العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

وصل المراسيل بحكم الصلاة في السراويل للشيخ الحمودي

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه


بسم الله الرحمن الرحيم


وصل المراسيل بحكم الصلاة في السراويل


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, وعلى الآل الطيبين الطاهرين, والصحب الكرام أجمعين, وأشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فقد كنت سألت شيخنا محمدا بوخبزة الحسني حفظه الله عن حكم صلاة الرجل في سراويل ضيقة تصف حجم العورة كالبنطلون مثلا؟
فأجاب: يكره له ذلك وهو آثم, إلا عند الضرورة. وصلاته صحيحة .
قال شمس الدين محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي النحوي الحنبلي ( ت 709) في المطلع على أبواب المقنع (ص9):(يقال:( سروان) بالنون. قال الأزهري: وسمعت غير واحد من الأعراب يقول : (سروال) وقال أبو حاتم السجستاني: وسمعت من الأعراب من يقول : (شروال) بالمعجمة, وهو أعجمي مفرد ممنوع من الصرف وجها واحدا لشبهه بمفاعيل وقيل: إنه جمع سروالة. سمي به المفرد. وينشد : .... عليه من اللؤم سروالة)
والمطلع هذا فسر فيه مؤلفه (الكلمات الغريبة الواقعة في المقنع على نمط المغرب للحنفية والمصباح للشافعية غير أنه رتبه على أبواب الكتاب لا على حروف المعجم ثم أتبعه بتراجم الأعلام المذكورين في المقنع) اهـ نقلا عن المدخل لابن بدران.
قلت: إنما كرهوا لبسه وحده لثلاثة أسباب:
أولها: أن لبسه وحده تشبه بزي النصارى واليهود. وقد سئل شيخ شيخنا العلاّمة الألباني عن ذلك فقال: :
(البنطلون فيه مصيبتان :
المصيبة الأولى : هي أن لابسه يتشبّه بالكفّا، والمسلمون كانوا يلبسون السراويل الواسعة الفضفاضة، التي ما زال البعض يلبسها في سوريا ولبنان. فما عرف المسلمون البنطلون إلا حينما استعمروا، ثم لما انسحب المستعمرون، تركوا آثارهم السيئة، وتبنّاها المسلمون، بغباوتهم وجهالتهم ).وقد علل النهي عنه بذلك بعض المالكية كما في الذخيرة (2/111).واستدل بعض العلماء بما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/171)حدثنا وكيع عن عمران عن أبي مجلز قال جاء كتاب عمر (أن ألقوا السراويلات والبسوا الأزر).ورواه أحمد في المسند (1/43) ثنا يزيد ثنا عاصم عن أبي عثمان النهدي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ( اتزروا وارتدوا وانتعلو, واَلقوا الخفاف والسراويلات, وألقوا الركب وانزوا نزوا, وعليكم بالمعدية وارموا الأغراض, وذروا التنعم وزي العجم, وإياكم والحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه )
ورواه الحارث في مسنده (زوائدالهيثمي/ 2/636) حدثنا يزيد يعني بن هارون ثنا عاصم عن أبي عثمان.وذكر فيه قصة, وزاد في آخره : (قال أبو عثمان, فلقد رأيت الشيخ ينزو فيقع على بطنه, وينزو فيقع على بطنه, ثم لقد رأيته بعد ذلك ينزو كما ينزو الغلام)
قلت: قوله : ينزو , يقصد يثب ويقفز على الخيل دون الحاجة إلى شيء.
ورواه علي بن الجعد في مسنده (995) وابن عبد البر في التمهيد (14/252) والبيهقي في السنن الكبرى (10/14 )
من طرق عن شعبة قال: أخبرني قتادة قال: سمعت أبا عثمان النهدي يقول : (أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد أما بعد فاتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف وألقوا السراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل).
