العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

من صفة الصلاة : كيفية ركوع وسجود المريض

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وحزبه وسلم تسليما كثيرا ، وبعد ؛
فقد انقطعت عن الدورة المتعلقة بصفة الصلاة مدة من الزمن لأسباب طرأت ، والمؤمل أن ندرج في كل أسبوع مسالة إن شاء الله.
والله تعالى أسأل العون والقبول والتسديد .
كان حقّ هذا الموضوع أن يُؤخر الى حين بحث مسائل الركوع والسجود ، ولكني رأيت أن أدرج ما يتعلق بصلاة المريض في هذا الموطن حتى ننتهي منها .



كيفية ركوع وسجود القاعد :
الركوع والسجود من أركان الصلاة بالإجماع، وسيأتي معنا تفصيل ذلك عند حديثنا عن الركوع والسجود، واتفقت المذاهب الأربعة على أنّ من لم يمكنه الركوع والسجود أومأ إليهما إيماء بحسب طاقته، ويقرب وجهه من الأرض ما أمكنه، ويجعل الإيماء إلى السجود أخفض من الركوع، واختلفوا في عدة مسائل منها :
1- اختلفوا في قيام من لا يقدر على الركوع والسجود.
2- اختلفوا في كيفية ركوع القادر على القيام دون الركوع .
3- واختلفوا في كيفية سجود وجلوس القادر على القيام دون السجود .

مذهب الشافعية :
يلزمه القيام، ويركع ويسجد بحسب طاقته، فيحني صُلبه قدر الإمكان، فإن لم يطق حنى رقبته ورأسه .
وأما ركوع القاعد: فأقلُّه: أن يَنْحَنِيَ قَدْر ما يُحاذي جبهته ما وراء ركبتيه من الأرض، وأكمله: أن ينحني بحيث يُحاذي جبهته موضع سجوده.
وأما سُجوده: فكسجود القائم.
فإن عجز عن الركوع والسجود على ما ذكرنا: أتى بالممكن، وقرَّب جبهته قدر طاقته، فإن عجز عن خفضها، أومأ، لقوله صلى الله عليه وسلم " وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم " رواه البخاري ومسلم.
ولو قدر القاعد على ركوع القاعد، وعجز عن وضع الجبهة على الأرض: نظر إن قدر على أقل ركوع القاعد أو أكمله بلا زيادة، فعل الممكن مرة عن الركوع، ومرة عن السجود، ولا يضر استواؤهما، وإن قدر على زيادة على كمال الركوع، وجب الاقتصار في الانحناء للركوع على قدر الكمال، ليتميز عن السجود، ويجب أن يقرب جبهته من الأرض للسجود أكثر ما يقدر عليه.
قال الرافعي: حتى قال أصحابنا: لو قدر أن يسجد علي صدغه أو عظم رأسه الذى فوق جبهته، وعلم أنه إذا فعل ذلك كانت جبهته أقرب إلى الأرض لزمه ذلك، وهذا الذي نقله الرافعيُّ حكاه الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي، وقطع به، هو والأصحاب.

قال القاضي أبو الطيب: قال أصحابنا: لم يقصد الشافعي بذلك أن الصدغ محل السجود، بل قصد أنه إذا سجد عليه كان أقرب إلى الأرض بجبهته من الإيماء.

ولو سجد على مخدة ونحوها، وحصلت صفة السجود بأن نكس ورفع أعاليه إذا شرطنا ذلك، أو كان عاجزا عن الزيادة على ذلك أجزأه، وعليه يُحمل فعل أم سلمة رضي الله عنها، نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب والله أعلم.

ولو كان بظهره علة تمنعه الانحناء دون القيام: يلزمه القيام، ويركع ويسجد بحسب طاقته، فيحني صلبه قدر الإمكان، فإن لم يطق حنى رقبته ورأسه، فإن احتاج فيه إلى شي يعتمد عليه أو إلى أن يميل إلى جنبه لزمه ذلك، فإن لم يطق الانحناء أصلا أومأ إليهما.
المجموع 4/313 ، روضة الطالبين 1/232-234 مغني المحتاج 1/238

المذاهب الأخرى:
مذهب الشافعية في القادر على القيام دون الركوع والسجود هو مذهب الجمهور فهو مذهب المالكية والحنابلة، وخالف الحنفية في ذلك.
وأما في القادر على القيام دون السجود: فوافقَ الشافعيةُ المالكيةَ فيه ، وخالفهم الحنفيةُ والحنابلة.
وإليك تفصيل أقوالهم :

مذهب الحنفية:
قال في "الدر المختار" 2/99 :"وإن قدر على بعض القيام، ولو مُتكئا على عصا أو حائط، قام لُزوما بقدر ما يقدر، ولو قَدْر آية، أو تكبيرة على المذهب، لأن البعض معتبر بالكل، وإن تعذر الركوع والسجود وليس تعذرهما شرطا، بل تَعَذُّر السجود كاف، لا القيام، أومأ قاعدا، وهو أفضل من الإيماء قائما، لِقُربه من الأرض، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه لزوما، ولا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه، فإنّه يُكره تحريما، فإن فُعِلَ وهو يخفض برأسه لسجوده أكثر من ركوعه صح، على أنه إيماء لا سجود، إلا أن يجد قوة الأرضوإلا يخفض لا يصح لعدم الإيماء" . انتهى بتصرف .
وقال السرخسي في "المبسوط" 1/391 : "وأما إذا كان قادرا على القيام، وعاجزا عن الركوع والسجود: فإنه يُصلي قاعدا بإيماء، وسقط عنه القيام، لأن هذا القيام ليس بركن، لأن القيام إنما شُرع لافتتاح الركوع والسجود به، فكل قيام لا يعقبه سجود لا يكون ركنا".
وانظر المراجع السابقة . حاشية ابن عابدين 2/567-568 .

