العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية



قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } [البقرة:189]، و قال صلى الله عليه وسلم: « لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له » رواه البخاري، ومسلم بلفظ "أغمي".

يختلف المسلمون كل سنة في تحديد بداية ونهاية شهري رمضان وشوال، وقد يصل الاختلاف إلى أربعة أيام أحيانًا، فتعلن دول بداية الشهر الهجري بناء على الحسابات الفلكية، وتعلن أخرى بداية الشهر في يوم ثانٍ بناء على رؤية الهلال، وفي نفس الوقت تعلن دول أخرى بداية الشهر الهجري في يوم ثالث بناء على رؤية الهلال أيضاً. فما سبب كل هذا الاختلاف؟ وما حقيقته؟

رؤية الهلال بين الممكن والمستحيل

القمر لا يشرق دائماً ليلاً ويغرب نهاراً كما يعتقد الكثيرون!
يدور القمر حول الأرض مرة واحدة كل 29.5 يوماً تقريباً كمتوسط، وأثناء دورانه هذا نراه بأطوار مختلفة: مبتدئًا بالمحاق، ومروراً بالهلال المتزايد، ثم التربيع الأول والأحدب المتزايد، ثم البدر والأحدب المتناقص، ثم التربيع الثاني، ثم الهلال المتناقص، وعودة مرة أخرى إلى المحاق.

وفي كل يوم تشرق الشمس من جهة الشرق صباحاً، وتغرب في جهة الغرب بعد حوالي 12 ساعة تقريباً، وكما أن الشمس تشرق وتغرب فالقمر أيضاً يشرق ويغرب، ولكنه لا يشرق دائماً ليلاً ويغرب نهاراً كما يعتقد الكثيرون! فالقمر يشرق كل يوم في موعد يعتمد على طوره؛ فعندما يكون القمر محاقاً فإنه يشرق مع الشمس ويغيب معها تقريباً. وعندما يكون تربيعاً أولاً فإنه يشرق عند منتصف النهار ويغيب عند منتصف الليل تقريباً. أما عندما يكون بدراً فإنه يشرق مع غروب الشمس ويغرب مع شروق الشمس. وعندما يكون هلالاً جديداً (متزايداً) فإنه يشرق بعد شروق الشمس بقليل ويغرب بعد غروب الشمس بقليل. ولرؤية هلال الشهر الجديد في السماء الغربية فإننا نقوم بتحرّي الهلال في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري.

ولا بد من توفر شرطين أساسيين تستحيل رؤية الهلال بغياب أحدهما:
أولاً: أن يكون القمر قد وصل مرحلة المحاق (الاقتران) قبل غروب الشمس؛ لأننا نبحث عن الهلال، و هو -أي الهلال- مرحلة تلي المحاق، فإن لم يكن القمر قد وصل مرحلة المحاق فلا جدوى إذن من البحث عن الهلال.
ثانياً: أن يغرب القمر بعد غروب الشمس؛ لأن تحري الهلال يبدأ فور بداية اليوم الهجري الجديد عند غروب الشمس، فإذا كان القمر سيغيب أصلاً قبل غروب الشمس أو معها؛ فهذا يعني أنه لا يوجد هلال في السماء نبحث عنه بعد الغروب.

فإذا لم يتوفر أحد الشرطين السابقين؛ فإن إمكانية رؤية الهلال تسمى "مستحيلة". ولكن حدوث الاقتران قبل غروب الشمس وغروب القمر بعد غروب الشمس غير كافٍ حتى تصبح رؤية الهلال ممكنة؛ فهل يمكن رؤية الهلال إذا غرب بعد دقائق معدودة من غروب الشمس مثلا؟ بالطبع لا، وذلك لأسباب عدة، منها:
أولاً: غروب القمر بعد فترة وجيزة جدا من غروب الشمس يعني أنه ما زال قريباً من قرص الشمس، وأن طور المحاق (الاقتران) قد حدث قبل فترة قصيرة من غروب الشمس؛ فعند الغروب لم يكن القمر قد ابتعد ظاهريا في السماء مسافة كافية عن الشمس حتى تبدأ حافته بعكس ضوء الشمس ليرى على شكل الهلال.

ثانياً: إذا نظرنا إلى جهة الغرب لحظة الغروب فسنلاحظ الوهج الشديد للغسق قرب المنطقة التي غربت عندها الشمس؛ فإذا ما وقع القمر في تلك المنطقة فإن إضاءة الغسق الشديدة ستحجب إضاءة الهلال النحيل.

ثالثاً: إن وقوع قرص القمر قرب قرص الشمس وقت الغروب يعني أن القمر قريب جدًّا من الأفق وقت رصده، ووقوع القمر قرب الأفق سيؤدي إلى خفوت إضاءته بشكل كبير جدًّا؛ فنحن لا نستطيع النظر إلى الشمس وقت الظهيرة، في حين أنه يمكن النظر إليها وقت الغروب بارتياح أحياناً؛ وذلك لأن أشعة الشمس وقت الغروب تسير مسافة أكبر في الغلاف الجوي؛ مما يؤدي إلى توهين وتشتّت أشعتها، ولا يصلنا منها إلا القليل. وهذا ما يحدث للهلال أيضاً فالغلاف الجوي عند الأفق كفيلٌ بأن يشتت جميع إضاءة الهلال فلا نعود نراه.

نستنتج مما سبق أن قرص القمر يجب أن يكون على ارتفاع مناسب عن الأفق الغربي، وأن يبتعد مسافة كافية عن قرص الشمس حتى تزداد نسبة إضاءته، ولكي يبتعد عن وهج الشمس وبالتالي يزداد سطوعه.

وإذا حدث الاقتران قبل غروب الشمس وغرب القمر بعد غروب الشمس، ولكنه لا يمكن رؤية الهلال لأحد الأسباب الثلاثة سالفة الذكر؛ فإن رؤية الهلال تسمى "غير ممكنة".

اختلاف الدول الإسلامية.. وأسبابه
وتختلف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية للأسباب التالية:
1 - تدعو بعض الدول الإسلامية المواطنين لتحري الهلال؛ فإذا جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته حتى لو دلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ وهو ما يحصل حاليّاً في العديد من الدول الإسلامية.
2 - في دول إسلامية أخرى ترد شهادة الشاهد إذا كانت رؤية الهلال مستحيلة ولكنها تقبلها حتى لو كانت غير ممكنة، ومثال ذلك المملكة العربية السعودية (ابتداء من عام 1419 هـ).
3 - وهناك دول إسلامية لا تعتمد رؤية الهلال أصلاً؛ بل تعتمد شروطاً فلكية معينة. ومثال ذلك ليبيا التي تعلن رسمياً أنها لا تعتمد رؤية الهلال؛ بل يبدأ الشهر الهجري في ليبيا إذا حدث الاقتران قبل الفجر.
4 - للأسف.. إن معظم الدول الإسلامية لا تتحرى الهلال على مستوى رسمي؛ بل تكتفي بدعوة المواطنين للتحري! فالدولة العربية الوحيدة التي تتحرى الهلال كل شهر (وليس فقط رمضان وشوال) بشكل رسمي وتعلن نتائج التحري رسمياً وبشكل فوري عبر وسائل الإعلام هي المملكة المغربية؛ فهي تتحرى الهلال من حوالي 270 موقعاً موزّعاً على مختلف أنحاء المملكة المغربية، وتشارك القوات المسلحة بعملية التحري أيضاً، وحسب اعتقادنا فإن المملكة المغربية هي أفضل دولة عربية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، وكذلك فإن نظام التحري في سلطنة عمان مشابه لذلك، ولكن يبقى النظام المغربي هو الأفضل.

وفي المقابل فإن معظم الدول الإسلامية تدعو المواطنين لتحري الهلال، وتقبل شهادة أي مواطن برؤية الهلال، مع العلم أن هذا الشاهد قد لا يكون على علم بوقت ومكان الهلال ولا حتى بشكله، فإذا ما شاهد أي جرم في السماء اعتقده الهلال. فعلى سبيل المثال صام ملايين المسلمين في السعودية عام 1984م 28 يوما فقط؛ لأن أحد الشهود رأى كوكبي عطارد والزهرة فاعتقدهما الهلال!
إن تحري الهلال بشكل جماعي قد يكون ضرورة لا مفر منها؛ فهو الطريقة الأمثل لتأكد الشاهد بأن ما يراه هو الهلال وليس شيئا آخر.

5- تأخذ بعض الدول الإسلامية بمبدأ اتحاد المطالع؛ فإذا علمت أن إحدى الدول قد أعلنت ثبوت رؤية الهلال فإنها تتبعها فوراً حتى دون التأكد من صحة رؤية الهلال، ومثال ذلك الأردن.

وفي المقابل فإن بعض الدول الإسلامية تأخذ باختلاف المطالع، ولا تقبل رؤية الهلال إلا من داخل أراضيها، ومثال ذلك السعودية؛ فعند تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1420هـ أعلنت اليمن ثبوت رؤية الهلال يوم 07-12-1999م، وعليه كان يوم 08-12-1999م أول أيام شهر رمضان في اليمن. وقد ذكر البيان الرسمي اليمني أسماء ووظائف الأشخاص الذين شهدوا برؤية الهلال، وكان من بينهم أئمة مساجد، إلا أن السعودية أهملت بيان ثبوت رؤية الهلال من جارتها اليمن، وبدأت الصيام يوم 09-12-1999م.

ومثال ذلك أيضاً ما حدث في تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1424هـ؛ حيث أعلنت كل من اليمن والأردن وفلسطين ومصر ثبوت رؤية الهلال يوم 25-10-2003م، وعليه بدأت هذه الدول صيامها يوم 26-10-2003م، إلا أن السعودية أهملت جميع هذه البيانات الرسمية، وبدأت صيامها يوم 27-10-2003م.


التصورات الفقهية

ما سلف ذكره هو بعض من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى اختلاف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، ويعزى بعض هذه الأسباب إلى الاختلافات الفقهية لكل جهة؛ ففي كل عام يتكرر السؤال نفسه وهو: "هل نتبع الحسابات الفلكية أم رؤية الهلال؟". وقد نوقشت هذه المسألة من قبل العديد من الفقهاء وعلماء الفلك، ولكنها في أغلب الأحيان لم تناقَش بشكل واضح يبرز للقارئ بعض الحقائق الفلكية أو الفقهية المتعلقة برؤية الهلال. فقد رأى بعض الفقهاء جواز الاعتماد على الحسابات الفلكية، ولكن كان لكل فقيه تصور معين لهذا الجواز، ونلخص ذلك بالآتي:

1 - أجاز بعض الفقهاء اعتماد الحساب الفلكي في النفي فقط؛ بمعنى أنه إذا جاء من يشهد برؤية الهلال، ودلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ فإن هذه الشهادة ترد. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي تقي الدين السبكي وهو من كبار الفقهاء الشافعية في النصف الأول من القرن الثامن الهجري؛ فقد ذكر السبكي في فتاواه أن الحساب إذا نفى إمكانية الرؤية البصرية؛ فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود، قال: "لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظني لا يعارض القطعي، فضلاً عن أن يُقَدم عليه".
وذكر أن من شأن القاضي أن ينظر في شهادة الشاهد عنده، في أي قضـية من القضــايا؛ فإن رأى الحـس أو العـيان يكذبها ردهـا ولا كـرامة.

قال: "والبينـة شـرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسًا وعقلا وشرعًا، فإذا فرض دلالة الحساب قطعًا على عدم الإمكان اسـتحال القول شرعًا، لاسـتحالة المشــهود به، والشرع لا يأتي بالمســتحيلات. أما شهادة الشهود فتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب" (موقع إسلام أون لاين 2004)، وممن قال بهذا الرأي من المتأخرين محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر، والشيخ علي الطنطاوي (القضاة 1999)، والشيخ عبد الله بن منيع. ومن القائلين بهذا الرأي أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والقرافي وابن رشد (منيع 2004).

2 - أجاز بعض الفقهاء اعتماد الحساب الفلكي في النفي والإثبات؛ فقد زاد مؤيدوا هذا الرأي عن أصحاب الرأي السابق أنه إذا دلت الحسابات الفلكية على وجود القمر بعد غروب الشمس بوضع يسمح برؤيته كهلال؛ فإنه يؤخذ بالحسابات الفلكية، ويكون اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري دون اشتراط رؤيته بالعين المجردة. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي قديماً مُطرِّف بن عبد الله من كبار التابعين، وأبو العباس بن سريج من كبار الشافعية في القرن الثالث الهجري، وابن قتيبة الدينوري. ومن أشهر من قال به في عصرنا الشيخ أحمد شاكر، والشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور يوسف القرضاوي (القضاة 1999).

3- الفريق الآخر من الفقهاء لم يُجز استخدام الحساب الفلكي لا في النفي ولا في الإثبات؛ فإذا ما جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته، حتى إذا وجدت حسابات فلكية تدل على أن القمر لم يكن موجوداً في السماء في ذلك الوقت. ومن القائلين بهذا الرأي الشيخ ابن باز، وقد يكون ذلك لاعتقاد أصحاب هذا الرأي أن الحسابات الفلكية غير دقيقة أو غير قطعية، كما انهم اعتمدوا في مذهبهم على الحديث الشريف « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته », ومن الأقدمين قال باعتماد الرؤيا شيخ الإسلام ابن تيمية.

إن بعض الفلكيين يقومون بإجراء الحسابات الفلكية؛ فإذا ما وجدوا أن القمر يغيب بعد الشمس ولو بدقيقة، وأن الاقتران (المحاق) قد حدث قبل غروب الشمس ولو بدقيقة اعتبروا اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري الجديد. واحتجوا بذلك بقول الفقهاء الذين أجازوا استخدام الحساب الفلكي في الإثبات والنفي، ولكن في الحقيقية إن هذا الاحتجاج لا يصلح أبداً؛ لأن الفقهاء الذين أجازوا استخدام الحسابات الفلكية للإثبات أجازوها عندما تدل الحسابات الفلكية على أن القمر قد أصبح في طور الهلال، وليس والقمر في طور المحاق! فحدوث الاقتران (المحاق أو ما يسميه البعض تولد الهلال) لا يعني أن القمر قد أصبح في طور الهلال! بل على العكس تماما فالاقتران (المحاق أو تولد الهلال) هو وصول القمر لذروة طور المحاق! ويحتاج القمر إلى 12-18 ساعة تقريبا بعد الاقتران (المحاق أو تولد الهلال) لينتقل من طور المحاق إلى الهلال.

ففي الحقيقة لا يوجد أي فقيه أجاز بدء الشهر الهجري بمجرد حدوث الاقتران؛ لأن ربط بداية الشهر الهجري بحدوث الاقتران هو ربط لمواقيت المسلمين بطور المحاق وليس الهلال! إلا أن الآية الكريمة قد صرحت بوضوح أن مواقيت المسلمين مرتبطة بالهلال وليس المحاق؛ فقال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } [البقرة 189].


هل نتبع الحساب أم الرؤية؟

مما سبق نستنتج أنه لا يمكن الإجابة على سؤال "هل نتبع الحسابات الفلكية أم رؤية الهلال؟" دون تحديد المقصود بالحسابات الفلكية والمقصود برؤية الهلال.
فهل المقصود باتباع رؤية الهلال هو قبول شهادة أي شاهد برؤية الهلال حتى لو توفر العلم اليقيني الذي يفيد خطأ هذه الشهادة؟ أو حتى قبولها في اليوم الثامن والعشرين من الشهر الهجري كما حدث في السعودية عام 1984م؟

يلاحظ المتمعن بهذا الرأي أنه في معظم الأحيان سيخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُمّ عليكم فاقدروا له »؛ وذلك لأنه سيصوم ويفطر بناء على قول شخص إنه رأى الهلال مع وجود دليل قطعي يفيد أن الهلال لم يكن موجوداً في السماء وقت ادعاء ذلك الشخص رؤيته! وعليه فقد صام المسلمون أو أفطروا بناء على رؤية كوكب الزهرة مثلا أو أي جرم سماوي أو غير سماوي آخر توهمه الشاهد على أنه الهلال!

وفي المقابل ماذا نقصد باعتماد الحسابات الفلكية؟ فبعض الفلكيين بالغوا بهذا الجانب لدرجة مطالبتهم ببدء الشهر بمجرد حدوث الاقتران (المحاق أو تولد الهلال) قبل غروب الشمس، وهذه مخالفة واضحة لأمر الله عز وجل الذي ربط مواقيت المسلمين بالهلال وليس بالمحاق (الاقتران أو تولد الهلال).

