العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

فِقْهُ الإنْكَارِ باليَدِّ دراسة ونقد

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
فِقْهُ الإنْكَارِ باليَدِّ

دِرَاسَةٌ ونَقْدٌ


تَألِيفُ

ذيابِ بنِ سَعْدٍ آلِ حَمْدانَ الغَامِديِّ







بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على عَبدِه ورَسولِه الأمين . أمَّا بعدُ[1] :

فاعلم - رحمني الله وإيِّاك - أنَّ شعيرةَ " الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنْكرِ" من شَعَائرِ الإسلامِ العِظَامِ، ومن أوجبِ واجباتِ الدِّين؛ كما أنَّه عُنْوانُ الإسلامِ والإيمانِ، ودليلُ السَّعادةِ والأمانِ، والفوْزُ بِعزِّ الدُّنيا ودُولِ الجِنان، وما ذلك إلاَّ أنَّه من أشقِّ ما يحملُه المُكلَّفِ؛ لأنَّه مقامُ الرُّسُلِ، فمتى - لا قدَّر الله - تَهاوَنَ به المسلمون، أو تَخَاذلَ عنه العَالِمُون؛ فعندها يَعُمُّ العذابُ، ويَحِلُّ الهوانُ، ويَتَسلَّطُ الأعداءُ، وتتَغيَّرُ رسومُ الدِّين ... إلى غير ذلك من الفتنِ والضَّلالاتِ والمُغالطات التي يكفي بعضُها لهدِمِ معالِمِ الإسلامِ العِظام .

وما هذه الشُّبُهاتُ والأدواءُ التي أحاطتْ بنا إحَاطَةَ السِّوارِ بالمَعْصمِ، وهذه الشَّهَواتُ والأهواءُ التي أظلمتْ علينا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظْلِم؛ إلاَّ أنَّ "الأمرَ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكرِ" ضَعُفَ جانِبُه، وكَثُرَ في النَّاسِ مُجَانِبُه، حتى وَصَلَ الحالُ عند بعضِ من يُظنُّ بهم أنَّهم حُماةُ الإسلامِ، وأربابُ الدَّعوةِ أن تَرَاجَعُوا القَهْقَري عن مَيَادينِ الدَّعوةِ؛ ممَّا جعلَ العُصاةَ يَمْرحُون في ميادينِ شَهَواتِهم، ويَفْتَخِرُون بعصيانِهم دون حسيبٍ أو رقيبٍ ... حتى أصبحَ "الإنكارُ" نسياً منسياً؛ إلاَّ بقِيَّةُ أثارةٍ من عِلمٍ، يَلُوكُونَ بها الألْسُنَ، ويُعطِّرُون بها المَجالِسَ، ولرُبَّما يَتَنَاظَرُون ويُصَنِّفون من أجْلِ تَشْقيقَاتٍ فَرْعيَّةٍ حَوْلَها، في حِينَ أنَّ أرضَ الواقِعِ خُلْوٌ منهم؛ نعم بَدَأ الإسْلامُ غَرِيباً وسَيَعُودُ غريباً !

حتى إنَّ أحداً لو أرادَ في هذه الأزمنةِ أن يَعتمدَ على يديه لِينهضَ على قَدَميه : لِيُنْكِرَ ما وجب عليه، قال عنه النَّاسُ : ما أكثرَ فضوله، وما أسفه رأيه، وما أضعف عقله !. ومَنْ سَكَتَ عنهم، وأخْلَدَ إليهم، قالوا عنه : ما أكمل عقله، وما أقوى رأيه ...!

أخي : إنَّ الله تعالى قد أخَذَ عليكم مِيثاق هذا الدِّين بأن تُبَيِّنُوه للنَّاس بما أوجب عليكم من الأمرِ والنَّهي، والدَّعوةِ والإرْشادِ، والعِلْمِ والتَّعليمِ، والتَّحذيرِ والإنْذَارِ، وإبعادِ النَّاسِ عن المَرَاتِعِ الوخيمةِ، والأعمالِ السَّيئةِ الذَّميمةِ؛ فإنَّكم مَسْؤولون أمامَ الله تعالى عن ذلك، فأعِدُّوا للسُّؤَالِ جَوَاباً، وللجَوَابِ صَوَاباً؛ قبل " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنتُ لمن الساخرين"[الزمر56].

وإذا كانَتْ قِيمةُ العَمَلِ تُقَدَّرُ بأهدافِه في السُّمُوِّ أو خِلافِه؛ فإنَّ أهدافَ "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر" هي مِنْ أنْبَلِ، وأسْمَى الأهدافِ!، ويكفي شَرَفاً لها وللقيامِ بِها بأنَّها المُهِمَّةُ التي أُرْسِلَ بها الرُّسُلُ من عند ربِّهم لِنَشْرِ الفضيلةِ، ومُحَاربةِ الرَّذيلةِ، وإلزامِ الناس طَرِيقَ الرَّحمن، وإبعادِهم عن طَريقِ الشَّيطانِ، فهل هناك أهدافٌ أعلى وأسْمى من هذه الأهدافِ ؟ لا والله !

وعن هذا الشُّمُولِ لأهدافِ الحُسْبةِ؛ يقول أبو حامدٍ الغَزَّالي _ رحمه الله _ : " الحُسبةُ وظيفةٌ دينيةٌ اجتماعيةٌ؛ قبل أنْ تكون وظيفةً حَكُوميةً؛ فقد شَمِلت جَوانِبَ الحياةِ كُلِّها؛ فقد دَخَلت في دواوينِ السَّلاطين، ومجالسِ القُضَاةِ، ومَدارسِ الفُقَهاءِ، وخَانَاتِ الأسواقِ، والشَّوارعِ، والحَمَّاماتِ والمَسَاجدِ، والبُيُوتِ، والمَارَسْتانات (المستشفى)، والكَتَاتيب"[2].

وبعد هذا؛ فلا تَحْسِبنَّ أخي المسلم أنَّ "الأمرَ بالمعروف والنَّهيَ عن المُنكر" له أعوانٌ وأنصارٌ ؟ كلاَّ؛ بل ما زال هذه الأمرُ في تراجعٍ وتخاذلٍ من بعض المسلمين، فمرَّةً تراهم يعتذرون بالحكمةِ، ومرَّةً بالسَّلامةِ، ومرَّةً بالمصلحة ... وهلمَّ جرّاً.

ودونك أخي المسلم هذا الكلامَ الرَّبَّاني الذي كان لِزاماً على كلِّ طالبِ علمٍ أن يَقِفَ معه بتدبُّرٍ وتأمُّلٍ، وهو من كنوزِ الحِكَمِ للإمامِ الهُمامِ ابنِ القيم - رحمه الله – إذ يصفُ لنا حالَ أكثرِ المسلمين بقولِه : " وقد غرَّ إبليسُ أكْثَرَ الخلْقِ بأنْ حَسَّنَ لهم القِيامَ بِنَوْعٍ من الذِّكرِ، والقراءةِ، والصَّلاةِ، والصِّيامِ، والزُّهدِ في الدُّنيا والانقطاعِ، وعَطَّلُوا هذه العُبُودِيَّاتِ، فلم يُحَدِّثُوا قلوبَهم بالقيامِ بها، وهؤلاء عند ورثةِ الأنبياءِ من أقَلِّ الناسِ دِيناً؛ فإنَّ الدِّينَ هو القيامُ لله بما أمرَ به؛ فتاركُ حُقُوقِ الله التي تَجِبُ عليه أسْوأ حَالاً عند اللهِ ورسولِه مِنْ مُرْتكبِ المَعاصي؛ فإنَّ تَرْكَ الأمرِ أعظمُ من ارتِكَابِ النَّهي من أكثرِ مِنْ ثلاثين وجْهاً ذكرها شيخُنا رحمه الله ( أي : ابن تيمية ) في بعض تصانيفه . ومَنْ له خِبْرةٌ بما بَعَثَ الله به رسولَه صلى الله عليه وسلم، وبما كان عليه هو وأصحابُه؛ رأى أنَّ أكْثَرَ مَنْ يُشَارُ إليهم بالدِّينِ هم أقَلُّ الناس ديناً، والله المستعان.

