العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟


  • هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟
  • واللفظ على حقيقته ومجازه؟
  • واللفظ على الصريح منه والكناية؟
  • فيه نزاع مشهور بين أهل الفقه والأصول[1].


  • اللفظ المشترك: هو اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أولا من حيث هما كذلك[2].


  • محل الخلاف:

  1. في المعاني التي يصح الجمع بينها لا في المعاني المتناقضة[3].
  2. في اللفظة الواحدة من المتكلم الواحد في الوقت الواحد، فإن تعددت الصيغة أو اختلف المتكلم أو الوقت جاز تعدد المعنى[4].



  • المشهور في المسألة مذهبان:

المذهب الأول: الجواز: وهذا مذهب أكثر الفقهاء (المالكية[5]، والشافعية، والحنبلية)، وهو المحكي عن المعتزلة[6]، واختاره سيبويه[7]، والطبري[8]، وأبو بكر الباقلاني[9]، والشريف المرتضى[10]، وابن حزم[11]، وابن تيمية[12]، والأمين الشنقيطي[13]، وابن عثيمين[14]، وهو أحد القولين لابن دقيق العيد[15].

المذهب الثاني: منع استعمال اللفظ المشترك في معنييه، أو في حقيقته ومجازه، وهذا مذهب الحنفية[16]، وجماعة من المتكلمين[17]، وهو ظاهر حال الزمخشري[18]، واختاره الغزالي[19]، والرازي[20]، والشوكاني[21]، وهو القول الآخر لابن دقيق العيد ([22])، وأضافه هو وابن القيم إلى الأكثرين[23].


[1]) ينظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/578).
[2]) المحصول للرازي (1/ 261).
[3]) نهاية السول (ص: 112)، إرشاد الفحول (ص: 48).
[4]) نهاية السول (ص: 113).
[5]) أضافه القاضي عبد الوهاب المالكي لمذهبهم، ونقله القرافي عن الإمام مالك. نهاية السول (ص: 112).
[6]) المحصول للرازي (1/ 269)، مجموع الفتاوى (13/ 341)، البحر المحيط (2/391)، الإبهاج في شرح المنهاج (1/ 255)، نهاية السول (ص: 112)، إرشاد الفحول (ص: 46).
[7]) قال سيبويه: (يجوز أن يراد باللفظ الواحد الدعاء على الغير والخبر على حال المدعو عليه نحو: "الويل له" فهذا دعاء عليه وخبر عنه ولهما معنيان مختلفان) البحر المحيط (2/385، 386).
[8]) وعليه تطبيقات الطبري في تفسيره، ينظر: مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية (رقم 54) 1433هـ. (صور المشترك اللفظي في القرآن الكريم وأثرها في المعنى) ص 216.
[9]) المستصفى (2/ 141)، المحصول للرازي (1/ 268)، البحر المحيط (2/391-394).
[10]) قال الشريف المرتضى: (الواجب على من يتعاطى تفسير غريب الكلام والشعر أن يذكر كل ما يحتمله الكلام من وجوه المعاني ويجوز أن يكون أراد المخاطب كل واحد منهما منفردا وليس عليه العلم بمراده بعينه فان مراده مغيب عنه وأكثر ما يلزمه ما ذكرناه من ذكر وجوه احتمال الكلام) أمالي المرتضي (ص: 24).
[11]) قرر ذلك ابن حزم نظريا، والتزمه في تطبيقاته العملية، ويبدو أن هذا موضع خلاف بين الظاهريين، فقد ذكر ابن حزم أن من خالف تقريره في المسألة من أصحاب الظاهرين فقد تناقض. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (3/ 129)، التقريب لحد المنطق (ص: 153).
[12]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/579).
[13]) قال الشنقيطي: (التحقيق جواز حمل المشترك على معنييه، كما حققه الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن، وحرر أنه هو الصحيح في مذاهب الأئمة الأربعة رحمهم الله) أضواء البيان (1/ 336).
وقال أيضا: (التحقيق: جواز حمل المشترك على معنييه، كما حققه الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في رسالته في علوم القرآن، وحرّر أنه هو الصحيح في مذهب الأئمة الأربعة) أضواء البيان (5/425).
[14]) قال ابن عثيمين: (المشترك هل يجوز أن يراد به معنياه؟ والصواب أنه يجوز أن يراد به معنياه إذا لم يتنافيا) شرح ابن عثيمين لمقدمة التفسير لابن تيمية (ص: 55).
[15]) البحر المحيط (2/ 398، 399).
[16]) شرح التلويح على التوضيح (العلمية 1/121)، خلاصة الأفكار شرح مختصر المنار (ص: 81)، حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 448).
[17]) نصره ابن الصباغ في "العدة"، وإليه ذهب أبو هاشم الجبائي والكرخي وأبو عبد الله البصري وأبو الحسين البصري. المحصول للرازي (1/ 269)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 578)، البحر المحيط (2/387).
[18]) قال السمين الحلبي: (الظاهر من حال الزمخشري أنه لا يجيز الجمع بين الحقيقة والمجاز ولا استعمال المشترك في معنييه) الدر المصون (7/ 320).
[19]) المستصفى للغزالي (2/ 141).
[20]) قال الرازي في كتابه الأصولي: (لا يجوز استعمال المشترك المفرد في معانيه على الجمع ... اللفظ المشترك من حيث إنه مشترك لا يمكن استعماله في إفادة مفهوماته على سبيل الجمع ... الدلالة المانعة من حمل اللفظ المشترك على كل معانيه دلالة قاطعة لا تقبل المعارضة) المحصول للرازي (1/268-279).
وقال في التفسير: (اللفظ المشترك لا يكون عاما في جميع مسمياته ... لا يجوز استعمال اللفظ المشترك لإفادة معنييه معا، بل الواجب أن يجعله متواطئا فيهم ... ثبت أنه لا يجوز استعمال اللفظ الواحد دفعة واحدة في حقيقته ومجازه معا) تفسير الرازي (3/ 628، 9/ 512، 10/ 24، 12/ 384).
[21]) قال الشوكاني: (إذا عرفت هذا لاح لك عدم جواز الجمع بين معنى المشترك او معانيه ولم يأت من جوزه بحجة مقبولة) إرشاد الفحول (ص: 48).
([22]) شرح الإلمام (3/135).
[23]) جلاء الأفهام (ص: 160). شرح الإلمام (1/412، 413).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟

لمحة في نسبة بعض الأقوال

  • أولا: القاضي أبو بكر الباقلاني:
نص القاضي أبو بكر الباقلاني في التقريب على القول بجواز استعمال المشترك في معنييه أو في معانيه، في حين أن ابن تيمية أنكر يكون القاضي قائلا بالجواز؛ لأن من أصله الوقف في صيغ العموم، وأنه لا يجوز حملها على الاستغراق إلا بدليل فمن يقف في ألفاظ العموم كيف يجزم في الألفاظ المشتركة بالاستغراق بغير دليل؟ وإنما الذي ذكره في كتبه إحالة الاشتراك أصلا، وأن ما يظن من الأسماء المشتركة هي عنده من الأسماء المتواطئة، وممن استشكل ذلك أيضا: الابياري وتابعه القرافي.
قال الزركشي: لكن القاضي إنما ينكر وضعها للعموم، ولا ينكر استعمالها، وكلامنا في الاستعمال، ويحتمل أنه فرعه على القول بصيغ العموم، على أن الذي رأيته في "التقريب" للقاضي بعد أن قرر صحة إرادة المعنيين من المتكلم، قال: فإن قيل: هل يصح أن يراد المعنيان، أي يحمل عليهما بالظاهر أم بدليل يقترن بهما؟ قيل: بل بدليل يقترن بهما لموضع احتمالهما للقصد تارة إليهما وتارة إلى أحدهما، وكذلك سبيل كل محتمل من القول، وليس بموضوع في الأصل لأحد محتمليه[1].




  • ثانيا: الشافعي:
اشتهر عن الشافعي: القول بالجواز، وأنكر ذلك ابن تيمية وابن القيم، وقال الأخير: إن منصبه في العلم أجل من أن يقول مثل هذا.
وبين ابن تيمية وابن القيم: أنه ليس للشافعي نص صريح في هذا، وإنما استنبطوا هذا من نصه فيما إذا أوصى لمواليه فإنه يتناول مواليه من فوق ومن أسفل، وهو محتمل أن يكون قاله لاعتقاده أنه من الأسماء المتواطئة، ولا يلزم من هذا أن يحكى عنه قاعدة كلية في الأسماء التي لا شركة بين معانيها، وإنما الاشتراك بينهما في مجرد اللفظ[2].
واستدرك الزركشي: بأن للشافعي كلاما في عدة مواضع يدل للقول بجواز حمل المشترك على معانيه[3].

  • ومن أمثلة ذلك:

  1. المثال السابق: فيما إذا أوصى لمواليه فإنه يتناول مواليه من فوق ومن أسفل.
  2. ذكر القشيري أن القول بالجواز يدل عليه كلام الشافعي، لأنه لما تمسك بقوله تعالى: {أو لامستم النساء} [النساء: 43] قيل: أراد بالملامسة المواقعة، فقال: أحمله على الجس باليد حقيقة، وعلى الوقاع مجازا، يعني وإذا قال ذلك في الحقيقة والمجاز ففي الحقيقتين أولى.
واعترض ابن القيم على المثال: وذكر أنه لا يصح عن الشافعي ولا هو من جنس المألوف من كلامه، وإنما هذا من كلام بعض الفقهاء المتأخرين[4].

