العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم
بين أخيكم أبوبكر وفضيلة الدكتور عامر بهجت
حول مسألة من مسائل الحج والعمرة
قريباً جداً إن شاء الله
 
إنضم
22 مارس 2008
المشاركات
392
الكنية
أبو صهيب
التخصص
الفقه
المدينة
طيبة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

رد: ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من وسائل التعلم والتعليم، وبناء الملكة الفقهية: المناظرة في مسائل الفقه، قال ابن عبد البر: (وأما الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر؛ لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك)، وقال: (وأما الفقه فلا يوصل إليه ولا ينال أبدا دون تناظر فيه وتفهم له).
وقد كانت المناظرات الفقهية شائعة عند الفقهاء، ومن تتبع تراجمهم وجد في هذا أخبارًا كثيرة تستحق أن تفرد في تصنيف مستقل، وقد شرعت في ذلك وأسأل الله التمام.
لكن الناظر في الواقع الفقهي اليوم يجد غيابًا لهذه الطريقة العلمية والجادة الفقهية.

وليس المقام مقام حديث عن فوائد المناظرة وثمراتها من بيان راجح الأقول من مرجوحها، والتوصل إلى أقربها موافقة للدليل، إلا أن المناظرة في أقل أحوالها: وسيلة من وسائل التعلم والتعليم، قال ابن هبيرة: الجدل الذي يقع بين أرباب المذاهب أوفق ما يحمل الأمر فيه: بأن يخرج مخرج الإعادة والدرس.

هذا، وقد جرى بيني وبين أخي الشيخ/ أبي بكر باجنيد –حفظه الله- مباحثة ونقاش فيمن جاوز الميقات قاصدًا جدة –ونحوها- لحاجة مقصودة بالسفر قصدًا أصليًا، وهو عازم على التوجه من جدة إلى مكة للعمرة بعد قضاء حاجته الأصلية، هل يعتبر "ممن أراد الحج والعمرة"؟ وهل يكون بذلك قد مر بالميقات (مريدا للنسك) على تعبير الفقهاء؟

وقبل الشروع أريد أن أنبه إلى تحرير محل النزاع:
- ليس من محل النزاع من كان قاصدا بالسفر أصالة: النسك، ومر بجدة تبعًا –مهما كانت مدة بقائه في جدة-.
- وليس من محل النزاع بيننا فيمن طرأت له إرادة النسك بعد وصوله جدة.
- وليس من محل النزاع بيننا في هذا البحث تحديدا من قصد مكة لغير النسك، فهي مسألة أخرى.
- وإنما محل النزاع ما سبق: وهو من اجتمعت فيه القيود الآتية:
1. قصده الأصلي من السفر هو حاجة غير النسك، فالذي دفعه للسفر هو تلك الحاجة، وليس النسك، وللتقريب: لو علم أنه يمنع من دخول مكة ما أثّر ذلك على إقدامه على السفر.
2. قصده بالسفر بلد دون المواقيت غير مكة.
3. عازم عزمًا أكيدًا على الإتيان بالنسك بعد انتهاء غرضه ومقصوده من السفر.


وبعد هذا فإني أتوجه بسؤالي إلى الشيخ أبي بكر: ما مذهبك في شمول الحديث للصورة المذكورة؟ وما مراد الفقهاء بمن مر بالميقات مريدا النسك من حيث شموله للصورة المذكورة؟ وما دليلك على ما ذهبت إليه؟
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

رد: ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

بارك الله بكما، ونفع بعلمكما ..
وشكر الله لكما إحياء أجواء المناظرات العلمية الهادئة؛ في ودٍّ وإخاءٍ ومحبة، والنزول إلى معترك الأقلام، وشحذ الفكر والأحلام!
مع استشراف لتحصيل الفائدة باتِّقاد الذهن وتحفيزه على النظر في مواطن الخفاء ...
والشيخان لهما عناية بالفقه عموماً والفقه الحنبلي خصوصاً؛ مع مراعاة الأصول، والالتفات إلى القواعد، وعدم إغفال الضوابط.
وظني أن هذه المناظرة بادرة طيبة بين أخوين متحابين ستثمر ولا بد ثماراً طيبة؛ سواءً على النظر القريب أو المدى البعيد.
وبداية موفقة في تحرير النزاع؛ مما يحصر الإشكال، ويقلّص التداخل.
وفقكم الله، وأمتعكم الله بالعافية والصحة واليقين ...

تلمس:
وحبذا ألا تعجلا على القراء، وتتمهلا شيئاً فشيئاً؛ لتسهل المتابعة، وتحسن الفائدة.
ولو كان لكل واحدٍ في اليوم مداخلة صاغها بعناية، وأعاد فيها النظر وجوّده؛ لربما كانت أنسب في رأيي.
والله يوفقكما لكل خير.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

رد: ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه. أما بعد:
فإن مما يفرَح به ويحرَص عليه: مذاكرة الإخوان..

إنّ الذي أعتقده في هذا الباب:​
أن من مر بأحد المواقيت وهو يقصد جدة -مثلاً- لحضور مؤتمر علمي، وقد قصد العمرة حينئذ، ولو كان سيؤديها بعد الفراغ من أعمال المؤتمر..​
أن هذا -عند كثير من الفقهاء- مريد للنسك، ويلزمه الإحرام من الميقات عندهم.

أقول هذا بغض النظر عما أرجحه أو أقول به، وإنما عُقِدَت المناظرة لندرس هذه الجزئية، فنفهم كلام الفقهاء ونعرف مرادهم مما قالوا.

بينما يرى الشيخ عامر -وفقه الله- أن هذا لا يسمى مريداً للنسك عند أحد منهم.. فهل هذا صحيح أولاً؟ (ثم أتم الجواب عما سألتم إن شاء الله تعالى)​
 
التعديل الأخير:
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

رد: ترقبوا.. مناظرة على ملتقاكم حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

شكر الله الشيخين الفاضلين ولعلي أجد في طرحهما ما يجيب على ما استشكلته
في هذا الرابط :
https://feqhweb.com/vb/threads/.14620
 
إنضم
22 مارس 2008
المشاركات
392
الكنية
أبو صهيب
التخصص
الفقه
المدينة
طيبة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

حضور المؤتمر أحد الأمثلة الصحيحة مع استصحاب كونه هو القصد الأصلي بالسفر الذي أنشأه، وفعل العمرة يحصل عقبه ولم يكن سفره لأجل العمرة أصالة
كما سبق بيانه في تحرير محل النزاع
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

حضور المؤتمر أحد الأمثلة الصحيحة مع استصحاب كونه هو القصد الأصلي بالسفر الذي أنشأه، وفعل العمرة يحصل عقبه ولم يكن سفره لأجل العمرة أصالة
كما سبق بيانه في تحرير محل النزاع
جزاكم الله خيراً.. فصاحبنا هذا -عندكم- لا يسمى مريداً للنسك عند أحد من الفقهاء بزعمكم.

