العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مقدمة عن الظاهرية وأئمتهم

إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
مقدمة عن الظاهرية وأئمتهم:
أهل الظاهر هم ثلة من العلماء ... من علماء السلف ومن علماء الخلف ، اختلفت مشاربهم وأوطانهم وأنسابهم ، إلا أنهم جميعاً اتفقوا على أمر واحد ، وهو ( وجوب الرد إلى الأمر الأول ) أي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في فهم الشريعة الإسلامية والعمل بها ، وقد سار على هذا الطريق الكثير من أئمة الدين والهدى ، نذكر منهم على سبيل المثال بلا ترتيب زمني : داود الظاهري وابنه محمد بن داود الظاهري ، وإبراهيم بن عرفه الأزدي ، وأبو يعلى الموصلي التميمي الظاهري ، وعبد العزيز الخرزي القاضي الظاهري ، وابن المغلس الظاهري ، وابن أبي عاصم الظاهري ، والشعار الظاهري ، ومحمد الرضيع الظاهري ، ورويم الظاهري ، والحسين بن عبد الله السمرقندي الظاهري ، والحسن النهرباني الظاهري ، وأبو بكر بن النجاد الظاهري ومحمد بن عمر القاضي الظاهري ، وابن حزم الظاهري ، ومنذر بن سعيد البلوطي الظاهري ، والبرمكي الظاهري نزيل الاندلس ، وأبو عامر العبدري الظاهري ، والحميدي الظاهري ، وابن طاهر القيسراني الظاهري ، وأبو حيان الأندلسي الظاهري ، وابن دحية الظاهري ، وابن الرومية النباتي العشاب ، وابن البرهان الظاهري ، والبشتكي الظاهري ، وحفيد الإمام ابن حزم أبو محمد أيضاً ، وابنائه الفضل ، ويعقوب ، وأسامة كانوا على الظاهر ، وكذلك ابن هلال الظاهري ، والقاضي الفامي الظاهري ، ومن المتأخرين كالإمام بديع الزمان السندي ، وتقي الدين الهلالي ، وأبي تراب الظاهري ، والعلامة الجهبذ ابن عقيل الظاهري حفظه الله ، والعلامة الأثري مقبل بن هادي الوادعي ، وغيرهم من أهل العلم والدين والتقى رحم الله جميعهم.

منهج أهل الظاهر :
هو الوقوف على اليقين في كل شيء من أحكام الشريعة الإسلامية ، فإن وقفوا على يقين يقطعون به ويمكن نسبته إلى الله تعالى قالوا به وأخذوه ، وتركوا ما عداه من الأقوال التي كانت بناء عن الرأي والظن ؛ لأن أهل الظاهر يبحثون عن التشريع ، والتشريع عندهم لا يكون إلا من له التشريع ، وهو الله تعالى في كتابه ، ورسوله صلى الله عليه وسلم الناطق بالوحي .

وقد ظن كثير من طلبة العلم أو حتى العلماء حين اعتبروا الظاهرية مذهباً كمذاهب الأئمة الأربعة ، يتبع الثاني منهم الأول ، بحيث يكون الإمام داود الظاهري هو إمام المذهب ، فيكون من بعده تبعاً له ، مستنبطاً من أقواله !

وهذا خطأ لأن الظاهرية ليست مذهباً لتقليد أحد واستنباط الشريعة من أقواله ، وإنما هم ينزعون إلى الاجتهاد في كل أمرهم ، ويحرمون تقليد أحد من البشر ، فليس عندهم إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط دون غيره من الناس .

فالظاهرية تدعو إلى الاجتهاد بما يصل به الإنسان إلى القطع الذي يجوز أن ينسبه إلى الله تعالى ، لذلك قرن بعض الباحثين الاجتهاد بمنهج أهل الظاهر ، لأنه السمة الظاهرة لهذا المنهج المبارك ، إلا أن ذلك خطأ ، لأن الاجتهاد أعم وأشمل ، ويدخل تحته النظر الظاهري ، وغيره من أنواع ومناهج النظر في الشريعة الإسلامية .
فليس كل مجتهد ظاهري ، وإنما كل ظاهري مجتهد أو في طريق الاجتهاد ، فالظاهري ليس له أن يقلد لا إمام ظاهري ولا غيره ، وإنما عليه أن يتعلم العلوم ويتقنها ، حتى يتمكن من بلوغ قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء .

ويعتبر الإمام داود الظاهري إماماً فيه لأنه أول من أعلن القول بالظاهر بمعنى التصنيف فيه وبثه والدعوة إليه ، وإلا فإن الظاهر من مقتضيات الفهم في الخطاب ، هكذا يعرف العربي عندما تقول له : كل مالك ، فإنه يعرف أنك تعني كل من مالك .

فالإمام داود أول من صنف فيه ودعا إليه

عقيدة أهل الظاهر :
هى كعقيدة السلف الصالح بلا فرق ، لكن الظاهرية ليسوا فرقة من الفرق التي قلّد بعضهم بعض ، فهم ليسوا كالمعتزلة أو الأشعرية أو غيرهم من الطوائف والنحل التي وضعت قواعد ما في باب الاعتقاد ، فسار عليها كل أتباعها .
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
****** مقدمة عن معنى الظاهر*******
الظاهر هو القطع واليقين والواضح الذى لا لبس فيه.....
وسأضرب مثالا صغيراً... لو كان للرجل ولدان محمد وأحمد وقال سأضرب واحدا من أبنائى ثم قال بعد ذلك لن أضرب محمداً فهمنا من ظاهر كلامه أنه سيضرب أحمد رغم أنه لم يقل أنا سأضرب أحمد ... بنص العبارة ....
وعندما نقرأآية ((وورثه أبواه ..فلأمه الثلث )) فهمنا قطعا أن لأبيه الثلثين ولو لم تذكر صراحة ...

قال العلامة ابن عقيل الظاهري ـ حفظه المولى تعالى ـ في كتابه " العقل اللُّغوي " (ص/ 35ـ 36) وهو بصدد الحديث عن الأخذ بالظاهر :
" فالظاهر ليس هو الجمود على الحرفية ، وإنما هو تحقيق القضية ، فما لا تدل عليه اللغة من النص ، وما لا يحتم العقل مفهوميته من ملاحنه : فليس قضية نصية .))
ويقول أيضاً : فالغالب عند طلبة العلم ( بل هو المشهور فيما يدرس من كتب في الدراسة المرحلية ) : أن الأخذ بالظاهر يعني الأخذ بالواضح وإلغاء الخفي .
أي أن المدلول عليه إذا كان خفياً لا يكون ظاهراً حتى يكون واضحاً . وهذا وهم شائع مضلل سببه أن القوم لم يطابقوا منهج أهل الظاهر في الاستدلال على مقتضى أصول اللغة العربية .
والواقع أن الظاهر يعني الواضح الجلي والخفي الذي لا يدرك إلا بلطف . أما غير الظاهر فهو ما أبى النص أن يدل عليه .
قال عبدالقاهر عن المسرفين في التأويل : " فهم يستكرهون الألفاظ على ما لا تقله من المعاني " .
فهذه اللمحة من عبدالقادر أذكى عبارة في تحديد الظاهر النصي ، فما لا تقله الألفاظ من المعاني فليس ظاهراً . وما تقله فهو الظاهر سواء أكان جلياً أم خفياً والظاهر النصي ظاهران :
الظاهر العرفي اللغوي الأعم الذي لا يخرج مراد المتكلم عن أحد أفراده ، ومراد المتكلم المتعين . والأول هو جميع الإحتمالات الجائز استعمالها لغة كاستعمال العين للباصرة والنبع والذات ... ألخ .
وكل احتمال لمعنى لا يصح ارتباطه باللفظ لغة أو بلاغة فهو غير ظاهر .
والظاهر الأخص المتعين إنما هو مراد المتكلم ومراد المتكلم أخص من عموم معاني اللغة . فإذا كان ما زعم أنه مراد للمتكلم ليس أحد أفراد الظاهر العرفي فليس ظاهراً ، بل هو تقويل للمتكلم بما لم يقله حقيقة .
ويحمل على هذا كثير من كلام المتلاعبين بكلام الله كالصوفية والباطنية وبعض المتفلسفة والإنشائيين . وإذا لم يقم برهان من سياق الكلام أو خارجه يعين مراد المتكلم فالمدلول احتمالي وليس ظاهراً . وقد تفقه أولئك الأجلة في لغة العرب ومنطق الفكر قبل أن يتعرضوا لتفسير النصوص والاستنباط منها
وقد ينطلق مفسرو النصوص منطلقات تسهب في تأويل الكلام تأويلاً يخرجه عن ظاهره لظنهم أن الظاهر غير مراد في حين أن النص لا يتحقق فهمه بغير حمله على ظاهره ... "

* قال العلامة ابن عقيل الظاهري ـ حفظه المولى تعالى ـ في كتابه الماتع " ابن حزم خلال ألف عام " (4/ 73ـ84) :
" أما عن تصور المذهب الظاهري فأقول :
الأخذ بالظاهر بديهة من البديهيات التي يكون برهانها منها .
ففي مجال النص ـ وهوالكلام ـ يعني الظاهر :
الأخذ بمدلول الكلمة لغة وحملها على عمومها الزماني إن كانت عن زمن غير محدد ولم يقم برهان آخر بتحديد الزمن .
وحملها على عمومها المكاني إن كانت عن مكان غير محدد ولم يقم برهان آخرعلى التحديد .
وحملها على عموم العددإن لم يقم برهان آخر بتحديد العدد .
وحملها على مقتضى الطلب لغة وهو الوجوب إن لم يقم برهان آخر يصرفها عن الوجوب .
وبناء على هذه البديهيات كان أصل الخطاب العموم والوجوب والفور إلاببرهان آخر أو قرينة متعينة أو راجحة تصحب سياق الخطاب .
وبناء على هذه البديهية كان الأصل حمل الخطاب الشرعي على عموم المكلفين ذكوراً وإناثاً عبيداًوأحراراً .
ومن البداهة أنه ليس كل ما جاز في لغة العرب يتعين به مرادالمتكلم .
بل لا نجيز من مراد المتكلم العربي إلا ما جاز في لغة العرب .
ولا نحدد من الجائز في لغة العرب مراداً حتمياً للمتكلم العربي إلا ماتعين أو رجح بدلالة السياق أو بالقرائن أو ببراهين أخرى .
..... لهذا لا أنكر أن ترد الكلمة محددة الزمان أو المكان أو العدد أو الشخص والمرادبها غير ذلك .
إلا أن الأصل حملها حينئذ على التحديد حتى يقوم برهان آخر على مراد المتكلم .
وقد ترد الكلمة غير محددة والمراد بها التحديد فالأصل حملهاعلى غير التحديد حتى يقوم برهان على مراد المتكلم لتحديدها .
هذا هو الظاهرالنصي .
والظاهر العقلي بينته في مناسبات من هذه الأسفار ، وفي كتابي ( لن تلحد ) وفي كتابي ( تحرير بعض المسائل على مذهب الأصحاب ) وهذان الظاهران ( النصي والعقلي ) بديهيتان لا أخال مفكراً يكابر فيهما إلا أن يكون المكابر سوفسطائيا لايؤمن بأن 2+3=5
إذن الأخذ بالظاهر ليس محلاً للخلاف بين الظاهرية وخصومهم إن حكموا المنطق .
وإنما الخلاف في الاكتفاء بالظاهر .
أي هل التسليم بالأخذ بالظاهر يحتم الاكتفاء بالظاهر أم لا يحتمه ؟
وإذا كان الأخذ بالظاهر لا يحتم الاكتفاء بالظاهر فلنا أن نطلب معارف شرعية بغير ظاهر اللغة التينزل بها الشرع كالقياس والاستحسان .
والظاهريون في حل هذه القضية منطقيون إلى آخر حد لو وجدوا أذناً صاغية .
فهم ـ رضي الله عنهم ـ يقولون :
إن أردتم طلب معرفة بشرية لا شرعية فالباب مفتوح لكم بكل وسيلة من وسائل المعرفة البشرية التي تحصل اليقين ، والظنون الراجحة ، والاحتمالات المرجوحة .
وإن أردتم معرفة شرعية فلا يحق لكم أن تسموا أي معرفة شرعية إلا بشرط أن تكون مراداً للشرع وبنفس وسائل المعرفة التي يدرك بها الشرع .
ولا يدرك الشرع إلا بلغة العرب في ملاحنها وأساليبها ، لأن الشرع نزل بلغة العرب .
فكل مفهوم من نص شرعي لا يعينه أو يرجحه أصح المآخذ في لغة العرب فليس معرفة شرعية .
والله الذي نزل الشرع وخلق العقل البشري حدد دور المعرفة العقلية في مجال الشرع فلم يجعل له أن يزيد على الشرع أو ينقص منه أو يستبدله باقتراح .
وإنما جعل الله دور العقل في فهم الشرع على ما هو عليه ، والتمييزبين أحكامه ، واستنباط قوانينه العامة ، وتركيب البرهان من جملة النصوص ، لأن أحكام الديانة ليست في آية واحدة ولا حديث واحد .
وجعل الله للعقل البشري في نطاق الشرع مجالاً إيجابيا حتميا ليس من باب الإضافة أو النقص أو الاقتراح وإنما هو من باب الحتمية في الفهم ، وهذه الحتمية مبنية على حتميات لغوية ورد بها الشرع أوحتميات حسية ضرورية .
فأما الحتمية اللغوية فقد بينتها في كتابي ( تحرير بعض المسائل على مذهب الأصحاب ) عن حتمية الثلثين للأب من آية النساء .
وأماالحتمية الحسية فكقوله تعالى :
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ) .
فبضرورة العقل التي اكتسبها من ضرورة حسية علمنا أن المراد ناساً معينينلا كل الناس منذ فجر البشرية .
..........