ومن هنا يبرز جليّاً أن التوفيق بين الرؤية والحسابات الفلكية ضرورة لا مفر منها؛ فكيف نقبل شهادة شخص برؤية الهلال ونحن نعلم أن القمر قد غاب قبل الشمس؟ وفي المقابل كيف نبدأ الشهر ولم يُر الهلال من أي منطقة في العالم الإسلامي كما يحدث في معظم الأحيان؟! ونحن نرى أن الاقتراحين التاليين قد يكون لهما الأثر الواضح في معالجة مشكلة تحديد بدايات الأشهر الهجرية في العالم الإسلامي:

1 - أن تكون عملية تحرّي الهلال عملية رسمية جماعية كما يحدث في المملكة المغربية؛ فتعين الدولة مناطق مختلفة تصلح لتحري الهلال، وتدعو المواطنين الراغبين بتحري الهلال بالتوجه لهذه المناطق، على أن يوجد في كل منطقة شخص ذو دراية بتحرّي الأهلة. ففي هذه الحالة من المستحيل أن يتوهّم جميع الأشخاص الموجودين في مكان التحري رؤية الهلال، خاصة مع وجود شخص ذي دراية بتحرّي الأهلة.

ومن الجدير بالذكر أن تحري الهلال في جمهورية جنوب أفريقيا يتم بشكل جماعي يشارك به ما يقارب 3000 شخص؛ ولذلك نجد أنه من شبه المستحيل أن يبدأ المسلمون في جنوب أفريقيا أشهرهم الهجرية بشكل خاطئ!

2 - في حالة شهادة أشخاص فرادى برؤية الهلال؛ فإنه يفترض توجيه بعض الأسئلة للشاهد للتأكد من أنه رأى الهلال وليس أي شيء آخر! كأن يسأل عن وقت ومكان رؤية الهلال، واتجاه فتحته، وارتفاعه عن الأفق، وكيف تحرك هذا الهلال أثناء مراقبته.. إنها أسئلة بسيطة ولكنها بالتأكيد ستنقح معظم الشهادات المغلوطة برؤية الهلال!

قد يكون من غير المنطقي أن توجه هذه الأسئلة لشاهد برؤية الهلال وقت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لعدم دراية المسلمين في ذلك الوقت بالعلوم المتعلقة برؤية الهلال، أمَا وقد أصبح علم الفلك الآن منتشراً ويقينياً؛ فما المانع إذن من الاستئناس به، إذا كان هذا الاستئناس سيحقق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُم عليكم فاقدروا له » ؟



المصدر: إسلام أون لاين
 
إنضم
25 أبريل 2011
المشاركات
8
الكنية
أبو كمال
التخصص
الشريعة الاسلامية
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية

الاخوة الكرام أعضاء الملتقى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا فصل من رسالة الدكتوراة الخاصة بي وأرجو من حضراتكم التفاعل لمناقشة موضوع اختلاف المطالع ورؤية الهلال من ناحية علمية حتى يستفيد الجميع وانقل لكم ما كتبته في رسالتي حتى تاريخه
اختلاف المطالع ورؤية الهلال بقلم محمد كمال السوسي من غزة فلسطين محاضر في الكلية الجامعية وباحث دكتوراة في الفقه المقارن بجامعة طرابلس بلبنان
المطلب الأول
اختلاف المطالع[SUP]([1])[/SUP]
لقد أدت الفوضى في إثبات الأشهر القمرية لمواقيت الحج ورمضان وغيرهما إلى حدوث انقسام في العالم الإسلامي بدلاً من الوحدة، وسبباً لسخرية العالم منا، وموضوعاً للنقاش يكاد لا ينتهي, لذلك كان من الأهمية بمكان وضع حد لهذه الأمر الذي شكّل الحافز الأهم للكتابة في هذا الموضوع.
فمن المعلوم أن مسألة اختلاف المطالع هي محل خلاف بين أهل العلم منذ عهد بعيد, وهذا الأمر سيتضح لاحقا عند الحديث عن آراء الفقهاء في هذه المسألة, ولكن الذي يهمنا هنا أن نبين أنه لا يجوز أن نختلف فقط لأجل الاختلاف, وهذا الأمر واضح وضوح الشمس في أيامنا هذه, حيث أن المسلمين يختلفون كل سنة في تحديد بداية ونهاية الأشهر الهجرية وخاصة شهر رمضان وشوال وذي الحجة، وقد يصل الخلاف إلى ثلاثة أيام أحيانًا، فتعلن دول بداية الشهر الهجري بناء على الحسابات الفلكية، وتعلن أخرى بداية الشهر في يوم ثانٍ بناء على رؤية الهلال، وفي نفس الوقت تعلن دول أخرى بداية الشهر الهجري في يوم ثالث بناء على رؤية الهلال أيضاً وهذا الأمر مبناه اتحاد المطالع واختلافها.
يقول الدكتور مصطفى الزرقا معلقاً على موضوع اختلاف الدول الاسلامية في تحديد الأهلة :"ومن الحالات التي أصبحت مخجلة بل مذهلة حيث يبلغ فرق الإثبات للصوم والإفطار بين مختلف الأقطار الإسلامية ثلاثة أيام"[SUP]([2])[/SUP].
أسباب اختلاف الدول الاسلامية في تحديد المطالع:[SUP]([3])[/SUP]
يرجع اختلاف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية للأسباب التالية:
1- تدعو بعض الدول الإسلامية المواطنين لتحري الهلال؛ فإذا جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته حتى لو دلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ وهو ما يحصل حاليّاً في العديد من الدول الإسلامية.
2- إن معظم الدول الإسلامية لا تتحرى الهلال على مستوى رسمي؛ بل تكتفي بدعوة المواطنين للتحري! فالدولة العربية الوحيدة التي تتحرى الهلال كل شهر (وليس فقط رمضان وشوال) بشكل رسمي وتعلن نتائج التحري رسمياً وبشكل فوري عبر وسائل الإعلام هي المملكة المغربية؛ فهي تتحرى الهلال من حوالي 270 موقعاً موزّعاً على مختلف أنحاء المملكة المغربية، وتشارك القوات المسلحة بعملية التحري أيضاً، فالمملكة المغربية هي أفضل دولة عربية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، وكذلك فإن نظام التحري في سلطنة عمان مشابه لذلك، ولكن يبقى النظام المغربي هو الأفضل.
3- وفي المقابل فإن معظم الدول الإسلامية تدعو المواطنين لتحري الهلال، وتقبل شهادة أي مواطن برؤية الهلال، مع العلم أن هذا الشاهد قد لا يكون على علم بوقت ومكان الهلال ولا حتى بشكله، فإذا ما شاهد أي جرم في السماء اعتقده الهلال. فعلى سبيل المثال صام ملايين المسلمين في السعودية عام 1984م 28 يوما فقط؛ لأن أحد الشهود رأى كوكبي عطارد والزهرة فاعتقدهما الهلال.
إن تحري الهلال بشكل جماعي قد يكون ضرورة لا مفر منها؛ فهو الطريقة المثلى لتأكد الشاهد بأن ما يراه هو الهلال وليس شيئا آخر.
4- تأخذ بعض الدول الإسلامية بمبدأ اتحاد المطالع؛ فإذا علمت أن إحدى الدول قد أعلنت ثبوت رؤية الهلال فإنها تتبعها فوراً حتى دون التأكد من صحة رؤية الهلال، ومثال ذلك الأردن.
وفي المقابل فإن بعض الدول الإسلامية تأخذ باختلاف المطالع، ولا تقبل رؤية الهلال إلا من داخل أراضيها، ومثال ذلك السعودية.
يقول العلامة يوسف القرضاوي: "إن السعي إلى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم، وسائر شعائرهم وشرائعهم، أمرٌ مطلوب دائماً، وإذا لم نصل إلى الوحدة الكلية العامة بين أقطار المسلمين في أنحاء العالم، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة بين أبناء الإسلام في القطر الواحد، فلا يجوز أن نقبل بأن ينقسم أبناء البلد الواحد، أو المدينة الواحدة، فيصوم فريقٌ اليوم على أنه من رمضان، ويفطر آخرون، فمن المتفق عليه أن حكم الحاكم، أو قرار ولي الأمر يرفع الخلاف في الأمور المختلف فيها، فإذا أصدرت السلطة الشرعية المسؤولة عن إثبات الهلال في بلد إسلامي ـ المحكمة العليا، أو دار الإفتاء، أو رئاسة الشؤون الدينية، أو غيرها ـ قرارها بالصوم أو بالإفطار، فعلى مسلمي ذلك البلد الطاعة والالتزام؛ لأنها طاعة في المعروف، وإن كان ذلك مخالفاً لما ثبت في بلد آخر، فإن حكم الحاكم هنا رجح الرأي الذي يقول: إنَّ لكل بلد رؤيته"[SUP]([SUP][4][/SUP][/SUP]).
المقصود باتحاد المطالع واختلافها:
إن وحدة المطالع تعني إمكانية رؤية الهلال في آن واحد مع اختلاف الأماكن، بينما اختلاف المطالع تعني عدم إمكانيتها بتلك الصفة، وعلى هذا الأساس فلا يمكن أن يرى الهلال في كل العالم في يوم واحد وليلة واحدة، وأما في العالم الإسلامي وتحديداً من ماليزيا إلى موريتانيا فيمكن أن يرى الهلال في ليلة واحدة أو في ليلتين، ولا يمكن أن يتعدى إلى ثلاث ليالٍ، لذا فإنه من الوارد أن يُرى الهلال في العالم الإسلامي كله في يوم واحد، أو في يومين[SUP]([SUP][5][/SUP][/SUP]).
فالمقصود باختلاف المطالع ظهور القمر ورؤيته في أول الشهر في بلد دون بلد، حيث يراه أهل البلد مثلاً، بينما لا يراه أهل البلد الآخر، فتختلف مطالع الهلال[SUP]([6])[/SUP].
وقد تعرض الفقهاء – رحمهم الله - لأحكام اختلاف المطالع، نظراً إلى تعليق فرضية أو صحة بعض العبادات بها، فضلاً عن الكثير من الأحكام المتعلقة بفقه المعاملات وفقه الأسرة وغير ذلك.
فلو شوهد هلال شهر رمضان المبارك في بلد، فهل يلزم أهل البلاد الأخرى الذين لم يروا الهلال أن يصوموا بهذه الرؤية؟.
تحرير محل النزاع:
1. اتفق الفقهاء – رحمهم الله - على أن حكم الحاكم في هذه المسألة يرفع الخلاف[SUP]([7])[/SUP].
2. اتفق الفقهاء – رحمهم الله - على أنه إذ تقاربت البلدان فحكمها حكم واحد[SUP]([8])[/SUP].
3. إذا شُوهد هلال شهر رمضان المبارك في بلد، فهل يلتزم أهل البلاد البعيدة الذين لم يروا الهلال أن يصوموا بهذه الرؤية؟.
اختلف العلماء – رحمهم الله- في هذه المسألة، على قولين:
القول الأول:
إن العبرة في اختلاف المطالع، فلو شوهد هلال شهر رمضان في بلد، فإنه لا يلزم أهل البلاد الأخرى البعيدة الذين لم يروا الهلال أن يصوموا بناء على هذه الرؤية إذا كان البعد يؤثر فيها، وهو ما ذهب إليه بعض الحنفية[SUP]([9])[/SUP]، وبعض المالكية[SUP]([10])[/SUP]، وهو قول جمهور الشافعية[SUP]([11])[/SUP]، وقول عند الحنابلة[SUP]([12])[/SUP]، وهو اختيار شيخ اسلام ابن تيمية[SUP]([13])[/SUP].
القول الثاني:
أنه لا عبرة باختلاف المطالع، فلو شوهد هلال شهر رمضان المبارك في بلد، فإنه يلزم أهل البلاد الأخرى البعيدة – وإن لم يروا الهلال- أن يصوموا بهذه الرؤية، وإلى هذا ذهب الجمهور من الحنفية[SUP]([14])[/SUP]، والمالكية[SUP]([15])[/SUP]، والحنابلة[SUP]([16])[/SUP]، وبعض الشافعية[SUP]([17])[/SUP]، وبه قال الليث بن سعد[SUP]([18])[/SUP]، وإلى هذا الرأي ذهب أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بمصر[SUP]([19])[/SUP].
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول بعدة أدلة نذكر منها ما يلي:
الدليل الأول:
ما روى كريب[SUP]([20])[/SUP] مولى ابن العباس y:( أنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قال: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ، وأنا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ في آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ عن الهلال، فقال: مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ؟ فقلت: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فقال: أنت رَأَيْتَهُ؟ فقلت: نعم، وَرَآهُ الناس وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فقال: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فلا نَزَالُ نَصُومُ حتى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أو نَرَاهُ فقلت: أَوَ لَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فقال: لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رسول اللَّهِ (r[SUP]([21])[/SUP].
وجه الدلالة من الأثر:
أن ابن عباس yلم يعتدَّ برؤية أهل الشام، وهو في المدينة، بل قال: (هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r)، فدَّل ذلك على أنه ليس اجتهاداً من ابن عباس y، بل هو صريح في رفع ذلك للنبي r، فهو حجة على أن البلاد إذا تباعدت كتباعد الشام عن الحجاز، فإن لكل بلد أن يعمل على رؤيته دون رؤية غيره من البلدان[SUP]([22])[/SUP].
الجواب عن الأثر:
أجاب أصحاب القول الثاني عن الاستدلال بحديث كريب بعدة أجوبة هي على النحو التالي:
أولاً: ليس في قول ابن عباس y: (هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r) ما يدل على أن ذلك من قوله r إذ لم يأمر رسول الله r بشيء خاص في ذلك، بل كل ما في الأمر هو قول الرسول r: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ)[SUP]([23])[/SUP]، ويمكن أن ابن عباس yأراد هذا الحديث العام، لا حديثاً خاصاً بهذه المسألة، وقول ابن عباس y مجملٌ لا يفسَّر إلا بما هو معلوم، والمعلوم هو هذا الحديث العام[SUP]([24])[/SUP].


الرد على هذا الجواب:
يمكن الرد عليه بأنَّ ابن العباس yلم يأت بلفظ النبي r، ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه وخصوصه، انما جاءنا بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام، وعلى تسليم أن ذلك مراد، ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصاً لذلك العموم، فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس، وعدم الإلحاق به؛ فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم.
ولو سلمنا صحة الإلحاق، وتخصيص العموم به، فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر[SUP]([25])[/SUP].
ثانياً: أن ابن عباسy لم يقبل شهادة كريب yلأنه وحده، وجعل طريقه طريق الشهادة، فلم يقبل دخول شهر رمضان المبارك بقول الشاهد الواحد[SUP]([26])[/SUP].
الرد على هذا الجواب:
يمكن أن يجاب على ذلك بأنه جاء بحديث (فقال: أنت رَأَيْتَهُ؟ فقلت: نعم، وَرَآهُ الناس)[SUP]([27])[/SUP]، فليس في شهادة رجل واحد, و إنما أكثر من شاهد.
الدليل الثاني:
ما روى ابن عمر yقال: قال رسول الله r: (لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَال وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ عُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)[SUP]([28])[/SUP].

