العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مسلك السبر والتقسيم

إنضم
17 مارس 2019
المشاركات
7
التخصص
فقه وسياسة شرعية
المدينة
بن عروس
المذهب الفقهي
مالكي
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيد الأولين ولآخرين، أما بعد: فهذا بحث مختصر حول طريق من طرق إستخراج العلة في باب القياس في مصنفات أصول الفقه، وهو السبر والتقسيم ، راجياً النصح والتقويم أو الإضافة ممن رأى الحاجة إلى شيء من ذلك، غير مدع الإحاطة بالموضوع من جوانبه، لكن مساعدة للطلبة والباحثين ليستفيدوا بهذه المحاولة لجمع شيء من شتات هذا المبحث.
فأقول وبالله التوفيق:
السبر لغة:
الاختبار، ومنه سمي ما يعرف به طول الجرح وعرضه سِباراً ومسباراً(1) والمراد هنا اختبار الصالح للعلة من الأوصاف وغير الصالح منها(2).
والتقسيم، لغة:
الافتراق والتجزئة (3) ، والمراد به هنا حصر أوصاف المحل(4) -التي يحتمل أن يكون كل منها علة- بأن يجمعها كلها ويردد بينها.
ويسميه الجدليون "الترديد والتقسيم" ويسمى "التقسيم الحاصر" وربما أطلق عليه اختصارا "السبر" أو "التقسيم".
ومقتضى العمل في هذا المسلك أن يسمى بالتقسيم والسبر، إذ التقسيم هو الذي يبدأ به أولاً بأن يقسم المجتهد الأوصاف ويحصرها ثم يشرع في سبرها والاختيار منها؛ لكن بدئ بالسبر لأنه أهم فمع أنه متأخر عملاً فهو متقدم غرضاً، فصدم من باب الاهتمام جريا على عادة العرب (5).
ثم هو اسم لمسلك واحد فيغتفر فيه التقديم والتأخير.
وأجيب بأن السبر وإن تأخر عن التقسيم فهو متقدم عليه أيضا، اذ يسبر المجتهد المحل أولا، هل هو معلل بأوصاف أم لا؟ ثم يقسم، ثم يسبر ثانياً(6 )
وطريق إثبات العلة بهذا المسلك أن يحصر المستدل الأوصاف المحتملة للعلية، ثم يبطل ما لا يصلح منها فيتعين الوصف الباقي علة للحكم.

____________________
(1)
مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر ص 399 ، إرشاد الفحول 892
(2) الورود ص 485
(3) ن.م و البنود 2 164 و-التعليق على الإحكام
(4)
أي الأصل المقيس عليه
(5)
البنود 2 164 وعزاه للقرافي
(6) الكوكب المنير 4 143



مثاله: في علة الربا في الذهب في قوله عليه الصلاة والسلام: "الذهب بالذهب ربى إلا هاء وهاء"، إما الوزن وإما كونه ذهبا أو الثمنية أو كونه معدناً. ثم ينظر في هذه الأوصاف، فيبطل الوزن بأن يقول أنا نجده في بعض ما يجوز فيه النسأ والتفاضل، كالسلم في الموزونات كحديد في نحاس، ثم يأتي على كونه ذهباً فيبطله لأنه علة طردية غير معتبرة في الأحكام، وهكذا، يبطل كل وصف بطريق من طرق الإبطال، إلى أن لا يبقي إلا الثمنية فتتعين علة للربا في الذهب.
كذا في الحديث عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» (1)
فقد استدل المالكية فاستدلُّوا على إظهار الادِّخار مع الاقتيات علَّةً للتحريم في الأصناف الأربعة غير الذهب والفضة بما يلي:
بالمعقول من ناحية أنَّ العلَّة لا تخرج عن أحد الوصفين وهما: مطلق الطعم أو الطعم الموصوف بالاقتيات والادِّخار، وتمسَّك المالكية في الاستنباط بهذه العلَّة الأخيرة، ورأَوْا أنه لو كان المقصودُ الطعمَ وحده لاكتفى الحديث بالتنبيه على ذلك بالنصِّ على واحدٍ من الأعيان الأربعة السابقة، غيرَ أنه لَمَّا ذكر منها عددًا من الأصناف يجمعها كلَّها الاقتياتُ والادِّخار عُلم أنه قصد بكلِّ واحدٍ منها التنبيهَ على ما في معناه…(2)فهذا اعمال لمسلك السبر والتقسيم.
والحصر فيه له طريقان: عقلي واستقرائي (3)
الأول: الحصر العقلي: وضابطه تقسيم المقسم للشيء ونقيضه إذ لا واسطة بين النقيضين، كأن يقال في العدد: إما أن يكون زوجاً أو ليس بزوج(4)، أو يقسم إلى الشيء ومساوي نقيضه، كأن يقال: العدد إما زوج أو فرد. ونظيره قوله تعالى: : { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون } [ الطور : 35 ] فكأنه تعالى يقول : لا يخلو الأمر من واحدة من ثلاث حالات بالتقسيم الصحيح :


