العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

زواج القاصرات بين الشرع والقانون

لبنى السموني

:: متابع ::
إنضم
24 أكتوبر 2013
المشاركات
24
الكنية
ام عمر
التخصص
دراسات اسلامية
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
المالكي
تعتبر الأسرة لبنة من لبنات المجتمع الإسلامي التي تقوم عليها، ولذلك عني بها الإسلام أعظم عناية، واهتم بأسس تكوينها اهتماما عظيما، كما أكد على تعميق أسس ترابطها، وما يؤدي على تماسكها واستمرارها.
وبما أن الزوجان هما عماد الأسرة، وحجر الزاوية الأساس للمجتمع، فإن الله سبحانه وتعالى شرع الزواج ووضع له نظاما يحفظ به النوع البشري قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".
كما وضع ضوابط أخرى لتأسيس الأسرة المسلمة، تتمثل في اختيار الزوجين اللذين سيقومان ببناء الأسرة ورعايتها، فمن هذا المنطلق يمكن إدراك أهمية موضوع زواج القاصر – وهو مصطلح حديث لأن الأصل عند الفقهاء هو زواج الصغيرة – وما يحيط به من إيجابيات وسلبيات في واقعنا المعاصر، وما حدا ببعض الدول إلى وضع قانون ضمن قوانين الأحوال الشخصية ليضيف هذا النوع من الزواج، بحيث يحدد فيه سنا معينة للزواج بالنسبة للذكور والإناث، مع عدم تجاوز القضاة الشرعيين بالسماح لسماع أية دعوى زوجية تقل فيها سن أحد الزوجين عن سن 18 سنة إلا لأسباب يراها القاضي مقنعة.
أولا: رأي الفقهاء في زواج القاصرات
نعتبر تحديد سن الزواج بسن معينة من قضايا الواقع المعاصر وهي محل خلاف بين الفقهاء المتقدمين والمعاصرين على حد سواء، فقد اتفقوا على أن الزواج من حيث مشروعيته جائز ومشروع، كما اتفقوا على جواز تقييد المباح للمصلحة، واختلفوا في حكم تحديد سن معينة للزواج على مذهبين.
المذهب الأول: جواز تحديد سن الزواج وتقييده بسن معينة، وهو ما ذهب إليه عدد من العلماء والفقهاء الأجلاء منهم: فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، الشيخ عبد المحسن العبيكان، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور محمد النجيمي، والدكتور ناجي العربي، وأدلتهم على ما ذهبوا إليه من الكتاب والسنة وآثار الصحابة.
أ- من الكتاب:
قوله تعالى وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ . والمقصود من قوله عز وجل بلغوا النكاح هو صلاحية كل من الزوج والزوجة للزواج وتحمل مسؤولياته وتبعاته، وهذا ما ذهب إليه العديد من المفسرين، كما ذهبوا على أن البلوغ كما يكون بالعلامات الطبيعية فكذلك يكون بالسن.
ب- من السنة النبوية الشريفة:
1- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: «لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر فقيل يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: إذا سكتت» واستدلوا بهذا الحديث على أنه لا يجوز تزويج القاصر التي لم تبلغ خمس عشرة سنة، فلابد أن تكون بالغة راشدة حتى يتسنى أخذ إذنها ومشورتها، وذلك لا ينطبق على من لم تبلغ خمس عشرة سنة.
2- ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
استدل العلماء على هذا الحديث فقالوا: إن الشرع أتاح لولي الأمر اتخاذ كل ما فيه إصلاح لشأن الرعية، وفعل ما هو ادعى لحفظ المصلحة العامة، بشرط ألا يتعارض ذلك مع نص صريح في الكتاب أو السنة، فيحق له إصدار قانون بتحديد سن معينة، والحكم بعدم تزويج الصغار والقاصرات لانعدام المصلحة في الغالب، وذلك من باب السياسة الشرعية، كما وأن الواجب على الرعية السمع والطاعة لولي الأمر، لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ".
ج- آثار الصحابة:
فقد استدل هؤلاء العلماء على أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أسقط حد السرقة عن السارق في عام المجاعة، نظرا لتغير الحال ومجاراة للواقع الذي يعيشونه، فقال رضي الله عنه "لا يقطع في عذق، ولا في عام سنة".
وهذا ليس من قبيل إنشاء حكم شرعي جديد، يحرم الحلال ويحل الحرام، بل هو من قبيل مراعاة تغير الفتوى بتغير الحال.
