سلطان عبد الله السعيدي
:: متابع ::
- إنضم
- 18 أغسطس 2010
- المشاركات
- 12
- التخصص
- لغة
- المدينة
- مكة
- المذهب الفقهي
- الدليل الصحيح
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فهذه مسائل متعلقة بزكاة الفطر يكثر السؤال عنها ، وتشتد الحاجة إليها ، رأيت إيضاحها وبيانها رجاء أن ينفع الله بها ، وقد سرت فيها على طريقتي المعتادة أذكر أقوال أهل العلم في المسألة ، ودليل كل قول ، ومأخذه ، وما يرد عليه ، كل ذلك إن وجد ، ثم أرجح ما أعتقده راجحا بالدليل ، ولم أستوعب كل المسائل الواردة في الباب ، بل اقتصرت على الأهم والأشهر ...
مسـ(1)ـألة : حكمها :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم زكاة الفطر على قولين :
القول الأول : أنها واجبة ، وهذا مذهب جمهور أهل العلم : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية .
[ انظر : بدائع الصنائع ( 2 / 69 ) ، مواهب الجليل ( 3 / 255 ) ، المجموع ( 6 / 103 ) ، المغني ( 4 / 281 ) ، المحلى ( 6 / 118 ) ] .
واستدلوا على ذلك بما يلي :
- ما أخرجه الشيخان [ خ ( 1151 ) ، م ( 984 ) ] عن ابن عمر t، قال : " فرض رسول الله r صدقة الفطر صاعا من شعير ،أو صاعا من تمر على الصغير والكبير ، والحر والمملوك " .
وجه الاستدلال بالحديث : من قوله : " فرض " ، والقاعدة في الأصول : [ أن لفظ الفرض يدل على الوجوب ] ، ومأخذ ذلك اللغة .
وأجيب :بأن المراد بقول ابن عمر رضي الله عنهما " فرض " : أي قدر ، والفرض في اللغة يأتي بمعنى التقدير ، قال تعالى : فنصف ما فرضتم أي قدرتم من المهر .
ونوقش من وجهين :
- أن الفرض في عرف الشارع نقل إلى الوجوب فيجب الحمل عليه ، لأن القاعدة في الأصول : [ إذا تعارضت الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية قدمت الشرعية ] .
[ انظر : إحكام الأحكام لابن دقيق العيد ص : 388 ] .
- أنه قد جاء في رواية عند الشيخين [ خ ( 1053 ) ، م ( 2335 ) ] بلفظ : " أمر " ، وبهذا ينتفي الاحتمال الذي ذكروه .
- ما أخرجه أبو داود ( 1609 ) وابن ماجه ( 1827 ) عن ابن عباس ، قال : " فرض رسول الله r زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة ، فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة ، فهي صدقة من الصدقات " .
وجه الاستدلال بالحديث : يقال فيه ما قيل في سابقه ، ويرد عليه من المناقشة ما تقدم ...
- الإجماع حكاه ابن المنذر رحمه الله تعالى [ الإجماع ص 49 ] ، والقاعدة في الأصول : [ أن الإجماع حجة في إثبات الأحكام ] .
وأجيب : بأنه ليس في المسألة إجماع ، فالخلاف موجود على ما سوف يأتي بيانه ، والقاعدة في الأصول : [ لا ينعقد الإجماع مع وجود المخالفة ] .
ونوقش : بأن المخالفة متأخرة ، فالمقصود إجماع الصحابة ، والقاعدة في الأصول : [ أن الخلاف لا يرفع الإجماع ] .
ورد : بأن غاية ما فيه أنه قول البعض وسكوت البعض ، والقاعدة في الأصول : [ لا ينعقد الإجماع إلا بقول الجميع أو فعلهم ] ، وبعبارة أخرى : [ أن الإجماع السكوتي ليس بحجة في إثبات الأحكام ] ، وقد أحسن الإمام إسحاق رحمه الله حين قال في المسألة هي كالإجماع بين أهل العلم [ المغني ( 4 /281 ) ] ، ولم يجزم بدعوى الإجماع كما فعل ابن المنذر .
