العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى والراجح الاباحة (2)

إنضم
29 يناير 2019
المشاركات
7
الكنية
ابو محمد
التخصص
محاسبة
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
سلفي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تكلمت في الحلقة الأولى عن آيات القرآن الكريم وبينت في حوار بين طرفين أن ليس في كتاب الله تعالى دليل على تحريم الغناء أو الموسيقى. والآن مع الحلقة الثانية بين أخوين متناظرين باحترام وود:
قال المحرم: لو سلمنا أنه لا يوجد نص في القرآن الكريم يحرم الغناء ففي السنة نصوص كثيرة وصريحة في التحريم فهل ترفضها وتقول لا أقبل إلا ما ورد في كتاب الله فهو حسبنا وكفى ؟!
قال المبيح: معاذ الله أن أرفض حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ويقول سبحانه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ولكن أين هي هذه الأحاديث الصحيحة وقد بحثت عامتها ولا تسلم من الضعف في أسانيدها كما قاله بعض الأئمة من السلف والخلف كابن حزم والحافظ محمد بن طاهر المقدسي والفاكهاني وغيرهم .
قال المحرم: أخطأت يا أخي فهناك حديث المعازف في صحيح البخاري وهو وإن كان بصيغة التعليق لكنه موصول صحيح الاسناد كما قاله جمع مبارك من العلماء والحفاظ, وقد وسّع الحافظ ابن حجر في فتح الباري في بحث هذا الحديث واثبات صحته, كذلك الامام الألباني في تحريم آلات الطرب فراجعهما إن شئت .
قال المبيح: بارك الله فيك قد اطلعت على تحقيقات أهل العلم في المسألة ونعم أنت محق فالحديث الذي ذكرته الراجح فيه أنه صحيح وهو موجود في صحيح البخاري, ولكني لا أرى فيه دلالة صريحة على تحريم الموسيقى .
قال المحرم: كيف ذلك والنص صريح في ذم المعازف؟ وليس من الصواب أن تتأول وتقول ليس المراد بالمعازف آلات الموسيقى فهذا وفقك الله من تحريف الكلم عن مواضعه .
قال المبيح: جزاك الله خيراً على هذه النصيحة ومعك حق فالمعازف المذكورة في الحديث هي آلات اللهو كما نص عليه أئمة اللغة والحديث, وهو المتبادر إلى الذهن والمفهوم من سياق الحديث ولاشك. ولكن اقرأ معي الحديث بنصه كاملاً وفقك الله:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة . ه
انظر بارك الله فيك إلى هذه العقوبة الشديدة, فقد خسف الله بقوم ومسخ آخرين قردة وخنازير. وسؤالي لك مَن هؤلاء الذين استحقوا هذه العقوبة؟ هل هم فقط من يستمعون الغناء والمعازف ؟
قال المحرم: كلا, بل كما جاء في الحديث يستحلون الخمر والزنا ولبس الحرير والمعازف. فهم الذين اجتمعوا على فعل كل هذه الأمور بلا شك .
قال المبيح: أحسنت بارك الله فيك, فالوعيد والعقوبة في الحديث على من استحل هذه الصورة المنكرة لا من استمع للمعازف منفردة فلماذا تقول بأن الحديث يدل على تحريم المعازف في غير هذه الصورة وسياق الحديث لا يدل عليه ؟
قال السيد محمد رشيد رضا: المعازف المنصوص عليها فيه هي ما كانت مقترنة بشرب الخمر كما يستفاد من بعض روايات الحديث . (ومنها) أن المراد بالحديث: يستحلّون مجموع ما ذكر فيه لا كل واحد منها. وحينئذ يستثنون المعازف بدليل كون الدف والغناء منها جمعًا بين الأدلة إذ ثبت في الأحاديث المتفق عليها سماع النبي صلى الله عليه وسلم وإجازته لهما . ه (مجلة المنار17/181)
فقوله (يستحلون) هي على هذه الصورة مجتمعة بدلالة سياق الحديث والعقوبة المترتبة فيه على هذه المذكورات مجتمعة وليست على بعض أفرادها .
فالمعازف في هذا الحديث غير مقصودة لذاتها وإنما المقصود غيرها وهو شرب الخمر والفسوق ولذلك بوّب الامام البخاري على هذا الحديث فقال : بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. وذلك لأنه هو المقصود ابتداءً وجاءت معه المعازف بالتبع فأخذت حكم المتبوع وليس ذلك حكمها إذا استقلت بذاتها. والوسائل لها أحكام المقاصد, ويثبت تبعاً مالا يثبت استقلالاً كما هو معروف في قواعد الفقه وأصوله .
ولا يصح بحال تنزيل هذه العقوبة المغلظة فيمن يلبس الحرير مثلاً باعتباره أحد المذكورات في الحديث وكذلك الحال في المعازف .
ولولا الأحاديث الصحيحة الصريحة التي جاءت في تحريم لبس الحرير على الرجال لما عُدّ من المحرمات من أجل وروده ههنا, بخلاف المعازف التي لم يصح شيء صريح في تحريمها. بل ما صح صراحة في المعازف هو الاباحة وليس التحريم .