استبصار: كنتم قد اعترضتم على الاحتراز بكون القصد تابعاً أو أصلياً في الحوار خارج الملتقى، وقلتم بأنه لا حاجة إليه.. وأراه هنا يتكرر ذكره كثيراً..
فهل هذا رجوع عن الكلام الأول؟
 
إنضم
22 مارس 2008
المشاركات
392
الكنية
أبو صهيب
التخصص
الفقه
المدينة
طيبة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

جزاكم الله خيراً.. فصاحبنا هذا -عندكم- لا يسمى مريداً للنسك عند أحد من الفقهاء بزعمكم.

استبصار: كنتم قد اعترضتم على الاحتراز بكون القصد تابعاً أو أصلياً في الحوار خارج الملتقى، وقلتم بأنه لا حاجة إليه.. وأراه هنا يتكرر ذكره كثيراً..
فهل هذا رجوع عن الكلام الأول؟

لم أقل قط إنه لايسمى كذلك عند أحد من الفقهاء، فيكفيني أنه يسمى كذلك عندك ليبطل هذا النفي، ويكفيني أن جماعة من فقهاء العصر يفتون به، ولذا عدلت عن هذا النفي بإرجاعك إلى ما سبق تقريره في محل النزاع حتى لا نخرج عن جادة المناظرة
وإنما البحث في كونه المراد عند من أطلق، وكون العبارة تقتضيه عند الإطلاق، وكونه مذهب الأكثر، وكونه مرادًا بالحديث ((ممن أراد الحج والعمرة)) غير خارج عنه، وليس محل البحث هل قال به أحد أو لا؟

وإذا كنت تستصحب مناظرتنا خارج الملتقى هنا، فاسمح لي أن أبدأ بنقلها ليطّلع عليها القارئ وتحصل الفائدة، أو فلنشرع في المناظرة دون إحالة إلى ما سبق، مع أنني أراك فهمتني خطأ، لكن ليس مقامي الآن مقام شرح كلامي في المناظرة التي هي مجهولة للقارئ..

وافر الشكر وجزيله
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

لسنا بصدد النظر في آراء المعاصرين.. وسأبين أن عدداً من الفقهاء قد قرروا أن المار بالميقات مريداً موضعاً دون المواقيت, وهو يريد النسك بعدئذ أنه يحرم من الميقات وجوباً.. بغض النظر عما أرجحه..

فأقول مستعيناً بالله تعالى:
قد قال الشيرازي في "المهذب": ومن جاوز الميقات قاصداً إلى موضع قبل مكة ثم أراد النسك أحرم من موضعه، كما إذا دخل مكة لحاجة ثم أراد الإحرام كان ميقاته من مكة".
قلت: هذه العبارة هل يدخل فيها ما إذا خطر بباله عند مروره بالميقات وهو يريد جدة أنه معتمر بعدها؟ هذا محل النزاع..

وقال غيره: "وَمن جَاوز ميقاتاً غير مُرِيد نسكاً ثمَّ أَرَادَهُ فميقاته مَوْضِعه، وَمن وصل إِلَيْهِ مرِيداً نسكاً لم يجز مجاوزته بِغَيْر إِحْرَام بِالْإِجْمَاع".
قلت: هذا مشعر بما قررته، وإن لم يكن نصاً فيه.. والكلام في الإرادة يشبه ما جاء في الحديث: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ»، وحديث: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئاً حتى يضحي»، ومعلومٌ أن الإرادة لا يلزم أن تقارن العمل.

* قال الحافظ ابن حجر: "ويؤخذ منه –يعني حديث تأقيت المواقيت- أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات، ثم بدا له بعد ذلك النسك، أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات".
قلت: مفهومه أن من لم يبدُ له النسك بعد المجاوزة، وقد بدا له قبلُ أن يحرم من الميقات.

* وقال النووي وغيره: "إذا مر الآفاقي بالميقات غير مريد نسكاً فإن لم يكن قاصداً نحو الحرم ثم عنَّ له قصد النسك بعد مجاوزة الميقات؛ فميقاته حيث عنّ له هذا القصد"..
قلت: ولفظة "عنَّ له" تعني أنه أمر قد عرض، ولم يكن له في السابق وجود، ولم يخطر بباله قبلُ.

* في "تحفة المحتاج": "(وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا) لِلنُّسُكِ وَلَوْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ مَثَلًا، وَإِنْ أَرَادَ إقَامَةً طَوِيلَةً بِبَلَدٍ قَبْلَ مَكَّةَ (لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ غَيْرَ نَاوٍ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِهِ (بِغَيْرِ إحْرَامٍ)"
قال الشرواني: "وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ مَا نَصُّهُ: سُئِلَ عَمَّنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِبَنْدَرِ جِدَّةَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَهَلْ تُبَاحُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ لِتَخَلُّلِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِجُدَّةِ أَمْ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ؟
فَأَجَابَ مَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ شَهْرًا مَثَلًا لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ اهـ
قَالَ ابْنُ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَنْدَرُ فِي جِهَةِ الْحَرَمِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مَنْ مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَاصِدًا الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرِ الصَّفْرَاءِ أَوْ بَدْرٍ أَنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. انْتَهَتْ. قَالَ بَاعَشَنٍ عَنْ السَّيِّدِ أَحْمَدَ جَمَلِ اللَّيْلِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ فِي ذَلِكَ: نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي مَحَلِّ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ يَجِبُ كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ، وَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ يَجُوزُ إنْشَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَقَامَ بِهِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ اهـ
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْجَمَّالِ الْمُوَافِقَ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيهِ حَرَجٌ شَدِيدٌ لَا سِيَّمَا فِيمَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي نَحْوِ الصَّفْرَاءِ نَحْوَ سَنَةٍ".

* وفي حاشية الجمل على شرح المنهج: "وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ إلَخْ.. مُرَادُهُ بِالْإِقَامَةِ الِاسْتِيطَانُ، أَيْ إلَّا إنْ قَصَدَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْطِنَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ، فَيَكُونُ قَدْ غَيَّرَ نِيَّتَهُ، حَيْثُ كَانَ أَوَّلًا عَازِمًا عَلَى النُّسُكِ فَتَرَكَ هَذَا الْعَزْمَ وَنَوَى الِاسْتِيطَانَ بِجُدَّةِ مَثَلًا، فَهَذِهِ النِّيَّةُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمِيقَاتِ تَقْطَعُ إرَادَةَ النُّسُكِ. تَأَمَّلْ".
قلت: وإذا كانوا يتكلمون عن سقوط وجوب الإحرام من الميقات بالإقامة الطويلة في جدة؛ فيلزم من ذلك أنهم يعتبرون المار بالميقات ليجيء لهذا الموضع مريداً للنسك.
 