القول الثاني : أنها مستحبة ، وبهذا قال أشهب من المالكية وابن اللبان من الشافعية وبعض أهل الظاهر ، وعزاه النووي في شرح مسلم إلى داود بن علي الظاهري في آخر أمره ، وفي المحلى أن أبا سليمان دود بن علي يقول بالوجوب ، وحكي القول به عن إبراهيم بن علية ، وأبو بكر بن الأصم من المعتزلة .
[ انظر : فتح الباري لابن حجر ( 3 / 291 ) ، شرح مسلم للنووي ( 7 / 58 ) ، المحلى لابن حزم ( 6 / 118 ) ] .
واستدلوا على ذلك بما يلي :
- ما أخرجه النسائي ( 2507 ) وابن ماجه ( 1828 ) من حديث قيس بن سعد t ، قال : " أمرنا رسول الله r بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة ، لم يأمرنا ، ولم ينهنا ، ونحن نفعله " .
وجه لاستدلال بالحديث : أن النبي r ترك أمرهم بها ، وهذا دليل على نسخ وجوبها .
وأجيب : بأن القاعدة في الأصول : [ أن النسخ لا يثبت بالاحتمال ] ، وبعبارة أخرى : [ الأصل في النصوص الإحكام ] ، فيحتمل أن النبي r قد اكتفى بالأمر الأول ، والقاعدة في الأصول : [ إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال ] ، ونزول فرض من الفرائض لا يقتضي سقوط فرض آخر .
الترجيح :
تبين لي بعد عرض الأقوال في المسألة ، وأدلة كل قول ، أن الراجح في المسألة القول الأول ، وذلك لسلامة بعض أدلته من المناقشة ، وعدم سلامة أدلة الأقوال الأخرى .
مسـ(2)ـألة : حكمها في حق أهل البادية :
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها واجبة في حقهم ، وبهذا قال أكثر أهل العلم .
[ انظر : المغني ( 4 / 289 ) ] .
ودليلهم في ذلك : حديث ابن عمر رضي الله عنه ، قال : " فرض رسول الله r صدقة الفطر صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر على الصغير والكبير ، والحر والمملوك " .
وجه الاستدلال بالحديث : أما الوجوب فقد تقدم تقريره ، وأما وجه كونه شاملاً لأهل البادية فمن قوله : " الصغير والكبير " ، فهذا مفرد محلى بـ أل الجنسية ، والقاعدة في الأصول : [ أن أل الجنسية تفيد عموم مدخولها ] ، وعليه فيشمل كل كبير وصغير من أهل البادية وغيرهم .
القول الثاني : أنها لا تجب عليهم ، وبهذا قال عطاء والزهري وربيعة ، وحكاه ابن رشد رحمه الله عن الليث .
[ المغني ( 4 / 289 ) ، بداية المجتهد ( 2 / 661 )] .
دليلهم : لا أعرف لهم دليلا فيما ذهبوا إليه .
قال ابن رشد رحمه الله في بداية المجتهد ( 2 / 661 ) : " ولا حجة له " .
الترجيح :
الراجح في المسألة القول الأول لعموم حديث ابن عمر t ولا مخصص .
مسـ(3)ـألة : زكاة الفطر عن المرأة المتزوجة على من تجب :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها تجب على المرأة نفسها ، وهذا مذهب الحنفية ، والظاهرية ، وبه قال الثوري وابن المنذر .
[ انظر : بدائع الصنائع ( 2 / 72 ) ، المحلى ( 6 / 136 ) ، المغني ( 4 / 302 ) ].
ودليلهم في ذلك : حديث ابن عمر رضي الله عنه ، قال : " فرض رسول r صدقة الفطر صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر على الصغير والكبير ، والحر والمملوك " .
