لأنه معلوم أنه لم يرد به مالا هو له عند اللّه دون ما هو عندنا في الظاهر إذ كانت الأملاك لا تثبت عندنا إلا من طريق الظاهر دون الحقيقة وفي ذلك دليل على بطلان قول القائلين برد اليمين لأنه يستحق بيمينه ما كان ملكا لغيره في الظاهر .( )
ونوقش بأن معنى الآية أن لا يتعمد اليمين الكاذبة ليقطع بها مال غيره وهذه ليست كذلك ومجرد الإحتمال لا يمنع ولا يمنع المدعى عليه من اليمين الرابعة( ) لئلا
يأخذ بها مال غيره بل يحكم بالظاهر وهو الصدق( ) .

2- مارواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْه )( )
وجه الدلالة : أن مطلق التقسيم يقتضي انتفاء مشاركة كل واحد منهما عن قسم صاحبه فيدل على أن جنس الأيمان في جانب المدعى عليه ولا يمين في جانب المدعي إذ اللام في اليمين للاستغراق فمن جعل الأيمان حجة للمدعي فقد خالف النص .( )
ونوقش بأن هذا لا يلزم لان النبي صلى الله عليه و سلم هو الذي سن رد اليمين على المدعي في القسامة , واستعمال النصوص أولى من تأويل لم يتابع صاحبه عليه وهذا قياس صحيح وهو أصلهم جميعا في القول بالقياس( ) .

3- ما جاء في حديث وَائِلٍ بن حجر عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ الْحَضْرَمِىُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِى عَلَى أَرْضٍ لِى كَانَتْ لأَبِى. فَقَالَ الْكِنْدِىُّ هِىَ أَرْضِى فِى يَدِى أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلْحَضْرَمِىِّ « أَلَكَ بَيِّنَةٌ ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَلَكَ يَمِينُهُ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لاَ يُبَالِى عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَىْءٍ. فَقَالَ « لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلاَّ ذَلِكَ » فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَدْبَرَ « أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ ».( )
وجه الدلالة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حصر حق المدعي في أحد أمرين بينته أو يمين خصمه ، فدل على أن لا حق له في يمين نفسه .( )
ونوقش : بأن الدليل هنا خارج عن محل النزاع إذِ الخصم باذل لليمين بخلاف ما ههنا فإن الخصم ناكل عنه .( )

4- ما رواه الامام أحمد من طريق يزيد بن هارون , وابن أبي شيبة من طريق عباد بن العوام , كلاهما عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر باع غلاما بالبراءة بثمانمائة درهم ثم إن صاحب الغلام خاصم ابن عمر إلى عثمان فقال باعني وبه داء قد علمه لم يبينه لي فقال ابن عمر قد بعته بالبراءة فقال له عثمان تحلف بالله لقد بعته وما به داء علمته فأبى ابن عمر أن يحلف فرد العبد إليه .( )
وجه الدلالة : أن عثمان قضى بالنكول على ابن عمر لما أبى أن يحلف , ولم ينكر عليه ابن عمر بما قضى .
ونوقش من وجهين :
الأول : أن الاستدلال بالحديث المسند أولى من الاستدلال بالموقوف على الصحابة .( )
الثاني : أن مالكًا في موطئه قد روى الخبر عن يحيى بن سعيد الأنصاري وليس فيه أن عثمان قضى بالنكول على ابن عمر , وغاية ما فيه أن ابن عمر هو من ارتجع العبد دون قضاء من عثمان , قال مالك رحمه الله : عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد الله :أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر بالغلام داء لم تسمه لي فاختصما إلى عثمان بن عفان فقال الرجل باعني عبدا وبه داء لم يسمه وقال عبد الله بعته بالبراءة فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه فأبى عبد الله أن يحلف وارتجع العبد فصح عنده فباعه عبد الله بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم .( )
قال ابن حجر : وفي الشامل لابن الصباغ بغير إسناد وزاد أن بن عمر كان يقول تركت اليمين لله فعوضني الله عنها.( )
أي أن ابن عمر قد يكون ترك اليمين تورعا .
ونوقش : بأن هذا احتمال نادر لأن اليمين الصادقة مشروعة فالظاهر أن الإنسان لا يرضى بفوات حقه تحرزا عن مباشرة أمر مشروع ومثل هذا الاحتمال ساقط الاعتبار شرعا .( )