وأيُّ دِينٍ، وأيُّ خَيْرٍ فِيمن يرى : مَحَارمَ الله تُنْتَهك، وحُدُودَه تُضَاعُ، ودِينَه يُتْرك، وسُنَّةَ رسولِه صلى الله عليه وسلم يُرْغبُ عنها؛ وهو بارِدُ القَلْبِ، سَاكِتُ اللِّسانِ، شَيْطانٌ أخْرسٌ؛ كما أنَّ المُتَكلِّمَ بالباطلِ شيطانٌ ناطقٌ ؟ا.

وهل بَلِيَّةُ الدِّينِ إلاَّ مِنْ هؤلاءِ الذين إذا سَلِمتْ لهم مآكلُهم ورياساتُهم؛ فلا مُبَالاةٍ بما جرى على الدِّينِ؟ا.

وخِيارُهم المُتَحَزِّنُ المُتَلَمِّظُ، ولو نُوزِعَ في بعضِ ما فيه غَضَاضةٌ عليه في جاهِهِ أو مالِه؛ بَذَلَ وتَبَذَّل، وجَدَّ واجْتَهد، واستعملَ مَرَاتبَ الإنكارِ الثلاثةِ حسب وُسْعِه .

وهؤلاء – مع سُقُوطِهم من عينِ الله ومقتِ الله لهم _ قد بُلُوا في الدُّنيا بأعْظَمِ بَلِيَّةٍ تكون وهم لا يَشْعرون، وهو مَوْتُ القُلُوبِ؛ فإنَّ القلبَ كلَّما كانت حياتُه أتَمَّ؛ كان غَضَبُه لله ورسولِه أقوى، وانْتِصَارُه للدِّينِ أكمل"[3] .

والذين يُؤْثِرُون السَّلامَةَ في أديانِهم _ فيما زعموا _ وفي أبدانِهم، ويَتْرُكُون الأمرَ والنَّهيَ الواجبَ عليهم _ مع القُدْرةِ عليه _ لهذا السبب : هم كالمُسْتجيرِ مِنَ الرَّمْضاءِ بالنَّارِ[4]؛ إذْ صُورَةُ حَالِهم أنَّهم يَهْرُبُون من ضَرَرٍ مُتَوقَّعٍ إلى ضَررٍ واقعٍ؛ كما قال الله تعالى عن المنافقين : " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإنَّ جهنم لمحيطةٌ بالكافرين"[التوبة49].

وفي هذا يقول شيخ الإسلامِ ابنُ تيمية : " ولَمَّا كان في الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكرِ، والجهادِ في سبيلِ الله مِنَ الابتلاءِ والمِحَنِ ما يَتَعرَّضُ به المَرْءُ للفِتْنةِ؛ صَارَ في النَّاسِ مَنْ يَتَعلَّلُ لتركِ ما وجب عليه من ذلك بأنْ يَطْلُبَ السَّلامةَ من الفتنةِ؛ كما قال تعالى عن المنافقين : " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا"[التوبة49].

ثمَّ قال : إنَّ نَفْسَ إعْرَاضِه عن الجهادِ الواجبِ، ونُكُولَه عنه، وضَعْفَ إيمانِه، ومَرَضَ قلبِه الذي زَيَّنَ له تَرْكَ الجهاد : فِتْنةٌ عظيمةٌ قد سَقَطَ فيها، فكيف يَطْلُبُ التَّخَلُّصَ مِنْ فِتْنةٍ صَغيرةٍ لم تُصِبْه بِوُقُوعِه في فتنةٍ عظيمةٍ قد أصَابَتْهُ ؟!.

ثمَّ قال : فَمَنْ تَرَكَ القِتَالَ الذي أمَرَ الله به؛ لئلا تكون فتنةٌ؛ فهو في الفتنةِ سَاقطٌ؛ لِمَا وقع فيه مِنْ رَيْبِ قَلْبِه، ومَرَضِ فؤادِه، وتَرْكِ ما أمَرَهُ الله به من الجهاد"[5]. ويقولُ أيضاً : " وإذا كان كذلك فمعلومٌ أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكرِ، وإتْمَامَه، والجهادَ هو من أعظمِ المعروفِ الذي أُمِرْنا به... وإذا كان هو أعظمُ الواجباتِ والمُستحبَّاتِ، فالواجباتُ والمستحبَّاتُ لا بُدَّ أنْ تكون المصلحةُ فيها راجحةً على المفسدةِ؛ إذ بهذا بُعِثَتِ الرُّسُلِ، وأُنْزِلتِ الكُتُبِ والله لا يُحِبُّ الفسادَ"[6].

كما أنَّني هنا لم أقْصِدْ الكلامَ عن "الأمرِ بالمعروف والنهي عن المُنكر" بكُلِّ ما له من مسائلَ ودلائلَ ... إلى غيرِ ذلك من مباحثِه العِظام؛ كلاَّ لم أقْصِدْ شيئاً من ذلك؛ وما هذا إلاَّ أنَّ (المسألةَ) قد بُحثتْ عند كثيرٍ من أهلِ العلمِ – السَّلفِ منهم والخلفِ – في مُصنَّفاتٍ مُستقِلَّةٍ، وكلٌّ منهم بحسبِه، إلاَّ أنَّها في مَجْمُوعِها قد أخذتْ بمجامعِ مسألتِنا جملةً وتفصيلاً، والحمدُ لله ربِّ العالمين . لأجلِ هذا؛ كان من الحكمةِ أن اختصرَ الطريقَ، وأقفَ على مواقعَ الدَّاء التي أحسبُها من جادَّةِ بحثنا، مع بيانِ ما شابها من الْتِبَاسٍ وشُبهٍ عند بعضِ طلبةِ العلمِ من أهلِ زماننا، ناهيك عمَّن سواهم .

أقولُ : لقد جَاءتِ النُّصوصُ الشَّرعيةُ من الكتابِ، والسنةِ، والإجماعِ، وأقوالِ السَّلفِ بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وهي كثيرةٌ جداً لا يحيطُ بها مثلُ هذا المقامِ؛ لذا سنقتصر هنا على ما فيه مَقْنَعٌ وغُنْيةٌ .

يقول الله تعالى : " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"[آل عمران104]. وقال تعالى : " كنتم خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..."[آل عمران11]، ولذا نجدُ عُمَرَ بنَ الخطاب – رضي الله عنه – يقول بعد أن قرأ الآيةَ السَّابقةَ : يا أيها الناس مَنْ أراد أن يكون من هذه الأمَّةِ فليُؤَدِّ شَرْطَ الله فيها"[7].

وفي حديث أبي سعيد الخُدْري - رضي الله عنه - قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانِه، فإن لم يستطع فبقلبِه وذلك أضعفُ الإيمان"[8]مسلم .

