العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

علماء الشافعية الذين تولوا منصب شيخ الأزهر

إنضم
12 يناير 2013
المشاركات
953
الإقامة
المطرية دقهلية مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سارة
التخصص
لغة عربية
الدولة
مصر
المدينة
المطرية دقهلية
المذهب الفقهي
الشافعي
(1)
نقلا عن موقع مشيخة الأزهر.

العلامة الشيخ إبراهيم البرماوي : ثاني مشايخ الازهر.
هو الشيخ العلامة إبراهيم بن محمد بن شهاب الدِّين بن خالد البرماوي الأزهري الشافعي الأنصاري نسبةً إلى "برما" من قُرى محافظة الغربيَّة... وهو ثاني شيوخ الأزهر حسَب ما ذكره "الجبرتي" في "عجائب الآثار" ج1، ودرس في الأزهر على يد كبار الشيوخ، وعكَف على دروس الشيخ أبي العباس شهاب الدين محمد القليوبي، وكان من أعظم علماء عصره، مُتعدِّد الثقافات، وألَّف كثيرًا من الشروح، ثم أُذِنَ له أنْ يقوم بالتدريس، فأقبل عليه الطلاب وغير الطلاب نتيجةَ علمه، وكان من أنجب تلاميذه إبراهيم الفيومي.

