العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى (3) والأخيرة

إنضم
29 يناير 2019
المشاركات
7
الكنية
ابو محمد
التخصص
محاسبة
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
سلفي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الأخيرة من المناظرة وبالمرفقات المناظرة كاملة بصيغة بي دي اف والله الموفق

قال المحرم: هذا الذي تذهب إليه من إباحة الغناء والموسيقى لم يقل به أحد من أهل العلم قبلك إلا ابن حزم الظاهري وقد رد عليه أهل العلم ونقلوا الاجماع على تحريم الغناء المصحوب بآلات الملاهي. فابن حزم بذلك يعتبر مخالفاً للإجماع وكذلك من أتى بعده ممن وافقوه وأراك منهم للأسف تخالفون الاجماع الثابت في تحريم الغناء والموسيقى .

قال المبيح: لا أنا ولا الامام ابن حزم ولا من وافقه خالفوا إجماعاً . فهذه دعوى لا حقيقة تحتها, ومن نقل الاجماع من أهل العلم فهو معارض بوجود المخالف أولاً وبنقل غيره من العلماء الأثبات للخلاف في المسألة ثانياً ومن علم حجة على من لم يعلم. وقد ثبت عن بعض السلف من الصحابة ومن تبعهم الغناء والترنم به. ونقل الامام الذهبي في سير أعلام النبلاء وابن عساكر في تاريخ دمشق وغيرهم من أهل العلم عن الأئمة عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ, وابنه عبد الملك, ويعقوب بن أبي سلمة, وابنه يوسف بن يعقوب أبناء الْمَاجِشُونُ وأربعتهم من أهل الفقه والفتيا ومن أئمة السلف وكلهم كانوا يستخدمون المعازف مع الغناء ويبيحون ذلك ولا يحرمونه. كذلك المحدث الامام إبراهيم بن سعد ومذهبه في ذلك مشهور, كذلك ألف الامام ابن قتيبة الدينوري (الرخصة في السماع) وهو من أئمة السلف ومن معاصري الامام أحمد رحمهم الله. كذلك ألف غير واحد من أهل العلم في جواز الاستماع إلى الغناء والموسيقى (باطلاق أو بتقييد) كالحافظ محمد بن طاهر المقدسي في (السماع) وابن حزم في (المحلى) وابن دقيق العيد في (اقتناص السوانح) والذهبي في (الرخصة في الغناء والطرب بشرطه) وغيرهم فأين هذا الاجماع المدعى . وقد نقل الخلاف في جواز الغناء والموسيقى غير واحد من أهل العلم كابن تيمية في مجموع الفتاوى (27/229-230) وابن حجر العسقلاني في فتح الباري (2/443) والشوكاني في نيل الأوطار (8/113) وغيرهم من أهل العلم المحققين الذين أثبتوا الخلاف في المسألة . وألف الشوكاني رسالة مستقلة سماها (إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع) أبطل فيها دعوى هذا الاجماع المزعوم .
وأذكر نفسي وإياك أخي الكريم بمقولة الامام أحمد بن حنبل: من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه لعلهم اختلفوا .
قال المحرم: إن من ورد عنهم من السلف إباحة الغناء فإنما ذلك في غناء العرب القديم كالحداء والنصب ونحو ذلك من الأشعار التي يقولونها برفع الصوت ومده من غير هذه الايقاعات الموزونة ولا الموسيقى المقرونة. فلا يصح قياس غناء العرب القديم على غناء الأعاجم وما استحدثه الناس من بعدهم .
قال المبيح: هذه دعوى بارك الله فيك, وما ورد عنهم لاسيما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه هذه التفرقة المزعومة بين غناء وآخر, وإنما ورد عن بعض الصحابة الكرام المنع من الغناء مطلقاً فقد صح هذا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله: الغناء ينبت النفاق في القلب. وورد عن بعضهم التفصيل في الوقت والمناسبة كمن رخص فيه في الأفراح أو الأسفار دون غيرها من الأوقات وقد روي نحو هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وورد عن بعضهم التغني والترنم في المناسبات وفي غيرها من الأوقات العادية التي يخلو فيها المرء مع نفسه يستروح به. ونقلت لك آنفاً أن الكبر والمزامير وهما من آلات المعازف كانت تستخدم في الأفراح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
أما التفرقة بين غناء وآخر كأن يمدحوا الغناء المجرد ويذموا الغناء المصحوب بالآلات فهذا لم يرد في كلام الصحابة وإنما ظهر في كلام من بعدهم ثم انتشر بعد ذلك في كتب الفقهاء المتأخرين. أما الصحابة فلم يعرفوا مثل هذه التفصيلات ولم يتكلموا بها وقد فتحوا البلاد واختلطوا بأهلها وأخذوا منهم أشياء وتركوا أشياء كما هي عادة الفاتحين للأمم والبلدان عبر التاريخ. ولم يرد عن أحد منهم أنه قال غناؤنا حلال وغناء غيرنا حرام. أو قال عليكم بما تعرفونه من غناء الأعراب كالنصب وغيره, وإياكم وغناء العجم فإنه هو الذي نهى الله عنه. وكيف ينهى الله قوماً عن غناء قومٍ غيرهم وهم لا يعرفونه ؟!
وانظر يا أخي بفهم وتدبر إلى ما رواه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي باسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا رَكِبَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ وَلَمْ يُسَمِّ رَدِفَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ تَغَنَّهْ فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ قَالَ لَهُ تَمَنَّهْ . ه
فهذا الأثر يدلك على أن ابن مسعود رضي الله عنه لم يفرق في المنع والذم بين غناء وآخر. فهذا غناء الركبان يتغنى به الرجل على دابته ليقطع الطريق, فليس مصحوباً بآلة وليس هو من غناء العجم الموزون!
