العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

(ملخص الرسالة)اختيارات ابن القيم الفقهية في النكاح والطلاق

(ملخص الرسالة)اختيارات ابن القيم الفقهية في النكاح والطلاق


  • مجموع المصوتين
    14

د.محمود محمود النجيري

:: مشرف سابق ::
إنضم
19 مارس 2008
المشاركات
1,171
الكنية
أبو مازن
التخصص
الفقه الإسلامي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلي
(ملخص الرسالة)
اختيارات ابن القيم الفقهية
في النكاح والطلاق



عنوان هذا البحث: "اختيارات ابن القيم الفقهية في النكاح والطلاق"، وهو ينتمي إلى ميدان الدراسات الفقهية المقارنة، وخصوصًا قضايا الخلاف الفقهي. وما أكثر المسائل التي اختلف فيها الفقهاء نتيجة لاختلاف النظر؛ وتنوع الاجتهاد! وكان لابن القيم اجتهاده الفقهي في الترجيح والاختيار.
ونقصد بالاختيار: إلحاق المجتهد- الموافق لمذهب من المذاهب الفقهية المستقرة- حكمًا بمسألة يتجاذبها حكمان أو أكثر في هذه المذاهب.
وهذا يعني أن الاختيار نوع اجتهاد؛ لأنه وقوف على الأقوال المتنازعة في المسألة، ودراسة لأدلتها وتوجيهها، ومعرفة الأقوى، والأنسب، والأصلح.

أهداف البحث:
يمكن صياغة أهداف هذا البحث فيما يلي:
1. يحاول الباحث أن يضع دراسة أصولية لمفهوم الاختيار الفقهي.
2. الكشف عن جانب من جوانب شخصية ابن القيم العلمية، وهو الجانب الفقهي، وذلك بما قدمه من دراسات شرعية، وترجيحات واختيارات في الميدان الفقهي في النكاح وما يتعلق به.
3. استعراض أهم المشكلات والقضايا الفقهية التي ثار حولها الخلاف في عصر ابن القيم، والعوامل التي دفعته للاجتهاد في معالجتها، والمصادر الفقهية وغير الفقهية التي اعتمد عليها، وذلك في مسائل الزواج، والطلاق، والخلع، والفسخ والعدد.
4. دراسة جهود ابن القيم في هذا الميدان الفقهي دراسة تحليلية ناقدة، تحدد القيمة العلمية لعمله الفقهي، وتبرز مكانته بين غيره من الفقهاء الأعلام السابقين واللاحقين.
5. معرفة المنهج الفقهي الذي تبعه ابن القيم في التعامل مع الأمور المستحدثة في عصره، والقضايا الاجتماعية التي عالجها معالجة فقهية، والخلافات الفقهية التي حاول الخروج منها، والوقوف على ضوابط هذا المنهج وخصائصه.
6. تمييز أنواع الاختيارات الفقهية لابن القيم بعضها عن بعض في أحكام النكاح وما يتعلق به، فمنها اختيارات يخالف فيها ابن القيم جمهور الفقهاء، واختيارات خالف بها المذاهب الأربعة، واختيارات من غير المشهور عن أحمد وافق فيها بعض الأئمة الأربعة، واختيارات من غير المشهور في المذهب الحنبلي، واختيارات خالف بها كل من: ابن تيمية، وابن حزم.
7. وضع خلاصة للإرشاد لإعداد مشروع قانون مفصَّل للأحوال الشخصية.
أهمية البحث:
صحيح أن الناس استفادوا كثيرًَا من فقه ابن القيم وخصوصًا كتاب "زاد المعاد"، وصحيح أن كتبه واسعة الانتشار، أتيح لأكثرها التحقيق العلمي، وأكيد أن القانون في بلادنا استفاد في دور من أدواره من هذا الفقه في بعض مواده، ولكني أرى أن الاستفادة الأكبر من فقه ابن القيم لم تتحقق بعد، فهو فقيه أولا قبل كل شيء، وجهده الأكبر يأتي في ميدان الفقه، ولكن جهده الفقهي يتوزع بين كتبه المختلفة، وهو يستطرد أحيانًا، ويختصر أحيانًا أخرى، ويبسط المسألة في موضع، ويختصرها في موضع آخر، ولو تهيأ لفقهه من يجمعه، ويدرسه دراسة فاحصة، ويخرج لنا باختياراته مجردة؛ لتيسر الاستفادة من اجتهاد هذا العلم الفذ، وخصوصًا في صياغة قوانين الأحوال الشخصية في بلادنا.
ويفيد بحثنا هذا في إعطاء صورة كلية لاختيارات ابن القيم في الزواج والطلاق، لا نغفل شيئًا من ذلك، وصياغتها صياغة قانونية، ودراسة من وافق ومن خالف في هذه الاختيارات، ولماذا اختارها ابن القيم؟ واتفاق الباحث، أو اختلافه مع هذه الاختيارات.
ولا يكتفي البحث بعرض اختيارات ابن القيم، ولكنه يضعها في سياقها التاريخي، مبينًا أهميتها وتأثيراتها في اللاحقين، وتطور الفكر الفقهي، وتطور التقنين، وتجديد الفقه، وما عليه العمل. ويظهر هذا في مسائل أكثر من غيرها، كالحلف بالطلاق، والطلاق المعلق، وإيقاع الطلاق في العدة تلو الطلاق، والطلاق المتعدد لفظًا أو إشارة.
والمقارنة بين الحكم الذي اختاره ابن القيم، والحكم الذي أخذت به القوانين الوضعية تفيد في الوقوف على الأساس الفقهي لهذا الحكم، ووصل الحكم الوضعي بأصل شرعي. كما تفيد في معرفة المخالفات الموجود في القوانين الوضعية للمصلحة الاجتماعية، حتى ننظر في تعديلها، أو استبدالها بما يتفق مع الشريعة الإسلامية.
وللبحث أهمية في تجديد الفقه وإحياء الاجتهاد في زمن الجمود الفكري، ولابن القيم فضل كبير في هذا الميدان، حيث كان حركة دائبة، ونشاط لا يني للإصلاح والتجديد، والعودة بالدين وحياة المسلمين إلى صفاء ما كان عليه السلف الصالح؛ لذا اصطدم بالجامدين والمقلدين، والمبتدعة والمنحرفين، والغلاة، والمشعوذين. وفي فقه الأسرة خصوصًا كانت له نظرات تجديدية لا تزال أصداؤها تتجاوب في حياتنا الاجتماعية، وقوانين الأحوال الشخصية في بلادنا. وخصوصًا في مسائل الطلاق. فقد خالف فقهاء عصره من منطلق الإصلاح والنظر الحر، ومراعاة المقاصد الشرعية، وتحقيق المصلحة الاجتماعية، والتيسير على الناس؛ فذهب إلى أن كثيرًا مما تعده المذاهب طلاقًا- لا يقع، كطلاق الحائض، وطلاق الحالف، والطلاق المتعدد، والطلاق المعلق، والطلاق يتبع الطلاق في العدة، وطلاق الغضبان والسكران، وتحريم الزوجة.

خطة البحث:
انقسم البحث إلى خمسة أبواب، عدا المقدمة، والتمهيد.
في التمهيد درست مفهوم الاختيار الفقهي، وأدوار الفقه الإسلامي حتى عصر ابن القيم، وأحكام الأسرة في مؤلفات ابن القيم الفقهية.
وفي الباب الأول درست اختيارات ابن القيم في النكاح.
واحتوي على ثلاثة فصول:
* الفصل الأول- الاختيارات في عقد النكاح:
• المبحث الأول: اختياراته في موانع عقد النكاح.
• المبحث الثاني: اختياراته في الشروط في النكاح.
• المبحث الثالث: اختياراته في كيفية عقد النكاح.
* الفصل الثاني- الاختيارات في أركان النكاح، والأنكحة المنهي عنها:
• المبحث الأول: اختياراته في الولاية في النكاح.
• المبحث الثاني: اختياراته في المهور.
• المبحث الثالث: اختياراته في الأنكحة المنهي عنها.
*الفصل الثالث: الاختيارات في عشرة النساء.
وفي الباب الثاني درست اختيارات ابن القيم في الطلاق.
وانقسم إلى ستة فصول:
• الفصل الأول: اختياراته في النية، والشهادة، والكتابة في الطلاق.
• الفصل الثاني: اختياراته في الشك في الطلاق.
• الفصل الثالث: اختياراته في التخيير، والتوكيل في الطلاق.
• الفصل الرابع: اختياراته في الطلاق البدعي.
• الفصل الخامس: اختياراته في الحلف بالطلاق، وتعليقه.
• الفصل السادس: اختياراته في حكم أنواع من الطلاق بالنسبة إلى حال المطلِّق.
وفي الباب الثالث درست اختيارات ابن القيم في الخلع، والفسخ، والعدة، والرجعة.
وانقسم إلى أربعة فصول:
• الفصل الأول: الاختيارات في الفسخ.
• الفصل الثاني: الاختيارات في الخلع.
• الفصل الثالث: الاختيارات في العدة والاستبراء.
• الفصل الرابع: الاختيارات في الرجعة.
وفي الباب الرابع درست ابن القيم فقيهًا وأصوليًا.
واحتوي على فصلين:
* الفصل الأول- ابن القيم فقيهًا:
• المبحث الأول: سمات شخصيته العلمية.
• المبحث الثاني: منهجه الفقهي.
• المبحث الثالث: خصائص فقهه.
* الفصل الثاني- ابن القيم وعلم أصول الفقه:
• المبحث الأول: دراسة ابن القيم لأصول الفقه.
• المبحث الثاني: ابن القيم المجتهد المطلق.
• المبحث الثالث: الاجتهاد المقاصدي عند ابن القيم.
وفي الباب الخامس درست القيمة العلمية لاختيارات ابن القيم الفقهية في الزواج والطلاق.
وجاء ذلك في فصلين:
الفصل الأول- ابن القيم والخلاف العالي:
• المبحث الأول: ابن القيم والجمهور- الاتفاق والاختلاف.
• المبحث الثاني: ابن القيم وفقه المذاهب الأربعة.
• المبحث الثالث: ابن القيم والمذهب الحنبلي- الاتفاق والاختلاف.
• المبحث الرابع: اختيارات الزواج والطلاق بين ابن تيمية وابن القيم.
• المبحث الخامس: اختيارات الزواج والطلاق بين ابن القيم وابن حزم.
الفصل الثاني: أثر ابن القيم في القوانين واللاحقين:
• المبحث الأول: أثر ابن القيم في القوانين.
• المبحث الثاني: أثر ابن القيم في اللاحقين.
• المبحث الثالث: ترجيحات الباحث المخالفة لابن القيم.
وفي الخاتمة أجملت النتائج التي توصل إليها البحث، وقدمت مقترحات محددة، منها مواد معينة في صياغة قانون مفصل للأحوال الشخصية في مصر؛ أرجو أن تأخذ حقها من الدراسة، سواء مني، أو من غيري من الباحثين. وعلى أمل أن يسهم بحثي في إنارة الطريق نحو قوانين أفضل وأوسع في الأقطار الإسلامية.
النتائج:
يمكن القول إن بحثنا هذا تمخض عن النتائج الأساسية التالية:
عاش الإمام ابن قيم الجوزية في مرحلة فقهية عرفت بازدهار الفقه المذهبي، وانتشار الاجتهاد في إطار المذهب، لا في إطار الشريعة الواسع. وفيها اشتغل الفقهاء بتنظيم مذاهبهم، والتأليف فيها، وتصنيف الموسوعات الفقهية، ووضع المتون والشروح والحواشي وكتب الأصول. فانحصرت جهود الفقهاء في مذاهبهم. وقليل منهم جدًا الذي اهتم بالخلاف العالي. وهيأت لهم قدراتهم العلمية وملكاتهم الفقهية الاختيار في المسائل المختلف فيها بين المذاهب، والترجيح بين الأقوال المتعارضة والأدلة. ومن هذا القليل ابن القيم.
أما ابن القيم فهو ذو طبيعة محبة للجدال والتفريع والتقسيم وإيراد الحجج. وله ولع خاص بهذا. وزاده ما غصَّ به العصر من جدال ومناظرة في الفقه والكلام والأديان، إضافة إلى عقل ثاقب، وخيال متدفق، فهو يجمع بين أدلة العقل والنقل، وما تؤيده الفطرة والحس بالواقع. ويستفيد من ثقافته الواسعة المحيطة بكثير من علوم عصره، يسعفه في ذلك بديهة حاضرة، وفقه نفس، وقدرة فذة على الاستنباط والترجيح؛ حتى إنه يميل كثيرًا إلى حلِّ الإشكالات التي اختلف العلماء حولها. وله عمق في المقارنة بين المذاهب، والإحاطة بأقوال الصحابة والتابعين وأئمة هذا الشأن. يتجلى ذلك فيما قدمه من دراسات فقهية مقارنة في كتبه، وما ذهب إليه من اختيارات بعد بحث فاحص مستفيض، تظهر فيه قدراته الفقهية الفريدة، وعقليته الجبارة.
وتميُّزُ ابن القيم في هذا العلم يظهرُ من شهادات معاصريه أو اللاحقين له، ومن خلال ترجمته التي تظهر أخذه هذا العلم عن فطاحل علماء عصره، وساعد في إجادته: ملكاته الذاتية، ومواهبه القوية التي وفرت له التضلع في العلوم الشرعية وما يحف بها ويخدمها، وكذلك نشأته في بيت علم وفضل هيَّأ له التفرغ للتحصيل والدرس. وقد وفر العصر بمؤسساته العلمية والتعليمية، ومكتباته وحركته العلمية النشطة، وما فيه من جدل علمي، وصراع مذهبي، ومدارس فكرية- ما حفزه للتحصيل والبحث والجدل والمناظرة والتأليف والمساجلات. كما أن المجتمع في عصره كان يعاني انحدارًا نتيجة لهجمات الصليبيين والتتار، مما فسح المجال واسعًا للدعوة للإصلاح الديني والاجتماعي. وقد كان ابن القيم رائدًا في كل ذلك؛ فبذل الوسع: معلمًا، وإمامًا، ومفتيًا، ومصنفًا، ومجادلا، ومناظرًا، ومصلحًا.