هذا موجز سريع لفكرة الأخذ بالظاهر والاكتفاء به .
.....واللذين تناولوا درس أصول أبي محمد في العصر الحديث لميحسنوا ذلك لأحد سببين :
إما لأن هم أحدهم تبويب أصول أبي محمد وفق ترتيب فقهاء جمهور علماء المسلمين لمسائل أصول الفقه . ثم يؤيدها أو يعارضها حسب ترجيحات من كتب أصول الفقه الأخرى .
وهذا منهج غير سديد ، بل يجب قبل عرض أصول ابن حزم ترسية نظرية المعرفة أولاً ، لأن نظرية المعرفة اليوم هي المدخل للعلوم جميعها، ولأن ابن حزم نفسه أرسى نظرية المعرفة البشرية قبل أن يتعرض للمعرفة الشرعية ،وما فعله أبو محمد ميزة كبرى لأصوله ، وافتقادها نقص في كتب الأصول الأخرى
ثم لما صح لأبي محمد من نظرية المعرفة الشرية أن الكمال لله ، وأن محمداًصلى الله عليه وسلم مبلغ عن ربه واجب الطاعة معصوم ، وأن العباد ملزمون باتباعه وأنبلاغه جاء بلغة العرب ، ولا سبيل إلى فهم مراد الله بغير كلامه وسنة رسوله بواسطةلغة العرب .. لما صح كل ذلك ذهب يرسي نظرية المعرفة الشرعية ( أصول الفقه ) وجعل نظرية المعرفة البشرية وسيطاً في فهم الشرع .
وكل معرفة تحصل بنظرية المعرفة لم يكن مصدرها نصوص الشرع فهي معرفة دنيوية لا شرعية يقوم عليها نظريات التاريخ والأدب والثقافات واستنباط قوانين الكون .
ولا تكون المعرفة معرفة شرعية حتىيكون مصدرها الشرع .
ولا يصح مراد الشرع من النص الشرعي إلا بهذه القيودالمأخوذة من نظرية المعرفة الشرعية :
أ ـ أن يكون النص ثابتاً على سبيل القطع والرجحان ، وسبيل ذلك طرق التوثيق التاريخي التي تمحصها نظرية المعرفة البشرية .
ب ـ أن يكون النص مما يجب القطع به أو ترجيحه وإن كان مرجوحاً فيطرق التوثيق التاريخي .
وذلك هو النص الشرعي الثابت بنقل الثقة عن الثقة أى خبر الواحد
فلا نحتاج من طرق التوثيق التاريخي هنا إلا ما نعرف به عدالة الناقل واتصال السند .
والسر في ذلك أنه ورد في قطعي الشرع أن الله حافظ دينه .
ثم كانت جمهرة النصوص من أخبار الآحاد الصحيحة فلو ردت لا ستحالفهم القرآن وتعطلت معظم الأحكام فلما رأينا تدبير الله الكوني اقتضى أن يكون معظمالشرع من خبر الواحد العدل المتصل السند .
ثم اقتضى تدبير الله الكوني أنتكون سيرة المسلمين في القرون الممدوحة قائمة على العمل بخبر الواحد .
وكنارأينا قبل ذلك أن تدبير الله الكوني ـ بنص الشرع ـ اقتضى حفظ الدين وكماله :
علمنا أن خبر العدل الواحد يجب أن يكون قطعياً أو راجحاً .
وبناءعلى ضمانة الله لا يلزمنا من طرق التوثيق التاريخي إلا ما ألزمنا الله إياه من تبينحال الناقل ، وبيان حاله أن يكون هو عدلا ، وأن يكون المبلغ عنه عدلا إلى آخر السند .
ج ـ أن يكون النص الشرعي قطعي الدلالة أو راجحها : أي يكون مرادالله منه مفهوماً على سبيل القطع والرجحان .
وسبيل ذلك العقل الذي جعله الله شرطاً للتكليف ، ولغة العرب التي جاء بها الشرع .
فلا نقبل من فهم العقل باسم الشرع إلا ما فهمه من النص الشرعي ، ولا نقبل من فهمه من النص إلا ما أقرته لغة العرب .
فاللغة تعطي العقل ما يجوز فهمه من النص .
والعقل ينحصرعمله فيما أجازته اللغة ثم يكون دوره في تعيين أحد هذه المعاني الجائزة ـ بالقطع أوالترجيح ـ إذا وجد محالا في الأخذ بها جميعها .
وليس للعقل هنا اقتراح أوإضافة وإنما عمله الاستنباط الحتمي أو الراجح لفهم الشرع على ما هو عليه .
ووسائل العقل هنا مألوف الشرع ، وقطعياته التي تكونت بنصوص لا احتمال فيدلالتها ، وقوانين لغة العرب وضرورات الحس ومبادىء العقل الفطرية .
والعقل إذا صرف النص عن ظاهره إلى معنى آخر لضرورة برهانية أخرى فليس له ذلك إلا بما تجيزه اللغة وإن كان مرجوحاً .
مثال ذلك :
أنه ورد في صحيح مسلم أن عيسىعليه السلام يضع الجزية آخر الزمان .
فكلمة يضع في اللغة لها معنى راجح هوالإسقاط ومعنى مرجوح هو الإيجاب .
وعندنا نص شرعي آخر أن عيسى عليه السلام يحكم بشرع محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينسخه ، ومن شرع محمد إيجاب الجزية .
فلهذه الضرورة الشرعية فسرنا وضع الجزية بإيجابها وإن كان معنى مرجوحاً في اللغة ، لا بإسقاطها وإن كان معنى راجحاً .
إلا أننا لم نحمله على هذاالمعنى لهذه الضرورة فقط ، بل حملناه على هذا المعنى لجوازه لغة مع وجود الضرورةالصارفة عن المعنى الراجح .
والعقل يحتم المراد من النص إذا لم يجد احتمالاً راجحاً غير هذا المراد .
مثال ذلك أن في سورة النساء حكم في قضية هالك ليسله وارث غير أبيه وأمه أن لأمه الثلث .
ففهم العقل فهماً حتمياً أن للأب الثلثين وإن لم يرد ذلك نصاً .
ولم يحتم العقل هذا الفهم إلا بدلالة لغوية من النص ذاته .
ذلك أنه ورد في النص أن أبويه وارثان ، ولم يذكر وارثاًغيرهما ، ونص على أن أحد الأبوين وهو الأم يأخذ الثلث .
فصح أن مابقي منالإرث لمن بقي من الورثة ولم يبق من الورثة بالنص غير الأب ولم يبق من الإرث بالعقلوالحس غير الثلثين .
ولو جاء في الآية : وله أبوان لما تحتم هذا الفهم ،وإنما تحتم بدلالة من النص وهو ( وورثه أبواه ) فنص على أن الأب وارث .
إذن تحرير نظرية المعرفة ، وتأصيل الأصول الواعية من لغة العرب هو السبيل الوحيد لشرح المذهب الظاهري .

__________________
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
ترجمة الإمام الكبير المجتهد الفذ الفقيه داود بن علي الظاهري ـ رحمه الله تعالى ـ

ترجمة الإمام الكبير المجتهد الفذ الفقيه داود بن علي الظاهري ـ رحمه الله تعالى ـ

ترجمة الإمام الكبير المجتهد الفذ الفقيه داود بن علي الظاهري ـ رحمه الله تعالى ـ
بقلم شيخنا سماحة الشيخ عبد العزيز بن مبارك الحنوط

اسمه :

داود بن علي بن خلف ، البغدادي ، المعروف بالأصبهاني .

نسبته :

ينسب إلى أصبهان ، وهي مدينة لا تزال قائمة إلى الآن في إيران ، وهي مدينة من مدن الجبال .

و " أَصْبَهان " بكسر الهمزة وفتحها ـ وهو الأشهر ـ وسكون الصاد المهملة ، وفتح الباء الموحدة ـ ويقال : بالفاء أيضاً ـ وفتح الهاء وبعد الألف نون .

وقيل لها هذا الاسم لأَنها تُسمَّى بالعجميّة " سباهان " وسباه : العسكر ، وآن : الجمع .

وكانت جموع عساكر الأكاسرة تجتمع إذا وقعت لهم واقعة في هذا الموضع ، مثل : عسكر فارس وكرمان والأهواز وغيرها ، فعرّب فقيل : أصبهان ، وبناها إسكندر ذو القرنين ، فيما ذكره السمعاني (1) وعنه جماعة (2) .

مولده : سنة مئتين . وقيل : سنة اثنتين ومائتين .

كنيته : يكنى الإمام داود بن علي ب " أبي سليمان " واشتهر بهذه الكنية لكن اشتهاره باسمه " داود بن علي " أكثر من اشتهاره بها .

سمع :

1- سُليمان بن حَرْب الأزدي الواشِحي ، البصري .

2- عمرو بن مرزوق الباهلي ، أبو عثمان البصري .

3- عبدالله بن مسلمة بن قعنب ، القَعْنَبِي الحارثي ، أبوعبدالرحمن البصري .

4- محمد بن كثير العَبْدي ، البصري .

5-مُسَدَّد بن مُسَرْهَدٍ بن مُسَرْبل بن مُسْتَورِد الأسدي ، البصري ، أبو الحسن .

6ـ مصعب بن عبدالله بن مصعب بن ثابت بن عبدالله بن الزُّبَيْر بن العوام الأسدي ، أبو عبدالله الزبيري

المدني ، نزيل بغداد .

6- إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد الحَنْظَليُّ ، أبو محمد بن راهَوَيْه المَرْوَزيُّ .

7-إبراهيم بن خالد بن أبي اليَمَان الكَلْبي ، أبو ثَوْر الفقيه .

8- عُبيدالله بن عمر بن ميسرة القَوَارَيْري أبو سعيد البصري ، نزيل بغداد .

9- أبومحمد يحيى بن أَكْثَم بن محمد بن قَطَن التميمي ، المروزي ، أبو محمد القاضي المشهور .

10- زُهَيْر بن حَرْب بن شداد ، أبو خَيْثَمة النَّسائي ، نزيل بغداد .

11-سويد بن سعيد بن سَهْل الهَرَويُّ الأصل ، ثم الحَدثاني .

12ـ يحيى بن مَعِين بن عَوْن الغَطَفَاني مولاهم ، أبو زكريا البغدادي .

13ـالحارث بن سريج النقال .

14ـحسين بن علي الكرابيسي .

15ـأبو جعفر المعروف بخياط السُّنة .

16ـ محمد بن زياد ، أبو عبدالله مولى بني هاشم ، يُعْرف بابن الأعرابي صاحب اللغة .

17ـ محمد بن عبدالله بن نُمَيْر الهَمْداني ، الكوفي .

19ـ عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي ، أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي .

20ـ عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي ، أبو الحسن بين أبي شيبة الكوفي .

وطبقتهم .

وارتحل إلى إسحاق بن راهَويه ، وسَمِعَ منه " المُسْنَد " و " التفسير " ، وناظر عنده ، قال ابن الجوزي : وكان يرد إلى إسحاق وما كان أحد يتجاسر عليه يرد عليه غيره (المنتظم : 12/ 236) .

وحدث عنه :

1- ابنُه أبو بكر محمدُ بن داود .

2-زكريا السَّاجي .

3-يوسف بن يعقوب الدَّاوودِي .

4-عباس بن أحمد المُذَكِّر

5ـمكحول بن الفضل .

6-كنيز بن عبدالله أبوعلي الخادم .

7-محمد بن المنذر بن سعيد النيسابوري .

8-أبو المنير سهل بن عبدالصمد الرقي ، .

9 ـ أبو إسحاق إبراهيم بن محمود بن حمزة النيسابوري المالكي .

10-الحسن بن سفيان النسوي .

11-محمد بن جعفر .

12-أبو تراب عبدالله بن القاسم البصري .

13-نِفْطَوَيْه .

15 ـ عباس بن أحمد الواعظ .

16ـأبو عبيد المحاملي .

17ـ حسين بن إدريس .

18ـ أبو عيسى يوسف بن يعقوب بن مهران الانماطي .

19ـ يحيى بن أكثم .

20ـ أبو تراب علي بن عبدالله بن القاسم البصري .

21ـ محمد بن خَلَف بن حَيَّان بن صدقه بن زياد ، أبو بكر الضبي القاضي المعروف بوكيع .

22ـ محمد بن جرير بن يزيد ، أبوجعفر الطبري

وجماعةٌ .

ثناء العلماء عليه :

وقد أثنى عليه ـ رحمه الله تعالى ـ عدد من الأئمة الأعلام ، وأفاضوا عليه بالثناء الجزيل ، والذكر الجميل ، وسنذكر بعض ما ورد في كتب التراجم مما يبين منزلته بين علماء زمانه ، ومن ذلك :

ـ قال مسلمة بن قاسم : كان داود من أهل الكلام والحجة والاستنباط لفقه الحديث ، صاحب أوضاع ، ثقة إن شاء الله تعالى .

ـ وقال النَدِيم : وكان فاضلاً صادقاً ورعاً .

ـ وقال الحاكم : ثقة .