قلت: الظاهر من هذا كراهة لبسها مطلقا, وحدها كانت أو مع غيرها كالقمص والأردية.لكن روى أحمد في المسند (5/264) ثنا زيد بن يحيى ثنا عبد الله بن العلاء بن زبر حدثني القاسم قال سمعت أبا أمامة يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب) قال: فقلنا يا رسول الله: ( إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون) قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب) قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب) وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة.
وهذا الحديث أولى, فإن فيه إباحة لبسها أحيانا.قال الشوكاني رحمه الله في النيل (2/107): (فيه الإذن بلبس السراويل, وأن مخالفة أهل الكتاب تحصل بمجرد الاتزار في بعض الأوقات, لا بترك لبس السراويل في جميع الحالات, فإنه غير لازم, وإن كان أدخل في المخالفة) اهـ .وقصده بهذا لبسها مع غيرها لا وحدها,. فإن المعروف عن أكثر أهل الكتاب لبسها وحدها كما هو معلوم من زيهم القديم.
ومن أحسن الكلام في هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (22/326): (هل الأفضل لكل أحد أن يرتدى ويأتزر ولو مع القميص ,أو الأفضل أن يلبس مع القميص السراويل من غير حاجة إلى الإزار والرداء هذا أيضا مما تنازع فيه العلماء والثاني أظهر, وهذا باب واسع).
هذا كله خارج البيت, أما في البيت فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف (5/171)حدثنا زيد بن الحباب عن أبي خلدة قال رأيت أبا العالية عليه سراويل قال: فقلت له: ما لك وللسراويل في البيت؟! قال: إنها من لباس الرجال)
وأما ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (5/171)حدثنا وكيع عن معاذ بن العلاء عن أبيه عن جده قال: ( خطبنا علي بالكوفة وعليه سراويل).فضعيف.العلاء بن عمار والد معاذ مجهول.
ثانيها أنه من خوارم المروءة, ولا يعرف ذلك عن أهل الفضل.كما عند ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق (7/91):
(وذكر الكرخي أن من يمشي في الطريق بالسراويل وحده ليس عليه غيره لا تقبل شهادته لأنه تارك للمروءة) وفي شرح فتح القدير (7/412): (وأما ما ذكر الكرخي أن من مشى في الطريق بسراويل ليس عليه غيره لا تقبل شهادته فليس للحرمة بل لأنه يخل بالمروءة)
وقال ابن عابدين في رد المحتار (7/160): (والمروءة أن لا يأتي الإنسان بما يعتذر منه مما يبخسه عن مرتبته عند أهل الفضل ,وقيل السمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب السخف والمجون والارتفاع عن كل خلق دنيء, وقد ذكروا منها المشي بسراويل فقط).
و قال الأستاذ مشهور حسن سلمان في (المروءة وخوارمها /ص149): (المشي في السوق بالسراويل وحده,عده ابن الهمام في فتح القدير (7/414). والموصلي في الاختيار (2/148). والعيني في البناية (7/179) وابن نجيم في الرسائل الزينية (ص256) وفتح الغفار (2/88) من خوارم المروءة.
ثالثا: أنه يكشف عن شكل العورة ويصفها.ولذلك اعتبر بعض الفقهاء لبسه في الصلاة خلاف الأولى .ففي نهاية المحتاج (2/8) وحاشية الجمل على شرح المنهج (1/409) والمنهج القويم (1/234): (وإن حكى حجمها كسروال ضيق لكنه مكروه للمرأة ومثلها الخنثى فيما يظهر وخلاف الأولى للرجل) وزاد في المنهج القويم : (أو كان غير ساتر لحجم الأعضاء كأن كان طينا) وكرهه آخرون .فقال ابن المواق في التاج والإكليل (1/502) في شرح قول خليل: (وكره محدد ) أي محدد للعورة واصف لشكلها :(ابن الحاجب: ما يصف لرقته أو لتحديده مكروه كالسراويل, ابن يونس: لأنه يصف والمئزر أفضل منه)
وقال القرافي في الذخيرة (2/111) : (قال صاحب الطراز: السراويل مكروهة ابتداء,وهو قول الشافعي ومالك في العتبية,لما في أبي داود أنه عليه السلام نهى أن يصلي في سراويل ليس عليه رداء.ولأنه يصف, ومن زي العجم, وقال أشهب:يعيد من صلى في السروال والتبان في الوقت)
قلت: أما الحديث فرواه أبو داود (636) حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثنا سعيد بن محمد ثنا أبو تميلة يحيى بن واضح ثنا أبو المنيب عبيد الله العتكي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى في لحاف لا يتوشح به, والآخر أن تصلي في سراويل وليس عليك رداء ) وحسنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود.
