العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مسائل في دليل الإستصحاب

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
بسم الله الرحمن الرحيم

الإستصحاب في اللغة : طلب المصاحبة واستمرارها[1].

واصطلاحا : عرفه الإمام ابن حزم بقوله : بقاء حكم الأصل الثابت بالنصوص حتى يقوم دليل على التغيير[2].

وقال في موضع آخر :" ولا يسقط اليقين بالشك وهذا هو استصحاب الحال"[3].

فواضح أن الإستصحاب هو لإبقاء لدليل كان في زمن سابق فهو ليس دليلا في نفسه ولكنه "إبقاء لدليل" .



تفصيل القول في حالات استثمار الإستصحاب :


قال ابن حزم رحمه الله تعالى : "وأما الذي عملنا فيه بأن سميناه استصحاب الحال فكل أمر ثبت إما بنص أو إجماع فيه تحريم أو تحليل أو إيجاب ثم جاء نص مجمل ينقله عن حاله فإنما ننتقل منه إلى ما نقلنا النص فإذا اختلفوا ولم يأت نص ببرهان على أحد الوجوه التي اختلفوا عليه وكانت كلها دعاوى فإذا ثبت على ما قد صح الإجماع أو النص عليه ونستصحب تلك الحال ولا ننتقل عنها إلى دعاوى لا دليل عليها وهذا القسم موجود كثيرا"[4].

وقد ذكر وهبة الزحيلي أن ابن حزم رحمه الله تعالى يقيد الإستصحاب بكون الأصل مبنيا على نص وليس على مجرد أصل ثابت من الإباحة الأصلية [5].

وما ذهب إليه وهبة الزحيلي واضح من حد الإستصحاب عند ابن حزم –كما نقله العلامة وهبة نفسه- :" بقاء حكم الأصل الثابت بالنصوص حتى يقوم دليل على التغيير".

لكن الحقيقة أن ابن حزم رحمه الله تعالى يعتبر أن الأصل في الأشياء الإباحة , وهو قد وصل إلى هذه النتيجة من طريق غير طريق المتكلمين فقد استدل على نتيجته بالشرع لأن الأصل عنده هو الوقف , ومن حجته قوله تعالى لآدم:" ولكم في الأرض مستقر ومتاع حتى حين" أما المتكلمون فاستدلوا لنتيجتهم بالعقل ويمكن مراجعة المسألة في الجزء الأول من الإحكام .



وقد بنى نظرته للإستصحاب[6] على قاعدة اليقين لا يزول إلا بيقين لقوله الذي نقلته سابقا:" ولا يسقط اليقين بالشك وهذا هو استصحاب الحال"



أنواعه :

قال الرازي : "وهو على ضربين :أحدهما : استصحاب أصل العقل والثاني استصحاب الدلالة"[7] .

فأما استصحاب أصل العقل فيفسره بقوله :"فإن لم يكن في الواقعة قبل الإشتباه حكم شرعي كان استصحابا بحكم العقل"

ويندرج تحت هذا النوع حكم الإباحة الأصلية , وقد وافق ابن حزم الرازي في النتيجة وخالفه في طريق الوصول إليها وقد بينت ذلك من قبل, فابن حزم يرى أن الأصل في الأشياء الوقف وقد بنى رأيه هذا على مسألة أن العقل مميز بين الطبائع وليس بحاكم. ولكنه قال قد وجدنا الشرع يحكم على الأشياء بالإباحة الأصلية فقال تعالى:" ولكم في الأرض مستقر ومتاع حتى حين" .

أما الرازي والمتكلمين عامة فهم يرون دخلا للعقل في الأحكام وبالتالي فإن عقولهم حكمت بالإباحة على الأشياء أصالة.

واما استصحاب الدلالة فيبين الرازي مقصوده منه بقوله :"إذا عرفنا ثبوت ملك أو نكاح أو ما أشبههما , فإذا بينا بعدهما : أنه لايوجد ما يوجب تغير ما تقدم يلزم أن يبقى الحكم مستمرا"[8].

فما ثبت بدليل لاينتقض إلا بدليل وقد سمى ابن القيم رحمه الله هذا النوع "استصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه"[9] . كالملك عند وجود سببه فإنه يظل ثابتا حتى يثبت خلافه ...وقد يثبت العقل استصحاب هذا النوع من جهة أن العقل ما رأى تغيرا في الشروط التي أدت إلى الشروع في ذاك الوصف فإن رأى تغيرا عاد إلى الشرع ينظر في ماهية الطارئ وقول الشرع فيه...

ويتفرع عن هذا القسم أعني استصحاب الدلالة مسألة اختلف فيها أهل العلم وهي :"استصحاب حكم ثابت بالإجماع في محل الخلاف بين العلماء"

كمن تيمم عند فقد الوضوء وعند شروعه في الصلاة رأى الماء , أيتم صلاته استصحابا للإجماع الذي انعقد في حال انعدامه بناء على أن صحة الشروع دالة على صحة الدوام ؟ أم تبطل الصلاة لأنهم أجمعوا في حالى العدم لا الوجود ؟

فمذهب أهل الظاهر والشافعي وأبي ثور أن يتمسك بالإستصحاب ويتم الصلاة , لأن تبدل حال المحل المجمع على حكمه أولا كتبدل زمانه ومكانه وشخصه , وتبدل هذه الأمور وتغيرها لا يمنع استصحاب ما ثبت له قبل التبدل , مما يدل على ان تبدل الوصف لا يمنع العمل بالإستصحاب , يقول الإمام ابن حزم رحمه الله :" ونحن لا ننكر الانتقال من حكم أوجبه القرآن أو السنة إذ جاء نص آخر ينقلنا عنه إنما أنكرنا الانتقال عنه بغير نص أوجب النقل عنه لكن لتبدل حال من أحواله أو لتبدل زمانه أو مكانه فهذا هو الباطل الذي أنكرناه "[10]

ويقول رحمه الله تعالى وكأنه يرد على الحنفية القائلين بعدم صحة الصلاة :" وكل احتياط أدى إلى الزيادة في الدين ما لم يأذن به الله تعالى أو إلى النقص منه أو إلى تبديل شيء منه فليس احتياطا ولا هو خيرا بل هو هلكة وضلال وشرع لم يأذن به الله تعالى والاحتياط كله لزوم القرآن والسنة"[11] .