قال المحرم: يا أخي لا تذهب بعيداً هكذا ! أي إباحة هذه التي تزعم وجودها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لعلك تريد إباحة الدف باعتباره من آلات الموسيقى, وهذا خطأ في الاستدلال, لأنه إذا جاءت النصوص بتحريم المعازف عامة ثم جاءت نصوص أخرى بإباحة بعض أفرادها خاصة فهذا الفرد المباح من العموم المحرم يُعامل معاملة استثناء الخاص من العام, ولا يعني هذا نقض الاستدلال بالعموم على باقي أفراده. فتنبه لأصول الاستدلال وفقك الله .
قال المبيح: لا يا أخي الكريم, لا أقصد هذا بالتحديد وإنما أقصد الحديث الصحيح الذي رواه الطبري وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما خطبتين فكان الجواري إذا نكحوا يمرون بالكَبَر والمزامير فيشتد الناس ويدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فعاتبهم الله عز وجل فقال : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما...الآية . والكَبَر أي الطبل والمزامير معروفة .
فالمعازف كانت موجودة في أعراس الصحابة يستخدمون الدفوف والكَبَر أي الطبل والمزامير من غير نكير من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما عاب الله عز وجل على الذين يدعون النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة قائماً وينشغلون باللهو والتجارة, أما في غير ذلك من الأوقات فجائزٌ الانشغال به كما يُفهم من الآية وسبب نزولها المذكور.
ثم قولك جاءت النصوص بتحريم المعازف عامة غير صحيح, وقد بينت لك المراد من حديث المعازف من صحيح البخاري وهو أقوى ما يحتج به من يحرم المعازف وليس فيه دلالة كما شرحته لك, فهذه دعوى منك ابتداءً ولا دليل عليها لعدم وجود النص العام المحرم حتى نقول بالعام والخاص .
قال المحرم: حديث الكبر والمزامير هذا من صححه من أهل العلم ؟
قال المبيح: الحديث اسناده صحيح وصححه الطحاوي ونص على ثبوته في أحكام القرآن (1/155) والحافظ ابن طاهر المقدسي في السماع وصححه مقبل بن هادي الوادعي في (الصحيح المسند من أسباب النزول ص213) وسليم الهلالي ومحمد موسى نصر في كتابيهما (الاستيعاب في بيان الأسباب 3/407) وغيرهم من أهل العلم والمحققين
والجمع بين الأدلة الصحيحة في الباب هو المتعين عند الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية, كذلك بالنظر إلى سياق الحديث ومعرفة مراده قرينة على أن تحريم المعازف هنا لأنها استُعملت من أولئك الأقوام المخسوف بهم وسيلة للحرام وعوناً عليه وداعياً إليه خصوصاً مع ما هو معلوم من حال من يجتمع على ذلك من الفسقة فهي وسائل اتخذت لمعصية الله .
ومن نظر إلى مجموع الأحاديث المذكور فيها الوعيد والعقاب بالخسف والمسخ -على فرض صحتها- فهي مقيدة بذكر الملاهى وبذكر الخمر والقينات والفسق والفجور ولا يكاد حديث يخلو من ذلك، وعليه كان الحكم عند فريق من أهل العلم فى سماع الأصوات والآت المطربة أنه إذا اقترن بشىء من المحرمات أو اتخذ وسيلة للمحرمات أو أوقع فى المحرمات كان حراما وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحا فى حضوره وسماعه وتعلمه .
قال المحرم: وماذا تقول في إنكار أبي بكر الصديق رضي الله عنه على الجواري يتغنون ويلعبون بالدف فلما دخل ورأى هذا غضب وقال: (أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ) ؟
قال المبيح: أكمل الحديث فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا) فرخًّص لهن فيه ولم يمنعهن .
قال المحرم: نعم ولكن هذه الرخصة خاصة بيوم العيد لذلك نبه الرسول الكريم أبا بكر على هذه الرخصة ولم ينكر عليه قوله أمزامير الشيطان. فدل هذا على صحة قول أبي بكر واستنكاره في غير هذه المناسبة .
قال المبيح: بارك الله فيك هذا الاستدلال قاصر, وقد تعلمنا من علماء الفقه والحديث أن الحكم الشرعي يؤخذ من مجموع الأدلة ولا يؤخذ من دليل واحد إن كان في الباب غيره. وأن الباب لا يتبين خطؤه حتى يجمع طرقه. أليس كذلك ؟
قال المحرم: نعم هو كذلك .
قال المبيح: فلماذا إذن استدللت بموقف أبي بكر هنا وتركت موقفه وموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الغناء في الأحاديث الأخرى ؟
قال المحرم: وكيف ذاك ؟
قال المبيح: عن أبي بريدة الأسلمي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت : يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا . فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل عليٌّ وهي تضرب... الحديث. رواه أحمد والترمذي
قال المحرم: وهل هذا الحديث صحيح ؟
قال المبيح: نعم إسناده صحيح وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/330). والحديث صريح في دخول أبي بكر والمرأة تغني بالدف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس واستمع ولم ينكر وهذا يدلك على تغير رأي أبي بكر عن موقفه السابق لأنه لا يحتمل أن يكون هذا الحديث قبل حادثة غناء الجاريتين في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لأنكر هنا كذلك, لاسيما والمرأة التي تغني هنا أمة بالغة فهي أجنبية عن أبي بكر رضي الله عنه. لكنه لما أنكر هناك وصوبه النبي صلى الله عليه وسلم فسكت هنا واستمع بلا نكير, وأبوبكر رضي الله عنه رجل وقّاف عند كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد تكرر سماع النبي صلى الله عليه وسلم لمثل هذا الغناء في غير مناسبة وليس في الأعياد أو الأعراس فحسب خلافاً لمن قال بذلك من بعض أهل العلم .

قال المحرم: هناك أحاديث أخرى صريحة في التحريم كحديث أنس بن مالك قال: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وَسَلَّم: صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة . وصححه الألباني
قال المبيح: الحديث فيه شَبِيب بن بشر البجلي وهو مختلف فيه والراجح ضعفه قال البخاري: منكر الحديث. ومن حاول تقويته بالشواهد فقد تساهل فهي طرق يغلب عليها الضعف الشديد ونكارة المتن كطريق ابن أبي ليلى فقد عدها ابن حبان في كتابه المجروحين (2/246) من مناكيره ونقل ذلك عن مشائخه .
قال المبيح: وما سوى ذلك من الأحاديث التي يظهر فيها تحريم الغناء والمعازف فهي ضعيفة الاسناد لا تقوم بها حجة. وما صح منها فليس فيه دلالة على التحريم وليست هي من أحاديث الباب على الصحيح . كحديث النهي عن كسب الزمارة وهي المرأة الزانية كما جاء تفسيره في بعض طرق الحديث عند البخاري وغيره: نهى عن كسب البغي .
أو كحديث تحريم الكوبة وهي النرد على الصحيح وهو ما يؤيده سياق الحديث ومناسبته والأحاديث الأخرى التي تؤيد تفسير الكوبة بالنرد .
يتبع بمشيئة الله تعالى ...
كتبه أحمد فوزي وجيه
(لا يجوز النقل أو الاقتباس إلا بذكر المصدر)
 
إنضم
29 يناير 2019
المشاركات
7
الكنية
ابو محمد
التخصص
محاسبة
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
سلفي
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى والراجح الاباحة (2)