مذهب المالكية :
يُكبِّر للإحرام مُتربِّعا ، ويركع ويرفع كذلك، ثم يُغَيِّر جِلسته إذا أراد أن يسجد، فيسجد على أطراف قدميه ويجلس بين السجدتين، وفي التشهد إلى السلام كجلوس التشهد، ثم يرجع متربعا للقراءة، وهكذا.
وإذاكان الشخص قادرا على القيام فقط، دون الركوع والسجود والجلوس، أومأ للركوع والسجود من القيام، ولا يجوز أن يضطجع ويُوميء للركوع والسجود، فإن اضطجع بطلت، وإذا كان قادرا على القيام مع الجلوس دون الركوع والسجود، أومأ لركوعه من القيام، وأومأ لسجوده من الجلوس، فإن خالف بطلت.
المراجع السابقة، والخلاصة الفقهية للقروي 1/85 طبعة دار الكتب العلمية.

مذهب الحنابلة :
يجلس متربعا ندبا، وكيف جلس جاز، ويثني رجليه في ركوع وسجود كالمتنفل إن استطاع.
قال في " الحاوي" 1/409: " من عجز عن القيام صلّى قاعدا كالتطوع، ثم هذا القاعد إن قدر على الارتفاع إلى حد الركوع : لزمه ذلك في الركوع، وإن لم يقدر فيركع قاعدا، وينحني مقدار ما تكون النسبة بينه وبين السجود كالنسبة بينهما حال القيام.
وأقل ركوعه : أن ينحني بحيث تقابل جبهته ما وراء ركبتيه من الأرض ، فيحصل الأقل بأول المقابلة، والكمال بتمامها، بحيث يحاذي جبهته محل السجود.
ولو عجز عن السجود: قرب الجبهة من الأرض إلى قدر الإمكان".
قال في "المعونة" 2/414: " ومن قدر على قيامٍ وقعودٍ دون ركوعٍ وسجود، أومأ بركوعٍ قائما، وسجودٍ قاعدا لأن الراكع كالقائم في نصب رجليه، فوجب أن يُوميء به في قيامه، ولأن الساجد كالجالس في جمع رجليه فوجب أن يُوميء به في جلوسه، ليحصل الفرق بين الإيمائين".
وإن سجد العاجز عن السجود ما أمكنه، بحيث لا يمكنه الانحطاط أكثر منه، على شيء رفعه عن الأرض من مخدة ونحوها، كُرِه للخلاف في منعه، وكذا لو كان الرافع له غيره ، وأجزأ.
ولا بأس بسجوده على وسادة ونحوها موضوعة بالأرض لم ترفع عنها، ولا يلزمه السجود على وسادة ونحوها ويومىء غاية ما يمكنه.
الحاوي لأبي طالب العبدلياني 1/409 ، كشاف القناع 1/474-475 ، المراجع السابقة .

مسائل الخلاف:
المسألة الأولى والثانية : في قيام وركوع من لا يقدر على الركوع والسجود.
سبب الخلاف:
يرى معاشر الحنفية -كما تقدم- أن القيام يسقط عمن لا يقدر على السجود ، لأن القيام إنما شُرع لافتتاح الركوع والسجود به، فكل قيام لا يعقبه سجود لا يكون ركنا.
وكذا يرون أن الإيماء قاعدا أقرب إلى الأرض.

الترجيح:
استدل الجمهور بما يلي :
1- بقول الله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) ، قالوا : القيام ركن وهو قادر عليه، فيلزمه الإتيان به، والعجز عن غيره لا يقتضي سقوطه.
2- بحديث عمران بن حصين رضي الله عنه المتقدم : "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَعَلَى جَنْبٍ" فهو واضح الدلالة ، وهو دليل صريح للجمهور .

المسألة الثالثة: كيفية سجود من يقدر على القيام دون السجود.
سبب الخلاف:
احتج المالكية والشافعية بحديث عمران بن حصين رضي الله عنه المتقدم (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَاعِدًا".
واحتجَّ الحنفية بما تقدم في المسألة السابقة.
أما الحنابلة فقالوا: إن الساجد كالجالس في جمع رجليه فوجب أن يُوميء به في جلوسه، ليحصل الفرق بين الإيمائين.
 
التعديل الأخير:

السعيدة بالله

:: متابع ::
إنضم
2 نوفمبر 2008
المشاركات
31
التخصص
فقه
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
مقارن
جزاكم الله خيرا على هذه الموضوعات
 
أعلى