الشيخ عبد الله الشبراوي : الشيخ السابع من مشايخ الأزهر.
هو الشيخ السابع للأزهر الشريف.. عبدالله بن محمد بن عامر بن شرف الدين الشبراوي الشاعر الأديب، والذي يُعتبر فاتحةً لعصر النهضة والتحرُّر، وُلِدَ سنة 1092هـ بالقاهرة.
ونبغ من صِغره بعد أنْ حفظ القُرآن وهو في سنٍّ صغيرة، وكان شاعرًا مرموقًا، وكاتبًا فريدًا، وعالمًا واسع الاطِّلاع، متعمقًا في الفقه والحديث، وعلم الكلام وأصوله.
والإمام عبدالله الشبراوي هو شخصيَّة فذَّة جمعت بين مواهب كثيرة متعدِّدة؛ فهو شاعر ممتاز كما ذكرنا بالنسبة لعصره، وأشار إليه الجبرتي في ترجمته: "الإمام الفقيه المحدِّث الأصولي المتكلِّم الماهر الشاعر الأديب".
وتولَّى منصب مشيخة الأزهر وله من العمر أربعة وثلاثون عامًا، وكان شافعيَّ المذهب، وبيئته بيئة علميَّة صالحة كلها علم ودِين... فكانت البيئة العلميَّة المناسبة لنموِّ مواهبه، وأينعت ونضجت عن أطيب الثمرات في عصره، هذا العصر الذي يعدُّ نهايةَ عصر الظلام، وبدايةً لفجر نهضةٍ جديدة... يقول الجبرتي: "إنَّه من بيت العلم والجلالة؛ فجدُّه عامر بن شرف الدين، وصفه بالحِفظ والذَّكاء، ومن جهة بيئته العلميَّة فيكفي أنَّه تتلمَذَ على يد الإمام "الخراشي" الشيخ الأول للأزهر، ونالَ منه الإذن لتدريس ما سمعه منه، وهو دُون العاشرة، ومن أساتذته المرموقين العلامة الأديب الشاعر الشيخ حسن البدري، وكان من الشعراء الممتازين في زمنه، ترَك ديوانين من الشعر: أولهما: "تنبيه الأفكار للنافع والضار"، وثانيهما: "إجماع الإناس من الوثوق بالناس"، وله أرجوزةٌ في التصوُّف نحو ألف وخمسمائة بيت من الشعر على أسلوب ديوان "الصادح والباغم" وهو اسم ديوان لابن الهيارية يشبه "كليلة ودمنة" في القصة، وقد روى الجبرتي بعضَ قصائده، ومن الواضح أنَّ الشيخ الشبراوي تأثَّر بأدبه، كما أنَّه تتلمذ عليه في علم الحديث، وتلقَّى الفقه على العلامة الشيخ شهاب الدين أحمد النحلي الشافعي، ومن شيوخه أيضًا الشيخ خليل اللقاني، والزرقاني والنفراوي، وشيوخه وأساتذته كثيرون.
وللشيخ الشبراوي ثَبَتٌ - مرجع - ذكر فيه مرويَّاته عن شيوخه، سنشيرُ إليه لاحقًا، وكما استفاد بكثيرين من خيار العلماء الأعلام أيضًا أفاد كثيرين من طلابه، منهم على سبيل المثال لا الحصر العلامة الفقيه الشيخ علي بن شمس الدين محمد الشافعي الخضري، وقد أجازَه برواية الكتب الصحاح السِّتَّة، وأيضًا الإمام الفصيح الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبدالسلام الزمزمي المكي، والمقام لا يسمحُ بذِكر كلِّ طلابه، وما أكثرهم! وأشهرهم من الوزراء، وكان من شيمة العلماء في هذا العصر وما قبله أنْ يذكر العالم سنده أو ثبَتَه فيما رواه عن شيوخه من مصنَّفات، وأنَّه يجيزُ تلاميذه بما ذكروه عنه من مرويَّات، وأيضًا: أنَّ طلبة العلم أيَّام مشيخة الشيخ الشبراوي يتميَّزون بالعلم والأدب، والاحترام سمة العلماء، وصار لأهل العلم في عصره وفي مدَّة تولِّيه لمشيخة الأزهر رفعة ومهابة.
والشيخ الشبراوي شافعيُّ المذهب، ومن الصعب جدًّا أنْ يتنازل أصحاب مذهبٍ عن شيءٍ في أيديهم لأصحاب مذهبٍ آخَر مهما كانت قيمته، وبخاصَّة أنَّ المتنازل عنه هو أسمى وأشرف منصبٍ في الأزهر - وهو المشيخة - سبق أن اعتلى الشيخ البرماوي هذا المنصب وهو شافعي! والإمام الشبراوي أثبَتَ كفاءته بجدارة لمنصب المشيخة أمام المالكيَّة؛ لأنه تتلمذ على الأئمَّة الذين سبقوه إلى أريكة المشيخة، وأنهم كانوا جميعًا يُقدِّرونه ويعرفون مَزاياه ومواهبه وذكاءه، وأنَّ الشيخ الخراشي وهو مَن هو في علمه وخلفه قد كرم الشيخ الشبراوي، وأَذِنَ له في النقل عنه وهو صبي في الثامنة من عمره؛ لأنَّه كان يحفظ كتب السُّنَّة الستة ويرويها بإذنٍ من شيوخه، وهذا يعني أنَّه كان من الحفَّاظ الذين يُشار إليهم بالبَنان، وينتقل إليهم طلاب الحديث من مكانٍ إلى مكان ومن بلدٍ إلى بلد؛ طلبًا للرواية، وأنَّه كان ينتمي إلى بيتٍ له قَدره في الرِّياسة والعلم، والمتتبِّع للترجمة التي كتبها "الجبرتي" في يوميَّاته لأبيه الشيخ محمد بن عامر وجده عامر بن شرف الدين يجد أنَّه يصف الأوَّل بالعلم الواسع والمكانة المرموقة، ويصف الثاني بما سبق ويزيد عليه أنَّه أحد الحفَّاظ المعدودين في الحديث... وأنَّه كان شاعرًا يفيضُ شعره رقَّةً وعذوبةً وجزالةً تبعًا للمقام والمناسبة التي يقولها فيه، وكان يغترف من بحرٍ، فهو شاعرٌ من الطبقة الأولى، ولا ينحصرُ شِعره في غرضٍ واحدٍ ولا في فنٍّ واحد.