_________________________ __
(1)«مسند أحمد» (5/ 320)، «صحيح مسلم» (1587(
(2)
التاج المرصوع في درك علَّة الرِّبا في البيوع :موقع الدكتور محمَّد علي بن بوزيد بن علي فركوس.
(3)
نثر الورود 485 ، وآداب البحث والمناظر 150
(4) لأن
النقيضين هما السلب والإيجاب : آداب البحث والمناظر 150






الأولى : أن يكونوا خُلقوا من غير شيء أي بدون خالق أصلاً، والمشاهد كون الأشياء لا تخلص من غير شيء.
الثانية : أن يكونوا خلقوا أنفسهم، وهم لم يخلقوا شيئاً فهم عاجزون، فضلاً عما يترتب عليه من التسلسل الممنوع.
الثالثة : أن يكون خلقهم خالق غير أنفسهم .
فظهر بطلان الأولان فتعين الثالث.( 1 ) فهذا الحصر بطريق العقل، لا يتصور وقوع نزاع في حجيته، بغض النظر عما إذا نوزع في كون العقل يقتضي الحصر في الأوصاف المذكورة: فإذا صح حصر العقل للأوصاف وصح إبطال ما أبطل منها، كان دليلاً قطعياً، وإلا فلا.
الثاني: الحصر بدلالة الاستقراء: ويكون إما تاما أو أغلبياً، ويستعمله غالباً الفقهاء وهو مبني على البحث فتوجه إليه معرضات وتتعلق به مباحثات، أشهر هذه الاعتراضات وأكثرها دورانا بين الفقهاء الاعتراض على مدعي الحصر بأنه لا دليل على الحصر فيما ذكره من الأوصاف، كالأوصاف الأربعة في مثال علت الربا في الذهب فيما مر، فيعترض على مدعي الحصر بعدم وجود دليل عليه حتى يتعين الباقي، فقد توجد علة أخرى لم تذكرها هي العلة الصحيحة. أو يقول: هناك وصف أو أوصاف أخرى لم تذكرها.
فيكفي المستدل في جواب هذا الاعتراض أن يقول: "بحثت ولم أجد وصفاً آخر"، وهو مصدق لأنه ثقة وأهل للنظر، بأن كانت مدارك المعرفة متحققة لديه من الحس والعقل، و يكون عدلاً في الرواية لأنه إخبار محض، فيقبل من لعدل دون غيره. أو يقول: "الأصل عدم وجد ما سوى هذه الأوصاف"، أن الأصل العدم في كل شيء.
ولا اشكال يرد على الحصر لكون سبيله الظن -كما هو ظاهر- مما مر من التعليل، إذ أننا متعبدون في كثير من هذه المباحث بالظن الغالب، وإلا، لو كلف أحد بالقطع في الشرعيات لكان تكليفاً بما هو خارج عن الطوق وهو مرفوع.
ولأن الأوصاف العقلية والشرعية، لو وجدت لما خفيت على الباحث عنها. ( 2 )
_________________________
(1) وانظر أضواء البيان )4/49( عند تفسيره قوله تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} الآيات، ونبه على دلالة آيات من الكتاب على اعتماد مسلك القياس، والزركشي في البحر المحيط (5/222). وبنحوه نقل عن ابن العربي ويأتي.
(2)
شرح الكوكب المنير (4/143) ، وهو بنحو بيانهم وجه حجية الاستصحاب الأصلي.