وجه الدلالة من الحديث:
أن النبي r علَّق وجوب الصيام والفطر على رؤية الهلال وذلك لكل مخاطب؛ لكن اكتفى بشهادة الواحد عن الكل في البلدة الواحدة دون غيرها، أما من عداهم من أهل البلاد البعيدة فهم باقون على الأصل من عدم وجوب الصيام؛ لعدم رؤية الهلال[SUP]([29])[/SUP].
الجواب عن هذا الاستدلال:
يمكن أن يجاب عنه بأن الحديث ليس فيه ما يدل على أن لأهل كل مطلع رؤيتهم؛ إذ هو تخصيص بلا دليل، يل غاية ما فيه النهي عن الصيام حتى تثبت رؤية الهلال، وقد ثبت عند أهل المطلع الآخر فثبتت هنا.
الرد على هذا الجواب:
يمكن الرد عليه بأن الحديث يدل على أن من رأى الهلال يصوم، ومن لم يَرَ الهلال فإنه يفطر، وعليه فإن أهل البلد الذين رأوه - أي الهلال- يجب عليهم الصيام، بنص الحديث، وأهل البلد الذين لم يروه- أي الهلال – لا يجب عليهم الصوم، بل يجب عليهم إكمال العدة بنص الحديث السابق، فالحديث واضح الدلالة على المراد من أن لكل أهل بلد رؤيه تختلف عن الرؤية البلد الآخر.
الدليل الثالث:
الإجماع على أن الرؤية إذا ثبتت في بلد، فإنها لا تلزم البلدان الأخرى البعيدة ، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم[SUP]([30])[/SUP].
الجواب على هذا الدليل:
لا صحة لدعوى الإجماع مع وجود المخالف، والخلاف - في هذه المسألة- المعتبر غير مردود[SUP]([31])[/SUP].
الدليل الرابع:
عمل الصحابة yإذ لم يثبت أنهم كانوا يكتبون إلى الآفاق إذا رئي في بلد دون بلد، ولو كان لازماً لهم لكتبوا إليهم.
قال شيخ الاسلام ابن تميمة: (والحجة فيه أنا نعلم بيقين أنه ما زال في عهد الصحابة والتابعين يرى الهلال في بعض أمصار المسلمين بعد بعض فإن هذا من الأمور المعتادة التي لا تبديل لها ولا بد أن يبلغهم الخبر في أثناء الشهر فلو كانوا يجب عليهم القضاء لكانت هممهم تتوفر على البحث عن رؤيته في سائر بلدان الإسلام كتوفرها على البحث عن رؤيته في بلده ولكان القضاء يكثر في أكثر الرمضانات ومثل هذا لو كان لنقل ولما لم ينقل دل على أنه لا أصل له وحديث ابن عباس يدل على هذا )([32]).
الجواب عن هذا الدليل:
يمكن أن يجاب عنه بأنه لعدم توفر وسائل النقل في ذلك الوقت، ولصعوبة الموصلات، لم يلزموا بذلك، أما في الوقت الحالي فإن الأمر مختلف، فإن شوهد الهلال في بلدٍ ما، بلغ ذلك أقاصي الدنيا، بسب ما وفَّره الله تعالى لنا من وسائل النقل والاتصال في هذا الزمان، فمن الممكن في زماننا هذا توحيد الرؤية، وإبلاغ جميع المسلمين برؤية هلال الشهر، وفي ذلك اتحاد للمسلمين وجمع لكلمتهم[SUP]([33])[/SUP].
الرد على هذا الجواب:
يمكن أن يقال: أن العبادات مقيدةٌ بالشرع المطهر، وقد جاء في الشرع ما يدل على أن ثبوت دخول الشهر إما بالرؤية المجردة، وإما بإكمال العدة، فإذا لم تحصل رؤية في بلد من البلدان، فإن الشهر لم يدخل، ويجب عليهم إكمال العدة موافقةً للنص في ذلك.
أما أهل البلد البعيد الذين رأوا هلال الشهر فإنهم يصومون بناءً على الرؤية الشرعية الموافقة للنص، فيكون الجميع قد وافقوا النص الشرعي، وفي ذلك اتحاد للمسلمين في العمل بالنصوص الشرعية.
أدلة القول الثاني:
استدل أصحاب القول الثاني لما ذهبوا اليه بعدة أدلة، أذكر منها ما يلي:
الدليل الأول:
قال الله تعالى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[SUP]([34])[/SUP].
وجه الدلالة من الآية:
أن العبرة بثبوت الشهر نفسه من أي مطلع كان؛ لأن الشارع ناط عموم الحكم - وهو وجوب الصيام- على ثبوت الشهر نفسه، لا بثبوته في بلد دون بلد[SUP]([35])[/SUP].
ويجاب على ذلك:
بأن الآية الكريمة عامة، وقد جاء حديث كريب – رحمه الله- يخصصها.
الدليل الثاني:
ما روي عن أبي هريرة yقال: قال رسول اللهr : (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)[SUP]([36])[/SUP].


وجه الدلالة من الحديث:
أن النبي r علق حكم الصوم على رؤية الهلال، أو إكمال العدة، وهذا مطلق لم يقيد بمكان دون مكان.
الجواب عن هذا الاستدلال:
يمكن أن يجاب بأن الحديث عام، وقد جاء حديث كريب رحمه الله يخصصه.
الدليل الثالث:
الشهر اسم لما بين الهلالين، وقد ثبت أن هذا اليوم من رمضان بشهادة الثقات، فوجب صومه على جميع المسلمين، وقد ثبت هذا اليوم منه في سائر الأحكام، من حلول الدين، ووقوع الطلاق والعتاق، ووجوب النذور، وغير ذلك من الأحكام، فيجب صيامه؛ لأن البينة العادلة شهدت برؤية الهلال، فيجب الصوم، كما لو تقاربت البلدان[SUP]([37])[/SUP].
الجواب عن هذا الدليل:
لا يسلم ذلك، حيث إن المطلع مختلف بين كل قطر، فلكلٍّ مطلعه، وعليه فلكلٍّ رؤيته، ولو سلم ذلك، فإن هناك حديثاً يخصص هذا الدليل.
الترجيح[SUP]([38])[/SUP]:
الراجح من- الناحية الفقهية- ومن دون النظر فيما تدل عليه التقنية الحديثة في هذا المجال هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن لكلِّ بلدٍ مطلعاً، ولكلِّ بلدٍ رؤيةٌ تخصه؛ وذلك لقوة ما استدلوا به، وسلامته من المعارضة، ولورد المعارضة على أدلة القول الثاني-والله أعلم-.


المطلب الثاني
اعتماد رؤية الهلال أم الحساب الفلكي في إثبات الأهلة
لقد دل القرآن الكريم والسنة النبوية على أن الأهلة معتبرة في حساب المواقيت للناس في أعمالهم وشؤون حياتهم، بل وفي عبادتهم الشرعية، فصيام شهر رمضان المبارك لا يثبت إلا برؤية الهلال وإكمال العدة، فعن أبي هريرة r قال: قال رسول الله r (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)[SUP]([39])[/SUP].
وقد جرى العمل في إثبات دخول الشهر القمري بالرؤية البصرية, ومع تقدم علم الفلك والفضاء, ظهر على الساحة الفقهية موضوع جواز إثبات دخول الشهر القمري من خلال الحسابات الفلكية, ونحن في هذا المطلب نتناول هذه المسألة بالدراسة والبحث خاصة وأن هذه المسألة قد أثارت العديد من التساؤلات والتي من أهمها:
1- ما هو المعتمد في اثبات الأهلة؟ الرؤية البصرية أو الحسابات الفلكية؟
2- هل نكتفي بالرؤية البصرية أو يجوز الاعتماد على الحسابات الفلكية؟
3- هل الحسابات الفلكية حلت محل الرؤية الشرعية للهلال كنتيجة طبيعية لتطور العلم؟
4- هل الاعتماد على الحسابات الفلكية يكون بالنفي أم الاثبات؟
كل هذه الأسئلة طُرحت ولا زالت تُطرح في هذا الباب, وهو ما جَعلتْ من الموضوع مًحطُ اهتمام الباحثين والعلماء والمجامع الفقهية منذ زمن بعيد, وسوف نقوم بعرض مذاهب الفقهاء في هذه المسألة بعد تحرير محل النزاع وبيان الرأي الراجح على النحو التالي:


تحرير محل النزاع[SUP]([40])[/SUP]:
من الثابت لدى جميع الفقهاء أن الشهر الهجري لا يمكن أن يمتد لأكثر من ثلاثين يوماً, فهو إما أن يكون تسعة وعشرين يوماً, أو ثلاثين يوماً فقط , وقد وقع الخلاف بين العلماء، في طريقة إثبات دخول الهلال، فمنهم من حصر طرق إثبات دخول الهلال في الرؤية البصرية أو إكمال عدة الشهر ثلاثين يوماً، ومنهم من أجاز الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول الشهر.
مذاهب الفقهاء في هذه المسألة:
لقد اختلف الفقهاء في هذه المسالة ويمكن إبراز مذاهبهم على النحو التالي:
المذهب الأول: لا يجوز إثبات الأهلة في الحج ولا في رمضان إلا من خلال الرؤية البصرية[SUP]([41])[/SUP]، وهو مذهب جمهور الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة[SUP]([42])[/SUP]، ومن المعاصرين الشيخ محمد بن إبراهيم, والشيخ عبد العزيز بن باز, والشيخ بكر أبو زيد، وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية[SUP]([43])[/SUP].
المذهب الثاني: يجوز إثبات الأهلة في الحج وفي رمضان من خلال الحساب الفلكي.
ومن القائلين بذلك ابن سريج، والسبكي، وابن قتيبة، ومحمد ابن مقاتل، ومطرف بن عبد الله ابن الشخير، والقفال الشاشي، والقاضي أبو الطيب، ومحمد بن مقاتل الرازي، والقشيري[SUP]([44])[/SUP]، ومن المعاصرين مصطفى الزرقاء، ومحمد بخيت المطيعي[SUP]([45])[/SUP]، وأحمد شاكر[SUP]([46])[/SUP]، ومحمد رشيد رضا[SUP]([47])[/SUP].
سبب الخلاف:
لقد كان من أهم الأسباب التي أدت إلى اختلاف الفقهاء في هذه المسالة اختلافهم في تحديد العلة التي جعلها الشارع مناطاً للحكم، في إثبات دخول الشهر القمري، فمن الفقهاء من قصر إثبات الهلال على الرؤية البصرية، وجعل علة ذلك "تحقيق الرؤية البصرية"، ومنهم من أجاز إثبات الهلال بواسطة الحسابات الفلكية الدقيقة، وجعل علة الجواز لذلك "التحقق من ظهور الهلال"، سواء كان ذلك بالرؤية أو بغيرها من وسائل الإثبات كالحساب الفلكي[SUP]([48])[/SUP].
أدلة المذاهب:
أولا: أدلة المذهب الأول: القائلين بمنع إثبات الأهلة بالحساب الفلكي.
استدل أصحاب المذهب الأول بالسنة والإجماع والمعقول:


الدليل من السنة:
الدليل الأول: قول رسول الله r: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ: فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ)[SUP]([49])[/SUP].
الدليل الثاني: وقوله r: (لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَال وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ عُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)[SUP]([50])[/SUP].
وجه الدلالة من الحديثين:
أن النبي r علق حكم الصوم على رؤية الهلال، أو إكمال العدة، وهي الطريقة المعتبرة شرعاً في إثبات الأهلة.
الجواب على هذا الدليل:
الرؤية تعتبر وسيلة متغيرة لهدف ثابت، أما الهدف من الحديث فهو واضح بيِّن، وهو أن يصوموا رمضان كله؛ فلا يضعوا يوما منه أو يصوموا يوماً من شهر غيره، كشعبان أو شوال، وذلك بإثبات دخول الشهر أو الخروج منه بوسيلةٍ ممكنةٍ مقدورةٍ لجمهورِ الناس لا تكلفهم عنتاً ولا حرجاً في دينهم.
وقد كانت الرؤية بالأبصار هي الوسيلة السهلة والمقدورة لعامة الناس في ذلك العصر، فلهذا جاء الحديث بتعيينها؛ لأنه لو كلفهم بوسيلة أخرى كالحساب الفلكي – والأمة في ذلك الحين أمية لا تقرأ ولا تحسب – لأرهقهم من أمرهم عسراً، والله يريد بأمته اليسر ولا يريد بهم العسر، فإذا وُجِدتْ وسيلة أخرى أقدر على تحقيق الغرض من الحديث، وكانت أبعد عن احتمال الخطأ والوهم والكذب في دخول الشهر، وأصبحت هذه الوسيلة ميسورة غير معسورة، ولم تعد وسيلة صعبة المنال، ولا فوق طاقة الأمة، بعد أن أصبح فيها علماء وخبراء فلكيون متخصصون على المستوى العالمي، وبعد أن بلغ العلم البشري مبلغاً مكّن الإنسان أن يصعد إلى القمر نفسه، وينزل على سطحه، فلماذا نجمد على الوسيلة، وهي ليست مقصودة لذاتها، ونغفل الهدف الذي نشده الحديث؟![SUP]([51])[/SUP].
إضافة لما سبق فلم يخل حديث من هذه الأحاديث المتقدمة إلا وأشار الرسول r إلى احتمال تعذر الرؤية، كما لم تخل الأحاديث من طلب واضح بأن تقدر الأمة للهلال قدره، بناء على احتمال تعذر الرؤية، وهو الأعم الأغلب، وأعلى التقدير كما هو معروف الحساب الفلكي، وهو أوجب من مجرد التخمين، وعليه فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإذا كان التماس الهلال لتحديد النسك واجب، فإن اعتماد الحساب واجب أيضاً، لأن العلم اليقيني لا يتحقق إلا به.
كما أن من القواعد الشرعية المعروفة اختيار الأسهل دائماً في الخيار بين الأمور ما لم يكن في ذلك ضرر أو مخالفة شرعية، لما عرف من سيرة الرسول r، أنه كان يختار أيسر الأمور وأهونها "ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما"، وقد وصفه القرآن الكريم بقوله سبحانه : {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }[SUP]([SUP][52][/SUP][/SUP])، وأن التوجيه الإلهي لأمة محمد r هو: { يُريدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر}[SUP]([SUP][53][/SUP][/SUP]). وعلى هذا الأساس لم يكن من المعقول أن تقرر الشريعة وسيلة أخرى لم تكن بحسبانهم أو في مقدورهم، فكانت الرؤية، وبالمعيار نفسه ليس من المعقول أن يبقى الحكم على ما هو عليه من اتباع للرؤية وإهمال للحساب اليقيني والأيسر.



الدليل الثالث:
قول النبي r: ( إنّا أُمَّةٌ أُمِّيةٌ لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ، الشهرُ هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين) ([54])، وقال (فصوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته، فان غم عليكم فأكملوا العدة)[SUP]([55])[/SUP]، وفي لفظ: (فأكملوا العدة ثلاثين"، وفي لفظ آخر "فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)[SUP]([56])[/SUP].
وجه الدلالة من الأحاديث:
أن النبي r أمر بالصوم للرؤية والإفطار لها بقوله: (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ) ونهى عن كل منهما عند عدمها، في قوله: (لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَال وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ)، وأمرهم إذا كان غيم، أو نحوه ليلة الثلاثين، أن يكملوا العدة ثلاثين، ولم يأمرهم بالحساب، ولا بالرجوع إلى الحساب، بل حصر الصوم والإفطار بطريق النفي والإثبات بالرؤية، فدل على أنه لا اعتبار شرعاً لما سواها في إثبات الأهلة، وهذا تشريع من الله – عز وجل- على لسان رسولهr عام للحاضر والبادي، أبداً إلى يوم القيامة، ولو كان هناك أصل آخر للتوقيت لأوضحه الشارع؛ رحمة بهم[SUP]([57])[/SUP].
الجواب على هذا الدليل:
هذا الحديث لا حجة فيه؛ لأنه يتحدث عن حال الأمة، ووصفها عند بعثته لها عليه الصلاة والسلام، ولكن أميتها ليست أمراً لازماً ولا مطلوباً، وقد اجتهد r أن يخرجها من أميتها بتعلم الكتابة منذ غزوة بدر، فلا مانع أن يأتي طورٌ على الأمة تكون فيه كاتبة حاسبة. والحساب الفلكي العلمي الذي عرفه المسلمون في عصور ازدهار حضارتهم، وبلغ في عصرنا درجة من الرقي تمكن بها البشر من الصعود إلى القمر، وهو شيء غير التنجيم أو علم النجوم المذموم في الشرع[SUP]([58])[/SUP].
فالنبي r أمر بالاعتماد على الرؤية وذلك لعلة عدم معرفة الحساب، فإذا انتفت هذه العلة، واستطاعت الأمة معرفة الحساب وأمكن أن يثقوا به ثقتهم بالرؤية أو أقوى صار لهم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور القمرية[SUP]([59])[/SUP].
يقول العلامة يوسف القرضاوي رداً على من يقول برد الحساب بدعوى أن الرسول r أمرنا باعتبار الرؤية في إثبات الشهر، "إن هذا الكلام فيه شيء من الغلط أو المغالطة، لأمرين: الأول: أنه لا يعقل أن يأمر الرسول r بالاعتداد بالحساب، في وقت كانت فيه الأمة أمية، لا تكتب ولا تحسب، فشرع الوسيلة المناسبة لها زمانًا ومكانًا، وهي الرؤية المقدورة لجمهور الناس في عصره. الثاني: أن السنة أشارت بالفعل إلى اعتبار الحساب في حالة الغيم، لقول الرسول
) r فإن غم عليكم فاقدروا له)، وهذا القَدْر له أو التقدير المأمور به، يمكن أن يدخل فيه اعتبار الحساب لمن يحسنه[SUP]([/SUP][60][SUP])[/SUP].
الدليل الرابع: الإجماع: فإن علماء الأمة في صدر الإسلام قد أجمعوا على اعتبار الرؤية في إثبات الشهور القمرية دون الحساب، فلم يعرف أن أحداً رجع إليه في ذلك عند الغيم ونحوه، أما عند الصحو فلم يعرف عن أحد من أهل العلم أنه عدل إلى الحساب في إثبات الأهلة أو علق الحكم العام به[SUP]([61])[/SUP].