وهذه بعضُ أقوالِ أهلِ العلمِ في شرحِ هذا الحديثِ، يقولُ أبو الفضل عياض - رحمه الله - : " هذا الحديث أصلٌ في صفةِ التَّغيير فحقُّ المُغيِّر أن يُغيِّرَه بكلِّ وجهٍ أمكن زوالُه به، قولاً كان أو فعلاً، فيكسر آلات الباطل، أو يُريق المُسكر بنفسه، أو يأمرُ من يفعله، وينزعً المغصُوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمرِه إذا أمكنه"[9].

أمَّا ما أُثِرَ عن بعضِ السَّلفِ _ رضي الله عنهم _فقد رُوِيَ عن أبي بكر _ رضي الله عنه _ قوله : " يا أيها الناس ائْتَمِرُوا بالمعروفِ وانْهَوْا عن المنكرِ، تَعيشُوا بخيرٍ"[10]. وقال علي _ رضي الله عنه _ : " من أمر بالمعروفِ شَدَّ ظَهَرَ المؤمنين، ومن نَهَى عن المنكرِ رَغَّمَ أنْفَ المنافقين"[11] . وقال حذيفة بن اليمان _ رضي الله عنه _ حين سُئلَ عن ميتِ الأحياءِ ؟ فقال : " الذي لا يُنْكرُ المُنْكرَ بيدِه ولا بلسانِه ولا بقلبِه"[12].

كما دلَّ على وُجُوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ إجماعُ الأمَّةِ، كما نقل ذلك الإمامُ النَّوويُّ، وابنُ عبد البرِّ، والقرطبي وغيرهم [13] كما سيأتي بيانه إن شاء الله .

وبعد أن ذكرْنا الأدلَّةَ القاطعةَ على وجوبِ "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر"؛ كان من المُناسبِ أن نَذْكُرَ شُرُوطَ الآمرَ بالمعروفِ والنَّاهي عن المُنكر على وجه الاختصار، وهي كما يلي : ( شروطٌ مُتَّفقٌ عليها، وشروطٌ مُختلفٌ فيها ) .

ـ فأمَّا الشُّروطُ المُتَّفقُ عليها؛ فهي : الإسلامُ، والتَّكليفُ، والاستطاعة .

ـ أمَّا الشُّروطُ المُختلفُ فيها؛ فهي : العدالةُ، وإذنُ الوالي .

وهذا ما قاله ابنُ النَّحَّاسِ – رحمه الله - : " يُشترطُ لإيجابِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكرِ؛ ثلاثةُ شُرُوطٍ : الإسلامُ، والتَّكليفُ، وىالاستطاعةُ . واخْتُلِفَ في العدالةِ، والإذْنِ من الإمام"[14].

وبعد هذا؛ أحببنا أنْ نَقِفَ مع بعضِ الأحكامِ المُختلفِ فيها التي فُهِمتْ على غيرِ وجهِهَا الشَّرعي، لا سيما عند بعضِ طلبةِ العلمِ !. وذلك من خلالِ مسائلَ مُهمَّةٍ :

المسألةُ الأولى : الإنكارُ باليدِّ، هل يُشترطُ فيه إذْنُ السُّلطانِ، أم لا ؟!.

قلتُ : إنَّ هذه المسألةَ من المسائلِ الكبارِ التي ينبغي أن نقفَ معها بعضَ الشيءِ كي نكشفَ حقيقةَ معناها الشَّرعي الذي أخذَ مَنْحىً خطيراً، وتفسيراً بعيداً عن معناه الصَّحيحِ؛ ومنه تنَكَّبَ أكثرُ المسلمين الطريقَ المستقيمَ في التَّعاملِ مع "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر".

هذا إذا عَلِمتَ؛ أنَّ هذا الأمرَ - للأسف - لم يَنْتَهِ إلى هذا الحدِّ؛ بل وَصَلَ الحالُ والمَقَالُ إلى بعضِ شُداةِ العلمِ يوم أن تَسَرَّبت إليهم هذه الفُهُومُ الفاسِدَةُ تُجاه معنى هذه ( المسألةِ ) فكان ما كان ( تخاذلٌ، وتراجعٌ ) وكلٌّ هذا باسمِ الحِكْمةِ، أو السَّلامةِ، أو المَصْلحةِ ... !.

وباختصارٍ أقولُ : إنَّ الخلافَ في هذه المسألةِ ( الإنكارُ باليدِ، هل هو مِنْ شَأنِ السُّلطانِ، أم آحادِ الرَّعيَّةِ ) عند أهلِ العلمِ على قولين :

القولُ الأولُ : من قال إنَّه خاصٌ بالسُّلطان ( بنفسِه، أو أهلِ الحُسْبةِ ) واستدلُّوا بما يلي :

أولاً : أنَّ الإنكارَ باليدِ إذا فعله آحادُ الرَّعيَّةِ، سوف يترتَّبُ عليه فتنٌ وفوضى .

ثانياً : أنَّ فيه افْتِئاتاً على وَليِّ الأمْرِ !.

ثالثاً : أنَّ تغيرَ المنكر باليدِّ يحتاجُ إلى قُوَّةٍ، والقوَّةُ من شأنِ السُّلطان . إلى غير ذلك من التعليلاتِ.

علماً أن أكثرَ هذه التَّعليلاتِ للأسفِ لم تكن نابعةً من بَسْطةٍ في العِلْمِ، أو تأصيلٍ شرعي، أو اسْتِنَادٍ على آيةٍ مُحْكَمةٍ، أو سُنَّةٍ ناطقةٍ، أو قولِ صَحَابي، أو قياسٍ صحيحٍ؛ كلاَّ !.

إنَّ أكثرَ هذه التعليلاتِ – للأسفِ – كانت نتيجةَ الضُّغوطِ المشحونةِ بالاستبدادِ الجائرِ، والظُّلمِ الغاشِمِ، والجهلِ السَّائدِ، والأذى المقيت، وغير ذلك من الاعتداءات الذي انتحلتْها سِلْسِلَةُ تسَلُّطِ الحُكَّامِ الجائرين على رِقابِ أكثرِ بلادِ المسلمين ‍‍‍!، فكان من سَوَالِب هذه التَّهديدات أنَّ طائفةً من أهلِ العلمِ تَخَلَّوْا عن القيامِ بوظيفةِ "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر"، لا سيما إذا عَلِمْتَ أنَّ أسْمَى وأفضلَ مَرَاتِبِ الإنكارِ ما كان باليَدِ، فعند ذلك كان الإنكارُ باليدِ عندهم محلَّ نظرٍ ومُحاسبةٍ، أو قُلْ : مَظِنَّةَ حَبْسٍ وإيذاءٍ، وربَّما قتلٍ !.

وعند هذا؛ كان على العاقلِ أن يَعْلمَ أنَّ أصحابَ هذا القولِ؛ كانوا حصادَ هذه الاعتداءات الغاشِمةِ التي اخْتَطَّتها سياسةُ أكثرِ حُكَّامِ المسلمين، إلاَّ أنَّنا مع هذا (الاعتذار ) لا نُقِرُّهُم على هذه التَّعليلاتِ ( المَعْلُولةِ )؛ فضلاً أن يجعلوها دليلاً مُستقِلاً تُبنى عليه أحكامٌ شرعيَّةٌ، أو تكون تخصيصاً لعمومِ الأدلَّةِ، أو قيداً لمُطلقِها !.