وقال ابن الحاجب في جامع الأمهات (1/89) أيضا:(والساتر الشفاف كالعدم ,وما يصف لرقته أو لتحديده مكروه كالسراويل بخلاف المئزر).
قلت: قوله (والساتر الشفاف كالعدم وما يصف لرقته أو لتحديده) معناه: أن الثوب الذي يشف ويظهر لون البشرة والذي يصف حجم العورة كالعدم, أي أن وجوده كعدمه. لأنه لا يستر. ودليل هذا من شرع الله تعالى حديثان:
ما رواه أحمد وغيره عن أسامة بن زيد قال: ( كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال : مالك لم تلبس القبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي فقال : مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامه) وفي رواية مسدد- كما في المطالب العالية (10/316) - : (مرها تلبس تحته ثوباً شفيفاً لا يصف حجم عظامها للرجال) والحديث حسنه الشيخ الألباني في جلباب المرأة المسلمة (131) بشاهد دحية , وفيه أن دحية نفسه الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم القبطية وقال له عليه السلام : ( اجعل صديعها قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به) فلما ولى دعاه قال : ( مرها تجعل تحته شيئا لئلا يصف) رواه الحاكم في المستدرك (4/207) والبيهقي في السنن الكبرى (2/234).وحسنه الشيخ الألباني في الثمر المستطاب بشاهد أسامة.(1/318).والصديع النصف.
وما رواه مسلم (2128) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)
ومعناه (كاسيات) لأنهن يلبسن ما لا يستر لون أعضائهن, أو ما يسترها لكنه يصفها.كما قال ابن العربي يوغيره.ولا فرق بين المرأة والرجل في ذلك. ومن فرق فعليه الدليل.وبهذا استدل ابن رشد, فلم يفرق بين صلاة المرأة بغير خمار وبين صلاتها بما يشف أو يصف. قال ابن المواق في التاج والإكليل (1/497):(ابن رشد: ساوى ابن القاسم بين صلاة المرأة دون خمار وبين صلاتها بخمار رقيق يبين قرطها وعنقها أو في درع رقيق يصف جسدها للحديث نساء كاسيات عاريات أي كاسيات في الاسم والفعل عاريات في الحكم والمعنى)
وقال الشيخ الألباني في تمام جوابه عن السؤال المذكور آنفا: (المصيبة الثّانية : هي أن البنطلون يحجّم العورة ، وعورة الرجل من الرّكبة إلى السرّة . والمصلي يفترض عليه : أن يكون أبعد ما يكون عن أن يعصي الله ، وهو له ساجد ، فترى إِِليتيه مجسمتين ، بل وترى ما بينهما مجسماً !! فكيف يصلي هذا الإنسان ، ويقف بين يدي ربّ العالمين ؟
ومن العجب : أن كثيراً من الشباب المسلم ، ينكر على النساء لباسهن الضيّق ، لأنه يصف جسدهن ، وهذا الشباب ينسى نفسه ، فإنه وقع فيما ينكر ، ولا فرق بين المرأة التي تلبس اللباس الضيّق ، الذي يصف جسمها ، وبين الشباب الذي يلبس البنطلون ، وهو أيضاً يصف إِليتيه ، فإلية الرجل وإلية المرأة من حيث إنهما عورة ، كلاهما سواء ، فيجب على الشباب أن ينتبهوا لهذه المصيبة التي عمّتهم إلا مَنْ شاء الله ، وقليل ما هم )
وخالف في هذا بعض الحنابلة فاعتبروا وصف العورة إن كان لا يشف عن لون البشرة. قال المرداوي في الإنصاف (1/449):
(فأما إن كان يستر اللون ويصف الخلقة لم يضر. قال الأصحاب: لا يضر إذا وصف التقاطيع, ولا بأس بذلك. نص عليه لمشقة الاحتراز.).