الشيخ محمد سالم الحفني : الشيخ الثامن من مشايخ الأزهر.
وُلِد فضيلة الإمام الشيخ محمد بن سالم الحفني الشافعي الخلوتي الحسيني سنة 1100هـ - 1689م، ببلدة "حفنا" من قرى بلبيس محافظة الشرقيَّة، وتولَّى منصب مشيخة الأزهر سنة 1171هـ - 1757م، واستمرَّ شيخًا للأزهر مدَّة عشر سنوات.
قال عنه الجبرتي: "كان - رحمه الله - قطب رحَى الدِّيار المصريَّة"، ولا يتمُّ أمر من أمور الدولة وغيرها إلا باطِّلاعه وإذنه".
وكعادة أهل القرية أنْ يذهب الصبي إلى الكُتَّاب لحِفظ القُرآن الكريم، وقد كان في بيئةٍ صالحة، ونبته نبتًا طيبًا، وفي الرابعة عشرة من عُمره وفد للقاهرة وأكمل تعليمَه بالأزهر، وأخذ العلم عن أشهر علمائها، واجتهد حتى أصبح أمهرَ طلاب عصره وأقرأهم، ودرس وأفاد في حضرة مشايخه، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، ومن أشهر مشايخه العلامة الشيخ محمد البديرني الدمياطي، الشهير بابن "الميت"، أخذ عنه التفسير والحديث، و"إحياء علوم الدين"؛ للغزالي، والكتب الستَّة، والمعاجم الثلاثة "الكبير والأوسط والصغير"؛ للطبراني، و"صحيح ابن حيان"، و"المستدرك"؛ للنيسابوري، و"حلية الأولياء"؛ لأبي نُعيم، وقد حاز الشيخ الإمام محمد الحفني على ثقافةٍ واسعة، وصقلته التجارب العديدة، وزكَّته الصوفيَّة السامية، واجتمعت فيه عناصر التوفيق كلها، وقلَّما تجتمع في إنسانٍ إلا إذا لاحظته العناية الربانيَّة، فهو شريف حسيني من جهة أمِّ أبيه السيدة ترك بنت السيد سالم بن محمد بن علي بن أبي طالب، وهذه ميزة تُذكَر للشيخ "الحفني"، وتُوضَع على رأس مَزاياه، فإنَّ الانتساب للإمام الحسيني انتسابٌ لجدِّه سيد المرسلين محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو شرفٌ لصاحبه في الدنيا والآخِرة، وكان الانتساب للرسول - عليه الصلاة والسلام - في هذا الزمن يلزمُ صاحبه بالتمسُّك بسنَّته الشريفة، والالتزام بتقوى الله، ليتَّفق هذا مع شرَف نسبه الكريم.
وكما ذكرنا أنَّه حفظ القُرآن الكريم حتى سورة الشعراء، وله من العمر أربع عشرة سنة، وبناءً على نصيحة الشيخ البشبيشي؛ حيث أتَمَّ حفظ "ألفية بن مالك" في النحو والصرف، و"السلم"، و"الجوهرة"، و"الرحبية"، و"أبي شجاع"... وغيرها من المتون.
وفي الثانية والعشرين من عمره كان قد تبحَّر في علوم النحو والفقه والمنطق والحديث والأصول وعلم الكلام، وبرع في العروض، وظهرت مواهبه الأدبيَّة في الشعر وفنونه - بالفصحى والعامية - كما ظهرت براعته في النثر طبقًا للأسلوب السائد في عصره، فأذن له مشايخه وأجازوه بالإفتاء والتدريس في هذه السِّنِّ المبكِّرة، وأمَّا تجاربه العديدة التي مرَّ بها في بداية حياته فإنَّه ذاق مَرارة الفقر فلم تذلَّه قلة اليد، ثم ذاق حلاوة الغنى فلم تبطره الثروة ولا الغِنَى، بل كان قمَّةً في العطاء والسخاء، وعلى الرغم من مَناصبه العديدة، ووصوله إلى أعلى المناصب وذروة المجد، إلا أنَّه كان متواضعًا، جمَّ الحياء، كريم النفس، رحبَ الصدر، متمسكًا بالخلق وبالمروءة والوفاء، وله هيبة ووقار، لا يكاد أحدٌ يسأله لمهابته وجلالته، فهو مَهِيب الشكل، عظيم اللحية أبيضها، وكأنَّ على وجهه قنديل نور.

 
إنضم
12 يناير 2013
المشاركات
953
الإقامة
المطرية دقهلية مصر
الجنس
ذكر
الكنية
أبو سارة
التخصص
لغة عربية
الدولة
مصر
المدينة
المطرية دقهلية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: علماء الشافعية الذين تولوا منصب شيخ الأزهر