التعديل الأخير:
إنضم
22 مارس 2008
المشاركات
392
الكنية
أبو صهيب
التخصص
الفقه
المدينة
طيبة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

أن المار بالميقات مريداً موضعاً دون المواقيت ويريد النسك بعدئذ أنه يحرم من الميقات وجوباً

هذا أعم من محل النزاع، فالذي يريد النسك بعدئذٍ لا يخلو من ثلاث صور:
الأولى: أن يكون مريدًا النسك بسفره الذي أنشأه مارًا فيه من الميقات بمعنى أنه سافر لأجل النسك.
الثانية أن يكون مريدًا النسك بعد فراغه من مقصوده بالسفر الذي سافر من أجله، ولم ينشئ سفره لأجل النسك، فوجهته في السفر هي جدة، ومقصده من السفر هو جدة، وهذا هو محل النزاع لا غير.
الثالثة: أن يكون أنشأ السفر لأجل مجموع الأمرين، فالذي بعثه للسفر هو مجموعهما لا أحدهما.

وللتقريب وتسهيل تصور ذلك فحسب، فنظير ذلك سفر المعصية، فالذي يسافر وهو يريد المعصية في سفره له ثلاث صور:
الأولى: أن يكون سافر لأجل المعصية، وهذا الذي يسميه الفقهاء سفر المعصية.
الثانية: أن يكون سافر لغرض مباح، مع عزمه على ارتكاب معصية في أثناء سفره ليست مقصوده بالسفر، وهذا ليس بسفر معصية.
الثالثة: أن يكون سافر لمجموع أمرين أحدهما المعصية، فهل يغلّب ما هو أكثر مقصوده بالسفر أو يغلّب جانب الحظر؟
قال في الإقناع مع شرحه: (ويقصر) الرباعية ويفطر برمضان (من) أي مسافر (المباح أكثر قصده) بالسفر (كمن قصد) بسفره (معصية ومباحا) وقصده للمباح أكثر، كالتاجر الذي يقصد أن يشرب من خمر البلد الذي يتجر إليه (أو) سافر سفر معصية و (تاب في أثنائه وقد بقي مسافة قصر) فيقصر فيها؛ لأنها سفر مباح كما لو لم يتقدمها معصية بخلاف ما لو كان الباقي دونها و (لا) يقصر (إذا استويا) أي المحرم والمباح، أي تساوى قصداهما (أو كان الحظر أكثر) قصدا فلا يقصر ولا يفطر، تغليبا لجانب الحظر. انتهى.

وقال الجويني في نهاية المطلب: (والأسفار على أربعة أضرب: واجب، ومحظور، وطاعة، ومباح.
فأما الواجب: فهو سفر الحج والعمرة الواجبين، والجهاد في سبيل الله، إذا تعين عليه، والهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام، فهذا يجوز الترخص فيه برخص السفر، بلا خلاف بين أهل العلم.
وأما السفر المحظور: فهو أن يسافر لقطع الطريق، أو لقتل نفس بغير حق، أو ليزني بامرأة، وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز الترخص فيه بشيء من رخص السفر عندنا.
وأما سفر الطاعة: فهو السفر لزيارة الوالدين، والسفر لحج التطوع، وما أشبهه.
وأما المباح: فهو أن يسافر لنزهة، أو تجارة، فحكم هذين الضربين عندنا حكم السفر الواجب في جواز الترخص بهما، وبه قال أكثر أهل العلم).

فإن عسُر الربط بينهما، فليُعلم أن من جاوز الميقات قاصدًا (ثول) لقتل شخصٍ فيها، وعزم على الإقامة فيها ثلاثة أيام لترتيب جريمة القتل، وكانت ثول هي غرضه الأساس من سفر معصية الذي ينتهي فيها، ثم أنشأ منها سفرًا إلى مكة مقصده به النسك والتوبة مما اقترفه (علمًا أن هذا السفر مرتبٌ مسبقًا) فهو في طريقه من ثول إلى مكة في سفر طاعة، وفي طريقه من بلده إلى ثول في سفر معصية، ولكلٍ منهما حكمه، وإنما مثّلت بثول ولم أمثل بجدة لئلا يُشكل قِصر المسافة بين جدة ومكة مع أنه لا أثر له في مسألتنا الأصلية.

وهذا النظر هنا –أعني إعمال التفريق بين مقصوده الأصلي من السفر ومايحصل في سفره أو عقبه تبعًا- ليس بدعًا من الرأي، فقد جاء في حاشية ابن عابدين في سياق بحث طويل أورد الشاهد منه:
(وكذا قوله في اللباب: ومن جاوز وقته يقصد مكانا من الحل ثم بدا له أن يدخل مكة فله أن يدخلها بغير إحرام فقوله ثم بدا له أي ظهر وحدث له يقتضي أنه لو أراد دخول مكة عند المجاوزة يلزمه الإحرام وإن أراد دخول البستان لأن دخول مكة لم يبد له بل هو مقصوده الأصلي، وقد أشار في البحر إلى هذا الإشكال وأشار إلى جوابه بما تقدم عنه من أنه لا بد أن يكون قصد البستان من حين خروجه من بيته: أي بأن يكون سفره المقصود لأجل البستان لا لأجل دخوله مكة كما قدمناه. وأجاب أيضا في شرح اللباب بقوله والوجه في الجملة أن يقصد البستان قصدا أوليا، ولا يضره دخول الحرم بعده قصدا ضمنيا أو عارضيا، كما إذا قصد هندي جدة لبيع وشراء أولا ويكون في خاطره أنه إذا فرغ منه أن يدخل مكة ثانيا، بخلاف من جاء من الهند بقصد الحج أولا ويقصد دخول جدة تبعا ولو قصد بيعا وشراء. اهـ.
وهو قريب من جواب البحر لأن حاصله أن يكون المقصود من سفره البيع والشراء في الحل ويكون دخول مكة تبعا)، وقبله وبعده كلام في ذات السياق لعله يأتي البحث في المراد به، وهل هو وارد على محل واحد أو لا؟ لأني الآن في مقام المعترض لا المستدل فلا داعٍ للتطويل بما ليس في سياق الاعتراض .
ولست أقصد بهذا فرعًا حنفيًا ليُدّعى أنه مذهب لهم وحدهم، وإنما هو إعمال للنظر وتعامل فقهي مع المسألة، وإلا فمحل الكلام فيها أصلًا في دخول مكة بلا إحرام فلينتبه.