نص الحلقة الأولى لمن لم يقرأها :
قال الراجي عفو ربه أحمد فوزي وجيه:
قال المحرم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال المبيح: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قال المحرم: يا أخي سمعت أنك تبيح الغناء وإن صحبه الموسيقى فهل هذا صحيح عنك ؟
قال المبيح: نعم يا أخي هو صحيح
قال المحرم: وكيف تقول ذلك والأدلة من القرآن والسنة تحرم الغناء وتنهى عنه ؟
قال المبيح: يا أخي لو صحت الأدلة من القرآن والسنة على تحريم الغناء أتراني أخالف حكم الله وحكم رسوله؟ معاذ الله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ولكني بحثت في أدلة القرآن والسنة فلم أجد نصاً صريحاً صحيحاً في تحريم الغناء أو الموسيقى, ولذلك قلت بالاباحة .
قال المحرم: ليس هناك دليلاً واحداً بل مجموعة من الأدلة والنصوص الصحيحة والصريحة بارك الله فيك .
قال المبيح: ائتني بهذه الأدلة ننظر فيها واحداً بعد الآخر. ولنبدأ بالأدلة من كتاب الله تعالى, تفضل .
قال المحرم: أول دليل من كتاب الله تعالى ما قاله رب العالمين سبحانه مخاطباً الشيطان يذمه ويذم طرقه في اغواء البشر قال (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) وصوت الشيطان الذي يغوي به البشر هو الغناء, فالغناء صوت الشيطان في غواية الناس وإضلالهم.
قال المبيح: عفواً يا أخي هل قال رب العالمين أن صوت الشيطان المذموم هنا هو الغناء ؟
قال المحرم: لا
قال المبيح: فإذا لم يخبرنا الله بأن الغناء هو صوت الشيطان فكيف ادعيت أنت أنه المراد هنا ؟
قال المحرم: من التفسير
قال المبيح: وهل هذا التفسير ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصح أن تحتج به ويكون دليلاً ؟
قال المحرم: لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه تفسير السلف, قال مجاهد بصوتك: باللهو والغناء .
قال المبيح: وهل تفسير مجاهد حجة ودليل ؟
قال المحرم: لا ولكنه تفسير السلف وهو بلا شك أصح من غيره .
قال المبيح: أخطأت بارك الله فيك, فتفسير مجاهد ليس هو تفسير السلف فحسب, فقد صح عن قتادة قال: بصوتك أي بدعائك. وصح عن ابن عباس وهو الصحابي الجليل وشيخ المفسرين قال: صَوْتُهُ كُلُّ دَاعٍ دَعَا إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ. فلماذا أخذت بقول مجاهد وتركت قول غيره من الصحابة والتابعين ؟!
مع أن تفسير ابن عباس هنا هو التفسير المنطقي السليم الشامل لكل صوت يصد عن سبيل الله, وهو يشمل تفسير مجاهد وغيره .
فكل صوت يدعو إلى سبيل الشيطان من غناء أو موسيقى أو شعر أو نثر أو غير ذلك فهو صوت شيطان , فلو ألقى أحدهم خطبة يصد فيها عن طاعة الله أو يدعو إلى معصية الله فهي صوت شيطان, ولو ألقى قصيدة شعر يحض فيها الناس على ارتكاب المعاصي فهي صوت شيطان, كذلك لو استخدم الغناء أو الموسيقى في التشجيع على معصية الله فهي كذلك , وليس معنى هذا أن الخطبة أو الشعر أو الغناء حرام على العموم, بل هي وسائل الحكم فيها بحسب الاستخدام . فالآية ليست دليلاً بارك الله فيك .
قال المحرم: هناك آية في كتاب الله أوضح وأقوى في تحريم الغناء .
قال المبيح: وما هي ؟
قال المحرم: قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) فتوعد الله من يشتري لهو الحديث وهو الغناء بالعذاب المهين وهذا صريح في التحريم .
قال المبيح: هل قال الله تعالى أو قال رسوله صلى الله عليه وسلم أن لهو الحديث هو الغناء ؟
قال المحرم: لا ولكنه تفسير السلف .
قال المبيح: أخطأت للمرة الثانية, فالحجة في كلام الله وكلام رسوله وليس في تفسير بعض السلف. ثم إنك لو راجعت تفسير الطبري لوجدت أن السلف اختلفوا في تفسير الآية فبعضهم فسرها بالغناء وبعضهم فسرها بالشرك أو الحديث الباطل الذي يخوض فيه المشركون. فقولك تفسير السلف خطأ لأنهم لم يتفقوا عليه فليس بحجة .
قال المحرم: الأمر يختلف ههنا فالكلام ليس في تفسير بعض السلف وإنما الحجة في تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل وأقسم على أن لهو الحديث هو الغناء .
قال المبيح: لعلك تقصد ما قاله عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
قال المحرم: بالضبط فإنه قال: الغناء والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات .
قال المبيح: وهل صح هذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه .
قال المحرم: نعم صح عنه ذلك كما قاله غير واحد من أهل العلم وصححه الامام الألباني رحمه الله .
قال المبيح: هل قمت أنت بتحقيق الأثر بعناية فإنك من طلبة العلم .
قال المحرم: الحقيقة أنا في هذا تبع لما قاله الأئمة في تصحيحه .
قال المبيح: يا أخي لو حققته بنفسك لوجدت في هذا الأثر ثلاث علل وليست علة واحدة فكيف يصح هذا ؟!
قال المحرم: ثلاث علل ! وكيف ذاك ؟
قال المبيح: هذا الأثر لا يُروى إلا من طريق واحد فحسب وهي رواية أبي صخر حميد الخراط عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الآية " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم" فقال عبد الله: الغناء والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات . وحميد الخراط صدوق يهم ليس بعمدة إذا تفرد وانظر ما قاله ابن حجر في التقريب والذهبي في اختصار السنن الكبير, هذه واحدة والثانية أن أبا معاوية البجلي وهو عمار الدُّهني لم يسمع من سعيد بن جبير فهو منقطع .
والثالثة أبو الصهباء البكري وهو يصلح في الشواهد والمتابعات ولا يصلح في الاحتجاج به لاسيما إذا تفرد كما ههنا وقال ابن حجر في التقريب: مقبول. فهذه ثلاث علل الواحدة منهن كافية في تضعيف الأثر, كيف وقد اجتمعن ؟!
المحرم: قولك أن أبا معاوية الدُّهني لم يسمع من سعيد بن جبير غير صحيح فقد أثبت سماعه من سعيد بن جبير البخاري وابن حبان وهما من الأعلام في هذا الشان .
