العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مقاصد الشريعة الإسلامية

محمد متولي داود

:: متابع ::
إنضم
1 أغسطس 2018
المشاركات
23
الكنية
د/محمدداود
التخصص
القانون العام
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
مقاصد الشريعة الإسلامية
تُعرَفُ مقاصدُ الشريعة الإسلاميَّةِ بأنَّها الأهدافُ التي جاءتِ الشريعةُ لتحقيقِها في حياةِ النَّاسِ، وتُقسمُ إلى المقاصدِ العامةِ، وتشملُ تحقيقَ مصالح الخلائقِ الدنيويَّةِ، ومصالحهم في الآخرةِ، ويتمثلُ هذا في مجموعةِ أحكامٍ وضعتها الشريعةُ الإسلاميَّةُ، والمقاصدُ الخاصةُ، وهي ما عملت الشريعةُ على تحقيقهِ في جزئياتٍ معينةٍ في الحياةِ، عن طريقِ وضعِ أحكامٍ تختصُ في كُلِّ مجالٍ دونَ غيرِهِ، كالنظامِ الأُسريِّ، والاقتصاديِّ وغيره، ورتبت الشريعةُ المصالح التي تتعلقُ بالنَّاس، بحسبِ أهميتها إلى الضرورياتِ؛ وهي ما لا يتمُ التخلي عنهُ، والحاجياتِ؛ وهي ما يحتاجهُ النَّاس في حياتهم لتحقيقِ مصالِحِهم، والتحسينات؛ وهي ما يكتملُ بهِ أحوالُ النَّاسِ.
اولاً الضروريات
حفظ الدين: يُعَدُ الدينُ هو ما يحققُ النزعةَ الإنسانيَّةَ، والتي تؤدي لعبادةِ الله تعالى، وتعطي الإنسان الضميرَ والوجدان، الذي يُشعلُ الخيرَ في النفسِ البشريَّةِ، مما يجعلُ الإنسانَ مطمئنًا وسعيدًا في حياتِهِ، وعملت الشريعةُ الإسلاميَّةُ على حفظِ الدينِ؛ لما لَهُ من ضرورةٍ في حياةِ الإنسانِ، حيثُ قالَ تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} وعملَ الإسلامُ على حفظِهِ بعدةِ وسائل، منها الإيمانُ اليقيني بأصولِ هذا الدين، وأركانِهِ، عند طريقِ إقامةِ الحُجَةِ العلميَّةِ، ومخاطبةِ العقولِ، وتأديةُ أصولِ العباداتِ وأركانِها.
حفظ النفس: ومن الضروريات الخمس، التي جاءَ الإسلامُ لحفظها، هي حفظُ النفس، وذلكَ عن طريقِ مشروعيةِ الزواجِ، من أجلِ التكاثر، وأمرُ الإنسانِ بالمحافظةِ على ما يبقيهِ على قيدِ الحياةِ، من دوامِهِ على الطعامِ والشرابِ، وتأمين ما يلزمهُ من احتياجاتٍ؛ كاللباسِ والسكنِ، كما حرَّمَ الإسلامُ كلّ ما يؤذي كرامةَ الإنسانِ، من الشتمِ والقذفِ، وشرعَ لَهُ الرُّخصَ في حالِ المشقةِ، وحرَّمَ قتلَ النَّفسِ، وأوجب القصاص، في حالِ كانَ القتلُ عمدًا.
حفظ العقل: كرَّمَ الله – تعالى - الإنسانَ عن غيرِهِ من المخلوقاتِ بنعمةِ العقل، ومن وسائلِ حفظِ الإسلامِ للعقلِ، تحريمُ كل ما يضرُ بهِ، كأخذِ المُسكراتِ، وشرِعَ عقوبةً على ذلك، وأمرَ العقل بالتدبرِ والتفكرِ، واتباعِ الدليلِ الذي يحاكي العقلَ، ودعا إلى تنميتِهِ ماديًا ومعنويًا، ورفعَ من مكانَتِهِ، وجاءَ الحديثُ في كثيرٍ من الآياتِ القُرآنيةِ، عن تكريمِ أصحابِ العقولِ الراجحةِ.
