العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

من عجائب الإستنباط و الاستدلال الجزء 3

إنضم
12 أبريل 2011
المشاركات
121
الكنية
أبو عبد البر
التخصص
الفقه و أصوله
المدينة
الجزائر
المذهب الفقهي
مالكي
· أسرار كلماته وأدعيته صلى الله عليه وسلم فوق ما يخطر بالبال
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان :
وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"، كيف يطهر الخطايا بذلك ؟ وما فائدة التخصيص بذلك؟، وقوله في لفظ آخر : "والماء البارد"، والحار أبلغ في الإنقاء !.
فقال : الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا، فيرتخى القلب، وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجس ، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه، والماء يغسل الخبث و يطفئ النار، فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته، فكان أذهب لأثر الخطايا، هذا معنى كلامه وهو محتاج إلى مزيد بيان وشرح:
فاعلم أن ههنا أربعة أمور : أمران حسيان، وأمران معنويان،
فالنجاسة التي تزول بالماء هي ومزيلها حسيان، وأثر الخطايا التي تزول بالتوبة والاستغفار هي ومزيلها معنويان، وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتم إلا بهذا وهذا، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كل شطر قسما، نبه به على القسم الآخر،
فتضمن كلامه الأقسام الأربعة في غاية الاختصار وحسن البيان، كما في حديث الدعاء بعد الوضوء "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"، فإنه يتضمن ذكر الأقسام الأربعة،
ومن كمال بيانه صلى الله عليه وسلم وتحقيقه لما يخبر به ويأمر به : تمثيله الأمر المطلوب المعنوي بالأمر المحسوس، وهذا كثير في كلامه، كقوله في حديث علي بن أبي طالب:" سل الله الهدى والسداد، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم" إذ هذا من أبلغ التعليم والنصح،
حيث أمره أن يذكر إذا سأل الله الهدى إلى طريق رضاه وجنته : كونه مسافرا، وقد ضل عن الطريق ولا يدري أين يتوجه، فطلع له رجل خبير بالطريق عالم بها فسأله أن يدله على الطريق، فهذا شأن طريق الآخرة تمثيلا لها بالطريق المحسوس للمسافر، وحاجة المسافر إلى الله سبحانه : إلى أن يهديه تلك الطريق أعظم من حاجة المسافر إلى بلد إلى من يدله على الطريق الموصل إليها،
وكذلك السداد وهو إصابة القصد قولا وعملا ،فمثله مثل رامي السهم إذا وقع سهمه في نفس الشيء الذي رماه فقد سدد سهمه وأصاب ولم يقع باطلا، فهكذا المصيب للحق في قوله وعمله بمنزلة المصيب في رميه، وكثيرا ما يقرن في القرآن هذا وهذا فمنه قوله تعالى : "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"،
أمر الحجاج بأن يتزودوا لسفرهم، ولا يسافروا بغير زاد، ثم نبههم على زاد سفر الآخرة وهو التقوى،
فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلغه إياه، فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى، فجمع بين الزادين.
ومنه قوله تعالى : "يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير" فجمع بين الزينتين : زينة الظاهر والباطن، وكمال الظاهر والباطن.
ومنه قوله تعالى : "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى" فنفى عنه الضلال الذي هو عذاب القلب والروح، والشقاء الذي هو عذاب البدن والروح أيضا، فهو منعم القلب والبدن بالهدى والفلاح.
ومنه قول امرأة العزيز عن يوسف عليه السلام لما أرته النسوة اللائمات لها في حبه : "فذلكن الذي لمتنني فيه" فأرتهن جماله الظاهر ثم قالت : "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" فأخبرت عن جماله الباطن بعفته فأخبرتهن بجمال باطنه وأرتهن جمال ظاهره.
فنبه صلى الله عليه وسلم بقوله "اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد" على شدة حاجة البدن والقلب إلى ما يطهرهما ويبردهما ويقويهما، وتضمن دعاؤه سؤال هذا وهذا والله تعالى أعلم.
وقريب من هذا : أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال : "غفرانك" وفي هذا من السر والله أعلم : أن النجو يثقل البدن ويؤذيه باحتباسه، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه، فهما مؤذيان مضران بالبدن والقلب فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه، وخفة البدن وراحته، وسأل أن يخلصه من المؤذي الآخر، ويريح قلبه منه ويخففه،
وأسرار كلماته وأدعيته صلى الله عليه وسلم فوق ما يخطر بالبال.