قال المبيح: يا أخي أنت من طلاب علم الحديث وتعلم جيداً أن الجرح المفسر مقدم على التعديل المجمل, وأن من علم حجة على من لم يعلم. وأي تفسير وبيان أعظم من شهادة المرء على نفسه بعدم السماع ؟!
فقد قال عبد الله بن أحمد في روايته للعلل : حَدثنِي عبيد الله بن عمر القواريري قَالَ سَمِعت أَبَا بكر بن عَيَّاش يَقُول مر بِي عمار الدُّهني فدعوته فَقلت لَهُ يَا عمار تعال فجَاء فَقلت لَهُ سَمِعت من سعيد بن جُبَير شَيْئا قَالَ لَا قلت اذْهَبْ .
وهذه رواية ثابتة صحيحة الاسناد وفيها شهادة عمار على نفسه أنه لم يسمع شيئا من سعيد بن جبير. وقد اعتمدها الامام أحمد كما قال العلائي في جامع التحصيل (ص241), كذلك اعتمدها الذهبي في الميزان (3/172) والعقيلي في الضعفاء (3/323) .
وهي دليل مفسر نجزم به على عدم اتصال الرواية بين الدُّهني وسعيد بن جبير فهي منقطعة, فالأثر عن ابن مسعود غريب ضعيف لا يصح .
قال المحرم: هل تعلم أحداً من أهل العلم ضعَّف هذا الأثر قبلك ؟
قال المبيح: نعم فالأثر ضعفه الحافظ محمد بن طاهر المقدسي في كتابه السماع (ص73) , والحافظ الذهبي في اختصاره لسنن البيهقي (8/4237) , وكذلك ضعفه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (11/91) ومال هناك إلى أن البخاري رمز بضعفه أيضاً .
قال المحرم: لم يأت هذا التفسير عن ابن مسعود فقط, بل جاء كذلك عن ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن .
قال المبيح: نعم جاء عن ابن عباس قال: الغناء وأشباهه. وهو حسن بشواهده وليس فيه هذا القَسَم المؤكد الذي جزم به ابن مسعود ثم إنه لم يقل الغناء وحسب, بل قال الغناء وأشباهه وهو تفسير يشمل الغناء وغيره من وسائل لهو الحديث وبه قال الطبري: عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه أو رسوله .
لكن يا أخي بارك الله فيك هل الآية تذم لهو الحديث باطلاق أو أنها تذم من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله؟ أليس هذا منطوق الآية وما نصت عليه ؟
قال المحرم: نعم هذا منطوق الآية .
قال المبيح: إذن ليس في الآية دلالة على تحريم لهو الحديث كالغناء وغيره, بل الآية واضحة الدلالة في الذم والوعيد لمن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ولا يعني هذا تحريم لهو الحديث باطلاق ولذلك قال الامام الذهبي: الاحتجاج بالآية عجيب أن لو كان لهو الحديث الغناء فإن الذم وقع على مشتريه ليضل عن سبيل الله ولا ريب أن من فعل الطاعات ليضل فقد أثم , فهنا في الحكم وصف يجب اعتباره . ه (الرخصة في الغناء للذهبي ص150)
وقال الشوكاني في فتح القدير (4/270): وَاللَّامُ فِي لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لِلتَّعْلِيلِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ: «لِيُضِلَّ» أَيْ: لِيُضِلَّ غَيْرَهُ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى وَمَنْهَجِ الْحَقِّ وَإِذَا أَضَلَّ غَيْرَهُ فَقَدْ ضَلَّ فِي نَفْسِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَحُمَيْدٌ وَوَرْشٌ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ: لِيَضِلَّ هُوَ فِي نَفْسِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ الْيَاءِ فَمَعْنَاهُ لِيُضِلَّ غَيْرَهُ فَإِذَا أَضَلَّ غَيْرَهُ فَقَدْ ضَلَّ هُوَ وَمَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْيَاءِ فَمَعْنَاهُ لِيَصِيرَ أَمْرُهُ إِلَى الضَّلَالِ وَهُوَ إن لم يكن يشتري الضلالة فَإِنَّهُ يَصِيرُ أَمْرُهُ إِلَى ذَلِكَ فَأَفَادَ هَذَا التَّعْلِيلُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ مَنِ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِهَذَا الْمَقْصِدِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا سَبَبُ نزول الآية . ه
قال المحرم: هناك آيات أخرى يمكن الاستدلال بها على تحريم الغناء
قال المبيح: يا أخي الكريم: الآيات التي ذكرتها والآيات التي تريد أن تذكرها ليس فيها نص صريح يحرم الغناء أو الموسيقى وإنما هي آيات من القرآن الكريم فيها ذكر صوت الشيطان أو لهو الحديث أو السمود أو شهادة ومشاهدة الزور ونحو ذلك, ثم يوردون الآثار عن بعض الصحابة والتابعين في أن المراد بصوت الشيطان ولهو الحديث وهذه الألفاظ القرآنية الشريفة هو الغناء .
وطريقة الاستدلال هذه لا تصح لأمور :
حاصل ما احتج به من يمنع الغناء هو أدلة من التفسير وليس من نص القرآن الكريم والفرق بينهما كبير .
تفسير هذه الآيات لم يرد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى يكون حجة ملزمة ودليلاً لا يجوز مخالفته .
تفسير هذه الآيات وقع فيه الاختلاف بين السلف, فمِن قائل بالغناء ومِن قائل بغير ذلك , فالأمر ليس إجماعاً ملزماً يُحتج به .
ثم إنه وعلى صحة تفسير صوت الشيطان أو لهو الحديث بالغناء فالآيات تتحدث عمن يستخدم هذه الوسائل في الاضلال عن سبيل الله تعالى ودعوة الناس إلى ارتكاب المعاصي . أما من يستمع الغناء للتسلية والترفيه وغير ذلك من الأمور المباحة لا ليضل عن سبيل الله فلا يدخل في الوعيد ولا يشمله ذم الآيات لمن يفعله, كما قاله كثير من أهل العلم كالشوكاني وابن حزم وأبي حامد الغزالي والذهبي وغيرهم
قال المحرم: لو سلمنا أنه لا يوجد نص في القرآن الكريم يحرم الغناء ففي السنة نصوص كثيرة وصريحة في التحريم فهل ترفضها وتقول لا أقبل إلا ما ورد في كتاب الله فهو حسبنا وكفى ؟!
قال المبيح: معاذ الله أن أرفض حديثاً صحيحاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ويقول سبحانه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ولكن ابتداءً وما أريد تقريره هنا أن ليس في كتاب الله تعالى دليل على تحريم الغناء أو الموسيقى.
... يتبع بمشيئة الله تعالى. كتبه: أحمد فوزي وجيه
( لا يجوز النقل أو الاقتباس إلا بذكر المصدر والعزو إلى الكاتب)
 