منهج ابن القيم الفقهي:
وضح من البحث أن ابن القيم ليس مقصده وضع مصنف فقهي مبسوط في المسائل الفقهية؛ ولكن معالجة المسائل الخلافية وغير الخلافية أحيانًا مما له فيه ملمح خاص، أو نظر في توجيه الحكم الشرعي؛ وبيان حكمته والمصلحة فيه، وخصوصًا أنه سُبق بمبسوطات في الفقه وضعها المتقدمون كثيرة جدًا، حتى إن علماء عصره، وبعض من سبق ومن لحق، لم يجدوا لهم دورًا إلا الاختصار لهذه المبسوطات والتهذيب لها؛ ولم تتفتح قرائحهم عن جديد في هذا العلم الذي نضج كثيرًا حتى اقتصر المتأخرون فيه على وضع الحواشي والتعليقات.
ومنهج ابن القيم في هذا الجانب- مثل شيخه ابن تيمية- محاولة الإتيان بجديد، ليس لمجرد أنه جديد، ولكن التجديد من منطلق منهجي علمي وديني شرعي، يجعل الفقه متجددًا بتجدد الحياة، وواضعًا للقانون الذي تسير عليه، لذلك لم يشغل كل منهما نفسه بوضع الحواشي، أو المختصرات، أو التعليقات والشروح؛ إلا شرح ابن تيمية لقطعة من "محصول" الفخر الرازي، وتهذيب ابن القيم لسنن أبي داود. وحتى في هذه الحالة كان كل منهما مختلفًا عن علماء عصره التقليديين.
لا يرى ابن القيم فائدة من تكرار ما ذكره السابقون، بل إن العالم يجب أن ينظر في النصوص والأدلة نظرًا موضوعيًا منطلقًا من أسر التقليد الأعمى والتقديس للمذاهب القائمة؛ رغبة في بيان الحق الذي فيه العلاج للمشكلات والتيسير على الأمة.
ورأينا من خلال البحث ابن القيم يسير في دراسته للاختيارات الفقهية على ما يلي من خطوات:
1- يترجم للمسألة أو الفصل بما يوضح الحكم الذي اختاره مؤيدًا بالدليل غالبًا.
2- ينطلق بداية من النصوص الشرعية، وليس من المذاهب الفقهية؛ فيذكر الدليل، ويستنبط منه الحكم الشرعي؛ موضحًا قوته من ضعفه، وصحته من بطلانه. وما فيه من أسرار وحكم. ويقف عند ظاهر النص فلا يتعداه، يساعده بصر كبير بالنصوص رواية ودراية، فهو أحد الحفاظ، وأئمة الحديث والتفسير.
3- ذكر مذاهب العلماء في المسألة، وحجة كل مذهب وأدلته، غير مقتصر على مذاهب الأئمة الأربعة؛ فيبدأ بمذاهب فقهاء الصحابة والتابعين أولا، ثم مذاهب الفقهاء من تابعي التابعين، ومعهم الأئمة الأربعة. ويدقق في نسبة الأقوال إلى أصحابها، ودلالة ما فيها.
4- مناقشة أدلة كل فريق، والترجيح بينها، فلا يكتفي بالعرض. وإنما يبين صحيحها من سقيمها، وما فيها من خلافات مذهبية، وحجج كل فريق، وما ردَّ به كل فريق حجج الآخر. ويعلل لاختياره ما يراه صحيحًا منها، ويرد على المخالف، وقد يذكر من وافق ومن خالف ما ذهب إليه.
5- تأكيد الحكم الذي أثبته أولا بمزيد من النصوص والحجج. ويؤيد اختياره بالقياس، وبيان حكمة التشريع غالبًا.
ومنهج تقديم النصوص والاستنباط منها، واتباع ذلك بأدلة الفقه الأخرى، ودراسة المذاهب وأدلتها والترجيح بينها، هو منهج مسبوق لأستاذه ابن تيمية وغيره من فقهاء الإسلام الأعلام، ولكن ابن القيم كان أصيلا في تطبيقه؛ باعتباره مجتهدًا مطلقًا مجددًا، محيطًا بالنصوص، متمكنًا من أدلة الفقه، قديرًا في الاستنباط، بصيرًا بمقاصد الشرع وأسراره.

خصائص فقه ابن القيم:
1. فقه غير مذهبي، لا يتعصب لمذهب، وإن نشأ صاحبه حنبليًا، محبًا لأحمد وأصحابه إلا أنه لا يتحرج من مخالفته متى بان له الحق في خلافه. فيدرس دراسة منهجية، قد يخالف فيها المذهب الحنبلي أو غيره من مذاهب الفقهاء المتقدمين والمتأخرين.
2. فقه مقارن، يدرس المذاهب الأربعة، ومذاهب الصحابة والتابعين.
3. فقه سلفي: فقه الكتاب والسنة، واتباع السلف الكرام. يقدم الأقرب فالأقرب إلى النبيïپ²؛ فيجعل الصحابة في القمة، ثم بعدهم تابعيهم، ثم تابعي التابعين، ثم الأئمة الأربعة ومن في رتبتهم، كإسحق بن راهويه، والأوزاعي، والليث بن سعد. ثم على قدمهم المنصفين من أتباعهم.
4. فقه حي مرن، لا جمود فيه، ولا ظاهرية، يعتبر النيات والمقاصد، ويسد الذرائع، ويعتمد اجتهاد الرأي إن غاب النص. ويعتبر القرائن وشواهد الحال، والعرف الصالح. ولا يُحّرِّم إلا بنص قطعي الثبوت والدلالة. ويتسع في حرية المعاملات وإطلاق الشروط العقدية؛ أخذًا بالبراءة الأصلية في الاستصحاب.
5. فقه حي واقعي، يربط بين النص والواقع، فيعرض واقع المشكلة، ويصورها في كثير من الأحيان؛ ثم يستنبط من النص ما يصلح مشكلات الحياة. فمما لديه من معرفة بمصالح الناس وحاجاتهم، وعلم بأصول الفقه ونصوص الشريعة- قرَّبَ الفقه من واقع الحياة ومصالح الناس؛ وعمل على تحقيق المعاني الشرعية التي شرعت لها الأحكام.
6. فقه مصلحي، يراعي المقاصد وعلل الأحكام التي اعتبرها الشرع، ويبحث في أسرار الشريعة. ويهدف إلى تحصيل المصالح وتتميمها، ودرء المفاسد وتقليلها، وتحقيق العدالة بين الناس.
7. العناية بعظام المسائل التي يحتاجها الناس، دون شواذها، وبعيد الوقوع، والتوسط في الفقه الافتراضي.

أصول الفقه عند ابن القيم:
أظهر البحث أن ابن القيم كان مجتهدًا في الأصول كما كان مجتهدًا في الفروع، وقد بنى فقهه على المصلحة، يعلل بها الأحكام، ويجعلها مناط الحُكم في القياس. ولا يقدح في هذا أن ابن القيم وافق شيخه ابن تيمية في اعتبار أن الوصف المؤثر في الحكم هو الحكمة، ويعني بها الوصف المناسب الذي يتفق مع أهداف الشارع العامة، وهي جلب المصالح، ودفع المضار. وعلى هذا بنيا القياس الفقهي. لا على العلة المشتركة بين الأصل والفرع، كما فعل غيرهما من الفقهاء؛ وذلك لأن اتفاقهما هو عن توافق، وليس عن تقليد.
وهذا القياس المصلحي من شأنه أن يكشف مرامي الشارع في كل حكم، ويوضح الأهداف العامة للشريعة الإسلامية، ويُعيِّن المقاصد الشرعية في الجزئيات والكليات معًا.
وأدمج ابن القيم المصالح في القياس باعتبار ذلك من الرأي، فوسع أفق القياس، وربطه بمصالح الناس. وجعل كل مصلحة داخلة في أقيسته، وعزز ذلك بالنصوص التي يحيط بها إحاطة واسعة.
وكشف ابن القيم توافق النصوص والمصالح، وبرهن كثيرًا على أنه لا يوجد قياس صحيح على خلاف نص صريح. وأن الشريعة تستغرق جميع الوقائع، وفي كمالها لا تحتاج إلى سواها. وتقوم بجميع مصالح العباد، في كل مكان وزمان. وحيثما أسفر الحق وظهرت المصلحة، فثم شرع الله. فالشريعة عدل كلها، ومصالح كلها. وكل ما خرج من المصلحة إلى المفسدة، فليس من الشريعة، وإن أدخل فيها بالتأويل.
وأصول الفقه عند ابن القيم هي:

1. النصوص من الكتاب والسنة.
2. الإجماع. ويعني إجماع الصحابة.

3. قول الصحابي إن كان في المسألة قول له- ولا يوجد غيره، خلافًا أو اتفاقًا- أخذ به.
4. القياس، ويشمل الاستحسان.
ولا يميل ابن القيم للاستحسان، ولا ينكره دليلا فقهيًا. ولكنه يأخذه بمفهوم خاص، لا يوافق به مفهوم الحنفية، ولا يتوسع في استخدامه. ويأخذ بالاستحسان الذي لا يبطل نصًا، ويمنع القياس على نص قياسًا يبطل به نصًا آخر، فالأقيسة تطرد باطراد عللها. والنصوص تحكم على الأقٌيسة دون العكس ولا يكون الحديث على خلاف الأصول، لأن الحديث أصل بنفسه، يُقاس عليه.
5. المصالح المرسلة، وتدخل عند ابن القيم في القياس الواسع المصلحي، ونعني به قياس مصلحة كلية حادثة، لا يُعرف لها حكم، على مصلحة كلية ثابت اعتبارها في الشريعة باستقراء أدلة الشرع.
6. الاستصحاب.
7. سد الذرائع.
8. العرف.
وهذه الأصول التي اختارها ابن القيم طريقًا لاستنباط الأحكام، وإن لم تكن جديدة في جملتها إلا أنه كان له تميزه في إعمالها وتنزيلها على الوقائع، فلم يكن في اختيارها تابعًا لغيره، كما لم يكن فيما وصل إليه منها تابعًا لغيره. بل له فوق ذلك فضل تحرير أصول مذهب أحمد، وأصول الفقه الإسلامي وكثير من قواعد الشريعة.

ابن القيم المجتهد المطلق:
ابن القيم إمام مجتهد، سواء قلنا: إنه مجتهد مطلق مستقل، أو مجتهد في إطار المذهب الحنبلي. ومن المؤكد أنه اجتهد على أصول مذهب أحمد، وعلى طريقة أستاذه ابن تيمية، ولكنه كان صاحب منهج واضح في الأخذ من الكتاب والسنة، لا يتقيد إلا بهما، يخالف من خالف، ويوافق من وافق، لا يتبع إلا الدليل الشرعي. ويشهد ببلوغه مرتبة الاجتهاد:
(1) شهادات المترجمين له، كابن رجب، وابن كثير، وابن حجر.
(2) مصنفاته في الفقه وأصوله، ومنهجه المتميز فيها، وتفرده بالاختيارات الفقهية. فلم يكن مقلدًا لمذهبه الحنبلي، لا في الأصول، ولا في الفروع. وما وافق من ذلك، فإنما كان عن توافق في الاجتهاد والنظر، وليس تقليدًا لمن سبق.
(3) ما أثبته الباحثون المعاصرون في الدراسات الأكاديمية وغير الأكاديمية عن جوانب شخصية ابن القيم، فهو يعد من أكثر العلماء دراسة في جامعاتنا، وتأثيرًا في حياتنا.
وشهد لابن القيم ببلوغ مرتبة الاجتهاد المطلق: المتقدمون والمتأخرون من أنصاره، والمنصفون من خصومه، ولقد حمل ابن القيم علم الاجتهاد المطلق في عصر التقليد المطلق. يُخَرِّج ويختار غير مقيد إلا بأصول أحمد وأدلته في الجملة. فمتحَ من المعين الذي متحَ منه أحمد نفسه. ووصل إلى نتائج تعد جديدة على الفقه المذهبي. كمسألة الحلف بالطلاق، ومسألة إرداف الطلاق، وتعليقه، وحكم طلاق الغضبان، وطلاق السكران.. وغيره كثير. وكان لهذا الاجتهاد تأثير كبير في واقع الناس، امتد إلى قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في كثير من الأقطار الإسلامية.