المذهب الثاني: قال بعدم جواز تحديد سن معينة للزواج، وهو ما ذهب إليه ثلة من علماء الفقه منهم، فضيلة الشيخ ابن باز، والدكتور احمد العسال، والدكتور مصطفى السباعي، والدكتور حسام الدين عفانة.
هؤلاء العلماء استدلوا على ما ذهبوا إليه بأدلة من الكتاب والسنة وهي :
أ- الكتاب:
قوله تعالى: "وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ".
وجه الدلالة من هذه الآية أنها حثت على الزواج ورغبت فيه دون تحديد سن معينة له، حيث أفادت تزويج اليتيمة وهي لم تبلغ بعد سن البلوغ.
قوله جل وعلا: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ".
فقد استدلوا بهذه الآية الكريمة على أن الشريعة لم تضع حدا لسن الزواج، ولم يرد نص شرعي بذلك، وأن قانون تحديد سن الزواج، فيه مخالفة للنصوص الشرعية، وفيه تبديل وتعديل لما جاء في كتاب الله عز وجل من إباحة تزويج الصغار.
ب- أما ما استدلوا به من السنة النبوية:
حديث زواج النبي من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وفيـه:" أن النبي تزوجها وهي بنت ست سنين، وأدخلت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعا".
قالوا في الاستدلال على هذا الحديث بأنه دل بمنطوقه على أن النبي تزوج بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكانت قاصرا لم تبلغ الخامسة عشر من عمرها، وبالتالي جواز تزويج القاصرات دون تحديد سن معينة، وفعله صلى الله عليه وسلم تشريع لأمته.
قال النووي في شرحه على مسلم: "وليس في حديث عائشة رضي الله عنها تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع، ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا".
وأجيب عليه بأن هذا الكلام مرفوض، لأن الظروف تغيرت ومن حق الحاكم تقييد المباح، بناء على تقديره للمصلحة العامة نظرا لتغير الواقع، وفساد الزمان، وتعسف بعض الآباء، كما وأنه لابد من طاعة ولي الأمر، فهو بدوره لم يحلل حراما ولم يحرم حلالا، وكذلك للحاكم فرض عقوبات لمن تخرج على التشريع الذي سنه.
بعد عرض أدلة كل من الفريقين أرى أن ما ذهب إليه الفريق الأول من تحديد سن الزواج بسن معينة هو الراجح، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تحديد سن الزواج يختلف من بلد لآخر بناء على الاختلاف في سن البلوغ، لأن تحديد سن الزواج تحقيق للمصلحة العامة، ودرء المفسدة المترتبة على تزويج القاصرات، ورعاية حقوق الأطفال، وذلك بمنع المتاجرة بالبنات من أجل تحقيق مصالح دنيوية، كما لا يعد هذا القانون من الأمور المستحدثة التي خالفت الشرع، بل احسبه من المتغيرات وذلك لتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.

ثانيا: زواج القاصرات والقانون الوضعي مع المجتمع المدني
أما من الناحية القانونية فقد اعتبر وزير العدل محمد الناصري المغربي أن تجريم زواج القاصرات ليس الحل الأمثل لمنعه، بل إن الأمر يتطلب تغييرا من داخل المجتمع عبر نشاط جمعيات المجتمع المدني فقال: "أتألم عندما أرى طفلة تبلغ من العمر 12 أو 13 سنة تتزوج، ماذا تريدون مني أن أفعل؟ هذا النوع من الزواج غير مجرم قانونا هل ينبغي تجريمه؟ إن هذا الوضع ينبغي أن يتغير تدريجيا، وهذه مشكلة المجتمع ككل والمجتمع المدني بصفة خاصة، وهذا همّ يجب أن نتقاسمه جميعا وأن يلعب كل من التعليم والجمعيات والأحزاب دوره ليكون التغيير دون اللجوء إلى وسائل التجريم".
إن تحديد سن الزواج من طرف المشرع المغربي الذي جاءت به المدونة في المادة 16 من قانون الأحوال الشخصية، وهو سن 18 سنة، أدى على ارتفاع عدد المتزوجين القاصرين.
فقد كشفت إحصائيات رقمية أدلى بها رئيس محكمة الاستئناف بالرباط إدريس بالمحجوب، والمتعلقة بأقسام قضاء الأسرة خلال سنة 2009 بشان الزواج وثبوت الزوجية أن حصيلة جميع أقسام قضاء الأسرة بالمغرب بلغت 328362، وأن نسبة تزويج القاصرات تزايدت كل سنة بنسبة 10% تقريبا، وأضاف في حديثه عن "زواج المغتصبة والقاصرة بين النصوص القانوني والواقع العلمي" أن طلبات الزواج ارتفعت سنة 2010 إلى 47089، وشكلت طلبات الإناث منها 99,40%، ومن بدون مهنة 99,02% قاصرة مقابل 44572 خلال سنة 2009.