وفي الاكتفاء بقوله "بحثت فلم أجد"، نزع بعض الأصوليين كالأصفهاني(1).
فإن أبدى المعترض وصفاً آخر غير ما ادعاه المستدل لم ينقطع بمجرده، ولزمه إبطاله إذ لا يثبت الحصر الذي ادعاه بدونه.
وقسمه الشوكاني والزركشي والبيضاوي قسمان: منحصر ومنتشر، أما المنحصر فهو القطعي الذي يدور بين النفي والإثبات، كأن يقال العالم إما حديث أو قديم، بطل الثاني فثبت الأول.
واشترط الشوكاني وغيره فيه كون الحكم في الأصل معلل بوصف مناسب ولم يشترطه الغزالي ،
وأن يتفق على أن العلة غير مركبة،
وأن يحصر جميع الأوصاف: وطريقه أن يوافقه الخصم في حصره ، أو يعجز عن إظهار وصف زائد سواء أقر بعجزه عن ذلك أو ادعى وجود وصف دون ابدائه.
والظاهر والله أعلم أن هذا الشرط الأخير لا يلزم لتعذره، ولأن ما ذكر لا يلزم منه أن يكون ما حصره من أوصاف هو ما يوجد في حقيقة الأمر منها، فأما موافقة خصمه له، فإنه قد يكون في الخارج وصف لم يتوصلا إليه، وإن عجز مناظره عن إظهار وصف زائد، فإن غيره قد لا يعجز عن ذلك.
القسم الثاني: المنتشر، بأن لا تدور الأوصاف بين النفي والإثبات، أو تدور لكن يكون الدليل على نفي علية الأوصاف الملغية ظنيا، وفيه الثلاثة الأقوال التي في مقابل رأي الأكثر ويأتي ذكرها.
وقد مر أن السبر والتقسيم القطعي (2) لا يتصور فيه الخلاف، وفي الظني خلاف:
فالأكثر على كونه حجة للناظر والمناظر، بل قال بعضهم: هو أصح طرق استخراج العلة. لأن الحكم لا يخلو عن علة ظاهرة غالباً، والغالب أنها لا تجاوز الأوصاف الموجودة في الأصل المقيس عليه، وإذا ظهر بطلان ما سوى الوصف الباقي بعد التقسيم والسبر، غلب على الظن أنه هو العلة.(3)
ويقابل هذا القول لأكثر أهل العلم، ثلاثة أقوال:

_________________________ ___
(1)إرشاد الفحول 893
(2)
بأن يكون طريقه العقل، أو يكون كل من الحصر والإبطال قطعيين، بخلاف ما لو كان الحصر، أو إبطال الأوصاف أو بعضها، أو كلامها-أي الحصر والإبطال- ظنياً، فهو ظني.
(3) نثر الورود 487 ،
وعلل به الفهري وفصله في الإحكام الآمدي في مطلع البحث، وعلل له صاحب شرح الكوكب المنير (4/150-151) ،ونشر البنود (2/167)