الاجتهاد المقاصدي عند ابن القيم:
يعد الإمام ابن قيم الجوزية أحد رواد الاجتهاد المقاصدي وبناته تطبيقًا، لا تنظيرًا؛ يظهر ذلك في اجتهاداته الجريئة التي خالف فيها بعض فقهاء عصره، وكان موفقًا في علاج مشكلات عصره التي عجز المقلدون عن علاجها، متوافقًا مع مقاصد الشارع في بناء الأسرة والمجتمع. معرضًا عن التنافر الذي أحدثه بعض الاجتهادات بين الفتوى والمصلحة، والشقاق بين القضاء ومصالح الناس.
أبرز ابن القيم مقاصد الشريعة، وبنى الأحكام عليها، فالاختيار والترجيح في مسائل الخلاف يقوم عنده على هذه المقاصد، وظهر ذلك جليًا في كل الأحكام التي درسها تقريبًا، فهو مشغول دائمًا بكشف علل التشريع وأسراره وحكمه، وربط الأحكام الشرعية بالمصالح والمنافع، وهو قدير بكشف ذلك بما له من علم واسع بالشريعة ونصوصها، ودراسة معمقة لأصولها في مواردها ومصادرها. ويظهر ذلك في دراسة للأصول، بجعل المصلحة والمفسدة دليلا للاستنباط والترجيح. وفي دراسة للفروع يجعل الحكم على الفروع والنازلة قائمًا على ما تؤول إليه من مصلحة أو مفسدة.
وتعليل ابن القيم للأحكام يؤدي به دائمًا إلى البحث عن مقاصدها، أو الكشف عنها؛ فكل فقهه تعليل للأحكام، وكشف عن مقاصدها. وبذلك تميز فقهه. فما الفقه إلا التعليل. ولولا تعليل النصوص، ونقل علة الأصل إلى الفرع، والربط بين النصوص باجتماع عللها المستنبطة، لولا ذلك لما فتحت عين الفقه، ولا ثرَّ نبعه.
ولا شك أن اتجاه ابن القيم إلى الإصلاح والتجديد هو الذي أدى به إلى المقاصدية في الاجتهاد- ويتضح اهتمام ابن القيم بالمقاصد الشرعية في فقهه جليًا في عناية بالتعليل وأساليبه في الكتاب والسنة، ومناقشة منكريه والرد عليهم، وإبراز أسرار الشريعة وحكمها، وإدراج المقاصد في أدلة الأحكام كالقياس، والاستصلاح، والعرف، وسد الذرائع، وتقديم المناسب لمقاصد الشارع عند التعارض، ومراعاة المقاصد في استنباط الأحكام، والعناية بمقاصد المكلفين، وربط القواعد الفقهية بالمقاصد والمصالح، وإبطال الحيل وعدم إنفاذها؛ لمنافاتها للمقاصد والمصالح؛ وطعنها في حكمة الشريعة وصلاحها. والاعتداد بالاستحسان الذي هو العدول عن الحكم في مسألة بما حكم به في نظائرها؛ من أجل مصلحة جزئية مستثناة، والبحث عن الحكمة التشريعية التي تجعل النص موافقًا للقياس، وليس مخالفًا له.
ولا أرى أن ابن القيم ينحو إلى جعل المقاصد علمًا مستقلا، ولكنه يبثه في جميع الأدلة الفقهية الأصلية والتابعة. ويظهر هذا في عمله نظرًا وتطبيقًا. فالمقصد عند ابن القيم هو علة الحكم التي يكشف عنها الفقيه، ويمكن أن يُعديها إلى نظائره، ويعطيها الحكم نفسه لاجتماعها في علة الحكم، أي حكمته. وكل حكم جزئي خالف نظائره، فلحكمة خاصة به.
وأثمر منهج ابن القيم في الاجتهاد المقاصدي عمَّا يلي:
1. أن المقاصد وإن كانت مدرجة في الأصول؛ إلا إنها تعد من أدوات المجتهد المتقدم في النظر بأعماق الشريعة. فأفادت فقهه في الوصول إلى القطع واليقين. وفي الوصول بالتشريع من صلاح الفرد إلى صلاح الأمة.
2. نجح ابن القيم في وضع قواعد قطعية فقهية أصولية، كما نجح في حسم الخلاف تأسيسًا على هذه القطعيات المقاصدية. فوضع قاعدة تيسير مصالح المسلمين، ومضمونها: "أن كل ما لا غنى عنه للأمة من معاملات عرفية وتصرفات وعقود، لم ينكرها النبيïپ² ولا الصحابة- فهي من الدين".
كما وضع قاعدة للتفريق بين الوسائل والمقاصد، تبنى على أن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، فقال:
"إذا سقط المقصود، لم يبقَ للوسيلة معنى".
ويذهب بنا هذا إلى التأكيد على أن فقه ابن القيم مبني على التيسير ورفع الحرج والوسطية، والبعد عن الشذوذ والإغراب والافتراضات. وفي هذا أبلغ رد على من توهم تشدد ابن القيم وشيخه في الفقه وغيره، وأشاع عنهما هذا الأمر، حتى إن اسميهما قرنا بالغلاة في عصرنا، ووقر في ظن كثيرين أن علمهما طريق إلى التشدد، وأن المتشددين المعاصرين إفراز لمنهجهما.

اختيارات ابن القيم في الزواج والطلاق:
تبين أن العوامل ذات التأثير في اختياراته هي:
• شخصيته العلمية، وملكاته النفسية: يميل للهدوء، ويختار الوسط، ويتوخى المرونة، يساعده قوة الحافظة، والإحاطة بعلوم الاجتهاد وأدواته.
• المذهب الحنبلي: تعلم في مدارس الحنابلة الحرية الفكرية، والأصالة العلمية، والاجتهاد الفقهي، والتجرد الغالب.
• تلمذته لابن تيمية: حيث أخذ منهجه في التجديد الديني، والإحياء السلفي، والإصلاح الاجتماعي، والجهاد العلمي.
• الحالة العلمية: إذ انتشر الجمود والتقليد، والغلو والانحراف. فقاوم كل هذا، واستعان بدراسته للمذاهب القائمة دراسة فاحصة- على الإصلاح.
• الحالة الاجتماعية: كان ابن القيم منشغلا بعلاج أدواء مجتمعه، حريصًا على أن يجد الناس في الشريعة رفعًا للحرج، وحلا للمشكلات، وتحصيلا للمصالح، ودرءًا للمفاسد.
• نشأته ببلاد الشام: حيث يسود المذهب الحنبلي، وتنتشر مدارسه.
وتظهر الدراسة أن ما كتب ابن القيم في فقه الأحوال الشخصية عمومًا نحو ربع مجموع ما كتبه في الفقه، وهذه نسبة كبيرة؛ إذا علمنا أن فقه العبادات يحتل نصف الفقه الإسلامي عادةً. حيث تشغل العبادات نحو نصف كتب الفقه المبسوطة، على حين لا تحتل موضوعات الأحوال الشخصية إلا سدسها فقط تقريبًا؛ وهذا يعني مزيد عناية من ابن القيم بأحكام الزواج والطلاق وبناء الأسرة والمجتمع المسلم.
وقد بلغت اختيارات ابن القيم في النكاح والطلاق أربعة وعشرين ومئتي اختيار، تفصيلها كالتالي:
1- عدد اختيارات ابن القيم في النكاح خمسة وتسعون اختيارًا.
منها اثنان وعشرون اختيارًا في موانع النكاح، وخمسة اختيارات في الشروط في النكاح، واثنا عشر اختيارًا في عقد النكاح، واثنا عشر اختيارًا في الولاية، وعشرون اختيارًا في المهور، وثمانية اختيارات في الأنكحة المنهي عنها، وستة عشر اختيارًا في عشرة النساء.
2- عدد اختيارات ابن القيم في الطلاق خمسة وستون اختيارًا.
منها اثنا عشر اختيارًا في النية والشهادة والكتابة في الطلاق، وثمانية اختيارات في الشك في الطلاق، وسبعة اختيارات في التوكيل بالطلاق، وستة اختيارات في الطلاق البدعي، وتسعة عشر اختيارًا في الحلف بالطلاق وتعليقه، وثلاثة عشر اختيارًا في أنواع من الطلاق بالنسبة إلى حال المطلق.
3- عدد اختيارات ابن القيم في الفسوخ، والعدد، والخلع، والرجعة أربعةً وستون اختيارًا.
منها تسعة عشر اختيارًا في الفسخ، وثلاثة عشر اختيارًا في الخلع، وستة وعشرين اختيارًا في العدد، وستة اختيارات في الرجعة.
4- عدد الاختيارات التي وافق ابن القيم فيها الجمهور مئة اختيار.
وعدد الاختيارات التي خالف ابن القيم فيها الجمهور خمسة وتسعون اختيارًا، منها ثمانية وعشرون اختيارًا مفردات.
واختلف قول ابن القيم في ثلاثة اختيارات.
والباقي وهو ستة وعشرون اختيارًا، لا قول للجمهور فيها، وليست من المفردات.
ومعنى هذا أن ابن القيم وافق الجمهور أكثر مما خالفه. وأن اختياراته- في الغالب- مؤتلفة متسقة، غير متناقضة، ولا متعارضة، ولا متباعدة المأخذ. بل ترجع إلى منهج واحد ثابت القواعد، ومنطلقات محددة، لا تتبدل، ولا تتغير، تحكم جميع اختياراته؛ فيتسق أولها وآخرها، وتتعاضد.
5- عدد الاختيارات التي وافق فيها ابن القيم الأئمة الأربعة سبعة وثلاثون اختيارًا.
وعدد الاختيارات التي خالف ابن القيم فيها الأئمة الأربعة ثلاثة وأربعون اختيارًا.
وأربعة اختيارات مسائل متولدة، ليست في المذاهب.
والاختيارات الباقية هي غير ذلك، سواء ما اختلف فيه قوله (وهو ثلاثة اختيارات)، أو ما ليس للأئمة الأربعة اجتماع عليه، وهو سبعة وثلاثون ومئة اختيار.
ومعنى هذا أن ابن القيم خالف الأئمة الأربعة أكثر مما وافقهم. وتفسير ذلك: أنه اهتم بمسائل معينة له فيها اختيار مخالف لهم، دون المسائل الموافقة التي لا يتسع فيها الخلاف.
6- عدد الاختيارات التي وافق ابن القيم فيها المذهب الحنبلي واحد وعشرون ومئة اختيار.
وعدد الاختيارات التي خالف ابن القيم فيها المذهب الحنبلي ستة وتسعون اختيارًا.
وقد قلنا: إن المسائل التي خالف فيها قوله ثلاثة، والمسائل المتولدة التي ليست في المذاهب أربعة.
ومعنى هذا أنه وافق المذهب الحنبلي أكثر مما خالفه. وإن كان النسبة التي خالف فيها المذهب الحنبلي كبيرة.
7- عدد الاختيارات التي وافق ابن القيم فيها ابن تيمية ثمانية وخمسون ومئة اختيار.
والاختيارات التي تردد ابن تيمية فيها مسألتان اثنتان.
وخالف ابن القيم شيخه في عشر مسائل فقط.
والباقي أربعة وخمسون اختيارًا، مسائل لم يتبين لي فيها قول ابن تيمية، عدا مسألة واحدة مما اختلف فيه قول ابن القيم، لم أقف على قول لابن تيمية فيها.
ومعنى هذا أن ابن القيم لم يخالف شيخه ابن تيمية في مسائل الزواج والطلاق خاصة إلا قليلا، وأن ابن القيم درس مسائل وصلتنا لا نجد شيخه درسها؛ فهو عالم أصيل، له فكره ومنهجه، وليس مجرد صدىً لشيخه.
8- عدد الاختيارات التي وافق ابن القيم فيها ابن حزم أربعة وستون اختيارًا.
وعدد الاختيارات التي خالف ابن القيم فيها ابن حزم ثلاثة وثمانون اختيارًا.
وتردد ابن حزم في مسألة واحدة.
والباقي غير ذلك، وهو ثلاثة وسبعون اختيارًا. بالإضافة إلى ثلاثة الاختيارات التي اختلف فيها قول ابن القيم.
ومعنى هذا أن ابن القيم اهتم كثيرًا بفقه ابن حزم؛ واستفاد منه استفادة واضحة، وإن كان خالفه أكثر مما وافقه.
ويجدر بنا أن نقول: إن جميع هذه النتائج- سواء ما وافق الجمهور، أو خالفه، وما وافق المذاهب الأربعة، أو خالفها، وما وافق المذهب الحنبلي، أو خالفه، وما وافق ابن تيمية، أو خالفه، وما وافق ابن حزم، أو خالفه... كل ذلك ليس له دلالة مطلقة، وإنما دلالته تقتصر على الموضوع الذي درسته، وهو اختيارات ابن القيم في مسائل الزواج والطلاق.
وللوقوف على نتائج عامة، وإحصاءات ذات دلالة مطلقة يجب إجراء حصر لاختيارات ابن القيم في جميع فقهه، وفي كل الفروع. ودراستنا إنما تناولت جانبًا من ذلك.
9- عدد الاختيارات التي ذكرها ابن القيم موافقا فيها المذهب الجعفري أربعة اختيارات. وجميعها في الطلاق، في طلاق السكران، والطلاق البدعي، والطلاق المعلق بشرط، والطلاق في العدة.
10- عدد الاختيارات التي خالف الباحث فيها ابن القيم خمسة وثلاثون اختيارًا، ووافقته في الباقي، وعدده تسعة وثمانون ومئة اختيار. (ويخرج من ذلك ثلاثة الاختيارات التي اختلف فيها قول ابن القيم).
ومعنى هذا أنني خالفت ابن القيم في ستة عشر بالمئة من اختياراته تقريبًا. ووافقته في أربعة وثمانين بالمئة من اختياراته تقريبًا.
11- وافق القانون المصري ابن القيم في عشرين مسألة.
وخالفه في ثماني مسائل.
12- وافق القانون الكويتي ابن القيم في خمس وخمسين مسألة.
وخالفه في خمس عشرة مسألة.
13- وافق قانون الإمارات ابن القيم في اثنتين وخمسين مسألة.
وخالفه في سبع عشرة مسألة.
14- وافق مشروع القانون المصري السوري الموحد ابن القيم في إحدى وخمسين مسألة.
وخالفه في إحدى عشرة مسألة.
15- وافق القانون الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي ابن القيم في ثلاث وأربعين مسألة.
وخالفه في تسع مسائل.
16- وافق مشروع القانون العربي الموحد ابن القيم في سبع وأربعين مسألة.
وخالفه في اثنتي عشرة مسألة.
والمستفاد من هذا: أن هذه القوانين وافقت ابن القيم كثيرًا، وخالفته قليلا. مما يدل على أن نظره كان في الغالب صائبًا، موافقا لمصالح الأمة المتجددة.
17- وافق ابنُ حجر ابنَ القيم في ثلاث مسائل. وخالفه في مسألة واحدة.
18- وافق ابنُ المطهر ابن القيم في تسع وعشرين مسألة.
وخالفه في خمس عشرة مسألة.
19- وافق د.عبد الكريم زيدان ابن القيم في سبع وعشرين مسألة.
وخالفه في أحد عشر مسألة.
20- وافق د.محمد إبراهيم الحفناوي ابن القيم في أربع وعشرين مسألة.
وخالفه في سبع مسائل.
21- وافق الشوكاني ابن القيم في تسع عشرة مسألة.
وخالفه في خمس مسائل.
22- وافق سيد سابق ابن القيم في ثلاث وعشرين مسألة.
23- وافق صديق حسن خان ابن القيم في خمس عشرة مسألة.
وخالفه في خمس مسائل.
24- وافق د.محمد بكر إسماعيل ابن القيم في أربع عشرة مسألة.
وخالفه في مسألتين.
25- وافق محمد أبو زهرة ابن القيم في ثلاث عشرة مسألة.
وخالفه في مسألة واحدة.
26- وافق د.محمد عمر عتين ابن القيم في اثنتي عشرة مسألة.
وخالفه في مسألتين اثنتين.
27- وافق الصنعاني ابن القيم في عشر مسائل.
وخالفه في مسألتين اثنتين.
28- وافق عبد الرحمن عبد الخالق ابن القيم في ست مسائل.
وخالفه في مسألة واحدة.
29- وافق د.محمود الطنطاوي ابن القيم في خمس مسائل.
وخالفه في مسألتين اثنتين.
30- وافق جاد الحق علي جاد الحق ابن القيم في خمس مسائل.
31- وافق أحمد شاكر ابن القيم في أربع مسائل.
وخالفه في مسألة واحدة.
32- وافق الألباني ابن القيم في أربع مسائل، وخالفه في مسألة.
وهذا يعني أن اللاحقين استفادوا كثيرًا من ابن القيم، ووافقوه أكثر مما خالفوه. ودلالة هذا أن اختياراته الفقهية صالحة في جملتها لأن نستفيد منها في حياتنا المعاصرة.
والحكم العام بعد هذا العرض: أن ابن القيم من العلماء الكبار، فيه أدوات الاجتهاد كاملة، وأكثر المسائل التي درسها محررة، واختياراته- في الغالب- قوية متسعة؛ حتى إن هذه الاختيارات يدوي صداها إلى الآن في أرجاء العالم الإسلامي؛ وتؤثر في صياغة قوانين الأحوال الشخصية فيه.