وعلق الشيخ الألباني على مثل هذا في هامش جلباب المرأة المسلمة : (فعلى رأيهم يجوز للمرأة اليوم أن تخرج لابسة هذه الثياب الضيقة التي تلتصق بالجسم وتصفه وصفا دقيقا, حتى ليخال من كان بعيدا أنها عارية...فهل يقول بجواز هذا اليوم مسلم؟فهذا من الأدلة الكثيرة على وجوب الاجتهاد, وترك التقليد, فهل من مدكر)
وقال ابن مفلح في المبدع (1/360) :(وإذا ستر اللون ووصف الخلقة أي حجم العضو صحت الصلاة فيه لأن البشرة مستورة, وهذا لا يمكن التحرز منه, وإن كان الساتر صفيقا) وليس في هذا أنه لا يضر, إنما فيه تصحيح صلاته فقط.
بل إنه نقل في الآداب الشرعية (3/489) عن ابن تميم أنه قال : (يكره الثوب الرقيق إذا وصف البدن. قال أصحابنا: للرجال)
وأما معظم الشافيعة فقد اكتفوا أيضا بتصحيح صلاته فقط, وأنكروا على من ادعى منهم بطلانها لأجل ذلك, وهو صحيح. قال النووي في المجموع (3/173): (لو ستر اللون ووصف حجم البشرة كالركبة والألية ونحوهما صحت الصلاة فيه لوجود الستر, وحكى الدارمي وصاحب البيان وجها أنه لا يصح إذا وصف الحجم وهو غلط ظاهر)
وأما المالكية فاختلفوا في ذلك, ففي المدونة:( الصلاة في السراويل؟ قلت : فما قول مالك فيمن صلى متزرا وبسراويل وهو يقدر على الثياب ؟ قال : لا أحفظ عن مالك فيه شيئا ولا أرى أن يعيد لا في الوقت ولا في غيره .)). ونقل المواق في التاج والإكليل (1/497) عن الباجي عن مالك:( من صلى في ثوب خفيف يشف أو رقيق يصف أعاد رجلا كان أو امرأة)وقال أيضا (1/502): (الذي لابن يونس : من صلى في ثوب رقيق يصف أعاد, إلا أن يكون رقيقا لا يصف. إلا عند ريح فلا يعيد), ولأجل هذا الخلاف قال العيني في عمدة القاري (4/74):(اختلف أصحاب مالك فيمن صلى في سراويل وهو قادر على الثياب ففي المدونة لا يعيد في الوقت ولا في غيره وعن ابن القاسم مثله وعن أشهب عليه الإعادة في الوقت وعنه أن صلاته تامة إن كان ضيقاً).
ونقل الحافظ في فتح الباري (1/476) (عن ابن المنذر عن أشهب فيمن اقتصر على الصلاة في السراويل مع القدرة يعيد في القوت إلا إن كان صفيقا, وعن بعض الحنفية يكره)
لكن استحب بعض الفقهاء أن يصلي الرجل في ثوب ساتر ويلبس تحته سراويل لأنه أبلغ في الستر.واحتجوا بحديث (إن الأرض لتستغفر للمصلي بالسراويل). والحديث رواه أبو محمد ابن حيان في طبقات المحدثين بأصبهان (4/151) وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/387)عن سعيد بن يعقوب ثنا عمار بن يزيد القرشي البصري قال ثنا الحسن بن موسى ثنا ابن لهيعة عن عيسى بن طهمان عن مالك بن عتاهية مرفوعا.