وقد نبه السيد بالمحجوب على انه "وأمام هذا الوضع كان حريا أن نحلل الظاهرة من جوانب اجتماعية وثقافية ونفسية واقتصادية، قبل النظر إليها من الجانب القانوني، وأن يتم التعريف بالأسباب الداعية إلى ارتفاع طلبات زواج القاصرات والقاصرين.
إن زواج القاصرات – وأعني بالقاصر حسب فهمي ما دون16 عشر سنة - معضلة اجتماعية وطعن صريح في حقهن في الحياة لأنه في غالب الأحيان تترتب عليه الكثير من المشاكل، لكون فتاة العصر الحالي غير مؤهلة لرعاية الزوج والأطفال وتدبير أمور المنزل، فمن بين الأسباب التي تؤدي على تزويج الآباء طفلاتهن العادات والتقاليد، وذلك لأن الواقع الاجتماعي في بعض المناطق المغربية يعتبر كل طفلة بلغت سن 13 أو 14 سنة ولم تتزوج هي عانسا، هنا لي الحق أن اطرح أكثر من سؤال: أين هم رجال الدين؟ هل يترك أمر عظيم مثل الزواج بين مطرقة العادات وسندان التقاليد دون تقييد من الشرع؟ لماذا لا يؤدي الفقهاء والعلماء واجبهم هؤلاء الجاهلون لأمور دينهم، وحقوق طفلاتهم، وأسرهم؟ كيف تستسيغ الأسرة طلاق ابنتها الطفلة البريئة بعد أسبوع أو شهر أو ثلاثة أشهر- وقد تحمل من ذاك الزوج – ولا تقبل بقاء ابنتها في بيتها حتى سن النضج؟ لماذا التلاعب بالميثاق الغليظ والعلاقة السامية التي حث عليها الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات قال تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" هل تتوفر هذه الأسس التي حث عليها الله عز وجل في زواج القاصرات اليوم بشكله المشين؟ كل هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة شافية، سأقدمها في بحث لاحق بإذن الله تعالى.
وأقول إنه رغم تحديد سن للزواج، فإن المجتمع لم يخل من التحايل على القانون، وذلك أن الأولياء يعمدون على طريقة تزويج فتياتهم بالفاتحة، حتى إذا أنجبت يلتجئون إلى القاضي لثبوت الزوجية غير آبهين لما ينتج عن هذا الزواج من أضرار.
يقول الدكتور مصطفى السباعي "ليس في الفقه الإسلامي تحديد لسن الزواج، بل أحكامه العامة قاضية ببلوغ الرشد حين البلوغ الجنسي فعلا، أو تقديرا بخمس عشرة سنة، ولكن قانون الأحوال الشخصية جعل سن الأهلية الكاملة للزواج ثمانية عشر عاما، لكل من الفتى والفتاة، فإذا أرادا الزواج، تقدما بطلب للقاضي للإذن لهما بعقد الزواج، فإذا وجد القاضي أن جسميهما يحتملان الزواج، ووافق الأب أو الجد على ذلك، يسمح لهما بالزواج وإلا فلا".
ويضيف قائلا: "وليس لهذا التحديد مستند لآراء الفقهاء الإسلاميين ولكنه اخذ عن القوانين الغربية، وللغربيين بيئتهم وأوضاعهم الخاصة، غير أني لا أرى هذا التحديد متفقا مع مرحلة البلوغ الجنسي لكن من الفتى والفتاة في بلادنا، ولا يتفق مع المصلحة الأخلاقية العامة، فيجب أن يسمح بالزواج منذ البلوغ الجنسي، والفتى والفتاة وأولياؤهما أدرى بالمصلحة متى تكون في الزواج، أهو بمجرد البلوغ أم بانتظار سنوات بعد ذلك، وتدخل القانون في هذا الموضوع لا معنى له، بعد أن فتح الباب بالسماح بالزواج بمجرد البلوغ الجنسي ولكن عن طريق اقتناع القاضي بأن جسم الفتاة أو الفتى يحتمل الزواج!.. كأن القاضي أغير على مصلحة الفتى والفتاة منهما أو من أوليائهما".
