العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

نبذة عن مصطلح « آيات الأحكام » ، والخلاف في حَصْرِهَا وعَدِّها .

إنضم
6 يناير 2008
المشاركات
21
الكنية
أبو عبد الحكيم
التخصص
الفقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
حنبلي
[FONT=&quot]لا يخفى على الباحث في عِلْمٍ من العلوم أهميةُ تحرير مصطلحاتِهِ ، وأثرُ ذلك في صحة التصوُّرِ ، ودِقَّةِ الحكْمِ ، وتحريرِ محل النزاع .[/FONT]

[FONT=&quot]والمتأملُ في كلام العلماء - رحمهم الله - يَجِدُ لمصطلح « آيات الأحكام » إطْلاقَيْنِ مشهورَيْن ، أحدهما أعمُّ من الآخر .[/FONT]

[FONT=&quot]فأولهما :[/FONT][FONT=&quot] أنَّ « آيات الأحكام » : هي كلُّ آية يُستفاد منها حكمٌ فقهيٌّ ، وتدلُّ عليه نصاً
أو استنباطاً ، سواء سِيْقَتْ لبَيانِ الأحكام الفقهية ، أو لغير ذلك كآيات العقيدة ،
والقصص ، والترغيب ، والترهيب[/FONT][FONT=&quot]([FONT=&quot]1[/FONT])[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]وهذا المعنى هو الأعم .[/FONT]

[FONT=&quot] والثاني :[/FONT][FONT=&quot] أنَّها الأيات التي تُبيِّنُ الأحكامَ الفقهية على وَجْهِ التَّصْريح ، دون ما يُؤخَذُ منه الحكْمُ الفقهي بطريق الاستنباط والتأمُّل[/FONT][FONT=&quot](2)[/FONT][FONT=&quot]. أو : هي الآيات التي سِيْقَتْ لبيان الأحكام الفقهية ، دون ما يُستنبطُ منه الحكم الفقهي ولم يُسَقْ لذلك[/FONT][FONT=&quot](3)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]فعلى سبيل المثال :
[/FONT]
[FONT=&quot]قوله تعالى : {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} . استدلَّ به الشَّافعيُّ رحمه الله وغيرُه على صحَّة أنكحةِ الكفَّارِ[/FONT][FONT=&quot](4)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]وقوله تعالى : { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل[/FONT][FONT=&quot] : 8] [/FONT][FONT=&quot]. استدلَّ به بعضُ الفقهاء على تحريم أكل لحم الخيل[/FONT][FONT=&quot](5)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]فهاتانِ الآيتان هما من « آيات الأحكام » على المعنى الأول .[/FONT]
[FONT=&quot]وليْسَتَا منها على المعنى ا لثاني ؛ لعدم التصريحِ بالحكم الفقهي ، وكَوْنِها لم تُسَقْ لبيانه .[/FONT]

[FONT=&quot]وقد اجتهد العلماء-رحمهم الله- في عدِّ آيات الأحكام ، واختلفوا في قَدْرِها اختلافاً مشهوراً .[/FONT]

[FONT=&quot]فقيل :[/FONT][FONT=&quot] هي خمسمائة آية .[/FONT]
[FONT=&quot]قال الغزالي رحمه الله في معرض بيانه لشروط الاجتهاد : ( لا يشترط معرفة جميع الكتاب ، بل ما تتعلق به الأحكام منه ، وهو مقدار خمسمائة آية )[/FONT][FONT=&quot] (6)[/FONT][FONT=&quot]. ووافقَهُ - في هذا الحصْرِ- جماعةٌ ،منهم : ابن رشد الحفيد ، والرازي ، وابن قدامة -رحمهم الله-[/FONT][FONT=&quot](7)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]وقيل :[/FONT][FONT=&quot] مائتا آية .[/FONT]
[FONT=&quot]وهو ما قرره صديق حسن خان رحمه الله ، وقال : ( وقد قيل : إنها خمسمائة آية . وما صحَّ ذلك ، وإنما هي مائتا آية أو قريب من ذلك ، وإن عَدَلْنا عنه وجَعَلْنَا الآيةَ كل جملةٍ مفيدة يصحُّ أن تُسمَّى كلاماً في عرف النحاة ، كانت أكثر من خمسمائة آية ، وهذا القرآن مَنْ شكَّ فيه فَلْيَعُدَّ )[/FONT][FONT=&quot](8)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]وقيل :[/FONT][FONT=&quot] مائة وخمسون آية [/FONT][FONT=&quot](9)[/FONT][FONT=&quot].
[/FONT]
[FONT=&quot]وقيل :[/FONT][FONT=&quot] مائة آية فقط [/FONT][FONT=&quot](10)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]فهذه أشْهَرُ الأقوال في حَصْرِ آيات الأحكام وعَدِّها .[/FONT]