5- ما روي أن شريحًا قضى على رجل بالنكول فقال المدعى عليه أنا أحلف فقال شريح مضى قضائي وكان لا تخفى قضاياه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر فيكون إجماعا منهم على جواز القضاء بالنكول .( )
ونوقش بأنه جاء الخلاف عن بعض الصحابة كما سيأتي , وعلى افتراض القول بعدم وجود الحلاف فإن غايته أن يكون إجماعًا سكوتيًا , وهو مختلف في حجيته .( )

6- أن الشهادة لما كانت لإثبات الدعوى واليمين لإبطالها وجب إن نكل عن اليمين أن تحقق عليه الدعوى .( )



القول الثاني : أن اليمين تُرد إلى المدعي فإن حلف قُضي له وإن امتنع سقطت دعواه , وهذا هو قول المالكية( ) والشافعية( ) ورواية عن أحمد( ) , وهو محكي أيضًا عن جمع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وعلي وزيد( ) .
واستدلوا بما يلي :
1- قال تعالى (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين ) المائدة 108
وجه الدلالة : أن الآية أفادت رد اليمين إلى من شُرعت في حقه أولًا وهما الشاهدان إلى غيرهما , وعليه فيجوز رد اليمين من المدعى عليه إلى غيره .
ونوقش بقول الشوكاني : وأما الاستدلال بيمين الرد بقوله سبحانه: {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، فغلظ ظاهر فإن معنى الآية غير هذا كما هو مبين في كتب التفسير ومع هذا فالجمهور على أنها منسوخة .( )

2- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق .( )
وهذا نص في محل النزاع .
ونوقش بأن الحديث لا يثبت .
قال ابن حجر : فيه محمد بن مسروق لا يُعرف , وإسحاق بن الفرات مختلف فيه .( )
3- عنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَهْلٍ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَبِّرِ الْكُبْرَ- قَالَ يَحْيَى لِيَلِيَ الْكَلاَمَ الأَكْبَرُ - فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ ، أَوْ قَالَ صَاحِبَكُمْ - بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ أَمْرٌ لَمْ نَرَهُ قَالَ فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِهِ قَالَ سَهْلٌ فَأَدْرَكْتُ نَاقَةً مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ فَدَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِي بِرِجْلِهَا.( )
وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل اليمين فى جهة المدعى بقوله للأنصار : ( تحلفون وتستحقون دم صاحبكم ) فلما أبوا حولها إلى اليهود ليبرءوا بها ، فلما ثبت فى سنته صلى الله عليه وسلم أن المدعي قد تنقل إليه اليمين فى الدماء وحرمتها أعظم ؛ فلأن تجعل في ما هو دون ذلك من الحقوق من باب أولى .( )
ونوقش بأنه صلى الله عليه وسلم عرض اليمين على المدعين أولا ، واليمين المردودة : هي التي تطلب من المدعي ، بعد نكول المدعى عليه عنها .( )
وأجيب : بأنها جعلت من جانب المدعي لقوة جانبه باللوث ، فإذا تقوى جانبه بالنكول شرعت في حقه .( )

4- ما جاء عن الشعبي أن المقداد استقرض من عثمان بن عفان رضى الله عنه سبعة آلاف درهم فلما تقاضاه قال إنما هى أربعة آلاف فخاصمه إلى عمر رضى الله عنه فقال إنى قد أقرضت المقداد سبعة آلاف درهم فقال المقداد إنما هى أربعة آلاف فقال المقداد أحلفه أنها سبعة آلاف فقال عمر رضى الله عنه أنصفك فأبى أن يحلف فقال عمر خذ ما أعطاك .( )
ونوقش من وجهين :
الأول : أنه خبر منقطع , فالشعبي لم يدرك القصة قطعًا .
الثاني :لا حجة في الخبر لأن فيه ذكر الرد من غير نكول المدعى عليه وهو خارج عن محل النزاع ثم إن المقداد رضي الله عنه ادعى الإيفاء فأنكر عثمان رضي الله عنه فتوجهت اليمين عليه .( )