كما أنَّني لا أشكُّ أنَّ أكثرَ أصحابِ هذا القولِ قد دخلَ عليهم الرَّوعُ والخوْفُ، أو حُبُّ السَّلامةِ بطريقٍ أو آخر !؛ فعند هذا أضحت مسألةُ ( الإنكارِ باليَدِ ) عندهم مُعلَّقةً بخاصَّةِ السُّلطان، أو من ولاَّهُ من أهلِ الحُسبةِ، مع علمهم (القطعي) أنَّ أهلَ الحُسبةِ في زماننا ليس لهم في قانونِ حُكَّامِ أكثرِ بلادِ المُسلمين من الأمرِ شيءٌ!؛ اللهم صلاحيات نِظامية، وترتيبات إدارية، ومعاملات رقابية، حيث سُحِبتْ منهم أكثرُ الصَّلاحيات الشَّرعية، وحاصلُ الأمرِ؛ بل حقيقة الأمرِ : لا ( إنكارَ باليدِ ) !، فلا السُّلطان يُغَيِّر بيدِه، ولا أهلُ الحسبةِ يجرؤن على التَّغيير باليدِّ، ولا أهلُ المعاصي المُجاهرون ينتهون!؛ بل لم يَزَلِ الفسادُ يَتَفاقَم أمرُه، ويتطاير شَررُه، اللهم رُحماك، اللهم رُحماك !.

لذا؛ كان ينبغي أنْ نعلمَ أنَّ أصحابَ هذا القولِ ليس لهم مِنَ الدَّليلِ الشَّرعي نصيبٌ يُؤثر، اللَّهم إلاَّ مُتَشَابهاتٌ، وتعليلاتٌ ما أنْزَلَ الله بها مِنْ سُلطان !. في حين أنَّ كثيراً من العلماءِ من أهل التَّحقيقِ قد غَلَّطوا من قال : إنَّ إذْنَ السُّلطانِ مُعتبرٌ في آحَادِ الرَّعيَّةِ !. وعلى رأسهم الإمامُ الغَزَّاليُّ - رحمه الله - حيثُ وَصفَ هذا الشَّرطَ بالفسادِ، بقوله : " هذا الشَّرطُ فاسدٌ؛ فإنَّ الآياتِ والأخبارَ التي أوْرَدْنَاها تَدُلُّ على أنَّ كُلَّ مَنْ رأى مُنْكراً؛ فَسَكتَ عليه عَصَى، إذْ يَجِبُ نَهْيُهُ أيْنَما رآه، وكيفما رآه على العمومِ، فالتَّخْصِيصُ بشرطِ التَّفْويضِ من الإمامِ تَحَكُّمٌ لا أصْلَ له". وقال أيضاً : " بل أفضلُ الدَّرجاتِ كلمةُ حقٍّ عند سُلْطانٍ جائرٍ، كما وَرَد في الحديثِ[15]، فإذا جازَ الحُكْمُ على الإمامِ على مُرَاغَمَتِه؛ فكيف يَحْتَاجُ إلى إذْنِه ؟". وقال أيضاً : " واستمرارُ عاداتِ السَّلفِ على الحُسبةِ على الوُلاةِ قاطعٌ بإجماعِهم على الاستغْناءِ عن التَّفويضِ؛ بل كُلُّ مَنْ أمَرَ بمعروفٍ، فإن كان الوالي راضياً فذاك، وإن كان ساخطاً له فَسُخْطُه له مُنكرٌ يجبُ الإنكارُ عليه، فكيف يحتاج إلى إذنِه في الإنكارِ عليه". وقال أيضاً بعد كلامٍ له في عَدَمِ وُجُوبِ استئذانِ الإمامِ في التَّغيير : " وكذلك كَسْرُ الملاهي، وإراقَةُ الخُمُورِ فإنَّه تَعَاطى ما يُعْرفُ كونُه حقاً من غيرِ اجتهادٍ، فلم يَفْتقِرْ إلى الإمامِ، وأمَّا جَمْعُ الأعْوانِ، وشَهْرُ الأسْلِحةِ فذلك قد يَجُرُّ إلى فِتْنَةٍ عامَّةٍ؛ ففيه نَظَرٌ سيأتي ..."[16]. وهذا أيضاً ابنُ دقيق العيد – رحمه الله – يقول : " قالوا : و لا يَخْتَصُّ الأمْرُ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكرِ بأصْحَابِ الوِلايةِ؛ بل ذلك ثَابِتٌ لآحادِ المسلمين"[17].

ـ أمَّا قولُهم : إنَّ في إنكارِ آحادِ الرَّعيَّةِ إثارةً للفتنِ والفوضى، فردُّه كما يلي :

قلتُ : في هذا تحكُّمٌ عقليٌ منكم في مُوَاجهةِ نُصُوصٍ صريحةٍ مِنَ السُّنَّةِ، وأفعالِ الصحابةِ، وأقوالِ العلماء المُحقِّقين على اختلافِ مذاهبِهم، وبعد هذا فلا يَحِقُّ لأحَدٍ كائناً من كان أن يقولَ برأيِه قولاً مُخَالفاً لما دلَّتْ عليه النُّصُوص الشَّرعيةُ؛ لأنَّ في هذا – عياذاً بالله – اتِّهاماً ضِمنياً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم بأنَّه يأمُرُ بما يُثِيرُ الفوضى والفِتَن[18] !.

ويحسنُ بنا أن نَسُوقَ لهؤلاءِ شيئاً مِنْ دُرَرِ كلامِ الإمامِ أبي بكرٍ الجَصَّاصِ - رحمه الله – حيث شَخَّصَ الدَّاءَ، ووَصَفَ لنا الدَّواءَ، إذا يقول : " لم يَدْفعْ أحدٌ من علماءِ الأمَّةِ، وفقهائِها - سلفهم وخلفهم - وجوبَ ذلك إلاَّ قومٌ من الحَشْوِ، وجُهَّالِ أصحابِ الحديثِ؛ فإنَّهم أنكروا قتالَ الفِئَةِ الباغِيةِ، والأمْرَ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكرِ بالسِّلاحِ، وسَمُّوا الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ فِتْنَةً إذا احْتِيجَ فيه إلى السِّلاحِ، وقِتَالُ الفئةِ الباغيةِ مع ما قد سَمِعُوا فيه من قَوْلِ الله عزَّ وجل : " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله"[الحجرات9]، وما يقتضيه اللَّفظُ مِنْ وُجُوبِ قتالِها بالسَّيفِ وغيرِه، وزعموا مع ذلك أنَّ السُّلطانَ لا يُنْكَرُ عليه الظُّلْمُ، والجَوْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ التي حَرَّمَ الله، وإنَّما يُنْكَرُ على غيرِ السُّلطانِ بالقولِ، أو باليدِ بغيرِ سلاحٍ، فصاروا شَراً على الأمَّةِ من أعدائِها المُخَالفين لها؛ لأنَّهم أقْعَدُوا النَّاسَ عن قِتَالِ الفئةِ الباغيةِ، وعن الإنكارِ على السُّلطانِ الظُّلمَ والجَوْرَ؛ حتى أدَّى ذلك إلى تَغَلُّبِ الفُجَّارِ؛ بل المجوسِ وأعداءِ الإسلامِ حتى ذهبتِ الثُّغُورِ، وشاعَ الظُّلمُ، وخُرِّبتِ البِلادُ، وذهبَ الدِّينُ والدُّنيا، وظهرتِ الزَّندقةُ والغُلُوُّ، ومذاهبُ الثَّنويةِ والخُرَّميَّةِ والمزْدَكيَّةِ، والذي جَلَبَ ذلك عليه : تَرْكُ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنْكَرِ، والإنكارِ على السُّلطانِ الجائرِ"[19].