الجواب عنه:
أن الادعاء بوجود إجماع بين علماء المسلمين، على رفض استخدام الحسابات الفلكية رفضاً باتاً هو ادعاءٌ باطلٌ غير صحيح ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، إذ لا يوجد إجماع بين علماء المسلمين على رفض تلك الحسابات لا في الإثبات ولا في النفي، ولكن معظم السلف رفضها، وكان السبب في موقفهم ذاك، هو ما كانت عليه الحال من أمية الأمة، ومن ضلال أصحاب النجوم في ذلك العصر، وعدم الدقة في تقدير الحسابات، وفي معرفة سير الكواكب ومنازل القمر، وإذا كنا ندرك الأسباب التي أدت بأولئك العلماء لقول ما قالوا، ونرى أن الأسباب التي قدموها أسباب مقنعةٌ، وجيهةٌ، جديرةٌ بالأخذ بعين الاعتبار. إلا أننا نعرف تمام المعرفة أن الأسباب التي استندوا إليها لم يعد لمعظمها وجود في زماننا هذا، ولم تعد سبباً مقنعاً للرفض أو التحريم، فان المتعاطين والخائضين في هذا المجال، لم يعودوا مجرد مشعوذين أو دجالين أو مدعي غيب، بل هم علماء درسوا هذا المجال بأسسه العلمية والرياضية الدقيقة، التي لا تحتمل الخطأ، ولو كان واحداً بالألف[SUP]([62])[/SUP].
الدليل الخامس: المعقول: فإن تعليق إثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة السمحة؛ لأن رؤية الهلال أمرها عام يتيسر لأكثر الناس، بخلاف ما لو علق الحكم بالحساب فإنه يحصل به الحرج ويتنافى مع مقاصد الشريعة، ودعوى زوال وصف الأمية - عند العلم بمنازل القمر- عن الأمة لو سلمت لا يغير حكم الشرع في ذلك[SUP]([63])[/SUP].
الرد على هذا الدليل:
قولكم أنَّ تعليق اثبات الشهر القمري بالرؤية يتفق مع مقاصد الشريعة هذا أمر غير دقيق حيث أن الاعتماد على الحسابات الفلكية لسهولتها ودقتها هو الذي يتفق مع روح الشريعة, كما أن الرؤية قد تتعذر في بعض الأحيان بسبب تغير طبيعة المناخ كحدوث غيوم أو حرب مثلاً فتمتنع الرؤية عندئذ ونحتاج الى اكمال العدة مع أن الحسابات الفلكية قادرة على حسم الخلاف في ذلك.
ثانيا: أدلة المذهب الثاني:
استدل القائلون بجواز إثبات الأهلة بالحسابات الفلكية بالكتاب والسنة والقياس والمعقول:
الدليل الأول: الكتاب:
لقد استدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[SUP]([64])[/SUP]، وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى }[SUP]([65])[/SUP]، وقوله تعالى:{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}[SUP]([66])[/SUP].
وجه الدلالة: أن الله U أخبر بأنه أجرى الشمس والقمر بحساب لا يضطرب، وجعلهما آيتين وقدرهما منازل؛ لنعتبر، عدد السنين والحساب، فإذا علم جماعةٌ بالحساب وجود الهلال يقيناً، وإن لم تمكن رؤيته بعد غروب شمس التاسع والعشرين أو وجوده مع إمكان الرؤية لولا المانع، وأخبرنا بذلك جماعة منهم يبلغ عددهم التواتر، وجب قبول خبرهم؛ لبنائه على يقين، واستحالة الكذب على المخبرين؛ لبلوغهم حد التواتر، وعلى تقدير أنهم لم يبلغوا حد التواتر وكانوا عدولاً فخبرهم يفيد غلبة الظن، وهي كافية في بناء أحكام العبادات عليها[SUP]([67])[/SUP].
مناقشة هذا الدليل:
أن الاستدلال بحساب سير الشمس والقمر على تقدير أوقات العبادات غير مُسلم؛ لأن الرسول r وهو أعلم الخلق بتفسير كتاب الله عز وجل لم يعلق بداية الشهر ونهايته بعلم الحساب، وإنما أناط ذلك برؤية الهلال أو إكمال العدة في حال الغيم، فوجب الاقتصار على ذلك، مما يقطع بأن العلة ليست هي مجرد مطلع الهلال، وإنما هي أخص من ذلك، ألا وهي: تحقق الرؤية البصرية، وبهذا ألغى الشارع الحكيم اعتبار الوجود العلمي للهلال علة للصوم أو الفطر، وأكد على أن الوجود الحسي البصري هو العلة، وليس ذلك لأن قوة درجة الحساب الفلكي في الإثبات أقل من درجة الشهادة على الرؤية، أو لعدم صحة مقدمات ونظريات علم الفلك ولكن رحمة الله بعباده اقتضت أن ينيط أسباب عبادتهم وعللها بأمور حسية ملموسة لكل المكلفين، دفعاً للحرج والمشقة عن الناس، وأن تكون علل الأحكام وأسبابها ثابتة وحسية وعامة يسهل إدراكها لجميع المكلفين دون مشقة، وألا ترتبط هذه العبادات بأمور عقلية علمية معنوية ولا يدركها كل الناس، وذلك حتى يتحقق عموم العلة مع عموم التكليف، ويسر إدراكها مع يسر أدائه[SUP]([68])[/SUP].
الدليل الثاني: السنة:
قول النبي r (إنّا أُمَّةٌ أُمِّيةٌ لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ، الشهرُ هكذا وهكذا( [SUP]([SUP][69][/SUP][/SUP]).
وجه الدلالة: أن الأمر باعتماد رؤية الهلال، ليس لأن رؤيته هي في ذاتها عبادة، أو أن فيها معنى التعبد، بل لأنها هي الوسيلة الممكنة الميسورة إذ ذاك، لمعرفة بدء الشهر القمري ونهايته لمن يكونون كذلك، أي: أميين لا علم لهم بالكتابة والحساب الفلكي.
وهذا مستفاد من مفهوم النص الشرعي نفسه، أن رسول الله r وقومه العرب إذ ذاك لو كانوا من أهل العلم بالكتابة والحساب بحيث يستطيعون أن يرصدوا الأجرام الفلكية، ويضبطوا بالكتاب والحساب دوراتها المنتظمة التي نظمتها قدرة الله العليم القدير بصورة لا تختل، ولا تختلف، حتى يعرفوا مسبقاً بالحساب متى يهل بالهلال الجديد، فينتهى الشهر السابق ويبدأ اللاحق، لاعتمدوا الحساب الفلكي. وكذا كل من يصل لديهم هذا العلم من الدقة والانضباط إلى الدرجة التي يوثق بها ويطمئن إلى صحتها[SUP]([70])[/SUP].
وهذا أوثق وأضبط في إثبات الهلال من الاعتماد على شاهدين ليسا معصومين من الوهم وخداع البصر، وكذلك الحساب الفلكي أوثق وأضبط من الاعتماد على شاهد واحد عندما يكون الجو غير صحو والرؤية عسيرة، كما عليه بعض المذاهب المعتبرة في هذا الحال[SUP]([71])[/SUP].
مناقشة هذا الدليل:
إن وصف الأمة بأنها أمِّية لا يزال قائماً بالنسبة لعلم سير الشمس ومنازل القمر ومواقع النجوم، فالعلماء به نزرٌ يسير، والذي كثر إنما هو آلات الرصد وأجهزته، وهي مما يساعد على رؤية الهلال في وقته، ولا مانع من الاستعانة بها على الرؤية وإثبات الشهر بها، كما يستعان بالآلات على سماع الأصوات، وعلى رؤية المبصرات، ولو فُرض زوال وصف الأمية عن الأمة في الحساب لم يجز الاعتماد عليه في إثبات الأهلة؛ لأن الرسول (r) علق الحكم بالرؤية، أو إكمال العدة، ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب واستمر عمل المسلمين على ذلك بعده[SUP]([72])[/SUP].
الدليل الثالث: القياس:
إن الفقهاء يرجعون في كثير من شئونهم إلى الخبرة، فيرجعون إلى الأطباء في فطر المريض في رمضان، وتقدير مدة التأجيل في العنين[SUP]([73])[/SUP]، وإلى أهل اللغة في تفسير نصوص الكتاب والسنة، إلى غير ذلك من الشئون، فليرجعوا في معرفة بدء الشهور القمرية ونهايتها إلى علماء الفلك، فهم أهل علم وخبرة، وقولهم أقرب إلى الصحة من رؤية أفراد يحتمل فيهم الخطأ والكذب[SUP]([74])[/SUP].

مناقشة هذا الدليل:
هذا قياس مع الفارق؛ لأن الشرع إنما أمر بالرجوع إلى أهل الخبرة في اختصاصهم في المسائل التي لا نص فيها. أما إثبات الأهلة فقد ورد فيه النص باعتبار الرؤية فقط، أو إكمال العدة دون الرجوع فيه إلى غير ذلك[SUP]([75])[/SUP].
ويرد عليه:
بأن النص الوارد في اثبات الرؤية هو من النصوص التي تحتاج الى تأويل خاصة وأنه لم يعد في زماننا هذا الاقتصار على الرؤية ويوجد ما يقوم مقامها وهو الحسابات الفلكية الدقيقة, فقد علل نبينا r ذلك بأن الأمة كانت لا تعرف الحساب وقد وجد اليوم من يعرف تفاصيله فلماذا لا نعتمد عليه.
الدليل الرابع: المعقول:
إن توقيت بدء الشهر القمري ونهايته، لا يختلف عن توقيت الصوات الخمس وبدء صوم كل يوم ونهايته، وقد اعتبر الناس حساب المنازل علمياً في الصلوات والصيام اليومي، لقول الله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [SUP]([76])[/SUP]، فليعتبروه في بدء الشهر ونهايته، إذ لا فرق بين الأمرين، ومن فرق بين الأخذ بالحساب الفلكي في تحديد أوقات الصلوات، وبين إثبات دخول الهلال لم يأت بدليل صحيح. بل إن الأخذ بالحساب الفلكي واعتباره في تحديد أوقات الصلوات أعظم من اعتباره في إثبات دخول الهلال؛ وذلك لأن الصلاة تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة، بخلاف إثبات دخول الهلال فيكون كل شهر، والصلاة أعظم[SUP]([77])[/SUP].



مناقشة هذا الدليل:
إن الشرع أناط الحكم في الأوقات بدخولها، قال تعالى: {أقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [SUP]([SUP][78][/SUP][/SUP])، وقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الليل}[SUP]([79])[/SUP]، وفصلت السنة ذلك، وأناطت وجوب صوم رمضان برؤية الهلال، ولم تعلق الحكم في شيء من ذلك على حساب المنازل، وإنما العبرة بدليل الحكم[SUP]([80])[/SUP].
الدليل الخامس: إن علم الحساب مبني على مقدمات يقينية، فكان الاعتماد عليه في إثبات الشهور القمرية أقرب إلى الصواب، من الاعتماد على الرؤية البصرية، التي تحتمل الخطأ والكذب والنسيان، وفي هذا تحقيق للوحدة بين المسلمين في نسكهم وأعيادهم[SUP]([81])[/SUP].
الترجيح:
بعد النظر في أدلة كل من الفريقين، والمناقشات التي جرت بينهم، وكذلك آراء العلماء المعاصرين في الأخذ باعتماد الحسابات الفلكية يتضح للباحث أن القول بالأخذ بالحسابات الفلكية هو الأقرب للصواب وذلك للأسباب الآتية:
1. أن الحساب الفلكي قطعي، لا يحتمل الخطأ، كما ثبت ذلك بالتجربة والمشاهدة، بخلاف الرؤية البصرية، فهي تحتمل الخطأ والكذب.
2. أن النبي e علل الاعتماد على الرؤية، بأن الأمة أمية، فقد ربط الكتابة والحساب بالشهور، ليدلنا على إمكانية استخدام الحساب في تحديد الشهور إذا توفر ذلك العلم.
3. ليس في هذا القول مخالفة للنصوص الشرعية، لأن الأحاديث الواردة في هذه المسألة، تحدد كيفية إثبات دخول الشهر القمري، وكيفية العمل إذا اشتبهت الرؤية، وليس فيها المنع من استخدام أي طريقة أخرى لإثبات الرؤية.
4. إن دلالة قوله تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[SUP]([82])[/SUP] تحثنا على الرجوع لأهل الاختصاص والخبرة، عن طريق الحسابات الفلكية ذات النتائج اليقينية.
5. ولقد نقل القليوبي من فقهاء الشافعية عن العبادي قوله: "إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤية الهلال لم يقبل قول العدول برؤيته، وترد شهادتهم"، ثم قال القليوبي: "هذا ظاهر جلي، ولا يجوز الصوم حينئذ، وإن مخالفة ذلك معاندة ومكابرة"[SUP]([83])[/SUP].
وقد كان هذا في القرن السابع عشر الميلادي، فكيف والحال أن الحسابات باتت يقينية في القرن الحادي والعشرين، وهل من عذر لنا اليوم في رفض نتائج هذه الحسابات، وقد أخذ بها علماؤنا منذ مئات السنين.
إضافة إلى ما سبق من أسباب الترجيح فقد رجح الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه، في موسوعته: "يسألونك" القول باعتماد الحسابات الفلكية في اثبات الأهلة ، وقد عزا ذلك إلى تطور وسائل الاتصال في زماننا هذا"[SUP]([SUP][84][/SUP][/SUP]).
مع التنويه إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار بالرؤية البصرية، وعدم إهمالها في إثبات الأهلة، لجريان العمل بها أزمانا طويله، بحيث تتعاضد وتتوحد الرؤية البصرية مع الحساب الفلكي، ليكون ذلك أدعى إلى اجتماع الأمة ووحدة كلمتها, خاصة وأن الخلاف لم يحسم بعد وهو قائم إلى حين كتابة هذه الأطروحة.
مسألة: الأخذ بالحساب الفلكي في النفي فقط[SUP]([85])[/SUP]:
ثمة فريق من العلماء المعاصرين حاول التقريب بين من يدعو لرد الحساب، أو اعتماده عند تعارض نتيجته مع الرؤية، وبين من يدعو لاعتماد الحساب وحده وترك الرؤية.
يتمثل رأي هؤلاء العلماء، وعلى رأسهم العلامة يوسف القرضاوي، والعلامة مصطفى الزرقا[SUP]([86])[/SUP]، بالأخذ بالحساب الفلكي القطعي في النفي لا في الإثبات، "تقليلاً للاختلاف الشاسع الذي يحدث كل سنة في بدء الصيام وفي عيد الفطر"، وهو موقف دار الإفتاء المصرية أيضاً.
ومفاد الأخذ بالحساب في النفي أن نظل على إثبات الهلال بالرؤية، ولكن إذا نفى الحساب إمكان الرؤية، وقال إنها غير ممكنة، لأن الهلال لم يولد أصلاً في أي مكان من العالم الإسلامي، كان الواجب ألا تقبل شهادة الشهود بحال، لأن الواقع الذي أثبته علم الحساب القطعي يكذبهم، وفي هذه الحالة لا يطلب ترائي الهلال من الناس أصلاً، ولا تفتح المحاكم الشرعية ولا دور الفتوى أو الشؤون الدينية أبوابها لمن يريد أن يدلي بشهادة عن رؤية الهلال.
وقد ذكر أحد كبار الفقهاء الشافعية، وهو الإمام تقي الدين السبكي (ت 756هـ(، في فتاواه أن الحساب إذا نفى إمكان الرؤية البصرية، فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود، لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظني لا يعارض القطعي، فضلاً عن أن يقدم عليه[SUP]([87])[/SUP].
وقد كان للشيخ محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر الشهير في وقته رأي ـ حين كان رئيسًا للمحكمة العليا الشرعية ـ مثل رأي السبكي، برد شهادة الشهود إذا نفى الحساب إمكان الرؤية[SUP]([88])[/SUP].