5- أن يمين المدعى عليه حجة له في النفي ، كما أن بينة المدعي حجة له في الإثبات ، فلما كان ترك المدعي لحجته موجبا للعدول إلى يمين المدعى عليه ، وجب أن يكون ترك المدعى عليه لحجته موجبا للعدول إلى يمين المدعي .( )
6- أن النكول من أقوى القرائن على صدق دعوى المدعي ولكن لما كان الحامل عليه قد يكون الترفع عن اليمين كما يفعله كثير من المتكبرين وقد يكون الحامل عليه مزيد الغباوة ممن توجهت عليه اليمين وعدم علمه بأن اليمين واجبه عليه وقد يكون الحامل عليه ما يعتقده كثير من العامة أن مجرد الحلف ولو على حق لا يجوز وأنه يأثم الفاعل له فلما كان الأمر هكذا لم يكن مجرد النكول سببا شرعيا للحكم .( )

القول الثالث : أن المدعى عليه يُحبس حتى يجيب بإقرار أو إنكار يحلف معه , وهذا مذهب الظاهرية .
واستدلوا بما يلي
1- أنه لا حق للمدعي على المدعى عليه في ظاهر الأمر، والحكم، إلا الغرامة إن أقر أو ثبت عليه ببينة، أو بيقين الحاكم، أو اليمين إن أنكر فقط، فلما لم يقر، ولا قامت عليه بينة، ولا تيقن الحاكم صدق المدعي: سقطت الغرامة، ولم يبق عليه إلا اليمين التي أوجب الله تعالى، فهو حقه قِبَل المطلوب ، فوجب أخذه به، ولا بد، لا بما سواه . ( )
2- إن نكول الناكل عن اليمين في كل موضع عليه ، يوجب أيضا عليه حكما ، وهو الأدب الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل من أتى منكرا يوجب تغييره باليد .( )
ونوقش بأن تورعه عن اليمين ليس بمنكر ، بل قد يكون واجبا أو مستحبا أو جائزا ، وقد يكون معصية .( )

القول الرابع : أن المدعي إذا انفرد وحده بالعلم بالشيء المدعى به فللقاضي رد اليمين عليه , وإان كان المدعى عليه هو العالم وحده بالشيء المدعى به فيُحكم عليه بالنكول ولا تُرد اليمين , وهذا قول ابن تيمية وابن القيم ( ).
واستدلوا بالجمع بين فتاوى الصحابة في هذه المسألة وقالوا بأن عثمان بن عفان قال لابن عمر : " أحلف بالله لقد بعت العبد وما به داء علمته " ، فأبى , فحكم عليه بالنكول ، ولم يرد اليمين في هذه الصورة على المدعي ، ويقول له : احلف أنت أنه كان عالما بالعيب ، لأن هذا مما لا يمكن أن يعلمه المدعي ، ويمكن المدعى عليه معرفته ، فإذا لم يحلف المدعى عليه لم يكلف المدعي اليمين .
فإن ابن عمر كان قد باعه بالبراءة من العيوب ، وهو إنما يبرأ إذا لم يعلم بالعيب ، فقال له : " احلف أنك بعته وما به عيب تعلمه " .
وهذا مما يمكن أن يحلف عليه دون المدعي ، فإنه قد تعذر عليه اليمين : أنه كان عالما بالعيب ، وأنه كتمه مع علمه به .
وأما أثر عمر بن الخطاب - وقول المقداد : " احلف أنها سبعة آلاف " ، فأبى أن يحلف ، فلم يحكم له بنكول عثمان - فوجهه : أن المقرض إن كان عالما بصدق نفسه وصحة دعواه ، حلف وأخذه ، وإن لم يعلم ذلك لم تحل له الدعوى بما لا يعلم صحته ، فإذا نكل عن اليمين لم يقض له بمجرد نكول خصمه , إذ خصمه قد لا يكون عالما بصحة دعواه ، فإذا قال للمدعي : إن كنت عالما بصحة دعواك فاحلف وخذ ، فقد أنصفه جد الإنصاف .( )
ونوقش بأن الصحيح عن عثمان أنه لم يقض بالنكول على ابن عمر كما مر , وخبر عمر والمقداد ضعيف , فلا يمكن الجمع .
 

