الطيب بن محمد بن الطيب
:: متابع ::
- إنضم
- 31 مارس 2010
- المشاركات
- 4
- التخصص
- اللغة العربية و الدراسات القرآنية
- المدينة
- بني عامر ، المسيلة
- المذهب الفقهي
- ظاهري
بسم الله الرحمن الرحيم
كتب الشيخ الفاضل محمد بن حسين بن حسن الجيزاني كتابًا أسماهُ ( معالم أصول الفقه عند أهل السنة و الجماعة ) فكان العنوانُ جميلاً جذَّابًا لأهل السنة و المنصفينَ، و هكذا الأدب - أدب العلماء - يَسِمُون مصنَّفاتِهم التي هي بنات أفكارهم بأفضل العناوين، كما يُسمُّون بخير الأسماء البنات و البنين، غيرَ أني لمَّا اطَّلعتُ على بعضه وجدتُهُ مكثِرًا النقل عن الإمامينِ أبي العباس ابن تيمية النميري و أبي عبد الله ابن القيم الزرعي - رحمهما الله تعالى - و هما من هما في نشر السنَّة و نصوصها و الحرص على تعظيم قدْرها، إلا أنه لا يمكن للعالم الاستدلال بكلام العلماء و الاعتراض به أو جعلُهُ قواعد للتحاكم عند الاختلاف، فإن هذا خطأ جسيم و مرتع وخيم، للإجماع القائم على أنه لا يُرَدُّ عند الاختلاف إلا للوحيين و أدلتهما، فإن بهما العصمة من كل نقص وحيرة وشرٍّ.
و قد طمعتُ - بعد استبشاري بالعنوان و تفاؤلي باسمه - أن ألفي ما تقرُّ به عيني في باب القياس وحجِّيَّته، فحاولتُ ذلك فلم أستطع وبيان المسألة فيما يلي بإذن الله تعالى:
* قال - سلَّمه الله - عند كلامه على القياس الجليِّ: ( و هذا النوع من القياس متَّفقٌ عليه ) ص:187،
أقول:أين هو الاتفاق؟ و اتفاق من تعني يا شيخُ؟
فهذه مطالبة تحتاج إلى تصحيح الدعوى بالبرهان القاطع.
أمَّا تمثيلُهُ بقوله تعالى ( إن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلمًا ) فزعم أنَّ تحريمَ إحراق مال اليتيم و إغراقه إنما هو قياسٌ مُساوٍ على أكل مال اليتيم.
فأقول: هذا خطأ ظاهرٌ، و ذلك أن الآية نصَّتْ على حرمة أكل مال اليتيم، و الآية الأخــرى و هي قوله تعالى ( و من يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسَـــهُ ) حرَّمت مجاوزة الحدود الإلهية و التحريم حدٌّ من الله فمن تعدَّاه فقد ظلم نفسَــهُ، هذا من جهة، و من جهة أخــرة فحرمة إحراق مال اليتيم و إغراقه ثابتة بنصوص جليَّة - بحمد الله - منها قوله صلى الله عليه و سلم ( لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفس منه ) و قوله عليه السلام ( كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه و مالُهُ و عِرضه ) و منها قوله تعالى ( و لا تبذِّرْ تبذيرًا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورًا )، و غيرها من النصوص، فلا حاجة للقياس الذي أسماهُ جليًّا، و أحسنُ أحواله أن يكونَ لغوًا زائـــدًا.
* تمثيله في قياس العلة بقوله تعالى ( قد خلتْ من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) قال - سلمه الله -: ( يعني: هم الأصل، و أنتم الفرع، و العلة الجامعة التكذيب و الحكم الهلاك ) ص:188،
أقول: و هذا غريب جدًّا، لأمورٍ منها: - أنَّه يُسأَل كلُّ عاقلٍ على أن يجيب بإنصاف و مصداقيَّة: هل تفهم من هذه الآية - إذْ تتلوها - جواز إلحاق كل مقتات و مدَّخر بالقمح في تحريم ربا البيوع؟ و هل تفهم منها إلحاق عجلات السيارة في دورانها بخطوات الأرجل حين الذهاب إلى المسجد فيأخذان الأجر نفسَهُ المنصوصَ في الحديث؟
- الأمر الثاني: أن حكم الهلاك من الأمــور القدَريَّة، فأين منه التحريم و الإيجاب و الكراهة و نحوها من الأحكام الشرعية؟!