المطلب الثالث
قرارات المجامع الفقهية
منذ القدم الزمان وقضية إثبات الهلال بالحساب الفلكي، ومدى اعتبار اختلاف المطالع أمر يشغل الناس والفقهاء معا.
وقد حظي القرن الأخير بالمجامع والمؤتمرات العامة، التي تسمح بالتقاء الفقهاء وعلماء الفلك معا، يتبادلون الرأي ويتجاذبون الحديث، ويحررون محل النزاع ليعرف المتفق عليه بينهم، والمختلف فيه.
وقد أثمرت هذه المؤتمرات وضوحا وشفافية بين الفريقين، فقد ظهر للفقهاء بوضوح معنى الحساب الفلكي المقصود، والفرق بينه وبين علم التنجيم الذي ذمه الشرع ونهى عنه, ويمكن تقديم عرض سريع لهذه المؤتمرات والندوات وذلك على النحو التالي:
1 - المؤتمر الذي عقده مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة عام (1966م): ولعله أقدم مؤتمر يتحدث عن هذا الموضوع وكانت نتيجة هذا المؤتمر أنه ألغى اختلاف المطالع، واعتبر أن العبرة بمن يرى، فرؤية بلد واحد رؤية لجميع البلاد التي تشترك معه في جزء من الليل، وهذا نص قراره :-" يرى المؤتمر أنه لا عبرة باختلاف المطالع وإن تباعدت الأقاليم متى كانت مشتركة في جزء من ليلة الرؤيا وإن قل ويكون اختلاف المطالع معتبرا بين الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة".
وأما عن الاعتماد على الحساب الفلكي، فقد قرر المجمع وقتها أن الرؤية البصرية هي الأصل، فلا يعمل بالحساب الفلكي في إثبات الشهر إلا إذا رؤي بالفعل بصريا ، وإلا فلا عبرة بالحساب الفلكي ، وأما إذا نفى علم الفلك إمكانية الرؤية فإن هذا يكون دليلا على وهم من يرى أو خطئه، وعليه فلا يقبل له قول ، وهذا نص قراره: "الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أي شهر قمري، كما يدل عليه الحديث الشريف. فالرؤية هي الأساس لكن لا يعتمد عليها إذا تمكنت فيها التهم تمكنا قويا.
- يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر، والاستفاضة، كما يكون بخبر الواحد ذكرا كان أو أنثى، إذا لم تتمكن التهمة في أخباره لسبب من الأسباب، ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يوثق به". انتهى.
2- قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي عام (1979م): حيث قرر أنه لا عبرة بالحساب الفلكي دون فرق بين النفي أو الإثبات، وأما عن قرار المجمع بشأن اختلاف المطالع فقد تأخر حتى عام (2004) م ، فقد قرر ساعتها أن لكل بلد مطلعه مخالفا بذلك قرار مجمع المنظمة.
3 - مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1986 م: فوافق قرار مجمع البحوث في إلغاء اختلاف المطالع ( أي أن رؤية بلد واحدة رؤية لجميع البلاد) ولكنه خالفه في الثانية، فلم يعتمد على الحساب الفلكي لا في النفي ولا في الإثبات، وهذا نص قراره:-
أولاً: إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة باختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار.
ثانياً: يجب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد، مراعاة للأحاديث النبوية، والحقائق العلمية. " . انتهى.
4 - ندوة الأهلَّة والمواقيت والتقنيات الفلكية في الكويت خلال الفترة بين 21 إلى 23 رجب 1409 هـ الموافق 25/27 - 1989/3/1م: حيث قام بتنظيمها النادي العلمي الكويتي ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وشارك فيها عدد من فقهاء الشريعة وعلماء الفلك في الدول العربية التالية: الأردن - الإمارات - الجزائر - السعودية - السودان - عُمان - فلسطين - قطر - الكويت - مصر - المغرب - اليمن.؛ كما حضرها مندوبون عن مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والاتحاد العربي لنوادي العلوم.
ولم تخرج الندوة عما رآه مجمع البحوث الإسلامية من قبل؛ فقد أصدرت الندوة التوصيات التالية:
أ. إذا ثبت رؤية الهلال في بلد وجب على المسلمين الالتزام بها ولا عبرة باختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار.
ب. يؤخذ بالحسابات المعتمدة في حالة النفي (أي القطع باستحالة رؤية الهلال) وتكون الحسابات الفلكية معتمدة إذا قامت على التحقيق الدقيق (لا التقريب) وكانت مبنية على قواعد فلكية مسلمة وصدرت عن جمع من الفلكيين الحاسبين الثقات بحيث يؤمن وقوع الخلل فيها.
فإذا شهد الشهود برؤية الهلال في الحالات التي يتعذر فلكيًا رؤيته فيها ترد الشهادة لمناقضتها للواقع ودخول الريبة فيها.
ومن هذه الحالات التي تستحيل فيها الرؤية:- إذا شهد الشهود برؤية الهلال قبل الوقت المقدر له بالحساب الفلكي، وهو وجوده في الأفق بعد غروب الشمس، فلا عبرة بالشهادة على رؤية الهلال قبل حصول الاقتران أو إذا تزامنت الشهادة مع الاقتران، سواء أكان الاقتران مرئيًا كالكسوف، أم غير مرئي مما تحدده الحسابات الفلكية المعتمدة. وهذه الحالة نص عليها عدد من فقهاء المسلمين كابن تيمية والقرافي وابن القيم وابن رشد. انتهى.
5 - مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية: فقد وافق قرار مجمع البحوث الإسلامية في المسألتين كلتيهما، وذلك سنة 2004م, ونسجل هنا كلمات نيرة جاءت في بيان مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية ، فقد جاء فيه :-
هذه هي جملة الاختلافات الفقهية الواردة في هذا الباب، وجلها من مسائل الاجتهاد، والخلاف الوارد فيها خلاف معتبر، والأصل في مسائل الاجتهاد أن لا يضيق فيها على المخالف، وأن لا تكون سببا في قطيعة أو تهاجر، وقد اتفقت المجامع كلها وأهل الفتوى كافة على أن المسلم يتبع الموقف الاجتهادي الذي يتخذه أصحاب النظر في بلده، أيا كانت موافقته أو مخالفته لما يعتقده راجحا، لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس.
إن قضية ثبوت الأهلة قضية سلطانية في المقام الأول، بمعنى أنه لا يحسم الخلاف الوارد فيها إلا جهة ذات سلطان، تستطيع بسلطانها أن تنفذ قرارها على الناس كافة، وتصبح مخالفتها في هذه الحالة صورة من صور الشذوذ والمنابذة والبغي.
فالمشكلة إذن ليست في ترجيح بعض هذه الآراء على بعض، وإنما تكمن في غياب هذه السلطة التي تتمتع بالمرجعية، ويدين لها الناس بالطاعة، وتمضي عليهم اجتهادها فلا ينازعها أحد، سواء أكانت هذه السلطة دينية يتبعها الناس لثقتهم في كفايتها وديانتها، أم سلطة دنيوية يتبعها الناس لسلطانها وشوكتها، وما لم يتسن أحد هذين المسارين فلا سبيل إلى جمع الكلمة في هذه القضية لا في المشرق ولا في المغرب! إن الذي حسم هذه المشكلة في المشرق إنما هو شوكة ذوى السلطان، وليست قوة الحجة أو البرهان.
6 - فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث سنة 2005 م: حيث أفتى بأنه يثبت دخول شهر رمضان، أو الخروج منه بالرؤية البصرية سواء أكانت بالعين المجردة أم بواسطة المراصد شرط ألا تنتفي إمكانية الرؤية في أي قطر من الأقطار بواسطة الحساب الفلكي، فإذا جزم هذا الحساب باستحالة الرؤية المعتبرة شرعًا في أي بلدٍ فلا عبرةَ بشهادةِ الشهود التي لا تُفيد القطع وتحمل على الوهم أو الغلط أو الكذب، وذلك لأن شهادة الشهود ظنية وجزم الحساب قطعي، والظن لا يقاوم القطعي فضلاً عن أنه يقدم عليه باتفاق العلماء[SUP]([89])[/SUP].
الخلاصة:
بعد أن عرضنا قرارات المجامع الفقهية والندوات والمؤتمرات فقد اتضح أن هناك اختلاف واضح بين المجامع الفقهية في الاعتماد على الحسابات الفلكية أو عدمه, حيث تعتمد بعض المجامع الاعتماد على الحسابات الفلكية وترفضه أخرى.
وهذا الأمر يؤكد على أن هذا الموضوع لا يزال الخلاف فيه قائمًا, مما يستدعي وضع حل يتناسب مع طبيعة العصر ومتطلباته، وعليه يمكن القول بأنه- ومن باب توحيد الكلمة ونبذ الفرقة- يجوز الاعتماد على الحسابات الفلكية في النفي وهو الأسلم والأصح خاصة وأن الحسابات الفلكية تفيد القطع في الغالب وشهادة الشاهد تفيد الظن ومعلوم أن الظني لا يقدم مع وجود القطعي, كما أن شهادة الشاهد قد يكون فيها لبس مع تغير المناخ في زماننا ومع ظهور بعض الاجرام السماوية والتي طرأت مع تغير المناخ، وأن بعض الفقهاء -كما اتضح سابقا- يعتمد على الرؤية بغض النظر عن الحسابات الفلكية؛ لأنه يعتبر أن الرؤية أمر تعبدي ولا يجوز فيه ادخال ما دونه.
ومن هنا يبرز جليّاً أن التوفيق بين الرؤية والحسابات الفلكية ضرورة لا مفر منها؛ فكيف نقبل شهادة شخص برؤية الهلال ونحن نعلم أن القمر قد غاب قبل الشمس؟ وفي المقابل كيف يبدأ الشهر ولم يُر الهلال من أي منطقة في العالم الإسلامي كما يحدث في معظم الأحيان؟! ونحن نرى أن الاقتراحين التاليين قد يكون لهما الأثر الواضح في معالجة مشكلة تحديد بدايات الأشهر الهجرية في العالم الإسلامي:
1- أن تكون عملية تحرّي الهلال عملية رسمية جماعية كما يحدث في المملكة المغربية؛ فتعين الدولة مناطق مختلفة تصلح لتحري الهلال، وتدعو المواطنين الراغبين بتحري الهلال بالتوجه لهذه المناطق، على أن يوجد في كل منطقة شخص ذو دراية بتحرّي الأهلة. ففي هذه الحالة من المستحيل أن يتوهّم جميع الأشخاص الموجودين في مكان التحري رؤية الهلال، خاصة مع وجود شخص ذي دراية بتحرّي الأهلة.
الجدير بالذكر أن تحري الهلال في جمهورية جنوب أفريقيا يتم بشكل جماعي يشارك فيه ما يقارب 3000 شخص؛ ولذلك نجد أنه من شبه المستحيل أن يبدأ المسلمون في جنوب أفريقيا أشهرهم الهجرية خطأ.
2- في حالة شهادة أشخاص فرادى برؤية الهلال؛ فإنه يفترض توجيه بعض الأسئلة للشاهد للتأكد من أنه رأى الهلال وليس أي شيء آخر! كأن يسأل عن وقت ومكان رؤية الهلال، واتجاه فتحته، وارتفاعه عن الأفق، وكيف تحرك هذا الهلال أثناء مراقبته.. إنها أسئلة بسيطة ولكنها بالتأكيد ستنقح معظم الشهادات المغلوطة برؤية الهلال!
قد يكون من غير المنطقي أن توجه هذه الأسئلة لشاهد برؤية الهلال وقت الرسول r؛ وذلك لعدم دراية المسلمين في ذلك الوقت بالعلوم المتعلقة برؤية الهلال، أمَا وقد أصبح علم الفلك الآن منتشراً ويقينياً؛ فما المانع إذن من الاستئناس به، إذا كان هذا الاستئناس سيحقق قول الرسول r:(لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَال وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ عُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ)[SUP]([90])[/SUP].



[1]) انظر: أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي: د. هشام آل الشيخ (218).

[2]) العقل والفقه في فهم الحديث النبوي: د. مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، دمشق، (1996م) (ص80 وما بعدها)- فتاوى الزرقا: د. مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، دمشق، (2001م) (ص157).

[3]) انظر: مقال بعنوان: هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية محمد شوكت عودة – منشور على موقع اسلام أون لاين.

([4] مشكلة ثبوت رؤية هلال رمضان: د يوسف القرضاوي، مقال منشور عبر موقع القرضاوي: www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=1786&version=1&template_id=197

[5]) مقالة للدكتور عبد القادر عابد، أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الأردنية، وعضو لجنة مراقبة الأهلة بدائرة قاضي القضاة، صحيفة الغد الأردنية- موقعها على الإنترنت: http://www.alghad.jo/?news=122805.

[6]) انظر: أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي: د. هشام آل الشيخ (218).

[7]) انظر: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار: أبو عمر يوسف ابن عبدالله بن محمد ابن عبد البر، تحقيق: د. عبدالمعطي أمين قلعجي الطبعة الأولى، القاهرة، دار الوعي (1414ه) (10/29).

([8] انظر: مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، طباعة مجمع الملك فهد للمصحف الشريف، المدينة النبوية، (25/103)، الاستذكار: لابن عبد البر(10/30).

[9]) انظر: الاختيار لتعليل المختار: مجد الدين عبدالله بن محمود الموصلي ، تحقيق: محمد أبو دقيق، استانبول، دار الدعوة (1987م) (1/129)، وتحفة الفقهاء: للسمرقندي، الطبعة الثانية، بيروت، دار الكتب العلمية(1405هـ)، (1/346)، و تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: للزيعلي، ت 743هـ، القاهرة، المطبعة الأميرية 1412هـ، (1/321)، وفتح القدير: للشوكاني (2/313)، البحر الرائق: ابن النجيم(2/284)،: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، ت 587هـ، تحقيق: محمد عدنان بن ياسين درويش، الطبعة الأولى، بيروت، دار إحياء التراث العربي (1417هـ)، (2/221)، وشرح العيني على كنز الدقائق: محمد بن محمود بن أحمد العيني، الطبعة الأولى، من منشورات دار القرآن والعلوم الإسلامية، باكستان (1423هـ)، (1/137-138)، حاشية ابن عابدين (2/418).

[10]) انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد: أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد ابن الرشد، ت 595هـ، تحقيق: عبد الحليم محمد بن عبد الحليم، الطبعة الثانية، مصر، دار الكتب الإسلامية (1403هـ)، (1/336)،والكافي: ابن قدامة الحنبلي، المتوفى سنة 620هـ، الطبعة الأولى، دمشق، المكتب الإسلامي (1382هـ)، (1/335)، والاستذكار: لابن عبد البر (10/28).

[11]) انظر: المهذب في فقه الإمام الشافعي: أبو إسحاق الشيرازي، تحقيق: محمد الزحيلي، الطبعة الأولى، دمشق، دار القلم (1412ه)، (2/593)، وأسنى المطالب شرح روض الطالب: لأبي يحيى زكريا الأنصاري، المكتبة الإسلامية، (1/410)، وروضة الطالبين: يحيى بن شرف النووي، تحقيق: زهر شاويش، الطبعة الثالثة، بيروت، المكتب الإسلامي (1413هـ)، (2/348)، والمجموع شرح المهذب: يحيى بن شرف النووي، تحقيق وإكمال: محمد نجيب المطيعي، جدة، مكتبة الإرشاد، (6/280)، ومغني المحتاج إلي معرفة معاني ألفاظ المنهاج: الشيخ محمد الخطيب الشربيني، بيروت، دار الفكر، (2/145)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج:: أحمد بن حمزة الرملي ، بيروت، دار إحياء التراث العربي، (3/156).

[12]) المغني: لابن قدامة (4/328)، الفروع: لابن مفلح (4/413)، كشاف القناع: للبهوتي (2/304).

[13]) انظر مجموع الفتاوى: لشيخ الاسلام بن تميمة (25/105).

[14]) انظر: الاختيار: للموصلي (1/129)، تحفة الفقهاء، للسمرقندي (1/346)، تبيين الحقائق: للزيلعي (1/321)، فتح القدير: للشوكاني (2/313)، البحر الرائق: ابن النجيم (2/248)، بدائع الصنائع: الكساني (2/221)، شرح العيني على كنز الدقائق: للعيني (1/137-138)، حاشية ابن عابدين: ابن عابدين(2/418).

