العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مناظرة داود الظاهري للبردعى الحنفي في مسألة أمهات الأولاد

إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
290

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فقد اطلعت قديماً على نقل في كتب التراجم والفقه الحنفي خاصة، وفي هذا النقل: أن البردعي الحنفي قطع الإمام داود بن علي الظاهري في مناظرة مزعومة في مسألة بيع الأمهات، وأن داود بعدها انقطع !
وكنت اطلع على المنقول وأقول في نفسي: كيف ينقطع داود في هذا، وحجة الخصم باطلة ومموهة ؟! ولكني لم أتفرغ للمسألة لأشغال أخرى.
ومن أيام عرض علي بعض طلبة العلم هذه المسألة، وقال لي ما معناه: أن داود الظاهري لا يحسن المناظرة ! ولذلك قطعه الإمام البردعي حين ناظره في مسألة تافهة ولجلج داود ولم يعرف كيف يجيب عن ذلك، فرأيت أن أكتب هذه المقالة عن هذه المناظرة وما فيها من علم.
ولا أريد هنا ذكر قوة الإمام داود الظاهري في المناظرة، ولا بيان من وصفه بقوة ذلك وإجادته، فليس هذا غرضي من هذه المقالة، وإنما غرضي بيان هذه الحادثة والنظر في تلك المناظرة المزعومة، والكلام على ما جاء فيها، ولا يوجد أحد يحسن علماً إلا وقد يفوته شيء أثناء تلك المناظرة، وليس هذا بمستبعد عن داود وغيره من أئمة الدين والهدى، فلا نطيل في هذه المسألة لعدم الفائدة.
فالحادثة هذه ذكرت في بعض كتب الفقه أو التراجم، وفيها:
سئل داود عن بيع أم الولد، فقال: يجوز؛ لأننا اتفقنا على جواز بيعها قبل أن تصير أم ولد، فوجب أن يبقى كذلك، إذ الأصل في كل ثابت داومه واستمراره.
وكان أبو سعيد البردعي الحنفي حاضراً، فعارضه، فقال: قد زالت تلك الحالة بالاتفاق، وامتنع بيعها لما حبلت بولد سيدها، والأصل في كل ثابت داومه، فانقطع داود.
وكان - القائل هنا هو ابن الهمام الحنفي - له أن يجيب ويقول: الزوال كان بمانع عرض، وهو قيام الولد الحر في بطنها، وزال بانفصاله، فعاد ما كان، فيبقى إلى يثبت المزيل
.
فهذه الحادثة التي قيل فيها أن البردعي الحنفي ناظر فيها الإمام داود الظاهري وقطعه فيها !
وصفة المسألة التي ذكرها أبو سليمان رحمه الله هي كالتالي:
أننا أجمعنا على جواز بيع الأمة قبل أن تحمل من سيدها، ثم اتفقنا أنها إذا حملت لا تباع، ثم اختلفنا إذا وضعت وخلت من الحمل: فالواجب الرجوع إلى الصفة التي أجمعنا عليها، وهي جواز بيعها وهي خالية من الحمل.
فقول البردعي الحنفي: أن الحالة تلك زالت بالاتفاق، وأنها لما حبلت سيدها، فإن الأصل الذي ثبت وهو عدم جواز بيعها يستمر، فهذا كلام شغبي باطل.
فإن الأمة حين لم تكن حاملاً كان بالإجماع يجوز بيعها، فلما حملت: اتفقوا على عدم بيعها، ثم زالت هذه الحال، وأعني كونها حاملاً، فرجعت إلى ما كانت عليه من عدم حملها، وهي الحال التي أجمعنا على جواز بيعها فيها، فقول البردي أن هذا الأصل مستمر باطل وخطأ، فمتى ما ولدت الأمة سيدها رجعت إلى الحال التي أجمعوا على جواز بيعها فيها، وهي حال عدم حملها، فالرد إلى الإجماع في هذه المسألة كما قال الإمام داود الظاهري بلا شك.
فالبردعي الحنفي ما قطع داود أصلاً، لأنه جاء بكلام فاسد باطل، لا تعلق له بمسألتنا وهي كون الأمة ليست حاملاً، وقد ولدت سيدها.
وقد ذكر ابن عبد البر أن هذه المعارضة وأعني معارضة البردعي الحنفي صحيحة، وأنها ملزمة لداود وأهل الظاهر، وهي باطل كما ترى.
فالإجماع الأول الذي استدل به داود: الإجماع على جواز بيعها قبل حملها، .
والإجماع الثاني الذي ذكره البردعي الحنفي: عدم جواز بيعها حال حملها من سيدها.
فنتج عن ذلك عند البردعي: عدم جواز بيع الأمة إذا ولدت سيدها !
والذي موه فيه قوله: ( والأصل في كل ثابت داومه ) ..
وهذا الثابت وهو العارض الذي وجدناه حين حملت الأمة، وهو ليس بثابت أصلاً، إذ بطل بولادتها، ورجعت أمة يجوز بيعها موافقة لذلك الإجماع المنقول، لذلك رده ابن الهمام وبين فساد اعتراض البردعي وهو منهم حنفي.
فصح أن البردعي الحنفي لم يقطع داود أصلاً فيما قاله، ونحن لا ندري عن إسناد هذه الحادثة، ولعل داود بين له ذلك، وأبطله له، ولكن نقل الحنفيون ما يبطلون به قول داود هذا لقوته، واكتفوا بقول البردعي، وهذا ممكن لا يمنع منه شيء، إذ التعصب موجود في أصحاب المذاهب وكل من نصر قول إمام يراه المتبع.
فإن كان الإمام داود الظاهري لم يجب عن هذا الاعتراض فقد أجبنا عنه، وبينا وجهه، والحمد لله رب العالمين.
وقد قال بجواز بيع أم الولد داود الظاهري، وغيره من أهل الظاهر، ونقل ابن عبد البر وغيرهم من العلماء من قال به قبل أهل الظاهر، وهم:
أبو بكر الصديق، وعلي، وابن عباس، وابن الزبير، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وقال جابر وأبو سعيد: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فينا ولم ير بأساً، ونحو هذا المعنى.
وفي قول جابر والخدري رضي الله عنهما جحة على من أجاز العزل بما روي عن جابر أنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل، فهذا مثل ذاك بلا فرق، وتركه التاركون هنا بلا حجة.
وقد كان عمر بن الخطاب في نصف خلافته يقول بذلك، ثم رأى هو وعلي رضي الله عنهما عدم بيعها، ثم لما ولي الأمر علي بن أبي طالب رأى جواز بيعها.
والرد إلى اليقين من ذلك كما أمر الله تعالى هو البرهان، فمن كان معه برهان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو القائل بالحق، والواجب اتباع ما جاء به البرهان، والله الموفق.

** منقول عن مقال للشيخ ابن تميم الظاهري
 

علاء سعيد محمد

:: متابع ::
إنضم
4 أكتوبر 2013
المشاركات
49
الكنية
أبو معاذ
التخصص
نشر دين
المدينة
قنا
المذهب الفقهي
سنى
رد: مناظرة داود الظاهري للبردعى الحنفي في مسألة أمهات الأولاد

جزاك الله خيراً​
 
أعلى