د. رأفت محمد رائف المصري
:: متخصص ::
- إنضم
- 28 ديسمبر 2007
- المشاركات
- 677
- التخصص
- التفسير وعلوم القرآن
- المدينة
- عمان
- المذهب الفقهي
- حنبلي
العلم والعمل
"هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل"، هذا من فيض تراث الصالحين، الذين أدركوا حقيقة العلم، وعلموا أن العلم إنما هو في الحقيقة الخشية : (أمّن هو قانتٌ آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه؛ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، فانظر – أيها الموفق- إلى أنه جعل العالم هو القائم الساجد، الحاذر الراجي، في إشارة إلى أن العلم المطلوب المرغَّب فيه ليس هو حفظ النصوص، وتصفح الكتب فحسب، وإنما هو هذا وما ينتج عنه من ازدياد الخشية، ورسوخ الإيمان، والتبصر في الآخرة، وانكشاف الغطاء عن الدنيا الدنية، وما يرافقه من تعظيم أمر الله تعالى، والقيام به، والزهد في الدنيا، والإقبال على الآخرة .
والناظر في كتاب الله تعالى يرى أن أشد مثلين فيه هما لمن علم فترك العمل بعلمه :
الأول : قول الحق تعالى : (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها، ولكنه أخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث)، أظنك لاحظت تشبيه هذا البائس بالكلب، تعس المشبه كما تعس المشبه به !
أما الثاني؛ فتشبيهه بالحمار، كما قال تعالى : (مثل الذين حُمِّلوا التوراة، ثم لم يحملوها، كمثل الحمار يحمل أسفارا)، وإنما شُبهوا به لمماثلتهم لحالته المنفرة، من حيث إنه قد تعب في حمل الأسفار والكتب المملوءة علما؛ إلا أنه لعجزه لم ينتفع من ذلك بشيء، وكذلك هؤلاء الذين جاءتهم الآيات والبصائر، فما انتفعوا منها بشيء، نعوذ بالله من الخذلان .
ولا يشك أهل المعرفة والبصيرة أن الطاعة مما يعين على العلم، وعليه استدلوا بقول الله : (واتقوا الله، ويعلمكم الله)، على خلاف في صحة الاستدلال، وأن المعصية مما يمحق العلم، ويورث النسيان، ورووا في ذلك قول الإمام الشافعي رحمه الله في ديوانه :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العـلـم نــور ... ونور الله لا يُهدى لعاصي
فالكَيِّس من طلبة العلم؛ مَن نهض إذا تعلم مسألة نحو العمل بها، حتى لا يكون كالأباعد المشار إليهم فيما مضى .
وفقني الله وإياك، ورزقنا العمل بالعلم، وأسأله أن يجعلنا من "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"، قوم سمعوا فتعلموا، فنهضوا إلى العمل من فورهم بأحسن ما سمعوه، فأفلحوا .
وصلى الله سلم على البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه والتابعين .