(2)
الشيخ عبد الرؤوف السجيني: الشيخ التاسع من شيوخ الأزهر.
هو الإمام العلامة الفقيه النبيه شيخ الإسلام، وعمدة الأنام، الشيخ عبدالرؤوف بن محمد بن عبدالرحمن بن أحمد السجيني الشافعي الأزهري، تاسع شيوخ الأزهر، وكنيته "أبو الجود" لشدَّة كرمه، وُلد عام 1154هـ - 1741م في قرية من قُرَى محافظة الغربيَّة، تسمَّى "سجين"؛ ولهذا نسب إليها، هكذا ذكره الجبرتي في تاريخه، نشأ الإمام "السجيني" في بيتٍ كله علم وفضل؛ فحفظ القُرآن، وتلقَّى عن أبيه وعن عمِّه الشيخ شمس الدين السجيني العلمَ بالأزهر.
وكان من العلماء المشهورين، كما كان والده أيضًا من العلماء المشهود لهم - فهو فقيه أصولي شافعي - ويظهر أنَّه كما أوضحنا - سليلُ أسرةٍ اشتهرت بالعلم، ويذكُر الجبرتي في حديثه عن الشيخ "السيواسي" أنَّ العلامة الشيخ محمد السجيني والد الإمام كان إذا مرَّ بحلقة درسه خفض من مشيتِه، ووقف قليلاً، وأنصَتَ لحسن تقديره ثم يقول: "سبحان الفتَّاح العليم"، كما وصَف الجبرتي والد الإمام بأنَّه "الأستاذ العالم العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي..." إلخ، وقد خلف عمه بعد موته في تدريس "منهج الطلاب"؛ للأنصاري، وكان من الكتب المقرَّرة في المذهب الشافعي، وتولَّى شياخةَ رواق الشراقوة بالأزهر قبل أنْ يتولَّى مشيخة الأزهر، فقد سبَقَه من الشافعيَّة: الشيخ الإمام "البرماوي" والإمام "الشبراوي" والإمام "الحفني"، أمَّا السابقون له من المالكيَّة فخمسة هم: الإمام "الخراشي"، الإمام "النشرتي"، والإمام "القليني"، والإمام "محمد شنن"، والإمام "الفيومي".
وبعد أنْ تولَّى مشيخة الأزهر عام 1181هـ - 1767م قادَها بحكمةٍ وشهامة، وسار فيه بقوَّة واقتدار، وقابَل الإهمال بصرامةٍ، وقد اشتهر ذكرُه قبل ولايتِه لمشيخة الأزهر؛ بسبب أحداث كثيرة ذكر الجبرتي بعضًا منها، وهذا يدلُّ على أنَّ للشيخ منزلةً مرموقة عند العامَّة والخاصَّة، وقد ذكرت المصادر التاريخيَّة، أنَّ مدَّة توليته للمشيخة كانت قصيرةً لا تتجاوز السَّنة الواحدة، ومع ذلك فقد كانت له مكانةٌ في نفوس كلِّ المصريين، حكَّامًا ومحكومين، وهناك عددٌ من المزايا التي أهَّلته لتبوُّء المكانة التي تفرَّد بها بين علماء عصره، ومنها أنَّ أباه محمد بن عبدالرحمن السجيني، كان أحد الصدور المحقِّقين، والوجوه المدقِّقين، وأنَّه كان يحبُّ العلماء ويسمع منهم، ولا جدال في أنَّ الإمام "السجيني" قد استفاد من هذا الولد واقتبس الكثير من معارفه.

الشيخ أحمد الدمنهوري : الشيخ العاشر من شيوخ الأزهر.
هو الإمام الشيخ أحمد بن عبدالمنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري الأزهري، وُلد في سنة 1001هـ - 1589م ببلدة دمنهور الغربيَّة، وهي بلدة تقعُ غرب الدلتا، وهي الآن عاصمة محافظة البحيرة؛ وهي إحدى المدن المصريَّة الكبيرة ذات التاريخ الواسع والحضارة العريقة، ذكَر صاحب الخطط التوفيقيَّة أنَّ أهل الشيخ "الدمنهوري" اهتمُّوا به؛ لما وجدوا فيه من النُّبوغ المبكِّر وسرعة الحِفظ، فقد حفظ القُرآن الكريم قبل العاشرة، ثم التزم بالشُّروط التي يشترطُها الأزهر في الانتساب إليه؛ من حِفظ القرآن الكريم كلِّه، وقدرٍ من العلوم؛ مثل الخط والحساب والإملاء، وإنَّ الصبي كان يتيمًا ولا كفيل له، وهذا لا يمكنه العيش بعيدًا عن بلده إلا في حالة واحدة؛ وهي الالتحاق بالأزهر؛ لأنَّه هو وحدَه الذي يكفل لمن ينتسبُ إليه بالدراسة وطلب العلم، وتوفير شتَّى مطالب الحياة التي يتشوَّق إليها "الدمنهوري وأمثاله"، وذهب للأزهر الذي هو بغية كلِّ طالب علمٍ، وإذا عرفنا أنَّه قد أقام في بلدته عشر سنوات، وتقلَّد المشيخة عشر سنوات أُخَرَ ولقي ربَّه وهو في الحادية والتسعين تقريبًا، فإنَّه يكون قد قضى في طلب العلم إحدى وسبعين سنةً غالبًا، وهذا يُفسِّر لنا أكثر العلوم التي ذاكرها واستوعبها وحصَّلها، ووفرة المصنَّفات التي ألَّفها، وهذا القدر الكبير من الشيوخ الذين استمع إليهم أو تلقَّى عنهم.
وقد تولَّى مشيخة الأزهر بعد وفاة الإمام التاسع للأزهر الشيخ "السجيني" 1182هـ، اعتلى أريكةَ الإمامة خليفته وعماد الشافعيَّة من بعده الإمام الشيخ "أحمد الدمنهوري" 1182هـ - 1768م، وقد أفاض المؤرِّخون في الحديث عنه وتتبُّع أعماله وآثاره، وما ذلك إلا لعلمه الواسع وفضله الشامل ومَزاياه التي قليلاً ما تجتمعُ في غيره.