وبما رواه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (1/256) العقيلي في الضعفاء (1/54 ) عن إبراهيم بن زكريا الضرير أبو إسحاق حدثنا همام عن قتادة عن قدامة بن وبرة عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال: كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع في يوم دجن مطير فمرت امرأة على حمار ومعها مكاري فهوى بها الحمار في وهدة من الأرض فسقطت المرأة, فأعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنهما بوجهه قالوا: يا رسول الله إنها متسرولة فقال: ( اللهم اغفر لمتسرولات أمتي) يقولها ثلاثا( يا أيها الناس اتخذوا السراويلات فإنها من أستر ثيابكم وخصوا بها نساءكم إذا خرجن)
قال ابن عدي: ( وهذا الحديث منكر لا يرويه عن همام غير إبراهيم بن زكريا ولا أعرفه إلا من هذا الوجه)وقال في إبراهيم: (حدث عن الثقات بالبواطيل)
وقال أبو حاتم :حديثه منكر .ومن ثم حكم ابن الجوزي بوضعه لكن تعقبه ابن حجر بأن البزار والمحاملي والدارقطني رووه من طريق آخر قال: فهو ضعيف لا موضوع وذكر نحوه المؤلف في مختصر الموضوعات
واستشهدوا بما رواه عبد الله في زوائد المسند (1/72) وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (7/175) وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (39/400) عن يونس بن أبي اليعفور العبدي عن أبيه عن مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان اعتق عشرين مملوكا ودعا بسراويل فشدها عليه ولم يلبسها في جاهلية ولا إسلام وقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في المنام ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وأنهم قالوا لي اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه فقتل وهو بين يديه).
ويونس بن أبي يعفور قال فيه يحيى والنسائي : ضعيف.
وقد قيل – كما في فتح الباري (11/384) - : (أول من استن التستر بالسراويل إبراهيم عليه السلام)!وروى وكيع في تفسيره – كما في البداية والنهاية لابن كثير (1/175) - حدثنا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: ( كان إبراهيم أول من تسرول وأول من فرق وأول من استحد وأول من اختتن بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وأول من فرق وأول من استحد وأول من اختتن بالقدوم وهوابن عشرين ومائة سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وأول من قرى الضيف أول من شاب) .
قال ابن كثير: (هكذا رواه موقوفا, وهو أشبه بالمرفوع والله أعلم,وقال مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال كان إبراهيم أو من أضاف الضيف وأول الناس اختتن وأول الناس قص شاربه وأول الناس رأى الشيب فقال يا رب ما هذا فقال الله وقار فقال يا رب زدني وقارا وزاد غيرهما وأول من قص شاربه وأول من استحد وأول من لبس السراويل)
و قال المناوي في فتح القدير (7/414): (. قال الداراني: لما اتخذ الله إبراهيم خليلا أوحى إليه أن وار عورتك من الأرض فكان لا يتخذ من كل شيء إلا واحدا سوى السراويل فيتخذ اثنين. فإذا غسل أحدهما لبس الآخر, حتى لا يأتي عليه حال إلا وعورته مستورة به ).