المقترحات:
1. يقترح الباحث دراسة اختيارات ابن القيم في الجوانب التي لم تدرس فيها، وذلك للوقوف على جميع اختياراته في الفقه، مما يساعد على إصدار أحكام نهائية عن موافقته ومخالفته للجمهور، والمذاهب الأربعة، والشيعة، والظاهرية، والمذهب الحنبلي، وشيخه ابن تيمية، وغير ذلك.
2. أظهرت هذه الدراسة أن قوانين الأحوال الشخصية في بلادنا جزئية قاصرة، يجري عليها التعديل والترقيع، والتغيير والتبديل؛ لذا نحتاج إلى قوانين مفصلة، تبين الزواج الصحيح من الفاسد، وأنواع الأنكحة الفاسدة بالشرع، وحكم الزواج العرفي، وتمييزه عن النكاح السري، وأحكام الطلاق والخلع والإيلاء والظهار والعدد والنفقات والحضانة والرضاعة.... إلخ. مع الاستفادة من القوانين المفصلة المعمول بها كالقانون الكويتي، والقانون الإماراتي، ومشاريع القوانين التي صدرت ولم يعمل بها، مثل: مشروع القانون المصري السوري الموحد، ومشروع قانون وزراء العدل العرب، ومشروع قانون مجلس التعاون الخليجي. والاستفادة أيضًا من المشروع المرفق بهذا البحث، والمستخلص من اختيارات ابن القيم وما رجَّحه الباحث.
3. بيَّن البحث أن القانون المصري لا يزال يخلو من ذكر حكم رد الزوجة بالعيب، جريًا على المذهب الحنفي، فالحنفية وإن كانوا يجعلون للمرأة طلب التفريق لعيب الرجل، لم يجعلوا للرجل في المقابل طلب التفريق لعيب المرأة. وهذا قصور في التقنين يجب تداركه.
وقد تقدمت القوانين في بعض الدول الإسلامية للأخذ باختيار ابن القيم في الفسخ بالعيوب، وعلى هذا مشروع القانون المصري السوري الموحد الذي كان مقررًا أن يُطبق في مصر وسوريا إبان الوحدة. وعطل تطبيقه الانفصالُ السياسي.
4. يُقترح أن ينص القانون المصري على جواز المهر معجلا ومؤجلا، ولا تسمع دعوى المرأة بالمؤخر إلا بموت أو فرقة. خلافًا لما عليه طبقًا للراجح من مذهب أبي حنيفة؛ وذلك لأن تنجيز المهر المؤخر للمرأة فيه ظلم للرجل، وإخلال بالعقد، ومخالفة للعرف. وما كان هذا في عهد الصحابة، ولا قضوا به.
5. تعديل المادة القانونية عن كنايات الطلاق من القانون رقم (25) لسنة 1929.
والمادة المقترحة نصها:
"لا يقع الطلاق إلا بصريح لفظ الطلاق وما يتصرف منه، ولا يقع بغيره من ألفاظ، كالسراح، والفراق، وسائر الكنايات، سواء نوى بها الطلاق، أو لم ينوِ".
6. التوسع في دراسة المقاصد عند ابن القيم دراسة نظرية وتطبيقية. ونحن بحاجة إلى فقه مقاصدي، يعالج مشكلات العصر، ويبرز حيوية الشريعة.
وأكيد أن فهم الأحكام منفصل بعضها عن بعض، طريقه الفروع المستنبطة من الأصول الفقهية النظرية. وهذا منهج تجزيئي.
وأما معالجة المشكلات التي تواجهنا في حياتنا المعاصرة، فيتطلب منهجًا تجميعيًا، ينظر في الكليات والأهداف العامة للشريعة ومقاصدها، ويقدم الحلول الجماعية.
وهذا واضح أكثر في قضايا الأحوال الشخصية التي لا تشرع للفرد فقط، ولكنها تشرع للأسرة والعائلة والمجتمع.
ولعل هذا ما ساق ابن القيم سوقًا طبيعيًا إلى اعتماد المقاصد للشريعة في دراسة أحكام الشريعة في الأسرة وأحوالها. وذلك بوضعها نسقًا كليًا مترابطًا، لا على أنها وحدات منعزلة بعضها عن بعض.
7. أدعو إلى تجديد أصول الفقه بما يوافق منهج ابن القيم الذي كشف عنه البحث، وهذا يعني عودة إلى فطرية الأصول الفقهية الإسلامية، بعيدًا عن التأثر بالمنطق اليوناني، والأخذ بها على ما كان يجريها الصحابة بلا تقعيد ولا تعقيد. والانطلاق من حكمة التشريع ومقاصده وأسراره في تحقيق المصالح ودفع المفاسد؛ فالمصلحة هي محور مصادر الأحكام التي قننها فقهاؤنا وأصوليونا، فكلها مبني على المصلحة والنظر في المآلات. وهذا واضح تمامًا في الاستحسان، والاستصلاح، وسد الذرائع، وإن كان أقل وضوحًا عندهم في القياس.
8. وعلى طريق تجديد الأصول وبناء الاستدلال على مقاصد الشريعة ودلالات النصوص وترك الإسراف في القياس، نحتاج إلى دراسات عن العلاقة بين العلة والحكمة في القياس الفقهي، وتعليل الأحكام بهما. واختلاف الأصوليين في ذلك. وخصوصًا دراسة بناء الأحكام على الحكمة، وتعدية القياس بها. وجعل الحِكَم هي مناطات الأحكام، وذلك عودة إلى فطرية الشريعة وبساطة الأصول، وبعدها عن التكلف والتعقيد والتقعيد النظري.
9. النص في القانون على تحريم نكاح المتعة وبطلانه، فهو من أنكحة الجاهلية التي استقرت الشريعة الإسلامية على تحريمه تحريم بتات إلى يوم القيامة، وإن كانت فرقة الشيعة الإمامية تبيحه، إلا أنه لا يجري عليه إلا أراذل الناس. ولمثل هذا النكاح انتشار واسع في البلاد الغربية باسم زواج التجربة، وقد ظهرت له نابتة في مصر تدعي حله. وهو نكاح مناقض للأساس الاجتماعي الذي بني عليه النكاح في الإسلام، وهو تكوين الأسرة ورعاية الأبناء وتكريم المرأة زوجة وأمًا، وإعداد النشء لمستقبل ناهض. ونكاح المتعة لا يهدف إلا إرواء الغريزة دون نظام يصون المجتمع، وهو يهدد النكاح الشرعي بالخطر، إن فُتح له المجال.
10. أن يتضمن القانون نصًا صريحًا على بطلان النكاح السري الذي صار ظاهرة خطيرة تهدد مجتمعنا. ونجد في كلام ابن القيم ما يشمل ذلك قال:
"إنه- أي الشارع- أبطل أنواعًا من النكاح الذي يتراضى به الزوجان؛ سدًا لذريعة الزنا، فمنها: النكاح بلا ولي؛ فإنه أبطله سدًا لذريعة الزنا؛ فإن الزاني لا يعجز أن يقول للمرأة: "أنكحيني نفسك بعشرة دراهم"، ويشهد عليها رجلين من أصحابه أو غيرهم. فمنعها من ذلك سدًا لذريعة الزنا... ولم يُبح إلا عقدًا مؤبدًا يقصد فيه كل من الزوجين المقام مع صاحبه، ويكون بإذن الولي، وحضور الشاهدين، أو ما يقوم مقامهما من الإعلان" .
11. كشف البحث عن علاقات تأثير وتأثر بين الفقه السني، وفقه أهل البيت. والدراسة المعمقة لهذا الجانب يمكن أن تكشف عن أبعاد أعمق؛ تسهم في إنضاج دعوات التقريب بين المذاهب الإسلامية التي يتردد صداها في أرجاء عالمنا الإسلامي.
12. كشف البحث عن تناقض في القانون الإماراتي، فقال في موضع بوجوب مهر المثل في النكاح الفاسد، وفي موضع آخر قال بوجوب الأقل من المسمى ومهر المثل. والواجب إزالة هذا التناقض.
13. كشف البحث عن خطأ في كتاب "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان". حين ذكر أن مذهب أبي حنيفة: أن الزوج لا يملك إبانة زوجته بطلقة. والصواب أن مذهبه ملك الزوج إبانتها بطلقة. وقد رجحت أن هذا خطأ من النساخ، فات الشيخ محمد حامد الفقي تداركه في تحقيقه للكتاب، كما فات جميع من حققوا الكتاب بعده، وهم كثير!

د.محمود النجيري
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بارك الله فيك ونفع بك
أتمنى تعليقكم على موضوع: حكم الطلاق عند استقامة الحال بحث داخل المدارس الفقهية
ولاسيما ما كان من جهة الخلاف الواقع بين الأئمة وبين تنزيل الحكم على الواقع.
http://www.mmf-4.com/vb/showthread.php?t=552
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
أستاذنا د. محمود :

عندي سؤال يراودني كثيرا، وهو على كل حال يثيره كثير من طلبة العلم، وهو مدى تأثر ابن القيم رحمه الله بشيخه ابن تيمية
ولا يخفى مطلق التأثر ، لكن الكلام في قوة التأثر التي قد توصف بأنها استحالة في شخصية شيخه.

ولا علينا من نبز بعض الأهواء بأن ابن القيم بطلاوة حديث ورشاقة قلمه روَّج لبضاعة شيخه


في خلال دراستي لـ "إلزامات ابن حزم" وجدت تأثرا واضحا من ابن القيم رحمه الله بابن حزم رحم الله الجميع

حتى كان كان ينقل فقرا من كلام ابن حزم كما في كتابه "حكم تارك الصلاة"

وهذا يوحي بأن ابن القيم رجع إلى الأصول التي استفاد منها شيخه ابن تيمية رحمه الله

ومعلوم تأثر ابن تيمية بابن حزم حتى قال تلميذ ابن تيمية الصفدي "لقد تحلى بالمحلى وتولى من تقليده ما تولى ولو شاء أورده عن ظهر قلب وأتى بما فيه من الشناعة والثلب"
وقال في موطن آخر: وأغلب ظني أن أكثر مادته من كلام ابن حزم حتى شناعه على مخالفه"

وليس المقصود هنا السؤال عن تأثر ابن تيمية بابن حزم

وإنما عن شخصية ابن القيم ودائرته الاجتهادية أين كانت بالنسبة لدائرة ابن تيمية رحمه الله

وأنت - أستاذنا محمود - خبير بالأشكال الفقهية، ولعلك بمصاحبتك الطويلة لابن القيم قد أدركت موقع ابن القيم على وجه الدقة من شيخه ابن تيمية رحمه الله.
 