- الثالث: على فرض أنَّ هذا قياس علة، فإنه يعترض عليه فيقال: قد وجدْنا أفراداً و جماعاتٍ من الكافرين تحققتْ فيهم علة التكذيب - كما كذَّب أولئك القدامــى أو أشدَّ - و لم نجد حكم الهلاك، بل وجدْنا حكم التنعيم و الرزق و إفاضة المال و كثرة الولد و الحكم في البلاد و السيطرة على العباد، فلا بدَّ من أحد جوابين: إما أن يقال بل حكم الهلاك متحقق و لا بدَّ، فهذا مكابرة للحس و عناد لما يعلم قائله بطلانه في نفسه، و ليس هذا من شيم أهل الحق، و إما أن يقال بل الحكم ليس لازمًا عن علَّته بالضرورة بل جائز أن يتخلف، فأقول: فكل قياس علة لا يلزم من وجود العلة وجود حكمها في الفرع، و هذا نقضٌ للقياس لا مناصَ منه.
* قال - سلمه الله -: ( و لهذا أيضًا لم يجئْ في القرآن مدحُهُ و لاذمُّهُ و لا الأمر به و لا النهي عنه فإنه مورد تقسيم إلى صحيح و فاسد ) ص: 191،
قلتُ: قال هذا و هو يتحدث عن القياس! و هو ينقض بكل صراحة ما سيأتي في ص:198، من الاحتجاج للقياس بقوله تعالى ( فاعتبروا يا أولي الأبصار )، و هذا عنده أمرٌ بالقياس الذي لم يجئ في القرآن الأمر به و النهي عنه و لا مدحُهُ و لا ذمُّهُ ، و هذه عثرةٌ خطيرةٌ ما كان له أن يقع فيها بل قد طان بعيدًا عنها أصلاً، و لكـــن...
* ثم استدلَّ - عفا الله عنَّا و عنه - بحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - المشهور ، و هو ضعيفٌ سندًا منكرٌ متنًا، ضعَّفه أيمة الحديث و جهابذته كالبخاري و الدارقطني و ابن حزم و الألباني - رحمهم الله - و كثير غيرهم، و قد رواه أبو داود في سننه برقم ( 3592 ) من طريق شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو - ابن أخي المغيرة بن شعبة - عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم، الحديث، ثم رواه من طريق أخرى عن شعبة حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ بمعناه، برقم ( 3593 ) و رواه الترمذي بذكر معاذ و تركه ( 1327، 1328 ) ثم قال ( هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، و ليس إسناده عندي بمتصل، و أبو عون الثقفي اسمه محمد بن عبيد الله )اهـ، و وهِم مشهور بن حسن أبو عبيدة - حفظه الله - في عزو هذا الحديث إلى جامع الترمذي فجعله برقم ( 1350 ) و ليس كذلك.
و هذا كما ترى! - أعني الحديث - فيه مجاهيل و انقطاع و إعضال، فهو شديد الضعف، و للاستزادة ينظر تخريج الإمام الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 273، برقم: 286 ) فإنه أفاض في شرح الطرق و الكلام على رواته و نقل أحكام الأيمة السابقين له في الحكم على الخبر بالضعف، و ردَّ - بعلمٍ - على من صحَّحهُ من الفقهاء و من المتعصبين الذين لا حظَّ لهم في الحديث، و بالله التوفيق.
و تنبيها على ما ذكره الألباني - رحمه الله - من رواية علي بن الجعد عن شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن معاذ به، ثم عزاها لابن عبد البر و حكم عليها بالشذوذ، أقول: بل هي غير موجودة أصلاً! لأن المحقق للجامع - و هو أبو الأشبال الزهيري سلَّمه الله - بيَّن في هامش ( 1 ) في المجلد الثاني ص:845، أنها وقعتْ في نسخة ( ط ) بذكر الصحابة و في النسخة ( أ ) بذكر أصحاب معاذ، و هو الصواب، و لا شك أن مثل هذا خطأ نسخيٌّ غير معتبَرٍ، فتكون رواية ابن الجعد موافقة لمن رواه عن شعبة بالإسناد الأول، و لله الحمدُ.