ـ وقال الخطيب الغدادي : كان إماماً ورِعاً ، نا سكاً ، وفي كتبه حديث كثير ، لكن الرواية عنه عَزِيزَةٌ جداً

ـ وقال ابن خلكان : الإمام المشهور المعروف بالظاهري كان زاهداً متقللاً كثير الورع ، وكان من أكثر الناس تعصباً للإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ وصنف في فضائله ، والثناء عليه كتابين ، وكان صاحب مذهب مستقل ، وتبعه جمع كثير يُعرفون بالظاهرية .

ـ وقال السّمعاني : وهو إمام أهل الظاهر ، وكان ورعاً ناسكاً زاهداً .

ـ وقال النووي : فضائل داود ، وزهده ، وورعه ، ومتابعنه للسنة مشهورة .

ـ وقال الصّفَدي : كان زاهداً متقلِّلاً كثير الورع ...وكان من أكثر الناس تعصُّباً للشافعي ، وصنَّف في فضائله والثناء عليه كتابين ، وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير من الظاهرية ... وانتهت إليه رئاسة العلم ببغداد . قيل إنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر ، وكان من عقلاء الناس .

ـ وقال شمس الدين محمد بن علي الدّاوودي : الإمام الحافظ المجتهد الكبير ... كان إماماً فاضلاً صادقاً ورعاً .

ـ وقال أبو إسحاق الشِّيرازي : كان زاهداً متقلّلاً ، وقال أبو العباس : كان داود عقلُه أكثر من علمه . وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد .

ـ وقال القاضي المَحامِلي : رأيت داود بن علي يصلي ، فما رأيت مسلماً يشبهه في حسن تواضعه .

ـ وقال ابن عبدالهادي : الحافظ المجتهد ، فقيه أهل الظاهر ... صنَّف التصانيف وكان بصيراً بالحديث صحيحه وسقيمه

ـ وقال الذهبي في " السير " : الإمامُ ، البحرُ ، العلامة، عالمُ الوقت ... رئيس أهل الظاهر ... بصيرٌ بالفقه ، عالمٌ بالقرآن ، حافظٌ للأثر ، رأسٌ في معرفة الخلاف ، من أوعيةِ العلمِ ، له ذكاءٌ خارقٌ ، وفيه دِينٌ متينٌ .

ـ وقال أيضاً في " التذكرة " : الحافظ ، الفقيه ، المجتهد ... صنف التصانيف ، وكان بصيراً بالحديث وصحيحه وسقيمه .

ـ وقال أيضاً في " العبر " : كان زاهداً ناسكاً .

ـ وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن مُفرج الأشبيلي النباتي : وداود بن علي ثقة ، فاضل إمام من الأئمة لم يذكره أحدٌ بكذب ولا تدليس في الحديث رحمه الله .

ـ وقال ابن الوردي : إمام أصحاب الظاهر ... وكان إماماً مجتهداً ورعاً أخذ هو وأصحابه بظاهر الآثار والأخبار وأعرضوا عن التأويل .

ـ وقال السيوطي : صنّف التصانيف ، وكان بصيراً بالحديث صحيحه وسقيمه ، إماماً ورعاً ناسكاً زاهداً . كان في مجلسه أربعمائة صاحب طَيْلَسان أخضر .

ـ وقال السبكي : وكان أحد أئمة المسلمين وهداتهم ... وقد كان موصوفاً بالدين المتين .

ـ وقال أيضاً : كان جبلاً من جبال العلم والدين له من سداد الرأي والنظر ونور البصيرة ما يعظم وقعة .

ـ وقال العماد الحنبلي : الإمام الفقيه ... وكان ناسكاً زاهداً ... وكان داود حافظاً مجتهداً إمام أهل الظاهر .

ـ وقال خير الدِّين الزركلي : أحد الأئمة المجتهدين في الإسلام .

ـ وقال الألباني : الفقيه ، إمام أهل الظاهر ، وهو صدوق ثقة ، فاضل .

ـ وقال نور الدّين عتر : ثقة في الحديث .

ـ وقال ابن أبي حاتم : صدوق في روايته ونقله واعتقاده ، إلا أن رأيه أضعف الآراء وابعدها من طريق الفِقْهِ وأكثرها شذوذاً .

قال أبوعبدالرحمن : قوله ( إلا أن رَأْيه أضعف الآراء وأبعدها من طريق الفِقْه وأكثرها شذوذاً ) دعوى بلا دليل وما كان هكذا فهو ساقط بيقين لبرهانين :

أحدهما : قوله تعالى ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) فصح : أن كل من لا برهان له فينبغي التأني في دعواه .

والثاني : أنه لا يعجز مخالفك عن أن يدعي كدعواك . فيقول : أن رأيه أصح الآراء وأقربها من طريق الفِقْه وأقلها شذوذاً . وهذا ما ألمح إليه الإمام السلفي الأثري الشوكاني اليماني بقوله عن الظاهرية : ولا عيب لهم إلا ترك العمل بالآراء الفاسدة التي لم يدل عليها كتاب وسنة ولا قياس مقبول ( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها )نعم قد جمدوا في مسائل كان ينبغي لهم ترك الجمود عليها ولكنها بالنسبة إلى ما وقع في مذاهب غيرهم من العمل بما لا دليل عليه البتة قليلة جداً .

وقال الإمام ابن قيم الجوزية في " إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " (1/ 570) في معرض رده على من أدعى الإجماع في ايقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد : " أن هذا مذهب أهل الظاهر ـ داود وأصحابه ـ ، وذَنْبهم عند كثير من الناس : أخذُهم بكتاب ربهم وسنّة نبيهم ، ونبذُهم القياسَ وراء ظهورهم ، فلم يعبأوا به شيئاً " .

ويبطل قول ابن أبي حاتم وينسفه من أصله ما قاله قاسم بن أصبغ الحافظ : ذاكرتُ ابن جرير الطبري ، وابن سريج في كتاب ابن قتيبة في الفقه ، فقالا : ليس بشيء ، فإذا أردتَ الفقهَ ، فكُتُب أصحاب الفقه ، كالشافعي ، وداود ، ونُظرائِهما . ثم قالا : ولا كتب أبي عُبَيْد في الفقه ، أما ترى كتابه في " الأموال " ، مع أنه أَحْسَنُ كُتُبِه ؟ . قلت : لا شك ولا ريب أن كلام ابن جرير وابن سريج مقدم على كلام ابن أبي حاتم ؛ لإنهما إمامين من أئمة الفقه والاجتهاد .

قال الإمام ابن حزم ـ رحمه الله تعالى ـ وما أجمل ماقال : وإذا خالف واحد من العلماء جماعة فلا حجة في الكثرة ؛ لأن الله تعالى يقول ـ وقد ذكر أهل الفضل ـ : ( وقليل ما هم ) وقال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) ، ومنازعة الواحد منازعة توجب الرد إلى القرآن والسنة . ولم يؤمر الله تعالى قط بالرد إلى الأكثر . والشذوذ هو خلاف الحق ولو أنهم أهل الأرض لا واحد .

قال أبوعبدالرحمن : ما خالف فيه أهل الظاهر غيرهم فيجب رده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهما اللذان يحكمان ببطلانه حال عرضه ورده .

ـ وقال الأزدي : لا يقنع برأيه ولا بمذهبه تركوه .

قلت : الأزدي هو : أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي ، ولا عبرة بقوله ، لأنه هو ضعيف ، فكيف يعتمد عليه في تضعيف الثقات ، قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح (ص 409) :

" والأزدي لا يعتمد إذا انفرد فكيف إذا خالف " . وقال الذهبي في " الميزان " (1/ 61) :

" لا يلتفت إلى قول الأزدي ؛ فإن في لسانه في الجرح رهقاً " . وقال أبوزرعة العراقي في " البيان والتوضيح "

(ص 63) :

" والأزدي يطلق لسانه في الجرح كثيراً ويجازف في ذلك ، قد تكلم فيه بعض أئمة النقد فلا ينبغي أن يرجع إلى قوله في المحكوم بثقتهم " . وقال المعلمي في " التنكيل " (ص712) :

" فأما أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي ، فليس في نفسه بعمدة حتى لقد اتهموه بوضع الحديث " .

وقد تعقبه الإمام الكبير أبو العباس أحمد الإشبيلي النباتي في " الحافل " بقوله : ما ضر داود تَرْكُ تارك مذهبه من ورائه ، فرأي كل أحد ومذهبه متروك إلا أنْ يَعْضُده قُرآن أو سُنَّة ، وداود بن علي ثِقَة ، فاضل ، إمام من الأئمة لم يَذْكره أَحَدٌ بِكَذِبٍ ولا تَدْلِيسٍ في الحديث رحمه الله تعالى .

· المآخذ التي أخذت على الإمام داود بن علي الظاهري ـ رحمه الله تعالى ـ :

1ـ قوله : القرآن مُحْدَث .

قال أبوعبدالرحمن : اترك الدفاع عن الإمام دواد بن علي الأصبهاني البغدادي الظاهري ـ رحمه الله تعالى ـ لشيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال في " مجموع الفتاوى " ( 5/ 532) :

" وهل يسمى مُحْدَثاً ؟ على قولين لهم . ومن كان من عادته أنه لا يطلق لفظ المُحْدَث إلا على المخلوق المنفصل ـ كما كان هذا الاصطلاح هو المشهور عند المتناظرين الذين تناظروا في القرآن في محنة الإمام أحمد رحمه الله ، وكانوا لا يعرفون للمُحْدَثِ معنى إلا المخلوق المنفصل ـ فعلى هذا الاصطلاح لا يجوز عند أهل السنة أن يقال القرآن مُحْدَث ، بل من قال إنه مُحْدَث فقد قال إنه مخلوق .

ولهذا أنكر الإمام أحمد هذا الاطلاق على داود لما كُتِبَ إليه أنه تكلّم بذلك ؛ فظن الذين يتكلمون بهذا الاصطلاح أنه أراد هذا فأنكره أئمة السنة . وداود نفسه لم يكن هذا قصده ، بل هو وأئمة أصحابه متفقون على أن كلام الله غير مخلوق ، وإنما كان مقصوده أنه قائم بنفسه ؛ وهو قول غير واحد من أئمة السلف ، وهو قول البخاري وغيره .

والنزاع في ذلك بين أهل السنة لفظي ؛ فإنهم متفقون على أنه ليس بمخلوق منفصل ، ومتفقون على أن كلام الله قائم بذاته ، وكان أئمة السنة : كأحمد وأمثاله ، والبخاري وأمثاله ، وداود وأمثاله ، وابن المبارك وأمثاله ، وابن خزيمة ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، وابن أبي شيبة وغيرهم ؛ متفقين على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته ؛ ولم يقل أحد منهم أن القرآن قديم ؛ وأول من شهر عنه أنه قال ذلك هو ابن كلاب " .

وقال شيخ الإسلام في موضع آخر من " مجموع الفتاوى " (6/ 160ـ 161 ) :

وأما قول القاضي ـ أبو يعلى ـ إن هذا قول بحدوثه ، فيجيبون عنه بجوابين :

( أحدهما ) : ألا يسمى مُحْدَثاً وإنما يسمى حَدِيثاً ؛ إذ المُحْدَث هو المخلوق المنفصل ، وأما الحَدِيث فقد سماه الله حَدِيثاً ، وهذا قول الكرامية ، وأكثر أهل الحديث ، والحنبلية .

( والثاني ) : أنه يسمى مُحْدَثاً ، كما في قوله : ( مِْن ذِكْرٍ مِْن رَّبهِم مُحْدَثٍ ) وليس بمخلوق . وهذا قول كثير من الفقهاء ، وأهل الحديث والكلام ، كدواد بن علي ـ صاحب المذهب ـ لكن المنقول عن أحمد إنكار ذلك وقد يحتج به لأحد قولي أصحابنا .

والاطلاقات قد توهم خلاف المقصود ، فيقال : إن أردت بقولك مُحْدَث أنه مخلوق منفصل عن الله ـ كما يقوله الجهمية ، والمعتزلة ، والنجارية ـ فهذا باطل لا نقوله ؛ وإن أردت بقولك : أنه كلام تكلم الله به بمشيئته ، بعد أن تكلم به بعينه ـ وإن كان قد تكلم بغيره قبل ذلك ، مع أنه لم يزل متكلماً إذا شاء فإنا نقول بذلك . وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة ، وهو قول السلف ، وأهل الحديث ؛ وإنما ابتدع القول الآخر الكُلابية ، والأشعرية ؛ ولكن أهل هذا القول لهم قولان :

( أحدهما ) : أنه تكلم بعد أن لم يكن متكلماً ؛ وإن كان قادراً على الكلام ، كما أنه خلق السموات والأرض ، بعد إن لم يكن خلقهما ، وإن كان قادراً على الخلق . وهذا قول الكرامية وغيرهم ممن يقول إنه تحله الحوادث ، بعد إن لم تكن تحله ، وقول من قال : إنه مُحْدَث يحتمل هذا القول ، وإنكار أحمد يتوحه إليه .

( والثاني ) : إنه لم يزل متكلماً يتكلم إذا شاء ، وهذا هو الذي يقوله من يقوله من أهل الحديث " .

وقال أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية في مكان آخر من " مجموع الفتاوى " (12/ 177) :

" وأما قوله : وقوم ذهبوا إلى أنه حادث بالصوت والحرف ـ وهو الجهمية ـ فهو كلام من لا يعرف مقالات الناس . فإن الجهمية يقولون : إن الله لا يتكلم ، وليس له كلام ، وإنما خلق شيئاً فعبر عنه ، ومنهم قال : إنه يتكلم بكلام يخلقه في غيره ، وهو قول المعتزلة .