[15]) انظر بداية المجتهد: ابن رشد (1/336)، الكافي: (1/335)، الاستذكار: ابن عبد البر (10/28)، حاشية الصاوي (1/226).

[16]) انظر: المغني: لابن قدامة (4/328)، الفروع، لابن مفلح (4/413)، كشاف القناع، للبهوتي (2/304).

[17]) انظر المهذب (2/593)، أسنى المطالب: للأنصاري (1/410)، الغرر البهية (2/207)، روضة الطالبين (2/348)، المجموع: (6/280)، تحفة المحتاج (3/381-382)، مغني المحتاج (2/145)، نهاية المحتاج (3/156).

[18]) نقله عنه ابن عبد البر في الاستذكار (10/29)، وابن قدامة في المغني (4/328)، ولم أجده ثابتا عنه في السند.
والليث بن سعد هو: الإمام، الحافظ، أبو الحارث، الليث بن سعد بن عبدالرحمن الفهمي، مولى خالد بن ثابت ابن ظاعن، عالم الديار المصرية، ولد سنة 94هــ، في قرية قرقشندة من أسفل أعمال مصر، انظر في ترجمته: السير (8/136)، طبقات ابن سعد (7/517)، الحلية (7/318)، وفيات الأعيان (4/127)، تذكرة الحفاظ (1/224)، ميزان الاعتدال (3/423)، تهذيب التهذيب (8/459).

[19]) قرار مجمع البحوث الإسلامية، المؤتمر الثالث المنعقد في القاهرة بتاريخ 13/7/1386هـ، بحوث وفتاوى اسلامية في قضايا معاصرة: للشيخ جاد الحق علي جاد الحق (1/442).

[20]) كريب: هو الإمام، الحجة، أبو رشدين، كريب بن أبي مسلم الهاشمي العباسي، مولى ابن عباس رضي الله عنهما، تابعي جليل، أدرك عثمان بن عفان رضي الله عنه، وروى عن جمع من الصحابة، قال عنه ابن سعد: كان ثقة، حسن الحديث، مات سنة 98هـy. انظر في ترجمته: السير (4/479)، طبقات ابن سعد (5/293)، تهذيب التهذيب (8/433)، شذرات الذهب (1/114).

[21]) أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب بيان أنه لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال لا يثبت حكمه لما بعد عنهم، الحديث رقم (1087).

[22]) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: للقرطبي (3/42)، الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي (2/295)، نيل الأوطار: للشوكاني (4/230).

[23]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)، حديث رقم (1909)، أخرجه مسلم في صحيحه ( كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما الحديث رقم (1081).

[24]) انظر إحكام الأحكام: لابن دقيق العيد (2/9)

[25]) انظر: نيل الأوطار: للشوكاني (4/231).

[26]) انظر: نصب الراية: للزيعلي (3/40).

[27]) سبق تخريجه قريبا (ص108)

[28]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)، حديث رقم (1906)، أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما الحديث رقم (1080).

[29]) انظر نيل الأوطار: للشوكاني (4/231).

[30]) انظر الاستذكار: لابن عبد البر(10/30)، بداية المجتهد: لابن رشد (1/336)، الإفصاح عن معاني الصحاح: لابن هبيرة (1/158-159)، حاشية ابن قندس على الفروع (4/514).

[31]) انظر نيل الأوطار: للشوكاني (4/231).

([32] انظر: مجموع فتاوى شيخ الاسلام بن تيمية (25/108).

[33]) انظر: بحث (توحيد بداية الشهور القمرية): لمحمد بن علي السايس، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني (2/944)، وانظر: بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة: لجاد علي جاد الحق (1/433-435).

[34]) (سورة البقرة: الآية 185).

[35]) انظر: المغني: لابن قدامة (4/329).

([36] أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)، حديث رقم (1909)، أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما الحديث رقم (1081).

[37]) انظر المغني، لابن قدامة (4/329).

([38] انظر: أثر التقنية في الخلاف الفقهي: د. هشام آل الشيخ ( ص229).

[39]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)، حديث رقم (1909)، أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما الحديث رقم (1081).

[40]) اختلاف الأصوليين في تحديد العلة وأثره على الفروع الفقهية: عبد الله شفيق السرحي – بحث تكميلي غير منشور- لنيل درجة الماجستير من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الاسلامية بغزة قسم أصول الفقه سنة 2012م ( ص 94).

[41]) المقصود بالرؤية البصرية أمران:
الأول: الرؤية بالعين المجردة.
الثاني: الرؤية بواسطة الآلات والمناظير الحديثة.

[42]) حاشية ابن عابدين، (2/387)، القروي: الخلاصة على مذهب السادة المالكية، (1/188)، الشربيني: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، (1/235)، القرافي: أنوار البروق في أنواع الفروق، (4/441).

[43]): أبحاث هيئة كبار العلماء: مجموعة علماء (3/32-34)، موقع الشيخ عبدالعزيز ابن باز، http://www.binbaz.org.sa/mat/8411

[44]) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، (2/285)، مجموعة علماء: أبحاث هيئة كبار العلماء، (3/373)، السبيكي: الفتاوى، (1/211).

[45]) المطيعي: إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة، نقلا عن أحمد زكريا عبد اللطيف،
http://www.egyig.com/public/articles/ahkam/11/20767210.sh//tml

[46]) أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعا إثباتها بالحساب الفلكي: أحمد شاكر، نقلا عن أحمد زكريا عبد اللطيف، المجيزون للعمل بالحساب الفلكي وأدلتهم" منشور على الرابط التالي
http://www.egyig.com/public/articles/ahkam/11/20767210.shtml

[47]) الحسابات الفلكي وإثبات دخول شهر رمضان: علي شاه ، رؤية فقهية، http://books.googel.ps

[48]) بيان حكم اختلاف المطالع والحساب الفلكي القدومي (ص 31)،: بطلان العمل بالحساب الفلكي: الدسوقي (ص 35).


[49]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)، حديث رقم (1909)، أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما الحديث رقم (1081).

[50]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)، حديث رقم (1906)، أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما الحديث رقم (1080).

[51]) بيان حكم اختلاف المطالع والحساب الفلكي: القدومي (ص:31)

[52]) (التوبة: 128).

([53] (البقرة: 185).

[54]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r لا نكتب ولا نحسب (3/27)، (ح1913)، أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2/761)، (ح1080).

[55]) أخرجه الترمذي في سننه كتاب الصوم، باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم، 3/68، ح 684)، النسائي: سنن النسائي، (كتاب الصيام، باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غم..، 4/133، 2117)، وقال الألباني في سنن النسائي: صحيح.

[56]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، (3/27)( ح1909).

[57]) مجموع الفتاوى: ابن تيمية (25/136)،: بطلان العمل بالحساب الفلكي في الصوم والإفطار: الدسوقي (ص 4).

[58]) الحساب الفلكي وإثبات أوائل الشهور: القرضاوي (ص 4)

[59]) دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفكي الحسون (ص34)، لماذا الاختلاف حول الحساب الفلكي: الزرقا (ص 8)، مقال بعنوان (إثبات دخول رمضان بالحساب): الرشود منشور على الرابط التالي:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread. php?t=183001

[60]) بحث بعنوان (مشكلة ثبوت الهلال) العلامة يوسف القرضاوي، بحث منشور على موقع القرضاوي:
http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=1786&version=1&
template_id=197

([61] ابن تيمية: مجموع الفتاوى، (25/137).

[62]) الحسابات الفلكية وإثبات دخول شهر رمضان، رؤية فقهية: علي شاه مقال منشور على الرابط التالي:
http://books>google.ps

[63]) أبحاث هيئة كبار العلماء (3/35-45)، بطلان العمل بالحساب الفلكي في الصوم والإفطار: الدسوقي،(ص 7).

[64]) (سورة الرحمن: الآية 5).

[65]) (سورة لقمان: الآية 29).

[66]) (سورة يونس: الآية 5).

[67]) مجموعة علماء: أبحاث هيئة كبار العلماء (3/35-45).

[68]) مجموع الفتاوى: ابن تيمية (25/137)،: أبحاث هيئة كبار العلماء: مجموعة علماء (3/35-45)، بيان حكم اختلاف المطالع والحساب الفلكي: للقدومي (ص31)،

[69]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r لا نكتب ولا نحسب، 3/27، ح1913)، أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2/761) ( ح1080).

[70]) لماذا الاختلاف حول الحساب الفلكي: الزرقا (ص5)، مجموعة علماء: ابحاث هيئة كبار العلماء، (3/35-45).

[71]) انظر: مقال: "الجواب الصحيح والنصح الخالص في نازلة فاس وما يتعلق بمبدأ الشهور الإسلامية العربية "نقلا عن أحمد زكريا عبد اللطيف: علاء الفاسي.
http://www.egyig.com/public/articles/ahkam/11/20767210.shtml

[72]) أبحاث هيئة كبار العلماء: مجموع علماء (3/35-45)، بطلان العمل بالحساب الفلكي في الصوم والإفطار: الدسوقي (1/63).

[73]) المراد بالعنين: هو الشخص الذي لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن أو يصل إلى الثيب دون البكر. انظر: التعريفات: الجرجاني (1/204).

([74] إرشاد أهل الملة إلى إثبات الأهلة: المطيعي، نقلا عن أحمد زكريا عبد اللطيف: المجيزون للعمل بالحساب الفلكي وأدلتهم http://www.egyig.com/public/articles/ahkam/11/20767210.shtml

[75]) مجموع الفتاوى ابن تيمية: ، (25-136).

[76]) (سورة الإسراء: الآية 78).

[77]) مجلة المنار: محمد رشيد رضا (28/63). بتصرف

[78]) (سورة الإسراء: الآية 78).

[79]) (سورة البقرة: الآية187).

[80]) بطلان العمل بالحساب الفلكي في الصوم والإفطار: الدسوقي(1/63)

[81]) الفتاوى: السبكي (1/210.)

[82]) (النحل: 43).

[83]) يسألونك: حسام الدين بن موسى عفانه جامعة القدس، القدس، 2004 (9/35)، باب حكم الاعتماد على الحسابات الفلكية في إثبات دخول شهر رمضان.

[84]) يسألونك: حسام الدين بن موسى عفانه (9/44)، باب اختلاف بدء الصوم من بلد لآخر.

[85]) انظر: إثبات الأشهر القمرية بين الرؤية والحسابات الفلكية: فادي عبد الغني شامية ( ص20).


([86] علماً بأن القرضاوي والزرقا لا يمنعان من اعتماد الحساب وحده، ولكنهما يريا أنه طالما أن الخلاف ما زال قائماً بين الرؤية والحساب، فالأولى اعتماد موقف وسطي تجتمع عليه الأمة. راجع كتاب: " العقل والفقه في فهم الحديث النبوي" الزرقا، من صفحة 80 وما بعدها. راجع أيضاً فتاوى العلامة القرضاوي، وأبحاثه في هذا المجال المنشورة على موقعه http://www.qaradawi.net/

[87]) فتاوى السبكي: الإمام تقي الدين السبكي، مكتبة القدس، القاهرة(1، /219).

[88]) أوائل الشهور العربية :يجوز إثباتها شرعًا بالحساب الفلكي: أحمد محمد شاكر ، مكتبة ابن تيمية، 1939م، ص 7 وما بعدها، وهو منشور أيضاً، على موقع أحمد محمد شاكر: http://ahmadmuhammadshakir.blogspot.com/


[89]) انظر: إثبات دخول الشهور القمرية، المجلة العالمية للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، العدد الرابع، قرار رقم 17.

[90]) أخرجه البخاري في صحيحه، (كتاب الصوم، باب قول النبي r إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)، حديث رقم (1906)، أخرجه مسلم في صحيحه (كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما الحديث رقم (1080).
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية

يرفع لمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك لهذا العام 1437هـ
رفعكم الله بالعلم والعمل مكاناً عليا.
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية

السلام عليكم ورحمة الله أولا : أرجو أن لا يحمل تراثنا الفقهي تبعات ما نحن فيه في عصرنا الحاضر. كون رؤية الهلال صار سببا لانقسامنا واختلافنا غير صحيح، فقد وجد هذا في زمن الصحابة وكان المسلمون إلى قرون تلت منارة النور التي يهتدي بها أهل الأرض دين ودنيا، وإنما تتضخم هذه المسائل عند من ضخمها لا عند الفقهاء المجتهدين حتى المختلفين منهم فيها..الأمر الثاني : دعوى أن هذه المسألة جعلتنا موضع سخرية للعالم. هذا مما ينبغي ألا يُلْتفت إليه - إن صح - فخلافاً لما يُظن فهم ليسوا متفقين على التقويم الميلادي دينياً وإن اتفقوا عليه مدنياً، فعندهم التقويم الغريغوري والسرياني والقبطي وغير ذلك من التقاويم التي تتعلق بها مناسبات دينية مختلفة عندهم. وهذا لا يعنينا في كثير ولا قليل، فإن المقصود من تحقيق الحق في هذه المسألة هو الوصول إلى مراد الله والعمل به ما أمكن، وإلا فسخرية العالم أجمع من مسائل كالحجاب والرجم وحد القطع وغير ذلك أشهر وأعرف من مسألة رؤية الهلال، فتراها في بعض أفلامهم حتى الكرتونية منها كفلم علاء الدين وفيه عرض حد القطع بصورة مخلة، أما مسألتنا فأكاد أقطع أنه لا يعرفها منهم إلا النادر من غير سخرية ولا استخفاف.. وأخيراً إن اختلاف المسلمين فيها اليوم لا ينبع عن اختلاف الفقهاء ، فحتى البلاد التي تعتمد اتحاد المطالع تختلف مع اتحادها فيه ولا دور للفقيه في ذلك، ومثال عليه اليمن أيام التشطير مع اتحاده مطلعاً كان يختلف فيه الإعلان عن رؤيا الهلال، فيُرى في الشمال في يوم وفي الجتوب في يوم آخر، وبعد الوحدة قرر الهلال أن يظهر عليهم في ليلة واحدة. لا شك أن الفقه والفقهاء براء من هذا الاختلاف، بل ومن هذا الاتفاق الذي لم يكن مرجعه اتفاقهم، بل اتفاق القوى السياسية بعد اختلافها. والله أعلم. عند الكلام على الحساب وعلم الفلك لا بُد من مراعاة أن محققي الفقهاء لم ينكروا إمكان معرفة الحاسب والفلكي وجود الهلال، بدليل أنه حتى من يرد العمل بأقوالهم ربما أجاز للحاسب والفلكي إن يعتمد الحساب والمنازل للعمل في خاصة نفسه كما هو مذهب الشافعية مثلاً، بل ورجح بعضهم كالسبكي والإسنوي والمزجد إجزاؤه عن صيامه لرمضان. لكن سبب الخلاف اختلافهم في كون المعتبر هل هو وجود الهلال أم رؤيته؟فإذا كان المعتبر الرؤيا سقط العمل بالحساب وعلم الفلك لأن الرؤيا أمر مشترك عام، وإن كان المعتبر الوجود يظهر سؤال: هل المعتبر مطلق الوجود أو الوجود الذي تمكن معه الرؤيا؟ فمثلا قد يدل الحساب على وجود الهلال وعلى استحالة رويته لكون الهلال على بعد ثلاث درجات من الشمس ووجوده على هذه المنزلة تجعله محجوباً بشعاع الشمس، بينما لو كان على تسع درجات مثلا وحال بيننا وبينه غيم فإن الحساب قد يفيد الوجود وإمكان الرؤيا معاً، فهل نعتبر الحساب مطلقاً أم في الحالة الثانية فقط؟ وبهذا يظهر لك إن الفلك والحساب لا يمنعان من الاختلاف لو سلم جواز العمل بهما. والذي أميل إليه، بل يترجح عندي، هو أن رؤيته في بلد تكفي لجميع البلاد، لكن بسط هذا يحتاج إلى وقت وجهاز، وأنا أشارك عبر جوال، وهو سبب انعدام المشاركات تقريباً، لكن ذلك لا يضر إن شاء الله فإن المقصود هنا دفع التهويل الذي أحيطت بها هذه المسألة وما صحبه من تحميل للتراث تبعة ذلك، لا بيان الراجح فيها. والله أعلم
 