إنضم
25 يوليو 2017
المشاركات
56
الكنية
أبو عمر
التخصص
دراسات اسلامية
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
أهل السنة والجماعة
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى والراجح الاباحة (2)

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ احمد
توجد كثير من الملاحظات على المناظرة أحببت ذكرها :
1- القول بالتحريم قول اجماع المسلمين والمناظرة خير شاهد انك ما اتيت بأحد قال بالجواز... كما جاءت نصوص بالتحريم . وكما تجد اقوال المذاهب الأربعة حيث تجد كلامهم مبثوث في كتبهم من عدة مسائل عن الغناء والاته وتحريمها ولا عبرة بواحد او اثنين على فرض أنهم ممن خالف الاجماع الذي تم وانعقد .
2- وعدم سماع الرسول وصحابته او الجلوس في مجالس الغناء والطرب او السماح والسكوت في اقامتها اكبر شاهد على انه من المحرمات الكبيرة بالاجماع .
3- واغفال اقوال الصحابة والسلف والعلماء من المفسرين والفقهاء والمحدثين في تفسير ايات كلامهم عن تحريم الغناء حيدة وتساهل ودليل ابطال صحة مناظراتك وبحثك ونتائجه من أساسه وخطره عظيم. وبخاصة انه لم يعارضهم احد على تفسيرهم بالغناء كمثل اقوالهم مثلا في (صوت الشيطان ) أو (لهو الحديث) انه الغناء ، فياتي اخر فيقول معترضا ومخالفا اختلاف تضاد اما بالتحليل مثلك يخالفهم او بالاعتراض على قولهم... بل ان اختلاف الفاظهم وامثلتهم هي زيادات في بيان معنى تفسير الايات واذا تناولها ومن ضمنها تفسيرهم (الغناء) وجاء من ضمنها ولم يرفضه أو يرده احد او يعترض او يصادم ويرفض على انه من ضمن (صوت الشيطان ) أو (لهو الحديث) ( الغناء) دل على موافقتهم وان اختلاف اقوالهم اختلاف تنوع يكفي انهم توافقوا ان من ضمن لهو الحديث الغناء... كم يقولون في (اذا الشمس كورت ) فيقول احدهم طمست ويقول الاخر ذهب ضوئها ويقول الاخر رميت ويقول الاخر لفت ... كله تنوع واشكال من التكور والذهاب، او كقول احدهم من اكل أموال الناس هو الربا .. وقال الاخر بل من اكل أموال الناس الغش .. وقال ثالث الغصب .. فلا يقال اختلفوا في معنى اكل أموال الناس... وقولهم في لهو الحديث مثل هذا وهو دليل فقههم فليس هو الغناء الوحيد لهو الحديث بل المجادلة بالباطل من لهو الحديث والكذب من لهو الحديث وووو فذكر الغناء بلا معارض لقولهم في الاية دليل على اجماعهم وان امره خطير بنص الاية التي حرمها الله ... وبالتالي فلا يجوز التساهل برد اقوالهم بحجة باردة ومفهوم خاطي على تنوع الالفاظ والامثلة فتسمية انت اختلاف وهو ليس اختلاف تضاد وتصادم بل اختلاف تنوع وامثلة ذكروها من (لهو الحديث) وحسب ( الغناء) تحريما ان ذكر من ضمنها من صحابة رسول الله ومفسري القران ... فكيف تريدنا أن نخرج من اقوال السلف الى قولك ، فمن احق والواجب بالاتباع انت أم الصحابة والتابعين وتابعيهم وعلماء الإسلام من المصنفين وقد تناقلها العلماء والمفسرون والفقهاء والمحدثون في كتبهم ، وعليه فلا يصح قولك
تفسير هذه الآيات وقع فيه الاختلاف بين السلف, فمِن قائل بالغناء ومِن قائل بغير ذلك , فالأمر ليس إجماعاً ملزماً يُحتج به .
فهذا من اختلاف التنوع وذكرهم امثلة من لهو الحديث لا اختلاف تضاد وتصادم ورفض لقول من قال ان من ضمن لهو الحديث الغناء... فتأمل قواعد وطريقة التفسير عند السلف ، واعلم أنهم لا يفسرون كلام الله باهوائهم ولا باجتهاداتهم ولا باراءهم ..بل يتكلمون عن بيان مراد الله ورسوله ويعلمون خطر الكلام في دين الله والتساهل فيما ينقلونه من العلم... بل هم حريصون غاية الحرص أكثر منا اليوم ان لا يتكلمون وبخاصة في كتاب الله الا كما تعلموه من رسول الله وهم بلغوه لمن بعدهم ، فاليوم اهمال اقوال العلماء والفقهاء والمحدثين والمفسرين في الدين والتفرد بفهم الدين فهما مجردا عن السابقين خطره عظيم او كما تقول
قال المبيح: أخطأت للمرة الثانية, فالحجة في كلام الله وكلام رسوله وليس في تفسير بعض السلف
ومعلوم ان التفسير عن الرسول قليل جدا وجاءنا عن السلف ولم يختلفوا الا في النذر اليسير من المسائل ... فهم متفقون في مجمل المسائل من الدين مثل المذاهب الأربعة اخوة أهل سنة وجماعة مراجعهم واحدة الكتاب والسنة والاجماع وانما يختلفون في العبارات والمسببات والعلل والالفاظ التي كلها مؤداها لشي واحد ولكن هذا اختصر وهذا اسهب وهذا ذكر لفظة انسب وذاك اختار لفظة اقرب في نظره وهذا اختار علة وحكمة وسبب في التحريم وذاك اختار علة وسبب اخر في التحريم لكن كلهم في اصل المسالة متفقون محرمين لها ...وهكذا ولا يعتبر هذا خلاف بالمعنى انه خلاف تضاد وتصادم بل خلاف تنوع واشكال في التمثيل والالفاظ المؤداها لشي واحد ... ولكن أصول المسائل والحلال والحرام اخوة مجمعون .. والرسول اخبر ان الهدي والحق في اتباع الصحابة وخير القرون الثلاثة على من بعدهم.
4- ولو لم يوجد الا عدم نقلهم لمجالس الطرب والغناء والاته عن الائمة أيضا وكما سبق انه لم يرد عن الرسول ولا عن الصحابة ولا عن الائمة الاربعة ولا من بعدهم من العلماء والاعلام لكفي دليلا على اجماعهم على التحريم . فقد قالت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها(انْ كَان رسولُ اللَّه ï·؛ لَيدعُ الْعَمَلَ وهُوَ يحِبُّ أَنَ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ" متفقٌ عَلَيهِ. وهم ما فعلوه ولا مره.
والدف امره بسيط وقد ورد فيه النص في العيد وكذلك التي نذرت قال لها ( إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا ) مما يدلك على عدم استحبابه وبعد فعلهم لغيره لولا انها نذرت .... فكيف بالغناء فظاهره من هذا التحريم كما يرى كل سامع .
5- وخذ مثالا على عدم صحة مخالفتك الاجماع وغلط قياسك من بعض ما ذكرته في مناقشتك تسرى على بقية المناظرة حيث قلت
انظر بارك الله فيك إلى هذه العقوبة الشديدة, فقد خسف الله بقوم ومسخ آخرين قردة وخنازير. وسؤالي لك مَن هؤلاء الذين استحقوا هذه العقوبة؟ هل هم فقط من يستمعون الغناء والمعازف ؟
..... قال المبيح: أحسنت بارك الله فيك, فالوعيد والعقوبة في الحديث على من استحل هذه الصورة المنكرة لا من استمع للمعازف منفردة فلماذا تقول بأن الحديث يدل على تحريم المعازف في غير هذه الصورة وسياق الحديث لا يدل عليه ؟
قال السيد محمد رشيد رضا: المعازف المنصوص عليها فيه هي ما كانت مقترنة بشرب الخمر كما يستفاد من بعض روايات الحديث . (ومنها) أن المراد بالحديث: يستحلّون مجموع ما ذكر فيه لا كل واحد منها. .... ه (مجلة المنار17/181)
فقوله (يستحلون) هي على هذه الصورة مجتمعة بدلالة سياق الحديث والعقوبة المترتبة فيه على هذه المذكورات مجتمعة وليست على بعض أفرادها .
فالمعازف في هذا الحديث غير مقصودة لذاتها وإنما المقصود غيرها وهو شرب الخمر والفسوق ......
ولا يصح بحال تنزيل هذه العقوبة المغلظة فيمن يلبس الحرير مثلاً باعتباره أحد المذكورات في الحديث وكذلك الحال في المعازف .
وهذا قمة التساهل منك ومن الشيخ محمد رشيد رضا ومعروف تساهله بكثير من الثوابت واتباعه منهج المدرسة العقلية الحديثة زمن الافغاني ومحمد عبده وردود واستنكار العلماء عليهم في كثير من المسائل المهمة والمجمع عليها .
الرسول يقول (والمعازف) وشملها من افعالهم المعاقب عليها وتقول بكل برود لا يشملها الغناء ولماذا جاء رسول الله بذكره اذا؟؟! وعلى هذا فالحرير مباح الا اذا اقترن بالزنا ... .. والزنا مباح الا اذا اقترن بالخمر !!... وكلام الرسول مفهوم انهم لاستباحتهم المحرمات وكثرة معاصيهم اصابهم ما اصابهم من خسف ومسخ ، شي بدهي مفهوم ان المقصد انهم بلغوا الشر كله ... ومفهوم حديث الرسول عندما قال رجلٌ: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: ((أن تدعو لله ندًّا وهو خلَقك))، قال: ثم أي؟ قال: ((أن تقتل ولدَك مخافة أن يطعَمَ معك))، قال: ثم أي؟ قال: ((أن تزانيَ حليلة جارك))، اخرجه مسلم. ومعلوم ان الزنا بحد ذاته كبيرة من كبائر الذنوب ولكن لما اقترن بحليلة الجار كان ليس كفعل الزنا وهو في اصله كبيرة ... والغناء محرم كبيرة ولما اقترن بما في الحديث دل على شدة الكبيرة وشناعتها مع ما صاحبها من كبائر أخرى فكانوا مستحقين الخسف والمسخ ، شي مفهوم لاي سامع وعامي لكلام الرسول ، ولكن الغريب هذا التوجية والتمييع والتساهل في صريح النصوص لتحليلها والبعيدة عن اقوالهم الصريحة والظاهرة ولا حول ولا قوة الا بالله . او كقولك
ثم إنه وعلى صحة تفسير صوت الشيطان أو لهو الحديث بالغناء فالآيات تتحدث عمن يستخدم هذه الوسائل في الاضلال عن سبيل الله تعالى ودعوة الناس إلى ارتكاب المعاصي . أما من يستمع الغناء للتسلية والترفيه وغير ذلك من الأمور المباحة لا ليضل عن سبيل الله فلا يدخل في الوعيد ولا يشمله ذم الآيات لمن يفعله,
وعلى هذا يطلع لنا قائل ان الربا حلال لو برضى الطرفين لعدم وجود اكل اموال الناس بالباطل وعدم موافقتهم .. والزنا حلال لو كان برضى الطرفين فلا اغتصاب ولا اعتداء بل بالمعاشرة الطيبة كما قال تعالى (وعاشروهن بالمعروف) وهذا من الضلال نفسه . وصدق (ليكونن أناس من امتى يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف). وما سبق مثال على الفهم الخاطي ومدى التساهل ومثله في المناظرة كثير مما يهدم كثير من الثوابت والمحرمات بهذه الطريقة المنكرة والمتساهلة .
6- ولو تدرك خطر ما تقول وترى الحاصل والمحصول والواقع من الغناء وأهله وملازمته للزنا كما قال السلف انه بريد الزنا وغير ذلك من واقع القوم ، لما قلت بتحليله حتى لو على فرض ليس لاهل العلم كلام فيه ..كيف وكتبهم طافحة بتحريمه فتتجاهلها في مناظرة قاصرة لم تستوعب كتب العلماء او اهملتها كما اهملت اقوال الصحابة والسلف ولا مخالف لهم ..والله يقول (فسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون)... فلو كانت من الأمور المستحدثات كالمخدرات ومسابقات القمار الحديثة واخذ أموال الناس ... لكانت لكل منصف وعاقل وعالم بمقاصد الشرع ومراميه واحكامه... القول بالتحريم لما يرى من مفاسده الكبيرة واختلاطه وكلماته واحواله ووو... فكيف بقصور المناظرة واجتزائها وبترها لقرون وكتابات ودواوين علماء السلف والامة لتكون بين شخصين اثنين مهملة كثير من قواعد واصول ونصوص المسالة عن السلف بجرة قلم.
فكانت مناظرة شقية لا شيقة.
وما سبق يكفي لبيان بقية ما لدي في المناظرة من ملاحظات .. واشكرك لسعة صدرك.
بالله التوفيق
 