وأما الكرامية فتقول : إن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وهو متكلم به بحرف وصوت . ويقولون مع ذلك : إنه حادث قائم به وهم ليسوا من الجهمية ؛ بل يردون عليهم أعظم الرد ، وهم أعظم مباينة لهم من الأشعرية . ويقولون مع ذلك : إن القرآن حادث في ذات الله .



ثم من هؤلاء من يقول : إن كلام الله كله حادث ومنهم من لا يقول ذلك ، وهذا القول معروف عن أبي معاذ التومني ، وزهير البابي ، وداود بن علي الأصبهاني ، بل والبخاري صاحب الصحيح وغيره ، وطوائف كثيرة يذكر عنهم هذا ، فليس كل من قال : إنه حادث كان من الجهمية ، ولا يقول أنه مخلوق " .

وقال ـ أيضاً ـ في " الفتاوى الكبرى " (5/ 84) :

" وذكر أن محمد بن شجاع إمام الوقف هو وأصحابه الذين لا يقولون القرآن مخلوق ولا غير مخلوق يطلقون عليه أنه محدث ، بمعنى أنه أحدثه في غيره ، وهو معنى قول من قال إنه مخلوق ليس بينهما فرق إلا في اللفظ ، وقد سلك هذا المسلك طوائف من أهل البدع من الرافضة وغيرهم ، يقولون هو مُحْدَثٌ مجعول ولا يقولون هو مخلوق ، ويزعمون أن لفظ الخلق يحتمل المفتري ، وهم في المعنى موافقون لأصحاب المخلوق .

وقد وافقهم على الترادف طوائف الكلابية والأشعرية وطوائف من أهل الفقه والحديث والتصوف ، يقولون المُحْدَث هو المخلوق في غيره لا يسمون مُحْدَثاً إلا ما كان كذلك ، فهؤلاء كلهم يقولون من قال إنه مُحْدَثٌ كان معنى قوله إنه مخلوق ولزمه القول بأنه مخلوق فهو أحد الوجهين للإنكار على داود الأصبهاني وغيره ممن قال إنه مُحْدَثٌ وأطلق القول بذلك وإن كان داود وأبو معاذ وغيرهما لم يريدوا بقولهم إنه مُحْدَثٌ أنه بائن عن الله كما يريد الذين يقولون إنه مخلوق ، بل ذهب داود وغيره ، ممن قال إنه مُحْدَثٌ وليس بمخلوق من أهل الإثبات أنه هو الذي تكلم به ، وأنه قائم بذاته ليس بمخلوق منفصل عنه . ولعل هذا كان مستند داود في قوله لعبدالله أحب أن تعذرني عنده ، وتقول له ليس هذا مقالتي أو ليس كما قيل لك ، فإنه قد يكون قصد بذلك أني لا أقول إنه مُحْدَثٌ بالمعنى الذي فهموه وأفهموه وهو أنه مخلوق ، وليس هذا مذهبي ، ولم يقبل أحمد قوله لأن هذا القول منكر ، ولو فسره بهذا التفسير لما ذكرناه ولأنه أنكر مطلقاً فلم يقربا للفظ الذي قاله وقد قامت عليه البينة به فلم يقبل إنكاره بعد الشهادة عليه " .

2ـ قوله عن القرآن : أما الذي في اللوح المحفوظ : فغير مخلوق ، وأما الذي هو بين الناس : فمخلوق .

قال الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " (8/ 347) : أخبرني الأزهري ، حدثنا محمد بن حميد اللخمي ، حدثنا القاضي ابن كامل ـ إملاء ـ قال : حدثني أبو عبدالله الوراق المعروف بجوار ، قال : كنتُ أورق على داود الأصبهاني ، وكنتُ عنده يوماً في دهليزه مع جماعة من الغرباء ، فسئل عن القرآن فقال : القرآن الذي قال الله نعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) وقال : ( في كتاب مكنون ) غير مخلوق ، وأما الذي بين أظهرنا يمسه الحائض والجنب فهو مخلوق .

هذا الإسناد فيه نظر ، وهاك البيان :

· وراق دواد هو : الحسين بن عبدالله بن شاكر ، أبو علي السَّمَرْقَنْدِيّ .

قال عنه الإدْرِيسي : كان فاضلاً ثقة ، كثير الحديث ، حسن الرواية .

وقال الدار قطني : ضعيف .

قلتُ : الإدريسي اسمه عبدالرحمن بن محمد بن محمد بن عبدالله الإدريسي الإسْتِرباذي وهو مع جلالة قدره وثقته ليس معروفاً في النقد كالإمام الكبير الدارقطني صاحب أحفل كتاب في " العلل " ، فكلامه هو المقدم .

ومما يدل على ضعفه ما جاء في " لسان الميزان " (2/ 537ـ 538) :

" وقد أخرج أبو عوانة في " صحيحة " عن مسرور بن نوح ، عن إبراهيم بن المنذر ، عن عبدالرحمن بن المغيرة ، عن مالك ، عن مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن بُسر بن سعيد ، عن أبي سعيد عن أبي موسى في " الاستئذان " وقال : تفرد به مسرور بن نوح .

وأخرجه الدارقُطْني في " الغرائب " عن محمد بن جعفر المطيري ، عن الحسين بن عبدالله بن شاكر السَّمَرْقَنْدِي ، عن إبراهيم بن المنذر فيقال :إن الحسين سرقه من مسرور .

وأخرج أبو موسى المديني في كتابه " النَضْح الجلي " ، عن الشافعي من طريق الحسين بن عبدالله عن أبي بكر الأثرم ، عن أحمد حكاية فيها أن أحمد قال : كنت أجالسه يعني الشافعي هنا كثيراً ، فلما قدم مصر تغير وجاء بالتأويل والرأي . وقال الحسين بن عبدالله : لا أعرفه والثابت عن أحمد خلاف ذلك رواه ابن أبي حاتم عن ابن وارة ، عن أحمد أنه أمره بكتب الشافعي ، فأظن أنه السمرقندي المذكور ، وإلا فهو آخر مجهول " .

( تاريخ بغداد : 8/ 58 ـ 59 ، تاريخ دمشق : 14/ 86ـ 88 ، المغني في الضعفاء : 1/ 255 ، لسان الميزان : 2/ 537ـ 538 ) .

* أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة ، أبو بكر القاضي .

قال أبو الحسن بن رزقويه : لم تر عيناي مثله .

وقال الخطيب البغدادي : كان من العلماء بالأحكام ، وعلوم القرآن ، والنحو ، والشعر ، وأيام الناس ، وتواريخ أصحاب الحديث ، وله مصنفات في أكثر ذلك .

وقال الدارقطني : كان متساهلاً ، وربما حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه ، وأهلكه العجب فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من العلماء الأئمة أصلاً .

قال أبوعبدالرحمن : فمن كان هذا حاله فينبغي أخذ الحيطة والحذر من مروياته وعدم التعويل عليه في ذلك لا سيما فيما يحكيه عن الأئمة الكبار .

وقال أبو سعد : كان جريري المذهب . قلتُ : أي نسبة إلى مذهب الإمام العظيم ابن جرير الطبري صاحب التفسير .

قال أبو الحسن : بل خالفه واختار لنفسه وأملى كتاباً في السير وتكلم على الأخبار .

( تاريخ بغداد : 4/ 358ـ 359) .

* محمد بن حُمَيْد، أبو بكر اللخمي الخزَّاز .

قال عنه الأزهري : كان ثقة .

وقال عنه مرة : كان ضعيفاً .

( تاريخ بغداد : 2/ 265ـ 266) .

* الأزهري هو : عُبيدالله بنُ أحمد بن عثمان ، أبو القاسم الأَزْهري البغدادي الصَّيْرفي ، ابنُ السَّوَادي ، وهو عبيدالله بنُ أبي الفتح .

قال عنه الخطيب : كان أحد المكثرين من الحديث كتابةً وسماعاً ، ومن المعنيين به ، والجامعين له ، مع صدق وأمانة ، وصحة واستقامة ، وسلامة مذهب ، وحسن معتقد ودوام درس للقرآن ، وسمعنا منه المصنفات الكبار ، والكتب الطوال .

قال الذهبي : المحدثُ الحجَّةُ المُقرىء ... كان من بحور الرواية .

( تاريخ بغداد : 10/ 358 ، المنتظم : 15/ 290 ـ 291 ، سير أعلام النبلاء : 17/ 578 ) .

قال أبوعبدالرحمن : بعد هذا يتضح ليّ ضعف هذا الإسناد ، وأنه لا تقوم بمثله الحجة وبالله تعالى التوفيق .

قلت : وعلى افتراض صحة ذلك عن داود " كأنه يريد بالذي في أيدي الناس ما يتلونه بألسنتهم ويكتبونه بايديهم ، ولا شك أن المداد والورق والكاتب والتالي وصوته كل مخلوق ، وأما كلام الله سبحانه وتعالى فإنه غير مخلوق قطعاً (3) .

3ـ قوله : لفظي بالقرآن مخلوق .

قلت : أترك الجواب للإمام الذهبي ـ رحمه الله فقد قال في " ميزان الإعتدال " ( 1/ 544) في ترجمة الحسين بن علي الكَرَابيسي بعدما ذكر قوله : " القرآن كلام الله غير مخلوق ، ولفظي به مخلوق " . فتعقبه الذهبي قائلاً : " فإن عني التلفظ فهذا جيد ، فإن أفعالنا مخلوقة ، وإن قصد الملفوظ بأنه مخلوق ، فهذا الذي أنكره أحمد والسلف وعدّوه تجهماً " .

وقال ـ أيضاً ـ في " السير " (12/ 82) في آخر ترجمة حسين بن علي الكرابيسي :

" ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسي ، وحرَّره في مسألة التلفظ ، وأنه مخلوق هو حقٌ ، لكن أباه الإمام أحمد لئلا يُتَذَرعَ به إلى القول بخلق القرآن ، فسُدَّ الباب ، لأنك لا تقدر أن تفرز التلفظ من الملفوظ الذي هو كلام الله إلا في ذهنك " أ.ه .

قال أبوعبدالرحمن : بل جاء عن الإمام أحمد قوله : من قال لفظي بالقرآن مخلوق ـ يريد به القرآن ـ فهو جهمي . وجاء أيضاً عن عبدالله بن الإمام أحمد عنه قال : سألت أبي : ما تقول في رجل قال : التلاوة مخلوقة ، وألفاظنا بالقرآن مخلوقة ، والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ؟ قال هذا كلام الجهمية ...

قلت : ففعل الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ كما في الرواية الثانية حسماً للمادة ، وإلا فالملفوظ كلام الله ، والتلفظ به فمن كسبنا .

وتخريج هاتين الروايتن انظر " مختصر العلو للعلي الغفار " (209ـ 211) .

قال البيهقي في " الأسماء " (2/ 20) بعد تخريجه الرواية الأولى بإسناد صحيح :

" قلت : هذا تقييد حفظه عنه ابنه أحمد ، وهو قوله : " يريد به القرآن " ، فقد غفل عنه غيره ممن حكى عنه في اللفظ خلاف ما حكينا حتى نسب إليه ما تبرأ منه فيما ذكرنا " .

قال الإمام الألباني معلقاً على كلام البيهقي في " مختصر العلو " (211) :

" قلت : وفي قوله " فقد غفل عنه غيره ... " نظر ، لأن حقيقة الأمر أن الإمام أحمد كان يطلق ذلك في كثير من الأحيان ، وممن روى ذلك عنه ابنه عبدالله نفسه كما يأتي في الكتاب ، وكذا أبو داود كما سأبينه قريباً فهل يجوز أن ينسبا إلى الغفلة ؟ فالحق أن أحمد أطلق غالباً ، فحفظه عنه جمع ، وقيد مرة بياناً ودفعاً لما قد يتوهم من الإطلاق أن نطقنا بالقرآن ليس من أفعالنا ، وهذا خلاف ما هو مقرر عند أهل السنة أن أفعال العباد ـ ومنها النطق ـ مخلوقة كما شرحه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه " خلق أفعال العباد " بأدلة قاطعة من الكتاب والسنة ، وأقوال السلف . فبين الإمام أحمد بهذا القيد أنه لا يعني نطق التالي ، فإنه مخلوق ، وإنما يريد كلام الله تعالى ، وبهذا يتفق الإمام مع تلميذه البخاري الذي كان يفرق بين التلاوة والمتلو ، كما حكاه البهقي وغيره ، وقال : " ومسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى كان يوافق البخاري في التفصيل " .

من باب الايضاح والبيان أذكر هذه الواقعة التي تدلل على أن التلميذ أحياناً لا يعي ما يقول الأستاذ أو الشيخ هذا إذا كان صدوقاً فكيف إذا كان متكلماً فيه . فقد أورد الحافظ الذهبي في " السير " (13/ 288) الحكاية التالية قال :

" وقال صالح بن أحمد : تناهى إلى أبي أنَّ أبا طالب يحكي أنه يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، فأخبرت أبي ، فقال : من حدثك ؟ قلتُ : فلان ، قال : ابعثْ إلي أبي طالب ، فوجهتُ إليه ، فجاء ، وجاء فوران . فقال له أبي : أنا قلت لك : لفظي بالقرآن مخلوق ؟! وغضب وجعل يرعد ، فقال : قرأت عليك : ( قل هو الله أحدٌ ) . فقلتَ لي : ليس هذا بمخلوق . قال : فَلِمَ حكيت عني أني قلتُ : لفظي بالقرآن غيرُ مخلوق ؟ وبلغني أنَّك كتبت بذلك إلى قوم فامْحُه ، واكتب إليهم أني لم أقله لك . فجعل فوران يعتذرُ إليه . فعاد أبو طالب . وذكر أنه حكى ذلك . وكتب إلى قوم يقول : وهِمْتُ على أبي عبدالله " .