د.محمود محمود النجيري

:: مشرف سابق ::
إنضم
19 مارس 2008
المشاركات
1,171
الكنية
أبو مازن
التخصص
الفقه الإسلامي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلي
بين ابن تيمية وابن القيم الاتفاق والاختلاف

بين ابن تيمية وابن القيم الاتفاق والاختلاف

أستاذنا د. محمود :

عندي سؤال يراودني كثيرا، وهو على كل حال يثيره كثير من طلبة العلم، وهو مدى تأثر ابن القيم رحمه الله بشيخه ابن تيمية
ولا يخفى مطلق التأثر ، لكن الكلام في قوة التأثر التي قد توصف بأنها استحالة في شخصية شيخه.

وإنما عن شخصية ابن القيم ودائرته الاجتهادية أين كانت بالنسبة لدائرة ابن تيمية رحمه الله

وأنت - أستاذنا محمود - خبير بالأشكال الفقهية، ولعلك بمصاحبتك الطويلة لابن القيم قد أدركت موقع ابن القيم على وجه الدقة من شيخه ابن تيمية رحمه الله.


بين ابن تيمية وابن القيم
في النكاح والطلاق
الاتفاق والاختلاف

تلمذة ابن القيم على شيخ الإسلام ابن تيمية معروفة، فقد كان ابن القيم يعرض على شيخه المسائل، ويحاوره فيها ، إذ إنه بلغ مرتبة الاجتهاد في حياة شيخه، وأفتى، وأَمَّ، ودرَّسَ، وصنَّف تحت عينه، وصار الشيخان كفرسي رهان.
وفي عصرهما كان جميع فقهاء المذاهب الأربعة مطبقون على أن الطلاق ثلاثًا يقع به ثلاث طلقات، وتبين المرأة من زوجها بذلك. وخلاف هذا يعد قولا لأهل البدع، وعنوانًا على الرافضة. فأفتى ابن القيم وشيخه بأن الثلاث جميعًا لا يقع بها إلا طلقة واحدة رجعية. فتسبب لهما ذلك في محن واعتقال، وحبس وضرب وإهانة، ومنع من التدريس والفتوى .
وإن النظر الفقهي التجديدي للشيخين، واتباعهما لأصلهما في تعليل الأحكام بالمصلحة، وجعل الفقه حيًا ناميًا بتجدد الحياة، هو الذي أدى بهما إلى القول ببعض ما اعتبره المخالفون في عصرهما خارجًا على الإجماع. كمسألة الطلاق الثلاث، ومسألة إيقاع الطلاق في الحيض، ومسألة الحكم بأن يمين الطلاق هي يمين مكفرة، وعدم إيقاع طلاق الغضبان ولا السكران، ولا الطلاق المعلق بالشرط يراد به الحض أو المنع.
وقد نقل ابن القيم كثيرًا من علم شيخه في كتبه، دون أن يشير إلى النقل أحيانًا ، ووافقه كثيرًا في اجتهاده، ولكنه لم يكن في كل ذلك مجرد متابع لشيخه ، ولا مقلدًا، ولم يكن صدى له في الفقه. وبرهان ذلك:
1. خالف ابن القيم شيخه في عدد من المسائل في النكاح يوضحها هذا البحث. وهو إن وافق شيخه في أكثر مسائل الزواج والطلاق، فإن هذا ليس مقياسًا لسائر اختيارات ابن القيم. وإن الحكم النهائي في هذا الأمر يستدعي دراسات لاختيارات ابن القيم في سائر موضوعات الفقه. لنرى إلى أي مدى خالف ابن القيم شيخه. وعلى أية حال فإن مخالفته لشيخه ولو في القليل ترسي القاعدة التي قام عليها فقهه، وهي الاجتهاد الحر.
2. درس ابن القيم كثيرًا من المسائل التي لم يدرسها ابن تيمية، فيما وقفنا عليه من فقهه. وهذا أبلغ دليل على أنه لا يدور في فلك غيره.
3. خالف ابن القيم أيضًا مذهبه الحنبلي الذي درج عليه منذ نعومة أظفاره، وصحب أصحابه، وخالف أحمد بن حنبل الذي يُجِّله من كل وجه. فلا عليه إن وافق أو خالف أحمد بن تيمية!
4. لأمانة ابن القيم العلمية لا يتحرَّج في اجتهاده من موافقة شيخه ولا غير شيخه، ولا يعمد إلى مخالفته؛ لأنه رائد من رواد التجديد، والتحرر الفكري، ونبذ التقليد، وفتح باب الاجتهاد. لذلك لم يتحرَّج من إظهار تردد نظره، كما تردد نظر شيخه، في مسألة تحريم المصاهرة بالزنا .
5. إن اتفاق الشيخين- ابن تيمية وابن القيم- كثيرًا في الفروع هو نتيجة لاتفاقهما في الأصول والمنهج، والتلمذة التي قربت ابن القيم من أستاذه كثيرًا، وأخذه عنه، وملازمته له أكثر من خمسة عشر عامًا.
ومع هذا، فهناك اختلاف في الفروع بينهما كما يُظهر هذا البحث. فإن اتفقا أصولا، فتوافقا في أكثر الفروع، فقد اختلفا في بعضها. وفي اتفاقهما واختلافهما، يصدران عن منهجية علمية، تتبع البحث الحر، والموضوعية في إصدار الأحكام.
6. قد يتوسع ابن القيم في مباحث مشتركة أكثر مما فعل شيخه. ومن ذلك مسألة الطلاق الثلاث التي توسع فيها كثيرًا لأنها كانت محل نزاع خطير، فاجتهد ابن القيم في بيان اختياره هو وشيخه، وسنده بالأدلة من الشرع والعقل واللغة.
7. شهد المترجمون للشيخين، والدراسات العلمية الجامعية باستقلال ابن القيم في نظره الفقهي. ومن ذلك قول أحمد بن إبراهيم بن عيسى:
"إنهما- رحمهما الله- كانا إمامين مجتهدين مطلقين. فكثيرًا ما يتوافقان في الاجتهاد، من غير أن يقصد مجرد الانتصار لابن تيمية رحمه الله؛ لوضوح النص عندهما في ذلك" .
وقال د.عبد العظيم شرف الدين- عن مخالفة ابن القيم لشيخه في فهم كلام أحمد والحكم المبني عليه بشأن رضاع الطفل إذا انتقل من ثدي المرضعة إلى ثدي غيرها-:
"من هنا، تظهر لنا قوة شخصيته، وحريته في البحث. وهذا ليس بعيدًا عليه؛ فهو الذي دعا إلى التحرر الفكري... فلم يلتزم رأي شيخه الذي فهمه من عبارة أحمد، بل أخذ يفهم في عبارة أحمد فهمًا حرًا. فوجدها تدل على أكثر مما فهمه شيخه، فصرح بذلك، وبين أن الوجه الذي أغفله شيخه، أظهر مما رآه. وقد وضح ما ذهب إليه مبينًا أن عبارة أحمد تشير إلى هذا الرأي الذي استنبطه من عبارته. وهو أن الأولى والثانية رضعة واحدة، لا رضعتان. كما فهم ابن تيمية" .
وقال الشيخ محمد الزفزاف في تقديمه لرسالة الدكتور عبد العظيم شرف الدين، عن ابن القيم واجتهاده الذي خالف فيه أستاذه:
"... ثم طلع علينا بهذه الرسالة، التي كشفت عن ابن القيم، فإذا به تلميذ ابن تيمية. ولكنه كثيرًا ما خالف غيره من ذوي المذاهب، متى استبان له الدليل، ووضح أمامه الحق في غير ما ارتآه. لا عنادًا واستكبارًا، ولكن وقوفًا عند الحجة، وإحقاقًا للحق" .
وفيما يلي بيان المسائل التي وافق فيها ابن القيم شيخه، والمسائل التي خالفه فيها في النكاح والطلاق، والمسائل التي درسها ابن القيم، ولم يدرسها ابن تيمية- فيما وقفت عليه.

المسائل التي وافق فيها ابن القيم شيخه ابن تيمية :أولا- موانع النكاح:
1) العقد على البنات يحرم الأمهات، ولا يُشترط الدخول.
2) إن المصاهرة بالرضاع لا توجب تحريمًا، كالتحريم الذي توجبه المصاهرة بالنسب، فكون من حرم على الرجل من النسب، حرم عليه نظيره من الرضاعة، لا يدل على أن من حرم عليه بالصهر، حرم عليه نظيره من الرضاعة، كأم امرأته من الرضاعة، و بنتها من الرضاعة، وامرأة ابنه من الرضاعة، وامرأة أبيه من الرضاعة.