وجه الاستدلال بالحديث : أما الوجوب فقد تقدم تقريره ، أما وجه كونه متعلق بالزوجة نفسها فمن قوله : " على الذكر والأنثى " ، فظـاهر اللفظ أن الوجوب متعلق بالأنثى بذاتها كما هو متعلق بالذكر ، والقاعدة في الأصول : [ يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها ] .
وأجيب : بأن المراد عن الأنثى ، لما سوف يأتي بيانه إن شاء الله .
ونوقش : بأن هذا تأويل ، والقاعدة في الأصول : [ أنه لا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره إلا بدليل ] ، وما ذكروه لا يصلح دليلا على ما سوف يأتي تقريره إن شاء الله .
القول الثاني : أنها تجب على زوجها ، وهذا مذهب المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وبه قال إسحاق .
[ انظر : مواهب الجليل ( 3 / 265 ) ، المجموع ( 6 / 113 ) ، المغني ( 4 / 302 ) ] .
دليلهم في ذلك :
1 - ما أخرج الدارقطني في السنن ( 220 ) ومن طريقه البيهقي ( 4 / 161 ) , من طريق ثنا القاسم بن عبد الله بن عامر بن زرارة , حدثنا عمير بن عمار الهمداني , ثنا الأبيض بن الأغر , حدثني الضحاك بن عثمان , عن نافع , عن ابن عمر , قال : " أمر رسول الله r بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون " .
وجه الاستدلال بالحديث : من قوله : " ممن تمونون " ، فظاهر الحديث بل قريب من النص أنه يجب عليه إخراج الزكاة عمن ينفق عليه .
وأجيب : بأن الحديث ضعيف في إسناده القاسم بن عبد الله ليس بالقوي قاله الدارقطني ، والقاعدة في الأصول : [ أن ضعف الراوي يقتضي رد خبره ] .
ونوقش : بأنه قد أخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن همام , حدثني علي بن موسى الرضا , عن أبيه , عن جده , عن آبائه به مرفوعا .
وردت المناقشة : بأن في إسناده إسماعيل بن همام الشيعي مجهول ، والقاعدة في الأصول : [ أن جهالة الراوي تقتضي ضعف الحديث ] .
واحتج الشافعي بما أخرج من طريق إبراهيم بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن رسول الله r " فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون " .
ويجاب عنه من وجهين :
- أنه مرسل ، والقاعدة في الأصول : [ أن الحديث المرسل ليس بحجة في إثبات الأحكام ] .
- أنه من رواية إبراهيم بن محمد بن أبي يحي الأسلمي وهو كذاب كما قاله غير واحد من الأئمة [ انظر : تهذيب التهذيب ( 1 / 83 ) ] .
قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله في المحلى ( 6 / 137 ) : " وفي هذا المكان عجب عجيب ! ، وهو أن الشافعي لا يقول بالمرسل ، ثم أخذها هنا بأنتن مرسل في العالم من رواية ابن أبي يحيى ! " .
وفي طرح التثريب للعراقي رحمه الله ( 4 / 55 ) : " وعبر ابن حزم هنا بعبارة بشعة فقال ....ولم ينفرد به ابن أبي يحيى ، فقد رواه غيره ، وقد روي من حديث ابن عمر أيضا كما تقدم ، ثم إن المعتمد القياس على النفقة ، مع ما انضم إلى ذلك من فعل ابن عمر راوي الحديث ، ففي الصحيحين عنه أنه كان يعطي عن الصغير والكبير ، قال نافع : حتى إن كان ليعطي عن بنيه " .
قلت : فعل ابن عمر رضي الله عنه لا يدل على الوجوب ، وهذا هو محل البحث ..
2 – القياس : أي قياس زكاة الفطر على النفقة .
وأجيب عنه : بأنه قياس معارض للنص ( فساد الاعتبار ) ، والقاعدة في الأصول : [ أنه إذا تعارض النص والقياس قدم النص ] .