  1. استحباب الشافعي الكتابة فيما إذا جمع العبد بين الأمانة والقوة على الكسب بقوله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} [النور: 33] ففسر الخير بالأمرين. قال: وأظهر معاني الخير قوة العبد بدلالة الكتاب: الاكتساب مع الأمانة، فأحب ألا يمتنع من مكاتبته إذا كان هكذا.
  2. نص الشافعي في "الأم" في لفظة "عند" المشترك بين إفادة الحضور والملك في حديث حكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك»، قال: وكان نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع المرء ما ليس عنده يحتمل أن يبيع بحضرته، فيراه المشتري كما يراه البائع عند تبايعهما، ويحتمل أن يبيع ما ليس عنده ما ليس يملك تعيينه فلا يكون موضوعا مضمونا على البائع يؤخذ به، ولا في ملكه، فيلزمه أن يسلمه إليه لأنه يعينه، وعنى هذين المعنيين[5].


ثالثا: ابن تيمية وابن القيم:
من المفارقات في هذه المسألة: اختلاف شيخ الإسلام ابن تيمية مع تلميذه ابن القيم في المسألة، مع القطع بوقوف ابن القيم على كلام شيخه، لكن ربما لم يقف على نصه في ترجيح القول بالتسويغ والجواز:

  1. ابن تيمية: نص ابن تيمية أن المرجح قول المسوغين؛ لأن استعمال المشترك فيهما غايته أن يكون استعمالا له في غير ما وضع له وذلك يسوغ بطريق المجاز، ولا مانع لأهل اللغة من أن يستعملوا اللفظ في غير موضوعه بطريق المجاز[6]، وذكر أيضا دلالة اللفظ على المعنى يتبع قصد المتكلم والإرادة[7].
  2. ابن القيم: رجح ابن القيم القول بالمنع، وقال: قد ذكرنا على إبطال استعمال اللفظ المشترك في معنييه معا بضعة عشر دليلا في مسألة القرء في كتاب التعليق على الأحكام[8].


[1]) البحر المحيط (2/391-394)، المستصفى للغزالي (2/ 141).

[2]) زاد المعاد (5/538)، البحر المحيط (2/391).

[3]) البحر المحيط (2/ 393).

[4]) جلاء الأفهام (ص: 161).

[5]) البحر المحيط (2/391-394).

[6]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 579).

[7]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 579).

[8]) جلاء الأفهام (ص: 161).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟


  • [*=center]الأدلة:
  • أدلة الجواز:
للقائلين بالجواز ثلاث طرق في الاستدلال:
الطريقة الأولى: أنه من باب العموم: وهذه طريقة الأكثر، وذلك لما يلي:

  1. أن نسبة المشترك إلى جميع معانيه كنسبة العام إلى أفراده، والعام إذا تجرد عن القرائن وجب حمله على الجميع بطريق الحقيقة، وليس بعض المعاني أحق باللفظ المشترك من بعض[1].
  2. أن العمل بالدليل واجب ما أمكن، وليس من عادة العرب تفهيم المراد باللفظ المشترك من غير قرينة، فيصير انتفاء القرينة المخصصة قرينة تعميم[2].
  3. إذا جاء وقت العمل، ولم يتبين أن أحدهما هو المقصود بعينه، علم أن المراد المجموع؛ فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز[3].



الطريقة الثانية: أنه من باب الاحتياط: وعلى هذا جرى ابن دقيق العيد:

  • فإنه إذا لم يقم دليل على تعيين أحد المعنيين للإرادة حملناه على كل منهما؛ لا لأنه مقتضى اللفظ وضعا، بل لأن اللفظ دل على أحدهما ولم يتعين، ولا يخرج عن عهدته إلا بالجميع، وتعطيله غير ممكن، ويمتنع تأخير البيان عن وقت الحاجة [4].
فإن للسامع أحوالا ثلاثة:

  1. إما أن يتوقف فيلزم التعطيل لا سيما عند وقت الحاجة.
  2. أو يحمل أحدهما، فيلزم الترجيح بلا مرجح.
  3. فلم يبق إلا الحمل على المجموع، وهو أحوط لاشتماله على مدلولات اللفظ بأسرها[5].


  • الطريقة الثالثة: الوقوع:
ما سبق من الاستدلال بالعموم أو الاحتياط، هي طريقتان لأهل العلم، وكلهم استدل على ذلك بالوقوع:
ومن أشهر الأمثلة في ذلك:

  1. قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]؛ فإن المغفرة والاستغفار يستحيل عودهما إلى الله تعالى، كذلك إلى الملائكة، بل المغفرة عائدة إلى الله تعالى والاستغفار للملائكة، فالصلاة من الله مغفرة ومن غيره استغفار[6].
  2. وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الحج: 18]؛ فإن الله تعالى أراد بالسجود ههنا الخشوع؛ لأنه هو المتصور من الدواب، وأراد به أيضا وضع الجبهة على الأرض، وإلا لكان تخصيص كثير من الناس بالذكر لا معنى له لاستواء الكل في السجود بمعنى الخشوع والخضوع للقدرة، فثبت إرادة المعنيين[7].