والآن بعد هذا التقرير أنتقل إلى فهمك لما نقلته عن بعض الفقهاء، وسأبدأ بنقلك عن الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج:

* في "تحفة المحتاج": "(وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا) لِلنُّسُكِ وَلَوْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ مَثَلًا، وَإِنْ أَرَادَ إقَامَةً طَوِيلَةً بِبَلَدٍ قَبْلَ مَكَّةَ (لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ غَيْرَ نَاوٍ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِهِ (بِغَيْرِ إحْرَامٍ)"
قال الشرواني: "وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ مَا نَصُّهُ سُئِلَ عَمَّنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِبَنْدَرِ جِدَّةَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَهَلْ تُبَاحُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ لِتَخَلُّلِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِجُدَّةِ أَمْ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ فَأَجَابَ مَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ شَهْرًا مَثَلًا لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ اهـ قَالَ ابْنُ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَنْدَرُ فِي جِهَةِ الْحَرَمِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مَنْ مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَاصِدًا الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرِ الصَّفْرَاءِ أَوْ بَدْرٍ أَنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَتْ قَالَ بَاعَشَنٍ عَنْ السَّيِّدِ أَحْمَدَ جَمَلِ اللَّيْلِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ فِي ذَلِكَ نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي مَحَلِّ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ يَجِبُ كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ يَجُوزُ إنْشَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَقَامَ بِهِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْجَمَّالِ الْمُوَافِقَ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيهِ حَرَجٌ شَدِيدٌ لَا سِيَّمَا فِيمَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي نَحْوِ الصَّفْرَاءِ نَحْوَ سَنَةٍ".

أولًا: لم يذكر الشيخ من كلام الشرواني أوله، وأهمه، وأدلّه على محل النزاع، وما يبين أن الشرواني الشافعي لم يفهم كلام أئمة الشافعية الذي نقله الشيخ أبو بكر على النحو الذي فهمه به الشيخ أبو بكر، فإلى ما لم يذكره الشيخ أبو بكر من كلام الشرواني:

(قوله: وإن أراد إقامة طويلة إلخ) لعل محله فيمن أنشأ السفر بقصد مكة أو الحرم وإلا فهو مشكل لاقتضائه وجوب الإحرام على من مر بذي الحليفة للنسك مع إنشاء السفر إلى غير جهة الحرم كجدة والطائف، وهو بعيد جدا وحرج تأباه محاسن الشريعة)
ثم نقل فتوى للرملي: (ثم رأيت في فتاوى الشهاب الرملي ما نصه سئل الشهاب الرملي عمن قصد النسك في العام القابل ودخل مكة بهذا القصد فهل يجب عليه أن يحرم بنسك للدخول أو لا فأجاب بأن الداخل إلى مكة بالقصد المذكور يستحب له أن يحرم بنسك على الأصح ويجب على مقابله انتهى هكذا رأيته أطلق النسك المقصود في القابل ولم يقيده بالحج)


يعني أن رأي الشرواني باختصار في فهم الشيخ أبي بكر باجنيد أنه (بعيدٌ جدًا).

ثانيًا: كلام الشرواني الذي أسقطه الشيخ فيه تقوية ما ذكرناه من أن المراد بمريد النسك (من أنشأ السفر بقصد مكة أو الحرم).

ثالثًا: فتوى الرملي التي نقلها الشرواني توضح أن الرملي لا يفهم من كلامهم فيمن جاوز الميقات مريدًا النسك شموله لصورة من في نيته النسك بعد عام من دخوله مكة؛ ولعل ذلك لأنه يبعد أن يكون قصده الوحيد من دخول مكة هو النسك ثم يمكث فيها عامًا لا يأتي بالنسك، فدل فعله أن قصده بالدخول ليس النسك فحسب، على أن هذه الصورة ليست هي محل بحثنا إلا أنها أولى منه بالحكم فعدم إدخالها في كلامهم حسب فهم الرملي يدل على أن مسألتنا من باب أولى، وأن فهم الرملي لكلام أئمة الشافعية مغاير لفهم الشيخ أبي بكر باجنيد.

رابعًا: كلام الرملي في الفتوى التي نقلها الشيخ أبو بكر باجنيد من كلام الشرواني: إما أن نفسّره بتفسير يجعله متناقضًا أو بتفسير لا يجعله كذلك، فإلى التفسيرين، وليختر الشيخ أبو بكر ما يشاء منهما، أو ليضف لهما ثالثًا.
التفسير الأول:
مَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ شَهْرًا مَثَلًا لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ.
فنفسر قوله: (مَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ شَهْرًا مَثَلًا لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ) بأنه يوجب الإحرام في مسألتنا.
ونفسر قوله: (إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ) بأنه لايوجب الإحرام في مسألتنا!!
فنجعل النفي والإثبات واردين على محل واحد، وهو التناقض بذاته ولحمه وشحمه ودمه وروحه وجسمه.

التفسير الثاني:
أن نفسر قوله: (مَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ شَهْرًا مَثَلًا لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ) على مريد النسك= قاصد النسك= أنشأ السفر لأجل النسك، وقوله: (وإن قصد الإقامة ببندر بعد الميقات) أي على سبيل التبعية لا أنه قصد البندر قصدًا أوليًا.
وأما قوله: (إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ) فمحمول على القصد الأصلي بالسفر.
ويؤيده ما نقله الشيخ أبي بكر عن الجمل في تفسير عبارة الرملي:

وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ إلَخْ.. مُرَادُهُ بِالْإِقَامَةِ الِاسْتِيطَانُ، أَيْ إلَّا إنْ قَصَدَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْطِنَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ قَدْ غَيَّرَ نِيَّتَهُ حَيْثُ كَانَ أَوَّلًا عَازِمًا عَلَى النُّسُكِ فَتَرَكَ هَذَا الْعَزْمَ وَنَوَى الِاسْتِيطَانَ بِجُدَّةِ مَثَلًا، فَهَذِهِ النِّيَّةُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمِيقَاتِ تَقْطَعُ إرَادَةَ النُّسُكِ. تَأَمَّلْ

تأملت فإذا الذي يعزم على الاستيطان في جدة لا يترك مطلق إرادة النسك أبدًا إلا في صورة رجلٍ محرومٍ من الخير راغبٍ عنه، وهي صورة نادرة، وليست هي المرادة بدليل قوله: (قبل الإحرام) فلو كان يتحدث عمن ترك الإرادة مطلقًا لما ذكر القبلية أصلًا. تأمل.
فهل فهم أساطين الشافعية من النقول التي نقلها الشيخ أبوبكر ما فهمه هو!
وللشيخ أبي بكر أن ينازع في كلا الفهمين، ويسقط التمسك بكلام الرملي الثاني –دون الأول- جملة وتفصيلا.
وأما ما نقله عن ابن الجمال فهو استشكال قد تبين الجواب عنه، ولم يجزم بخلاف ما قلته، وإنما استشكل، والحمد لله على اندفاع الإشكال.
وأما ما نقله عن جمل الليل في كون الرملي خالف الجمهور، فقد تبين أيضًا أن لا مخالفة على النحو الذي ذُكِر، ثم لو تكرمت علي بترجمة السيد أحمد جمل الليل المذكور المدّعي مخالفة الرملي للجمهور، فإني قد بحثت عن ترجمته فلم أجد له ترجمة، ولم أجد النقل عنه في كتب الشافعية في غير هذا الموطن إلا أن يكون له اسم آخر، ومثل هذه الدعوى (دعوى مخالفة الرملي للجمهور) لا تقبل إلا بإثبات أقوال الجمهور –غير ما تبيّن سابقًا- أو بنقل عن عالم محقق في المذهب كالرملي.