فكيف يسوغ - قبل هذا و بعده - أن يحتجَّ لمذهب أهل السنة و الجماعة بالمناكير الواهيات !!! و هم أوْلَـــى الناس بعلم الحديث و تمييز صحيحه من سقيمه، و هم أهل الحديث حقًّا، و أتبع الناس لما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم و أترك الناس للبواطيل و الموضوعات أمثال هذا الخبر، وكيف يكون قدوةً للجيزاني رجلٌ كأبي المعالي الجويني القائل في برهانه عند ذكر خبر معاذ ( و هو مدوَّن في الصحاح و هو متفق على صحته ولا يتطرَّق إليه التأويل ) 2/ 505، المسألة ذات الرقم: 720 !!!
ثمَّ كيف يُحتجُّ للقياس - الذي هو عندهم أصل من أصول التشريع - بخبر كهذا؟! و لا طريق له إلا ما ذكرتُهُ، على أنهم يتناسوْن ما رواه عبد الله بن المبارك و نعيم بن حماد و سويد بن سعيد الحدثاني و الحكم البلخيُّ أربعتُهم عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن حريز بن عثمان الرَّحَبيِّ عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( تفترق أمَّتي على بضع و سبعين فرقة، أعظمُها فتنة على أمَّتي قومٌ يقيسون الأمورَ بآرائهم فيحرمون الحلال، و يحلون الحرام )، و هذا لفظ ابن المبارك و ابن حمَّادٍ، و الحديث صحيح على منهج من يصحح بمجموع الطرق و يحاول تضعيف نعيمٍ، و هو لازمٌ لهم أشدَّ من لزوم حديث ( الأذنان من الرأس )، و لكنَّ الاستدلال إذا سبقه الاقتناع أنتج الاضطراب و جانب الصواب.
و الله المستعان.
كتب الشيخ الفاضل محمد بن حسين بن حسن الجيزاني كتابًا أسماهُ ( معالم أصول الفقه عند أهل السنة و الجماعة ) فكان العنوانُ جميلاً جذَّابًا لأهل السنة و المنصفينَ، و هكذا الأدب - أدب العلماء - يَسِمُون مصنَّفاتِهم التي هي بنات أفكارهم بأفضل العناوين، كما يُسمُّون بخير الأسماء البنات و البنين، غيرَ أني لمَّا اطَّلعتُ على بعضه وجدتُهُ مكثِرًا النقل عن الإمامينِ أبي العباس ابن تيمية النميري و أبي عبد الله ابن القيم الزرعي - رحمهما الله تعالى - و هما من هما في نشر السنَّة و نصوصها و الحرص على تعظيم قدْرها، إلا أنه لا يمكن للعالم الاستدلال بكلام العلماء و الاعتراض به أو جعلُهُ قواعد للتحاكم عند الاختلاف، فإن هذا خطأ جسيم و مرتع وخيم، للإجماع القائم على أنه لا يُرَدُّ عند الاختلاف إلا للوحيين و أدلتهما، فإن بهما العصمة من كل نقص وحيرة وشرٍّ.
و قد طمعتُ - بعد استبشاري بالعنوان و تفاؤلي باسمه - أن ألفي ما تقرُّ به عيني في باب القياس وحجِّيَّته، فحاولتُ ذلك فلم أستطع وبيان المسألة فيما يلي بإذن الله تعالى:
* قال - سلَّمه الله - عند كلامه على القياس الجليِّ: ( و هذا النوع من القياس متَّفقٌ عليه ) ص:187،
أقول:أين هو الاتفاق؟ و اتفاق من تعني يا شيخُ؟
فهذه مطالبة تحتاج إلى تصحيح الدعوى بالبرهان القاطع.