الأول: كونه ليس حجة مطلقا، لجواز إبطال الباقي لعدم قطعيته.
الثاني: أنه حجة بشرط انعقاد الإجماع على أن الأصل المقيس عليه معلل لا تعبدي، وبه قال إمام الحرمين وابن قدامة لئلا يؤدي إبطال الوصف الباقي إلى القدح في الإجماع ، ونسب إلى أبي الخطاب وأضاف شرطا ثانياً : وهو الاختلاف في تعيين العلة فيبطل المجتهد بسبره جميع ما قالوه إلا وصفاً وحيداً فيعلم صحته، وعلل بألا يخرج الحق عن أقاويل الأمة وهو بنحو تعليل الجويني(1).
القول الثالث: حجة في حق الناظر، لنفسه ولمقلديه، وليس حجة على غيره لأن ظنه يلزمه ولا تقوم به الحجة على غيره.
فإن قيل ما جواب الجمهور على هذا؟ فالجواب ذكره ابن قاسم في الآيات البينات وهو أن هذا من باب إقامة الدليل على الغير، وإن كان لا يفيد إلا مجرد الظن لوجوب العمل بالظن في الشرعيات، ولا فرق في وجوب العمل به في كونه حجة للناظر لنفسه أو المناظر غيره.
ذكر في نثر الورود أن هذا لا يتضح هذ الجواب إلا إذا كان السبر المذكور قد احتفت به من القرائن على صحة ما ذكره المستدل، بحيث يوقع في نفس المناظر المنصف له، غلبة الظن بصدقه. أما ظنه المجرد، فيبعد أن يقال: هو حجة على غيره.
فكأن ما قرره راجع إلى القول الثالث، بشرط وجود القرائن المحتفة بصحة ما ذكره المستدل من حصر وإبطال.
وإبداء المعترض وصفاً لم يبده المستدل مما يبطل تقسيمه، ولا يكلف ببيان صلاحيته للتعليل، لأنه ذكر الأوصاف بناءً على استقرائه، فقد يغفل عن بعضها، وللمستدل أن يدفع اعتراضه بأن يبين أن الوصف الذي ابداه غير صالح للتعليل فيصحح دليله حينئذ، وإلا انقطع وبطل دليله.
فإن بقي الأمر مستبهماً: أي لم يتبين أن الوصف صالح للتعليل أم لا بأن يكون متردداً بينهما، بطل الدليل، إذ أنه قد انخرم أحد ركني المسلك: وهو الحصر، فلا يقوم حجة، وأولى أن يبطل الدليل إذا بين صلاحية الوصف.

________________
(1) مذكرة أصول الفقه 400.





قال صاحب المراقي:
"
وقطع ذي السبر إذاً منحتم ** والأمر في إبطاله منبهم"(1)
قال شيخ الإسلام في لب الأصول: "فإن أبدى المعترض وصفاً زائداً لم يكلف ببيان صلاحيته للتعليل، ولا ينقطع المستدل حتى يعجز عن إبطاله على الأصح".
قال: "فإن اتفقا على إبطال غير وصفين كفاه التردد بينهما :"أي إن اتفقا على إبطال جميع الأوصاف كل بطريقه، ما عدا اثنين مثلاً ، كفاه أن يردد بينهما بأن يقول: "العلة إما كذا وإما كذا"، فينحصر البحث في علتين فقط ليبطل احدهما فيتعين الآخر للعلية.
ومن طرق الإبطال أن يكون الوصف طردياً علم باستقراء موارد الشرع عدم اعتباره، أي كونه ملغًى، لا يعلق به الشرع الأحكام مطلقاً كالطول والقصر، أو في نوع الحكم الذي يريد المستدل أن يثبت عدم اعتباره فيه، كالقصاص: فقد ألغى الشارع فيه اعتبار الذكورة والأنوثة خلافاً لغيره من الأحكام كالشهادة.
ومن طرق الإبطال عدم المناسبة في موضع الحكم، ومن يشترط المناسبة في الوصف المعلل به (2) لا يحتاج في هذا الموضع أن يجيب عن هذا المسلك في إبطاله الوصف، فإنما هو لتخلف الشرط، فيتخلف المشروط تباعاً. أما من لم يشترطها(3)، فيحتاج لبيان وجه تقديمه المناسب على غير المناسب ههنا.
فيقول: لما تعددت الأوصاف الصالحة للعلية، اعتبر المناسب وألغي غير المناسب، فاشتراط المناسبة ههنا عارض لا أصلي . (4)
والمستدل إذا أبطل أحد الأوصاف بهذا الطريق وأبقى ما أبقاه لمناسبته، فإن اعترض عليه بأن المناسبة غير ظاهرة بأن قيل له: "بحثت فلم أجد مناسبة بينه وبين الحكم"، فليس له أن يبين وجهها ههنا لأنه بذلك ينتقل من الكلام عن السبر إلى الكلام عن المناسبة وهو انتقال ممنوع في المناظرات.
لكن سبيل تصحيح الوصف الذي ابداه، أن يبين أن سبره أولى من سبر المعترض بأن الوصف الذي ذكره متعد بخلاف غيره من الأوصاف لأن تعدية الحكم محله فيه مزيد فائدة على قصره عليه.

