رد: هذه الآيات الثلاث عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعرابا ومعنى وحكما
1- الإعراب والقراءات:
شَهادَةُ بَيْنِكُمْ: يجوز أن يكون مبتدأ وخبره اثنان، على حذف مضاف أي شهادة بينكم شهادة اثنين، ويجوز أن يكون خبر المبتدأ محذوفا، أي فيما أمرتم أن يشهدوا اثنان، ويكون اثنان فاعلا بالشهادة، وقرئ شَهادَةُ بالنصب والتنوين، أي ليقم شهادة بينكم اثنان، وعلى القراءة الأولى تكون إضافة شهادة إلى الظرف، وهو بينكم على التوسع.
وإِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ: شارفه، وظهرت أمارته، وهو ظرف متعلّق بشهادة وحِينَ الْوَصِيَّةِ بدل منه، وفي هذا الإبدال تنبيه على أنّ الوصية لا ينبغي أن نتهاون فيها.
ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ صفتان لاثنان أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ عطف على اثنان، وظاهر الآية أنّ المراد اثنان من المؤمنين، أو آخران من غير المؤمنين، لأنّ الله وجّه الخطاب للمؤمنين جميعا، فإذا قال: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ فهما من غير المؤمنين.
وقال بعضهم: مِنْكُمْ أي من قبيلتكم، ومن غيركم، أي من غير قبيلتكم إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي سافرتم فيها فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ أي قاربتم الأجل، فليس المراد الموت بالفعل، وإنما المراد مشارفته، والعرب قد تعبّر بالفعل عن مقاربته ومشارفته تَحْبِسُونَهُما تقفونهما، وتصبرونهما، للحلف مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ صلاة العصر، وإنما فهمت صلاة العصر مع أن الصلاة مطلقة، لأنّها كانت معهودة للحلف عندها، وكان أهل الحجاز يقعدون للحكومة بعدها، وقيل: أي صلاة كانت، وقوله:
إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ جوابه محذوف دلّ عليه ما قبله، أي إن أنتم ضربتم في الأرض فآخران من غيركم، وجملة الشرط وجوابه اعتراضية، فائدتها التنبيه على أنّ شهادة اثنين من غير المسلمين إنما هي عند الضرورة،
وقوله: تَحْبِسُونَهُما إما صفة لآخران، أو مستأنفة جواب سؤال مقدّر، كأنه قيل: ماذا نفعل بهما، فقال:
تحبسونهما من بعد الصلاة.
فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ أي شككتم في أمرهما، وجوابه محذوف علم مما قبله، أي فحلّفوهما لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً الضمير في به يرجع إلى القسم المفهوم من فَيُقْسِمانِ والمعنى لا نشتري بصحة القسم ثمنا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى أي لو كان المقسم له ذا قربى وروي عن الشعبي أنه وقف على شَهادَةُ وابتدأ اللَّهِ بمد الهمزة وتأويلها أنه حذف حرف القسم، وعوّض عنه همزة الاستفهام، والمعنى على القسم. وقرئ اللَّهِ بدون مد على القسم أيضا، وقد ذكر سيبويه أن من العرب من يطرح حرف القسم ولا يعوض منه حرف الاستفهام، فيقول: الله لقد كان كذا.
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً أي اطّلع على أنهما فعلا ما أوجب إثما، واستوجبا أن يقال: إنهما من الآثمين.
فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ قرئ استحقّ على البناء للمفعول، والمعنى فشاهدان آخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الإثم، أي من الذين جني عليهم، وهم أهل الميت وعشيرته، والْأَوْلَيانِ خبر لمبتدأ محذوف.
أي هما الْأَوْلَيانِ كأنّه قيل: من هما؟ فقيل: الْأَوْلَيانِ أو بدل من الضمير في يقومان، ومعنى الْأَوْلَيانِ الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما بأحوال الميت، ويجوز أن يكون الْأَوْلَيانِ نائب فاعل اسْتَحَقَّ على حذف مضاف، أي استحق عليهم انتداب الأولين.
وقرئ على البناء للفاعل والمعنى من الذين استحق عليهم الأوليان أو يجرّد وهما للشهادة، ويقدموهما لها، ويظهروا بهما كذب الكاذبين فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي ما اعتدينا في طلب هذا المال وفي نسبتهما إلى الخيانة، إنا إذا اعتدينا وخوّناهما وهما ليسا خائنين لمن الظالمين!.
ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ أي ما تقدم من الحكم أقرب أن يأتي الشهداء على نحو تلك الحادثة بالشهادة على وجهها الذي تحمّلوها عليه خوفا من عذاب الله، وهذه حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المتقدم.
وقوله تعالى: أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ بيان لحكمة ردّ اليمين على الورثة، وهو معطوف على مقدّر ينبئ عنه المقام، كأنه قيل: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة، أو يخافوا أن تردّ أيمان على الورثة بعد أيمانهم، فيظهر كذبهم على رؤوس الأشهاد، فيكون ذلك الخوف داعيا إلى أن ينزجروا عن الخيانة التي تؤدي إليه، فأي الخوفين كان وجد المطلوب، وهو تأدية الشهادة دون تحريف ولا تبديل.
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا سمع إجابة وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.