العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

نفاة الإستحسان : ابن حزم والشافعي (مستل من بحث للدكتور محمد جميل)

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
نفاة الإستحسان:
أبرز العلماء المنكرين للإستحسان : الإمامان ابن حزم والشافعي وسنحلل
موقف كل من هذين الإمامين الجليلين لنبرز حقيقة الإختلاف بينهما وبين
القائلين بالإستحسان.
١-ابن حزم والإستحسان:
لاننتظر من ابن حزم رحمه الله أن يصدر منه إلا الهجوم العنيف على
الإستحسان ٢٦ وعلى القائلين به : إذ هو يقول بإبطال القياس أيضا –وهو
. ٢٥ -مصادر التشريع افسلامي فيما لانص فيه لعبد الوهاب خلاف بتصرف ص ٧١

متفق عليه من جمهور المسلمين- ولا يعترف بأي نوع من انواع الأدلة
عدا الكتاب والسنة والإجماع.
وقد جمع في كتابه "الإحكام في اصول الأحكام , الإستحسان والإستنباط
والرأي في باب , لأا- في نظره- "ألفاظ واقعة على معنى واحد , لافرق
بين شئ من المراد منها وإن اختلفت الألفاظ" ٢٧ , وحكم عليها جميعا
بالبطلان , وضم إليها القياس والتحليل والتقليد في رسالة سماها :"ملخص
إبطال القياس والرأي والإستحسان والتقليد والتعليل".
ويفهم ابن حزم مصطلح افستحسان على انه "الحكم بما رآه الحاكم
اصلح في العاقبة وفي الحال" ٢٨ , أي يراه كذلك دون ان يأبه بنص شرعي,
ويدل على هذا قوله في الإستحسان أيضا إنه "فتوى المفتي بما يراه حسنا,
وذلك باطل لأنه اتباع للهوى وقول بلا برهان, والأهواء تختلف في
. الإستحسان" ٢٩
ويشفع لابن حزم في حملته على الإستحسان , بل وعلى دليل متفق عليه
بين جمهور الأمة , وهو القياس شيئان :
أحدهما : أنه ظاهري يقف عند ظواهر النصوص ولا يتجاوزها , ويرد
الأحكام كلها إلى الوحي المتمثل في الكتاب والسنة دون غضافة لي عنصر
بشري زائد على فهم هذه النصوص , واعترافه بافجماع ليس إلا لأنه
يرجع في حقيقته إلى النص.
٢٦ - بداية ص ٤٧١
١٦ / ٢٧ - الإحكام في أصول الأحكام ج ٦
١٧ / ٢٨ - السابق ج ٦
٢٩ - ملخص إبطال القياس ص ٥
ثانيهما: أنه لا يروقه الإختلاف في الدين , بل يؤرقه ومن ذلك المنطلق
رفض الإستحسان , لأن ما يستحسنه عالم قد لايستحسنه آخر , وما
استحسنه المالكية قد يستقبحه الحنفية , فكيف يكون دين الله محكوما
باستحسان بعض الناس ؟ فصح –في نظره- ان الإستحسان "شهوة
واتباع للهوى وضلال" ٣٠
٢-الإستحسان في نظر الشافعي:
حمل الشافعي على الإستحسان حملته على المصالح المرسلة وهما منسوبان
إلى شيخه مالك ورويت عن الشافعي كلمته الشهيرة "من استحسن فقد
شرع" وقرن في كتابه الرسالة الإستحسان بالتعسف ورأى ان تعطيل
القياس , والقول بمجرد افستحسان فيما لاعلم للفقيه به تجرؤ على حدود
الله , إذ"حلال الله وحرامه أولى ألا يقال فيه بالتعسف والإستحسان أبدا
. , وإنما الإستحسان تلذذ" ٣١
والخلاف بين الشافعي وبين القائلين بالإستحسان يبدو في دلالة هذا
المصطلح ٣٢ على عكس الخلاف بينهم وبين ابن حزم ,فهو خلاف
جوهري.
والذي يدلك ويدل على ان الخلاف بينهم وبين الشافعي إنما هو خلاف
في دلالة المصطلح أن الشافعي روي عنه الأخذ بافستحسان في مواضع