_________________________ __
(1)
الواو في "والأمر" حالية، وقوله "منبهم" مستعمل في كثير من كتب اللغة والنحو كالآجرومية، إلا أن جماعة من أهل العربية على أنه غير صحيح وهو غير مسموع عن العرب، انما المسموع: استبهم، حكى الزبيدي في شرح القاموس عن شيخه محمد بن الطيب الفاسي أنه أبطل هذا الاستعمال...
(2)
كالشوكاني والزركشي
(3) كالغزالي
(4) وبحثه ليس محله هنا.






وذكر الشنقيطي في نثر الورود غيره أن هذا من طرق السبر في نهاية المبحث، وهذا مشكل، لأنه بذلك ينتقل من مبحث السبر إلى مبحث الترجيح بين العلل، بأن يسلم أن كلا الوفين يصلح لأن يكون علت إلا أن احدهما أرجح لأنه متعد، فلما سلم أن كلاهما علة، لم يكن هذا من طرق الإبطال، والذي يظهر من جمع الجوامع (1) وشرحه أن ههنا التعدي ليس طريقاً مستقلاً من طرق الإبطال، بل هو تتمة لمسلك الإلغاء بتخلف بالمناسبة في الوصف.
ومن طرق الإبطال التي اشاروا إليها في هذا المبحث، الإلغاء(2): أي أن يستقل الوصف المستبقا بالحكم في صورة مجمع عليها، كأن يتردد الحكم بين وصفين فإن استقل فيها الوصف المستبقا بالحكم في صورة مجمع عليها، ألغي الآخر، مثاله: أن يقول الشافعي في ملء كف من البر أنه ليس بقوت لقلته والادخار مرتبط بالقوت، فيبقى الطعم علت في ملء الكف المتفق على كونه يجري فيه الربا، وهو مبني على طريق النقض وبحثه في قوادح العلة.

ومسلك السبر قال ابن العربي أنه دليل قطعي وعزاه للشيخ ابي الحسن والقاضي وسائر أصحاب الشافعي. وأنكر كونه مسلكاً بعض الأصوليين .(3) وبسط البحث الآمدي فأورد ست اعترضت عليه وأجاب عليها مرتبط.
قال الشنقيطي رحمه الله في الأضواء 4/49 :واعلم أن المنطقيين والأصوليين والجدليين كل منه يستعملون هذ الدليل في غرض ليس هو غرض الآخر من استعمال ، إلا أن استعماله عند الجدليين أعم من استعماله عند المنطقيين والأصولين …
ومن جميل ما رأيته في السبر والتقسيم ما ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 4/151 في ترجمة أحمد بن أبي دؤاد قال : عن المهتدى بالله يقول كان أبي إذا أراد ان يقتل رجلا احضرنا ذلك المجلس اتى بشيخ مخضوب مقيد