أمنة محمد سعيد

:: مطـًـلع ::
إنضم
24 يونيو 2011
المشاركات
162
التخصص
الدراسات الإسلامية
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
سني
رد: مسائل في النكول ..

شكرا على موضوعك الطيب
 

فاطمة الجزائر

:: مشارك ::
إنضم
18 مايو 2011
المشاركات
204
الكنية
فاطمة الجزائر
التخصص
فقه وأصوله. فقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: مسائل في النكول ..

جزاكم الله خيرا
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مسائل في النكول ..

المبحث الثالث : ما يجوز فيه القضاء بالنكول عند القائلين به
مر معنا أن الحنفية والحنابلة يرون أن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين فإنه يقضى عليه بنكوله , لكن هل هذا في كل دعوى ؟
اختُلف في ذلك على أقوال :
القول الأول : أنه يقضى عليه بالنكول في دعاوى المال وما يقصد منه المال ( ) , وهذا المذهب عند الحنابلة .( )
القول الثاني : أنه يُقضى عليه بالنكول في كل ما تصح فيه اليمين مالًا كان أو غيره , وهذه رواية عن الامام أحمد .( ) , وهو قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية .( )
القول الثالث : أنه يقضى عليه بالنكول في كل ما يصح فيه البذل والإباحة كالأموال وقصاص الأطراف , وهذا قول أبي حنيفة ( ).
والقول الثاني أقعد لأن النكول عند من يقول به كالإقرار , ومعلوم أن الإقرار يجري في المال وغيره , والله أعلم .
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مسائل في النكول ..

المبحث الرابع : ما يجوز فيه رد اليمين إلى المدعي عند القائلين به
سبق معنا أن المالكية والشافعية يرون أن المدعى عليه إذا نكل عن اليمين فإن اليمين تُرد إلى المدعي , ولكن هل هذا في كل دعوى ؟
اختُلف في ذلك على قولين :
القول الأول : أن اليمين إنما تُرد للمدعي في المال وحقه ( ) , وهذا قول المالكية .( )
ولم أقف من خلال بحثي القاصر على دليل لهم في هذا , لكن قد يُقال إن حقوق الأبدان والأعراض أعظم من حقوق الأموال فجاز رد اليمين في الثانية دون الأولى لعظم خطرها .
القول الثاني : أن اليمين تُرد على المدعي في كل حق سُمعت فيه الدعوى وجازت المطالبة به , سواء كان الحق مالًا كالعين والدين أو غير مال من قصاص أو نكاح أو طلاق وهذا مذهب الشافعية .( )
واستدلوا بما يلي :
1- عموم قوله صلى الله عليه وسلم : البينة على المدعي واليمين على من أنكر .( )
2- ما جاء من أن النبي صلى الله عليه سلم أحلف ركانة حين طلق امرأته .( )
3- ولأن كل دعوى لزمت الإجابة عنها وجبت اليمين فيها كالقصاص .( )
4- ولأن حقوق الآدميين لا يمتنع فيها استحقاق اليمين اعتبارا بسائر حقوقهم .( )
قلت : وما ذكره الشافعية أصح إن شاء الله تعالى .
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مسائل في النكول ..

شكر الله الجميع ...