قال الإمام الذهبي معلقاً على ما حكاه أبو طالب على الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ فقال :

" قلتُ : الذي استقر الحال عليه أن أبا عبدالله كان يقول : من قال : لفظي بالقرآن غيرُ مخلوق ، فهو مبتدع ، وأنه قال : من قال لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو جهمي ، فكان رحمه الله لا يقول هذا ولا هذا ، وربما أوضح ذلك ، فقال : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، يريد به القرآن فهو جهمي " .

ونتحفكم بكلمة أخرى للإمام الذهبي حول هذا الموضوع من كتابه العجاب " سير أعلام النبلاء " (13/ 101) :

" فالقرآن العظيم ، حروفه ومعانيه وألفاظه كلامُ رب العالمين ، غير مخلوق ، وتَلَفُّظُنا به وأصواتنا به من أعمالنا المخلوقة ، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " زينوا القرآن بأصواتكم " . ولكن لمَّا كان الملفوظ لا يستقِل إلا بتلفظنا ، والمكتوب لا ينفك عن كتابةٍ ، والمتلوا لا يُسْمع إلا بتلاوةِ تالٍ ، صعب فهم المسألة ، وعسر إفراز اللفظ الذي هو الملفوظ من اللفظ الذي يُعنى به التلفظ ، فالذهن يعلمُ الفرق بين هذا وبين هذا ، والخوض في هذا خطر . نسأل الله السلامة في الدين . وفي المسألة بحوثٌ طويلة ، الكف عنها أولى ، ولاسيما في هذه الأزمنة المُزْمنة " .

ويجدر بنا أن ننقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ ليضع القارىء على حقيقة الخلاف بين أئمة الحديث في لفظ القارىء للقرآن ، قال ـ وما أجمل ما قال ـ :

" وكان أهل الحديث قد افترقوا في ذلك فصار طائفة منهم يقولون : لفظنا بالقرآن غير مخلوق ، ومرادهم : أن القرآن المسموع غير مخلوق ، وليس مرادهم : صوت العبد ، كما يذكر ذلك عن أبي حاتم الرازي ومحمد بن داود المصيصي وطوائف غير هؤلاء . وفي أتباع هؤلاء من قد يدخل صوت العبد أو فعله في ذلك أو يقف فيه ، ففهم ذلك بعض الأئمة فصار يقول : أفعال العباد أصواتهم مخلوقة رداً لهؤلاء ، كما فعل البخاري ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما من أهل العلم والسنَّة ، وصار يحصل بسبب كثرة الخوض في ذلك ألفاظ مشتركة ، وأهواءٌ للنفوس حصل بسبب ذلك نوعٌ من الفرقة والفتنة .

وحصل بين البخاري وبين محمد بن يحيى الذهلي في ذلك ما هو معروف ، وصار قوم مع البخاري كمسلم بن الحجاج ونحوه ، وقوم عليه كأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهما ، وكل هؤلاء من أهل العلم والسنَّة والحديث ، وهم من أصحاب أحمد بن حنبل ، ولهذا قال ابن قتيبة : إن أهل السنة لم يختلفوا في شيء من أقوالهم إلا في مسألة اللفظ .

وصار قوم يطلقون القول بأن التلاوة هي المتلو ، والقراءة هي المقروء وليس مرادهم بالتلاوة المصدر ولكن الإنسان إذا تكلم بالكلام فلا بدَّ له من حركة ، ومما يكون عن الحركة من أقواله التي هي حروف منظومة ومعان مفهومة .

والقولُ والكلام يراد به تارة المجموع فتدخل الحركة في ذلك ويكون الكلام نوعاً من العمل وقسماً منه ، ويراد به تارة ما يقترن بالحركة ويكون عنها لا نفس الحركة فيكون قسيماً للعمل ونوعاً آخر ليس هو منه .

ولهذا تنازع العلماء في لفظ العمل المطلق هل يدخل فيه الكلام على قولين معروفين لأصحاب أحمد وغيرهم ، وبنوا على ذلك ما إذا حلف لا يعمل اليوم عملاً فتكلم هل يحنث ؟ على قولين : وذلك لأن لفظ الكلام قد يدخل في العمل وقد لا يدخل،

فالأول : كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تحاسد إلا في اثنين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار ، فهو يقول : لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لعملت مثل ما يعمل " كما أخرجه الشيخان في الصحيحين (4) ، فقد جعل فعل هذا الذي يتلوه آناء الليل والنهار عملاً كما قال : " لعملت فيه مثل ما يعمل " .

والثاني : كما في قوله تعالى : ( إليه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ والعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )

] فاطر : 10 [ وقوله تعالى : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إلَّا كُنَّا إذ تُفِيضُونَ فِيهِ ) ] يونس : 61 [ .

فالذين قالوا التلاوة هي المتلو من أهل العلم والسنة قصدوا أن التلاوة هي " القول والكلام والمتلو " .

وآخرون قالوا " بل التلاوة غير المتلو والقراءة غير المقروء ، والذين قالوا ذلك من أهل السنة والحديث أرادوا بذلك أن أفعال العباد ليست هي كلام الله ولا أصوات العباد هي صوت الله ، وهذا الذي قصده البخاري وهو مقصود صحيح .

وسبب ذلك أن لفظ : " التلاوة ، والقراءة ، واللفظ " مجمل مشترك ، يراد به المصدر ويراد به المفعول .

فمن قال : " اللفظ ليس هو الملفوظ ، والقول ليس هو المقول " وأراد باللفظ والقول المصدر ، كان معنى كلامه أن الحركة ليست هي الكلام المسموع ، وهذا صحيح .

ومن قال : " " اللفظ هو الملفوظ ، والقول هو نفس المقول " وأراد باللفظ والقول مسمَّى المصدر ، صار حقيقة مراده أن اللفظ والقول (5) هو الكلام المقول . الملفوظ ، وهذا صحيح .

فمن قال : " اللفظ بالقرآن ، أو القراءة ، أو التلاوة ، مخلوقة " أو : " لفظي بالقرآن أو تلاوتي " دخل في كلامه نفس الكلام المقروء المتلو ، وذلك هو كلام الله تعالى . وإن أراد بذلك مجرد فعله وصوته كان المعنى صحيحاً ، لكن إطلاق اللفظ يتناول هذا وغيره . ولهذا قال أحمد في بعض كلامه : " من قال لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي " (6) احترازاً عمّا إذا أراد به فعله وصوته .

وذكر اللالكائي : أن بعض من كان يقول ذلك رأى في منامه كأن عليه فروة ورجل يضربه ، فقال له لا تضربني ، فقال : إني لا أضربَك ، وإنما أضرب الفروة ، فقال : إن الضرب إنما وقع ألمه عليَّ ، فقال : هكذا إذا قلت : " لفظي بالقرآن مخلوق" وقع الخلق على القرآن .

ومن قال : " لفظي بالقرآن غير مخلوق ، أو تلاوتي " دخل في ذلك المصدر الذي هو عمله ، وأفعال العباد مخلوقة ، ولو قال : " أردت به أن القرآن المتلو غير مخلوق ، لا نفس حركاتي " قيل له : لفظك هذا بدعة ، وفيه إجمال وإيهام ، وإن كان مقصودك صحيحاً " فلهذا منع أئمة السنة الكبار إطلاق هذا وهذا ، وسطاً بين الطرفين .

وكان أحمد وغيره من الأئمة يقولون : القرآن حيث تصَّرف كلام الله غير مخلوق، فيجعلون القرآن نفسه غير مخلوق ، من غير أن يقترن بذلك ما يشعر أن ألفاظ العباد وصفاتهم غير مخلوقة .

وصارت كل طائفة من النفاة والمثبتة في مسألة التلاوة تحكي قولها عن أحمد ، وهم كما ذكر البخاري في كتاب " خلق الأفعال " ، وقال : إنّ كل واحدة من هاتين الطائفتين تذكر قولها عن أحمد ، وهم لا يفقهون قوله لدقة معناه .

ثم صار ذلك التفرق موروثاً في أتباع الطائفتين فصارت طائفة تقول : إن اللفظ بالقرآن غير مخلوق ، موافقة لأبي حاتم الرازي ومحمد بن داود المصيصي وأمثالهم كأبي عبدالله بن منده وأهل بيته ، وأبي عبدالله بن حامد ، وأبي نصر السجزي ، وأبي إسماعيل الأنصاري ، وأبي يعقوب الفرات الهروي وغيرهم .

وقومٌ يقولون نقيض هذا القول ، من غير دخول في مذهب ابن كُلاَّب مع اتفاق الطائفتين على أن القرآن كله كلام اللَّه ، لم يُحْدث غيُره شيئًاً ، ولا خَلَقَ منه شيئاً في غيره لا حروفه ولا معانيه مثل حسين الكَرَابِيسي وداود بن علي الأصبهاني وأمثالهما (7).

قلت : نستفيد من هذا النص العزيز عن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن داود بن علي عنى بقوله : " لفظي بالقرآن مخلوق " أي : حركة المرء وتلاوته للقرآن ، ولم يرد قط الملفوظ الذي هو كلام الله تعالى .

ولا يخفى على اللبيب أن أفعال العباد ـ ومنها النطق ـ مخلوقة ، وقد صنف الإمام البخاري كتابه العُجاب " خلق أفعال العباد " وذكر فيه ما رواه عن عُبيداللَّه بن سعيد

ـ وهو اليَشكُري ـ ، عن يحيى بن سعيد ـ وهو القطان ـ أنه قال : ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون : إن أفعال العباد مخلوقة . قال أبو عبدالله ( أي البخاري ) : " حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة ، فأما القرآن المتلو المبين . المثبت في الصحف ، المسطور ، المكتوب ، الموعى في القلوب ، فهو كلام الله ، ليس بخلق " (8).

قال أبو عبدالرحمن : بعد هذا أقول : إن الإمامان الكبيران أحمد بن حنبل وداود بن علي متفقان على أن القرآن كلام الله لفظه ومعناه ، لا يختلفان في ذلك ، كما هو واضح من أقوالهم المأثورة عنهم . لكنهما اختلفا في قول الإنسان : لفظي بالقرآن مخلوق ، أو غير مخلوق . فأنكر ذلك الإمام أحمد ؛ لأن اللفظ يراد به أمران : أحدهما الملفوظ نفسه ، وهو غير مقدور للعبد ، ولا فعل له فيه ، والثاني التلفظ به والأداء له ، وهو فعل العبد . فإطلاق الخلق على اللفظ قد يوهم المعنى الأول وهو خطأ ، وإطلاق نفي الخلق عليه قد يوهم المعنى الثاني وهو خطأ ، فمنع الإطلاقين . فيقولان : التلاوة هي قراءتنا وتلفظنا بالقرآن ، والمتلو هو القرآن المسموع بالآذان بالأداء من فم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي حروف وكلمات وسور وآيات تلاه جبريل وبلّغه جبريل عن الله تعالى كما سمعه . فهما يميزان بين ما قام بالعبد ، وما قام بالرب فالقرآن عندهما جميعه كلام الله حروفه ومعانيه ، وأصوات العباد وحركاتهم وأداؤهم وتلفظهم كل ذلك مخلوق بائن عن الله .

قال أبو عبدالرحمن : العدل والانصاف يتوجب عليّ القول : ليس كل من قال : " لفظي بالقرآن مخلوق " ـ وهو من أهل الصدق والفضل والأمانة ـ يكون قصده بهذه الكلمة القصد السيء بل يُحمل كلامه على فعل اللافظ ، وحركته ، وصوته ، وهو حقٌ ، لأنها من أفعالنا ، وأفعالنا مخلوقة قطعاً ، وإن كان الأولى ترك هذه اللفظة جملة ، ؛ لأنها مما ترك السلف الكلام فيها . وإن كان القائل من غير أهل الصدق والفضل والأمانة فيُحمل كلامه على الملفوظ الذي هو كلام الله تعالى المؤلّف من الحروف المنطوقة المسموعة المفهومة ، وهو باطلٌ .

ومن المهم جداً أن أذكر هنا كلاماً يقتضيه المقام لشيخنا الإمام ، أسد السُّنة الهُمام محمد ناصر الدِّين الألباني ـ رحمه الله ـ قال :

" بعض العلماء ترك الإمام البخاري ولم يرو عنه ، لماذا ؟ ، قال : لأنه فصَّل بين قول من يقول : القرآن مخلوق ، هذا ضال ، مبتدع ، كافر على اختلاف العلماء في تعابيرهم ، وبين من قال : لفظي بالقرآن مخلوق ، الإمام أحمد ألحق من قال بهذه القولة ـ لفظي بالقرآن مخلوق ـ بالجهمية ، وبناءً على ذلك حكم بعض من جاءوا بعد الإمام أحمد على البخاري ، بأنه لا يؤخذ منه ، لأنه قال قولة الجهمية ، الجهمية لا يقولون : لفظي فقط بالقرآن مخلوق ، يقولون : القرآن هو ليس كلام الله ، وإنما هو مخلوق من خلق الله عز وجل ، فماذا يقال في البخاري الذي قال كلمة : لفظي بالقرآن مخلوق ، والمحدث ـ ومنهم الإمام أحمد ـ الذي يقول : من قال هذه الكلمة فهو جهمي ، لا يمكن أن نصحح كلاً من الأمرين ، إلا بتأويل صحيح يتماشى مع القواعد ، ... إذا بماذا نجيب عن كلمة الإمام أحمد : من قال : لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ؟

لا جواب إلا ما ذكرت لك ، تحذيراً من أن يقول المسلم قولاً يُتخذ ذريعة من أهل البدعة ، والضلالة وهم الجهمية .