وجواب آخر : أنه قياس مع الفارق ، ووجه الفرق : أنهم قالوا بأن الرجل إذا أعسر وكانت زوجته أمة فإنه يجب على سيدها أن يخرج عنها صدقة الفطر ولم يقولوا ذلك في النفقة ، وقالوا أيضا : لا يجب على المسلم إخراج صدقة الفطر عن زوجته الكتابية مع أنه يجب عليه نفقتها ، والقاعدة في الأصول : [ أن الفارق المؤثر قادح في صحة القياس ] .
الترجيح :
تبين لي بعد عرض الأقوال وأدلتها أن الراجح في هذه المسألة القول الأول ، لظاهر حديث ابن عمر ، وعدم ثبوت ما يقتضي العدول عنه .
مسـ(4)ـألة : زكاة الفطر عن الصغير على من تجب :
قلت اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها واجبة على من ينفق عليه ، وهذا مذهب الجمهور : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
[ انظر : المصادر السابق ] .
القول الثاني : أنها واجبة عليه ، وهذا مذهب الظاهرية .
[ انظر : المحلى ( 6 / 137 ) ] .
ويقال في الاستدلال نظير ما سبق في المسألة التي قبلها ، وعليه فالراجح في المسألة القول الثاني لظاهر لحديث ابن عمر t ، والقاعدة في الأصول : [ يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها ، ولا يجوز تأويلها إلا بدليل ] ، ولا دليل .
مسـ(5)ـألة : هل تجب زكاة الفطر عن الجنين :
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها لا تجب عنه ، وبهذا قال أكثر أهل العلم .
[ انظر : المغني ( 4 / 316 ) ].
دليلهم : أنه لا يصدق عليه اسم الصغير لا لغة ولا عرفا ، والأصل عدم الوجوب .
[ انظر : فتح الباري ( 3 / 369 ) ] .
القول الثاني : أنها واجبة عنه ، وبهذا قال الظاهرية ، وأحمد في رواية .
[ انظر : المحلى ( 6 / 132 ) ، المغني ( 4 / 316 ) ].
دليلهم : عموم حديث ابن عمر t المتقدم ، حيث جاء فيه : " على الكبير والصغير " ، فلفظ الصغير مفرد محلى بـ أل الجنسية ، والقاعدة في الأصول : [ أن أل الجنسية تفيد العموم ] ، واسم الصغير لغة صادق عليه بعد نفخ الروح ، إذ الصغير في اللغة مقابل الكبير ، والكبر نسبي ، فهو أصغر من المولود وهكذا .
الترجيح :
تبين لي بعد عرض القولين أن الراجح في المسألة القول الثاني ، لعموم حديث ابن عمر t .
مسـ(6)ـألة : زكاة الفطر عن العبد على من تجب :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها تجب على العبد ، وبهذا قال داود الظاهري رحمه الله .
[ انظر : المحلى ( 6 / 133 ) ] .
دليله في ذلك : حديث ابن عمر t السابق ، وفيه : " على الحر والمملوك " ، فظاهر اللفظ أن الوجوب متعلق بالمملوك بذاته كما هو متعلق بالحر ، والقاعدة في الأصول : [ يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها ] ، وعليه فيجب على السيد أن يمكنه من كسبها كما يجب عليه أن يمكنه من صلاة الفرض .
القول الثاني : أنها تجب على السيد ، وهذا مذهب الجهور : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، وبه قال ابن حزم رحمه الله .
[ انظر : المصادر السابقة ] .
ودليلهم : ما أخرج مسلم في الصحيح ( 982 ) عن أبي هريرة t مرفوعا : " ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر " ، فهذا الحديث صريح في وجوبها على السيد ، وعليه فيؤول قوله في حديث ابن عمر t: " على الحر و المملوك " ، أي عن المملوك .
الترجيح :
تبين لي بعد عرض القولين وأدلتهما أن الراجح في المسألة القول الثاني لأن حديث أبي هريرة t صريح أو كالصريح في وجوبها على السيد .
