فى أحدي نسخ ( شرح مختصر الخرقي ) للزركشي وقع للشيخ ابن جبرين ورقة ملحقه بالنسخة فحققها ووضعها فى مقدمة تحقيقه للكتاب وهى كالأتي
[ فائدة للقاضي محب الدين ابن نصر الله البغدادي الحنبلي ، قاضي مصر المحروسة :
( كثيراً ما يقع فى سجلات القضاة الحكم بالموجب تارة ، والحكم بالصحة أخري ، وقد أختلف كلام المتأخرين من الفقهاء فى الفرق بينهما وعدمه ، ولم أجد لأحد من أصحابنا كلاماً منقولاً فى ذلك ، والذى نقوله بعد الإعتصام بالله وسؤاله التوفيق
أن الحكم بالصحة لا شك أنه يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعاً ، فإذا أدعي رجل أنه ابتاع من آخر عيناً ، وأعترف المدعي عليه بذلك ، لم يجز للحاكم الحكم بالصحة – أي بصحة البيع – بمجرد ذلك ، حتي يدعي المدعي أنه باعه العين المذكورة وهو مالك لها ، ويقيم البينة بذلك ، فأما لو اعترف له البائع بذلك لم يكف فى حواز الحكم بالصحة ، لأن اعترافه يقتضي ادعاءه ملك العين المبيعة وقت البيع ، ولا يثبت ذلك بمجرد دعواه ، فلا بد من بينة تشهد بملكه وحيازته حالة البيع ، حتي يسوغ للحاكم الحكم بالصحة .
وأما الحكم بالموجَب - بفتح الجيم – من الوجب ، فمعناه الحكم بموجب الدعوي الثابتة بالبينة أو غيرها ، هذا هو معني الموجب ، ولا معني للموجب غير ذلك
فإذا قيل فى السجل : وحكم بموجب ذلك
فإنما يقال ذلك بعد ذكر أنه ثبت ذلك الامر الفلاني بدعوى مدع ، وقيام البينة على دعواه أو بدعواه الثابتة بطريق من طرق الثبوت ، كعلم القاضي وغير ذلك ، وحينئذ تكون الإشارة فى قوله ( حكم بموجب ذلك إلى الأمر المدعي الثابت ) ، وحينئذ تنظر فى الدعوي فإن كانت مشتملة على ما يقتضي صحة العقد المدعي به كان الحكم بموجبها حكماً بالصحة ، وإن لم يشتمل على ما يقتضي صحة العقد المدعي به لم يكن الحكم بموجبها حكماً بصحة العقد .
ويتبين ذلك بمثالين :-
المثال الأول /
( أن يدعي أنه باعه هذه العين وهي فى ملكه وحيازته ، ولا مانع له من بيعها ، وتشهد البينة بذلك كله )
فإذا حكم الحاكم فى ذلك بموجبه كان ذلك حكماً بصحة البيع ، لأن موجب الدعوي فى هذه الصورة صحة إنتقال الملك إليه ، لإستيفاء شروطه ، وصحة العقد ، وقد حكم به فيكون حكماً بالصحة ، وهذا ظاهر جلي ، إذ موجب الدعوي هو الامر الذي أوجبته ، فهي موجبة له ، وهو موجب لها ، والذى أوجبته فى هذه الصورة صحة العقد كما ذكرنا والله أعلم
فإن قيل : الصحة لم يقع لها دعوى ، فكيف يصح الحكم بها ؟
قيل : إن لم تقع فى الدعوى صريحاً ، فهي واقعة فيها ضمناً ، لأن مقصود المشتري من الحكم ذلك .
المثال الثاني /
( أن يدعي أنه باعه هذه العين ، ولا يدعي أنها ملكه ، فيعترف له البائع بالبيع ، أو ينكره فتقوم البينة ، فيحكم الحاكم بموجب ذلك )
فموجب الدعوي فى هذه الصورة هو حصول صورة بيع بينهما ، ولم تشتمل الدعوى على ما يقتضي صحة ذلك البيع ، لأنه لم يذكر فى دعواه أن العين كانت ملكاً للبائع ، ولم يقم بذلك بينة ، وصحة العقد متوقفة على ذلك ، فلا يكون الحكم بالموجب هنا حكماً بالصحة ، بخلاف التي قبلها .
وقد تبين مما ذكرناه أن الحكم بالموجب تارة يكون كالحكم بالصحة ، وتارة لا يكون كذلك
وهنا إشكال وهو أن يقال : أي فائدة تبقي للحكم بالموجب ، إذا لم تجعلوه حكماً بالصحة ؟ إن قلتم فائدته ثبوت ذلك .
قيل : الثبوت قد يستفاد مما يكون قد سبق من الألفاظ ، وأيضا الثبوت لا يقال فيه ( حكم به )
وإن قلتم : فائدته الإلزام بتسليم العين
قيل : ذلك لم يقع فى الدعوى ، فكيف يحكم بما لم يدع به ؟
والجواب على ذلك : أن فائدة الحكم بالموجب أنه حكم على العاقد بمقتضي ما ثبت عليه العقد ، لا حكم بالعقد ، وفائدته أنه لة أردا العاقد رفع هذا العقد إلى من لا يرى صحته ليبطله لم يجز له ذلك ، ولا للحاكم حتي يتبين موجب عدم صحة العقد ، فلو وقف على نفسه ، ورفعه إلى الحاكم حنبلي ، فحكم بموجبه ، لم يكن لحاكم شافعي بعد ذلك أن يسمع دعوى الواقف فى إبطال الوقف ، بمقتضي كونه وقفاً على نفسه .
وحاصله أنه حكم على العاقد بمقتضي عقده ، لا حكم بالعقد ، ولا يخفي ما بينهما من التفاوت
والله سبحانه أعلم بالصواب
مشقه العبد الفقير ، محمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب ، عفي الله عنهما سنة 955 والحمد لله وحده ) ]