  • أدلة المنع:
للقائلين بالمنع طريقتان في الاستدلال:

  1. منهم من منع لأمر يرجع إلى القصد.
  2. ومنهم من منع منه لأمر يرجع إلى الوضع.
الطريقة الأولى: المنع لأمر يرجع إلى القصد: فلا يصح أن يقصد باللفظ المشترك جميع مفهوماته من حيث اللغة لا حقيقة ولا مجازا.
ونوقش: بأنه لا استحالة في ذلك فإنه لو ذكر اللفظ مرتين وأراد في كل مرة معنى آخر جاز؛ فأي بعد في أن يقتصر على مرة واحدة ويريد به كلا المعنيين مع صلاح اللفظ للكل[8].
عدم المانع:
الطريقة الثانية: المنع لأجل الوضع[9]: أي: أن المشترك لم يوضع لكل معانيه بوضع واحد، وإنما وضع لكل معنى بشكل خاص بدلي ولا يلزم من وضع اللفظ لمعنيين على البدل أن يكون موضوعا لهما على الجميع، فاستعماله في الجميع استعمال اللفظ في غير موضوعه [10].

  • ومن استدلالات هؤلاء على منع استعمال المشترك في معانيه:

  1. أن عدم تعين المراد يوجب الإجمال، والإجمال يوجب التوقف[11].
  2. الدال على المشترك لا يدل على أحد الخاصين؛ فإن الراوي إذا عبَّر الراوي باللفظ المشترك فإن صفته تكون غير معلومة، ولا يجوز الحمل على الجميع[12].
  3. أنه لو قدر أنه موضوع لهما منفردين، ولكل واحد منهما مجتمعين، فإنه يكون له حينئذ ثلاثة مفاهيم، فالحمل على أحد مفاهيمه دون غيره بغير موجب ممتنع[13].
  4. أنه يستحيل حمله على جميع معانيه، إذ حمله على هذا وحده، وعليهما معا مستلزم للجمع بين النقيضين[14].
  5. أنه لو وجب حمله على المعنيين جميعا لصار من صيغ العموم، ولسبق إلى الذهن منه عند الإطلاق العموم، وكان المستعمل له في أحد معنييه بمنزلة المستعمل للاسم العام في بعض معانيه، فيكون متجوزا في خطابه غير متكلم بالحقيقة، وأن يكون من استعمله في معنييه غير محتاج إلى دليل، ولوجب أن يفهم منه الشمول قبل البحث عن التخصيص عند من يقول بذلك في صيغ العموم، ولا ينفي الإجمال عنه، إذ يصير بمنزلة سائر الألفاظ العامة، وهذا باطل قطعا[15].


[1]) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (3/ 129)، التقريب لحد المنطق (ص: 153).
[2]) نفائس الأصول في شرح المحصول (2/ 762).
[3]) زاد المعاد (5/ 537)، البحر المحيط (2/ 398).
[4]) قال الزركشي:
فإن قلت: قد ذكر أنه يعمل على تقدير الاشتراك بالأمرين مع أن عدم تعين المراد يوجب الإجمال، والإجمال يوجب التوقف، وذلك خلاف ما قلت.
قلت: هذا صحيح إذا لم يكن تعلق المبين من وجه كما لو قال: ائتني بعين، وأما إذا كان مبينا من وجه كالنهي عن القزع مثلا، وكان الامتثال ممكنا فإنه يتعين الخروج عن العهدة في التكليف المبين، وذلك ممكن بالعمل في الأمرين، وصار هذا كقول بعض الشافعية في الخنثى المشكل أنه يختن في فرجيه معا، كان وجوب الختان أمرا مبينا لا إجمال فيه والخروج عن العهدة ممكن بالختان فيهما أوجبوه. زاد المعاد (5/ 537)، البحر المحيط (2/ 393، 398، 399).
[5]) البحر المحيط في أصول الفقه (2/ 398).
[6]) نهاية السول (ص: 112).
7]) نهاية السول شرح منهاج الوصول (ص: 112-114).
[8]) المستصفى (2/ 142)، البحر المحيط (2/ 389).
[9]) وهذا اختيار الرازي. المحصول للرازي (1/ 269).
[10]) المستصفى (2/ 141)، المحصول للرازي (1/ 270)، البحر المحيط (2/ 389)، خلاصة الأفكار شرح مختصر المنار (ص: 82).
[11]) البحر المحيط (2/393، 398، 399).
[12]) إحكام الأحكام (1/149)، شرح الإلمام (3/135).
[13]) زاد المعاد (5/538).
[14]) زاد المعاد (5/538).
[15]) زاد المعاد (5/ 539).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟

الأمثلة
تمهيد: هذه بعض الأمثلة التي اجتمعت عندي، وثمة أمثلة أخرى أوردها ابن عاشور في القاعدة التاسعة من مقدمة تفسيره، وسبق ذكرها في موضوع خاص بها:
ينظر للاطلاع: http://t.co/1piFKtYtz1
وبقيت أمثلة أخرى لابن دقيق العيد سأعرضها إن شاء الله ضمن كتاب الأستاذ الأصولي ابن دقيق العيد.
ومن أشهر الأمثلة في ذلك:


  1. قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]؛ فإن المغفرة والاستغفار يستحيل عودهما إلى الله تعالى، كذلك إلى الملائكة، بل المغفرة عائدة إلى الله تعالى والاستغفار للملائكة، فالصلاة من الله مغفرة ومن غيره استغفار، وهما معنيان مختلفان والاسم مشترك وقد ذكر مرة واحدة وأريد به المعنيان جميعا[1].
واستظهر الغزالي: أنه أطلق على المعنيين بإزاء معنى واحد مشترك بين المعنيين، وهو العناية بأمر الشيء لشرفه وحرمته والعناية من الله مغفرة ومن الملائكة استغفار ودعاء ومن الأمة دعاء وصلوات[2].
وقال ابن القيم: معنى الصلاة هو الثناء على الرسول والعناية به وإظهار شرفه وفضله وحرمته كما هو المعروف من هذه اللفظة[3].
وناقشهم السبكي في شرح المنهاج: بأن إطلاق الصلاة على الاعتناء مجاز لعدم تبادر الذهن إليه والأصل عدم المجاز[4].


  1. قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18]؛ فإن الله تعالى أراد بالسجود ههنا الخشوع؛ لأنه هو المتصور من الدواب، وأراد به أيضا وضع الجبهة على الأرض، وإلا لكان تخصيص كثير من الناس بالذكر لا معنى له لاستواء الكل في السجود بمعنى الخشوع والخضوع للقدرة، فثبت إرادة المعنيين[5].
  2. قوله تعالى: {أو لامستم النساء} [النساء: 43] قال الشافعي: أحمله على الجس باليد حقيقة، وعلى الوقاع مجازا[6].
  3. وقوله تعالى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } [ النساء: من الآية22] على وطء الأب وعقده جميعا.
وناقش الغزالي الاستدلال بهذه الآية والتي قبلها، فقال: هذا عندنا كاللفظ المشترك وإن كان التعميم فيه أقرب قليلا وإنما قلنا إن هذا أقرب لأن المس مقدمة الوطء والنكاح أيضا يراد للوطء فهو مقدمته ولأجله استعير للعقد اسم النكاح الذي وضعه للوطء واستعير للوطء اسم اللمس فلتعلق أحدهما بالآخر ربما لا يبعد أن يقصدا جميعا باللفظ المذكور مرة واحدة لكن الأظهر عندنا أن ذلك أيضا على خلاف عادة العرب[7].


  1. قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم} [آل عمران: 18]، فكانت شهادته علمه، وشهادة الملائكة إقرارهم بذلك.
  2. قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، فالصلاة: يعني وضعها للجنس، وموضعها، وفعلها للسكران[8].
  3. وقال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14].
للمفسرين قولان في تفسير الآية:
القول الأول: أقم الصلاة لتذكرني فيها، وهذا اختيار الطبري؛ لأن ذلك أظهر معنييه، ولو كان معناه: حين تذكرها، لكان التنزيل: أقم الصلاة لذكركها.
القول الثاني: أقم الصلاة حين تذكرها، وهذا اختيار الباجي، واستشهد له بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها»، فإن الله يقول: {أقم الصلاة لذكري} [طه: 14][9]، ولو كان المراد بقوله لذكري غير المراد بقوله إذا ذكرها لما صح احتجاجه عليه على هذا الوجه الذي احتج به.
وقال التوربشتي: الأولى أن يقصد إلى وجه يوافق الآية والحديث، وكأن المعنى أقم الصلاة لذكرها؛ لأنه إذا ذكرها ذكر الله تعالى أو يقدر مضاف أي لذكر صلاتي أو ذكر الضمير فيه موضع الصلاة لشرفها[10].