فهذه مسائل متعلقة بزكاة الفطر يكثر السؤال عنها ، وتشتد الحاجة إليها ، رأيت إيضاحها وبيانها رجاء أن ينفع الله بها ، وقد سرت فيها على طريقتي المعتادة أذكر أقوال أهل العلم في المسألة ، ودليل كل قول ، ومأخذه ، وما يرد عليه ، كل ذلك إن وجد ، ثم أرجح ما أعتقده راجحا بالدليل ، ولم أستوعب كل المسائل الواردة في الباب ، بل اقتصرت على الأهم والأشهر ...
...............................................................................
مسـ(1)ـألة : حكمها :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حكم زكاة الفطر على قولين :
القول الأول : أنها واجبة ، وهذا مذهب جمهور أهل العلم : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية .
[ انظر : بدائع الصنائع ( 2 / 69 ) ، مواهب الجليل ( 3 / 255 ) ، المجموع ( 6 / 103 ) ، المغني ( 4 / 281 ) ، المحلى ( 6 / 118 ) ] .
واستدلوا على ذلك بما يلي :
- ما أخرجه الشيخان [ خ ( 1151 ) ، م ( 984 ) ] عن ابن عمر t، قال : " فرض رسول الله r صدقة الفطر صاعا من شعير ،أو صاعا من تمر على الصغير والكبير ، والحر والمملوك " .
وجه الاستدلال بالحديث : من قوله : " فرض " ، والقاعدة في الأصول : [ أن لفظ الفرض يدل على الوجوب ] ، ومأخذ ذلك اللغة .
وأجيب :بأن المراد بقول ابن عمر رضي الله عنهما " فرض " : أي قدر ، والفرض في اللغة يأتي بمعنى التقدير ، قال تعالى : فنصف ما فرضتم أي قدرتم من المهر .
ونوقش من وجهين :
- أن الفرض في عرف الشارع نقل إلى الوجوب فيجب الحمل عليه ، لأن القاعدة في الأصول : [ إذا تعارضت الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية قدمت الشرعية ] .
[ انظر : إحكام الأحكام لابن دقيق العيد ص : 388 ] .
- أنه قد جاء في رواية عند الشيخين [ خ ( 1053 ) ، م ( 2335 ) ] بلفظ : " أمر " ، وبهذا ينتفي الاحتمال الذي ذكروه .
- ما أخرجه أبو داود ( 1609 ) وابن ماجه ( 1827 ) عن ابن عباس ، قال : " فرض رسول الله r زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة ، فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة ، فهي صدقة من الصدقات " .
وجه الاستدلال بالحديث : يقال فيه ما قيل في سابقه ، ويرد عليه من المناقشة ما تقدم ...
- الإجماع حكاه ابن المنذر رحمه الله تعالى [ الإجماع ص 49 ] ، والقاعدة في الأصول : [ أن الإجماع حجة في إثبات الأحكام ] .
وأجيب : بأنه ليس في المسألة إجماع ، فالخلاف موجود على ما سوف يأتي بيانه ، والقاعدة في الأصول : [ لا ينعقد الإجماع مع وجود المخالفة ] .
ونوقش : بأن المخالفة متأخرة ، فالمقصود إجماع الصحابة ، والقاعدة في الأصول : [ أن الخلاف لا يرفع الإجماع ] .
ورد : بأن غاية ما فيه أنه قول البعض وسكوت البعض ، والقاعدة في الأصول : [ لا ينعقد الإجماع إلا بقول الجميع أو فعلهم ] ، وبعبارة أخرى : [ أن الإجماع السكوتي ليس بحجة في إثبات الأحكام ] ، وقد أحسن الإمام إسحاق رحمه الله حين قال في المسألة هي كالإجماع بين أهل العلم [ المغني ( 4 /281 ) ] ، ولم يجزم بدعوى الإجماع كما فعل ابن المنذر .