إنضم
3 أبريل 2018
المشاركات
112
الإقامة
مكة المكرمة - حي العوالي
الجنس
ذكر
الكنية
أبو زيد
التخصص
شريعة إسلامية
الدولة
سورية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية

بسم الله الرحمن الرحيم : معرفة دقة الحساب والفلك يقتضي على الفقهاء استشارة الفلكيين فهم أولو العلم في هذا الاختصاص و الذين يستنبطونه ويعلمون حقيقته ، وكذلك مسألة الفجر الصادق ، وحقيقة زاوية الأفق 14.6 ، وحسابات الفلكين لها ، و الفرق بينها وبين ال17.5 في البلاد العربية يقدر بحوالي 11.5 دقيقة ، و زاوية 19 في مصر حوالي 19 دقيقة قبل الفجر الصادق ....!!!!!! فللفلك أهميته في هذين البابين ، وتعبيرات الشيخ مصطفى الزرقا عمن يرد الحساب كافية بوصفه ............." 1-كتب كثيرٌ من الكتاب كتباً ينكرون بها الحساب الفلكي ، ويشنعون على الحاسبين والداعين إلى الحساب .2- الحديث : نحن أمة أمية أشار إلى علة منصوصة ، وقد انتفت علة أمة الأمة فارتفع الحكم بالرؤية بالعين .3- حدوث الاقتران في شهر رمضان هذا كان قبل الفجر يوم الخميس بنحو ساعتين ، ولو رصد الهلال من السعودية لم يك ليرى ..4- من المفترض اعتبار بداية الشهر بعد وجود حقيقة الهلال " ولادنه "5- على كل حال ثبت رمضان بإكمال عدة شعبان 30 يوماً في السعودية ، وبأوضاع مشابهة لعدم رؤيته إلا في أقصى غرب الأرض ، لم يك ليثبت دخول الشهر ، وهنا تناقض .6- هنالك تناقض للمتتبع طرق إثبات رؤية العلال بالعين بعد الغروب .7- نص عشرات الفقهاء على وجوب الأخذ بالحساب كالذين ذكروا وغيرهم من فقهاء المذاهب الأربعة .8- كل المذاهب والفقهاء يقولون بوحدة المطالع إلا الشافعية لعلة القدرة على التبيلغ بقطر دائرة مسير سفر يوم وليلة ، وفد زالت علة التبليغ بالوسائل الحديثة .9- النصوص ليس لها طابع إقليمي أو جعرافي ، أو سياسي أو كيدي .10- المخاطب بالرؤية كل مسلم مكلف أو ثقة أو استفاضة بإمكانية رؤيته / كوكالات الفضاء العالمية ، والرؤية الواحدة تكفي أو مايقوم مقامها .12- مقصد التشريع من وحدة الأمة وعدم اختلافهم .13- لاصحة لمن يقيس أوقات الصلاة على بداية الهلال في جواز وقوع الاختلاف وهذا جهل في مقارنة الأأمرين ومعرفة حقيقتهما.14- السنة الهجرية محسوبة بالثانية بولادة الهلال ، وحقيقة مافي القفص من طير تغني باستدلال عنه بتغريده .15- كل يوم كامل بعد الولادة ينسب للشهر اللاحق لا السابق و شرطه قبيل الفجر ولو بشيء يسير .16- ألوم الأخ الدكنور عودة على المجاملات التي تعطي معرفة هلال رمضان طابع عدم الكلام القطعي و الواضح في حقيقة المسألة كما بينته .
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية

السلام عليكم ورحمة الله . .أولا معرفة أوائل الشهور لم تختص بالفلكيين أول بأهل الحساب، بل كان شأن العرب قبل الإسلام وبعده، وكانت الأداة المستخدمة لمعرفته هي مجرد الرؤيا فجاء الإسلام وأقر ذلك. .والمقصود هنا أن المعتبر شرعا الرؤيا. .وعليه فعلم الفلك مع تسليم أنه يصيب مائة في المائة قد يرد عليه أن المعتبر هل هو الرؤيا أم الوجود، كما كنت قدمته في المشاركة السابقة، ويرد عليه أمر آخر وهو هل يكتفى بمجرد إمكان الرؤيا أم تحققها وقد أشرت إليه أيضاً. .فإن كان المعتبر هو الرؤيا .. فلن يندفع الاختلاف بإعمال علم الفلك؛ لأن غاية ما يفيده وجود الهلال أو إمكان الرؤيا ولم يعتمدها النبي صلى الله عليه وصلم بدلالة الحديث الذي تجتهد أنت في قصره على زمن النبي صلى الله عليه وسلم اعتماداً منك على قصر العلة على زمنه. .مع العلم أن القراءة والكتابة كانت معروفة في قوم النبي صلى الله عليه وسلم وإن قلّت، وكانت معروفة في أقوام من أمته كأهل اليمن . فإن كانت قلة العارفين بالقراءة والكتابة هي العلة التي حملت النبي صلى الله عليه وسلم على أمره باعتماد الرؤيا .. فإن هذه العلة باقية اليوم أي أن الذين يعرفون علم الفلك اليوم قليل إن لم يندروا بالنسبة إلى من لا يعرفه. وتسييس هؤلاء أو تحييدهم أسهل من تسييس الأمة في الرؤيا وإن كان يحصل اليوم بالقوة..ثانياً : علم الفلك وسير القمر ومنازله وغير ذلك قد عُرف في القرون التالية ومع ذلك استمر كثير من الفقهاء في اعتماد الرؤيا مستدلين بنفس الحديث الذي تقصره أنت على زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن هؤلاء الفقهاء شيخ الاسلام ابن تيمية وهو لا يقول باختلاف المطالع، فدل على أنهم لم يتأولوا الحديث تأويلك، وقد فصل فيه شيخ الإسلام ولولا أني أطبع بإصبعين لنقلنا كلامه. .وأخيراً دعوى أن مذهب الشافعي انفرد بالقول باختلاف المطالع خطأ، وقد تقدم معك في حديث ابن عباس وهو سابق على الشافعي كما أن في المذاهب الأربعة تفاصيل وأقوال في بعضها موافقة لمذهب الشافعي، وكيف كان فمن لم يعتبر المطالع منهم من اعتبر القرب والبعد كالمالكية حتى نقل ابن الماجشون منهم الاجماع على أن رؤيته في نحو خراسان لا يُعد رؤية لأهل الأندلس، ومنهم من اعتمد اختلاف الأقاليم ومنهم من اعتمد مسافة القصر وهكذا. فعدم موافقة الشافعية في اختلاف المطالع لا يعني القول باتحاد الرؤيا . وعلى كلّ لم يظهر لي وجه اعتماد علم الفلك ظهورا يعتد به. ولعلنا نعود إلى موضوع الأحاديث وعلم الفلك خاصة إن تمكنت. والله أعلم
 
إنضم
3 أبريل 2018
المشاركات
112
الإقامة
مكة المكرمة - حي العوالي
الجنس
ذكر
الكنية
أبو زيد
التخصص
شريعة إسلامية
الدولة
سورية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: هلال رمضان بين الحساب الفلكي والرؤية