لاشك أن هذا الرأي رأي سليم حسب ما يبدو لي، لان الاباء هم الأدرى بمصلحة أبنائهم، وذلك لمعايشتهم ووقوفهم على كل مرحلة من حياة الفتى والفتاة، ولا أرى أن تدخل القاضي قد ينتج عنه شيء يفيد في الزواج، فعندما يقع ملف بين يديه يدرس حيثياته ويطالب بإجراء خبرة طبية، وغالبا ما تعطى الموافقة، لأنها لا تجرى عند أخصائيين، فلو أجرى الفحص كما ينبغي وفي ظروف طبيعية وعند أخصائي، أقول لم يقبل هذا الأمر، واعتمد في قولي هذا على لقاء أجريته مع أخصائي في طب النساء والتوليد، والذي صرح بأنه عندما أصدرت المدونة القرار القاضي بتزويج الفتيات في سن الثامنة عشر سنة عمتنا الفرحة، لأن هذا القرار يتماشى مع مصلحة الفتاة لأن تزويجها قبل هذا السن يحدث عندها تشوهات على مستوى الرحم مما يؤدي على كثير من المعاناة النفسية والجسدية.
يقول الدكتور السباعي "على أنني لم أجد فائدة لتدخل القاضي في هذا الموضوع، فالآباء الراغبون في زواج بناتهم قبل بلوغهم سن الزواج القانوني يلتمسون من الحيل ما يفسد احتياط القانون لذلك"، إذا كان زواج القاصر له من التأثيرات على الفتاة ما يفسد مستقبلها ويعكر صفو حياتها، فبلا شك أن له من التأثيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية ما يعوق مسيرة المجتمع في مسيرته الحضارية، من أهم هذه التأثيرات السلبية.
1- إهمال التعليم وانتشار الأمية:
إن من أسباب انتشار الجهل والأمية تزويج الفتيات في سن صغيرة مما يجعلهن يتسربن من المدارس بسبب الزواج ومسؤولياته، ولا يقتصر هذا الجهل على الفتاة المتزوجة، بل يطال حتى أبناءها، فكيف نطمح على تنشئة جيل واع ومتعلم دون تعليم الأصل – وهي الأم – خاصة وأنها منبع الرعاية وكل شيء يكتسبه الطفل في مراحله الأولى.

2- انتشار العنوسة:
إن زواج القاصرات يؤيد بالتبع بفئة عريضة من المجتمع من الفتيات اللواتي تجاوزن العشرين سنة إلى الإهمال و التناسي خاصة الفتيات اللواتي يتابعن دراستهن او اللواتي تحكمهن ظروف عائلية – الخروج الى العمل لأجل توفير لقمة العيش للعائلة إن لم يكن لها عائل.
3- انتشار نسبة الطلاق والتخلي عن الفتاة
في السياق نفسه، كشف برنامج "تحقيق" الذي يعده ويقدمه الصحافي محمد خاتم على القناة الثانية، وبرنامج "45 دقيقة" الذي يقدمه الصحافي عفور دهشور على القناة ألأولى، عن واقع صادم لفتيات قاصرات يتم تزويجهن بما في ذلك لمدة أسبوع وتعود الطفلة بعده الى بيت أهلها تمسكا بالتقاليد والعادات الراسخة لدى القبيلة".
لقد رسمت هذه القصص الحقيقية والواقعية جدا صورة فضيحة حقيقية، تجسد اغتيالا للطفولة ودوسا لأبسط حقوق طفلات بريئات مكانهن الطبيعي هو المدرسة وحضن العائلة.
يقول الدكتور مصطفى بن حمزة "إن تزويج المرأة قبل السن القانون هو إجرام يمنع توثيق ذلك الزواج ويجعل المرأة تحت رحمة الزوج ويعرضها على أن تفتقد كل حقوقها خصوصا في حالة الطلاق، كما انه يعرض للأطفال على أن يحيوا وضعا اجتماعيا مزريا إذا امتنع إثبات الزوجية والانتساب على أسرة معينة".
يقول الدكتور السباعي إن عصرنا عصر وعي الناس لمشكلاته تماما، فالفتاة تعرف مشكلات الزواج ومتاعبه، فلا توافق أولياءها على الزواج إلا وهي مقتنعة بأن مصلحتها فيه، وكذلك أولياؤها يعرفون متاعب الزواج المبكر جدا، فإذا رغبوا في زواج فتاتهم بعد بلوغها بسنوات قلائل كان ذلك عندهم أنه في مصلحتها.
حاصل القول في هذا المقال : إن زواج القاصرات موروث اجتماعي منتشر خاصة بالمناطق الريفية، وترجع أسبابه الرئيسية غالبا إلى الفهم الخاطئ للدين والتقيد بالتقاليد والأعراف البالية، إضافة على الفقرة والحاجة، واستمرار هذه الظاهرة قد يؤدي على نتائج وخيمة تعود على الفرد والمجتمع بالخسران المبين.
 
أعلى