القول الثاني : أنها مستحبة ، وبهذا قال أشهب من المالكية وابن اللبان من الشافعية وبعض أهل الظاهر ، وعزاه النووي في شرح مسلم إلى داود بن علي الظاهري في آخر أمره ، وفي المحلى أن أبا سليمان دود بن علي يقول بالوجوب ، وحكي القول به عن إبراهيم بن علية ، وأبو بكر بن الأصم من المعتزلة .
[ انظر : فتح الباري لابن حجر ( 3 / 291 ) ، شرح مسلم للنووي ( 7 / 58 ) ، المحلى لابن حزم ( 6 / 118 ) ] .
واستدلوا على ذلك بما يلي :
- ما أخرجه النسائي ( 2507 ) وابن ماجه ( 1828 ) من حديث قيس بن سعد t ، قال : " أمرنا رسول الله r بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة ، لم يأمرنا ، ولم ينهنا ، ونحن نفعله " .
وجه لاستدلال بالحديث : أن النبي r ترك أمرهم بها ، وهذا دليل على نسخ وجوبها .
وأجيب : بأن القاعدة في الأصول : [ أن النسخ لا يثبت بالاحتمال ] ، وبعبارة أخرى : [ الأصل في النصوص الإحكام ] ، فيحتمل أن النبي r قد اكتفى بالأمر الأول ، والقاعدة في الأصول : [ إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال ] ، ونزول فرض من الفرائض لا يقتضي سقوط فرض آخر .
الترجيح :
تبين لي بعد عرض الأقوال في المسألة ، وأدلة كل قول ، أن الراجح في المسألة القول الأول ، وذلك لسلامة بعض أدلته من المناقشة ، وعدم سلامة أدلة الأقوال الأخرى .
..............................................................................
مسـ(2)ـألة : حكمها في حق أهل البادية :
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها واجبة في حقهم ، وبهذا قال أكثر أهل العلم .
[ انظر : المغني ( 4 / 289 ) ] .
ودليلهم في ذلك : حديث ابن عمر رضي الله عنه ، قال : " فرض رسول الله r صدقة الفطر صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر على الصغير والكبير ، والحر والمملوك " .
وجه الاستدلال بالحديث : أما الوجوب فقد تقدم تقريره ، وأما وجه كونه شاملاً لأهل البادية فمن قوله : " الصغير والكبير " ، فهذا مفرد محلى بـ أل الجنسية ، والقاعدة في الأصول : [ أن أل الجنسية تفيد عموم مدخولها ] ، وعليه فيشمل كل كبير وصغير من أهل البادية وغيرهم .
القول الثاني : أنها لا تجب عليهم ، وبهذا قال عطاء والزهري وربيعة ، وحكاه ابن رشد رحمه الله عن الليث .
[ المغني ( 4 / 289 ) ، بداية المجتهد ( 2 / 661 )] .
دليلهم : لا أعرف لهم دليلا فيما ذهبوا إليه .
قال ابن رشد رحمه الله في بداية المجتهد ( 2 / 661 ) : " ولا حجة له " .
الترجيح :
الراجح في المسألة القول الأول لعموم حديث ابن عمر t ولا مخصص .
...............................................................................
مسـ(3)ـألة : زكاة الفطر عن المرأة المتزوجة على من تجب :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها تجب على المرأة نفسها ، وهذا مذهب الحنفية ، والظاهرية ، وبه قال الثوري وابن المنذر .
[ انظر : بدائع الصنائع ( 2 / 72 ) ، المحلى ( 6 / 136 ) ، المغني ( 4 / 302 ) ].
ودليلهم في ذلك : حديث ابن عمر رضي الله عنه ، قال : " فرض رسول r صدقة الفطر صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر على الصغير والكبير ، والحر والمملوك " .
وجه الاستدلال بالحديث : أما الوجوب فقد تقدم تقريره ، أما وجه كونه متعلق بالزوجة نفسها فمن قوله : " على الذكر والأنثى " ، فظـاهر اللفظ أن الوجوب متعلق بالأنثى بذاتها كما هو متعلق بالذكر ، والقاعدة في الأصول : [ يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها ] .