الشيخ أحمد موسى العروسي : الشيخ الحادي عشر.
هو الإمام الشيخ شهاب الدين أبو صلاح أحمد بن موسى بن داود العروسي الشافعي الأزهري، ولد سنة 1133هـ "1721م" بقرية منية عروس، تابعة لمركز أشمون، محافظة المنوفية، وإلى هذه القرية ينتسبُ، وعلى الرغم من صِغر هذه البلدة إلا أنها كانت مسقطًا لرؤوس كثيرٍ من العلماء العاملين والأولياء الصالحين الذين جمعوا بين الدِّين والدنيا.

حفظ الإمام "العروسي" القُرآن الكريم، وتعلَّم قسطًا من العلوم التي تُؤهِّله للانتساب للأزهر، ثم غادر قريته الصغيرة وسافر للقاهرة؛ ليلتحقَ بالأزهر الشريف، حسَب رغبته ورغبة ذَوِيه، ومن هذا الوقت كرَّس وقته وجهدَه لتحصيل العلوم على شتَّى أنواعها وألوانها من مناهج ومقاصد، وكان الأزهر في هذه الأيام يموجُ بعشرات العلماء الذين وصفَهُم أمير الشعراء بعد ذلك بقرون قائلاً:
كانوا أجلَّ من الملوكِ جلالةً = وأعزَّ سلطانًا وأكرمَ مظهرَا
وأحبَّ العلوم على اختلاف أنواعها؛ فتفوَّق في العلوم الدينيَّة واللغويَّة، كما تفوَّق في الرياضيَّات وعلوم الفلك والمنطق، ومال إلى الصوفيَّة، فأخذ العهد على يد "الشيخ البكري"، ودرس كلَّ علم على مشاهير عصره، ولازَمَ الشيخ أحمد الصعيدي ملازمةً دائمة فكان يُلخِّص دروسه ويُوضِّح ما غمض منها ويشرحها للطلاب، وهو عمل المعيد بالنسبة للأستاذ الآن في الجامعات.
كان عالمًا محققًا، حقَّق الكثير من كتب التراث، وكان يكره السطحيَّة في العلم، ويُوصي تلاميذه بالتعمُّق في قراءة أمَّهات الكتب، وكان تلميذًا للإمام الدمنهوري الإمام العاشر للأزهر، وقد درس "البخاري" على الشيخ أحمد الملوي، كما درس "تفسير البيضاوي" و"الجلالين" على الشيخ النبراوي، سابع شيوخ الأزهر، و"مختصر ابن أبي جمرة"، و"الشمائل النبوية"؛ للترمذي، كما تفقَّه على يد كثيرٍ من العلماء والفقهاء، والمقام لا يتَّسع لذِكرها، (ينظر: "عجائب الآثار"؛ للجبرتي).
ولقد اتَّصف الإمام العروسي بصفات أستاذه وشيخه الشيخ الصعيدي؛ فكان يُعتبر من مشايخ الإسلام، وعالمًا من الأعلام شديد الشكيمة في الدِّين، يصدعُ بالحق، ويأمرُ بالمعروف وإقامة شرعِ الله، محبًّا للاجتهاد في طلب العلم، ويكره سفاسف الأمور، معتزًّا بكرامة العلم ويعرف قدره، وكان الحكَّام يخشونه ويُقدِّرون نصحَه، ويحتملون لومَه، كان لطيف المعشر، دمث الخلق، واسع البيان.
يقول الجبرتي: إنَّ الشيخ "العروسي" لازَمَ والدَه وأخذ عنه وقرأ عليه الرياضيات والجبر والمقابلة، وكتاب الرقائق، ثم جذبته نزعة الصوفيَّة إلى الاتِّصال بالقطب "الشيخ العريان"، فوثق صلتَه به وأحبَّه ولازمَه، واعتنى به الشيخ وزوَّجَه إحدى بناته، وبشَّره بأنَّه سيسودُ وسيكون شيخًا للأزهر، وظهر ذلك بعد وفاته، وقد تولَّى فعلاً المشيخة بعد وفاة أستاذه الشيخ الدمنهوري في 1192هـ "1778م"، وقد قابل هذا المنصب بصبرٍ وتسامُح وعفو وتواضُع حتى رفَعَه الله وأكرمَه.