3) يجوز الجمع بين المحارم رضاعا، بعكس الجمع بين المحارم نسبا، فكون من حرم على الرجل من النسب، حرم عليه نظيره من الرضاعة، لا يدل على أن من حرم عليه بالجمع بينهن، حرم عليه نظيره من الرضاعة، فلا يحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة، ولا بين المرأة وعمتها، وبينها وبين خالتها من الرضاعة.
4) لا تثبت حرمة المصاهرة بالزنا، فلا يحرم على المرء نكاح أمِّ من زنا بها، ولا ابنتها، ولا يحرم عليه نكاح من زنا بها أبوه، ولا من زنا بها ابنه.
5) تحرم المخلوقة من ماء الزاني عليه: فهي بنته في تحريم النكاح عليه، وليست بنته في الميراث، ولا في النفقة، ولا المحرمية.
6) يحرم نكاح البغي إلا لمثلها، ويبطل العقد عليها، إلا أن تتوب، وتنقضي عدتها.
7) يبطل نكاح الحامل من الزنا.
8) المرأة التي وطئها بشبهة، يجوز له نكاحها في عدتها منه.
9) تحرم زوجة المقتول على من قتله ليتزوجها.
10) لا يجوز نكاح المُحْرِم بحج أو عمرة. والنبي  تزوَّج ميمونة حلالا، وليس مُحرمًا.
11) نهْي النبي  عن أن يخطب الرجل على خطبة أخيه محكم غير منسوخ. وهو نهي تحريم لا نهي تأديب، ويكون النكاح باطلا.
12) الرضاع الذي يتعلق به التحريم ما كان قبل الحولين، في زمن الارتضاع المعتاد.
13) يحرِّم رضاع الكبير، رخصةً للحاجة لمن لا يستغنى عن دخوله على المرأة.
14) تحريم الرضاع لا يكون إلا بخمس رضعات مشبعات.
15) متى التقمَ الرضيع الثدي، فامتص منه، ثم تركه باختياره من غير عارض، كان ذلك رضعةً. والقطع العارض لتنفس، أو استراحة يسيرة، أو لشيء يُلهيه، ثم يعود عن قُرب، لا يُخرجه عن كونه رضعةً واحدة.
16) إن لبن الفحل يُحرِّم، وإنَّ التحريم ينتشر منه، كما ينتشر من المرأة.
ثانيًا- الشروط في النكاح:
17) يصح الشروط في النكاح. وإذا تزوجها على شرط فيه نفع لها، ولا يُخل بمقتضى العقد، مثل: ألا يتزوج عليها، ولا يخرجها من دارها- صح النكاح، ولزم الشرط.
18) يصح اشتراط المرأة زيادة في المهر؛ إن نقلها من دارها.
19) يصح اشتراط الزوجة: أن كل امرأة يتزوجها عليها فهي طالق.
20) يبطل اشتراط المرأة طلاق غيرها، ممن في عصمة الرجل.
21) إذا عُقد النكاح على شرط فاسد: يصح العقد، ويبطل الشرط الفاسد، (عدا الشروط التي يبطل معها العقد من أساسه كالمتعة، والشغار، والمحلل).
ثالثا- عقد النكاح:
22) ينعقد النكاح بكل لفظ دلَّ على التراضي، ولا يُشترط التصريح بلفظ النكاح، ولا التزويج.
23) ينعقد النكاح بكل لغة تعارفها أهلها، ولا يُشترط في الإيجاب والقبول أن يكون عربيًا.
24) كلام الهازل بالنكاح، والطلاق، والرجعة معتبر.
25) عقد نكاح التلجئة باطل.
26) لا تُشترط العدالة في شهود النكاح، (ولا في ولاية النكاح، ولا في الحضانة، ولا في الوصاية). وتجوز شهادة الفُسَّاق عمومًا إذا لم يوجد غيرهم.
27) يجوز نكاح اليتيمة قبل البلوغ.
28) يصح النكاح الموقوف على الإجازة، إن أجازه صاحبه، فَتُخيَّر الكارهة، واليتيمة عند البلوغ، والصغير، فإن اختار الفسخ انفسخ.
29) إن تزوج رجل بفتوى مفتي، ثم رجع المفتي عن فتواه، لم يحرم عليه إمساك زوجته، ولا ينقض الزواج برجوع المفتي، إلا أن يكون المبطل قائمًا، مجمعًا عليه بنص قطعي من الكتاب والسنة.
رابعًا- الولاية:
30) "لا نكاح إلا بولي"، فلا يصح النكاح إذا لم يباشره الولي. والمرأة عاجزة عن إنشاء النكاح بنفسها.
31) يجب استئذان البكر البالغة في نكاحها، ولا تُكره من أب، ولا غيره.
32) مناط الإجبار في الصغيرة هو الصغر، لا البكارة. فيجبر الأب ابنته الثيب الصغيرة على النكاح، ولا يجبر ابنته البكر البالغة العاقلة الرشيدة.
33) إنَّ الذي بيده عقدة النكاح هو الأب. وله أن يعفو عن صداق ابنته التي طلقت قبل الدخول.
34) تصح ولاية الفاسق في النكاح. (لا تُشترط العدالة في ولاية النكاح).
35) إنَّ الكتابيَّ يكون ولياً لوليته الكتابية، دون المسلمة.
36) إذا زوج الوليان المرأة من رجلين، ولم يُعلم السابق منهما: أُقرع بينهما.
37) إن القرآن والسنة لم يعتبرا في الكفاءة إلا الدين فقط.
خامسًا- المهور:
38) لا مهر للمزني بها، مطاوعةً أو مكرهةً، حرةً كانت أو أمةً، بكرًا أو ثيبًا.
39) الصداق ركن في عقد النكاح بدايةً ولو لم يُسَمَّ. ويبطل العقد بنفيه.
40) يجب للمرأة مهر المثل بالعقد عليها، إن خلا من ذكر المهر، ويتأكد مهر المثل بالموت، وإن لم يدخل بها الزوج.
41) المهر يجوز بما تراضيا عليه، قليلا أو كثيرًا.
42) يصح الصداق منافع وخدماتٍ يؤديها الرجل للمرأة، مثلها أعيان الأموال.
43) يجوز أن يكون مهر المرأة علم الزوج، وحفظه القرآن.
44) المهر على من غرَّ الرجل؛ إن دخل بزوجته فوجدها معيبة. سواء كان من غرَّه: المرأة، أو الولي، أو أجنبي.
45) إخراج البُضع من ملك الزوج مُتَقَوِّم بما أنفق (المسمى)، لا بمهر المثل.
46) من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول، يرجع الزوج عليه بنصف مهرها الذي يلزمه لها.
47) من أفسد نكاح امرأة برضاع بعد الدخول، وجب مهرها المسمى لها، ويرجع به الزوج على المفسد.
48) كل فرقة جاءت من قبل المرأة قبْل الدخول كَرِدَتِها، وإرضاعها مَنْ يفسخ إرضاعُه نكاحها، وفسخها لإعساره أوعيبه، فإنَّه يسقط مهرها.
49) كل فُرقة جاءت من قِبَل الزوج قَبْل الدخول؛ لعيب المرأة، أو لفوات شرط شَرَطَه، فإنَّه يسقط بها مهرها كله.
50) إنْ أفسدت امرأة نكاح نفسها بعد الدخول، سقط مهرها بإفسادها.
51) يصح تسمية مؤخر الصداق، ولا تُسمع دعوى المرأة به، إلا بموت، أو فُرْقة.
52) لا يُحبس الزوج في المهر.
53) يملك الأب قبض صداق ابنته (البكر البالغة العاقلة) بالولاية. ويبرأ الزوج بذلك.
سادسًا- الأنكحة المنهي عنها:
54) نكاح المتعة: اليقين أن المتعة حرام، والقائلون بها معهم سنة منسوخة.
55) نكاح التحليل حرام باطل.
56) لا فرق في بطلان التحليل بين اشتراطه قولًا في صلب العقد، أو التواطؤ عليه قصدًا في النية.
57) لا تحل المرأة بنكاح التحليل لزوجها الأول.
58) لا تحل المرأة للزوج الأول الذي طلقها ثلاثا، حتى يطأها الزوج الثاني دون نية التحليل.
59) يبطل نكاح الشغار، إن خلا من تسمية المهر.
60) إن لم يشترطوا أن يكون بُضع كل واحدة من الزوجتين مهرًا للأخرى، ولا تواطئوا على ذلك، ولا نووه، وسموا لكل واحدة مهر مثلها، كأن يقول: "زوجتك ابنتي بكذا، على أن تزوجني ابنتك بكذا"- صح النكاح.
سابعًا- عِشْرَة النساء:
61) تقرير الشرع وجوب خدمة المرأة لزوجها دون معاوضة.
62) إذا أراد الزوج السفر، لم يجز له أن يسافر بإحدى زوجاته، إلا بقرعة.
63) يُشرع الإقراع بين نسائه عند السفر. وإذا قَدم لا يقضي للبواقي شيئًا.
64) يجب على الزوج أن يطأ زوجته بالمعروف، كما ينفق عليها ويكسوها بالمعروف.
65) يحرم على الرجل وطء امرأته في دُبُرِها، ولها أن تفسخ النكاح به.
66) للزوج منع امرأته المسلمة من شرب النبيذ المختلف فيه- إن أرادت أن تشرب منه ما لا يسكرها.
ثامنًَا- الطلاق:
67) الحكمان في الشقاق بين الزوجين- حاكمان، لا وكيلان. يلزم حكمهُما الزوجين دون اعتبار لرضاهما.
68) لا يقع الطلاق بالنية، من غير تلفظ اللسان به.
69) لفظ الطلاق لا يقع به شيء إذا لم يقصده، فلو سبق اللسان بطلاق لم يُرِدْه- لا يقع الطلاق ديانةً، ويُقبل قول المطلِّق قضاءً: إنَّه لم يُرِدْ الطلاق.
70) لا يقع الطلاق بلفظ لم يقصد به الطلاق حتى ينويه، كالسراح، والفِراق، وسائر كنايات الطلاق. وتقسيم الطلاق إلى صريح وكناية يختلف باختلاف الأشخاص، والأزمنة، والأمكنة. فلا يثبت حكم للفظ لذاته، ويُرَدُّ الناسُ إلى ما يتعارفونه طلاقا، فأيُّ لفظ جرى به عرفُهم، وقع به الطلاق مع النية.
71) قول الرجل لامرأته: الحقي بأهلك- طلاق إنْ نوى به الطلاق.
72) إن ادعت المرأة الطلاق، فلا يكفي أن تقيم شاهدًا واحدًا، ولا مع يمينها، بل لابدَّ من يمين الرجل، أو نكوله. فيثبت الطلاق بشاهد، ونكول الزوج.
73) لو شكَّ الرجل: هل طلَّق واحدةً، أو ثلاثـًا؟ فهي واحدة، (بناءً على ما استيقن).
74) منْ حَلَف بالطلاق: لا يأكل تمرة، فوقعت في تمر، فأكل منه واحدةً، فإنَّه لا يحنث، ولا يحرُم عليه وطءُ زوجته، أخذًا باليقين، وطرحًا للشك.
75) تصح القرعة لتعيين المطلقة المبهمة، إن طلق إحدى نسائه، ولم ينوِ واحدةً بعينها.
76) تُشرع القرعة لإخراج المطلقة المبهمة، أو المنسية إن طلَّق امرأة من نسائه ثمَّ أُنسيها.
77) يصح توكيل الأجنبي في الطلاق والخلع.
78) يصح أن يوكل الرجل امرأته بطلاق نفسها.
79) الطلاق في الحيض، أو في الطُّهر الذي واقعها فيه- لا يقع.
80) طلاق الحامل هو طلاق للسنَّة، وليس للبدعة، (فلو قال لها: أنتِ طالق للسنَّة، وقد استبان حملُها- يقع في الحال، ولو قال لها: أنت طالق للبدعة، طلقتْ بالوضع. ولو قال لها: أنتِ طالق للسنَّة طلقة، وللبدعة طلقة، فواحدة في الحال، والأخرى بالوضع).
81) تفريق الطلاق على الأطهار بدعة.
82) إرداف الطلاق الطلاق في العدة باطل، ولا يقع إلا الطلاق الأول.
83) لا يُشرع الطلاق الثلاث جملةً، بل يحرم.
84) الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، لا يقع إلا طلقة واحدة.
85) الحلف بالطلاق لا يلزم، ولا يقع على الحانث به طلاق.
86) الحلف بالطلاق يمين مكفرة.
87) يمين اللغو بالطلاق لا تنعقد، ولا يقع بها شيء.
88) تحريم الزوجة يمين يكفرها الزوج. وإن أوقع التحريم كان ظهارًا، ولو نوى به الطلاق.
89) يصح الاستثناء في الطلاق، كأن يقول الرجل لامرأته: أنتِ طالق إنْ شاء الله. وبذلك لا يقع الطلاق، (فإنْ قَصَدَ بالاستثناء التحقيق والتأكيد، وقع الطلاق).
90) لا يُشترط أن ينوي الاستثناء من أول الكلام، ولا قبل فراغه منه. بل يصح الاستثناء بعد عقد اليمين بالطلاق.
91) يصح الاستثناء بعد عقد اليمين في الطلاق ما دام في المجلس، ولا يُشترط اتصال الاستثناء باليمين بغير تراخ أو فاصل.
92) لا يُشترط في الاستثناء أن يسمع نفسه ولا غيره. ويكفي أن يُحرك لسانه به.
93) يقع الطلاق المعلَّق بالشرط إن كان يقصد به الوقوع عند تحقق الشرط، ولا يقع الطلاق المعلق بالشرط إن كان يقصد به اليمين من الحضِّ، أو المنع، أو التصديق أو التكذيب.