وبعد هذا أعود إلى النقول التي نقلها الشيخ، وفهم منها ما لم يفهمه الرملي

فأقول مستعيناً بالله تعالى:
قد قال الشيرازي في "المهذب": ومن جاوز الميقات قاصداً إلى موضع قبل مكة ثم أراد النسك أحرم من موضعه، كما إذا دخل مكة لحاجة ثم أراد الإحرام كان ميقاته من مكة".
قلت: هذه العبارة هل يدخل فيها ما إذا خطر بباله عند مروره بالميقات وهو يريد جدة أنه معتمر بعدها؟ هذا محل النزاع..

جميل

وقال غيره: "وَمن جَاوز ميقاتاً غير مُرِيد نسكاً ثمَّ أَرَادَهُ فميقاته مَوْضِعه، وَمن وصل إِلَيْهِ مرِيداً نسكاً لم يجز مجاوزته بِغَيْر إِحْرَام بِالْإِجْمَاع".
قلت: هذا مشعر بما قررته، وإن لم يكن نصاً فيه.. والكلام في الإرادة يشبه ما جاء في الحديث: «مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ»، وحديث: «إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئاً حتى يضحي»، ومعلومٌ أن الإرادة لا يلزم أن تقارن العمل.

قول الشربيني: (ومن وصل إليه مريدًا نسكًا لم يجز له مجاوزته بالإجماع)؟
إما أن نفهم العبارة كما فهمها الشيخ أبوبكر فتكون خطأ، لأنها حكاية إجماع في موطن مختلف فيه، ودليل الخلاف فيه كلام شهاب الدين الرملي (شيخ الشربيني)، وتصريح جماعة من الحنفية المتقدمين الذي سبقت الإشارة إليه.
وإما أن نفهم العبارة على أن المراد بها من وصل إلى الميقات وقصده بذلك الوصول إرادة النسك، ويكون ثم مناسبة بين الوصول والإرادة، ويكون الكلام صوابًا.

فاختر حمله على الخطأ أو على الصواب.
ثم إن (مريدا) هنا حال وصل، فإذا سألت: كيف وصل زيد؟ قيل: وصل مريدًا، والسؤال هنا عن الكيفية التي عقد عليها عزمه.
فإذا قابلت أربعة أشخاص من أهل بلد ما على الطريق إلى جدة عند الميقات، فسألتهم: ما أوصلكم إلى هذا المكان؟
فقال الأول: وصلت إليه مريدًا العمرة.
وقال الثاني: وصلت إليه مريدًا حضور عرس أخي في جدة.
وقال الثالث: وصلت إليه مريدًا الاستيطان في جدة إلى الممات، فقلت له: هل حججت من قبل؟ فقال: لا، قلت هل تريد أن تحج قبل أن تموت؟ فأجابك: أترى في وسطي زنارًا!
وقال الرابع: وصلت إليه مريدًا رحلة استكشافية لصحراء الربع الخالي، وسآتي للحج لأحج في العام القادم بعد عودتي إلى بلدي.
هل الصور الأربع محل الإجماع الذي نقله الشربيني؟
والجواب: لا، ولا يتحقق إلا في الصورة الأولى، وهي المتبادرة إلى الذهن، وكما أخرجنا الصورة الرابعة من اعتباره (مريدا النسك) لكون لم يرد النسك في سفره هذا، فكذلك محل النزاع لم يرد النسك بسفره هذا [الباء هنا للتعليل، أي ليس النسك هو علة السفر، وإن حصل فيه على سبيل التبعية أو عقبه].
ومعلوم أن قول القائل: (مريدًا حضور عرس أخي) لن يفهم منه أنه لايريد أكلا ولا شربا ولاصلاة ولاحركة في سفره غير ما ذكره، لكن مراده بالسفر هو ما ذُكِر،وكذلك (مريد النسك).

* قال الحافظ ابن حجر: "ويؤخذ منه –يعني حديث تأقيت المواقيت- أن من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات، ثم بدا له بعد ذلك النسك، أنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات".
قلت: مفهومه أن من لم يبدُ له النسك بعد المجاوزة، وقد بدا له قبلُ أن يحرم من الميقات.
وهو كذلك: ولهذا نوجب على من توجه إلى جدة (قاصدًا المؤتمر) ثم توجه من جدة إلى مكة قاصدًا النسك أن يحرم من جدة من حيث بدا له بعد ذلك النسك.
لكن ما معنى (ثم بدا له؟)
وحتى تتضح عبارة ابن حجر لا بد من اعتبار سياقها
ومثالها:
شخص ذاهب إلى جدة لقصد المؤتمر ووجهته الآن جدة [بينا سابقًا أن هذا لا يسمى قاصدا النسك]، وتجاوز الميقات دون إحرام، ثم رأى أنه قد بكّر في الحضور، فبدا له قبل أو بعد وصول جدة أن يقصد مكة أو يقصد النسك. فمن حيث وُجد عنده هذا القصد لزمه الإحرام.
فإن أبينا اعتبار كلمة القصد الواردة قبل (بدا) وبعد (بدا) فلنقل إن المثال الآتي داخلٌ في كلام ابن حجر:
شخص متجه إلى جدة لزيارة امرأة عقدَ عليها ولمّا يدخل بها، سيمكث في جدة يومين لزيارتها ثم يعود إلى الشام، وهو في الطريق وفي أثناء تفكيره وذكرياته، بدا له أنه فور دخوله بها سيذهب معها إلى مكة للعمرة.
فنقول على كلام ابن حجر: يلزمه الإحرام في اللحظة التي بدا له فيها النسك!
أجزم أن الشيخ سيخرج هذه الصورة من كلام ابن حجر لأنه لم يبد له النسك في سفره هذا، وكذلك محل النزاع لم يبد له النسك بسفره هذا إلى جدة، وإنما بدا له أنه عقب انتهائه من حاجته في جدة التي أنشأ السفر لها (وسافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات) ...
ويُستأنس هنا بما نقلته سابقا عن بعض الحنفية من قوله: (فقوله ثم بدا له أي ظهر وحدث له يقتضي أنه لو أراد دخول مكة عند المجاوزة يلزمه الإحرام وإن أراد دخول البستان لأن دخول مكة لم يبد له بل هو مقصوده الأصلي) فانظر نفى كونه (بدا له) في الصورة المذكورة معللا ذلك بكونها (مقصوده الأصلي) فإذا أردت إعمال مفهوم المخالفة لكلمة (الأصلي) في كلامه فافعل، وربما يساعد هذا في اتضاح كلام ابن حجر، ومدى شموله لمحل النزاع

* وقال النووي وغيره: "إذا مر الآفاقي بالميقات غير مريد نسكاً فإن لم يكن قاصداً نحو الحرم ثم عنَّ له قصد النسك بعد مجاوزة الميقات؛ فميقاته حيث عنّ له هذا القصد"..
قلت: ولفظة "عنَّ له" تعني أنه أمر قد عرض، ولم يكن له في السابق وجود، ولم يخطر بباله قبلُ.