الشيخ ابراهيم الشرقاوي :الشيخ الثاني عشر.
هو الإمام الشيخ عبدالله بن حجازي بن إبراهيم الشافعي الأزهري الشرقاوي، وُلِدَ بقرية "الطويلة" بالقُرب من قرية القرين في محافظة الشرقية سنة 1150هـ "1737"، ونُسِبَ إليها، حَفِظَ القُرآن في طفولته في بلدة القرين، حيث نشأ بها وتطلَّع إلى المعرفة؛ فدرس قسطًا من العُلوم التي تُؤهِّله للانتساب للأزهر، ثم غادر قريتَه إلى القاهرة؛ حيث انتسب للأزهر وتلقَّى الدروس على يد أشهر علماء الأزهر وأعلامه في علوم الدِّين والدُّنيا معًا حتى بلغ القمَّة، وصار يُفتي في مذهبه "الشافعي" ويرجع إليه في حلِّ غوامضه، وكان على درجة عالية من الإلقاء والتحرير، ومال بفطرته الطبيعيَّة إلى التصوُّف، ثم اتَّصل بالصوفي الشيخ الكردي ولازمَ كبار العلماء فاستفاد خبرة.
وتولَّى مشيخة الأزهر بعد الشيخ العروسي 1218هـ "1793م"، وقيل: 1028هـ، وفي حياته ألمَّت بمصر أحداثٌ جسام؛ إذ أتت الحملة الفرنسيَّة، وما يُصاحبها من قتل ودسائس ومغامرات ومؤامرات، ولكنَّ الشيخ بحكمته تغلَّب على هذا.
ولقد تولَّى المشيخة في مرحلةٍ من أهمِّ مراحل التاريخ المصري، وكان في مقدمة زعماء الشعب، وواحدًا من أعضاء مجلس الشورى العشرة الذين تقرَّب بهم نابليون للشعب المصري، فقد عاش الثورة وانتفاضتها، وأبلى بلاءً حسنًا في حفاظه على الأزهر وحمايته، وارتفع إلى زعامة المقاومة الشعبيَّة، وطلب من الحاكم العدلَ بين الناس، ورفع الظلم، وإقامة الشرع، وإبطال المكوس "الضرائب"، ونزل الحاكم على رغبة كتابه، وأمر نابليون أنْ يُؤدِّي للعلماء التحيَّة العسكريَّة إجلالاً واحترامًا لهم، ولقد تأثَّر نابليون أولاً بسلوك علماء الأزهر وعلى رأسهم الشيخ الشرقاوي، وتكرَّر إعجاب نابليون بالإسلام وتعاليم النبي محمد - عليه الصلاة والسلام - وبخاصَّة بعد عودته من الشام أعلن فيه أنَّه يحبُّ الدِّين الإسلامي، ويعظم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويحترم القُرآن، ويقرأ منه كلَّ يوم بإتقان، ومراده أنْ يبني مسجدًا عظيمًا بمصر لا نظير له في الأقطار الأخرى، وأنْ يدخل في دِين النبيِّ المختار - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وكان نابليون كثيرًا ما يُعلن رغبته في اعتناق الإسلام، ويذكر أنَّ في استطاعته حمل جنوده على اعتناق الإسلام بناءً على أمره، ثم طلب من شيوخ الأزهر في إحدى الجلسات أنْ يصدروا فتوى يدعون فيها الشعب المصري أنْ يُقدِّموا له الطاعة والولاء؛ فتصدَّى له الشيخ الشرقاوي طالبًا تنفيذ وعدِه باعتناق الإسلام، وحبَّب إليه هذه الخطوة وزيَّنها في قلبه، وقال له: "إذا اعتنقت الإسلام انضَوَى تحت لوائك مائة ألف جندي عربي، وتستطيع أنْ تفتَحَ بهم الشرق".

