العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل تسقط الجمعةُ عمَّن صلَّى العيد ؟

رشيد لزهاري حفوضة

:: مطـًـلع ::
إنضم
8 يناير 2012
المشاركات
103
الإقامة
الوادي/ الجزائر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد البر
التخصص
ماستر دراسات قرآنية و آداب إسلامية
الدولة
الجزائر
المدينة
الوادي
المذهب الفقهي
مالكي
1- لا يصحّ في الموضوع أثرٍ:
قال الأمام بن حزم:" مسألة: إذا اجتمع عيد في يوم جمعة صُلي للعيد ثم للجمعة، و لا بد و لا يصح أثرٌ بخلاف ذلك" (المحلى: ج/3، ص/303).
و لا إشكال ههنا حيث لم يثبت عنده أثر فتبقى الجمعة واجبة كما نص على ذلك الكتاب و السنة مما هو معلوم من الدين بالضرورة لا فرق بين يوم عيد و غيره ...
2- الأثر ثابت عن عثمان بن عفّان رضي الله عنه:
عن الزهري قال حدثني أبو عبيد مولى ابن أزهر:... قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان فكان ذلك يوم الجمعة فصلى قبل الخطبة ثم خطب فقال:"يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له" أخرجه البخاري (فتح الباري:ج/11،ص141) و أخرجه كذلك مالك في الموطّأ: ج/1،ص 179.
و الظاهر أن عثمان رضي الله عنه قد خص أهل العوالي(جمع عالية:و يطلق على أعلى المدينة المنورة حيث يبدأ وادي بطحان. و القدماء يذكرون أنها قرية أو ضيعة، بينها و بين المدينة ثلاثة أميال،...) المعالم الأثيرة في السنة و السيبر:ص/203.
و قد أنكر مالك ذلك على عثمان رضي الله عنه، قال ابن القاسم:" لم يكن مالك يرى الذي فعل عثمان و كان يرى أن من وجبتْ عليه الجمعة لا يضعها عنه إذن إمام" المدوّنة:ج/1،ص/567.
و ذلك لأن مالكاً يرى أن أهل العوالي تجب عليهم الجمعة لأنها على بعد3 أميال من المدينة و أبعدها على بعد 8 أميال منها.
و الميل الشرعي: 1848 م أي قريبًا من 2كم، و 3 أميال(أو فرسخ) تساوي تقريباً 6كم و اليوم تبعد بلدية العوالي عن المسجد النبوي بأكثر من 7كم.
و "روى ابن وهب و مطرّف و ابن الماجشون عن مالك جواز أن يأذن الإمام في التخلف عن الجمعة إذا اجتمع عيد و جمعة، و ذلك لما يلحق الناس من المشقة" الفقه المالكي و ادلته للحبيب بن طاهر:ج/1،ص/286.
و لعل ما قاله الشافعي و داود(فيمن كان خارج المصر و لم يسمع النداء) و سفيان و أبو حنيفة و غيرهم من أن الجمعة لا تجب على من خارج المصر هو الأليق بفعل عثمان رضي الله عنه حيث لا دليل من السنة يستند إليه في فتواه بإسقاط الجمعة على من أوجبها عليه الشرع كما استنكر مالك ذلك عليه..فأهل البوادي من خارج المدينة ربما تكلفوا الحضور إلى الجمعة فأشار عليهم عثمان بعدم إرهاق أنفسهم بالرجوع مرة أخرى إلى صلاة الجمعة بعد انصرافهم من صلاة العيد...
3- الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه و سلم:
*و الحق أن إذن عثمان رضي الله عنه لأهل العالية سواء على مذهب مالك في رواية ابن وهب و مطرّف و ابن الماجشون أو على مذهب الشافعي و من معه يدلّ على أحد أمرين:
أ- أنه على المذهب الأوّل يفتيهم بترك الجمعة و هي واجبة عليهم و هذا حق لا يملكه كما رأى مالك و لذا فتصرفه ينبغي أن يكون له أصل في سنة النبي صلى الله عليه و سلم...
ب- و أنه على المذهب الثاني يشير عليهم و ينصحهم بألا يشقوا على أنفسهم بالعودة مرة أخرى إلى الجمعة و هي غير واجبة عليهم فيقطعون 6 كم فأكثر من أجل الجمعة و ينشغلون عن معايدة أهليهم و الأضحية يوم الأضحى و عن المعايدة يوم الفطر...و هذا كذلك أي دعوتهم إلى ترك عبادة هم تعودوا أداءها ينبغي أن يكون له أصل في السنة و لا يقوله عثمان من نفسه و لا يقاس هذا على زيادته الأذان الأول يوم الجمعة فذاك زيادة أو فعل لغرض و هذا نقصان او ترك...
ثم و ما الذي يمنع من تعميم هاته الفتوى العثمانية على غير أهل العالية إذا توفّرتْ الدواعي فقد يحدث لسكان المدينة الحرج بسبب بعد المسجد مسافةً أو زمانًا بسبب الزحام المروري(مع توفر وسائل النقل) و قد ينشغل الكثيرون بإصلاح لحوم أضاحيهم خصوصًا من يذبحون البُدن أو البقر أو الجزّار الذي يطوف على أناس كثيرين إلى ما بعد الزوال يذبح أضاحيهم و يصلح لحومها...