وأجيب : بأن المراد عن الأنثى ، لما سوف يأتي بيانه إن شاء الله .
ونوقش : بأن هذا تأويل ، والقاعدة في الأصول : [ أنه لا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره إلا بدليل ] ، وما ذكروه لا يصلح دليلا على ما سوف يأتي تقريره إن شاء الله .
القول الثاني : أنها تجب على زوجها ، وهذا مذهب المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وبه قال إسحاق .
[ انظر : مواهب الجليل ( 3 / 265 ) ، المجموع ( 6 / 113 ) ، المغني ( 4 / 302 ) ] .
دليلهم في ذلك :
1 - ما أخرج الدارقطني في السنن ( 220 ) ومن طريقه البيهقي ( 4 / 161 ) , من طريق ثنا القاسم بن عبد الله بن عامر بن زرارة , حدثنا عمير بن عمار الهمداني , ثنا الأبيض بن الأغر , حدثني الضحاك بن عثمان , عن نافع , عن ابن عمر , قال : " أمر رسول الله r بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون " .
وجه الاستدلال بالحديث : من قوله : " ممن تمونون " ، فظاهر الحديث بل قريب من النص أنه يجب عليه إخراج الزكاة عمن ينفق عليه .
وأجيب : بأن الحديث ضعيف في إسناده القاسم بن عبد الله ليس بالقوي قاله الدارقطني ، والقاعدة في الأصول : [ أن ضعف الراوي يقتضي رد خبره ] .
ونوقش : بأنه قد أخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن همام , حدثني علي بن موسى الرضا , عن أبيه , عن جده , عن آبائه به مرفوعا .
وردت المناقشة : بأن في إسناده إسماعيل بن همام الشيعي مجهول ، والقاعدة في الأصول : [ أن جهالة الراوي تقتضي ضعف الحديث ] .
واحتج الشافعي بما أخرج من طريق إبراهيم بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، أن رسول الله r " فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون " .
ويجاب عنه من وجهين :
- أنه مرسل ، والقاعدة في الأصول : [ أن الحديث المرسل ليس بحجة في إثبات الأحكام ] .
- أنه من رواية إبراهيم بن محمد بن أبي يحي الأسلمي وهو كذاب كما قاله غير واحد من الأئمة [ انظر : تهذيب التهذيب ( 1 / 83 ) ] .
قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله في المحلى ( 6 / 137 ) : " وفي هذا المكان عجب عجيب ! ، وهو أن الشافعي لا يقول بالمرسل ، ثم أخذها هنا بأنتن مرسل في العالم من رواية ابن أبي يحيى ! " .
وفي طرح التثريب للعراقي رحمه الله ( 4 / 55 ) : " وعبر ابن حزم هنا بعبارة بشعة فقال ....ولم ينفرد به ابن أبي يحيى ، فقد رواه غيره ، وقد روي من حديث ابن عمر أيضا كما تقدم ، ثم إن المعتمد القياس على النفقة ، مع ما انضم إلى ذلك من فعل ابن عمر راوي الحديث ، ففي الصحيحين عنه أنه كان يعطي عن الصغير والكبير ، قال نافع : حتى إن كان ليعطي عن بنيه " .
قلت : فعل ابن عمر رضي الله عنه لا يدل على الوجوب ، وهذا هو محل البحث ..
2 – القياس : أي قياس زكاة الفطر على النفقة .
وأجيب عنه : بأنه قياس معارض للنص ( فساد الاعتبار ) ، والقاعدة في الأصول : [ أنه إذا تعارض النص والقياس قدم النص ] .
