رد: مصطلح الكراهة عند "الحنفية"
جاء في تحفة الأحوذي : باب ما جاء في أكل لحوم الخيل
قوله : ( أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ) وفي رواية البخاري : رخص في لحوم الخيل ، وفي رواية مسلم : أذن بدل رخص ، وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني : أمر . قال الطحاوي في شرح الآثار : وذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل ، وخالفه صاحباه وغيرهما ، واحتجوا بالأخبار المتواترة في حلها ، ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية فرق ، ولكن الآثار إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترت أولى أن يقال بها من النظر ، ولا سيما إذا قد أخبر جابر أنه صلى الله عليه وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر الأهلية ، فدل ذلك على اختلاف حكمها انتهى كلام الطحاوي .
قلت : الأمر كما قال الطحاوي ولا شك أن القول بحل أكل لحوم الخيل من دون كراهة هو الحق لأحاديث الباب التي هي صحيحة صريحة في الحل ، وهو قول جمهور أهل العلم ، وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد . فأخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عطاء قال : لم يزل سلفك يأكلونه ، قال ابن جريج : قلت له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم ، ذكره الحافظ في الفتح . قال النووي : اختلف العلماء في إباحة لحوم الخيل ، فمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه مباح لا كراهة فيه ، وبه قال عبد الله بن الزبير وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر ، وسويد بن غفلة وعلقمة والأسود وعطاء وشريح وسعيد بن جبير والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي وحماد بن سلمان وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد وداود وجماهير المحدثين وغيرهم ، وكرهها طائفة منهم ابن عباس والحكم ومالك وأبو حنيفة ، قال أبو حنيفة : يأثم بأكله ولا يسمى حراما انتهى كلام النووي .
وقال الحافظ : وصح الكراهة عن الحكم بن عيينة ومالك وبعض الحنفية وعن بعض المالكية والحنفية التحريم . وقال الفاكهي : المشهور عند المالكية الكراهة والصحيح عند المحققين منهم التحريم انتهى . وقال العيني في شرح البخاري في باب لحوم الخيل : قيل الكراهة عند أبي حنيفة كراهة تحريم ، وقيل كراهة تنزيه ، وقال فخر الإسلام وأبو معين : هذا هو الصحيح ، قال وأخذ أبو حنيفة في ذلك بقوله تعالى : والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة خرج مخرج الامتنان ، والأكل من أعلى منافعها ، والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها . قال : واحتج أيضا بحديث أخرجه أبو داود عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير . وأخرجه النسائي وابن ماجه والطحاوي ، ولما رواه أبو داود سكت عنه ، فسكوته دلالة رضاه به ، ويعارض حديث جابر والترجيح للمحرم انتهى . وقال العيني في غزوة خيبر مثل هذا وقال : سند حديث خالد جيد ؛ ولهذا لما أخرجه أبو داود سكت عنه فهو حسن عنده انتهى .
قلت : قول العيني : سند حديث خالد جيد ليس بجيد وليس مما يلتفت إليه ، فإن مدار هذا الحديث على صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب ، وصالح هذا قال البخاري : فيه نظر كما في تهذيب التهذيب ، وقال ابن الهمام في التحرير : إذا قال البخاري للرجل فيه نظر فحديثه لا يحتج به ولا يستشهد به ، ولا يصح للاعتبار انتهى .