· السارق الفقيه!
جاء في الفرج بعد الشدة للتنوخي:
حدثني عبد الله بن عمر بن الحارث الواسطي السراج، المعروف بأبي أحمد الحارثي، قال: كنت مسافراً في بعض الجبال، فخرج علينا ابن سباب الكردي، فقطع علينا، وكان بزي الأمراء، لا بزي القطاع.
فقربت منه لأنظر إليه وأسمع كلامه، فوجدته يدل على فهم وأدب، فداخلته فإذا برجل فاضل، يروي الشعر، ويفهم النحو، فطمعت فيه، وعملت في الحال أبياتاً مدحته بها.
فقال لي: لست أعلم إن كان هذا من شعرك، ولكن اعمل لي على قافية هذا البيت ووزنه شعراً الساعة، لأعلم أنك قلته، وأنشدني بيتاً.
قال: فعملت في الحال إجازة له ثلاثة أبيات.
فقال لي: أي شيء أخذ منك ? لأرده إليك.
قال: فذكرت له ما أخذ مني، وأضفت إليه قماش رفيقين كانا لي.
فرد جميع ذلك، ثم أخذ من أكياس التجار التي نهبها، كيساً فيه ألف درهم، فوهبه لي.
قال: فجزيته خيراً، ورددته عليه.
فقال لي: لم لا تأخذه ? فوريت عن ذلك.
فقال: أحب أن تصدقني.
فقلت: وأنا آمن ? فقال: أنت آمن.
فقلت: لأنك لا تملكه، وهو من أموال الناس الذين أخذتها منهم الساعة ظلماً، فكيف يحل لي أن آخذه ? فقال لي: أما قرأت ما ذكره الجاحظ في كتاب اللصوص، عن بعضهم، قال: إن هؤلاء التجار خانوا أماناتهم، ومنعوا زكاة أموالهم، فصارت أموالهم مستهلكة بها، واللصوص فقراء إليها، فإذا أخذوا أموالهم- وإن كرهوا أخذها- كان ذلك مباحاً لهم، لأن عين المال مستهلكة بالزكاة، وهؤلاء يستحقون أخذ الزكاة، بالفقر، شاء أرباب الأموال أم كرهوا.
قلت: بلى، قد ذكر الجاحظ هذا، ولكن من أين يعلم إن هؤلاء ممن استهلكت أموالهم الزكاة ? فقال: لا عليك، أنا أحضر هؤلاء التجار الساعة، وأريك بالدليل الصحيح أن أموالهم لنا حلال.
ثم قال لأصحابه: هاتوا التجار، فجاءوا.
فقال لأحدهم: منذ كم أنت تتجر في هذا المال الذي قطعنا عليه ? قال: منذ كذا وكذا سنة.
قال: فكيف كنت تخرج زكاته ? فتلجلج، وتكلم بكلام من لا يعرف الزكاة على حقيقتها فضلاً عن أن يخرجها.
ثم دعا آخر، فقال له: إذا كان معك ثلاثمائة درهم، وعشرة دنانير، وحالت عليك السنة، فكم تخرج منها للزكاة ? فما أحسن أن يجيب.
ثم قال لآخر: إذا كان معك متاع للتجارة، ولك دين على نفسين، أحدهما مليء، والآخر معسر، ومعك دراهم، وقد حال الحول على الجميع، كيف تخرج زكاة ذلك ? قال: فما فهم السؤال، فضلاً عن أن يتعاطى الجواب.
فصرفهم، ثم قال لي: بان لك صدق حكاية أبي عثمان الجاحظ ? وأن هؤلاء التجار ما زكوا قط? خذ الآن الكيس.
قال: فأخذته، وساق القافلة لينصرف بها.
فقلت: إن رأيت أيها الأمير أن تنفذ معنا من يبلغنا المأمن، كان لك الفضل.
ففعل ذلك.
 

أم عبد الله السرطاوي

:: نائبة فريق طالبات العلم ::
إنضم
13 يونيو 2010
المشاركات
2,308
التخصص
شريعة/ هندسة
المدينة
***
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: من عجائب الإستنباط و الاستدلال الجزء 3

قال ابن القيم في إغاثة اللهفان :
وسألت شيخ الإسلام عن معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"، كيف يطهر الخطايا بذلك ؟ وما فائدة التخصيص بذلك؟، وقوله في لفظ آخر : "والماء البارد"، والحار أبلغ في الإنقاء !.
فقال : الخطايا توجب للقلب حرارة ونجاسة وضعفا، فيرتخى القلب، وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجس ، فإن الخطايا والذنوب له بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها، ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه، والماء يغسل الخبث و يطفئ النار، فإن كان باردا أورث الجسم صلابة وقوة، فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته، فكان أذهب لأثر الخطايا،


هذا معنى كلامه وهو محتاج إلى مزيد بيان وشرح:
فاعلم أن ههنا أربعة أمور : أمران حسيان، وأمران معنويان،
فالنجاسة التي تزول بالماء هي ومزيلها حسيان، وأثر الخطايا التي تزول بالتوبة والاستغفار هي ومزيلها معنويان، وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتم إلا بهذا وهذا، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم من كل شطر قسما، نبه به على القسم الآخر،
فتضمن كلامه الأقسام الأربعة في غاية الاختصار وحسن البيان، كما في حديث الدعاء بعد الوضوء "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"، فإنه يتضمن ذكر الأقسام الأربعة،
ومن كمال بيانه صلى الله عليه وسلم وتحقيقه لما يخبر به ويأمر به : تمثيله الأمر المطلوب المعنوي بالأمر المحسوس، وهذا كثير في كلامه

فوائد جليلة واستدلالات نادرة موفَّقة! من علماء أجلاء رحمهم الله تعالى ونفع بعلمهم عباد...
شكر الله لكم وجزاكم الله كل خير
 
إنضم
19 ديسمبر 2008
المشاركات
45
التخصص
هندسة مدنية
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
الحنفي
رد: من عجائب الإستنباط و الاستدلال الجزء 3

جزاك الله خيرا على هذا النقل الطيب والمفيد ،وبالحقيقة مثل هذه الاستنتاجات من الائمة تشحذ الاذهان وتفتح العقول وتنير القلوب
 
أعلى