كذلك ثبت عن أصحاب عبد الله بن مسعود أنهم كانوا يستقبلون الجواري في الأزقة معهن الدف فيشقونها. وقَالَ أحمد بن حنبل: الدُّفُّ لَا يُعْجِبُنِي كَسْرَهُ وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَتَشَدَّدُونَ فِيهِ .
وهذا الذي ذهب إليه عبد الله بن مسعود من ذم الغناء مطلقاً ولو كان من غناء الركبان قد فعله جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغنوا به وصح عنهم ذلك كعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن الزبير وأسامة بن زيد والبراء بن مالك وعبد الله بن جعفر وغيرهم من جلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو غناء زمانهم المنتشر بينهم والذي يعرفونه, ولم يرد عن هؤلاء المنع منه أو من غيره, أو التفصيل بين نوع يباح وآخر يذم. فتحميلهم ذم أنواعٍ من غناء الناس في مكان آخر أو في زمان آخر تكلف واضح لا ينبغي صدوره من باحث منصف والله أعلم .
وللامام ابن قتيبة كتاباً سماه الرخصة في السماع لم أطلع عليه ولكن نقل منه بعض أهل العلم ممن اطلعوا عليه, ونقل منه الامام الذهبي في كتابه الرخصة في الغناء والطرب بشرطه فقال: قال ابن قتيبة:
الغناء يروق الذهن ويلين العريكة ويهيج النفس ويجلي الدم ويلائم أصحاب العلل الغليظة وينفعهم ويزيد في فضائل النفس ويوصف لبعض الأمراض , ورأيت لبعض من تكلم على الموسيقى أن الحكماء احتاجوا إلى معرفة الأنغام لمعالجة الأمراض التي تحدث على الأجساد على الوضع الصحيح . ه
فانظر لهذا الامام كيف وصف الغناء والموسيقى وفوائدهما .
قال المحرم: قد أكثرنا في المناقشة أخي الكريم ولو سلمت لك فيما ذهبت إليه ألست بهذا الكلام وتطبيقه في هذه الأيام تفتح باباً عظيماً للشر والفساد وتشجع بذلك أهل الأهواء على التمادي في أهوائهم ومعلوم لك أن سد الذريعة باب من الشريعة .
قال المبيح: يا أخي الكريم الحرام ما حرمه الله وما سكت عنه فليس لأحد تحريمه أو ادعاء فساده وبطلانه فالله أعلم بشئون عباده وقد فصل لنا ما حرم علينا والله لا يحب الفساد .
فلو اقترن بالغناء أيُّ فساد معلوم في الشرع والعقل فساده فحينئذ لا يجوز استعماله كالرقص والعري والألفاظ الفاحشة أو غير ذلك مما حرمه رب العالمين. وهذا الحكم يسري في سائر وسائل اللهو الذي هو مباح في أصله وليس خاصاً بالغناء وحده .
أما أن نغلق على الناس باباً من الترفيه واللهو المباح من أجل ذلك فهذا من التشدد والتضييق وعواقبه لا تأتي بخير ونتائجه عكسية . فمعلوم ومشاهد من حياة الناس أنك إن أغلقت عليهم أمراً لهم فيه رغبة ولهم إليه ميل وحاجة خشية أن يقعوا في شيء محرم فسرعان ما يهرعون ويقعون في الحرام الصريح ويرتكبون الفساد المبين, ويكون حاصل الأمر أنك أغلقت عليهم باباً خشية الفساد فتسببت في وقوعهم في صريح الفساد, وهذا من شؤم التشدد وتحريم ما عفا الله عنه والله أعلم .
وإذا كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ كلا, إنما جاء لتهذيبها والسمو بها وتوجيهها التوجيه القويم. ومعلوم أن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها .
والانسان بطبعه يميل إلى الترنم والتغني, وآذانه تحب سماع الطرب والصوت الجميل. فإذا أردت أن تمحو شيئاً فطر الله الناس عليه فأنت بذلك تغير فطرة الناس وما جُبلوا عليه وهذا منافي لقواعد الشريعة وأصول الدين التي تنص على أن الاسلام هو دين الفطرة وقد جاء بحفظها وتهذيبها لا محوها ومحاربتها .
ومن المعلوم أن إسراف المرء من المباح وكثرة الانشغال به يسبب له أضراراً في بدنه أو سلوكه أو دينه أو في حياته عموماً , فلو أسرف المرء في الطعام أو الشراب فإن ذلك يسبب له أضراراً بدنية كثيرة فهل نقول بحرمة الطعام والشراب لأن كثرته تؤذي البدن ؟!
فسائر المباحات بلا شك تخضع لقوله تعالى (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وفي عصرنا هذا كثير من الشباب بل وكبار السن أيضاً يعكفون على برامج التواصل الاجتماعي كالفيس بوك واليوتيوب ويقضون فيه غالب أوقاتهم ويضيعون بسببه كثيراً من الواجبات, وترى الواحد منا (وعليه سمت الصلاح) وترى الواحدة من أخواتنا (وفيها خصال الخير) وقد سهروا عامة الليل لا في الذكر والدعاء ولا حتى في النوم المفيد للبدن وإنما في المنتديات والجروبات واليوتيوب ورسائل الأصدقاء حتى إذا اقترب وقت الفجر خارت قواهم وانهارت في نوم عميق الله أعلم متى منه يستيقظون. فمثل هذا من الاسراف الذي نهى الله عنه ولا يجوز , وإن كان كل هذه الأمور في أصلها من المباحات وكذلك الأمر في الغناء واللهو وسائر المباحات.
فمن أسرف في المباحات فإن ذلك يؤذيه في نفسه أو يلهيه عن واجبات ربه وهو مخالف لأمر الله تعالى ونهيه عن الاسراف .
قال المبيح: قد بينت لك أخي الكريم خلاصة بحثي وأدلتي فإن كنت مصيباً فالحمد لله وإن كنت مخطئاً فأرجو أن يكون خطأ مغفور فقد اجتهدت وبحثت ما استطعت ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها, والله من وراء القصد وهو أعلم بنوايا عباده وهو العفو الغفور سبحانه وتعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال المحرم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي الكريم أسأل أن يبصرنا بالحق ويرزقنا الصدق ولين القلب ورحمة الخلق...آمين .
تمت بحمد الله
كتبه أحمد فوزي وجيه
(النقل أو الاقتباس بذكر المصدر)
وهذا رابط الحلقتين السابقتين والله الموفق
http://www.feqhweb.com/vb/t25041

