العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

معايشة الحدث ومنهجية الاعتبار ..

إنضم
19 فبراير 2011
المشاركات
63
الكنية
ابو محمد الأزهري
التخصص
التفسير وعلوم القرءان
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنبلي - واحب المقارن
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
جدير بالمؤمن ألا تمر عليه الأحداث وهو عنها غافل ، ومنها غير مستفيد
فمعايشة الانسان للأحداث واكتسابه العبر منها تزيده اعماراً إلى عمره ، كما أن تأمله للوقائع والتجارب يضيف عقولاً إلى عقله .

لذلك يظهر الفرق واضحاً - أيما وضوح - بين رجلين : رجل عاصر الأحداث فتأملها ونظر فيها وحللها واعتبر بها ، وآخر تمر الدهور عليه وهو عنها غافل ، وإن أعارها من الاهتمام شيئاً كان سطحياً في نظرته ، ظاهرياً في فكره .

وجل الناس حين ينظرون الى حدثٍ ما إنما يتأثر نظرهم إليه بما لديهم من معتقدات ، وما يحملون في رؤوسهم من أفكار ، وبناء على ذلك تتعدد النتائج ، وتختلف العبر ، بناءً على اختلاف وجهات النظر..

فتجد بعض الناس يحلل الحدث تحليلاً مادياً بحتاً ، يحسن حساب أسبابه الظاهرية الملموسة غير ملتفت لأي مؤثرٍ آخر .. ومشكلته أنه لا يعرف غير عالم المادة ولا يدرك أبعد من دنيا الحس ، ثم هو يجهل - أو ينسى- أن من سبَّبَ هذه الأسباب وجعلها تؤتي ثمارها وتؤثر في الأحداث تأثيرها إنما هو الله الذي له ( الخلق والأمر ) .و (له مقاليد السموات والأرض( .

بينما تجد ثانياً يسرح في عالم الخيال .. ليجعل الأمور منشأها ومبدأها ومنتهاها ومآلها إلى ( القوى الغيبية ) التي لا دخل لنا فيها ، وبلية (صاحب الصومعة ) هذا أنه دفن (حقائق الحياة) تحت جنادل خلوته ، ووارى (سنن الكون) بين طيات عزلته ، فكان أن صار كل شئ في نظره مسيراً ، كالريشة في مهب الريح ، فلا ينبغي - عنده - أن ( نقلَّ الأدب مع القدر) بمدافعة باطل ، ولا أن(نلقي بأيدينا إلى التهلكة) بمجاهدة ظالم ، فإن من (ولاه) هو( الله ) ومن يقدر على عزله إنما هو (الله) ، فما دخلنا بشأن ليس له إلا (الله) ؟!!

والحق - من وجهة نظري - إنما يتمثل في أن يبنى تعاملنا مع الحدث على منهج فكري متزن متمثل في القواعد الآتية :


1- أولها الوسطية ومجافاة الشطط :
فالحق دائما وسط بين باطلين هما الإفراط والتفريط . ونحن نعيش هذه الحياة نؤثر فيها كما نتأثر ، فكما أننا نقع تحت سطوة القدر فإنما نجني ما كسبته أيدينا .
وعالم الاسباب ليس (عالماً وهمياً ) كلا ، بل إن سنة الله مضت أن الحياة أسباب ومسببات ، فمن أهمل أسباب النصر لم ينتصر ، كما أن من قعد عن طلب اللقمة مات جوعاً .. وكما قال الفاروق : (إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ) .
هكذا ينبغي أن ينظر المؤمن للحدث : يدرس أسبابه بواقعية شفافة ، متذكراً أنه ما من حدث إلا وله سبب ، واضعاً نصب عينيه أنه سائر تحت ظلال القدر الإلهي غير خارج عنه