عبارة النووي كعبارة ابن حجر مع تصريح النووي بلفظ القصد.

وبهذا يتضح أنه لامستمسك لكم شيخنا أبا بكر في كل العبارات التي نقلتموها، والله يحفظكم ويرعاكم.

محبكم المقتبس من علومكم وإفاداتكم
عامر بهجت
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

الشيخان الفاضلان
جزاكما الله خيرا على هذه المناظرة الرائعة والتي تعلمنا الكثير في أدب المناظرات والمناقشات العلمية إضافة إلى طرق تخريج المسائل وتحريرها
ولكن هل لنا أن نعرف من منكما الذي يرى وجوب الإحرام بالميقات ومن الذي لا يراه؟
حتى نكمل المناظرة ونحن على علم بالجهة التي يريد كل منكما الوصول إليها

 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

أبوبكر: يرى اللزوم؛ خلافاً لعامر.
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

في الكافي لابن عبد البر ما نصه :
ومن جاوز الميقات لحاجة له دون مكة
ولا يريد دخول مكة ولا يذكر حجا ولا عمرة ثم بدا له وعزم على الإحرام بحج أو عمرة أحرم من مكانه ولا رجوع عليه قريبا كان أو بعيدا ولا شيء عليه .. انتهى
كأن هذين القيدين معتبران في حكم المسألة عند ابن عبدالبر ..

إن كان في مشاركة الأعضاء ما يؤثر على المناظرة فأرجو الإخبار بذلك حتى نكف ..
 
إنضم
12 يناير 2010
المشاركات
863
الجنس
ذكر
الكنية
أبو مُـعـاذ
التخصص
فقه
الدولة
السعودية
المدينة
خميس مشيط
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

وفي الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي ما نصه :
وَسُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عن مَكِّيٍّ خَرَجَ لِزِيَارَةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَزَارَ ثُمَّ وَصَلَ ذَا الْحُلَيْفَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ منها لِأَنَّ من الْغَالِبِ أَنَّ الْمَكِّيَّ الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ فَكَانَ كَقَاصِدِ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ أو لَا يَلْزَمُهُ ذلك ؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ في ذلك تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ منه لِأَنَّهُ الذي دَلَّ عليه كَلَامُ النَّوَوِيِّ في مَجْمُوعِهِ في مَوَاضِعَ حَيْثُ قال إذَا حَجَّ وَاعْتَمَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ كَزِيَارَةِ أو رِسَالَةٍ أو كان مَكِّيًّا سَافَرَ فَأَرَادَ دُخُولَهَا عَائِدًا من سَفَرٍ وَنَحْوِ ذلك لم يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَكَذَا لو أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ دُونَ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ كما صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ انتهى مُلَخَّصًا وقال أَيْضًا لو جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مَرِيدًا حَجَّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَأَحْرَمَ منها فيها فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ أو حَجَّ الْأُولَى فَحَجَّ الثَّانِيَةَ فَلَا دَمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ إذَا حَجَّ من عَامِهِ انتهـى .
وقال أَيْضًا وَلَوْ مَرَّ مُسْلِمٌ بِالْمِيقَاتِ مَرِيدًا لِلْحَجِّ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ كَالْكَافِرِ انتهـى . وَالْمُرَجَّحُ في الْكَافِرِ لُزُومُ الدَّمِ فَيُسْتَفَادُ منه أَنَّ الْأَرْجَحَ من الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ في الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ لُزُومُ الدَّمِ وَالْمُسَاوَاةِ في الْخِلَافِ وَإِنْ لم يَلْزَمْ منها الِاتِّحَادُ في التَّرْجِيحِ لَكِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فيه إذَا تَقَرَّرَ ذلك فَيُسْتَفَادُ منه أَنَّ من مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مَرِيدًا نُسُكًا وَلَوْ في سَنَةٍ آتِيَةٌ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِنُسُكٍ من الْمِيقَاتِ إمَّا حَجٌّ إنْ كان في وَقْتِهِ أو عُمْرَةٌ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِمَا لم يَنْوِهِ لِأَنَّهُ بِإِرَادَتِهِ لِلنُّسُكِ الْآتِي عِنْدَ مُجَاوَزَةٍ الْمِيقَاتِ صَارَ قَاصِدًا الْحَرَمَ بِمَا وَضَعَ له فَلَزِمَهُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ حَرِيمَهُ وهو الْمِيقَاتُ إلَّا بِالتَّلَبُّسِ بِمَا نَوَاهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِنَظِيرِهِ رِعَايَةً لِتَعْظِيمِ الْحَرَمِ الذي وَجَبَ الْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ لِأَجْلِهِ ما أَمْكَنَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ ما يُقَالُ قد لَا يَفْعَلُ النُّسُكَ إلَّا في الذي نَوَاهُ فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إذ شَرَطَ لُزُومَهُ أَنْ يَفْعَلَ ما قَصَدَهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ لِلْمِيقَاتِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلُزُومِ الدَّمِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِصْيَانِ بِالْمُجَاوَزَةِ فَلَا نَظَرَ إلَّا إلَى نِيَّتِهِ فَحَسْب كما هو ظَاهِرٌ من كَلَامِهِمْ وَبِمَا تَقَرَّرَ الْمَأْخُوذُ من مَجْمُوعَيْ عِبَارَتَيْ الْمَجْمُوعِ الْأَخِيرَتَيْنِ مع ما ذَكَرَهُ في الْأُولَى في الْمَكِّيِّ من أَنَّهُ حَيْثُ لم يَقْصِدْ النُّسُكَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مع الْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيَحُجُّ غَالِبًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ في الْمَكِّيِّ الْمَذْكُورِ في السُّؤَالِ أَنَّهُ إنْ كان عِنْدَ الْمِيقَاتِ قَاصِدًا نُسُكًا حَالًّا أو مُسْتَقْبَلًا لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ بِذَلِكَ النُّسُكِ أو بِنَظِيرِهِ وَإِلَّا أَثِمَ وَلَزِمَهُ الدَّمُ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كان عِنْدَ الْمِيقَاتِ قَاصِدًا وَطَنَهُ أو غَيْرَهُ ولم يَخْطِرْ له قَصْدُ مَكَّةَ لِنُسُكٍ لم يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ من الْمِيقَاتِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كان يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا جاء الْحَجُّ وهو بِمَكَّةَ حَجَّ أو أَنَّهُ رُبَّمَا خَطَرَتْ له الْعُمْرَةُ وهو بِمَكَّةَ فَيَفْعَلُهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ليس قَاصِدًا الْحَرَمَ بِمَا وَضَعَ له من النُّسُكِ وَإِنَّمَا هو قَاصِدُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ وَاحْتِمَالُ وُقُوعِ ذلك منه بَعْدُ لَا نَظَرَ إلَيْهِ بِخِلَافِ ما إذَا قَصْدَهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ لِنُسُكٍ حَاضِرٍ أو مُسْتَقْبَلٍ فإنه قَاصِدُهُ لِمَا وُضِعَ له فَلَزِمَهُ تَعْظِيمُهُ بِهِ أو بِنَظِيرِهِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الذي وَجَبَ الْإِحْرَامُ لِأَجْلِهِ من الْمِيقَاتِ فيه فَتَدَبَّرْ جَمِيعَ ما ذَكَرْته لَك في هذه الْمَسْأَلَةِ فإنه مُهِمٌّ وَلَقَدْ زَلَّ فيه نَظَرُ من لم يَطَّلِعْ على شَيْءٍ من عِبَارَاتِ الْمَجْمُوعِ التي ذَكَرْتهَا فَأَفْتَى بِمَا ظَهَرَ له من غَيْرِ تَأَمُّلٍ . انتهى