  1. قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ...} الآية.
قال الأمين الشنقيطي: في تفسير هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلقة بالآية، فإنها تعين أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج، ولا أعلم مخرجا واضحا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسف، وهو أن أصح الأقوال عند الأصوليين كما حرره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرآن، وعزاه لأجلاء علماء المذاهب الأربعة هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوروا عينه الباصرة وغوروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضته، وإذا علمت ذلك، فاعلم أن النكاح مشترك بين الوطء والتزويج، خلافا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما، مجاز في الآخر كما أشرنا له سابقا، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه، فيحمل النكاح في الآية على الوطء، وعلى التزويج معا، ويكون ذكر المشركة والمشرك على تفسير النكاح بالوطء دون العقد، وهذا هو نوع التعسف الذي أشرنا له، والعلم عند الله تعالى[11].


  1. قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً } [ التوبة :8] فالإل تفيد القرابة و العهد و الذمة وكلها مرادة هنا .
  2. قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) } [المدثر: 50 - 52].
(القسورة): لفظ مشترك بين الرامي وبين الأسد، وحمر الوحش إذا رأت الرامي فرت، والحمر الأهلية إذا رأت الأسد فرت، فهل المراد بالقسورة الرامي، أو المراد بذلك الأسد؟
قال ابن عثيمين: ما دام اللفظ صالحًا للمعنيين بدون تناقض؛ فإنه يحمل على المعنيين جميعًا، ويكون كل معنى كالمثال؛ لأنه ليس عندنا قرينة تؤيد أحد المعنيين واللفظ صالح لهما ولا مناقضة بينهما[12]


  1. وقوله تعالى: { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 17، 18].
لفظ: (عسعس) يراد به إقبال الليل وإدباره[13]، فإن لفظ عسس، يعني أقبل، ويعني أدبر، فإن وجد ما يرجح أحد المعنيين أخذنا به، وإلا قلنا اللفظ صالح للأمرين، فهو شامل، فيكون الله أقسم بالليل عند إقباله وعند إدباره، وإذا قلنا عسعس: بمعني أقبل ليقابل قوله: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) (التكوير:18)، صار من هذه الناحية أرجح[14].


  1. وقوله تعالى: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)} [الفجر: 1- 4].
في الليالي العشر قولان:
فبعضهم قال: هي ليالي عشر رمضان، وبعضهم قال: هي عشر ذي الحجة، فصار فيها قولان لاشتراك اللفظ.
وكذلك: قوله تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (الفجر:3):
بعضهم قال: الوتر: الله، والشفع: المخلوق، لأنه قال: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْن) (الذريات: 49)، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله وتر)[2] .
وبعضهم قال: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} هو العدد، لأن كل الخلائق متعددة إما إلى شفع وإما إلى وتر، واللفظ صالح للمعنيين جميعا، والصلاة وتر، لأن صلاة الليل تختم بالوتر فتكون وترا، وصلاة النهار تختم بالوتر فتكون وتراً.
والراجح: أنها شاملة للمعنيين؛ لأنه كلما كانت الآية تتضمن معنيين لا يتنافيان تحمل عليهما[15].


  1. وقال تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6].
قال ابن حزم: (أما قولنا في غسل الذراعين وما تحت الخاتم والمرفقين، فإن الله تعالى قال: {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6]، فمن ترك شيئا ولو قدر شعرة مما أمر الله تعالى بغسله فلم يتوضأ كما أمره الله تعالى، ومن لم يتوضأ كما أمره الله تعالى فلم يتوضأ أصلا، ولا صلاة له فوجب إيصال الماء بيقين إلى ما ستر الخاتم من الأصبع، وأما المرافق فإن " إلى " في لغة العرب التي بها نزل القرآن تقع على معنيين، تكون بمعنى الغاية، وتكون بمعنى مع، قال الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2] بمعنى مع أموالكم، فلما كانت تقع " إلى " على هذين المعنيين وقوعا صحيحا مستويا، لم يجز أن يقتصر بها على أحدهما دون الآخر، فيكون ذلك تخصيصا لما تقع عليه بلا برهان، فوجب أن يجزئ غسل الذراعين إلى أول المرفقين بأحد المعنيين، فيجزئ، فإن غسل المرافق فلا بأس أيضا[16].


  1. عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة»[17].
قال ابن حزم: نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة عن كل ما دون خمسة أوساق من حب أو تمر، ولفظة " دون " في اللغة العربية تقع على معنيين وقوعا مستويا، ليس أحدهما أولى من الآخر، وهما بمعنى: أقل، وبمعنى: غير، قال عز وجل: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} [الإسراء: 2] أي من غيري، وقال عز وجل: {وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} [الأنفال: 60] أي من غيرهم، وحيثما وقعت لفظة " دون " في القرآن فهي بمعنى: غير؛ فلا يجوز لأحد أن يقتصر بلفظة " دون " في هذا الخبر على معنى: أقل دون معنى: غير[18].



[1]) المستصفى للغزالي (2/ 143)، نهاية السول (ص: 112).

[2]) المستصفى للغزالي (2/ 143).