الإستصحاب هل يفيد الظن أم القطع ؟



قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في معرض رده على الإمام داود الأصفهاني:"فالإستصحاب في كثير من المواضع من أضعف الأدلة"[12]

قال الرافضي جعفر السبحاني –هداه الله وإلا أراه منه البلاد-:" عرّف الاستصحاب بوجوه مختلفة، نذكر منها ما يلي:

أ: ما ذكره الشيخ بهاء الدين العاملي:إثبات الحكم في الزمان الثاني تأويلاً على ثبوته في الزمن الأوّل وقد أشار في تعريفه إلى ركني الاستصحاب، أعني: اليقين والشك، بقوله: «تأويلاً على ثبوته في الزمن الأوّل» حيث إنّ ثبوته في الزمان الأوّل، لأجل قيام الحجّة عليه أي «اليقين»، وإثباته في الزمان الثاني تأويلاً عليه، يدل على عدم الدليل عليه فيه سوى ثبوته في الزمان الأوّل وهو يلازم الشك"[13]

حاصل ما ذكره الرافضي أن إجراء حكم الزمن الأول على الزمن الثاني مظنون , لأن هذا الإجراء ناتج عن عدم العلم بالدليل ..

وليس الأمر كذلك لأن الإستصحاب ليس بحجة إلا فيما دل الدليل على ثبوته ودوامه بشرط عدم المغير فهو في الحقيقة عبارة عن تمسك بدليل شرعي {أو عقلي} وليس راجعا إلى عدم العلم بالدليل , بل إلى دليل مع العلم بانتفاء المغير [14].

وأما قول ابن تيمية رحمه الله من ان الإستصحاب كثيرا ما يكون اضعف الأدلة , فلم أجد له وجها – ربما لقصوري- ولكن ما أعلمه الآن : أن الإستصحاب بقاء في جهة اليقين ولذلك قال ابن حزم :" ولا يسقط اليقين بالشك وهذا هو استصحاب الحال".

ونحن إنما أمرنا باتباع اليقين واطراح الظن والإستصحاب بقاء على المتيقن من الأحكام حتى يدل دليل على النقلة.









--------------------------------------------------------------------------------

[1] - تيسير أصول الفقه لعبد الله الجديع 2/ 70 – أصول الفقه لوهبة الزحيلي 2/ 859

[2] - الإحكام نقلا عن وهبة الزحيلي وإلا فإنني لم أجد هذا التعريف في الإحكام!!

[3] - السابق

[4] - الإحكام لابن حزم 3/ 404

[5] - أصول الفقه الإسلامي ج2/ 860

[6] - ابن حزم لأبي زهرة ص 373

[7] - الكاشف عن أصول الدلائل واصول العلل للرازي ص 129

[8] - الكاشف عن أصول الدلائل ص 129-130

[9] - أصول الفقه للزحيلي ج2/ 862

[10] - الإحكلم لابن حزم 5/ 7

[11] - السابق ص8

[12] - مجموع الفتاوى 13/ 112

[13] - إرشاد العقول إلى مباحث الأصول لجعفر السبحاني الرافضي ج2

[14] - انظر بلا أمر المستصفى ص 254
 
إنضم
15 أغسطس 2016
المشاركات
120
الإقامة
مكناس - المغرب
الجنس
ذكر
الكنية
امصنصف
التخصص
الدراسات الإسلامية
الدولة
المغرب
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
رد: مسائل في دليل الإستصحاب

الاستصحاب
- الاستصحاب هو الحكم بثبوت أمر أو نفيه في الزمان الحاضر أو المستقبل، بناء على ثبوته أو عدمه في الزمن الماضي لعدم قيام الدليل على تغييره.
وهو حجة عند الامام الشوكاني.
- و) صور ( الاستصحاب خمسة أنواع:
1. استصحاب حكم الاباحة الأصلية للأشياء التي لم يرد دليل بتحريمها، ولا خلاف فيه.
2. استصحاب العموم إلى أن يرد التخصيص، واستصحاب النص إلى أن يرد النسخ، ولا خلاف فيه.
3. استصحاب ما دل العقل والشرع على ثبوته ودوامه، وفيه خلاف.
4. استصحاب العدم الأصلي، ولا خلاف فيه.
5. استصحاب حكم ثابت بالإجماع في محل الخلاف بين العلماء، وفيه خلاف.
- والنوع الثاني والثالث والرابع استصحاب حال العقل، والخامس استصحاب حال الإجماع.
- وهناك من جعل النوع الأول والرابع نوعا واحدا وسماه البراءة الأصلية، وأضاف نوعا آخر وهو الاستصحاب المقلوب الحال في الماضي، ويراد به ثبوت أمر في الزمن السابق بناء على ثبوته في الزمن الحاضر حتى يثبت خلافه.
 
أعلى