إنضم
29 يناير 2019
المشاركات
7
الكنية
ابو محمد
التخصص
محاسبة
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
سلفي
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى والراجح الاباحة (2)

1-المناظرة يا أخي عبارة عن مختصر لبحث مطول سيأتي بعد ذلك ان شاء الله وانا لم انتهي من المناظرة بعد وسياتي في الحلقة القادمة الكلام على دعوى الاجماع وأن الخلاف ثابت بين أهل العلم أثبته غير واحد من الأئمة المحققين حتى ممن يرى التحريم كابن تيمية في الفتاوى (27/229-230) وابن حجر في فتح الباري (2/443) وهناك العديد من المؤلفات في إباحة الغناء والموسيقى (باطلاق أو بتقييد) لبعض الأئمة والفقهاء من السلف والخلف كالامام ابن قتيبة الدينوري وهو من تلامذة اسحاق بن راهويه والحافظ محمد بن طاهر المقدسي وابن دقيق العيد والذهبي وابن حزم وغيرهم وسيأتي بيانه في الحلقة القادمة إن شاء الله .
وأراك قد قلدت من حكى الاجماع من أهل العلم بغير بحث ولا اجتهاد منك. وهي دعوى لا دليل عليها والخلاف ثابت وموجود غفر الله لك .
2-قولك أني أغفلت كلام الصحابة والسلف فأين هذا غفر الله لك؟
لعلك تقصد أثر ابن مسعود وقد بينت لك ضعفه أم تقصد أثر ابن عباس وقد ذكرته ولم أغفله كما زعمت, ولكني ذكرت أن الآية تذم من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله وليس الذم للهو باطلاق فهنا في الحكم وصف يجب اعتباره بنص الآية كما قال الامام الذهبي وقاله غيره من أهل العلم والتفسير كالشوكاني والغزالي وابن حزم وغيرهم .
وقد ذهب بعض المفسرين من السلف والخلف إلى أن لهو الحديث هو الشرك أو هو لهو مضاف إلى كفر كما روي عن الضحاك وابن زيد ويحيى بن سلام واعتمده من المفسرين الثعالبي وابن عطية وابن جزي .
3-اعترضت على قولي (فالحجة في كلام الله وكلام رسوله وليس في تفسير بعض السلف) ولم أفهم سبب اعتراضك وأكرر لك هنا: نعم الحجة في كلام الله وكلام رسوله وليس في تفسير بعض السلف .
ولم أقل هنا أن الاختلاف تضاد غفر الله لك وإنما قصدي أن السلف ورد عنهم تفسيرات أخرى غير الغناء يمكن من خلالها فهم المعنى والمراد من الآية من مجموع أقوالهم وليس من البعض منها.
فمن الذي يجتزيء هنا غفر الله لك !
4-ألزمتني بكلام غريب لا أدري كيف تجرأت على قوله كمثل قولك (وعلى هذا فالحرير مباح إلا إذا اقترن بالزنا والزنا مباح إلا إذا اقترن بالخمر) !
كيف تفهم هذا غفر الله لك وقد قلت بصريح العبارة (ولولا الأحاديث الصحيحة الصريحة التي جاءت في تحريم لبس الحرير على الرجال لما عُدّ من المحرمات من أجل وروده ههنا)
وكذلك الأمر في المعازف. أما الزنا والخمر فقد تواترت فيها أدلة التحريم وهي من ضروريات الاسلام .
وأغرب منه وأعجب في سردك لالزاماتك الباطلة والتي تدل على قلة فهمك لكلامي كمثل قولك (وعلى هذا يطلع لنا قائل ان الربا حلال لو برضى الطرفين لعدم وجود اكل اموال الناس بالباطل وعدم موافقتهم .. والزنا حلال لو كان برضى الطرفين...)
ما هذا الكلام الغريب؟! اتق الله يا أخي وأنصف إخوانك. أهذا ظنك بأخيك؟ هل تظن أني كتبت هذا لأحل شيئا حرمه الله في رأيك واعتقادك . إنما البحث لاثبات ما حرمه الله وما سكت عنه .
واعلم أن من أباح ما حرّم الله ليس أعظم ذنبا ممن حرّم ما أحل الله فتنبه فإنه موضوع البحث غفر الله لك .
5-ثم إنك تجاهلت تماما الحديث الصحيح الذي ذكرته مؤيدا لصحة ما ذهبت إليه ولا أدري أعن قصد فعلته أم غفلة منك غفر الله لك .
فحديث جابر رضي الله عنه فيه التصريح بأن الصحابة كانوا يستخدمون الطبل والمزامير في أفراحهم. وقال الامام الطبري عقب روايته لهذا الحديث في تفسيره: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَاهُ عَنْ جَابِرٍ لِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ أَمْرَ الْقَوْمِ وَمَشَاهِدَهُمْ . ه
فهل تقول أن الصحابة بفعلهم هذا يستحلون ما حرّم الله ؟! أم تتهم رأيك الضعيف وتفسيرك الخاطيء للحديث وأنك لابد أن تجمع بين الأدلة لتعرف الحكم الشرعي وتفهم المراد منها فهي تجتمع ولا تختلف غفر الله لك .
6-وهذا الحديث الصحيح لعله لم يطرأ سمعك من قبل فإنك تأخذ العلم تقليداً وليس بالاجتهاد والبحث غفر الله لك .

أما قولك في آخر كلامك أنها مناظرة شقية وليست شيقة فلا يسعني إلا أن أقول لك ... غفر الله لك .
 

أَمَةُ الكريم

:: متابع ::
إنضم
29 أغسطس 2018
المشاركات
70
التخصص
علمي
المدينة
...
المذهب الفقهي
لا يوجد
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى والراجح الاباحة (2)

فليعذرني الأخوة في تطفلي الأخ أحمد ، بداية معذرة على تدخلي في الكلام ، ولكن أردت أن اوضح أمورًا فحسب .
وليعذر أهل الفضلي مثلي أن تتكلم أو تتدخل في نقاشهم وهي لم تبلغ مستواهم العلمي بعد .
ولكن يا أخ أحمد ما أردت قوله يتلخص في النقاط التالية :
1- قولكم بأن الوعيد خاص بمن جمع هذه الصفات معناه أن كل الصفات المحرمة التي جاءت مجتمعة في نص واحد لا نحرمها إلا إذا صدرت جميعها في وقت واحد من نفس الشخص فمثلا قال الله : " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله " فلو طبقنا قولكم في حديث المعازف لخرج لنا من يقول أن الميتة لا تحرم إلا إذا اقترنت بالدم المسفوح ولحم الخنزير . وأظن هذا ما أراد الاخ تركي أن يقوله .
2 - قلتم أن الوعيد المذكور إنما هو على اجتماع هذه الأوصاف رغم أن في نظري القاصر وعلمي الضئيل هناك وصف مؤثر للغاية وهو أنهم ليسوا يفعلون كذا وكذا ،، بل ( يستحلّون ) فلماذا لا يكون الوعيد الشديد على استحلالهم للمحرمات ، فمعلوم أن من يفعل المحرم وهو مقر أنه محرم ليس كمن يستحله ويعتبره من حقه .
وأرجو هذه النقطة خاصة أن يصوبها لي الأخوة / الأخوات لو أخطأت فيها .