ومن خلالِ هذا؛ كانت حقيقةُ الفوضى والفِتَنِ المزعومةِ مُتحَقِّقةً في تركِ تغييرِ المُنْكَرِ ليس إلاَّ؛ فعندها كان تركُ "الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ" أصْلَ كُلِّ فِتْنةٍ وفوضى، ولا بُدَّ. وذلك ماثلٌ في زماننا؛ فُخُذْ مثلاً : انتشارُ المسَارحِ الغنائيةِ والملاهي المُحرَّمةِ ( باسم السِّياحة !)، واختلاطُ الرِّجالِ بالنساءِ ( باسم المُسَاواة !)، وظُهُورُ الزِّنا (باسم الحُرِّيَّةِ الشَّخصيَّة!)، وانتحالُ الكفرِ والرِّدَّةِ (باسم حرِّيَّةِ الفِكْر !)، والاستهزاءُ بأحكامِ الإسلامِ وأهلِه (باسم الفُكاهةِ والمِزَاح! ) ... الخ، كُلُّ هذا يوم تركنا الإنكارَ باليدِ (باسم السُّلطانِ وأهلِ الحُسبة !).

ـ أمَّا قولُهم : إنَّ في إنكارِ آحادِ الرَّعيَّةِ افتئاتاً على الحاكمِ، فردُّه كما يلي :

قلتُ : لا بدَّ أن نُفرِّقَ بين تغييرِ المنكر، وإقامةِ الحُدُود، فمن فرَّقَ بينهما تبيَّنَ وظهرَ له جَليَّةُ الأمرِ على الحقيقةِ . فهذا الغَزَّالي - رحمه الله - يُبيِّنُ لنا الفرقَ بينهما بقوله : " ليس لآحادِ الرَّعيَّةِ إلاَّ الدَّفعُ، وهو إعدامُ المُنكرِ فما زادَ على قَدْرِ الإعدامِ، فهو إمَّا عقوبةٌ على جريمةٍ سابقةٍ، أو زَجْرٌ عن لاحِقٍ، وذلك إلى الوُلاةِ لا إلى الرَّعيَّةِ"[20].

ومن خلالِ هذا؛ نفهم أنَّ هنالك فرقاً واضحاً بين إزالةِ المنكرِ أياً كان، وبين إقامةِ الحُدُودِ؛ لذا كانت عمليةُ التَّغييرِ هي مجرَّدُ إزالةٍ للمنكرِ، أو دَفْعٍ له، وهذه يقومُ بها الحاكمُ وغيرُه، وهذا بيِّنٌ واضحٌ كما أوضحناه آنفاً من خلالِ الأدلَّةِ الشَّرعية، وأقوالِ أهلِ العلمِ، والله المُوفِّقُ والهادي إلى سواءِ السَّبيل.

تنبيه : وما ذكرناه هنا : مِنْ أنَّ إقامةَ الحُدُودِ من اختصاصِ الحَاكمِ ليس على إطلاقِه؛ بل هذا في حَالةِ ما إذا كان الحَاكمُ قائماً بذلك، أمَّا إذا قَصَّرَ الحاكمُ في إقامةِ الحُدُودِ فإنَّه يَجُوزُ للجماعةِ المُحْتَسِبةِ مِنْ آحادِ الرَّعيةِ أن تقومَ بذلك بعد النَّظرِ في قاعِدةِ " المصالح والمفاسد" لأنَّ "الأمرَ بالمعروف والنَّهيَ عن المُنكر" واجبٌ على الأمَّةِ، ويَنُوبُ عنها الحاكمُ في ذلك، فإن قَصَّرَ الحاكمُ رجعَ الأمرُ للأمَّةِ، وهذا ما قرَّرَه شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ بقولِه : " وكذلك الأميرُ إذا كان مُضَيِّعاً للحُدُودِ، أو عاجزاً عنها، لم يَجِبْ تفويضُها إليه مع إمكانِ إقامتِها بِدُونِه، والأصْلُ أنَّ هذه الواجباتِ تُقَامُ على أحسنِ الوُجُوه، فمتى أمكن إقامتُها من أميرٍ لم يحتجْ إلى اثنين، ومتى لم تُقَمْ إلاَّ بعددٍ ومن غيرِ سُلطانٍ أُقيمت إن لم يكن في إقامتِها فسادٌ يزيدُ على إضاعتِها، فإنَّها من بابِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر ..."[21]. وهذا الإمامُ الشَّوكاني - رحمه الله - يُقرِّرُ ما نحنُ بصددِه، وذلك عند تعليقِه على صاحبِ "حدائق الأزهار" عند قولِه : " وتجبُ إقامتُها ( الحُدُود ) في غيرِ المسجدِ على الإمامِ وواليه، إنْ وقع سببها في زمان ومكان يليه"، قال الشوكاني بعد هذا : " هذا مبنيٌ على أنَّ الحُدُودَ إلى الأئمةِ، وأنَّه لا يُقيمُها غيرُهم على مَنْ وجبتْ عليه، وليس على هذا أثارةٌ مِنْ علمٍ . ولا شكَّ أنَّ الإمامَ ومَنْ يَلي مِنْ جهتِه هم أولى مِنْ غيرِهم كما قدمنا، وأمَّا أنَّه لا يُقِيمُها إلاَّ الأئمةُ، وأنَّها ساقطةٌ إذا وقعت في غيرِ زَمَنِ إمامٍ، أو في غيرِ مكانٍ يليه فباطلٌ وإسقاطٌ لما أوجبه الله مِنَ الحُدُودِ في كتابِه، والإسلامُ موجودٌ، والكتابُ والسنةُ موجودان، وأهلُ العلمِ والصَّلاحِ موجودون؛ فكيف تُهْمَلُ حُدُودُ الشَّرعِ بمجردِ عدمِ وُجُودِ واحدٍ من المسلمين ؟!"[22]. وهذا شيخُ الإسلام ابن تيمية كان يُعزِّرُ، ويُقِيمُ الحُدودَ؛ لمَّا قصَّرَ السَّلاطينُ في زمانِه من إقامةِ الحُدُود آنذاك، وهذا منه رحمه الله ليس بخافٍ لِمنْ قرأَ سيرتَه[23].

ـ أمَّا قولهم : إنَّ الإنكارَ باليدِ يحتاجُ إلى قُوَّةٍ، والقُوَّةُ من شأنِ السلطان، فردُّه كما يلي :

قلتُ : ليس الأمرُ كما ذُكِر؛ بل ليس من شرطِ تغيير المُنكرِ وجودُ القوَّةِ!، كما أنَّه ليس من شرطِ المُغَيِّرِ أن يعلمَ أنَّ في قُدرتِه أنْ يُغَيِّرَ المُنكرَ!، لذا كانت القُدرةُ في جادَّةِ أهلِ العلمِ المحقِّقين شرطاً في الوجوب، لا شرطاً في الصِّحَّةِ.