 

المرفقات

  • مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى.pdf
    233.8 KB · المشاهدات: 5
إنضم
25 يوليو 2017
المشاركات
56
الكنية
أبو عمر
التخصص
دراسات اسلامية
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
أهل السنة والجماعة
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى (3) والأخيرة

الاجماع على تحريم الاغاني المحرمة و الموسيقى .
مقطع فيديو ل د. مطلق الجاسر ، محول لمقطع صوتي
https://drive.google.com/file/d/1bO4J8bYBKQXj1bOGAg8rj2FCrcPxCMS1/view


بعد ان ثبتت اقوالهم فلا بعدها معنى للتطويل والكلام .
 
إنضم
29 يناير 2019
المشاركات
7
الكنية
ابو محمد
التخصص
محاسبة
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
سلفي
رد: مناظرة شيقة في حكم الغناء والموسيقى (3) والأخيرة

المسألة خلافية ولا يصح الإجماع فيها ومن علم حجة على من لم يعلم وسبق ذكر من قال بالجواز من السلف والخلف مع ذكر المصدر والمرجع ... ان أبيت بعد ذلك الا التقليد والتشبث بنقل فلان وقول فلان فهذا شأنك والله حسيبك ... وسبق بيان الراجح ومن قال بالجواز على التفصيل في البحث والله الموفق والهادي
 
أعلى