وقد يقول قائل ـ لتوريط من حوله ـ : لفظي بالقرآن مخلوق ، وهو يعني نفس القرآن ، لكن مش ضروري كل مسلم يتكلم بهذه الكلمة يكون قصده ذاك القصد السيء نفسه ... " (9) .

قال الدكتور عارف خليل محمد أبو عبيد في كتابه " الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي " (ص 56) :

" وبعد هذا فإني أشك فيما نسب إلى الإمام داود الظاهري من القول بإن القرآن محدث وأظنه لم يخض في هذه المسألة مطلقاً والذي يترجح لدي أن أتباع المذاهب الأخرى أشاعوا ذلك على لسانه لتنفير الناس عنه حتى يحصروه ويرجع سبب ذلك إلى أنه منع التقليد ونفى القياس وهذا ما لا يروق لهم .

ثم إن الإمام داود الظاهري كان إذا آمن برأي لم يهب أحداً بالتصريح به فقد رد على إسحاق بن راهويه .. وما كان أحد من معاصريه يجرؤ على الرد عليه ولو كان داعياً لمثل ذلك لما تنصل منه عندما أراد الدخول على أحمد بن حنبل(10).

حتى ولو صحت الروايات التي تشير إلى أن داود الظاهري قال : بأن القرآن الذي بين الناس مخلوق فيمكن ارجاعها إلى عهد صباه ومن المحتمل أن آراء داود الظاهري قد تغيرت في السنوات الأخيره من حياته إذ يلاحظ أن داود والظاهرية أعظم تشددا من الإمام أحمد بن حنبل في عقيدة خلق القرآن (11) فهذا تلميذ داود الظاهري إبراهيم بن محمد بن عرفة الشهير بنفطوية يصنف كتاباً في الرد على من قال بخلق القرآن (12) .

ثم إنه من أشد أنصار الشافعي الذي لم يسمع عنه وعن أتباعه من قال القرآن مخلوق كما أن المعتزلة لم يترجموا له في كتبهم بل وصفوه بأنه من أصحاب الحديث (13) .

ونختم هذه الفقرة بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو يُبرأ الإمام دواد الظاهري ـ رحمه الله تعالى ـ من هذه الترهات التي نُسبت إليه ، فيقول :

" وشبهة هؤلاء أن الأئمة المشهورين كلهم يثبتون الصفات لله تعالى ، ويقولون : إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، ويقولون : إن الله يُرى في الآخرة .

هذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان من أهل البيت وغيرهم ، وهذا مذهب الأئمة المتبوعين مثل مالك بن أنس والثوري والليس بن سعد والأوزاعي ، وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود ، ومحمد بن جرير الطبري وأصحابهم " (14) .

وقال أيضاً في " شرح العقيدة الاصبهانية " (ص77) :

" فإن داود وأكابر أصحابه من المثبتين للصفات على مذهب أهل السنة والحديث " .

وذكر مثل ذلك أيضأ السفاريني في " الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية " :

أئِمَّة الدَّين هداة الأُمَّةِ ... أَهْلِ التُّقى مِنْ سَائِرِ الأئِمَّةِ

قال في شرحه " لوامع الأنوار " (2/ 45 ) ومن ثم قال ( أئمة ) أهل هذا ( الدين ) المتين ونور الله المبين الذي جاء به النبي الأمين من عند رب العالمين ( هداة الأمة ) أي الدالين الأمة على نهج الرسول والكاشفين لهم عن معاني الكتاب المنزل والأحاديث التي عليها المعول والذابين زيغ الزائغين وبدع المبتدعين وضلال المضلين وإلحاد الملحدين فقد شيدوا مبانيها وسددوا معانيها وأصلوا أصولها وفصلوا فصولها فأصبحت الشريعة بهذا الترتيب مضبوطة وأحكامها بهذا الوصف والتبويب مربوطة فمن رام اختلاس حكم من أحكامها نكص على عقبيه وهو خائب ، ومن دنا من سما أحكامها رمته كواكب حرسها بشهاب ثاقب ولست أخص بهذا الوصف والدعاء أحداً دون أحد ، بل أسأل الله تعالى لهم جميعاً لأنهم هم ( أهل التقى من سائر ) أي جميع ( الأئمة ) من المقتدى بأقوالهم وأفعالهم من كل عالم همام وحبر قمقام ، ومقدم مقدام كالأئمة المتبوعة الآتي ذكرهم والسفيانين والحمادين وإسحاق وعبدالله بن المبارك والليث بن سعد وربيعة بن أبي عبدالرحمن ، وعبدالملك بن جريج وداود وغيرهم ؛ فإنهم وإن تباينت أقوالهم واختلفت آراؤهم من جهة الفروع الفقهية فالجميع سلفية أثرية ولهم في السنة التصانيف والتآليف الناصعة كابن سعيد الدارمي وأبي بكر بن خزيمة وأشباههم " .

ومن المفيد أن أذكر ما جاء عن الشهرستاني في كتابه " الملل والنحل " (1/ 74) ، قال :

" وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل ، ولا تهدفوا للتشبيه ، فمنهم : مالك بن أنس رضي الله عنهما ، إذ قال : الأستواء معلوم ، والكيف مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . ومثل أحمد بن حنبل ، وسفيان الثوري ، وداود بن علي الأصفهاني ، ومن تابعهم " أ.ه .

* قال أبو عبدالرحمن : ما جاء في " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم في ترجمة دواد بن خلف الأصبهاني وقوله فيها ( كان ضالاً مبتدعاً مموهاً ممخرقاً قد رأيته وسمعت كلامه ) ويناقض ذلك ما جاء عنه كما في " لسان الميزان ( وهو مع ذلك صدوق في روايته ونقله واعتقاده ) فمن كان يظن أن داود بن خلف هو داود بن علي فعليه أن يثبت أيهما المتقدم الذم أو المدح ، ودون إثبات ذلك خرط القتاد كما يقال . هذا أولاً . ثانياً : في النص الأول يثبت سماعه من دواد بن خلف ، وفي النص الثاني لم يتطرق لذلك . وكل من ترجم لداود بن علي لم يذكروا أن ابن أبي حاتم سمع من داود ـ وإن كان هذا غير مستبعد ـ ، ثالثاً : في النص الثاني من العلم ما لا يوجد في النص الأول وهو قوله :روى عن إسحاق الحنظلي وجماعة من المحدثين ، وتفقه للشافعي رحمه الله ، ونفى القياس ... ألخ ولذلك قال ابن حجر : وقد ذكره ابن أبي حاتم فأجاد في ترجمته . قلت : فهذا وذاك يقوي جانب الاختلاف في الترجمتين وأنهما لشخصين مختلفين . ثم جاءك االخبر اليقين ببرآءة الإمام دواد بقول صالح ابن الإمام أحمد : (إنه ينتفي من هذا ويُنكره ) . هب أنه هو دواد الظاهري قد علمنا تلك المأخذ الذي أخذ عليه وهو قوله عن

القرآن ( مُحْدَث ) وهذا تقدم الجواب عليه من كلام ابن تيمية وهو لا يقدح في الإمام الظاهري . ويستحسن أن تنظر " طبقات الشافعية الكبرى " ( 2/ 118ـ 120 ، 228ـ 231) .

قلت : على كل حال كلام ابن أبي حاتم ـ رحمه الله ـ يقبل في الضعفاء والمجاهيل لا في الأئمة الأثبات ؛ لأن من ثَبَتتْ إمامتُه ، وعدالتُه ، وكَثُر مادحوه ومزكُّوه ونَدَر الواقعين فيه ، وكانت هناك قرينة دالة على سبب الكلام فيه ، من تعصب مذهبي أو غيره ، فينبغي أن يضرب به عرض الحائط ولا يلتفت إليه ، بل نعمل فيه بالعدالة ، وإلا فلو فتحنا هذا الباب ، وأخذنا بتقديم الجرح على إطلاقه ، لما سَلٍمَ لنا أحد من الأئمة ، إذ ما من إمام إلا وقد تكلم فيه متكلمون ، وهلك فيه هالكون .

ويدافع عن الإمام دواد بن علي الظاهري ـ رحمه الله تعالى ـ ذهبي العصر العلامة المعلمي اليماني ـ رحمه الله تعالى ـ فيقول معلقاً في الحاشية : " وقد يظن أن هذا الرجل هو داود بن علي بإمام أهل الظاهر ن خلف الأصبهاني ـ لكن في ترجمته من لسان الميزان " وقد ذكره ابن أبي حاتم فأجاد في ترجمته فإنه قال : روى عن إسحلق الحنظلي وجماعة من المحدثين وتفقه للشافعي رحمه الله تعالى ثم ترك ذلك ونفى القياس وألف في الفقه على ذلك كتباً شذ فيها عن السلف وابتدع طريقة هجره أكثر أهل العلم عليها وهو مع ذلك صدوق في روايته ونقله واعتقاده إلا أن رأيه أضعف الآراء وابعدها من طريقة الفقه وأكثرها شذوذاً " وليست هذه العبارة في هذه الترجمة ولا في غيرها من هذا الباب في الأصلين اللذين عندنا فالله أعلم ، ولداود ترجمة في " تاريخ بغداد " (8/ 369) وقد حكوا شيئاً عن وراق داود عن داود ووراقه هو الحسين بن عبدالله بن شاكر ضعفه الدارقطني ترجمته في " لسان الميزان " (2/ 290) وحكوا عن داود كلمة أخرى عابها عليه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى وأبو زرعة وغيرهم من الأئمة ولا أراه نحا بها إلا منحى البخاري وإن لم يحسن التعبير وقصته شبيهة بقصة البخاري

والله المستعان . وأما ذمه كثرة طلب الحديث فالظاهر ذم صرف العمر كله وترك التفقه ، والله أعلم " أ.ه .

* قال أبو الفتح الشهرستاني في كتابه " الملل والنحل " (1/ 170) :

" أصحاب الحديث : وهم أهل الحجاز ؛ هم أصحاب مالك بن أنس ، وأصحاب محمد بن إدريس الشافعي ، وأصحاب سفيان الثوري ، وأصحاب أحمد بن حنبل ، وأصحاب داود بن علي الأصفهاني .

وإنما سموا : أصحاب الحديث ؛ لأن عنايتهم : بتحصيل الأحاديث ، ونقل الأخبار ، وبناء الأحكام على النصوص ؛ ولا يرجعون إلى القياس ـ الجلي والخفي ـ ما وجدوا خبراً ، أو أثراً ؛ وقد قال الشافعي : إذا وجدتم لي مذهباً ، ووجدتم خبراً على خلاف مذهبي ، فاعلموا أن مذهبي : ذلك الخبر " أ.ه .

* قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " حقيقة الصيام " ( 35 ـ 36 ) :

" وداود من أصحاب إسحاق . وقد كان أحمدبن حنبل إذا سئل عن إسحاق يقول : أنا أُسأل عن إسحاق ؟ إسحاق يسأل عني .

والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن نصر المروزي وداود بن علي ونحو هؤلاء كلهم فقهاء الحديث رضي الله عنهم أجمعين " أ.ه .

* قال الإمام تاج الدين السُّبكي ( عبدالوهاب بن علي ) ، الشافعي في آخر كتابه " جمع الجوامع " في أصول الفقه ( 2/ 441) ، عند ذكر العقيدة :

" ونعتقدُ أنَّ أبا حنيفة ، ومالكاً ، والشافعيَّ ، وأحمدَ ، والسُّفْيَانّين ، والأوزاعيَّ ، وإسحاق بنَ راهوية ، وداود الظاهريَّ ، وابن جرير ، وسائرَ أئمة المسلمين : على هُدىً من الله تعالى في العقائد وغيرها ، ولا التفاتَ إلى من تَكلَّم فيهم بما هم بريئون منه ، فقد كانُوا من العلوم اللَّدُنِّيَّةِ ، والمواهب الإلهية ، والاستنباطات الدقيقة ، والمعارفِ الغزيرة ، والِّينِ والوَرَعِ والعبادةِ والزهادةِ والجلالة : بالمحلِّ الذي لا يُسامى " أ.ه .

· توفي الإمام الجليل ، العالم الرباني ، الفقيه المجتهد ، الثقة الثبت ، داود بن علي الظاهري بعد حياة حافلة بالعلم والعطاء والعمل في شهر رمضان سنة سبعين ومئتين .