وروى ابن أبي شيبة في المصنف (5/171)حدثنا جرير بن حازم عن واصل مولى بن عيينة قال: ( إن الله أوحى إلى إبراهيم إنك أكرم الخلق علي فإذا صليت فلا ترى الأرض عورتك فأتخذ سراويلا)
وقد ذكر في بعض الآثارأن موسى عليه السلام كان يلبس السراويل أيضا. فقد روى أبو يعلى في مسنده (4983) حدثنا أحمد بن حاتم حدثنا خلف يعني بن خليفة عن حميد يعني الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كلم الله موسى وعليه جبة من صوف وكساء من صوف وسراويل من صوف وكمة صوف ونعلاه من جلد حمار غير ذكي)
وأخرج أحمد في الزهد (ص65) - وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم- حدثنا عبد الرزاق قال: سمعت وهبا قال: ( لما رأى موسى النار... فأقبل موسى حتى انتهى إلى الباب الذي فيه فرعون فقرعه بعصاه وعليه جبة من صوف وسراويل فلما رآه البواب عجب من جراءته فتركه ولم يأذن له ...)واحتجوا أيضا للسنية بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشترى سراويل .
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/139):(اشترى سراويل, والظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها, وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه). وقد ورد ذكر ذلك في رواية لأبي يعلى, ولعلها التي أشار إليها ابن القيم بقوله : (وقد روي في غير حديث...).واحتجوا لسنية لبسها أيضا بقوله : (لا يلبس المحرم السراويل)
لكن قال المناوي في فيض القدير (1/110) (قول ابن القيم : (الظاهر أنه إنما اشتراها ليلبسها) وَهَمٌ, فقد يكون اشتراها لبعض نسائه, وقول ابن حجر (في شرائه لغيره بعد) غير مرضي, إذ لا استبعاد في شرائه لعياله. وما رواه أبو يعلى وغيره أنه أخبر عن نفسه بأنه لبسه, فسيجيء أنه موضوع. فلا يتجه القول بندب لبس السراويل حينئذ, لأنه حكم شرعي لا يثبت إلا بحديث صحيح أو حسن, ومن وَهِم أن في خبر (لا يلبس المحرم السراويل) دليل لسنية لبسه للرجل فقد وهم, إذ لا يلزم من نهي المحرم عن لبسه لكونه مخيطا ندب لبسه لغيره).
قلت:في بعض اعتراضات المناوي نظر. وأما حديث أبي يعلى فرواه في مسنده (6162) وهذا لفظه, والطبراني في المعجم الأوسط (6/349/6594) وابن حبان في المجروحين (2/51) وغيرهم عن يوسف بن زياد حدثنا عبد الرحمن بن زياد عن الأغر بن مسلم ويكنى أبا مسلم عن أبي هريرة قال دخلت يوما السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزارين فاشترى سراويلا بأربعة دراهم وكان لأهل السوق وزان يزن, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اتزن وأرجح؟) فقال الوزان :إن هذه لكلمة ما سمعتها من أحد. فقال أبو هريرة: فقلت له:كفى بك من الرهق والجفاء في دينك أن لا تعرف نبيك. فطرح الميزان, ووثب إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يقبلها, فحذف رسول الله صلى الله عليه وسلم يده منه فقال: (ما هذا؟ إنما يفعل هذا الأعاجم بملوكها, ولست بملك, إنما أنا رجل منكم) فوزن وأرجح وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم السراويل قال أبو هريرة: فذهبت لأحمله عنه, فقال: ( صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم) قال: قلت: يا رسول الله وإنك لتلبس السراويل قا: ( أجل في السفر والحضر وبالليل والنهار فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئا أستر منه) .ورواه العقيلي في الضعفاء (4/453) عن يوسف بن زياد حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضي إفريقية عن الأوزاعي عن ابن مسلم .ويوسف بن زياد لكنه توبع.
فرواه البيهقي في الشعب ( 5976) من طريق حفص بن عبد الرحمن ، عن الأفريقي. والإفريقي ضعيف.