94) الطلاق المعلَّق بِفِعْل الزوجة، يُراد به الحضُّ، أو المنع: لا يقع.
95) المسألة السُّرَيْجِيَّة أنْ يقول: "كلما طلقتُك- أو كلما وقع عليك طلاقي- فأنت طالق قبله ثلاثًا". ثمَّ قال: أنتِ طالق. (الاختيار:) يبطل التعليق، ويقع الطلاق المنجز فقط، دون المعلق.
96) الطلاق المعلق بشرط مُضمر لا يقع. فلو قال لامرأته: أنتِ طالق. وقال: أردتُ إنْ فعلتِ كذا وكذا- دُيِّنَ فيما بينه وبين الله تعالى. وقُبِل في الحُكم أيضًا.
97) امرأة طلبت الطلاق من زوجها، فقال لها: إنْ كنتِ تريدين أنْ أُطلقكِ فأنتِ طالق.
(قال ابن القيم:) يقع الطلاق بهذا، ولا يُشترط الاستقبال.
98) في حال تعليق الطلاق على أمرٍ مستحيلٍ عادةً، لا يقع الطلاق بادعاء تحقق ذلك الأمر. كقوله: أنت طالق إنْ قلبتِ الحجرَ ذهبًا، أو شربتِ هذا النهر، أو حملتِ الجبل، أو شاء الميت.
99) لا يقع الطلاق إذا علقه الحالف على علة، فزالت هذه العلة. وكذلك إذا علقه بسبب أو شرط، ثم تبين بخلافه. سواء صرح بهذا السبب أو الشرط، أو لم يصرح.
100) لا طلاق إلا بعد نكاح.
101) يقع طلاق الهازل، وعتاقه، ورجعته.
102) طلاق المُكْره لا يقع.
103) لا يقع طلاق المتأول، ولا المقلد.
104) المغلوب، والعاجز عن فعل المحلوف عليه لا يحنث، ولا يقع طلاقه.
105) طلاق الناسي، والذاهل لا يقع.
106) طلاق المخطئ، والجاهل لا يقع.
107) إن أقرَّ الرجل كاذبًا: أنه حلف بطلاق امرأته، فلا حنث عليه، ولا تطلق امرأته بهذه الكذبة.
108) طلاق السكران لا يقع، ولا عتاقه، ولا إقراره، ولا أيمانه، ولا وصيته. وكذلك الموسوس، والمعتوه.
109) الغضبان لا يقع طلاقه، حتى وإن لم يزل الغضب عقله بالكلية.
110) إن طلاق الصبي المميز العاقل (غير البالغ)، لا ينفذ، ولا يقع.
تاسعًا- الفسخ:
111) يُشرع الفسخ بكل عيب مُستحْكِم، يمنع أصل الاستمتاع كالجبِّ، والعُنَّة.
112) يُشرع الفسخ بكل عيب منفِّر، يمنع من كمال الاستمتاع، ولا يحصل معه مقصود النكاح من الرحمة، والمودة.
113) إن شَرَطَ الزوج في الزوجة السلامة من العيوب، أو شَرَطَ الجمال، فبانتْ شوهاء، أو شرطها شابة حديثة السن، فبانت عجوزًا شمطاء، أو شرطها بيضاء، فبانت سوداء، أو بكرًا، فبانت ثيبًا، فله الفسخ في ذلك كله.
وإذا اشترطت الزوجة في زوجها السلامة من العيوب، أو شرطته جميلا، فبان دميمًا، أو فقيهًا، فبان غير فقيه، أو طويلا فبان قصيرًا، أو طبيبًا، فبان خبازًا أو حائكًا، فلها الفسخ في ذلك كله.
114) للزوجة الفسخ إن كان الزوج ذا يسار، فقتَّر وبخل وامتنع عن الإنفاق على زوجته، أو أنه غرَّها، فتزوجته على أنه ذو مال، فبانَ مُعْدما.
115) ليس للزوجة الفسخ بالإعسار بالصداق.
116) للزوجة فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن الوفاء بما يجب عليه من النفقة والكسوة، دون أن يحتاج إلى حكم حاكم.
117) النكاح إن ارتدَّ أحد الزوجين يُوقف، ولا يُفسخ، فإن استمر الزوج على ردَّته قُتِل، وإنْ عاد إلى الإسلام فزوجه وماله له بحاله.
118) إذا أسلم الزوجان معا، لا يُعتبر تلفظُهما بالإسلام معًا، بل إذا أسلما في المجلس الواحد فقد اجتمعا على الإسلام، ولا يؤثر سبق أحدهما بالتلفظ به في نكاحهما.
119) لا ينفسخ النكاح إذا أسلمَ أحدُ الزوجين قبل الآخر، بل النكاح باقٍ إلى أن يُسْلِمَ الآخر، فإنْ أسلم فهو أحق بصاحبه. ولا يلزم تجديد النكاح.
120) لا تقع الفرقة بانقضاء العدَّة إذا أسلم أحد الزوجين قبل الآخر، بل متى أسلم الآخر، فالنكاح بحاله ما لم تتزوج المرأة. (إذا أسلمت المرأة، وامتنع زوجها من الإسلام، فلها أن تنكح مَنْ شاءت إذا انقضت عدتها دون أن يُسلم زوجُها، ولها أن تنتظر وتتربص إسلامه، وإن طالت المدة. فإن أسلم فالنكاح بحاله).
121) إذا أسلم الزوج قبل أن تتزوج امرأته المسلمة فهو أولى بها، فإن تزوجت وهي عالمة بإسلامه، انتُزعت من الثاني، ورُدتْ إلى الأول.
122) اختلاف الدارين لا يُوقع الفُرْقة، وإنما التأثير لاختلاف الدين.
123) يجب فسخ النكاح إنْ أخبرت امرأة أنها أرضعت الزوجين معًا، وإنْ كانت أَمَة. فإنَّ شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع.
124) الحكم في امرأة المفقود تربصُ أربع سنوات، ثمَّ يُحْكَمُ بموته، وتحل للأزواج.
125) زواج امرأة المفقود موقوف: إن قدم الأول فله إجازته، وله رده، وعودة امرأته إليه.
126) يرجع الزوج العائد بما مهرها هو، لا بما مهرها الزوج الثاني.
عاشرًا- الخلع:
127) جواز الخُلع مطلقًا، بإذن السلطان، وبغير إذنه.
128) الخلع فسخ، لا طلاق.
129) كل ما دخله المال خلع، والخلع فسخ بأي لفظ وقع، وإن نوى به الطلاق.
130) المختلعة لا يلحقها الطلاق في عدتها.
131) تحصل البينونة بالخلع، فليس للرجل ارتجاع مختلعته في عدتها منه.
132) إذا تقايلا الخلع، وردَّ عليها ما أخذ منها، وارتجعها في العدة- جاز ذلك. فالتقايل في الخلع جائز.
133) ليس للزوجين أن يتراضيا بفسخ النكاح بلا عوض؛ فإنَّ الخلع لا يجوز بغير عوض.
134) إذا وقع الخلع من غير شقاق بين الزوجين- صح، وكان غايته الكراهة.
135) إذا عضل امرأته لتفتدي نفسها منه، وهو ظالم لها بذلك العضل،لم يحل له أخذ ما بذلته، ولا يملكه بذلك.
136) يجوز أن يخالع امرأته الحامل على سكناها ونفقتها حتى تضع حملها.
137) يصح أن يخلع الأب ابنته الصغيرة بشيء من مالها، لما فيه الحظُّ لها.
حادي عشر- العِدد:
138) عدة الحامل المتوفى عنها زوجها- وضع حملها.
139) تنقضي عدة الحامل بوضع حملها على أية صفة كان، حيًا أو ميتًا، تام الخلقة أو ناقصها، نُفخ فيه الروح أو لم تُنفخ. (فلا تنقضي عدتُها بوضع علقة، ولا نطفة).
140) ميل ابن القيم إلى أن المبتوتة تعتد بحيضة للاستبراء.
141) القرء الذي تعتد به المطلقة هو الحيض، لا الطُّهر.
142) الحيض ليس لأقله حدٌّ، كما أنه ليس لأكثره حدٌّ. والشارع ردَّ أمته فيهما إلى العرف.
143) لا حدَّ لسن إياس المرأة من المحيض.
144) إنَّ الدم الذي تراه المرأة بعد سن الخمسين هو دم حيض.
145) لا عدة على المختلعة، وإنما تستبرئ بحيضة.
146) يجب استبراء الموطوءة بشبهة بحيضة قبل العقد عليها، أو وطئها.
147) الزانية تُستبرأ بحيضة قبل العقد عليها، أو وطئها.
148) إنَّ المهاجرة المزوَّجة ينفسخ نكاحها بالهجرة والإسلام، وتعتد بحيضة واحدة.
149) عدة الفسوخ كلُّها حيضة للاستبراء، كالمختلعة، والمسبية، والمهاجرة، والزانية، والمعتَّقة، والملاعنة، وكل فسخ لرضاع، أو عيب، أو إعسار، وغير ذلك.
150) يجب إحداد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا.
151) يجب على الحادَّة أن تجتنب الزينة في بدنها، فلا تكتحل إلا تداويًا لضرورة.
152) يحرم على الحادَّة لباس الزينة من أي نوع كان، المصبوغ منها وغير المصبوغ، فإذا كان الأبيضُ، والبرود المحبَّرة الرفيعة الغالية الأثمان مما يُراد للزينة لارتفاعهما وتناهي جودتهما- كان أولى بالمنع من الثوب المصبوغ.
153) يجب على الحادَّة اجتناب لباس الحُلي.
154) ليس للمبتوتة (غير الحامل) سكنى.
ثاني عشر- الرجعة:
155) الوطء رجعة: وطء الرجل مطلقته في عدتها منه يُعَدُ رجعة.
156) من طلَّق امرأته دون الثلاث، ثم راجعها بعد زوج، فهي على بقية الطلاق.
157) لا يملك الرجل إبانة زوجته بطلقة، بأن يقول لها: أنتِ طالق طلقةً بائنةً. فلا يصح إسقاط حقِّه في الرجعة، ويصح الطلاق، ويلغو الوصف الفاسد، ويقع بذلك طلقة رجعية.
ومن هذه المسائل التي وافق فيها ابن القيم شيخه، مسألتان لهما ملمح خاص. هما:
1. مسألة قال ابن القيم فيها بقول، ثم رجع عن هذا القول إلى غيره. ونصها: "لا تثبت حرمة المصاهرة بالزنا، فلا يحرم على الرجل نكاح أم من زنا بها، ولا ابنتها، ولا يحرم عليه نكاح من زنا بها أبوه، ولا من زنا بها ابنه" .
وقد صرَّح ابن القيم بأنه كان ينصر القول بالتحريم، ثم رأى الرجوع إلى عدم التحريم؛ لاقتضاء الأدلة له . كما بيَّن: أن شيخه ابن تيمية كان يقول أولا بالحرمة، ثم رجع إلى أن تحريم المصاهرة لا يثبت بالمباشرة المحرمة .
ولا شك أن هذا الرجوع من الشيخين: ابن تيمية، وابن القيم- دليلُ موضوعية ونزاهة، وبُعْدٍ عن التعصب والهوى؛ ويشهد لذلك أنهما خالفا بذلك المذهب الحنبلي نفسه.
وفي ذلك أمران:
الأول: أن ابن القيم قال بقول، ثم رجع عنه.
الثاني: أن ابن القيم وافق شيخه في قوله، وفي الرجوع عنه.
2. مسألة توقف فيها ابن القيم، ثم وافق شيخه بعد صفحات . أي أنها مسألة اختلف فيها قوله، وإن كان واضحًا ما اختاره آخرًا مصرحًا به. وهي أن المصاهرة بالرضاع لا توجب تحريمًا كالتحريم الذي توجبه المصاهرة بالنسب، فكون من حرم على الرجل من النسب، حرم عليه نظيره من الرضاع، لا يدل على أن من حرم عليه بالصهر، حرم عليه نظيره من الرضاعة، كأم امرأته من الرضاعة، وبنتها من الرضاعة، وامرأة ابنه من الرضاعة، وامرأة أبيه من الرضاعة.
المسائل التي خالف فيها ابن القيم شيخه ابن تيمية :
أولا- موانع النكاح:
1- مَن تزوج امرأة في عدتها من غيره، حرُمت عليه تأبيدًا.
ثانيًا- الولاية:
2- إن البكر إذا زالت بكارتها بالزنا، فإذنها الصُمات.
ثالثًا- المهر:
3- إذا رجع شهود الطلاق بعد الدخول عن شهادتهم، يلزم الزوج المهر كله، ويرجع به على الشهود.
رابعًا - عِشْرَة النساء:
4- للزوج ولاية على زوجته في مالها، فلا يجوز تبرعها منه إلا بإذنه.
5- يجب قسْم الابتداء، للبِكر سبعًا، وللثيب ثلاثا، وله أن يقيم عند الجديدة الثيب سبعًا، ثم يقضيها للبواقي.
6- يجوز عزل الرجل عن امرأته مطلقًا، بغير إذنها مخالفةً للمذاهب الأربعة.
خامسًا- الطلاق:
7- الأب (الصالح) إذا أمر ابنه بطلاق زوجته؛ لما يراه من مصلحة الولد، فعليه أن يُطيعه.
8- إذا ظن المكره أن الطلاق يقع به فنواه، فإنَّ طلاقه لا يقع.
سادسًا- الفسخ:
9- ليس للزوجة الفسخ بإعسار زوجها بنفقتها.
سابعًا- الخلع:
10- يجوز خلع اليمين تخَلُّصًا من وقوع الفرقة بين الزوجين، فيفعل الزوج المحلوف عليه بعد الخلع، ثم يعود الزوجان على ما كان من نكاح.