 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

حياكم الله يا شيخ عامر، وحيا الإخوة الكرام أجمعين

أولاً: ما علق به الشرواني على لفظ (وإن أراد إقامة طويلة .. ) خلاف الظاهر كما هو بيِّنٌ ظاهر، واستبعاده إياه إنما هو من جهة أن الشريعة لا تأتي بمثله، لا أن الكلام لا يمكن فهمه كذلك، ولا أن أحداً لم يقل به. فتأمل.

ثانياً: لا تنسَ –شيخ عامر- أن كلامنا يدور حول نفيك أن أحداً منهم يقول بما قررنا، ولا يكفي قط أن تثبت وجود من يخالف ما أدعي أنه فهم بعضهم، فهذا لا نختلف فيه.

ثالثاً: الصورة المذكورة فيمن دخل مكة لعملٍ ما وهو يريد نسكاً جازماً بعد حين هي عين محل النزاع بيني وبينك، وهي سبب إقامة هذه المناظرة، ولا أدري إن كنتَ تناقشني فيمن أراد جدة عند مجاوزة الميقات دون أن يخطر بباله قصد نسك عندئذ؛ فهذا لا خلاف فيه أصلاً أن مهله من حيث أنشأ.

رابعاً: ما ادعيتَه من التناقض في فهم عبارة الرملي حسب تفسيرك الأول قد ينجم عن عدم ملاحظة قوله: (بعد الميقات) وقوله: (بعد الإحرام)، فثَمّ مربط الفرس.. وقد راعيتَ –مشكوراً- ذينك اللفظين في تفسيرك الثاني لكلام الرملي، وهو الصواب.
وعليه: فقد سمى هذا الذي مر بالميقات على هذا النحو في أول كلامه (مريداً نسكاً) فتنبه. وهذا جانب أول، وأما الثاني فمن كلام الشيخ باعشن في "بشرى الكريم" إذ يقول:
"ومن بلغه مريد العمرة مطلقاً أو الحج في عامه، وكذا في غير عامه عند (حج).. وجب عليه الإحرام بالنسك الذي أراده وإن أراد إقامة طويلة كشهرٍ بموضع قبل مكة، خلافاً للشهاب الرملي"

قلت: هنا ينبغي أن تنقطع المناظرة؛ إذ الشيخ أحمد بن حجر (حج) يقول بما ذكرتُ لك، وكلام الشيخ باعشن وغيره نص في ذلك، وقد كفيتني مؤونة الإطالة في هذا المقام –أثابك الله- بشرحك كلام الرملي، والسلام.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

أبوبكر: يرى اللزوم؛ خلافاً لعامر.
لستُ أراه فتوى وترجيحا، ولكني أقول بأنه قول جمع من الفقهاء، والشيخ عامر ينكر ذلك وينسبه لأفهام بعض المعاصرين.
 
إنضم
22 مارس 2008
المشاركات
392
الكنية
أبو صهيب
التخصص
الفقه
المدينة
طيبة
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

بسم الله الرحمن الرحيم
بناء على قول شيخنا:
هنا ينبغي أن تنقطع المناظرة
فسأقتصر على هذه المشاركة إلا إن رأى -حفظه الله- الاستمرار
وغالب ما في مشاركتي هذه كلام سبق بيانه وسأقتصر -دفعا للتكرار- على اقتباس ما سبق إلا فيما يحتاج إلى تعليق لم يسبق بيانه أو يستدعي مزيد إيضاح


أولاً: ما علق به الشرواني على لفظ (وإن أراد إقامة طويلة .. ) خلاف الظاهر كما هو بيِّنٌ ظاهر، واستبعاده إياه إنما هو من جهة أن الشريعة لا تأتي بمثله، لا أن الكلام لا يمكن فهمه كذلك، ولا أن أحداً لم يقل به. فتأمل.

هل مراد الشرواني شرح الكلام أو تخطئته والاستدراك عليه؟
بالنظر في نص كلامه يتبين أنه يتحدث عن محل المسألة:
(قوله: وإن أراد إقامة طويلة إلخ) لعل محله فيمن أنشأ السفر بقصد مكة أو الحرم
فما معنى محله؟ أي محل الكلام أو محل المسألة، فهو شرح للكلام وليس استدراكًا عليه.


ثانياً: لا تنسَ –شيخ عامر- أن كلامنا يدور حول نفيك أن أحداً منهم يقول بما قررنا، ولا يكفي قط أن تثبت وجود من يخالف ما أدعي أنه فهم بعضهم، فهذا لا نختلف فيه.

لم أنفِ قط ما نسبته إلي، بل صرحت لك سابقًا بخلافه، وعند تحرير محل النزاع، والسؤال الذي بنيت عليه المناظرة لم يكن فيه البتة أن محل المناظرة هو هذا.
وهنا تصريحي بأنني لا أنفي وجود قائل بما تقوله وفاهم بنحو فهمك
لم أقل قط إنه لايسمى كذلك عند أحد من الفقهاء، فيكفيني أنه يسمى كذلك عندك ليبطل هذا النفي، ويكفيني أن جماعة من فقهاء العصر يفتون به، ولذا عدلت عن هذا النفي بإرجاعك إلى ما سبق تقريره في محل النزاع حتى لا نخرج عن جادة المناظرة
وإنما البحث في كونه المراد عند من أطلق، وكون العبارة تقتضيه عند الإطلاق، وكونه مذهب الأكثر، وكونه مرادًا بالحديث ((ممن أراد الحج والعمرة)) غير خارج عنه، وليس محل البحث هل قال به أحد أو لا؟
لم أقل قط إنه لايسمى كذلك عند أحد من الفقهاء.....وليس محل البحث هل قال به أحد أو لا؟



ثالثاً: الصورة المذكورة فيمن دخل مكة لعملٍ ما وهو يريد نسكاً جازماً بعد حين هي عين محل النزاع بيني وبينك، وهي سبب إقامة هذه المناظرة، ولا أدري إن كنتَ تناقشني فيمن أراد جدة عند مجاوزة الميقات دون أن يخطر بباله قصد نسك عندئذ؛ فهذا لا خلاف فيه أصلاً أن مهله من حيث أنشأ.