المبحث الخامس : تكييف القضاء بالنكول عند القائلين به وثمرة الخلاف في ذلك , وتحته مطلبان :

المطلب الأول : تكييف القضاء بالنكول عند القائلين به
اختلف القائلون بالقضاء بالنكول في تكييف نكول المدعى عليه على أقوال :
القول الأول : أنه بذل ( ) , وهذا قول أبي حنيفة , ووجه عند الحنابلة .
ودليله : أن اليمين لا تبقى واجبة مع النكول لحصول المقصود وإنزاله باذلًا أولى كيلا يصير كاذبًا في الإنكار .( )

القول الثاني : أنه اقرار وهذا قول صاحبي أبي حنيفة ( ), ووجه آخر عند الحنابلة ( )
ودليلهم : أن الناكل كالممتنع من اليمين الكاذبة ظاهرا ، فيصير معترفا بالمدعى ، لأنه لما نكل مع إمكان تخلصه باليمين ، دل ذلك على أنه لو حلف لكان كاذبا ، وذلك دليل على اعترافه ، إلا أنه لما كان دون الإقرار الصريح لم يعمل عمله في الحدود والقيود .

القول الثالث : أنه يقوم مقام الشاهد والبينة لا مقام الاقرار والبذل وهذا اختيار ابن القيم ( )
قال رحمه الله : والصحيح : أن النكول يقوم مقام الشاهد والبينة ، لا مقام الإقرار ولا البذل , لأن الناكل قد صرح بالإنكار ، وأنه لا يستحق المدعي به , وهو مصر على ذلك ، متورع عن اليمين .
فكيف يقال : إنه مقر ، مع إصراره على الإنكار ، ويجعل مكذبا لنفسه ؟ وأيضا ، لو كان مقرا لم تسمع منه بينة نكوله بالإبراء والأداء ، فإنه يكون مكذبا لنفسه .
وأيضا ، فإن الإقرار إخبار وشهادة المرء على نفسه .
فكيف يجعل مقرا شاهدا على نفسه بنكوله ، والبذل إباحة وتبرع ، وهو لم يقصد ذلك ، ولم يخطر على قلبه .
وقد يكون المدعى عليه مريضا مرض الموت ، فلو كان النكول بذلا وإباحة اعتبر خروج المدعى من الثلث .
فتبين أن لا إقرار ولا إباحة , وإنما هو جار مجرى الشاهد والبينة ، فإن " البينة " اسم لما تبين الحق ، ونكوله - مع تمكنه من اليمين الصادقة التي يبرأ بها من المدعى عليه ويتخلص بها من خصمه - دليل ظاهر على صحة دعوى خصمه وبيان أنها حق ، فقام مقام شاهد القرائن .
فإن قيل : فالنبي صلى الله عليه وسلم أجرى السكوت مجرى الإقرار والبذل في حق البكر إذا استؤذنت ؟ قيل : ليس ذلك نكولا ، وإنما هو دليل على الرضا بما استؤذنت فيه ، لأنها تستحي من الكلام ويلحقها العار لكلامها الدال على طلبها ، فنزل سكوتها منزلة رضاها للضرورة , وهاهنا المدعى عليه لا يستحي من الكلام ولا عار عليه فيه فلا يشبه البكر ، والله أعلم .( )


المطلب الثاني : ثمرة الخلاف
قال ابن القيم رحمه الله : وإذا قضي بالنكول فهل يكون كالإقرار أو كالبذل ؟ فيه وجهان ، ينبني عليهما ما إذا ادعى نكاح امرأة واستحلفناها فنكلت ، فهل يقضى عليها بالنكول وتجعل زوجته ؟ فإن قلنا : النكول إقرار حكم له بكونها زوجته وإن قلنا : بذل ، لم نحكم بذلك ، لأن الزوجية لا تستباح بالبذل .
وكذلك لو ادعى رق مجهول النسب ، وقلنا : يستحلف ، فنكل عن اليمين .
وكذلك لو ادعى قذفه واستحلفناه فنكل ، فهل يحد للقذف ؟ ينبني على ذلك .
وكذلك الخلاف في مذهب أبي حنيفة ، فالنكول بذل عنده وإقرار عند صاحبيه .
قال صاحباه : فلا يستحلف في النكاح والرجعة والإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء والحدود ، لأن النكول عند أبي حنيفة بذل وهو لا يجري في هذه الأشياء ، وعندهما يستحلف ، لأنه يجري مجرى الإقرار ، وهو مقبول بها .( )