ومن طريف هذا الباب ما ذكره شيخ شيخنا عبد الحي الكتاني في فهرس الفهارس (2/566/دار العربي الإسلامي) في ترجمة الفقيه العلامة أحمد المنجور الفاسي فقال: في طبقات الحضيكَي: ( كان شديدا في اتباع السّنة في أحواله كلها حتى كان تلميذه مولاي عبد الله ابن علي بن طاهر إذا سئل عن شيء يقول: اصبروا حتى أنظر هل فعله الشيخ المنجور أم لا فإنه لا يفعل إلا السنة، وقد سئل هل لبس النبي صلى الله عليه وسلم السراويل فسأل زوجته فأخبرته بأن الشيخ يلبسه دائما، فرجع وأخبر السائل بأنه صلى الله عليه وسلم لبسه واحت بأنه لو لم يلبسه ما لبسه الشيخ ) .وهذا من عجيب الاستدلال!
طريفة:
قال البغدادي في خزانة الأدب (5/50):(لبس السراويل عند العرب نادر, يروى أن أعرابياً مر بسراويل ملقاةٍ فظنها قميصاً, فأدخل يديه في ساقيها, وأدخل رأسه فلم يجد منفذا,ً فقال: ( ما أظن هذا إلا من قمص الشياطين), ثم رماها)! ولذلك قال الإمام أحمد عندما سئل عن لبس السراويل (الآداب الشرعية /ص868/مؤسسة الرسالة)فقال: (هو أستر من الأزر , ولباس القوم كان الأزر). وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر في الفتح فقال (11/440): (الشائع في العرب لبس الإزار والرداء), وذكر أيضا (2/15) أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما كانوا يلبسون السراويل ,يعني غالبا,ونقل عن الطبري (11/435) أنه قال : (أكثر الناس في عهده يلبسون الإزار والأردية) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (22/326): (الغالب عليه وعلى أصحابه أنهم كانوا يأتزرون ويرتدون).
ومما يذكر في ذلك أن أهل مكة كانوا يتسرولون بخلاف أهل المدينة. فقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق (49/431و432) عن رجل من ولد الحارث بن الصمة يعني أبا عثمان ( أن ملك الروم أرسل إلى معاوية أن ابعث إلي بسراويل أطول رجل من العرب. فقال لقيس بن سعد: ما نظننا إلا قد احتجنا إلى سراويلك. قال: فقام فتنحى فجاء بها, فألقاها إلى معاوية. فقال :يرحمك الله, وما أردت إلى هذا, ألا ذهبت إلى بيتك فبعثت بها, فأنشأ يقول:
أردت بها كي يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه سراويل عادي نمته ثمود
وإني من الحي اليماني لسيد وما الناس إلا سيد ومسود
فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم شديد وخلقي في الرجال شديد
قال: فأمر معاوية بأطول رجل في الجيش فوضعها على أنفه. قال: فوقعت بالأرض. قال: فدعا له بسراويل فلما جاء بها, قال له قيس: نح عنك تبانك هذا. فقال معاوية :
أما قريش فأقوام مسرولة واليثربيون أصحاب التبابين)
ونقل النووي في تهذيب الأسماء (2/372) عن ابن عبد البر أنه قال : (خبره في السراويل عند معاوية باطل لا أصل له)
غريبة:
قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص474 ) في طائفة سماها العيارين الفتيان: (يجعلون إلباس السراويل للداخل في مذهبهم كإلباس الصوفية للمريد المرقعة).وقال ابن جبير في رحلته (ص196): (سلط الله على الرافضة طائفة تعرف بالنبوية سنيون يدينون بالفتوة, وبأمور الرجولة كلها وكل من ألحقوه بهم لخصلة يرونها فيه منها يحرمونه السراويل, فيلحقونه بهم ولا يرون أن يستعدى أحد منهم في نازلة تنزل به لهم في ذلك مذاهب عجيبة , وإذا أقسم أحدهم بالفتوة بر قسمه,وهم يقتلون الروافض أينما وجدوهم, وشأنهم عجيب في الأنفة والائتلاف).
كتبه طارق بن عبد الرحمن الحمودي

المصدر : http://www.aldahereyah.net/forums/showthread.php?t=3298
 
أعلى