انظر : سير أعلام النبلاء : 13/ 97 ، تذكرة الحفاظ : 2/ 572، العبر : 1/ 389، تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 261 ـ 280 (ص 90) ، ميزان الاعتدال : 1/ 321، المغني في الضعفاء : 1/ 320،تاريخ بغداد (8/ 369) ، الفهرست : (ص 271) ، الأنساب : 4/ 99، طبقات الفقهاء : (ص 92) ، طبقات الشافعية : 1/ 77 لابن شهبة ،الوافي بالوفيات : 13/ 296، النجوم الزاهرة : 3/ 47، شذرات الذهب : 2/ 158، البداية والنهاية : 11/ 47، طبقات الفقهاء الشافعية لابن كثير : 1/ 172، طبقات الفقهاء للعبادي : ص 58، المنتظم : 12/ 235ـ 238، طبقات المفسرين للداودي : 1/ 166 ـ 169، وفيات الأعيان : 2/255، طبقات علماء الحديث : 2/ 266، طبقات الحفاظ : (ص 257) ، تاريخ ابن وردي : 1/ 231، الإعلام : 2/ 333 ، تهذيب الأسماء واللغات : 1/ 182، طبقات الشافعية الكبرى : 2/ 284، لسان الميزان : 3/ 23 ، مختصر العلو : 196 ،
ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) في " الأنساب " (1/ 175) .

(2) مثل ابن خلكان في " وفيات الأعيان " (1/ 92) وياقوت الحموي في " معجم البلدان " (1/ 246ـ 247) .

(3) تهذيب التهذيب (10/ 462 ـ 463) .

(4) رواه البخاري برقم (5025) و (7529) ، ومسلم (6/ 97ـ نووي )كلاهما من طريق ابن عمر .

ورواه البخاري برقم (5026) و (7332) و (7528) من طريق أبي هريرة .

(5) يعني " المراد به الكلام المقول الملفوظ " .

(6) قال الإمام البيهقي ـ رحمه الله ـ بعد نقله هذه الجملة : " هذا تقييد حفظه عنه ابنه عبدالله وهو قوله : يريد به القرآن ، فقد غفل غيره ممن حكى عنه في اللفظ خلاف ما حكينا حتى نسب إليه ما تبرأ منه . الأسماء والصفات (2/ 20) .

(7) درء تعارض العقل والنقل (1/ 262ـ 267) ، مجموعة الرسائل والمسائل (3/ 468 ـ 471) .

(8) خلق أفعال العباد ( ص 41 ـ 42) .

(9) المنهج السّلفي عند الشيخ ناصر الدين الألباني (ص 157 ـ 158) .

(10) طبقات الشافعية الكبرى (2/ 285 ، 286) .

( 11) أحمد بن حنبل والمحنة ـ بانون ـ لوحة 87 ترجمة عبدالعزيز عبدالحق ، دار الهلال .

(12) انظر الوافي بالوفيات 6/ 130 والفهرست ص81 .

(13) طبقات المعتزلة ص 138 .

( 14) منهاج السنة النبوية (2/ 106 ـ 107) .
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
ترجمة الإمام الجهبذ ابن حزم الظاهري ..

ترجمة الإمام الجهبذ ابن حزم الظاهري ..

ترجمة الإمام الجهبذ ابن حزم الظاهري ..
مختصرة مما كتبه شيخنا ابن تميم الظاهرى :
التعريف به ونشاته ..
فأولا ..اسمه ..

هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ..
بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان ..
بن سفيان بن يزيد الفارسي ..

وكنيته أبو محمد ..

***

ثانيا ..
ولادته ووفاته ..

ولد الإمام رحمه الله تعالى في سنة 384 هجرية ..
ـ وليكن هذا التاريخ على ذكر منك ـ ..

في قرطبة في ربض منية المغيرة ..
بالجانب الشرقي بالقرب من مدينة الزاهرة مقر حكم المنصور ـ وهو الخليفة آنذاك ـ ..

وتوفي رحمه الله في سنة 456 هجرية وكان عمره حينها 71 عاما ..

وقد دفن الإمام في قرية يملكها وهي تسمى لبلة في جانب منها يسمى منت لشم ..

وهي كما سمعت من أحد الأصدقاء الذين يكثرون الذهاب إلى اسبانيا ..
لازالت موجودة إلى اليوم ..

أسأل الله أن يرد هذه الديار إلى حياض الإسلام ..

****
ثالثا ..
نسبه ..

اختلف الكثير ممن ترجم لهذا الإمام في نسبه ..
ولم يكن الخلاف فقط بين المسلمين ..
بل تعداه إلى الغرب وبالتحديد الإسبان ..

لكن قبل الخوض في هذا الخلاف في نسبه ..
أود الإشارة إلى سبب الخلاف الذي نشأ بين المترجمين ..

فمن الأمور التي لا تخفى ..
أن الإمام كان عالما مشاركا في علوم وفنون جمة ..
وبالمصطلح الحديث ـ موسوعة شاملة متحركة ـ ..

وكذلك مما لا يخفى ..
أن الإمام كانت له مناظرات ومناقشات ذاع صيتها في الآفاق ..
وهذه المناظرات لابد أن تنتج أمرين ..

الأمر الأول ..
حب ونصرة لهذا الإمام من مواليه ..

الأمر الثاني ..
بغض وكره لهذا الإمام من خصومه ..


وكلا الأمرين ساهم بهذا الخلاف ..
سواء في فقهه وإمامته ..
أم في نسبه وعرقه ..

فمن كره الإمام لأجل سطوته الفكرية الجدلية ..
حاول أن ينتقص من قدره ولا ينسبه للعرب ونسبه للفرس أو العجم ..

ومن أحب الإمام لما ذكرت ..
حاول عبثا أن يدعي أنه من أنساب عربية ..
أو حاول الغرب نسبته إليهم لينالوا فضيلة هذا العالم ..

كما قال القلقشندي في نهاية الإرب ما معناه ..
" أن ابن حزم قرشي يرجع أصله إلى الأمويين لذلك تجده يوالي الأمويين دائما " .. !

ولعل كلامه هذا فهمه من بيت شعر لابن حزم ..
سآتي على ذكره قريبا حين يتم تحرير صحة نسبه ..

أما الغرب ..
فقد قال أحد المستشرقين وهو ( سانتشت ) وهو إسباني الأصل ..

" لا أوافق على القول بأن ابن حزم عربي أسباني ـ يريد بالأسباني أي نزح إليها ـ ..
وإنما هو إسباني عربي ـ ويريد أن أصله إسباني ثم أسلم وتحدث العربية " ..

وغيره الكثير من المستشرقين الذين حاولوا عبثا ..
نسبته للغرب لما لديه من علوم وفنون شتى ..

والصحيح في نسبة هذا الرجل ..

أنه فارسي الأصل ..
نزح جده وهو يزيد إلى الأندلس وكان أول الداخلين مع عبدالرحمن بن معاوية المعروف بالداخل ..

وقد كان مواليا لبني أمية وبالتحديد كان مولى ليزيد بن أبي سفيان بن حرب ..

وقد اعترض بعض الدارسين لسيرته على هذا النسب ..

وقالوا ..
" أن الإمام يعتبر الفرس هم منبع كل ضلالة فكيف يطعن في نسبه ! " ..

لكن يرد هذه الإعتراض الإمام بنفسه حين قال شعرا ضمنه أصله ..

فقد قال ..

سما بي ساسان ودارا وبعدهم *** قريش العلي وأعياصها والعنابس

فما أخرت حرب مراتب سؤددي *** ولا قعدت بي عن ذرى المجد فارس

فهو هنا يصرح بنسبته للفرس ..
وساسان يريد بها الدولة الساسانية في بلاد الفرس ..

وأما الأعياص والعناس فيريد بهم أميه ..

لأن بني أمية كان له عشرة أولاد ..
أربعة يسمون الأعياص وستة يسمون العنابس ..

وكان أبو سفيان من العنابس ..

بذلك يتضح نسبه بلا تحيز ولا ميل ..
بل بالبرهان العقلي والنصي من الإمام نفسه ..
 
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290
رابعا ..
نشأته ..
من الأمور المعلومة أن هذا الإمام كان ربيب عز وثراء وملك ..
فقد نشأ في بيت وزارة وسطوة وغنى ..
فقد كان أبوه وزيرا لأبي عامر المنصور آنذاك ..
وكان لأبيه علوما وفنونا كثيرة ..
وعقلا وفطنة ودراية في شؤون المال والبلاد ..
وقد كان فوق كل ذلك أديبا منطقيا صاحب حجة وبيان ..
حتى أنه استلم أختام الخلافة في عهد أكثر من خليفة ..
وكان يختم بما يشاء دون الرجوع للخليفة لفرط الثقة به ..

وفي حياته قصة فريدة كثيرا من نسمعها ولا نعرف من عاينها ..
أحببت أن أنقلها لكم كما هي ..

يقول ابن حزم رواية عن أبيه الوزير نقلها الحميدي تلميذه في جذوة المقتبس ..

" كان الوزير بين يدي أبي عامر المنصور ـ الخليفة آنذاك ـ في احدى مجالسه العامة ..

فرفعت إليه رقعة من امرأة تستعطفه لأجل رجل مسجون ..

فلما قرأها اشتد غضبه وأخذ قلمه ليوقع وأراد أن يكتب يصلب فكتب يطلق ..

وأخذ الوزير الكتاب فكتب إلى صاحب السجن بإطلاق الرجل ..

فلما رآها المنصور اشتد غضبه وقال من أمر بإطلاقه ..

فقال الوزير أنت .. !
فعاد فخط على ما كتب وأراد أن يكتب يصلب فعاد وكتب يطلق ..

فعاد الوزير إلى الكتابة بإطلاقه .. وتكرر الأمر ثلاث مرات ..

فلما رأى المنصور الثالثة عجب وقال ..

نعم يطلق رغم أنفي ..
فمن أراد الله لإطلاقه فلا أقدر أنا على منعه " ..

وعودة للموضوع ..

فقد نشأ هذا الإمام في ترف وحياة خاصة هي أعلى طبقات المجتمع القرطبي ..

بإجماع كل من ترجم عنه ..

فقد أمضى فترة الصبا وهو لا يعرف الحاجة أو الحرمان ..
في رعاية الخدم والجواري والنساء من قرابته ..

فإنه يقول عن نفسه في الطوق ..
" لم أعرف غير النساء منذ الصبا إلى حد الشباب ..
فهن علمنني الكتابة وروينني الشعر .. وعلمنني الأدب والمنطق وحفظنني القرآن " ..

لذلك لا نجد غرابة حين يتحدث عن مكر النساء ..
وكيف أنه يعرف الأمور العظيمة من دسائسهم ..

وهذا تجده كثيرا في كتابه طوق الحمامة ..
ويأتي الحدي عنه قريبا عند الحديث عن مؤلفاته ..

كما أن للإمام مناهل علوم شتى متنوعة ..
والسبب في ذلك أن الجواري اللائي كن يخدمن قصره ..

من بلاد عديدة ..
وخاصة الأوربية منها حيث كانت تحظى بالعلم العقلي والأدبي حينها ..

لذلك نجد الإمام يتقن اللغة العبرية واللاتينية وغيرها من اللغات القريبة من الأندلس ..

ويتقن المنطق والفلسفة ووكما هو معلوم فإنه من فحول اللغة العربية ..
بشهادة أهل اللغة له ..

ورغم تلك التربية المترفة ..
والعيش بين النساء إلا أنه كان مثالا للعفاف والطهر ..
وتلك أحد الشبه التي سأتناولها حين غمز في عرضه وعفافه ..

فقد حظي برقابة دائمة من أبيه وحفظ الرقباء الذين كانوا دائما حوله ..

ويقول عن نفسه في كتابه الطوق والسير أو الأخلاق ..

" ومع هذا يعلم الله وكفى به عليما أني بريء الساحة ..
سليم الأديم .. صحيح البشرة .. نقي الحجرة ..

وإني أقسم بالله أجل الأقسام ..
أني ما حللت مئزري في فرج حرام قط ..
ولا يحاسبني ربي بكبيرة الزنا مذ عقلت إلى يومي هذا ..
والله المحمود على ذلك ..

وكان السبب فيما ذكرته أني كنت وقت تأجج نار الصبا وتمكن غرارة الفتوة .. مقصورا .. محظرا عليّ بين رقباء ورقائب " ..

وقد تأثر ابن حزم بهذه التربية ..
كما تأثر بحرص والده ووجوده الدائم معه ..
حتى كان له المصدر الشفوي التاريخي لما شهده من أحداث ..
فلا ننسى أن الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى له مؤلفات في التاريخ ..
وكان عالما في التأريخ والحوادث ..

ويشهد له ما كتبه وما تناوله في كتابه من أحداث تاريخية ..

حتى أن الأب كان يحرص على إحضار الإمام في مجالس العلم ..
ومجالس الحكم حتى قبل بلوغه السادسة عشرة ..

وقد وضع الله له القبول في بيت الأمراء في صباه حين لم يبلغ ..
لما كان لديه من شعر رقيق بديع وفصاحة لسان تستلذ به الأميرات ..
لذلك تجده ينقل الكثير عن الأميرات في كتابه طوق الحمامة ..


فيتضح لك أن نشأته كانت نشأة خاصة مترفة منعمة ..
ولم يكن ممن تعوزه الحاجة البتة ..

وكل ذلك كان له أثر كبير في حياته ..
العلمية والاجتماعية ..

خامسا : شيوخه ..


فما إن اشتد عود الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ ..
حتى بدأ بتحمل الرسالة وحملها ..

فأسلمه والده للشيخ الجليل أبي الحسين بن علي الفاسي ..
العالم العامل الزاهد المجتهد حيث أدبه وفقهه وعلمه ..

كما أسلمه إلى أبي عمر أحمد بن محمد الجسور قبل سنة 400 هجرية ..

ـ وليكن هذا التاريخ على ذكر منك ـ
فسنحتاجه عند الحديث عن الشبه ..

وأسلمه إلى ابن الجسور ..
وكان روايا للحديث وعارفا بالرجال وقد قرأ عليه ابن حزم كتاب الطبري في التاريخ ..