[3]) جلاء الأفهام (ص: 161).

[4]) الإبهاج في شرح المنهاج (1/ 260).

[5]) المستصفى للغزالي (2/ 143)، نهاية السول (ص: 112-114).

[6]) جلاء الأفهام (ص: 161).

[7]) المستصفى للغزالي (2/ 142).

[8]) البحر المحيط في أصول الفقه (2/ 385).

[9]) أخرجه مسلم (رقم 684).

[10]) تفسير الطبري (16/33) تفسير ابن كثير (5/277)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 29)، فتح الباري لابن حجر (2/72).

[11]) أضواء البيان (6/ 91).

[12]) شرح مقدمة التفسير لابن تيمية - العثيمين (ص: 52).

[13]) مجموع الفتاوى (13/ 340).

[14]) شرح مقدمة التفسير لابن تيمية - العثيمين (ص: 52).

[15]) شرح مقدمة التفسير لابن تيمية - العثيمين (ص: 56).

[16]) المحلى (رقم 198).

[17]) أخرجه البخاري (رقم 1447)، ومسلم (رقم 979).

[18]) المحلى (رقم 641).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟

نتائج وخلاصات


  1. لقد ثار من ارتباك المشتركة بالمتواطئة غلط كثير في العقليات، واعلم أن المشترك قد يكون مشكلا قريب الشبه من المتواطئ، ويعسر على الذهن الفرق[1].
  2. ليس من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه: استعماله في حقيقته المتضمنة للأمرين جميعا؛ فتأمله فإنه موضوع عظيم النفع، وقلَّ ما يفطن له، وأكثر آيات القرآن دالة على معنيين فصاعدا فهي من هذا القبيل (ابن تيمية).
أمثلة ذلك:
  1. قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} يتناول نوعي الدعاء، وبكل منهما فسرت الآية، قيل: أعطيه إذا سألني، وقيل: أثيبه إذا عبدني، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة، ومن ذلك قوله تعالى: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}، وقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}.
  2. قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}، فسر " الدلوك " بالزوال، وفسر بالغروب وليس بقولين؛ بل اللفظ يتناولهما معا؛ فإن الدلوك هو الميل، ودلوك الشمس ميلها، ولهذا الميل مبتدأ ومنتهى فمبتدؤه الزوال ومنتهاه الغروب واللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار.
  3. تفسير "الغاسق" بالليل وتفسيره بالقمر، فإن ذلك ليس باختلاف؛ بل يتناولهما لتلازمهما؛ فإن القمر آية الليل، ونظائره كثيرة[2].
  4. قوله تعالى: {أو لامستم النساء} [النساء: 43] قال الشافعي: أحمله على الجس باليد حقيقة، وعلى الوقاع مجازا[3].
  5. وقوله تعالى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } [ النساء: من الآية22] على وطء الأب وعقده جميعا.
وجهه: أن المس مقدمة الوطء والنكاح أيضا يراد للوطء فهو مقدمته ولأجله استعير للعقد اسم النكاح الذي وضعه للوطء، واستعير للوطء اسم اللمس فلتعلق أحدهما بالآخر ربما لا يبعد أن يقصدا جميعا باللفظ المذكور مرة واحدة[4].


  1. تكوين اللغات وطبيعة نشأتها عادة لا يكون من واضع واحد كما نص على ذلك أئمة اللغة، منهم المبرد وغيره، وإنما يقع وقوعا عارضا اتفاقيا بسبب تعدد الواضعين، ثم تختلط اللغة فيقع الاشتراك[5].
  2. المشترك ليس هو المجمل، وإنما هو أحد صوره، فالمشترك مجمل بالنسبة إلى معانيه المحتملة إذا لم يتحدد أحدها، ولم يكن من مذهب قائله استعماله في جميع معانيه أو بعضها، فإنه يقف حتى يقوم الدليل على إرادة أحدها.
  3. اختلف العلماء في صحة إطلاق اللفظ على معانيه دفعة واحدة إذا لم يكن بينها تناقض، ويلحق بها: إطلاق اللفظ على حقيقته ومجازه، أو على الصريح منه والكناية، وإن كان هاهنا للحقيقة والصريح أولوية في رتبة التقديم.

  • القول بالجواز هو مذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين، وهو مشهور عن الشافعي، ونقلوا عنه أمثلة في ذلك، وقد شكك في صحة ذلك عنه ابن تيمية وابن القيم وانتقدوا بعض ما نقل عنه، والقول بالجواز أيضا هو مذهب الباقلاني وناقش ابن تيمية في صحة إضافة ذلك إليه لقوله بالتوقف في صيغ العموم.
  • القول بالمنع هو مذهب الحنفية وطائفة من العلماء.
  • من المفارقات في هذه المسألة اختلاف ابن تيمية وابن القيم في هذه المسألة، فابن تيمية قائل بالجواز، وابن القيم قائل بالمنع مع الجزم باطلاعه على قول شيخه، وهذا يحتاج إلى مزيد من التحقيق في ذلك وسببه.