والدَّليلُ على أنَّ القدرةَ شَرطٌ في وجوبِ تغييرِ المنكرِ، قولُه صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ : " ... فإن لم يستطع فبلسانِه، فإن لم يستطع فبقلبِه ..."، فقوله : فإن لم يستطعْ " دليلٌ على أنَّ مَنَاطَ الوُجُوبِ القُدْرةُ، فمنْ فَقَدَ القُدرةَ سَقَطَ عنه الوُجوبُ .

وأمَّا الأدلَّةُ على أنَّ القُدرةَ ليست شرطاً في صِحَّةِ التَّغييرِ فكثيرةٌ منها :

1ـ قولُه صلى الله عليه وسلم : " سَيِّدُ الشُّهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلب، ورجلٌ قامَ إلى إمامٍ جائرٍ فأمرَه ونهاهُ فقتلَه"[24]الحاكم . فلا شك أنَّ هذا الرَّجلَ لم تَبْلُغْ قدرتُه أن يُغَيِّرَ مُنْكرَ ذلك الحاكمِ الجائرِ، ومع ذلك أنكرَ عليه، فكان من نتيجةِ ذلك أنْ قُتِلَ في سبيلِ الله، فعدَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم سيدَ الشُّهداءِ مع حمزةَ رضي الله عنه .

2ـ فمنها ما جاء في قِصَّةِ عاصمِ بنِ ثابتٍ لما بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رأسِ نَفَرٍ من أصحابه إلى عضل والقارة، فخرج عليهم قرابةُ مائة رَامٍ، فأحاطوا بهم فقالوا : لكم العهدُ والميثاقُ إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم : أمَّا أنا فلا أنزلُ في ذِمَّةِ كافرٍ ... فقاتلُوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعةِ نفرٍ بالنَّبٍلِ[25]. قال الشَّوكاني تعليقاً على هذا الحديث : " يجوزُ لمن لا طاقةَ له بالعَدُوِّ أن يتمنعَ مِنَ الأسْرِ، وأن يُسْتَأسَرَ"[26].

3ـ ومنها ما وردَ في قصة عمرو بن الجموح الذي كان رجلاً أعرجَ شديدَ العرجِ، وكان له بَنُون أربعة مثل الأسدِ يشهدون من رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهدَ، فلما كان يوم أُحد أرادوا حَبْسَه، وقالوا له : إنَّ الله عزَّ وجل قد عَذَرَك، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنَّ بَنِيَّ يُريدون أنْ يَحْبِسوني عن هذا الوَجْهِ والخُرُوجِ معك فيه، فو الله إنِّي لأرجو أنْ أطأَ بعرجَتِي هذه في الجنةِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمَّا أنت فقد عَذَرَك الله فلا جهادَ عليك، وقال لبنيه : ما عليكم ألاَّ تَمْنَعُوه لَعَلَّ الله أن يَرْزُقَه الشَّهادةَ" فخرج معه فَقُتلَ يوم أحد[27].

ومن هذا يُعلم أنَّ انْدِفاعَ الرجلِ المسلمِ مُضَحياً بنفسِه في سبيلِ الله جائزٌ في الجهادِ، وفي الحُسْبةِ، وإن عَلِمَ أنَّه يُقْتل، وإن علمَ أنَّ المُنكرَ لا يزولُ ما دام في ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ، ككَسْرِ قلوبِ الكُفَّارِ والفُسَّاقِ بما يَرَوْنَه مِنْ قُوَّةِ المسلمين وجُرْأتِهم، أو تَقْوِيةِ المسلمين الآخرين، وحملهم على التَّضحيةِ كذلك .

قال القرطبيُّ - رحمه الله - : " قال محمدُ بنُ الحسن : لو حملَ رجلٌ واحدٌ على أَلْفِ رجلٍ من المشركين وحدَه لم يكن بذلك بأسٌ إذا كان يَطْمَعُ في نَجَاةٍ، أو نِكايةٍ في العَدُوِّ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروهٌ؛ لأنَّه عَرَّضَ نَفْسَه لِلتَّلفِ في غيرِ منفعةٍ للمسلمين، فإن كان قصدُه تَجْرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثلَ صَنِيعهِ فلا يَبْعُدُ جوازُه، ولأنَّ فيه منفعةً للمسلمين على بعضِ الوُجُوه، وإن كان قصدُه إرهابَ العدوِّ ليعلم صلابةَ المسلمين في الدِّين، فلا يبعدُ جوازُه، وإذا كان فيه نفعٌ للمسلمين فتلفَتِ النَّفسُ لإعزازِ دينِ الله وتوهينِ الكُفْرِ فهو المقامُ الشَّريفُ الذي مدح الله سبحانه وتعالى به المؤمنين في قوله : ( إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) على غيرها من آياتِ المدحِ التي مدحَ الله بها من بذلَ نفسَه، وعلى ذلك ينبغي أن يكون حُكمُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِّ عن المنكرِ"[28].
وكذا قال الغزَّاليُّ - رحمه الله - : " ... ولكن لو عَلِمَ أنَّه لا نكايةَ لهجومِه على الكفارِ؛ كالأعمى يطرحُ نفسَه على الصَّفِّ، أو العاجزِ فذلك حرامٌ، داخلٌ تحت عمومِ آيةِ التَّهْلُكَةِ، وإنَّما جازَ له الإقدامُ إذا علم أنَّه يُقَاتلُ إلى أن يُقْتلَ، أو علم أنَّه يَكْسِرُ قلوبَ الكفارِ بمشاهدتِهم جراءتَه، واعتقادِهم في سائرِ المسلمين قِلَّةَ المُبالاةِ، وحُبَّهم للشَّهادةِ في سبيل الله، فتَنْكسرَ بذلك شوكتُهم، فكذلك يجوزُ للمُحْتسبِ، بل يُسْتحبُّ له أن يُعَرِّضَ نفسَه للضَّربِ، أو القتلِ إذا كان لحُسْبتِه تأثيرٌ في رفعِ المُنكرِ، أو في كسرِه جَاه الفاسقِ، أو في تقويةِ قلوبِ أهلِ الدِّينِ، وأمَّا إن رأى فاسقاً مُتَغلباً وعنده سيفٌ، وبيدِه قَدَحٌ وعلمَ أنَّه لو أنكرَ عليه لَشِرَبَ القدحَ وضربَ رقبتَه، فهذا ممَّا لا أرى للحُسْبةِ فيه وجهاً، وهو عينُ الهلاك"[29]، أي إذا عَلِمَ أنَّ إنكارَه هذا سيترتَّبُ عليه مُنكرٌ أكبر، والحالةُ هذه فلا، لأنَّ مِنْ شرطِ الإنكارِ ألاَّ يترتَّب عليه منكرٌ أعظمُ منه.

القولُ الثاني : أنَّه لا يُشترطُ إذنُ السُّلطان؛ بل لآحادِ المسلمين تغييرُ المُنْكرِ باليَدِ، وهذا قولُ جمهورِ السَّلفِ والخلفِ، وقد دلَّ على ذلك الكتابُ، والسُّنَّةُ، والإجماعُ .