الشيخ محمد الشنواني: الشيخ الثالث عشر.
هو الإمام الشيخ محمد بن علي بن منصور الشنواني الشافعي الأزهري، وُلِدَ بقرية "شنوان" الغرب ونُسِبَ إليها، وهي من قرى محافظة المنوفيَّة، وفي هذه القرية حفظ القُرآن، ثم ارتحل للأزهر ليُحقِّق أملَه في الالتحاق به، وتلقَّى علومه على كثيرٍ من أعلام عصره، وتفقَّه على أيديهم، يقول عنه "الجبرتي": هو شيخ الإسلام الفقيه العلامة والنحوي المعقولي، كان مهذَّب النفس متواضعًا مع الانكسار والبشاشة لكلِّ أحدٍ من الناس، ويقول: كان عند فراغه من الدُّروس يُغيِّرُ ثيابه ويكنس المسجد وينظف القناديل ويعمرها بالزيت، ولم يناقش غيره في التدريس، وإنما قنع بإلقاء دروسه بالجامع المعروف بـ"الفكهاني" بالعقادين، قريبًا من داره، فأقبل عليه الطلاب وانتفعوا بآرائه وتوجيهاته، كما انتفعوا بأخلاقه وآدابه ويتهافت على علمه الآخَرون.
فلمَّا تُوفِّي الشيخ الشرقاوي اتَّجهت إليه الأنظار تهرَّب، وغاب بعيدًا عن بيته، لكنَّ الباشا الوالي أمَر القاضي أنْ يجمع العلماء واختيار شخصٍ خالٍ من الأغراض والشُّبهة، فوقع الاختيار عليه؛ فأمر الجند بالبحث عنه، وأوكلَ إليه المشيخة بعد رفضِه الشديد من "الشنواني"، لكنَّ الوالي أصرَّ عليه، وجعله شيخًا للأزهر، وذلك في شوال سنة 1227هـ - 1812م، ونزل في دارٍ أخرى أوسع من داره لتُناسب المنصب الجديد.
وكان عَزُوفًا عن زيارة الأمراء وكبار الشخصيَّات، مع أنَّه من قادة الشعب ومقاومة الحملة الفرنسيَّة، وقد حاول الوالي أنْ يستوليَ على أرض الدولة، وأنْ يتَّخذَ من العلماء مطيَّة؛ حيث أفهمهم أنَّه سيترُك أرضهم يزرعونها بمعرفتهم، لكنَّ الإمام "الشنواني" تصدَّى له، وطالَبَه بالإفراج عن الأوقاف المحبوسة للطلبة والأراضي الأخرى، والشيخ "الشنواني" كان عالمًا كبيرًا؛ لأنَّه تتلمذ على أيدي كبار العلماء؛ مثل: الشيخ الصعيدي والدرديري، وقرأ الدروس وأفاد الطلاب ونال شهرة علميَّة في علوم النقل والعقل، وكان متبحِّرًا في علوم اللغة، كما كان مولعًا بعلم الكلام والرياضيَّات، وكما ذكر أنَّ الشيخ لم يسعَ للمشيخة، وإنما هي التي سعت إليه، وأنَّه أشفق منها على نفسه، وما لبثت تُلاحقه حتى أنشبت أظافرَها فيه، وتغيَّرت حاله من فقرٍ إلى غنى، ومن ضيقٍ إلى سعة، ولكنَّه بقي يُلقِي دروسَه ويُؤدِّي خدماته إلى نهاية أجله، ومعنى هذا أنَّ الشيخ كان مُنصرفًا إلى الأزهر وأهله، ومن الحظِّ أنَّه لم يَدُمْ في المشيخة طويلاً لعلَّته وسقمه.
 
أعلى