  1. للقائل بالجواز ثلاثة طرق في الاستدلال: العموم، الاحتياط، الوقوع.
  2. للقائلين بالمنع طريقتان في الاستدلال: الأول: أمر يرجع إلى القصد، والثاني: أمر يرجع إلى الوضع.
  3. المرجَّح عند جماعة من المحققين: جواز أن يراد بالمشترك عدة معان إذا لم يكن بينها تصادم، لكن بإرادة المتكلم، وليس بدلالة اللغة، وقد جاء كثيرا متوافرا في نصوص الوحي.
فهي ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: المشترك في الوضع اللغوي:

لم يوضع المشترك في الأصل اللغوي لمعانيه كلها دفعة واحدة، وهذا ليس من مواطن التردد أو النزاع.
المرتبة الثانية: المشترك في القصد:
ليس هناك ما يمنع من جواز إطلاق اللفظ المشترك على معانيه كلها أو بعضها دفعة واحدة إذا لم تكن متصادمة، فهو وإن لم يوضع في الأصل لذلك، لكن ليس ثمة ما يمنع من ذلك؛ إذ هو متعلق بالاستعمال (المتكلم)، أو بالحمل (من السامع)، وتفسير اللفظ يتبع ما يؤديه من معنى وما يقصد به، وهذا يمكن أن يقوم به المشترك، وله أغراض صحيحة من الفصاحة والاختصار والتعميم.
المرتبة الثالثة: الوقوع:
وذلك من خلال تحمل كثير من الألفاظ المشتركة في النصوص لوجوه من المعاني الصحيحة، والتي للشارع إليها قصد وتشوف، بما يجزم في القلب بأن للشارع غرضا في ذلك، وقد تأكد من خلال تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الآيات بغير ظاهرها الأقرب، نعم، ذلك قليل في لغة العرب، وربما على ندور، لكن جاء القرآن على منتهى لغة العرب وفي الذروة من بلاغتها.
يشار هنا: إلى أن القول بالجواز لا يقتضي ضرورة وقوعه في القرآن الكريم، لكن وقوعه يقطع بجوازه.

  1. يعرف أن اللفظ المشترك قُصِدَ به جميع معانيه أو بعض معانيه عند وجود القرينة على ذلك، وكذلك عند التجرد من أي قرينة تعين أحد معانيه، وكان من مذهبه استعمال المشترك في معانيه[6].
  2. فائدة هذه المسألة تظهر في مواطن متعددة، منها ما يلي:

  • عند دراسة أقوال المفسرين للآيات، فإنه يظهر أنه يمكن حملها على المشترك تارة – وهو موضع البحث - وعلى المتواطئ تارة من غير تناقض أو اختلاف.
  • عند ملاحظة تصرفات بعض الفقهاء والشراح في طريقتهم في استعمال اللفظ في أحد معنييه في موضع، وفي الآخر في موضع آخر.
  • القول بالجواز يسمح بوفرة من الاستنباطات والاستدلالات، ويعطي مساحة رحبة لائتلاف الأقوال والوجوه.
  • القول بالمنع يوجب احتراس المستدل من إخلاله بقانون المسألة بعدم استعمال اللفظ المشترك في معنييه دفعة واحدة.
للاطلاع على أصل البحث:
هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟ : http://www.feqhweb.com/vb/t20720#ixzz3aLdBpZ86
وأيضا: المعاني التي تتحملها جمل القرآن (بحث بديع) ملخص القاعدة التاسعة من تفسير ابن عاشور (التحرير والتنوير) http://www.feqhweb.com/vb/t20700#ixzz3ZxEwJiEV …



[1]) المستصفى للغزالي (الرسالة 1/ 76).
[2]) مجموع الفتاوى (15/ 11، 12).
[3]) جلاء الأفهام (ص: 161).
[4]) المستصفى للغزالي (2/ 142).
[5]) ينظر: جلاء الأفهام (ص: 160).[6]) ينظر: زاد المعاد (5/ 537)، نهاية السول (ص: 117)، البحر المحيط (2/ 389).
 
التعديل الأخير:

صلاح الدين

:: متخصص ::
إنضم
6 ديسمبر 2008
المشاركات
713
الإقامة
القاهرة
الجنس
ذكر
الكنية
الدكتور. سيد عنتر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
المذهب الحنفي
رد: هل يجوز حمل المشترك على معانيه دفعة واحدة؟

بحث ممتع ومفيد فبارك الله فيكم
وإن كانت المسألة قد أخذت مناحي مختلفة في العرض عند الأصوليين كالزركشي والسمعاني
 
أعلى