حفظ النسل: ويُقصَدُ بهِ حفظُ بقاءِ الإنسان في الأرضِ، ولتحقيقِ هذا المقصد شرعَ الإسلامُ الزواج، وأوجبَ على الوالدينِ رعاية الأبناءِ، والحفاظ على أُسُسِ الأُسرةِ السليمةِ، ووضَعَ قواعدَ وأحكام في العلاقة بينَ الجنسين، وحرمَ الاعتداء على الأعراض، والزنا والقذف، وفرضَ عقوبةً على ذلك.
حفظ المال: يُعَدّ المال من الضرورات الخمس للإنسان، ومن وسائلِ حفظِهِ، دعوةُ الإسلامِ الكسبِ وتحصيلِ الرزقِ، وأولى العمل شأنًا عظيمًا، وأباحَ المُعاملات والعقود، وحرَّمَ الإسلام الكسبَ للمالِ بوسائلِ غير مشروعة، وكذلكَ حرَّمَ الربا والسرقة، وشرعَ عقوبةً على ذلك، ونظَّمَ المُعاملات المالية بينَ النَّاس، وغيرها من الوسائل.
ترتيب الضروريات الخمس بعدَ بيانِ الضروريات الخمس، وما شُرِعَ من أجلِ الحفاظِ عليها، لا بُدَّ من بيانِ الترتيبِ بينها، وكانَ الكلامُ من أكثرِ العُلماءِ على تقديمِ الدينِ، على باقي الضرورياتِ، وبعد ذلكَ يأتي حفظُ النفسِ والنسلِ، والمالِ، والعقل، وهذا الترتيبُ، لا يُعَدُ قاعدةً مُطرِدَةً، فدرجاتُ الضرورةِ تتفاوتُ في قوةِ الضَّرورةِ، وهذا ما اختصرَهُ الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع بقولِهِ: "والضَّروراتُ الخمسُ متَفاوِتَةٌ فيما بينهَا في قوَّةِ الضَّرورَةِ، فحفظُ الدِّين يُسترخصُ لأجلِهِ النَّفسُ والمالُ، وحفظُ النَّفسِ مُقدَّمٌ على حفظِ المالِ، فإنَّها تُفتَدَى بالمالِ والمالُ يُمكنُ استِدراكُ ما يفوتُ منهُ بخلافِ النَّفسِ، وحفظُ العِرضِ بالعِفَّةِ من الزِّنا يُفتَدى بالمالِ، بلْ بالنَّفسِ، وحفظُ العقلِ يُغتفرُ فيهِ ما لا يُغْتفرُ في غيرِهِ من الضَّروريَّاتِ بالعُذرِ، ودرجاتُ ذلكَ مُتفاوتَةٌ باعتباراتٍ تُدركُ من أحكامِ الإكراهِ، وحالِ الضَّرورَةِ والتَّحقيقُ أنَّ ترتيبَ الضَّروريَّاتِ ليسَ لهُ قانونٌ واضحٌ يُعوَّلُ عليهِ، وهيَ كما أشرْتُ تتفاوتُ باعتبارَاتِ، فلذَا لا يندرجُ ترتيبُها ضمنَ أُصولِ المقاصِدِ، وإنَّما التَّرتيبُ صحيحٌ في ترتيبِ المصالحِ من حيث الجملة"
ثانيا : الحاجيات والتحسينات والمكملات.
تعريف الحاجيات: هي التي يحتاج إليها الناس لرفع المشقة ودفع الحرج عنهم، وإذا فقدت لا تختل بفقدها حياتهم كما يقع في الضروريات، بل يصيبهم من فقدها حرج ومشقة لا يبلغان مبلغ الفساد المتوقع في فقد الضروريات
مثل الترخص في تناول الطيبات، والمعاملات المشروعة، نحو: السلم.