[FONT=&quot]وأنكر جماعةٌ من أهل العلم حَصْرَ آياتِ الأحكام ، وتقديرَها بهذه الأعداد .[/FONT]
[FONT=&quot] قال الطُوفي رحمه الله : ( والصحيح أنَّ هذا التقديرَ غيرُ معتبر ، وأنَّ مقدار أدلة الأحكام في ذلك غيرُ منحصِر ؛ فإنَّ أحكامَ الشرع كما تُستنبط من الأوامروالنواهي ، كذلك تُستنبط من الأقاصيص والمواعظ ونحوها ، فَقَلَّ آية في القرآن الكريم إلاّ ويُستنبَطُ منها شيءٌ من الأحكام ... وكأنَّ هؤلاء الذين حصروها في خمسمائة آية إنما نظروا إلى ما قُصِد منه بيانُ الأحكام ، دون ما استُفيدتْ منه ولم يُقصَد به بيانُها )[/FONT][FONT=&quot] (11)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot]وردَّ القرافيُّ رحمه الله الحصْرَ، وقال : ( فإنَّ استنباطَ الأحكام إذا حُقِّقَ لا يكادُ تَعْرَى عنه آية ، فإن القصَص أبعد الأشياء عن ذلك ، والمقصودُ منها الاتِّعاظ والأمْر به، وكلُّ آيةٍ وَقَعَ فيها ذِكْرُ عذابٍ أو ذمٌّ على فعلٍ كان ذلك دليلَ تحريمِ ذلك الفعل ، أو مدحٌ أو ثوابٌ على فِعْلٍ فَذَلِكَ دليلُ طَلَبِ ذلك الفِعْل وجوباً أو ندباً ، وكذلك ذِكْرُ صفاتِ الله [/FONT][FONT=&quot]U[/FONT][FONT=&quot] والثناءِ عليه ، المقصودُ به الأمرُ بتعظيم ما عظَّمه الله تعالى وأن نُثني عليه بذلك ، فلا تكاد تجِدُ آيةً إلا وفيها حُكْمٌ ، وحَصْرُها في خمسمائة آية بعيد )[/FONT][FONT=&quot] (12)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]

[FONT=&quot] وقال الزركشيُّ رحمه الله بعد ذِكْرِهِ قولَ الغزالي ومَنْ وافقَهُ : ( وكأنَّهم رأَوا مُقاتل بن سليمان أول مَنْ أفرد آياتِ الأحكام في تصنيف ، وجعلها خمسمائة آية ، وإنما أرادَ الظاهرة لا الحصر ؛ فإنَّ دلالة الدليل تختلف باختلاف القرائح ، فيختص بعضهم بدرك ضرورة فيها ... وقد نازعهم ابنُ دقيق العيد أيضاً ، وقال : هو غير منحصرٍ في هذا العدد ، بل هو مختلف باختلاف القرائح والأذهان ، وما يفتحه الله على عباده من وجوه الاستنباط ، ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالةً أوَّليةً بالذات ، لا بطريق التضمُّن والالتزام )[/FONT][FONT=&quot](13)[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT]

[FONT=&quot]والذي يظهر أن سببَ الخلاف بين مُثْبِتِيْ الحصر ومانعيه ، هوعدمُ تحرير محل النزاع ، وعدمُ اتفاقهم في مفهوم « آيات الأحكام » التي يُراد حَصْرُها وعَدُّها .[/FONT]

[FONT=&quot]فمَنْ قَصَدَ بـ « آيات الأحكام » : كلَّ آية يمكن أنْ يُستنبط منها حكم فقهي ، أنْكَرَ حصرَها وعَدَّها ، لأن ذلك يختلف باختلاف الأفهام ، وما يفتحه الله على عباده في فقه كتابه .[/FONT]
[FONT=&quot]ويظهر في النقولات السابقة - عن الطوفي والقرافي والزركشي رحمهم الله- أنهم إنما أنكروا حصر «آيات الأحكام » بهذا المعنى .[/FONT]