المسائل التي درسها ابن القيم دون ابن تيمية :

مسائل كثيرة، درسها ابن القيم، ولم نقف على تناول ابن تيمية لها. وهذا أكبر برهان على استقلال ابن القيم في علمه. فإن المتابع لا يستطيع أن يخرج عمن تابعه في هذا القدر، ولا أن يخالفه، ويدلل لكل ما يختار. وهذه المسائل هي:
1. يجوز للرجل نكاح بنت امرأته (التي دخل بها)، إذا لم تََتَرَبَّ في حجره.
2. لا يثبت تحريم الربيبة بموت أمها قبل الدخول، كما يثبت بالدخول بها.
3. بناء على ثبوت التحريم بلبن الفحل؛ تثبت أبوة صاحب اللبن، وإنْ لم تثبت أمومة المرضعة، (إن كان له أربع زوجات، فأرضعن طفلا، كلُّ واحدة منهن رضعتين، ولا يصرن له أمًا). [ويحرم المرضعات على الطفل؛ لأنه ربيبهن، وهن موطوآت أبيه. فهو ابن بعلهن].
4. بناء على ثبوت التحريم بلبن الفحل؛ إن كان لرجل خمس بنات، فأرضعن طفلا، كل واحدة رضعة، لم يصرن أمهاتٍ له، ولم يصر الرجلُ جدًا للرضيع، ولمْ يصِرْ إخوة المرضعات أخوالاً وخالاتٍ.
5. بناء على ثبوت التحريم بلبن الفحل؛ إن كان لرجل أم، وأخت، وابنة، وزوجة ابن، فأرضعن طفلةً، كل واحدة منهن رضعة، لم تصر واحدةٌ منهن أمها، ولم تحرم على الرجل.
6. يصح تعليق انعقاد النكاح على شرط. (وكذلك: العتاق، والطلاق، والرجعة، والإبراء، والولاية، والفسوخ. كلها يجوز تعليقها بالشرط).
7. يجوز تولي الرجل طرفي العقد، كوكيل من الطرفين، أو ولي فيهما، أو ولي وكله الزوج، أو زوج وكله الولي.
8. يصح تعيين الزوجة بالقرعة، إذا زوج رجل ابنته، فمات، ولم يدرِ أيتهن هي.
9. امرأة لها رأسان وصدران في حِقْوٍ واحد: حكمها أن تزَوَّج كما يتزوج النساء، ويتمتع الزوج بكل واحد من هذين الفرجين والوجهين.
10. إذا زوج الوليان المرأة لرجلين، فهي للأول منهما.
11. يُشرع الإقراع لتعيين الولي، إذا تساوى الأولياء في الدرجة، وتشاحَّوا في العقد.
12. لا تعتبر الكفاءة في دوام النكاح كما تعتبر في ابتدائه، فإذا زالت الكفاءة بعد النكاح، لم يكن للمرأة التخيير كما تُخَيَّر إذا بان الزوج غير كفء في بدايته. (ويثبت لأحكام الدوام ما لا يثبت لأحكام الابتداء في الشهادة، والولي، والعدة، و مانع الزنا من الزوجة، ومانع الإحرام، ورضا الزوجة غير المجبرة. فما يكون شرطًا لابتداء العقد، لا يصير شرطًا لاستدامته).
13. إنْ تزوجها على أن يحجَّ بها، صحت التسمية، ووجب الوفاء بها..
14. يجب المهر المسمى في النكاح الفاسد.
15. إذا رجع شهود الطلاق قبل الدخول عن شهادتهم، يلزم الزوج نصف المهر، ويرجع به على الشهود.
16. كل فُرقة جاءت من قِبَل الزوج قَبْل الدخول؛ لعيب المرأة، أو لفوات شرط شَرَطَه، فإنَّه يسقط بها مهرها كله.
17. يبطل عقد النكاح بالرغم من تسمية المهر، إن اشترطوا أن يكون بُضع كل من الزوجتين مهرًا للأخرى، أو تواطئوا على ذلك، أو نَووه، كأن يقول: "زوجتك ابنتي بمئة، على أن تزوجني ابنتك بمئة، ويكون بُضع كل منهما صداقًا للأخرى".
18. يصح إسقاط المرأة لبعض حقوقها، كالقسم والنفقة، والوطء، وليس لها المطالبة بعد الرضا.
19. يسقط حق المبيت (والوطء) بمضي الزمان.
20. إن تنازع الزوجان في تمكينها له من الوطء، فالقول قول الزوج.
21. يباح للرجل وطء زوجته المرضع (وهو ما يُعرف بالغِيْل). والنهي عنه هو إرشاد ومشورة، لا تحريم.
22. لو تنازع الزوجان في متاع البيت، حُكِمَ لكل منهما بما يصلح له وحده، دون اعتبار باليد الحسيَّة.
23. إذا قال لزوجته: أنتِ طالق ثلاثـًا، لا تُخاطبيني بشيءٍ إلا خاطبتُك بمثله. فقالت له في الحال: أنت طالق ثلاثـًا بتاتـًا، فإنَّه لا يلزمه إعادة كلامها، تخصيصًا للفظ العام بالنية.
24. إذا قالت لزوجها: طلقني. فقال: "إنَّ الله طلقك"، يقع الطلاق بالنية. (بمعنى: إن نوى الطلاق وقع، وإلا لم يقع).
25. إن قال لامرأته: أنت طالق،لا كلمتُك، وأعاده. إنْ قصد إفهامها بالثاني (أي بالإعادة)، لم يقع الطلاق، وإن قصد الابتداء- وقع، وإن قال: إن حلفتُ بطلاقك فأنتِ طالق، وأعاده، وقع الطلاق، إلا أن يقصد بالإعادة إفهامها.
26. إن ادعت المرأة الطلاق، فلا يكفي أن تقيم شاهدًا واحدًا، ولا مع يمينها، بل لابدَّ من يمين الرجل، أو نكوله. فيثبت الطلاق بشاهد، ونكول الزوج.
27. يجوز للمرأة الاعتماد على خط الزوج: أنه أبانها، فلها أن تتزوج بناء على الخط، وإنْ لم يشهد شاهدان.
28. يجوز الاعتماد على خطِّ المطلِّق لإثبات الطلاق، ويشهد الشاهدان أنه خطُّه بالمعرفة والشهرة، من غير اعتبار لمعاينتهما الكتابة.
29. إن قال الرجل: امرأتي طالق، وله امرأتان أو أكثر طلقت إحدى نسائه، لا جميعهن.
30. إن تذكَّر الرجل المطلَّقة المنسية، بعد أن أخرجت القرعة غيرها؛ فإنها تعود إليه من حين وقعت القرعة، إلا أن تكون قد تزوجت، أو كانت القرعة بحكم حاكم. ويقع الطلاق بالتي تذكَّرَها.
31. إذا أقرع لإخراج المطلقة المبهمة أو المنسية من بين نسائه، فإن وقوع الطلاق من حين الإيقاع، لا من حين الإقراع.
32. إنْ طلَّق إحدى زوجتيه دون تعيين، ثمَّ ماتت إحداهما- أقرع بينهما؛ لإخراج المطلقة. ولم يتعين الطلاق في الباقية.
33. يصح جعل الطلاق بيد أبيه، معلقًا إيَّاه على الزواج، فيقول: إنْ تزوجتُها فأمرُها بيدك. وليس للزوج الرجوع.
34. إذا وكَّل اثنين في الطلاق، فليس لأحدهما الانفراد بإيقاعه. وكذلك إذا وكَّلهما في الخُلع.
35. لا يكون التخيير بمجرده طلاقا، فمن خيَّر زوجته فاختارته، لم يكن ذلك طلاقـًا.
36. تخيير الرجل امرأته يُعَدُ توكيلا لها بالطلاق، وليس تمليكًا. ويقع بهذا التخيير طلقة رجعية إنْ اختارت نفسها.
37. من حلف: "إن لم يطأ امرأته في رمضان نهارًا فهي طالق"، فسافر بها ووطئها حلَّت يمينه.
38. لا يُشترط في الاستثناء النطق به، بل يصح الاستثناء في نفسه، ولا يقع معه الطلاق.
39. دخول الشرط على الشرط في الطلاق، كقوله: إنْ خرجتِ، إنْ لبستِ، فأنتِ طالق- يعني: طلاقًا معلقًا، وحقيقتُه شرط واحد، معلَّق على قيد واحد، بمعنى: إنْ خرجتِ لابسةً، فأنتِ طالق. والجواب يكون للشرط المقيد، ولا حاجة إلى جوابين.
40. إذا أمكن المكره التورية، فلم يورِ، فإنَّ طلاقه يقع.
41. حلف المضطهد بالطلاق لا يقع به طلاق.
42. إنْ تزوجت المرأة الرجل عالمةً بحاله، راضيةً بعسرته، وتَرَك الإنفاق عليها، فلا فسخ لها في ذلك.
43. إذا أسلم الرجل، أُمرتْ زوجتُه (المشركة) بالإسلام، فإنْ لم تُسْلم، فرق بينهما.
44. للزوج أن يأخذ من مختلعته أكثر مما أعطاها.
45. إذا كانت المعتدة حاملا بتوأمين، لم تنقض العدة حتى تضعهما جميعًا، ولا تنقضي بوضع الأول منهما. (فإن كانت رجعية، فله رجعتها قبل خروج الآخِر، وإن كانت متوفى عنها، لم تحل للأزواج إلا بتمام وضع الآخِر).
46. من بلغت، ولم تحض، تعتد بثلاثة أشهر.
47. يُكتفى في عدة المتوفى عنها زوجها بالتربص أربعة أشهر وعشرا، وإنْ لم تحض، إنْ كانت عادتها في الحيض أكثر من مدة العدة.
48. إن المتوفى عنها الحامل إذا زادت مدة حملها على أربعة أشهر وعشر، يجب أن يستمر إحدادها إلى حين الوضع.
49. تستوي في الإحداد جميع الزوجات المسلمة والكتابية، والحرة والأمة، والصغيرة والكبيرة.
50. لا إحداد على غير المتوفى عنها زوجها، كالمطلقة ثلاثًا، (والموطوءة بشبهة، والمزني بها، والمستبرأة).
51. تجب السكنى للمتوفى عنها إذا كانت حاملا من زوجها.
52. يتعين على المطلقة طلاقًا رجعيًا سكنى المنزل الذي طلقت فيه، فلا تخرج منه، ولا تُخرج، ولا تنتقل عنه.
53. يجوز للمُحْرِم بحج أو عمرة رجعة مطلقته في عدتها وهو على إحرامه.
54. لو نسي الرجل أنه طلق زوجته، وأقام على وطئها حتى تُوفى، فإنَّه تجري أحكام النكاح.
55. تبقى العدة إلى أن تغتسل المطلقة من حيضتها الثالثة، ومطلقها أحق برجعتها ما لم تغتسل. فالاغتسال من الحيض، ومن تمام العدة، شرط في عقد النكاح وفي الوطء.
والخلاصة: أن عدد الاختيارات في النكاح والطلاق، التي وافق ابن القيم فيها ابن تيمية سبع وخمسون ومئة اختيار.
وخالف ابن القيم شيخه في عشر مسائل فقط.
والباقي خمسة وخمسون اختيارًا. مسائل لم يتبين لي فيها قول ابن تيمية.
ومعنى هذا، أن ابن القيم لم يخالف شيخه ابن تيمية في مسائل الزواج والطلاق خاصة إلا قليلا، وأن ابن القيم درسَ مسائل وصلتنا، لا نجد شيخه درسها؛ فهو عالم أصيل، له فكره ومنهجه، وليس مجردَ صدىً لشيخه.

 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
عاش الإمام ابن قيم الجوزية في مرحلة فقهية عرفت بازدهار الفقه المذهبي، وانتشار الاجتهاد في إطار المذهب، لا في إطار الشريعة الواسع. وفيها اشتغل الفقهاء بتنظيم مذاهبهم، والتأليف فيها، وتصنيف الموسوعات الفقهية، ووضع المتون والشروح والحواشي وكتب الأصول. فانحصرت جهود الفقهاء في مذاهبهم. وقليل منهم جدًا الذي اهتم بالخلاف العالي. وهيأت لهم قدراتهم العلمية وملكاتهم الفقهية الاختيار في المسائل المختلف فيها بين المذاهب، والترجيح بين الأقوال المتعارضة والأدلة. ومن هذا القليل ابن القيم.
د.محمود النجيري


ملاحظة مهمة؛ ولذا فينبغي لمن يسوق كلام ابن القيم وغيره من أئمة الاجتهاد الذين وقع لهم ما هو من الكلام في التمذهب والوجه المذموم منه أن يراعي الحال والزمان اللذين وقع فيهما هذا الكلام.
وحينئذ يبدو بجلاء الفرق الكبير بين هذه الحال، وبين التفلُّت الواقع اليوم جرَّاء ركوب بعض الناس الصعب والذلول في مزاحمة أعلام الشريعة في مقاعدهم بالفتوى والبحث والاجتهاد من غير شرط ولا قيد
ولذا ينبغي مقابلة هؤلاء بنوع من الردع يزعهم عما هم فيه من التطاول على المقامات الفاضلة ومزاحمة أصحابها لعل أولئك يستيقظون من غفلتهم.
ويكون هذا موازيا لدعوى الأئمة بنبذ التقليد والتعصب.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
لفتة رائعة، بارك الله فيك يا أستاذنا د. محمود ، ونفع الله بك وبارك في جهودك وفي علمك

ومنهج ابن القيم في هذا الجانب- مثل شيخه ابن تيمية- محاولة الإتيان بجديد، ليس لمجرد أنه جديد، ولكن التجديد من منطلق منهجي علمي وديني شرعي، يجعل الفقه متجددًا بتجدد الحياة، وواضعًا للقانون الذي تسير عليه، لذلك لم يشغل كل منهما نفسه بوضع الحواشي، أو المختصرات، أو التعليقات والشروح؛ إلا شرح ابن تيمية لقطعة من "محصول" الفخر الرازي، وتهذيب ابن القيم لسنن أبي داود. وحتى في هذه الحالة كان كل منهما مختلفًا عن علماء عصره التقليديين.
لا يرى ابن القيم فائدة من تكرار ما ذكره السابقون، بل إن العالم يجب أن ينظر في النصوص والأدلة نظرًا موضوعيًا منطلقًا من أسر التقليد الأعمى والتقديس للمذاهب القائمة؛ رغبة في بيان الحق الذي فيه العلاج للمشكلات والتيسير على الأمة.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
وهذه فائدة أخرى تستحق أن تفرد بموضوع خاص:

خصائص فقه ابن القيم:
1. فقه غير مذهبي، لا يتعصب لمذهب، وإن نشأ صاحبه حنبليًا، محبًا لأحمد وأصحابه إلا أنه لا يتحرج من مخالفته متى بان له الحق في خلافه. فيدرس دراسة منهجية، قد يخالف فيها المذهب الحنبلي أو غيره من مذاهب الفقهاء المتقدمين والمتأخرين.
2. فقه مقارن، يدرس المذاهب الأربعة، ومذاهب الصحابة والتابعين.
3. فقه سلفي: فقه الكتاب والسنة، واتباع السلف الكرام. يقدم الأقرب فالأقرب إلى النبي؛ فيجعل الصحابة في القمة، ثم بعدهم تابعيهم، ثم تابعي التابعين، ثم الأئمة الأربعة ومن في رتبتهم، كإسحق بن راهويه، والأوزاعي، والليث بن سعد. ثم على قدمهم المنصفين من أتباعهم.
4. فقه حي مرن، لا جمود فيه، ولا ظاهرية، يعتبر النيات والمقاصد، ويسد الذرائع، ويعتمد اجتهاد الرأي إن غاب النص. ويعتبر القرائن وشواهد الحال، والعرف الصالح. ولا يُحّرِّم إلا بنص قطعي الثبوت والدلالة. ويتسع في حرية المعاملات وإطلاق الشروط العقدية؛ أخذًا بالبراءة الأصلية في الاستصحاب.
5. فقه حي واقعي، يربط بين النص والواقع، فيعرض واقع المشكلة، ويصورها في كثير من الأحيان؛ ثم يستنبط من النص ما يصلح مشكلات الحياة. فمما لديه من معرفة بمصالح الناس وحاجاتهم، وعلم بأصول الفقه ونصوص الشريعة- قرَّبَ الفقه من واقع الحياة ومصالح الناس؛ وعمل على تحقيق المعاني الشرعية التي شرعت لها الأحكام.
6. فقه مصلحي، يراعي المقاصد وعلل الأحكام التي اعتبرها الشرع، ويبحث في أسرار الشريعة. ويهدف إلى تحصيل المصالح وتتميمها، ودرء المفاسد وتقليلها، وتحقيق العدالة بين الناس.
7. العناية بعظام المسائل التي يحتاجها الناس، دون شواذها، وبعيد الوقوع، والتوسط في الفقه الافتراضي.
 

أم أبيّ

:: متابع ::
إنضم
25 مايو 2014
المشاركات
67
الجنس
أنثى
التخصص
استشارات اسرية
الدولة
ليبيا
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
مالكي
رد: (ملخص الرسالة)اختيارات ابن القيم الفقهية في النكاح والطلاق

أثابكم الله موضوع قيم
 
إنضم
14 يناير 2017
المشاركات
71
الكنية
أبو أسماء
التخصص
الحديث
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: (ملخص الرسالة)اختيارات ابن القيم الفقهية في النكاح والطلاق

بارك الله فيك نتمنى ان تجعله ملف وورد او بى دى اف و جزاك الله خيرا
 

ابنة الشريعة

:: متابع ::
إنضم
8 أغسطس 2015
المشاركات
26
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الكويت
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: (ملخص الرسالة)اختيارات ابن القيم الفقهية في النكاح والطلاق

بارك الله فيكم دكتور محمود وجعله في ميزان حسناتك
سجلت عدة مواضيع تصلح للبحث من إشاراتكم
 
أعلى