١٧ / ٣٠ - الإحكام ج ٦
٣١ - الرسالة ص ١٢٤
٣٢ -بداية صفحة ٤٧٢
فقد نقل عنه أنه قال في المتعة : استحسن أن تكون ثلاثين درهما , وقال
في الشفعة ك أستحسن ان يثبت للشفيع الشفعة إلى ثلاثة أيام , وقال في
السارق إذا أخرج يده اليسرى فقطعت , القياس أن تقطع يمناه ,
والإستحسان أن لاتقطع. ٣٣ وأنكر بعض الشافعية في حديثهم عن المسائل
التي قال فيها الشافعي بافستحسان أن يكون "استحسان" الشافعي من
هذا النوع المصطلح عليه اصوليا , ففي حاشية البناني على شرح الجلال
المحلي على جمع الجوامع :"أما استحسان الشافعي التحليف على الصحف
والحط في الكتابة لبعض من عوضها ٣٤ ونحوهما , كاستحسانه في المتعة
ثلاثين درهما فليس من الإستحسان المختلف فيه إن تحقق , وإنما قال ذلك
لمآخذ فقهية مبينة في مجالها" ٣٥
فإذا كان ما نقل عن الشافعي من القول بالإستحسان صحيحا , كما
صح عنه إنكاره من جهة اخرى , فإننا نربأ بالإمام الشافعي عن التناقض
في الموقفين , كما نربأ بالقئلين بالإستحسان ادعائهم التشريع من تلقاء
أنفسهم , فينبغي ان نفهم كلام كل من الجانبين حول هذا المصطلح فهما
صحيحا.
وخلال تقصينا لما قيل حول موقف الشافعي من افستحسان تبين لنا أن
موقفه من هذا المصطلح فسر ثلاثة تفسيرات:
١- التفسير الأول , يتضمن إنكار الإستحسان إنكارا قاطعا.
.٢٠٠ / ١١٣٣ .والاحكام للامدي ج ٣ / ٣٣ - راجع كشف الاسرار على أصول البزدوي ج ٢
٣٤ - أي الحط من نجوم الكتابة المفروضة على العبد إذا عوضها بخدمة اخرى.
٢٨٨ / ٣٥ - ج ٢
٢- التفسير الثاني , يتضمن إنكاره للإستحسان المبني على مجرد الهوى
دون الإعتماد على الدليل , وهذا التفسير هو الذي نراه اكثر انسجاما مع
كلامه عن الإستحسان في كتاب الأم الذي يدل على انه إنما يحمل على
الإستحسان تلك الحملة العنيفى حتى لايتجرأ الناس على التقول على
شريعة الله , وندرك مدى حدة هجومه الذي لا يقل عن مدى حدة
هجوم ابن حزم , من الباب الذي عقده للبكلام عليه في "الأم" إذ عنونه
هكذا : "باب إبطال الإستحسان" . بين فيه أن القول بالإستحسان يشعر
بأن هناك ثغرات في القواعد الشرعية يحتاج إلى سدها , بإضافة اشياء من
تلقاء المكلفين , ويشعر ذلك بأن الإنسان ترك هملا في مثل هذه المسائل
المقول فيها بالإستحسان , والقرآن الكريم ينفي ذلك قال تعالى
:"(أيحسب الإنسان أن يترك سدى) ٣٦ , وفسر "السدى" بأنه الذي لايؤمر
ولا ينهى , ومن ثم فإن "من أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه
. أن يكون في معاني السدى" ٣٧
وكل ٣٨ حديث عن الإستحسان في كتابه "الأم" لا يستقيم إلا إذا فسر بما
ذكرناه , بدليل أنه ردد فيه عبارات تشعر بأن الإستحسان هو ما خطر
على الأوهام بلا دليل صحيح أو القول بما لم يكن به أمر أو ي , فهو
يقول في حديثه عن قوله تعالى :" فول وجهك شطر المسجد الحرام
وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره" ٣٩ :"وكان معقولا عن الله عز وجل
٣٦ - الاية ٢٦ من سورة القيامة.
٢٧١ / ٣٧ - الأم ج ٧
٣٨ - بداية ص ٤٧٣
٣٩ - من الاية ١٥٠ من سورة البرقة.