بسم الله الرحمن الرحيم : عبارة الرؤية البصرية هي فقط شرعاً ، معالطة ، لأن الاستدلال بالعلة المنصوصة أو المسنبطة أيضاً : " شرعاً " .نسبة الأقوال إلى المذاهب من القول المعتمد لديها ، فالجمهور على القول بوحدة المطالع هو الصحيح .الإمام الشافعي استدل بحديث ابن عبَّاس وبحوادث جرت في زمنه ، وقوله ليس بدعة ، ولكن ضمن مايعتد به من أقوال فقهية تفَّرد به ، من بين المذاهب الفقهية .- ولادة الهلال ودلالاتها على دخول الشهر قطعية ، و الرؤية ظنية ، وقد اختلطت على الناس مرات فصمنا 28 يوماً ، والظني لا يقابل القطعي ،المفاسد الناشئة عن القول باختلاف المطالع :1- فوات المقصد الشرعي من وحدة الأمة .2- الرؤية البصرية في الواقع ، نتج عنها اضطراياً يخالف الشرع و العقل والعلم ، و اضطربت كثيراً ، ولا تمثل -في عامة الدول - المقصد الشرعي من حقيقة رؤية الهلال - ولا تمثل القول باختلاف المطالع ولو سلمنا يه جدلاً - مع أنهم يُأجلون بها دخول الشهر عن غيرهم .القضية الأساسية : " عدم وجود ضوابط لغاية الآن يُعمل بها عند من بقول بالرؤية البصرية - أدت إلى : " 3- توهم كثيرون - وغالب الناس لايعلم معنى رؤية الهلال وماهو لبهلال في الغرب الذي يريد رؤيته - فرأى كوكباً فشهد برؤية الهلال .4- تكرر عدم اعتماد دول تقع في الغرب رؤية لدول تقع شرقها .5- بعض الدول تؤجل رمضان كما يحلوا لها ، اتصل كبيرهم بالقاضي الشرعي و طلب منه تأجيل الصيام بسبب العيد الوطني في تلك الدولة .6- حصول فتن في دين الناس ، بسبب الفتوى بتأجيل صيامهم عن غيرهم و اتهام العلماء بأشياء كثيرة .7- لو سلمنا بالقول باختلاف المطالع : واعتبار الرؤية البصرية ، فيمكن -علمياً - اعتبار الأرض كقارات على مطلعين أو ثلاثة ، لابدَّ لمن يقول باختلاف المطالع من وضع ضوابط ليصح قوله - نوعاً ما - وليس الأمر على عواهنه .يقول الشيخ مصطفى الزرقا : ...لا أجد في اختلاف علماء الشريعة العصريين ما يدعو إلى الاستغراب أغرب من اختلافهم الشديد فيما لا يجوز فيه الاختلاف حول اعتماد الحساب الفلكي في عصرنا هذا؛ لتحديد حلول الشهر القمري لترتيب أحكامه الشرعية. نعم أؤكد على قصدي عصرنا هذا بالذات، ذلك لأنني لا أستبعد الموقف السلبي لعلماء سلفنا من عدم تعويلهم على الحساب الفلكي في هذا الموضوع، بل إنني لو كنت في عصرهم لقلت بقولهم، ولكني أستبعد كل الاستبعاد موقف السلبيين من رجال الشريعة في هذا العصر؛ الذي ارتاد علماؤه آفاق الفضاء الكوني، وأصبح أصغر إنجازاتهم النزول إلى القمر، ثم وضع أقمار صناعية في مدارات فلكية محددة حول الأرض لأغراض شتى: علمية وعسكرية وتجسسية، ثم القيام برحلات فضائية متنوعة الأحداث، والخروج من مراكبها للسياحة في الفضاء خارج الغلاف الجوي الذي يغلف الأرض، وخارج نطاق الجاذبية الأرضية، ثم سحب بعض الأقمار الصناعية الدوارة لإصلاح ما يطرأ عليها من اختلال وهي في الفضاء.إني على يقين أن علماء سلفنا الأولين، الذي لم يقبلوا اعتماد الحساب الفلكي للأسباب التي سأذكرها قريبًا -نقلاً عنهم- لو أنهم وُجدوا اليوم في عصرنا هذا، وشاهدوا ما وصل إليه علم الفلك من تطور وضبط مذهل لغيروا رأيهم، فإن الله قد آتاهم من سعة الأفق الفكري في فهم مقاصد الشريعة ما لم يؤت مثلَه أتباعُهم المتأخرون، فإذا كان الرصد الفلكي وحساباته في الزمن الماضي، لم يكن له من الدقة والصدق ما يكفي للثقة به والتعويل عليه، فهل يصح أن ينسحب ذلك الحكم عليه إلى يومنا هذا؟ولعل قائلاً يقول: إن عدم قبول الاعتماد على الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية، ليس سببه الشك في صحة الحساب الفلكي ودقته، وإنما سببه أن الشريعة الإسلامية بلسان رسولها -صلى الله عليه وسلم- قد ربطت ميلاد الأهلة وحلول الشهور القمرية بالرؤية البصرية، وذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الثابت عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: “صوموا لرؤيته -أي الهلال- وأفطروا لرؤيته، فإذا غمَّ عليكم فاقدروا له”. وفي رواية ثابتة أيضًا: “فإن غُمَّ عليكم فأكلموا العدة ثلاثين”.وقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: “فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين”، وهي تفسير لمعنى التقدير المطلق الوارد في الرواية الأولى.وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: “إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا”.فجميع الروايات الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن قد ربط فيها الصوم والإفطار برؤية الهلال الجديد. وإن القدر أو التقدير عندما تمتنع الرؤية البصرية لعارض يحجبها من غيم أو ضباب أو مانع آخر، معناه: إكمال الشهر القائم -شعبان أو رمضان- ثلاثين يومًا، فلا يحكم بأنه تسعة وعشرون إلا بالرؤية. وهذا من شؤون العبادات التي تبنى فيها الأحكام على النص تعبدًا دون نظر إلى العلل، ولا إعمال للأقيسة.هذه حجة من لا يقبلون الاعتماد على الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية، ولو بلغ الحساب الفلكي من الصحة والدقة مبلغ اليقين بتقدم وسائله العلمية.تحليل الموضوع وفهمه عقلاً وفقهًاونحن نقول بدورنا: إن كل ذلك مسلم به لدينا، وهو معروف في قواعد الشريعة وأصول فقهها بشأن العبادات، ولا مجال للجدل فيه، ولكنه مفروض في النصوص التي تلقى إلينا مطلقة غير معللة، فإذا ورد النص نفسه معللاً بعلة جاءت معه من مصدره، فإن الأمر حينئذ يختلف، ويكون للعلة تأثيرها في فهم النص وارتباط الحكم بها وجودًا وعدمًا في التطبيق، ولو كان الموضوع من صميم العبادات، ولكي تتضح لنا الرؤية الصحيحة في الموضوع نقول: “إن هذا الحديث النبوي الشريف الآنف الذكر ليس هو النص الوحيد في الموضوع، بل هناك روايات أخرى ثابتة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- توضِّح علة أمره باعتماد رؤية الهلال البصرية للعلم بحلول الشهر الجديد؛ الذي نيطت به التكاليف والأحكام، من صيام وغيره.فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة -رضي الله عنها- في كتاب الصيام، باب الصوم لرؤية الهلال: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا”.وأخرج أيضًا بعده عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة (أي: طواه) والشهر هكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين”.ومفاد هذا الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- أشار (أولاً) بكلتا يديه وبأصابعه العشر ثلاث مرات، وطوى في الثالثة إبهامه على راحته لتبقى الأصابع فيها تسعًا، لإفادة أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين يومًا، ثم كرر الإشارة ذاتها (ثانيًا) دون أن يطوي في المرة الثالثة شيئًا من أصابعه العشر، ليفيد أن الشهر قد يكون أيضًا ثلاثين يومًا؛ أي: أنه يكون تارة تسعة وعشرين وتارة ثلاثين.هكذا نقل النسائي تفسير هذا الحديث عن شعبة عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر.وكذلك ليس هذا هو كل شيء من الروايات الواردة في هذا الموضوع، فالرواية التي أكملت الصورة، وأوضحت العلة، فارتبطت أجزاء ما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن بعضها ببعض، هي ما أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي (واللفظ للبخاري) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا” يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين، وكلهم أوردوا ذلك في كتاب الصوم. وقد أخرجه أحمد عن ابن عمر.فهذا الحديث النبوي هو عماد الخيمة، وبيت القصيد في موضوعنا هذا، فقد علل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية لبدء الصوم والإفطار بأنه من أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، فما من سبيل لديها لمعرفة حلول الشهر ونهايته إلا رؤية الهلال الجديد، ما دام الشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين وتارة ثلاثين. وهذا ما فهمه شراح الحديث من هذا النص.قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: “لا نكتب ولا نحسب” (بالنون فيهما)، والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته في تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم؛ لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة. والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلا النزر اليسير، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير.أضاف ابن حجر بعد ذلك قائلاً:“واستمر الحكم في الصوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً”.[1]والعيني في “عمدة القاري” قد علل تعليق الشارع الصوم بالرؤية أيضًا بعلة رفع الحرج في معاناة حساب التسيير كما نقلناه عن ابن حجر. ونقل العيني عن ابن بطال في هذا المقام قوله: “لم نكلف في تعريف مواقيت صومنا ولا عباداتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة، إنما ربطت عباداتنا بأعلام واضحة، وأمور ظاهرة، يستوي في عرفه ذلك الحساب وغيره”. وذكر القسطلاني في “إرشاد الساري شرح البخاري” مثل ما قال ابن بطال.وقال السندي في “حاشيته على سنن النسائي” يشرح كلمة (أمية) الواردة في الحديث بقوله: “أمية في عدم معرفة الكتابة والحساب، فلذلك ما كلفنا الله تعالى بحساب أهل النجوم، ولا بالشهور الشمسية الخفية، بل كلفنا بالشهور القمرية الجلية…”.وواضح من هذا أن الأمر باعتماد رؤية الهلال ليس لأن رؤيته هي في ذاتها عبادة، أو أن فيها معنى التعبد، بل لأنها هي الوسيلة الممكنة الميسورة إذ ذاك، لمعرفة بدء الشهر القمري ونهايته لمن يكونون كذلك، أي: أميين لا علم لهم بالكتابة والحساب الفلكي.ولازم هذا المفاد من مفهوم النص الشرعي نفسه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقومه العرب إذ ذاك لو كانوا من أهل العلم بالكتاب والحساب بحيث يستطيعون أن يرصدوا الأجرام الفلكية، ويضبطوا بالكتاب والحساب دوراتها المنتظمة التي نظمتها قدرة الله العليم القدير بصورة لا تختل، ولا تختلف، حتى يعرفوا مسبقًا بالحساب متى يهل بالهلال الجديد، فينتهي الشهر السابق ويبدأ اللاحق، لأمكنهم اعتماد الحساب الفلكي. وكذا كل من يصل لديهم هذا العلم من الدقة والانضباط إلى الدرجة التي يوثق بها ويطمئن إلى صحتها.هذا حينئذ -ولا شك- أوثق وأضبط في إثبات الهلال من الاعتماد على شاهدين ليسا معصومين من الوهم وخداع البصر، ولا من الكذب لغرض أو مصلحة شخصية مستورة، مهما تحرينا للتحقق من عدالتهما الظاهرة التي توحي بصدقهما، وكذلك هو -أي طريق الحساب الفلكي- أوثق وأضبط من الاعتماد على شاهد واحد عندما يكون الجو غير صحو والرؤية عسيرة، كما عليه بعض المذاهب المعتبرة في هذا الحال.وقد وجد من علماء السلف -حين كان الحساب الفلكي في حاله القديمة غير منضبط- من قال: إنَّ العالم بالحساب يعمل به لنفسه، قال بهذا مطرف بن عبد الله من التابعين، ونقله عنه الحطاب من المالكية في كتابه “مواهب الجليل”.وقال القشيري: إذا دلَّ الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلاً، فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي، وأن حقيقة الرؤية ليست مشروطة في اللزوم، فقد اتفقوا على أنَّ المحبوس في المطمورة إذا علم بإتمام العدة، أو بطريق الاجتهاد أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم.ونقل القليوبي من الشافعية عن العبادي قوله: “إذا دل الحساب القطعي على عدم رؤية الهلال لم يقبل قول العدول برؤيته، وترد شهادتهم”، ثم قال القليوبي: هذا ظاهر جلي، ولا يجوز الصوم حينئذ، وإن مخالفة ذلك معاندة ومكابرة.وواضح أيضًا لكل ذي علم وفهم أن أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإتمام الشهر القائم ثلاثين حين يغم علينا الهلال بسبب ما حاجبٍ للرؤية من غيم أو ضباب أو غيرهما: ليس معناه أن الشهر القائم يكون في الواقع ثلاثين يومًا، بل قد يكون الهلال الجديد متولدًا وقابلاً للرؤية لو كان الجو صحوًا، وحينئذ: يكون اليوم التالي الذي اعتبرناه يوم الثلاثين الأخير من الشهر هو في الواقع أول يوم من الشهر الجديد الذي علينا أن نصومه أو نفطر فيه، ولكن لأننا لا نستطيع معرفة ذلك من طريق الرؤية البصرية التي حجبت، ولا نملك وسيلة سواها فإننا نكون معذورين شرعًا إذا أتممنا شعبان ثلاثين يومًا وكان هو في الواقع تسعة وعشرين، فلم نصم أول يوم من رمضان؛ إذ (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) بنص القرآن العظيم.هذا تحليل الموضوع وفهمه عقلاً وفقهًا، وليس معنى إتمام الثلاثين حين انحجاب الرؤية أننا بهذا الإتمام نصل إلى معرفة واقع الأمر وحقيقته في نهاية الشهر السابق وبداية اللاحق، وأن نهاية السابق هي يوم الثلاثين.وما دام من البدهيات أن رؤية الهلال الجديد ليست في ذاتها عبادة في الإسلام، وإنما هي وسيلة لمعرفة الوقت، وكانت الوسيلة الوحيدة الممكنة في أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، وكانت أميتها هي العلة في الأمر بالاعتماد على العين الباصرة، وذلك بنص الحديث النبوي مصدر الحكم، فما الذي يمنع شرعًا أن نعتمد الحساب الفلكي اليقيني، الذي يعرفنا مسبقًا بموعد حلول الشهر الجديد، ولا يمكن أن يحجب علمنا حينئذٍ غيم ولا ضباب إلا ضباب العقول؟سبب رفض المتقدمين اعتماد الحسابمن المسلم به أن الفقهاء وشراح الحديث يرفضون التعويل على الحساب لمعرفة بدايات الشهور القمرية ونهايتها للصيام والإفطار، ويقررون أن الشرع لم يكلفنا في مواقيت الصوم والعبادة بمعرفة حساب ولا كتابة، وإنما ربط التكليف في كل ذلك بعلامات واضحة يستوي في معرفتها الكاتبون والحاسبون وغيرهم، كما نقلناه سابقًا عن العيني والقسطلاني وابن بطال والسندي وسواهم. وأن الحكمة في هذا واضحة لاستمرار إمكان تطبيق الشريعة في كل زمان ومكان.ولكن يحسن أن ننقل تعليلاتهم لهذا الرفض ليتبين سببه ومبناه، مما يظهر ارتباطه بما كانت عليه الحال في الماضي، ولا ينطبق على ما أصبح عليه أمر علم الفلك وحسابه في عصرنا هذا.فقد نقل ابن حجر أيضًا عن ابن بزيزة أن اعتبار الحساب هو “مذهب باطل، فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنه حَدس وتخمين، وليس فيه قطع ولا ظن غالب”.ويظهر من كلام ابن حجر وابن بزيزة أن العلة في عدم اعتماد الحساب هي أن هذا العلم في ذاك الزمن مجرد حدس وتخمين لا قطع فيه، وأن نتائجه مختلفة بين أهله فيؤدي ذلك إلى الاختلاف والنزاع بين المكلفين.ونقل الزرقاني في شرحه على الموطأ عن النووي قوله: “إن عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين، وإنما يعتبر منه ما يعرف به القبلة والوقت”؛ أي أن مواقيت الصلاة فقط يعتبر فيها الحساب.وذكر ابن بطال ما يؤيد ذلك، فقال: “وهذا الحديث -أي: حديث “لا نكتب لا نحسب”- ناسخ لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول على رؤية الأهلة، وإنما لنا أن ننظر في علم الحساب ما يكون عيانًا أو كالعيان، وأما ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون، وبكشف الهيئات الغائبة عن الأبصار فقد نهينا عنه وعن تكلفه”.قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معرض احتجاجه لعدم جواز اعتماد الحساب: “إن الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حسابًا مستقيمًا.. ولم يضبطوا سيره إلا بالتعديل الذي يتفق الحساب على أنه غير مطرد، وإنما هو تقريب”.وقال في مكان آخر: “وهذا من الأسباب الموجبة لئلا يعمل بالكتاب والحساب في الأهلة”.وقد أكد هذا المعنى في مواطن عديدة من الفصل الذي عقده في هذا الموضوع.هذا، ويبدو من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه يعتبر اعتماد الحساب لمعرفة أوائل الشهور القمرية من قبيل عمل العرافين، وعمل المنجمين؛ الذين يربطون الحوادث في الأرض وطوالع الحظوظ بحركات النجوم واقتراناتها. فقد قال في أواخر الفصل الطويل الذي عقده في هذا الموضوع: “فالقول بالأحكام النجومية باطل عقلاً ومحرم شرعًا، وذلك أن حركة الفلك -وإن كان لها أثر- ليست مستقلة، بل تأثير الأرواح وغيرها من الملائكة أشد من تأثيره، وكذلك تأثير الأجسام الطبيعية التي في الأرض…”.ثم قال: “والعراف يعم المنجم وغيره إما لفظًا وإما معنى، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “من اقتبس علمًا من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر[2]” ، فقد تبين تحريم الأخذ بأحكام النجوم، وقد بينا من جهة العقل أن ذلك أيضًا متعذر في الغالب، وحذاق المنجمين يوافقون على ذلك، فتبين لهم أن قولهم في رؤية الهلال وفي الأحكام [مراده أحكام النجوم، أي: تأثير حركاتها في الحوادث والحظوظ] من باب واحدة يعلم بأدلة العقول امتناع ضبط ذلك، ويعلم بأدلة الشريعة تحريم ذلك…”.وقد اشتد شيخ الإسلام -رحمه الله- على من يقول باعتماد الحساب في الأهلة وشنع عليه، وقال: “فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم، بل يكون اتبع غير سبيل المؤمنين”.الرأي الذي أراه في هذا الموضوعيتضح من مجموع ما تقدم بيانه الأمور الأربعة التالية:أولاً: أن النظر إلى جميع الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في هذا الموضوع، وربط بعضها ببعض -وكلها واردة في الصوم والإفطار- يبرز العلة السببية في أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يعتمد المسلمون في بداية الشهر ونهايته رؤيته الهلال بالبصر لبداية شهر الصوم ونهايته، ويبيّن أن العلة هي كونهم أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، أي: ليس لديهم علم وحساب مضبوط يعرفون به متى يبدأ الشهر ومتى ينتهي، ما دام الشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين يومًا، وتارة ثلاثين.وهذا يدل بمفهومه على أنه إذا توافر العلم بالنظام الفلكي المحكم؛ الذي أقامه الله تعالى بصورة لا تختلف، وأصبح هذا العلم يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميلاد الهلال في كل شهر، وفي أي وقت بعد ولادته تمكن رؤيته بالعين الباصرة السليمة؛ إذا انتفت العوارض الجوية التي قد تحجب الرؤية، فحينئذ لا يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب، والخروج بالمسلمين من مشكلة إثبات الهلال، ومن الفوضى التي أصبحت مخجلة، بل مذهلة، حيث يبلغ فرق الإثبات للصوم بين مختلف الأقطار الإسلامية ثلاثة أيام، كما يحصل في بعض الأعوام.ثانيًا: أن الفقهاء الأوائل الذين نصوا على عدم جواز اعتماد الحساب في تحديد بداية الشهر القمري للصوم والإفطار، وسموه حساب التسيير، قالوا: إنه قائم على قانون التعديل، وهو ظني مبني على الحدس والتخمين[3] ، وكلهم قد بنوا على حالة هذا الحساب الذي كان في زمنهم، حيث لم يكن في وقتهم علم الفلك -الذي كان يسمى علم الهيئة، وعلم النجوم، أو علم التسيير أو التنجيم- قائمًا على رصد دقيق بوسائل محكمة؛ إذ لم تكن آنذاك المراصد المجهزة بالمكبرات من العدسات الزجاجية العظيمة التي تقرب الأبعاد الشاسعة إلى درجة يصعب على العقل تصورها، والتي تتبع حركات الكواكب والنجوم، وتسجلها بأجزاء من مئات أو آلاف الأجزاء من الثانية الواحدة، وتقارن بين دورتها بهذه الدقة؛ ولذا كانوا يسمونه علم التسيير الذي يقوم على قانون التعديل؛ حيث يأخذ المنجم الذي يحسب سير الكواكب عددًا من المواقيت السابقة، ويقوم بتعديلها بأخذ الوسطى منها، ويبني عليها حسابه، وهذا معنى قانون التعديل كما يشعر به كلامهم نفسه.من هنا كان حسابهم حدسيًا وتخمينًا كما وصفه أولئك الفقهاء الذي نفوا جواز الاعتماد عليه، وإن كان بعضهم كالإمام النووي صرح بجواز اعتماد حسابهم لتحديد جهة القبلة ومواقيت الصلاة دون الصوم، مع أن الصلاة في حكم الإسلام أعظم خطورة من الصوم بإجماع الفقهاء، وأشد وجوبًا وتأكيدًا.وقد نقلنا آنفًا كلام ابن بطال بأن “لنا أن ننظر في علم الحساب ما يكون عيانًا أو كالعيان…”، وهذا ما يتسم به ما وصل إليه علم الفلك في عصرنا هذا من الدقة المتناهية الانضباط.ثالثًا: إن الفقهاء الأوائل واجهوا أيضًا مشكلة خطيرة في عصرهم، وهي الاختلاط والارتباط الوثيق إذ ذاك في الماضي بين العرافة والتنجيم والكهانة والسحر من جهة، وبين حساب النجوم (بمعنى علم الفلك) من جهة أخرى. فيبدو أن كثيرًا من أهل حساب النجوم كانوا أيضًا يشتغلون بتلك الأمور الباطلة، التي نهت عنها الشريعة أشد النهي، فكان للقول باعتماد الحساب في الأهلة مفسدتان:الأولى: أنه ظني من باب الحدس والتخمين مبني على طريقة التعديل التي بينّا معناها، فلا يعقل أن تترك به الرؤية بالعين الباصرة رغم ما قد يعتريها من عوارض واشتباهات.الثانية: وهي الأشد خطورة والأدهى، وهي انسياق الناس إلى التعويل على أولئك المنجمين والعرافين الذين يحترفون الضحك على عقول الناس بأكاذيبهم، وترهاتهم، وشعوذاتهم.وهذه المفسدة الثانية هي التفسير لهذا النكير الشديد الذي أطلقه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على من يلجئون إلى الحساب، حساب النجوم في إهلال الأهلة بدلاً من الرؤية، واعتباره إياهم من الذين يتبعون غير سبيل المؤمنين، وذلك بدليل أنه صرح باعتبارهم من قبيل العرافين، والذين يربطون أحداث الأرض وطوالع الناس وحظوظهم بحركات النجوم، وسموا من أجل ذلك بالمنجمين، وذكر شاهدًا على ذلك الحديث النبوي الآنف الذكر، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: “من اقتبس علمًا من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر”.فلا يعقل أن ينهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن علم يبين نظام الكون، وقدرة الله تعالى وحكمته وعلمه المحيط في إقامة الكون على نظام دقيق لا يختل، ويدخل في قوله تعالى في قرآنه العظيم: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، فليس لهذا الحديث النبوي محمل إلا على تلك الشعوذات والأمور الباطلة؛ التي خلط أولئك المنجمون بينها وبين الحساب الفلكي، الذي لم يكن قد نضج وبلغ في ذلك الوقت مرتبة العلم والثقة.رابعًا: أما اليوم في عصرنا هذا الذي انفصل فيه منذ زمن طويل علم الفلك بمعناه الصحيح عن التنجيم بمعناه العرفي من الشعوذة، والكهانة، واستطلاع الحظوظ من حركات النجوم، وأصبح علم الفلك قائمًا على أسس من الرصد بالمراصد الحديثة، والأجهزة العملاقة التي تكتشف حركات الكواكب من مسافات السنين الضوئية، وبالحسابات الدقيقة المتيقنة التي تحدد تلك الحركات بجزء من مئات أو آلاف الأجزاء من الثانية، وأقيمت بناء عليه في الفضاء حول الأرض محطات ثابتة، وتستقبل مركبات تدور حول الأرض… إلخ.. فهل يمكن أن يشك بعد ذلك بصحته ويقين حساباته، وأن يقاس على ما كان عليه من البساطة والظنية والتعديل في الماضي زمن أسلافنا -رحمهم الله-؟!والله أعلم.أوراق الملف:مقدمةلماذا الاختلاف حول الحساب الفلكي؟الحساب الفلكي وإثبات أوائل الشهورتحديد الصيام فلكيًّا.. لا يعتمد عليه!الفقيه والسياسي.. وإثبات الشهور القمرية!صوموا لرؤيته.. وأفطروا لرؤيتهتوحيد المطالع ومدى موافقة ذلك للرؤية الشرعية(حوار)
 
أعلى