[FONT=&quot]ومن قصد بـ « آيات الأحكام » : ما سِيْقَ لبيان الأحكام الفقهية أو كان صريحَ الدلالةِ
عليها ، فقد أثْبَتَ حَصْرَها واجتهد في عدِّها على وجه التقريب ؛ لإمكان ذلك ، مع تسليمه بإمكان استنباط الأحكام الفقهية من سائر آيات الكتاب العزيز .[/FONT]
[FONT=&quot]وهذا الإمام الرازي رحمه الله وهو من القائلين بحصر آيات الأحكام في خمسمائة آية - قد ملأ تفسيره الكبير باستنباطِ الأحكام الفقهية مِنْ غير مظانها ، واستدلَّ عليها بما يفوق هذا العدد ، فدلَّ ذلك على أنه لم يرِدْ حصْرَ « آيات الأحكام » بالمعنى الأول ، بل أراد المعنى الثاني ، والله أعلم[/FONT][FONT=&quot](14)[/FONT][FONT=&quot].[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]​
[FONT=&quot]([/FONT][1][FONT=&quot]) انظر : البحر المحيط للزركشي (6/199) ؛ الإتقان في علوم القرآن (4/35) ؛ إرشاد الفحول (2 / 206) ؛ إجابة السائل (ص384) ؛ تفاسير آيات الأحكام ومناهجها (1/45، 50) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][2][FONT=&quot]) انظر : البرهان في علوم القرآن (2/3-5) ؛ التحبير شرح التحرير (8/3870-3871) ؛ آيات الأحكام لمحمد صالح علي (ص2-3) ؛ تفاسير آيات الأحكام ومناهجها[/FONT][FONT=&quot](1/50) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][3][FONT=&quot]) انظر : شرح مختصر الروضة (3/415) ؛ المدخل لابن بدران (ص368) ؛ تفاسير آيات الأحكام
ومناهجها (1/50) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][4][FONT=&quot]) انظر : البحر المحيط للزركشي(4/226) ؛ الإكليل (1/284، 3/1353) . [/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][5][FONT=&quot]) انظر : أحكام القرآن للجصاص (3/183) ؛ أحكام القرآن للكيا الهراسي (3/242) ؛ الجامع لأحكام القرآن (10/76-77) ؛ أضواء البيان (2/298-303) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][6][FONT=&quot]) المستصفى (2/350) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][7][FONT=&quot]) انظر : الضروري (ص137) ؛ المحصول (6/23) ؛ روضة الناظر (3/960) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][8][FONT=&quot]) نيل المرام (1/47) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][9][FONT=&quot]) انظر : الفكر السامي (1/25) ؛ تفاسير آيات الأحكام للعبيد (46) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][10][FONT=&quot]) انظر : التحبير شرح التحرير (8/3871) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][11][FONT=&quot]) شرح مختصر الروضة (3/577-578)[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][12][FONT=&quot]) شرح تنقيح الفصول (ص437) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][13][FONT=&quot]) البحر المحيط (6/199) . وانظر : البرهان في علوم القُرْآن (2/3-5) ؛ التحبير شرح التحرير (8/3870) ؛ إجابة السائل (1/384) ؛ إرشاد الفحول (1/1028) .[/FONT]
[FONT=&quot]([/FONT][14][FONT=&quot]) انظر : البرهان (2/3) ؛ الإتقان (4/35) ؛ تفاسير آيات الأحكام للعبيد (1/50) .[/FONT]
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: نبذة عن مصطلح « آيات الأحكام » ، والخلاف في حَصْرِهَا وعَدِّها .

شكر الله لكم، وجزاكم خيراً، ونفع بما كتبتم وتكتبون.
 
إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
32
الكنية
أبو عياض
التخصص
اللغة
المدينة
أبلغ
المذهب الفقهي
المالكية
رد: نبذة عن مصطلح « آيات الأحكام » ، والخلاف في حَصْرِهَا وعَدِّها .

آيات الأحكام بهذه الإضافة تنبئ أن المراد بهذ الآيات المساقة للحكم لا التي سيقت لشيء آخر واستنبط منها حكم أوأحكام والله تعالي أعلم
 
أعلى