وكذلك كان له بعض الشيوخ الذين تلقى العلم على أيديهم ومنهم ..

ابن الفرضي ..
وكان محدثا حافظا مجتهدا وقيل أن ابن حزم أخذ منه دراية لا رواية ..

ابن الجزار ..
وكان محدثا وأخذ عنه ابن حزم صحيح البخاري في مسجد قرطبة ..

أبو القاسم المصري ..
وكان نسابة أديبا عارفا بالرجال والأخبار ..

ابن الجعفري ..
وكان شيخه في الأدب والحديث .. وقد قرأ عليه معلقة طرفة مشروحة وأخذ عنه الحديث .. وروى عنه سنن النسائي ..

ابن وجه الجنة ..
وقد روى عنه مسند أحمد وقطعة وكيع بن الجراح ..

أبو محمد بن بنوش التميمي ..
روى عنه صحيح البخاري وسنن أبي داود ومصنف حماد بن سلمه وفقه الزهري ..

الطلمنكي القرطبي ..
المحدث المقرئ .. روى عنه مسند البزار وسنن سعيد بن منصور ..

ابن نبات القرطبي ..
وهو محدث أخذ عنه بعض مصنفات أحمد بن حنبل .. والمجتبى للقاسم بن أصبغ .. وفقه الزهري ..

ابن الصفار ..
وكان قاضيا محدثا فقيها .. روى عنه سنن النسائي .. ومصنف ابن أبي شيبة ..

ابن أصبغ ..
وكان محدثا مشهورا .. أخذ عنه مصنفات جده القاسم بن أصبغ القرطبي الذي كان من زعماء الحركة الحديثية في وقته ..

ابن نامي الرهوني ..
وقد أخذ عنه طريقا صحيحا من صحيح مسلم ..

البزار ..
وقد أخذ عنه الفقه والحديث والتاريخ لكونه عالما فيها في زمانه ..

جعفر بن يوسف القرطبي ..
وهذا يعتبر شيخه في الكتابة .. لأنه كان كاتبا أديبا بارعا في صناعة الكتابة ..

ابن جهور ..
وهو من شيوخه في الأدب أيضا ..

ابن الكتاني ..
وهو شيخه في الطب والفلسفة والمنطق ..

ابن الحجاف ..
وهو من شيوخه في الحديث والتلقي ..

الأطروشي ..
المحدث القرطبي .. وقد أخذ عنه صحيح البخاري .. ومصنف أيمن .. ومصنف ابن أبي شيبة .. ومصنف بقي بن مخلد ..

ابن قورنش قاضي سرقسطة ..
وقد أخذ عنه المستدرك للحاكم ..

ابن عبدالبر المالكي ..
وهو صديقه ومن أقرانه لكنه أخذ عنه مصنف بن أبي جعفر الصقيل .. ومسند البزار ..

ابن الدلائي ..
وقد أخذ منه و تبادل معه .. مصنف عبدالرزاق .. والكامل لابن عدي .. ومسند عبد بن حميد .. والتاريخ الأوسط للبخاري .. وموطأ ابن وهب .. وسنن الدار قطني .. والمستدرك للحاكم ..

أبو مطر الكناني ..
وقد أخذ عنه مصنف بقي بن مخلد ..

أبو الوليد الوشقي ..
أخذ عنه مسند أبي داود الطيالسي مكاتبة ..

ابن أبي صفرة التميمي ..
روى عنه موطأ ابن وهب ..

أبو المرجي المصري ..
أخذ عنه مكاتبة طريقا لمسند أحمد ..

داود المصري ..
أخذ عنه مكاتبة معاني الآثار للطحاوي ..

هؤلاء بعض شيوخه الذين أخذ عنهم الإمام رحمه الله تعالى العلم ..
ويلاحظ التنوع في العلوم مع كثرة الأخذ لكتب الآثار والحديث ..
لذلك نجد كتبه زاخرة بالأثر وله أسانيد إلى بعض مؤلفيها ..
*** يتابع
 
التعديل الأخير:
إنضم
31 أكتوبر 2007
المشاركات
3
التخصص
شريعة ودراسات اسلامية
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
حنبلي
ماااااااااااا شاء الله ,,, تبااااااااااارك الله

جهد جبار ,,, جزاك الله خير

اسئل الله العلي العظيم أن يكتب لك حسنة ويحط عنك سيئة بكل حرف كتبته

وكذلك اسئل الله أن ينفع بك الاسلام والمسلمين...
 

السرخسي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
21 سبتمبر 2008
المشاركات
170
التخصص
عام
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
مالكي
جزاك الله خير .. ووفق الله أخواننا الأحبه الظاهرية إلى كل خير .
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
نتمنى متابعة الموضوع
وترجمة بقية أئمة أهل الظاهر: كأبي بكر محمد بن داود ومنذر بن سعيد البلوطي وابن المغلس
 
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
122
التخصص
الشريعة..
المدينة
أم القرى
المذهب الفقهي
............
جهد كبير..

وفقكم الله للمتابعة..

ثم جمعه في ملف واحد..

دمتم بخير..
 
إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
قال الدكتور عبد الباقي السيد :

محمد بن عبدالملك بن عبدالرحمن بن خليل الأندلسى الظاهرى ( كان حيا فى عصر المنصور الموحدى) الذى ألف كتاب ( القدح المعلى فى إكمال المحلى) إذ إن ابن حزم توقف عند المسألة رقم 2023 فأتم ابنه ابو رافع الفضل المحلى من كتاب أبيه الإيصال ، لكن تكملة الفضل لم تعجب ابن خليل الأندلسى الظاهرى السالف الذكر حيث وجد فيها خللا كثيرا ، فأراد ابن خليل أن يكمل المحلى على نفس الترتيب والمنهج الذى سار عليه ابن حزم حتى إذا رآه العارف الناقد لم ير فرقا بينه وبين ما ابتدأ به ابن حزم ، كما كان ابن خليل منافحا عن الظاهرية وابن حزم ضد متعصبة المالكية ووجد تأييدا من الموحدين فى نفاحه الكبير.(1)
_________________

1-المدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس للشيخ الدكتور توفيق الغلبزروي ص374وما بعدها
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ابن المُغَلِّس: أبو الحسن عبد الله بن المحدث أحمد بن محمد المُغَلِّس البغدادي الداودي الظاهري، فقيه العراق، صاحب التصانيف، وصفه ابن حزم بأنه من أكابر أصحابهم الظاهريين. تفقه على أبي بكر محمد بن داود، وبرع وتقدَّم، وعنه انتشر مذهب الظاهرية في البلاد. له كتاب " الموضِح على كتاب المزني". توفيسنة 324هـ. طبقات الفقهاء (ص177)، السير (15/78)، رسائل ابن حزم (2/187، 239)،الإحكام لابن حزم (7 / 338).
 
إنضم
21 يوليو 2009
المشاركات
41
جاء في كتاب " مسالك الأبصار في ممالك الأمصار " ابن فضل الله العمري ـ رحمه الله ـ وقد طبع من فترة وهو من إصدارات مركز زايد للتراث والتاريخ ( العين ـ الإمارات العربية المتحدة )
وترجمة الإمام ابن حزم في الجزء السادس ( ص : 472 ـ 491 )
بدأ ترجمة الإمام الجليل ابن حزم ـ رحمه الله ـ بقوله :
فأما بالمغرب فلم يكن منهم إلاَّ واحداً ، لكنه كالألف . وفرد يحطم به كل صف وهو :
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خاف بن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن صخر بن حرب الأموي .
أسد فتح فاه والتقم ، وبحر زخر عُبابه والتطم ، سيلٌ عرم يجتحف ما قُدَّامه ، وريح زعزع ينسف ما جاء أمامه ، وجبل لا يأمن من استدرى به أن يقع عليه وأرقمُ لا يطمئنُّ راقيه أن يثبت إليه ، شجاع أعدَّ للحرب ، وحسام لا يُفلّ له غرب ، ومثقف ما ألف إلاَّ الطعن والضرب ، أكل العلماء بلسانه ، وأذهب سوء الصنيع بإحسانه ، ووطىء الرجال بقدمه ، وفَلَّ النصال بقلمه ، ونكس بعلمه الأعلام ، وقطع حيازيم الملوك بالكلام ، وكان أمة وحده والسلام .....

وجاء في الترجمة (ص: 479) ما نصه :
وقوله حين بلغه أنَّ أبا الوليد الباجي يتناوله :
قالوا سليمان يذّمك جَاهِداً ... فقلت دَعوُه إنّه غَير طَائِل
هوَ المَرء لا يؤسى لمطلق ذمّه ... وَلا لِثنَاءِ مِنه يُشرى لعَقِل
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
جاء في كتاب " مسالك الأبصار في ممالك الأمصار " ابن فضل الله العمري ـ رحمه الله ـ وقد طبع من فترة وهو من إصدارات مركز زايد للتراث والتاريخ ( العين ـ الإمارات العربية المتحدة )
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على هذه الدرة الثمينة
والسؤال: هل الكتاب مصور على الشبكة، وهل هو متوفر في السوق؟
ليتك توثق لي الكتاب من حيث الدار، سنة الطبع، التحقيق، للأهمية.
والكتاب موجود في الشاملة لكنه غير موافق للمطبوع.
ولا عدمنا فوائدكم.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
ابن المُغَلِّس: أبو الحسن عبد الله بن المحدث أحمد بن محمد المُغَلِّس البغدادي الداودي الظاهري، فقيه العراق، صاحب التصانيف، وصفه ابن حزم بأنه من أكابر أصحابهم الظاهريين. تفقه على أبي بكر محمد بن داود، وبرع وتقدَّم، وعنه انتشر مذهب الظاهرية في البلاد. له كتاب " الموضِح على كتاب المزني". توفيسنة 324هـ. طبقات الفقهاء (ص177)، السير (15/78)، رسائل ابن حزم (2/187، 239)،الإحكام لابن حزم (7 / 338).
وله كذلك كتاب "القامع للمتحامل الطامع" في الرد على القاساني في كتابه "الرد على داود في إبطال القياس"
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
هل يمكن أن يقال إن تسلسل المذهب الظاهري بحسب القائمين عليه من المشرقين كالتالي:
1- داود بن علي الأصفهاني.
2- ابنه عصفور الشوك أبو بكر محمد بن داود.
3- ابن المغلِّس.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
النَّهرواني: محمد بن عبيد الله بن خَلَف النهرواني الظاهري، المعروف بـ"الرضيع". خَالَفَ داود في مسائل قليلة. طبقات الفقهاء (ص176).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
القاساني: أبو بكر محمد بن إسحاق القاساني ( بمهملة نسبة إلى قاسان بلدة عند قم ) حَمَلَ العِلْمَ عن داود، إلا أنه خالفه في مسائل كثيرة، بل ذكر ابن النديم أنه كان أولا داوديا، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، وصار رأسا فيه. له مِن الكتب: "الرد على داود في إبطال القياس"، " أصول الفتيا"، ونَقَضَ عليه أبو الحسن ابن المُغَلِّس بكتاب سماه: "القامع للمتحامل الطامع". طبقات الفقهاء (ص176)، تبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر العسقلاني (3/1147)، الفهرست (ص300).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
يقول ابن حزم رحمه الله فيمن يثبت العلل المنصوصة من أصحابه الظاهريين (القاساني النهرواني):
قال أبو محمد: وهذا ليس يقول به أبو سليمان /، ولا أحدٌ مِنْ أصحابنا، وإنما هو قولٌ لقومٍ لا يُعْتَدُّ بهم في جملتنا كالقاساني وضربائه."([1])

([1]) الإحكام (8/1110).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
جاء في كتاب " مسالك الأبصار في ممالك الأمصار " ابن فضل الله العمري ـ رحمه الله ـ وقد طبع من فترة وهو من إصدارات مركز زايد للتراث والتاريخ ( العين ـ الإمارات العربية المتحدة )
وترجمة الإمام ابن حزم في الجزء السادس ( ص : 472 ـ 491 )
بدأ ترجمة الإمام الجليل ابن حزم ـ رحمه الله ـ بقوله :
فأما بالمغرب فلم يكن منهم إلاَّ واحداً ، لكنه كالألف . وفرد يحطم به كل صف وهو :
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خاف بن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن صخر بن حرب الأموي .
أسد فتح فاه والتقم ، وبحر زخر عُبابه والتطم ، سيلٌ عرم يجتحف ما قُدَّامه ، وريح زعزع ينسف ما جاء أمامه ، وجبل لا يأمن من استدرى به أن يقع عليه وأرقمُ لا يطمئنُّ راقيه أن يثبت إليه ، شجاع أعدَّ للحرب ، وحسام لا يُفلّ له غرب ، ومثقف ما ألف إلاَّ الطعن والضرب ، أكل العلماء بلسانه ، وأذهب سوء الصنيع بإحسانه ، ووطىء الرجال بقدمه ، وفَلَّ النصال بقلمه ، ونكس بعلمه الأعلام ، وقطع حيازيم الملوك بالكلام ، وكان أمة وحده والسلام .....

وجاء في الترجمة (ص: 479) ما نصه :
وقوله حين بلغه أنَّ أبا الوليد الباجي يتناوله :
قالوا سليمان يذّمك جَاهِداً ... فقلت دَعوُه إنّه غَير طَائِل
هوَ المَرء لا يؤسى لمطلق ذمّه ... وَلا لِثنَاءِ مِنه يُشرى لعَقِل
تصحيح العبارة: أن يثب إليه
من غير التاء.
 
أعلى