3- الآثار الواردة عن الصحابة إن اشتملت على أكثر من معنى (لا تعارض بينهم ) تحمل على كل المعاني الواردة ، وبحثت في شئ من كلام العلماء ، فأنقل لكم كلام الشيخ بن عثيمين في كتابه ( شرح أصول في التفسير ) يقول الشيخ رحمه الله : " القسم الثاني : اختلاف في اللفظ والمعنى ، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما فتحمل الآية عليهما وتفسرهما ، ويكون الجمع بين هذا الاختلاف أن كل واحد من القولين ذكر على وجه التمثيل لما تعنيه الآية أو التنويع ... ومثال آخر : قوله - تعالى - : ( وَكَأْسًا دِهَاقًا )
قال ابن عباس : ((دهاقًا مملوءة ))
وقال مجاهد : (( متتابعة ))
وقال عكرمة : (( صافية )) ، ولا منافاة بين هذه الأقوال والآية تحتملها فتُحمل عليها جميعًا ويكون كل قول لنوع من المعنى [ثم قال شارحًا هذه الفقرة ] هذه الأقوال لا منافاة بينها ، لأنه يمكن أن تكون مملوءة ومتتابعة وصافية ، فتحمل الآية على المعاني الثلاثة كلها ويكون المقصود ذكر كل نوع.

القسم الثالث : اختلاف اللفظ والمعنى والآية لا تحتمل المعنيين معًا للتضاد بينهما فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلالة السياق أو غيره .... ومثال آخر قوله - تعالى - ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الذي بيده عقدة النكاح : (( هو الزوج ))
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - ((هو الولي)) . والراجح الأول ؛ لدلالة المعنى عليه ، ولأنه قد روي فيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . " انتهى كلام الشيخ رحمه الله .
والذي ذكره الشيخ رحمه الله موافق لقاعدة فقهية سمعتها وتعلمتها من الشيخ وليد بن راشد السعيدان - حفظه الله - وهي قاعدة ( إعمال الكلام أولى من إهماله ) ، قال الشيخ وليد السعيدان : " ومن القواعد أيضا : إعمال الكلام أولى من إهماله ، وهذا في كلام الله عز وجل ، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - أعظم ما ينبغي تطبيقه فلا يجوز لك أن تلغي شيئًا من كلام الله ولا أن تلغي العمل بشئ مما صح من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت قادر على إعمالهما ، ويدخل في ذلك إعمال كلام الخلق فلا حق لك أن تلغي كلامًا يمكن إعماله " انتهى كلامه حفظه الله .

وبهذه القاعدة يتبين أن كل ما ورد في تفسير الآية من الأقوال المختلفة ليس متعارضًا فيمكن الجمع بينه بأن لهو الحديث وهو باطل الحديث وغير ذلك من الأقوال كلها مجموعة معا وفي آية ( واستفزز من استطعت منهم ) يقال فيها نفس الشئ فصوتك هنا معناه كما قال مجاهد اللهو والغناء ، وأيضا تعني كل صوت داع إلى معصية الله كما قال ابن عباس وأيضا تعني دعائك كما قال قتادة فلا إشكال في اختلاف وتنوع الأقوال لأنها ليست متضادة كما في مثال الذي بيده عقدة النكاح .
4 - أستاذ أحمد لا يخفى عليكم مدى الفتن والشبهات المنتشرة في أوساط الشباب - ذكورًا كانوا أو إناثًا - فليس المتوقع من طلبة العلم وأهله الافاضل أن يفتحوا بابًا جديدًا من الشبهات على الناس ، فهناك من الانحرافات الفكرية والأخلاقية الشئ الكثير .
5 - هب أن العلماء مجمعون على إباحة المعازف ، فهل المعازف والأغاني التي أجازوها مثل الحال الآن ؟ فإن قلتم أنكم لا تقصدون هذا النوع من الأغاني وأنكم تقصدون موسيقى مجردة أو أغاني ذات معان مستقيمة !
أقول لكم ، وعن تجربة ورؤية للواقع من حولي الذي أعاصره بشكل شبه يومي أن أهل الأهواء سيأخذون ما يحلو لهم ويتركون البقية مهما أكدتم على حصر نوع معين من الغناء ، لن يلتفتوا إلا لبغيتهم وهي أن طالب علم بملتقى فقهي يقول كذا ، وآخر بملتقى آخر يقول كذا ، وهؤلاء يقدسون كلام البشر فربما لا ينظرون للأدلة بقدر ما سينظرون لقولكم (والراجح الإباحة) .

قولكم (فلماذا أخذت بقول مجاهد وتركت قول غيره من الصحابة والتابعين ؟!
مع أن تفسير ابن عباس هنا هو التفسير المنطقي السليم الشامل لكل صوت يصد عن سبيل الله, وهو يشمل تفسير مجاهد وغيره )
يُرد عليه بما سبق من أن المحرم لم يأخذ البعض ويترك الآخر بل هو يجمع بينهم كلهم ولكنه يريك ويركز على معنى واحد منهم وهو محل النزاع الذي هو الغناء .
6 - كل هذا الكلام عن الغناء يحمل على ما ليس فيه محرمات مصاحبة كالمعازف ، وعلى ما كان كلامه خاليًا من الفحش ، ولكن هل تجد مثل هذا حاليا ؟ فمن تراهم مجيزين لو رأوا ما نحن فيه قطعا لحرموه ، وكيف نشابههم وهذا شعار أهل الفجور والمعاصي ؟
مما تعلمت من الشيخ وليد حفظه الله : قاعدة أنقلها من موقعه ( لا يجوز فعل عبادة لله بمكان يفعل فيه جنس هذه العبادة لغير الله ) انتهى .
فإذا كانت العبادة المجمع على مشروعيتها لا تجوز إذا وافقنا فيها الكفار ، فكيف نوافق أهل الفجور في شئ ليس هناك إجماع على مشروعيته بل الأدلة خلافه ؟
7- اذكركم أن كثير من أهل الباطل يسخرون أصلا من المستقيم على أمر الله ، فكونهم يرون هذه الآراء مما يزيد السخرية ويصور لهم أن المستقيم أو " الملتزم " متناقض .
8 - معلوم ومشاهد أن أغلب من يستمعون للمعازف يثقل عليهم لا أقول القرآن فبعضهم يستمعه ربما ليخفف تأنيب ضميره وليثبت أن المعازف لا تعطلني ! ولكن ما شاهدته أنها تثقل على سامعها قبول النصح لأن قلبه قاس ، وإذا كان الضحك المباح إذا كثر قطع عن الله وجعل القلب قاسيًا فكيف بشئ قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم يستحلون ؟ وحتى لو يسمعون القرآن فما فائدة السماع إذا كان لا يعمل به . وبعضهم عافانا الله والجميع يدمن عليها بحيث من الصعب تركها إلا على من يمن عليه الله .
واختم بمقولة أن الإنسان لا يبلغ منزلة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس ، فكيف نخوض أصلا فيما فيه البأس ؟ لا سيما بعد ما ورد حديث في البخاري مع وجود طرق متعددة مباحة للترويح عن النفس .
وأنا فيما كتبت متطفلة على جهد وعلم وكتب العلماء الأفاضل ، وما قرأت أو سمعت شيئا إلا بفضل الله وحده فله الحمد .
 