فقال أبى: ائذنوا لأبى عبد الله وأصحابه يعنى بن أبى دؤاد
قال: فادخل الشيخ والواثق في مصلاه فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين
فقال: له لا سلم الله عليك


______________________
(1)
الذي هو أصل المراقي وشرحه للشنقيطي المشار إليه آنفاً
(2) وإن كان مناسباً للحكم المتنازع فيه :نثر الورود 490
(3) إرشاد الفحول 894 ، البحر المحيط 5/225




فقال: يا أمير المؤمنين بئس ما ادبك مؤدبك قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها والله ما حييتنى بها ولا بأحسن منها
فقال بن أبى دؤاد: يا أمير المؤمنين الرجل متكلم
فقال له: كلمه
فقال: يا شيخ ما تقول في القرآن
قال الشيخ: لم تنصفنى يعنى ولى السؤال
فقال له: سل
فقال له الشيخ: ما نقول في القرآن?
فقال: مخلوق
فقال: هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه فقال شيء لم يعلموه
فقال: سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صلى الله عليه و سلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت قال فخجل
فقال اقلنى والمسألة بحالها
قال نعم
قال ما تقول في القرآن فقال مخلوق
فقال هذا شيء علمه النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه فقال علموه
ولم يدعوا الناس إليه قال أفلا وسعك ما وسعهم قال ثم قام أبى فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول هذا شيء لم يعلمه النبي ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت سبحان الله شيء علمه النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه أفلا وسعك ما وسعهم ثم دعا عمارا الحاجب فأمر ان يرفع عنه القيود ويعطيه أربعمائة دينار وياذن له في الرجوع وسقط من عينه بن أبى دؤاد ولم يمتحن بعد ذلك أحدا".
علق الإمام ابن كثير في البداية والنهاية10/309 فقال :" وعلى كل حال فهذه القصة لم تزل مشهورة عند العلماء ، صحيحة الاحتجاج فيها إلقام الخصم الحجر . وحاصل هذه القصة التي ألقمَ بها الشيخ الذي كان مكبلاً بالقيود يراد قتله أحمد بن أبي دؤاد حجراً ، هو هذا الدليل العظيم الذي هو السبر والتقسيم : فكان الشيخ المذكور يقول لابن أبي دؤاد : مقالتك هذه التي تدعو الناس إليها لا تخلوا بالتقسيم الصحيح من أحد الأمرين : إما أن يكون النَّبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون عالمين بها أو غير عالمين بها ولا واسطة بين العلم وغيره . فلا قسم ثالث البتة . ثم إنه رجع بالسبر الصحيح إلى القسمين المذكورين فبين أن السبر الصحيح يظهر أن أحمد بن أبي دؤاد ليس كل تقدير من التقديرين .
أما على كون النَّبي صلى الله عليه وسلم كان عالماً بها هو وأصحابه ، وتركوا الناس ولم يدعوهم إليها - فدعوة ابن أبي دؤاد إليها مخالفة لما كان عليه النَّبي وأصحابه من عدم الدعوة لها ، وكان يسعه ما وسعهم . وأما على كون النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه غير عالمين بها فلا يمكن لابن أبي دؤاد أن يدعي أنه عالم بها مع عدم علمهم بها . فظهر ضلاله على كل تقدير ، ولذلك سقط من عين الواثق".
وعلق الشنقيطي رحمه الله أيضا في الأضواء4/56 على هذه القصة فقال :" قد جاء أن أول مصدر تاريخي لضعف هذه المحنة وكبح جماحها هو هذا الدليل العظيم (يعني به السبر والتقسيم) ".
والحمد لله رب العالمين
 

المرفقات

  • السبر والتقسيم ba7th.pdf
    291.3 KB · المشاهدات: 1
  • السبر والتقسيم.docx
    83.2 KB · المشاهدات: 1
التعديل الأخير:
أعلى