المبحث السادس : تكييف القضاء برد اليمين عند القائلين به وثمرة الخلاف في ذلك , وتحته مطلبان :

المطلب الأول : تكييف القضاء برد اليمين عند القائلين به
اختلف القائلون برد اليمين في تكييف اليمين المردودة على قولين :
القول الأول : أنها كإقرار الخصم لا كالبينة , وهذا الأظهر من مذهب الشافعية ( ), والأظهر كذلك من مذهب الحنابلة ( )
ودليلهم : أن اليمين إنما تُرد لنكوله , فصارت يمين المدعي كإقرار المدعى عليه( )
القول الثاني : أنها بينة , وهذا أحد القولين في مذهبي الشافعية( ) والحنابلة ( )
ودليلهم : أن البينة حجة من جهة المدعي فقامت اليمين المردودة مقام البينة ( )

المطلب الثاني : ثمرة الخلاف
ذكر الماوردي عدة مسائل في مواطن متفرقة تُبنى على الخلاف السابق , من ذلك :
1- إن طلب البائع يمين المشتري على أن الثمن مائة درهم ففي جواز إخلافه وجهان مخرجان من اختلاف قوليه في يمين المدعي بعد نكول المدعى عليه . هل يجري مجرى البينة أو يجري مجرى الإقرار ؟ فإن قيل : إنما يجري مجرى البينة لم يجب إحلافه : لأنه لو أقام بينة لم تسمع ، وإن قيل : إنها تجري مجرى الإقرار وجب إحلافه .( )

2- إذا ادعي على المفلس مال وأنكر وعرضت اليمين عليه فنكل وحلف المدعي بعد نكوله واستحق فقد اختلف قول الشافعي هل يكون اليمين بعد النكول تجري مجرى البينة أو مجرى الإقرار ؟ فأحد القولين : أنها تجري مجرى البينة ، فعلى هذا يكون المدعي بعد عينه مشاركا للغرماء بدينه . والقول الثاني : أنها تجري مجرى الإقرار ، فعلى هذا هل يكون مشاركا للغرماء بدينه أم لا ؟ على ما ذكرنا من القولين ، والله أعلم .( )

3- لو خلف الميت أخا فادعى مدع أنه ابن الميت فأنكره الأخ ونكل عن اليمين فردت اليمين على المدعي فحلف ثبت نسبه وفي ميراثه قولان مبنيان على اختلاف قوليه في يمين المدعي : هل تجري مجرى البينة ، أو مجرى القرار ؟ أحدهما : أنها تجري مجرى إقرار المدعى عليه ، فعلى هذا لا ميراث للمدعي وإن ثبت نسبه بالبنوة كما لو أقر بنسبه لما فيه توريثه من حجبه . والقول الثاني : أن يمينه بعد النكول تجري مجرى البينة ، فعلى هذا يرث الابن كما لو قامت بينة بنسبه .( )

وقال ابن القيم رحمه الله : لو أقام المدعى عليه بينة بالأداء والإبراء بعد ما حلف المدعي ، فإن قيل : يمينه كالبينة سمعت للمدعى عليه , وإن قيل : هي كالإقرار لم تسمع ، لكونها مكذبة للبينة بالإقرار .( )


هذا ما تيسر ايراده وبيانه والله أعلى وأحكم وصلى الله وسلم على رسوله ..
 
إنضم
14 أبريل 2009
المشاركات
97
التخصص
الهندسة
المدينة
هامبورغ
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: مسائل في النكول ..

بحث مفيد،
بارك الله فيك وجزاك كل خير
 

أم ديالى

:: متابع ::
إنضم
27 مارس 2019
المشاركات
1
التخصص
فقه وأصوله
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مسائل في النكول ..

كتب الله أجرك استفدت من بحثك كثير
 
أعلى