2- ثانياً : الاستيثاق والتبين
معلوم للجميع أن ما بني على باطل كان لا محالة باطلاً ،وبضاعة المرء حين يتعامل مع حدثٍ ما ليست إلا معلوماته ، فهي التي يبني عليها نظره ،، وتكون مقدمات لأحكامه .
وحتي يسلم نظره من الطعن وتبرأ أحكامه من الخلل لابد له أن يتلقى تلك المعلومات من مصادرها الصحيحة الموثوقة .
إذن فقضية تأصيل المصدر ( أي مصدر التلقي ) أمر له خطورته في بناء الاحكام وضمان صحتها . لذلك كانت القاعدة الشهيرة ( إن كنت ناقلاً فالصحة ، أو مدعياً فالدليل(
فليس من العقل مثلاً أن يتوجه المسلم الذي يريد فهم دينه إلى كتب العلمانيين والمستشرقين الذين كتبوا عن الاسلام ، إذ ليس هذا من مصادر تلقي الاسلام أصلاً ، فضلاً عما فيه من سموم وأكاذيب ودسائس ، ومن الطبيعي بلا شك أن يخرج علينا من هذه مصادره لمعرفة الاسلام بالعجائب والغرائب والأحكام العوراء المبتورة حول الدين وفهمه .

3- ثالثاً : التجرد قبل النظر والتأمل
حينما تعالج الشيء ولك فيه رأي مسبق ، فمن الطبيعي أن يخرج حكمك عليه غير متزن ولا منصف ، بعيدا عن الواقع مجافياً الحق ، خاصة حينما تكون معلوماتك عنه مبتورة جزئية ، أو مشوبة بشيء من (اللا مصداقية )، وهذا من أبشع آفات النظر وأطغى علل الفكر، وهو للأسف من أشدها انتشاراً .

ولقد علمنا الإسلام أن ننظر للأمور بعين التجرد ، وبين لنا أن غلبة الهوى تصم الأذن عن سمع الحق ، وتعمي البصيرة عن إدراكه ، قال الله تعالى ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً، أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ) الفرقان( 43- 44)،
بل وأمرنا أن نعدل - فكراً وحكماً - حتى في معاملة الاعداء ، ولو خرجت النتيجة في غير صالحنا ، قال الله تعالى) يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على إلا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى .(المائدة ( 8 )
والحريص على الحق الباحث عنه انما يتجرد لمعرفته ، فيكون في حكمه منصفاً ، وينهض لاتَّباع الحق ونصرته بغض النظر عن تابعيه قلة كانوا أو كثرة ، بارزين كانوا أو مغمورين ، أقوياء كانوا أو ضعفاء ، أغنياء كانوا أو فقراء ، فالحق يعرف بذاته لا بأهله ، وهو أيضا أبلج واضح بأدلته وبراهينه لمن بحث عنه وتأمله ، غائب متوارٍ عن كل من غطت عينيه غشاوات الهوى.

4- رابعاً التأني وعدم التسرع في الحكم
كلما استطاع الإنسان أن يتأني ويعطي العقل فرصته الكاملة للتأمل : تجلت له الأمور ، وازدادت أمامه الصورة وضوحاً ، فتكون نظرته أثقب ، وحكمه إلى الصواب أقرب.
وليس من الواجب عليه أن يصدر الإحكام دائما في كل ما ينظر فيه ، فما لم تتوفر لديه دواعي إصدار الحكم - من حاجة ماسة ، وأدلة كافية ، وفائدة مرتجاة - فليترك إصدار الأحكام أصلاً ، فهو خير له .وهنا ينبغي أن نفرق بين إصدار الاحكام وبين نشرها والدعوة لها ، فليس كل ما يتوصل إليه فكر المرء ينبغي له إذاعته ، فإن لكل مقام مقال ، وكفى بالمرء سفها أن يحدث بكل ما عنده .

5- خامساً عدم التعميم في الأحكام
وتلك بلية كبرى ، بل من أكبر ما أصاب الكثير من الناس الآن ، حتى بعض المنتسبين للعلم والفكر.
وليس تعميم الأحكام على صورة واحدة ، فالحكم على شخصٍ ما - بغض النظر عن طبيعة هذا الحكم - بمجرد موقف أو حادثة أو حتى فترة زمنية من فترات حياته ليس من الانصاف ، كذلك الأمر بالنسبة لجماعة ما ، أو فئة أو فصيل من المجتمع ، أو ربما أهل بلدة بجملتها .

كانت هذه أهم الضوابط التي ينبغي أن يراعيها الإنسان إن أراد أن يسلم من الخطأ فكره ، وتتزن على الطريق خطاه ، وتثبت على الصراط قدمه ، ويجني من كل حدث يعايشه في دنيا الناس الفوائد والعبر. والله الموفق والهادي اليه سبيلاً
 
أعلى