وجواب آخر : أنه قياس مع الفارق ، ووجه الفرق : أنهم قالوا بأن الرجل إذا أعسر وكانت زوجته أمة فإنه يجب على سيدها أن يخرج عنها صدقة الفطر ولم يقولوا ذلك في النفقة ، وقالوا أيضا : لا يجب على المسلم إخراج صدقة الفطر عن زوجته الكتابية مع أنه يجب عليه نفقتها ، والقاعدة في الأصول : [ أن الفارق المؤثر قادح في صحة القياس ] .
الترجيح :
تبين لي بعد عرض الأقوال وأدلتها أن الراجح في هذه المسألة القول الأول ، لظاهر حديث ابن عمر ، وعدم ثبوت ما يقتضي العدول عنه .
...............................................................................
مسـ(4)ـألة : زكاة الفطر عن الصغير على من تجب :
قلت اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها واجبة على من ينفق عليه ، وهذا مذهب الجمهور : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
[ انظر : المصادر السابق ] .
القول الثاني : أنها واجبة عليه ، وهذا مذهب الظاهرية .
[ انظر : المحلى ( 6 / 137 ) ] .
ويقال في الاستدلال نظير ما سبق في المسألة التي قبلها ، وعليه فالراجح في المسألة القول الثاني لظاهر لحديث ابن عمر t ، والقاعدة في الأصول : [ يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها ، ولا يجوز تأويلها إلا بدليل ] ، ولا دليل .
...............................................................................
مسـ(5)ـألة : هل تجب زكاة الفطر عن الجنين :
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها لا تجب عنه ، وبهذا قال أكثر أهل العلم .
[ انظر : المغني ( 4 / 316 ) ].
دليلهم : أنه لا يصدق عليه اسم الصغير لا لغة ولا عرفا ، والأصل عدم الوجوب .
[ انظر : فتح الباري ( 3 / 369 ) ] .
القول الثاني : أنها واجبة عنه ، وبهذا قال الظاهرية ، وأحمد في رواية .
[ انظر : المحلى ( 6 / 132 ) ، المغني ( 4 / 316 ) ].
دليلهم : عموم حديث ابن عمر t المتقدم ، حيث جاء فيه : " على الكبير والصغير " ، فلفظ الصغير مفرد محلى بـ أل الجنسية ، والقاعدة في الأصول : [ أن أل الجنسية تفيد العموم ] ، واسم الصغير لغة صادق عليه بعد نفخ الروح ، إذ الصغير في اللغة مقابل الكبير ، والكبر نسبي ، فهو أصغر من المولود وهكذا .
الترجيح :
تبين لي بعد عرض القولين أن الراجح في المسألة القول الثاني ، لعموم حديث ابن عمر t .
...............................................................................
مسـ(6)ـألة : زكاة الفطر عن العبد على من تجب :
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : أنها تجب على العبد ، وبهذا قال داود الظاهري رحمه الله .
[ انظر : المحلى ( 6 / 133 ) ] .
دليله في ذلك : حديث ابن عمر t السابق ، وفيه : " على الحر والمملوك " ، فظاهر اللفظ أن الوجوب متعلق بالمملوك بذاته كما هو متعلق بالحر ، والقاعدة في الأصول : [ يجب العمل بالألفاظ على ظاهرها ] ، وعليه فيجب على السيد أن يمكنه من كسبها كما يجب عليه أن يمكنه من صلاة الفرض .
القول الثاني : أنها تجب على السيد ، وهذا مذهب الجهور : الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، وبه قال ابن حزم رحمه الله .
[ انظر : المصادر السابقة ] .
ودليلهم : ما أخرج مسلم في الصحيح ( 982 ) عن أبي هريرة t مرفوعا : " ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر " ، فهذا الحديث صريح في وجوبها على السيد ، وعليه فيؤول قوله في حديث ابن عمر t: " على الحر و المملوك " ، أي عن المملوك .
الترجيح :
تبين لي بعد عرض القولين وأدلتهما أن الراجح في المسألة القول الثاني لأن حديث أبي هريرة t صريح أو كالصريح في وجوبها على السيد .
................................................................................