رد: يحزنني أن تمر علينا الأيام ونحن ندرس في الفقه ولكن بدون أي ضبط
فكيف يُضبط الفقه لمن أراد تناول أكثر من مذهب، هل يبدأ بأول وينهيه ثم الثاني
ثم الثالث وهكذا
أم يضبط ذلك من خلال كتب الفقه المقارن والتعرف على المتفق والمختلف فيه من المسائل والأصول والخ؟
اعلمي ـ يا أيتها الفاضلة ـ أن العلم ـ عموما ـ سهل وبسيط وفي متناول يد الجميع، ولا يحتاج إلا لصبر ومداومة وحسن فهم، فدين الله سهل وبسيط، نزل ليتمكن الناس من فهمه أولا، ثم العمل به ثانيا.
ومن أراد الاستزادة والتبحر والاطلاع على كل الأقوال فيلزمه أن ينفق من الوقت ما يناسب همته.
وأما بالنسبة للحفظ، فلا يخفى عليكم أنه أمر نسبي والناس فيه متفاوتون، لا كما يشيعه المغرمون بالحفظ، بأنه يلزم طالب العلم حفظ كذا وكذا ليضبط ذلك الفن ويتمكن فيه ! ولا يخفى عليكم أن ذلك فضل وزيادة لا شرط، وكيف يكون شرطا وعلماء الأصول حينما يذكرون شروط المفتي، يشتروط تمكن المفتي من الوصل إلى الآيات والأحاديث المتعلقة بالموضوع الذي يريده، فحتى آيات الأحكام لا يُشترط استظهارها، أي: حفظ متنها، بل ينص بعضهم على جواز أن يكون المفتي غير حافظ لآيات الأحكام، ولكنهم الشرط هو أن يكون مطلعا عليها، يعرف ما ورد فيها من الأحكام.
وما أنصحكم به هو أن تمسكوا بمتن فقهي وسط مخدوم ومشروح بشروحات متعددة فتعكفون على فهمه بإتقان ، فالأهم في طلب العلم هو تصور المسائل بشكل صحيح، ومن أجل هذا شدد العلماء على مسألة أخذ العلم بالتلقي، لخوفهم من الفهم الخاطئ، ثم بعدما تتصورون المسائل بشكل صحيح تنطلقون في القراءة في كتب الفقه بلا إشكال.
يضاف إلى ذلك يلزمكم تعلم تخريج الحديث، وهذه نقطة مهمة لا ينبغي لطالب حق أن يغفلها، فالعلوم مدارها على الكتاب والسنة، وحينما يعرف الطالب دليل المسألة الشرعي كحديث في سنن ابن ماجة مثلا، فإن الطالب يدور على شروحاته بقدر الاستطاعة، ليقرأ شرح الدليل ووجه الاستدلال به على مسألته، فشراح الأحاديث يفصلون ما لا يفصله الفقهاء كما تلاحظون حين البحث والتنقيب.
وقد كنت قبل تعلمي لطريقة التخريج أبحث عن دليل مسألة ما فيه خفاء وعدم وضوح استدلال ، فأجد أن الفقهاء يتناقلون الدليل بحروفه من غير زيادة ولا نقصان، فإنهم يتوارثون كتب المذهب وأدلتها ولا يخالف هذا إلا القليل منهم، ولما تعلمت طريقة التخريج، صرت آخذ الدليل ثم أبحث في كتب شروح الحديث فأجد بغيتي وأعرف وجه الاستدلال، فنفعني الله بذلك أيما نفع وله الحمد.
والشاهد أنكم لما تصلون إلى درجة فهم المسألة فهما صحيحا لا لبس فيه، ثم تعرفون طريقة الرجوع إلى كتب شروح الحديث، فإنكم ستجدون تحريرا للأدلة من حيث الصحة والضعف، وذكرا لأقوال العلماء بتفصيل والرد عليها، والمداومة على ذلك ستكسبكم رسوخ قدم في الفقه والحديث معا. والله أعلم.