أَمَةُ الكريم

:: متابع ::
إنضم
29 أغسطس 2018
المشاركات
70
التخصص
علمي
المدينة
...
المذهب الفقهي
لا يوجد
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى والراجح الاباحة (2)

وبغض النظر عن أي أدلة مبيحة فالمعازف والأغاني هي شعار أهل الفجور ، فليس لنا أن نتشبه بهم فمن تشبه بقوم فهو منهم
 

أَمَةُ الكريم

:: متابع ::
إنضم
29 أغسطس 2018
المشاركات
70
التخصص
علمي
المدينة
...
المذهب الفقهي
لا يوجد

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى والراجح الاباحة (2)

-نقل الاتفاق على تحريم المعازف جمع كبير من أهل العلم في شتى العصور ..ومن سائر المذاهب
-كثير من الإطلاقات في هذا الباب ، كمحاولة إثبات الخلاف ونحو ذلك تتعلق بعبارات مجملة ..أسيء فهمها ، أو تصحيح أحاديث معلولة
بتقليد بعض من صحح ، وهو ليس من جهابذة الفن ..أو تضعيف ما ثبتت صحته !
-أعجب -بصراحة - من تخصيص هذا الجهد المكثف لمحاولة تقرير إباحة المعازف ، عبر اصطناع مناظرة
مع أن الأمة ترسف في أغلالها وتعاني من تسلط الأعداء عليها ، ومن معالم الانحطاط فيها التهاء الناس بآلات الطرب وما إليها
طالب العلم الموفق يشتغل بما فيه رفعة أمته لا أن يكون أداة بأيدي أعدائها وطغاتها-من حيث لا يدري - الذين يبغونها عوجا ..

-أنصح بالنظر في الكتب الآتية :
أ-التليد والطارف في الرد على من أجاز المعازف للشيخ المحدث عبد الله السعد حفظه الله تعالى
ب-الغناء في الميزان للمحدث الطريفي-فك الله أسره- وهي رسالة صغيرة ،لكن يميزها ما نقله من حكايات الإجماع عن عشرات أهل العلم ..
ج-أحاديث المعازف للباحث محمد عبد الرحمن رسالة ماجستير في العراق
د-إتحاف القاري للنميري الصبار
د- الرد على القرضاوي ..إلخ لعبد الله رمضان موسى ،وفيه رد على بعض من أجاز
 
التعديل الأخير:

منيب العباسي

:: متخصص ::
إنضم
17 يناير 2010
المشاركات
1,204
التخصص
----
المدينة
---
المذهب الفقهي
---
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى والراجح الاباحة (2)

وسوف أنتقي جزئية من المقال ، وأرد عليها بمعونة الله بما تيسر على عجل ..وهي دعوى أن التحريم فيما لوكانت الأشياء المذكورة مقترنة بعضها ببعض .
أولا-نصوص العربية -وأشرفها الوحي - تُفهم بمقتضى سلائق العرب ، لا بالافتراضات الذهنية ..فلو قال أبٌ من أقحاح العرب لبنيه : غدا أرحل فتستبيحون اللهو ، والنظر للنساء ، والغش !؟
لفهموا منه على البداهة أن كل واحد من المذكورات مذموم على الانفراد..
ثانيا-إن قيل إن المقصود بالذم هو الهيأة الاجتماعية ، فهل لابد أن تكون المذكورات كلها حاصلة معًا حتى يكون حرامًا ، أم اجتماع اثنين منها يكفي ؟ ما الدليل ؟
ثالثا- إذا أثبت الحكم لأشياء عطف بينها بعاطف هو الواو ، فالأصل استقلال كل فرد منها بثبوت الحكم في حقه ،هذا مقتضى الأصول وفقه العربية..كقول الله تعالى "والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون..إلى أن يقول :ومن يفعل ذلك يلق أثاما " ففهم الناس كافة ،أن كل شيء مما ذكر هو ممنوع وحده ،وإن تفاوت المنع في الشدة ،كقول النبي صلى الله عليه وسلم"إن الله ورسوله حرم بين الخمر والميتة والخنزير والأصنام"
رابعا-لو كان المنع لا يكون إلا في صورة الاقتران للزم أنه لو أفردت بعض الأفعال دون اقتران ، لما صح أن يُفهم منه التحريم على الانفراد
..إلا بدليل خارجي ، وهذا قد يقضي على نصوص كثيرة ! وهو خلاف ما فهم السلف والعرب في الجاهلية من النصوص العربية
خامسا-قال الإمام السمعاني في القواطع "لا يصح الجمع بين شيئين في الوعيد إلا وأن يكون كل واحد منهما يستحق الوعيد"
سادسا-على فرض أن المنهي هو الصورة الاجتماعية فهذا لا يدل على إباحة المعازف ، بل يدل في أقل أحواله أن المعازف هي بيئة لهذه الأشياء الوبيئة ،فكيف وفي الباب أحاديث أخرى صحيحة ؟
سابعًا-جاءت بعض الأحاديث من طرق أخرى عن صحابي آخر كأبي عبيدة الجراح-رضي الله عنه- ، وفيها "ثم ملك وجبروت يُستحل فيها الخمر والحرير " أخرجه الدارمي وغيره
وهذه الطرق سواء صُحّحت أو ضعفت ، لا فرق هنا ،لأن وجه الشاهد فيها أن المفهوم منها عند الكافة استقلال كل جزئية بالتحريم وحدها ..

ثامنا-لو كان المقصود حالة الاقتران لكان يلزم أن يستعمل ما يدل عليه بوضوح، كقوله تعالى "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف.." فالصورة الاقترانية دل عليها الجملة الحالية :وهو مؤمن ،أي لا يقبل منه العمل الصالح إن عري عن الإيمان ..ونظائرها كثيرة
تاسعا-قول النبي صلى الله عليه وسلم :يستحلون،على جهة الذم.في سياق بيان أحداث تقع- فهي تعدّ من الأشراط وأعلام النبوة-: لو كان مقصودا به إيقاع الذم على الصورة مجتمعة، لكان يعني أن سيخرج قوم يقع منهم استحلال لهذه الأشياء دفعة واحدة ..والواقع/ التاريخ :لا يؤيد ذلك ،
عاشرا-لو كانت المعازف مباحة في أصلها لكانت ضميمتها في سطة هذه الأشياء مخلًّا بالبلاغة-وحاشا مقام النبوة من ذلك- ..والفقهاء استفادوا مثلا من إدخال الممسوح وسط المغسولات حكمًا ،وهو يستند إلى بلاغة المشرع
كما أنه على هذا التأويل يقتضي التعسف في فهم الكلم ، ويكون التقدير هكذا : سيكون أناس يستببيحون 1 و 2 و 3 و 4
ولكن 4 ليس محرما ،بل هو حلال ، إنما ذكرته ، لأن من شأنهم أن يجمعوه مع ما ذكر ..بخلاف 2 و 3 و 1 ، فهذه محرمة أصلا ، ولو كانت مفردة
فانظر كيف استحال الكلام !
الحادي عشر - لو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :يستحلون الحر ويستحلون الحرير..إلخ فكرر العامل الذي هو الفعل ،فما عسى يقول المعترض ؟
إن قال في هذه الحالة سأثبت التحريم ، قيل له الواو تدل على الاشتراك عند الكافة ، على نية تكرار العامل ،كقول جاء خالد وزيد ،فالمعنى جاء خالد وجاء زيد
فبطل الفرق سوى أنه تطويل للكلام
وإن قال بل سأقول أيضا باشتراط الصورة المجتمعة ، فهذه مكابرة !
 
أعلى