د. أيمن علي صالح
:: متخصص ::
- إنضم
- 13 فبراير 2010
- المشاركات
- 1,023
- الكنية
- أبو علي
- التخصص
- الفقه وأصوله
- المدينة
- عمان
- المذهب الفقهي
- الشافعي - بشكل عام
هيئة منكرة في الاستنجاء عند بعض الفقهاء
د. أيمن صالح
7-5-2011
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه، وبعد:د. أيمن صالح
7-5-2011
فإن لبعض الفقهاء نوادرَ من الأقوال في بعض الأحيان، وربما يُكتب لهذه النوادر والأفكار الغريبة والوجوه العجيبة أن تنتشر وتستقر في بعض المذاهب، بل ربما تَجِدُ من يدافع عنها ويتبناها من المتقدمين والمتأخرين.
ومن هذه النوادر هذه الهيئة العجيبة التي حكاها بعضهم في كيفية الاستنجاء من جهة القُبُل بالنسبة للرجال.
قال الخطابي، رحمه الله تعالى، في معالم السنن عند شرحه لحديث أبي قتادة: "إذا بال أحدكم فلا يمسَّ ذكره بيمينه...":
"وقد تعرض ههنا شبهة ويشكل فيه مسألةٌ: فيُقال قد نهى عن الاستنجاء باليمين ونهى عن مس الذكر باليمين فكيف يعمل إذا أراد الاستنجاء من البول، فإنه إن أمسك ذكره بشماله احتاج إلى أن يستنجي بيمينه، وان أمسكه بيمينه يقع الاستنجاء بشماله فقد دخل في النهي؟!
فالجواب: أن الصواب في مثل هذا أن يتوخى الاستنجاء بالحجر الضخم الذي لا يزول عن مكانه بأدنى حركة تصيبه أو بالجدار أو بالموضع الناتىء من وجه الأرض وبنحوها من الأشياء، فإن أدته الضرورة إلى الاستنجاء بالحجارة والنبل ونحوها فالوجه أن يتأتى لذلك بأن يلصق مقعدته إلى الأرض ويمسك الممسوح بين عقبيه ويتناول عضوه بشماله فيمسحه به وينزه عنه يمينه.
وسمعت ابن أبي هريرة يقول حضرت مجلس المحاملي، وقد حضر شيخ من أهل أصفهان نبيل الهيئة قدم أيام الموسم حاجا فأقبلت عليه وسألته عن مسألة من الطهارة فضجر وقال: مثلي يُسأَل عن مسائل الطهارة. فقلت لا والله إن سألتك إلاّ عن الاستنجاء نفسه، وألقيتُ عليه هذه المسألةَ فبِقي مُتحيِّرا لا يحسن الخروجَ منها إلى أن فَهَّمْتُه" أهـ
هل تخيلتم تلك الهيئة العجيبة الغريبة؟!!!
يجلس على الأرض على أليتيه ثم يضم رجليه إلى قُبُلِهِ، ويضع الحجر بين عقبيه (أواخر قدميه) للإمساك به، ثم يمسح ذَكَرهُ بالحجر مستعينا بشماله.
هل ترون هذا معقولا في شرع أبي القاسم يا جماعة؟ أما أنا فلا أراه كذلك.
وهذه الهيئة ليست وجها انفرد به الخطابي وانتهى الأمر بل انتقل إلى غيره واستقر وجها معمولا به في بعض المذاهب.
قال النووي، رحمه الله تعالى، في شرح صحيح مسلم:
"قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فى شئ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِنْجَاءِ إِلَّا لِعُذْرٍ فَإِذَا اسْتَنْجَى بِمَاءٍ صَبَّهُ بِالْيُمْنَى وَمَسَحَ بِالْيُسْرَى وَإِذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ فَإِنْ كَانَ فِي الدُّبُرِ مَسَحَ بِيَسَارِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقُبُلِ وَأَمْكَنَهُ وَضْعَ الْحَجَرِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ بَيْنَ قَدَمَيْهِ بِحَيْثُ يَتَأَتَّى مَسْحَهُ أَمْسَكَ الذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَهُ عَلَى الْحَجَرِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنهُ ذَلِكَ وَاضْطُرَّ إِلَى حَمْلِ الْحَجَرِ حَمَلَهُ بِيَمِينِهِ وَأَمْسَكَ الذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَ بِهَا وَلَا يُحَرِّكِ الْيُمْنَى هَذَا هُوَ الصَّوَابُ" أهـ
وقال في شرح المهذب:
"قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بيمينه في شئ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا غَمَزَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَمْسَكَهُ بَيْنَ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا لِئَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَالذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُ الْيَسَارَ دُونَ الْيَمِينِ فَإِنْ حَرَّكَ الْيَمِينَ أَوْ حَرَّكَهُمَا كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْيَمِينِ مُرْتَكِبًا لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَأْخُذُ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ وَالْحَجَرَ بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُ الْيَسَارَ لِئَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِيَمِينِهِ.
وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ إلَّا بِالْإِمْسَاكِ بَيْنَ الْعَقِبَيْنِ أَوْ الْإِبْهَامَيْنِ وَكَيْفَ اسْتَعْمَلَ الْيَمِينَ بِإِمْسَاكِ الْحَجَرِ أَوْ غَيْرِهِ فَمَكْرُوهٌ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ أَيْضًا"أهـ
وانتقلت هذه الهيئة إلى بعض الحنفية أيضا فقد جاء في البحر الرائق:
"وَفِي الْقُنْيَةِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ جَمَعَ الْحَدِيثُ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَمَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ وَلَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِارْتِكَابِ أَحَدِهِمَا فَالصَّوَابُ أَنْ يَأْخُذَ الذَّكَرَ بِشِمَالِهِ فَيُمِرُّهُ عَلَى جِدَارٍ أَوْ مَوْضِعٍ نَاءٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ يَقْعُدُ وَيُمْسِكُ الْحَجَرَ بَيْنَ عَقِبَيْهِ فَيُمِرُّ الْعُضْوَ عَلَيْهِ بِشِمَالِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ يَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَلَا يُحَرِّكَهُ وَيُمِرُّ الْعُضْوَ عَلَيْهِ بِشِمَالِهِ" أهـ
وانتقلت هذه الهيئة إلى الحنابلة أيضا فقد قال ابن الجوزي، رحمه الله تعالى، في كشف المشكل:
"فَإِن قيل: إِذا كَانَ قد نهى عَن مس الذّكر بِالْيَمِينِ، وَعَن الِاسْتِنْجَاء بِالْيَمِينِ، وَإِن أمْسكهُ باليمنى فقد نهي. فَالْجَوَاب: أَنه يمسح ذكره بِالْأَرْضِ أَو بالجدار أَو بِالْحجرِ الْكَبِير الَّذِي لَا يَتَحَرَّك بِالْمَسْحِ، أَو يضع رجله على طرف الْحجر ثمَّ يتمسح بِهِ، أَو يمسِكهُ بعقبيه"أهـ
وجاء في كشاف القناع:
(وَإِنْ كَانَ) اسْتِجْمَارُهُ (مِنْ بَوْلٍ أَمْسَكَ ذَكَرَهُ بِشِمَالِهِ وَمَسَحَهُ) أَيْ ذَكَرَهُ عَلَى الْحَجَرِ الْكَبِيرِ، وَلَا يُمْسِكهُ بِيَمِينِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا أَمْسَكَهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ بَيْنَ إبْهَامَيْ قَدَمَيْهِ وَمَسَحَ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ (إنْ أَمْكَنَهُ) ذَلِكَ لِإِغْنَائِهِ عَنْ إمْسَاكِهِ بِيَمِينِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ، كَجَالِسٍ فِي الْأَخْلِيَةِ الْمَبْنِيَّةِ (أَمْسَكَ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ) لِلْحَاجَةِ (وَمَسَحَ بِيَسَارِهِ الذَّكَرَ عَلَيْهِ) فَتَكُونُ الْيَسَارُ هِيَ الْمُتَحَرِّكَةُ.أهـ
ومع هذا فهناك من انتقد هذه الهيئة التي ذكرها الخطابي:
قال ابن حجر، رحمه الله تعالى:
"وَقَدْ أَثَارَ الْخَطَّابِيُّ هُنَا بَحْثًا وَبَالَغَ فِي التَّبَجُّحِ بِهِ وَحَكَى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ نَاظَرَ رَجُلًا مِنَ الْفُقَهَاءِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَعْيَاهُ جَوَابُهَا ثُمَّ أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُ بِجَوَابٍ فِيهِ نَظَرٌ وَمُحَصَّلُ الْإِيرَادِ..." فأورد معنى كلام الخطابي ثم قال رحمه الله:
"وَهَذِهِ هَيْئَةٌ مُنْكَرَةٌ بَلْ يَتَعَذَّرُ فِعْلُهَا فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الِاسْتِجْمَارِ بِالْيَمِينِ مُخْتَصٌّ بِالدُّبُرِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمَسِّ مُخْتَصٌّ بِالذَّكَرِ فَبَطَلَ الْإِيرَادُ مِنْ أَصْلِهِ كَذَا قَالَ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ تَخْصِيصِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالدُّبُرِ مَرْدُودٌ وَالْمَسُّ وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِالذَّكَرِ لَكِنْ يُلْحَقُ بِهِ الدُّبُرُ قِيَاسًا وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الذَّكَرِ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ فَرْجُ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا خُصَّ الذَّكَرُ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِ الرِّجَالِ فِي الْغَالِبِ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ وَالنِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا مَا خُصَّ وَالصَّوَابُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْخَطَّابِيُّ مَا قَالَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ بَعْدَهُ كَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُمِرُّ الْعُضْوَ بِيَسَارِهِ عَلَى شَيْءٍ يُمْسِكُهُ بِيَمِينِهِ وَهِيَ قَارَّةٌ غَيْرُ مُتَحَرِّكَةٍ فَلَا يُعَدُّ مُسْتَجْمِرًا بِالْيَمِينِ وَلَا مَاسًّا بِهَا وَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ مُسْتَجْمِرًا بِيَمِينِهِ فَقَدْ غَلِطَ وَإِنَّمَا هُوَ كَمَنْ صَبَّ بِيَمِينِهِ الْمَاءِ عَلَى يَسَارِهِ حَال الِاسْتِنْجَاء"أهـ من الفتح
وكذا اتقدها بعض الحنفية فقد جاء في البحر الرائق:
قَالَ مَوْلَانَا نَجْمُ الدِّينِ وَفِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ إمْسَاكِ الْحَجَرِ بِعَقِبَيْهِ حَرَجٌ وَتَعْسِيرٌ وَتَكَلُّفٌ بَلْ يُسْتَنْجَى بِجِدَارٍ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا يَأْخُذْ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَيَسْتَنْجِي بِيَسَارِهِ اهـ.
والخلاصة هي:
إمساك الذكر باليمين في الاستنجاء مكروه لقوله، صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه"، وكذا الاستنجاء وإمساك ما يستنجى به من حجر وورق مكروه أيضا لقوله في نفس الحديث "ولا يستنجي بيمينه".
والحل عند بعض الفقهاء للخروج من الكراهتين عند تطهير الذكر، يتمثل في ثلاثة خيارات متدرجة:
الخيار الأول: البحث عن شيء عظيم ثابت كجدار ونحوه، وإمساك الذكر باليسار ثم مسحه به. فإذا تعذر، نلجأ إلى:
الخيار الثاني: وهو الهيئة المنكرة التي ذكرنا. وقد استبعدها بعضهم. واعتمدها الشافعية والحنابلة، فإذا تعذر، نلجأ إلى:
الخيار الثالث: إمساك الحجر أو الورق باليمين مع تثبيته ثم إمساك الذكر باليسار ومسحه بالحجر أو الورق.
وهذه الخيارات الثلاثة كلها في نظري تكلُّفٌ تبعد عنها سماحة الإسلام وسهولته، وأما حل الإشكال في المسألة، فسأقوله بعد أن أسمع منكم لعل لديكم حلا أفضل مما لدي. الخيار الثاني: وهو الهيئة المنكرة التي ذكرنا. وقد استبعدها بعضهم. واعتمدها الشافعية والحنابلة، فإذا تعذر، نلجأ إلى:
الخيار الثالث: إمساك الحجر أو الورق باليمين مع تثبيته ثم إمساك الذكر باليسار ومسحه بالحجر أو الورق.