أنما يأمرهم بتولية وجوههم شطره بطلب الدلائل عليه لابما استحسنوه ,
ولابما سنح في قلوم ولا خطر على اوهامهم بلا دلالة جعلها الله لهم ,
لأنه قضى أن يتركهم سدى...لأن من طلب أمر الله بالدلالة عليه فإنما
طلبه بالسبل التي فرضت عليه , ومن قال : استحسن لا عن أمر الله , ولا
عن أمر رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يقبل عن الله ولا عن رسوله ,
وكان الخطأ في قول من قال هذا بينا , بأنه قد قال : أقول وأعمل بما لم
أؤمر به ولم أنه عنه وبلا مثال على ما أمرت به ويت عنه , وقد قضى
. الله خلاف ما قال , فلم يترك أحدا إلا متعبدا" ٤٠
وإذا أمكن ان يفهم من كلام الشافعي في بعض المواضع أنه يرفض
الإستحسان ولو لم يكن عن اتباع الهوى , كالإستحسان المراد به قيسا
خفي في مقابلة قياس ظاهر مع الإستناد إلى دليل آخر , كما في قوله
:"فإن قلتم ك فنحن تركنا القياس عن غير جهالة بالأصل , قيل : فإن
كان القياس حقا فأنتم خالفتم الحق عالمين به , وفي ذلك من المآثم ما إن
جهلتموه لم تستأهلوا أن تقولوا في العلم , وإن زعمتم أن واسعا لكم ترك
القياس , والقول بما سنح في أوهامكم وحضر أذهانكم واستحسنته
مسامعكم حججتم بما وصفنا من القرآن والسنة وما يدل عليه الإجماع
. من أن ليس لأحد أن يقول إلا بعلم" ٤١
فإن هذا الفهم لا يستقيم إذا تتبعنا كلامه من أوله إلى آخره , لأنه يصف
الإستحسان بأنه القول بما سنح في الأوهام , وهو لايسمح بترك القياس
٢٧٢ / ٤٠ - الأم ج ٧
٢٧٣ / ٤١ - السابق ج ٧
ما دامت أركانه سليمة , ويرى أن علته يجب أن تبقى سارية دون
تخصيص , ولايرى أن تخصص بخير الواحد كما يرى ابو حنيفة ولا
. بالمصلحة كما يرى مالك ٤٢
وقد دافع الحنفية بشدة عن وجهة نظرهم في الأخذ بالإستحسان ونفو
انفيا قاطعا ان يكون استحسام مبنيا على مجرد رأي يرونه وتميل إليه
نفوسهم , وقد عرض النسفي بموقف الشافعي ومن تبعه بقوله :" وللجهل
بالمراد طعن بعض الناس على عبارة علمائنا في الكتب :"إلا أنا تركنا
القياس واستحسنا" حتى قال الشافعي رحمه الله ك" من استحسن فقد
شرع" وقالوا : إنه إثبات الحكم بمجرد الشهوة , لأن اللفظ ينبئ عنه ,
وكان معنى قولهم : "إنا تركنا القياس واستحسنا أنا تركنا العمل بالقياس
الذي هو حجة شرعية , وعملنا بما ليس بحجة اتباع للهوى والشهوة ,
ولأنكم إن أردتم ترك القياس ٤٣ الذي هو حجة فالحجة الشرعية حق ,
وماذا بعد الحق إلا الضلال , وإن أردتم ترك القياس الباطل شرعا فالباطل
مما لا يسوغ ذكره...
"وغرضنا من هذه التسمية ك التمييز بين الحكم الأصلي الذي يدل عليه
القياس الظاهر , وبين الحكم الممال عن ذلك السنن الظاهر بدليل أوجب
الإمالة فسمينا الأول قياسا والممال استحسانا , وإذا صح المراد على ما
١٣٨ / ٤٢ - راجع الإعتصام ج ٢
٤٣ - بداية ص ٤٧٤

قلنا بطلت المشاحة في العبارة وتبين أنا لم نترك الحجة بالهوى
. والشهوة" ٤٤
٣- أما التفسير الثالث : لموقف الشافعي من الإستحسان فهو أبعد
التفاسير عن الحقيقة , ومضمونه أن الشافعي لم ينكر الإستحسان أصلا
بل حبذه ومدح القائلين به , ولكي يتماشى هذا التفسير وعبارة الشافعي
:" من استسحسن فقد شرع" تكلف نظام الدين النصاري في فهم عبارة
الشافعي هذه على "أن مقصود الشافعي بقوله "من استحسن فقد شرع,
مدح المستحسن وأراد من استحسن فقد صار بمترلة نبي ذي شريعة وأتباع
. الشافعي لم يفهموا كلامه على وجهه هذا " ٤٥
وهناك ملا حظة ينبغي ألا نغفلها ونحن نحلل موقف الشافعي المتشدد من
الإستحسان وهما : أن ولوع عشاق البدع باكتشاف براهين من كلام
الأئمة وجعلها معبرا إلى بدعهم إن بالإستحسان وإن بالمصالح المرسلة قد
جعل الشافعي يسد عليهم هذا الباب الذي يلهجون به في سبيل إضفاء
الصبغة الشرعية على ما يختلقونه من بدع.
 
أعلى