أمَّا تمثيلُهُ بقوله تعالى ( إن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلمًا ) فزعم أنَّ تحريمَ إحراق مال اليتيم و إغراقه إنما هو قياسٌ مُساوٍ على أكل مال اليتيم.
فأقول: هذا خطأ ظاهرٌ، و ذلك أن الآية نصَّتْ على حرمة أكل مال اليتيم، و الآية الأخــرى و هي قوله تعالى ( و من يتعدَّ حدود الله فقد ظلم نفسَـــهُ ) حرَّمت مجاوزة الحدود الإلهية و التحريم حدٌّ من الله فمن تعدَّاه فقد ظلم نفسَــهُ، هذا من جهة، و من جهة أخــرة فحرمة إحراق مال اليتيم و إغراقه ثابتة بنصوص جليَّة - بحمد الله - منها قوله صلى الله عليه و سلم ( لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفس منه ) و قوله عليه السلام ( كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه و مالُهُ و عِرضه ) و منها قوله تعالى ( و لا تبذِّرْ تبذيرًا، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورًا )، و غيرها من النصوص، فلا حاجة للقياس الذي أسماهُ جليًّا، و أحسنُ أحواله أن يكونَ لغوًا زائـــدًا.
* تمثيله في قياس العلة بقوله تعالى ( قد خلتْ من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) قال - سلمه الله -: ( يعني: هم الأصل، و أنتم الفرع، و العلة الجامعة التكذيب و الحكم الهلاك ) ص:188،
أقول: و هذا غريب جدًّا، لأمورٍ منها: - أنَّه يُسأَل كلُّ عاقلٍ على أن يجيب بإنصاف و مصداقيَّة: هل تفهم من هذه الآية - إذْ تتلوها - جواز إلحاق كل مقتات و مدَّخر بالقمح في تحريم ربا البيوع؟ و هل تفهم منها إلحاق عجلات السيارة في دورانها بخطوات الأرجل حين الذهاب إلى المسجد فيأخذان الأجر نفسَهُ المنصوصَ في الحديث؟
- الأمر الثاني: أن حكم الهلاك من الأمــور القدَريَّة، فأين منه التحريم و الإيجاب و الكراهة و نحوها من الأحكام الشرعية؟!
- الثالث: على فرض أنَّ هذا قياس علة، فإنه يعترض عليه فيقال: قد وجدْنا أفراداً و جماعاتٍ من الكافرين تحققتْ فيهم علة التكذيب - كما كذَّب أولئك القدامــى أو أشدَّ - و لم نجد حكم الهلاك، بل وجدْنا حكم التنعيم و الرزق و إفاضة المال و كثرة الولد و الحكم في البلاد و السيطرة على العباد، فلا بدَّ من أحد جوابين: إما أن يقال بل حكم الهلاك متحقق و لا بدَّ، فهذا مكابرة للحس و عناد لما يعلم قائله بطلانه في نفسه، و ليس هذا من شيم أهل الحق، و إما أن يقال بل الحكم ليس لازمًا عن علَّته بالضرورة بل جائز أن يتخلف، فأقول: فكل قياس علة لا يلزم من وجود العلة وجود حكمها في الفرع، و هذا نقضٌ للقياس لا مناصَ منه.
* قال - سلمه الله -: ( و لهذا أيضًا لم يجئْ في القرآن مدحُهُ و لاذمُّهُ و لا الأمر به و لا النهي عنه فإنه مورد تقسيم إلى صحيح و فاسد ) ص: 191،
قلتُ: قال هذا و هو يتحدث عن القياس! و هو ينقض بكل صراحة ما سيأتي في ص:198، من الاحتجاج للقياس بقوله تعالى ( فاعتبروا يا أولي الأبصار )، و هذا عنده أمرٌ بالقياس الذي لم يجئ في القرآن الأمر به و النهي عنه و لا مدحُهُ و لا ذمُّهُ ، و هذه عثرةٌ خطيرةٌ ما كان له أن يقع فيها بل قد طان بعيدًا عنها أصلاً، و لكـــن...