مجالات الحاجيات: وهي جارية في العبادات والعادات والمعاملات والجنايات.

في العبادات مثل: الرخصة المخففة في الصلاة عند زيادة المشقة بالمرض، يصلي حسبما يستطيع، وفي السفر بقصر الصلاة الرباعية.

في العادات: مثل: إباحة الصيد، وإباحة التمتع بما هو حلال ولذة من مأكل مشرب وملبس ومركب ونحو ذلك.

في المعاملات: مثل إباحة السلم والاستصناع
والمزارعة، والمساقاة والقراض، وإلغاء التوابع في العقد على المتبوعات، كثمرة الشجر، ومال العبد، وإباحة الطلاق دفعًا للضرر.
والجنايات والعقوبات مثل: تضمين الصناع، وضرب الدية على العاقلة، والقسامة، ودرء الحدود بالشبهات، ونحو ذلك.


تعريف التحسينات:

تعريفها: يقول الخادمي: هي التي تليق بمحاسن العادات، ومكارم الأخلاق، والتي لا يؤدي تركها غالبًا إلى الضيق والمشقة.



ومجالات المقاصد التحسينية تشمل (العبادات، العادات، والمعاملات، الجنايات، العقوبات).

أمثلة:
العبادات: وجوب التطهر من النجاسات الحية والمعنوية كستر العورة، أخذ الزينة عند كل مسجد، التقرب بنوافل الخيرات من التصرفات والقربات.

في العادات: الأخذ بآداب الأكل والشرب، وتجنب الإسراف، وترك المآكل والمشارب النجسة والخبيثة، والإقتار في المتناولات.

في المعاملات: الامتناع عن بيع النجاسات، وفضل الماء والكلأ، وسلب العبد منصب الشهادة والإمامة، وسلب المرأةِ منصبَ الإمام، وإنكاحَ نفسها، وطلب العتق وتوابعه من الكتابة والتدبير وما أشبهها.

في الجنايات والعقوبات: منع قتل الحر بالعبد، منع المُثلة، منع قتل النساء، الأطفال والرهبان في الجهاد.

تعريف المكملات:
وهي مكملات للمقاصد الأساسية، وهي تظهر مدى علاقة الضروريات بالحاجيات بالتحسينات.

فالحاجيات كالتتمة والمكملة للضروريات، والتحسينات كالتكملة للحاجيات، الضروريات هي أصل المصالح.
ويترتب على هذا الترتيب:
1- مراعاة ترتيب المصالح التي قصد الشارع تحصيلها، وتقديم الأهم ثم المهم، فيقدم الضروري ثم الحاجي ثم التحسيني.
-2 الضروريات أيضًا أصل للحاجي والتحسيني.
3 - الأمور الحاجية إنما هي حائمة حول الضروريات لتكميلها، وتميل بها إلى الاعتدال ورفع الحرج والعسر عن الناس، وكذلك الأمور التحسينية بالنسبة للحاجية والضرورية.
4- إذا اختل الضروري يختل الحاجي والتحسيني.
5- كل مرتبة من مقاصد الشريعة في مراتبها الثلاث ينضم إليها ما هو كالتكملة والتتمة.

أمثلة للمكملات:
(أ) المكملات الضرورية.
حفظ الدين: شرعت الصلوات الخمس محافظة على مقصد الدين، وصلاة الجماعة لتأكيد هذا المقصد، فيكون تكميلًا له.
حفظ النفس: شرع القِصاص، لحفظ مقصد النفس، شرع التماثل في حفظ القصاص، فيكون هذا تأكيدًا لهذا المقصد.
حفظ النسل: شرع تحريم الزنا؛ محافظة على مقصد النسل والعرض، وشرع تحريم النظر؛ تأكيدًا لهذا المقصد، وتكميلًا له.
حفظ العقل: شرع تحريم الخمر؛ محافظة على مقصد حفظ العقل، وشرع الحد، ولو شرب قليلًا، فيكون تأكيدًا لهذا المقصد، وتكميلًا له.
حفظ المال: شرع وضوح المال والإشهاد وتحريم الربا؛ حفظًا لمقصد حفظ المال، فيكون تأكيدًا لهذا المقصد، أو تكميلًا له.

(ب) المكملات الحاجية:
1 - شرع الجمع والقصر للمسافر الذي يحق له القصر للتخفيف والتيسير.
2 - شرع الجمع في الصلاة للمريض الذي يخاف أن يغلب على عقله.
3- شرع العقود المشروعة: كالإجارة، والاستصناع، والسلم؛ للتخفيف والتيسير.

(جـ) المكملات التحسينية:
1 - شرع قضاء الحاجة، مندوبات الطهارة.
- 2والاختيار في القربات؛ كالأضاحي والعقيقة والإحسان في المعاملة عمومًا.
 
أعلى