العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مقال في الحكمة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستغفار

إنضم
4 يناير 2008
المشاركات
1,323
التخصص
طبيب تخدير
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
ما وافق الدليل
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد : فإن الباعث على كتابة هذه الكلمة هو بيان الحكمة من أمر الله نبيه r بالاستغفار في قوله تعالى : ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾[1] ، فمن المعلوم أن الأنبياء معصومون من ارتكاب الكبائر ،والعلماء اختلفوا في وقوع الصغائر منهم عليهم السلام ،والراجح عصمة الأنبياء من الصغائر والكبائر فهم قدوة للناس ،وفعلهم يقتدى به فإذا فعلوا الصغائر تساهل الناس في فعل الصغائر يقولون إذا كان النبي r اعلم الناس بربه يعصي الله فكيف بنا ؟ ويقولون مادام النبي r قدوة لنا ، وفعل معصية فلا بد أن نفعل ما فعل ؟ فلا يجوز أن نقول يجوز فعل الصغائر من الأنبياء ،ويؤيد ذلك قوله تعالى : ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾[2] أي لقد كان لكم في أقوال رسول الله r وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها , فالزموا سنته, فإنما يسلكها ويتأسى بها مَن كان يرجو الله واليوم الآخر, وأكثرَ مِن ذكر الله واستغفاره, وشكره في كل حال ،ويؤيد ذلك قوله r:« من يطيع الله إذا عصيته »[3] فهذا الحديث يدل على أن الرسول r لا يعصي الله ؛ لأنه قدوة فإذا عصى الله كان قدوة في الشر ، والآية التي نحن بصددها ،وهي قوله تعالى : ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ﴾ أمر النبي r بالاستغفار ليس لأنه يعصي الله لكن الخطاب خاص به لفظاً ،والمراد به الأمة معنى من باب الكلام لكِ واسمعي يا جارة فقد وجه الأمر إليه r ؛لأنه قدوتنا ،وأسوتنا فإذا أمر الرسول r بالاستغفار مع أنه لا يفعل الذنوب فغيره من باب أولى يجب أن يستغفر الله ،وفي ذلك إبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله تعالى وأنها صفة الأنبياء وبعثاً للكفرة على الرجوع عما هم عليه بأبلغ وجه وألطفه ، فإنه عليه الصلاة والسلام حيث أمر بها وهو منزه عن شائبة اقتراف ما يوجبها من الذنب وإن قل فتوبتهم وهم عاكفون على أنواع الكفر والمعاصي من باب أولى ، وفي أمر النبي r بالاستغفار تعبد لله من النبي r ليزيده به درجة وليصير سنة لمن بعده ، والذنب بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام ترك ما هو الأولى بمنصبه الجليل ورب شيء حسنة من شخص سيئة من آخر كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين كأب عنده ابنين ابن مجتهد يحصل دائماً على تقدير ممتاز ،وآخر ليس مجتهداً يحصل دائماً على تقدير مقبول فإذا حصل المجتهد على تقدير جيد جداً والآخر على تقدير جيد تجد الأب يمدح غير المجتهد ،ويذم المجتهد مع أن غير المجتهد لم يحصل على درجة امتياز والنبي r رُبَّما يصدرُ عنه تركِ الأَوْلى فيعُبِّر عنه بالذنبِ نظراً إلى منصبِه الجليلِ ، وفي هذا إرشادٌ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى التواضعِ وهضمِ النفسِ واستقصارِ العملِ، وقد كان r يرى قصوره عن القيام بحق الله ، ويكثر من الاستغفار والتضرّع،والنبي r كان في الترقي في درجات العبودية فكان كلما ترقى من مقام إلى مقام أعلى من الأول رأى الأول حقيراً ، فكان يستغفر الله منه ، فحمل طلب الغفران في القرآن في هذه الآية على هذا الوجه أيضاً غير مستبعد فقوله تعالى : ﴿ واستغفر لِذَنبِكَ ﴾ أي استغفر الله تداركاً لما فرَطَ منكَ من تركِ الأَوْلى في بعضِ الأحايينِ ،وإطلاق اسم الذنب إنما هو على ما يفوت من الازدياد في العبادة ، وكل مقام له آداب ، فإذا أخلّ بشيء من آدابه أُمر بالاستغفار ، فلمقام الرسالة آداب ، ولمقام الولاية آداب ، ولمقام الصلاة آداب ، ومن سموه r كان ينظر إلى تركه الأولى والأفضل نظرة الذنب ،وليس نظرة ذنب عادي بل ذنب أثقله فأخبره الله أنه قد غفر قال تعالى : ﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾[4]هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وكتب ربيع أحمد طب عين شمس الفرقة السادسة الخميس 25/1/ 2007 م






[1] - غافر : 55

[2] - الأحزاب : 21

[3] - صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبو داود رقم 4764

[4] - الشرح : 2-3
 
أعلى