* ثم استدلَّ - عفا الله عنَّا و عنه - بحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - المشهور ، و هو ضعيفٌ سندًا منكرٌ متنًا، ضعَّفه أيمة الحديث و جهابذته كالبخاري و الدارقطني و ابن حزم و الألباني - رحمهم الله - و كثير غيرهم، و قد رواه أبو داود في سننه برقم ( 3592 ) من طريق شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو - ابن أخي المغيرة بن شعبة - عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه و سلم، الحديث، ثم رواه من طريق أخرى عن شعبة حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ بمعناه، برقم ( 3593 ) و رواه الترمذي بذكر معاذ و تركه ( 1327، 1328 ) ثم قال ( هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، و ليس إسناده عندي بمتصل، و أبو عون الثقفي اسمه محمد بن عبيد الله )اهـ، و وهِم مشهور بن حسن أبو عبيدة - حفظه الله - في عزو هذا الحديث إلى جامع الترمذي فجعله برقم ( 1350 ) و ليس كذلك.
و هذا كما ترى! - أعني الحديث - فيه مجاهيل و انقطاع و إعضال، فهو شديد الضعف، و للاستزادة ينظر تخريج الإمام الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2/ 273، برقم: 286 ) فإنه أفاض في شرح الطرق و الكلام على رواته و نقل أحكام الأيمة السابقين له في الحكم على الخبر بالضعف، و ردَّ - بعلمٍ - على من صحَّحهُ من الفقهاء و من المتعصبين الذين لا حظَّ لهم في الحديث، و بالله التوفيق.
و تنبيها على ما ذكره الألباني - رحمه الله - من رواية علي بن الجعد عن شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عن معاذ به، ثم عزاها لابن عبد البر و حكم عليها بالشذوذ، أقول: بل هي غير موجودة أصلاً! لأن المحقق للجامع - و هو أبو الأشبال الزهيري سلَّمه الله - بيَّن في هامش ( 1 ) في المجلد الثاني ص:845، أنها وقعتْ في نسخة ( ط ) بذكر الصحابة و في النسخة ( أ ) بذكر أصحاب معاذ، و هو الصواب، و لا شك أن مثل هذا خطأ نسخيٌّ غير معتبَرٍ، فتكون رواية ابن الجعد موافقة لمن رواه عن شعبة بالإسناد الأول، و لله الحمدُ.
فكيف يسوغ - قبل هذا و بعده - أن يحتجَّ لمذهب أهل السنة و الجماعة بالمناكير الواهيات !!! و هم أوْلَـــى الناس بعلم الحديث و تمييز صحيحه من سقيمه، و هم أهل الحديث حقًّا، و أتبع الناس لما صح عن النبي صلى الله عليه و سلم و أترك الناس للبواطيل و الموضوعات أمثال هذا الخبر، وكيف يكون قدوةً للجيزاني رجلٌ كأبي المعالي الجويني القائل في برهانه عند ذكر خبر معاذ ( و هو مدوَّن في الصحاح و هو متفق على صحته ولا يتطرَّق إليه التأويل ) 2/ 505، المسألة ذات الرقم: 720 !!!
ثمَّ كيف يُحتجُّ للقياس - الذي هو عندهم أصل من أصول التشريع - بخبر كهذا؟! و لا طريق له إلا ما ذكرتُهُ، على أنهم يتناسوْن ما رواه عبد الله بن المبارك و نعيم بن حماد و سويد بن سعيد الحدثاني و الحكم البلخيُّ أربعتُهم عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن حريز بن عثمان الرَّحَبيِّ عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( تفترق أمَّتي على بضع و سبعين فرقة، أعظمُها فتنة على أمَّتي قومٌ يقيسون الأمورَ بآرائهم فيحرمون الحلال، و يحلون الحرام )، و هذا لفظ ابن المبارك و ابن حمَّادٍ، و الحديث صحيح على منهج من يصحح بمجموع الطرق و يحاول تضعيف نعيمٍ، و هو لازمٌ لهم أشدَّ من لزوم حديث ( الأذنان من الرأس )، و لكنَّ الاستدلال إذا سبقه الاقتناع أنتج الاضطراب و جانب الصواب.
و الله المستعان.