* الذين لم يأخذوا بالأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه و سلم-غير ابن حزم الذي لم يصحح حديثًا في الموضوع- لم يحصل منهم جزم بعدم صحتها كما فعل ابن حزم بل عندهم تردد و لذا ذهبوا إلى تأويلها كما فعل ابن عبد البر حيث قال في التمهيد:"و أحسن ما يتأوّل في ذلك أن الإذن رخص به من لم تجب الجمعة عليه ممن شهد ذلك العيد و الله أعلم"
و يقول آخرون و منهم المالكية بأنه يجب حمل حديث النبي صلى الله عليه و سلم على أثر عثمان بأن نقول: الذين قصدهم النبيّ صلى الله عليه و سلم بالإذن هم أهل العالية ...و هذا لا يجوز حيث نجعل الأصل تابعاً للفرع فما دام لفظ الحديث عاماً فكيف نخصصه بأثر عثمان ؟؟؟!!!
و الإمام الشوكاني مع ورعه فقد تكلم في "نيل الأوطار" في الأحاديث الواردة ثم استنبط منها الأحكام و قد تبنى في "السيل الجرار" القول بسقوط الجمعة عمن صلى العيد بل حتى عن الإمام بناءً على مذهب ابن الزبير...
و الأحاديث الواردة في الموضوع مع أثر عثمان رغم ما قيل فيها فهي بسبب كثرة من صححها أو حسّنها من القدامى و المعاصرين تفيد بمجموعها وجوب أداء صلاة الجمعة على الإمام مع من تقام بهم و الرخصة لآحاد الناس في تركها إذا صلوا العيد ...و صلاتها أفضل من تركها...
و ها هي الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه و سلم:
أ- حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأله:
)هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم، قال: كيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل(.رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، والحاكم في (المستدرك) وقال:(هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وله شاهد على شرط مسلم). ووافقه الذهبي، وقال النووي في (المجموع): (إسناده جيد)(صحيح أبي داود للألباني:981).
ب- وشاهده المذكور هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :)قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون(.رواه الحاكم كما تقدم، ورواه أبو داود، وابن ماجه، وابن الجارود، والبيهقي، وغيرهم). صحيح ابن ماجة للألباني : 1311(
ج- وحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال:)اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ثم قال: من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها ومن شاء أن يتخلف فليتخلف(رواه ابن ماجه، ( صحيح ابن ماجة للألباني : 1312 )ورواه الطبراني في (المعجم الكبير) بلفظ: (اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم فطر وجمعة، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، ثم أقبل عليهم بوجهه فقال: يا أيها الناس إنكم قد أصبتم خيراً وأجراً وإنا مجمعون، ومن أراد أن يجمع معنا فليجمع، ومن أراد أن يرجع إلى أهله فليرجع) .
د- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله.(رواه ابن ماجه، وقال البوصيري: (إسناده صحيح ورجاله ثقات). انتهى(وصححه الألباني في صحيح أبي داود 984 (.
4- فتوى شيخ الاسلام ابن تيميّة:
و هذا رأي شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في فتاويه:
"وسئل رحمه الله عن رجلين تنازعا فى العيد إذا وافق الجمعة فقال أحدهما يجب أن يصلي العيد ولا يصلي الجمعة وقال الآخر يصليها فما الصواب في ذلك ؟
فأجاب الحمد لله إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال :
أحدها :أنه تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة.
و الثانى :تسقط عن أهل البر مثل أهل العوالي والشواذ لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد .
والقول الثالث: وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الامام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة وفى لفظ أنه قال: "أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمِّعون"
وأيضا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة فتكون الظهر في وقتها والعيد يحصل مقصود الجمعة وفى ايجابها على الناس تضييق عليهم وتكدير لمقصود عيدهم وما سن لهم من السرور فيه والانبساط فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال ولأن يوم الجمعة عيد ويوم الفطر والنحر عيد ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل أحداهما في الأخرى كما يدخل الوضوء في الغسل وأحد الغسلين في الآخر والله أعلم"
و الله أعلم.
 
أعلى