محل النزاع واضح، ولن أزيد على إعادته كما سبق، ولست أناقشك فيمن لم يخطر بباله
- ليس من محل النزاع من كان قاصدا بالسفر أصالة: النسك، ومر بجدة تبعًا –مهما كانت مدة بقائه في جدة-.
- وليس من محل النزاع بيننا فيمن طرأت له إرادة النسك بعد وصوله جدة.
- وليس من محل النزاع بيننا في هذا البحث تحديدا من قصد مكة لغير النسك، فهي مسألة أخرى.
- وإنما محل النزاع ما سبق: وهو من اجتمعت فيه القيود الآتية:
1. قصده الأصلي من السفر هو حاجة غير النسك، فالذي دفعه للسفر هو تلك الحاجة، وليس النسك، وللتقريب: لو علم أنه يمنع من دخول مكة ما أثّر ذلك على إقدامه على السفر.
2. قصده بالسفر بلد دون المواقيت غير مكة.
3. عازم عزمًا أكيدًا على الإتيان بالنسك بعد انتهاء غرضه ومقصوده من السفر.


رابعاً: ما ادعيتَه من التناقض في فهم عبارة الرملي حسب تفسيرك الأول قد ينجم عن عدم ملاحظة قوله: (بعد الميقات) وقوله: (بعد الإحرام)، فثَمّ مربط الفرس.. وقد راعيتَ –مشكوراً- ذينك اللفظين في تفسيرك الثاني لكلام الرملي، وهو الصواب.
وعليه: فقد سمى هذا الذي مر بالميقات على هذا النحو في أول كلامه (مريداً نسكاً) فتنبه. وهذا جانب أول، وأما الثاني فمن كلام الشيخ باعشن في "بشرى الكريم" إذ يقول:
"ومن بلغه مريد العمرة مطلقاً أو الحج في عامه، وكذا في غير عامه عند (حج).. وجب عليه الإحرام بالنسك الذي أراده وإن أراد إقامة طويلة كشهرٍ بموضع قبل مكة، خلافاً للشهاب الرملي"

قلت: هنا ينبغي أن تنقطع المناظرة؛ إذ الشيخ أحمد بن حجر (حج) يقول بما ذكرتُ لك، وكلام الشيخ باعشن وغيره نص في ذلك، وقد كفيتني مؤونة الإطالة في هذا المقام –أثابك الله- بشرحك كلام الرملي، والسلام.
هل المسألة التي ذُكر فيها اختلاف ابن حجر مع الرملي هي مسألتنا؟
- ليس من محل النزاع من كان قاصدا بالسفر أصالة: النسك، ومر بجدة تبعًا –مهما كانت مدة بقائه في جدة-.
مهما كانت مدة بقائه في جدة-.
المسألة التي نقلت فيها اختلاف ابن حجر والرملي هي:
أثر العزم على طول البقاء في جدة على إسقاط الإحرام من الميقات
والمسألة التي نتحدث عنها هي:
من قصد بسفره أصالة جدة -ولو كانت مدة مكثه فيها ساعة من نهار-.
المسألة التي نقلت فيها اختلاف ابن حجر والرملي هي:
أثر العزم على طول البقاء في جدة على إسقاط الإحرام من الميقات
والمسألة التي نتحدث عنها هي:
هي من قصد بسفره أصالة جدة -ولو كانت مدة مكثه فيها ساعة من نهار-.

- ليس من محل النزاع من كان قاصدا بالسفر أصالة: النسك، ومر بجدة تبعًا –مهما كانت مدة بقائه في جدة-.
وعليه فالمسألة التي نقلت فيها كلام باعشن تفترق عن مسألتنا، فليس من لازم مسألتنا طول المكث، ولا هو مناط معتبر فيها أصلا.

هنا ينبغي أن تنقطع المناظرة
أبشر شيخنا،
شاكرًا لفضيلتكم سعة صدركم، معتذرًا من الخطأ والزلل
معترفًا أنني أفدت منكم كثيرًا في هذا الموضوع وفي غيره، وحسبكم فضلا ونبلا الموافقة على المناظرة والمباحثة مع العبد الفقير
اللهم اجز الشيخ أبا بكر باجنيد خير الجزاء، واشكر له ما أفاد، واغفر لي وله، وفقهني وإياه في الدين.

وأختم مجلس المناظرة بقبلة محب على ناصيتكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

جزاك الله عني كل خير.. وأكافئك بالقُبلة قُبلتين

وقولي: "وهنا ينبغي أن تنقطع المناظرة" إنما هو من قبيل إبراز موضع الحُجة وإلزام المناظر .. فلا يصرفك ذلك عن بذل ما تنفعنا به، رحمني الله وإياك.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

المسألة التي نقلت فيها اختلاف ابن حجر والرملي هي:
أثر العزم على طول البقاء في جدة على إسقاط الإحرام من الميقات
والمسألة التي نتحدث عنها هي:
هي من قصد بسفره أصالة جدة -ولو كانت مدة مكثه فيها ساعة من نهار-.


وعليه فالمسألة التي نقلت فيها كلام باعشن تفترق عن مسألتنا، فليس من لازم مسألتنا طول المكث، ولا هو مناط معتبر فيها أصلا.
وإذا كان عازماً -عند المجاوزة- على المكث بجدة ويلزمه الإحرام من الميقات عند هؤلاء.. فلمَ لا ننتفع بإجراء هذه المسألة التي لا ينفك النظر فيها عن تلكم وفقها؟!

فإذا وجب الإحرام من الميقات إن عزم على المكث بجدة زمناً طويلاً لمجرد قصْده النسك -الذي سيؤديه بعد حين- عند المجاوزة للميقات .. فأن يجب عليه وقد عزم على المكث بها ساعة من نهار أولى.
 
إنضم
1 يناير 2011
المشاركات
8
الكنية
أبو عبدالله
التخصص
شريعة
المدينة
حائل-بقعاء
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: مناظرة حول مسألة من مسائل الحج والعمرة

شكر الله للشيخين على ما أفادا به وأمتعا والله أعجبني منهما كرم أخلاقهما ونبلهما..بل ذكرانا حفظهما الله بالرعيل الأول.
 
أعلى