ـ أمَّا الكتابُ :

فقد قال الله تعالى : " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"[آل عمران104]. قال ابنُ كثير - رحمه الله - في تفسير الآية : " المقصودُ مِنْ هذه الآيةِ أنْ تكونَ فِرْقةٌ من هذه الأمَّةِ مُتَصدِّيةً لهذا الشأنِ، وإن كان ذلك واجباً على كلِّ فردٍ من الأمَّةِ بحسبِه، كما ثبتَ في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيدِه ...[30]"، ثم ساق الحديث . وقال تعالى : " كنتم خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"[آل عمران110] . قال أبو بكرٍ الجصَّاصُ بعد أن ذكرَ طائفةً من الآياتِ في هذا الصَّددِ : " فهذه الآي ونظائرُها مُقتضيةٌ لإيجابِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكر، وهي على منازلَ أوَّلها تغييرُه باليدَّ ـ إذا أمكن ـ فإذا لم يمكن وكان في نفسِه خائفاً على نفسِه إذا أنكرَ بيدِه، فعليه إنكارُه بلسانِه، فإن تعذَّرَ ذلك لما وصفنا فعليه إنكاره بقلبِه"[31].إلى غيرِ ذلك من الآيات القرآنية .

والمقصودُ من ذلك أنَّه قد ثَبَتَ بهذه الآياتِ وغيرها وُجُوبُ "الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكرِ"، وأنَّه فرضٌ على الكِفايةِ، وهذا الحُكمُ شاملٌ لِكُلِّ مراتبِ التَّغيير، ولا نعلمُ دليلاً واحداً منها يَخُصُّ الحُكَّامَ بمرتبةٍ من هذه المراتبِ، فمن ادَّعى شيئاً من ذلك فعليه الدَّليل !.

ـ أمَّا السُّنَّةُ : فقد روى مسلمٌ عن طارقِ بنِ شِهابٍ قال : " أوَّلُ من بدأ الخُطبةَ قبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فقامَ إليه رجلٌ فقال : الصَّلاةُ قبل الخُطبةِ . فقال : قد تُرك ما هُنالك، فقال أبو سعيدٍ الخُدْري - رضي الله عنه - : أمَّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانِه، فإن لم يستطع فبقلبِه وذلك أضعفُ الإيمان"[32]مسلم . وقد دلَّ هذا الحديثُ على أنَّ لآحادِ الرَّعيَّةِ تغييرَ المُنكرِ بأيديهم من وجوهٍ[33] :

الوجه الأول : قولُه صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ) وهي مِنْ صِيَغِ العُمُومِ، و ذلك يعني أنَّ الخطابَ مُوَجَّهٌ إلى كُلِّ فردٍ من الأمَّةِ، وليس إلى طائفةٍ مُعَينةٍ منهم، ومن ادَّعى التَّخصيص فعليه الدَّليل !.

الوجهُ الثاني : قولُه صلى الله عليه وسلم : ( منكم ) والقائلُ هو النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو الحاكمُ، والمُخَاطَبُون بذلك هم الرَّعيَّةُ؛ فلو كان الذي يُغيِّرُ بيدِه هو الحاكمُ وحدَه لما عمَّمَ الحُكْمَ، بل خاطب صلى الله عليه وسلم الرَّعيَّةَ أجمع دون تخصيصٍ.

الوجهُ الثالث : قولُه صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطعْ ) وذلك يقتضي أنَّ المُخَاطبَ بالأمرِ الأوَّلِ هو عينُه المُخاطبُ بالأمرِ الثاني وهو عينُه المخاطبُ بالأمرِ الثالث؛ فهو شَخْصٌ واحدٌ إن لم يستطعْ أن يُغَيِّرَ بيدِه فله أن ينتقل إلى البدلِ، وهو التَّغييرُ باللِّسانِ، فإن لم يستطعْ فله الانتقالُ إلى البدلِ وهو التَّغييرُ بالقلبِ، ويوضِّحُه أيضاً.

الوجه الرابع : قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطعْ ) فلو كان التَّغييرُ باليَدِّ قاصراً على الحاكمِ لما كان لقوله (فإن لم يستطع ) معنىً؛ لأنَّ الأصلَ في الحاكمِ أنَّه مُسْتطيعُ التَّغييرِ باليدِّ على كلِّ حالٍ.

وقد مرَّ معنا كلامُ بعضِ أهلِ العلمِ في ما نحنُ بتحريرِه، لا سيما أبو الفضل عياض حيث قال بعد حديث تغيير المنكر " هذا الحديث أصلٌ في صفةِ التَّغيير فحقُّ المُغيِّر أن يُغيِّرَه بكلِّ وجهٍ أمكن زوالُه به، قولاً كان أو فعلاً ..."[34]. وهو أيضاً قولُ ابنِ رجبٍ، وغيره من أهلِ العلم[35].

وكذا عن عبدِ الله بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " ما مِنْ نبي بعثَه الله في أمَّةٍ قبلي إلاّ كان له من أُمَّتِه حَوَارِيُّون، وأصحابٌ يأخذون بسنَّتِه، ويقتدون بأمرِه، ثم إنَّها تَخْلُفُ من بعدِهم خُلُوفٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيدِه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانِه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بقلبِه فهو مؤمنٌ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردلٍ"[36].

وفي شرح هذا الحديث يقول ابنُ رجبٍ - رحمه الله - : " وهذا يدلُّ على جهادِ الأمراءِ باليدِ ... وقد نصَّ على ذلك أحمدُ أيضاً في رواية صالح، فقال : التَّغييرُ باليدِ أنْ يُزِيلَ بيدِه ما فعلُه مِنِ المُنكراتِ، مثل أن يُريقَ خُمُورَهم، أو يَكْسِرَ آلاتِ الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يُبْطِلَ بيدِه ما أُمِرُوا بِه من الظُّلْمِ إن كان له قُدرَةٌ على ذلك، وكلُّ هذا جائزٌ، وليس هو من بابِ قِتالِهم، ولا من الخُرُوجِ عليهم الذي وَرَدَ النَّهيُّ عنه، فإنَّ هذا أكْثَرُ ما يُخشى منه أن يَقْتُلَ الآمرَ وحدَه"[37]. والنُّصوصُ في وجوبِ الأمرِ بالمعروفِ، والنَّهي عن المنكرِ باليدِّ من الكتابِ، والسنةِ كثيرةٌ، وحسبنا منها ما ذُكِر.

ـ أمَّا الإجماعُ : وقد دَلَّ على وُجُوبِ "الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ" إجماعُ الأمَّةِ، كما نقل ذلك الإمامُ النَّوويُّ حيث قال : " وقد تطابق على وُجُوبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر : الكتابُ، والسنةُ، وإجماعُ الأمةِ، وهو أيضاً من النَّصيحةِ التي هي الدِّين، ولم يخالفْ في ذلك إلاَّ بعضُ الرَّافضةِ ولا يُعْتدُّ بخلافِهم"[38]. ونقل الإجماع ابنُ عبد البرِّ - رحمه الله – بقوله : " وأجمع المسلمون على أنَّ تغيير المنكر واجبٌ على من قَدِرَ عليه، وإنَّه إذا لم يلحقه بتغييرِه إلاَّ اللَّوم الذي لا يتعدَّى إلى الأذى فإنَّ ذلك لا يجب أن يمنعه، فإن لم يقدرْ فبلسانِه، فإن لم يقدرْ فبقلبِه، ليس عليه أكثر من ذلك، وإذا أنكر بقلبِه فقد أدَّى ما عليه إذا لم يسْتَطِعْ سوى ذلك"[39]. وقد صرَّح به إمامُ الحرمين، كما نقله عنه النووي بقوله : " قال العلماءُ : ولا يختصُّ الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ بأصحابِ الولايات؛ بل ذلك جائزٌ لآحادِ المسلمين، قال إمام الحرمين : والدليل عليه إجماعُ المسلمين؛ فإنَّ غيرَ الوُلاةِ في الصَّدرِ الأولِ، والعصرِ الذي يليه كانوا يأمرون بالمعروفِ ويَنْهَوْن عن المنكرِ مع تقريرِ المسلمين إياهم، وتركِ توبيخِهم على التَّشاغُلِ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غيرِ ولايةٍ"[40].

وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى : ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ...)[آل عمران21]: " أجمعَ المسلمون فيما ذكره ابنُ عبد البر أنَّ المنكرَ واجبٌ تغييرُه على كُلِّ مَنْ قَدِرَ عليه، وأنَّه إذا لم يلحقْهُ بتغييرِه إلاَّ اللَّومُ الذي لا يتعدَّى إلى الأذى فإنَّ ذلك لا يجبُ أن يمنعه من تغييرِه، فإن لم يقدرْ فبلسانِه، فإن لم يقدرْ فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك"[41]. فبهذا الإجماعِ الصحيحِ يدلُّ على وجوبِ تغيير المنكرِ على كُلِّ مَنْ قَدِرَ عليه سواءٌ كان حاكماً أو محكوماً.

ـ أمَّا فعلُ الصحابةِ : فعن أبي سعيدٍ ـ رضي الله عنه ـ قال : " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يخرجُ يوم الفطر والأضحى إلى المصلَّى، فأوَّلُ شيءٍ يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس _ والناس جلوس على صفوفهم _ فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، فإن كان يريدُ أن يقطعَ بعثاً قطعه، أو يأمرَ بشيءٍ أمر به ثم ينصرف . قال أبو سعيد : فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجتُ مع مروان _ وهو أمير المدينة _ في أضحى أو فطرٍ، فلمَّا أتينا المُصَلَّى إذا منبرٌ بناه كثيرُ بنُ الصلت، فإذا مروان يريدُ أن يرتقيه قبل أن يُصلِّي فَجَبَذْتُ بثوبِه فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له : غيَّرْتُم والله!، قال : أبا سعيدٍ قد ذهب ما تعلم، فقلت : ما أعلم والله خيرَ ممَّا لا أعلم، فقال : إنَّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتُها قبل الصلاة[42]. فها هو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - قد باشر التَّغييرَ بيدِه فَجَبَذَ بثوبِ مروانَ _ وهو الأمير يومئذٍ !_ . قال الإمامُ النووي في شرح هذا الحديث : " وفيه الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، وإن كان المنكرُ عليه والياً، وفيه أنَّ الإنكارَ عليه يكون باليدِّ لمن أمكنه، ولا يجزئ عن اليدِّ اللِّسانُ مع إمكانِ اليدِّ"[43]. وهناك الكثيرُ من صَنيعِ الصحابةِ ـ رضي الله عنهم ـ ممَّا فيه دلالةٌ واضحةٌ على الإنكارِ باليدِّ على الأراء وغيرهم مع مراعاة جلب المصلحة ودفع المفسدة .

ـ فعلُ التَّابعين : عن إبراهيم قال : " كان أصحابُ عبدِ الله يستقبلون الجواري معهنَّ الدُّفوف في الطُّرقِ فيخرقونها"[44]. وعن أبي حصين أنَّ رجلاً كسر طُنْبوراً لرجلٍ، فخاصمه إلى شُريحٍ فلم يُضَمِّنْه شيئاً[45]، وعدم تضمين القاضي شريحٍ لهذا الرجلِ يدلُّ على أنَّه يجوزُ له كسرُ هذا الطنبور .

أقوالُ العلماء :

ـ من الحنفية : قال أبو بكر الجصاص - رحمه الله - : " الأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المُنكرِ لهما حالان : حالٌ يمكن فيها تغييرُ المنكر وإزالته، ففرضٌ على من أمكنه إزالةُ ذلك بيدِه أن يُزِيلَه ... "[46].

ـ ومن المالكيَّة : قال أبو بكرٍ الطُّرطُوشي : " فانظروا يرحمكم الله أينما وجدتم سِدرةً أو شجرةً يقصدُها الناس ويُعظِّمُون من شأنِها، ويرجون البُرءَ والشِّفاءَ من قِبلها، وينوطون بها المسامير والخِرقَ فهي ذاتُ أنواطٍ فاقطعوها"[47].
ـ ومن الشافعية :
وقد مرَّ معنا كثيرٌ من كلامِ أئمَّةِ الشِّافعية، لا سيما الغزَّالي، والنَّووي، ومن كلامِ النَّووي ما ذكره بقولِه : " قال إمام الحرمين رحمه الله : ويسوغ لآحادِ الرعيةِ أن يَصُدَّ مُرتكبَ الكبيرةَ، إن لم يندفعْ عنها بقولِه ما لم ينته العمل إلى نصبِ قتالٍ وشَهْرِ سلاحٍ، فإن انتهى الأمر إلى ذلك، رُبِطَ الأمرُ بالسُّلطان"[48].
وقال أيضاً - رحمه الله – عند ذكره لدرجاتِ الحُسبة : " الدرجة السابعة : مُباشرةُ الضَّربِ باليدِّ والرِّجلِ وغيرِ ذلك ممَّا ليس فيه شَهْرُ سِلاحٍ، وذلك جائزٌ للآحادِ بشرطِ الضَّرورةِ والاقتصارِ على قَدْرِ الحاجةِ في الدَّفعِ، فإذا اندفع المنكرُ فينبغي أن يَكُفَّ"[49].

ـ أقوال الحنابلة : قال ابنُ القيم - رحمه الله - : " وقال إسحاقُ بنُ إبراهيم : سئل أحمدُ عن الرَّجلِ يَرى الطُّنبورَ، أو طبلاً مُغطَّى أيَكْسِرَه ؟ قال إذا تَبَيَّنَ أنَّه طُنْبورٌ أو طَبْلٌ كسرَه "[50]. وقال أيضاً : " وقال المروزي : قلت لأبي عبد الله : دُفِعَ إليَّ إبريقُ فضةٍ لأبيعَه، ترى أن أكسِرَه أو أبيعه كما هو ؟ قال : أكْسِرْهُ ... وقال : بعثني أبو عبد الله إلى رجلٍ بشيءٍ فدخلت عليه، فأتى بمكحلةٍ رأسُها مُفَضَّضٌ فقطعتُها، فاعجبَهُ ذلك وتبسم . وقال ابنُ القيم بعد هذا : " ووجهُ ذلك أنَّ الصِّنَاعةِ مُحَرَّمةٌ فلا قيمةَ لها، ولا حُرْمةَ، وأيضاً فتعطيلُ هذه الهيئةِ مطلوبٌ فهو بذلك مُحْسنٌ، وما على المحسنين من سبيل"[51].

وهذا الإمامُ ابنُ قدامة _ رحمه الله _ يقولُ عند حديثِه عن الوليمةِ، وما يفعلُه مَنْ دُعيَ إليها فوجد فيها تصاوير : " وإن كانت ( الصور ) على السُّتُورِ والحِيطانِ، وما لا يُوطأ، وأمكنَهُ حَطُّها أو قَطْعُ رؤوسِها فَعَلَ وجَلَس، وإن لم يكنْ ذلك انصرفَ ولم يجلسْ، وعلى هذا أكثرُ أهلِ العلم"[52]. وقال ابنُ القيم عند حديثِه عن الأنصابِ : " وقد كان بدمشق كثيرٌ من هذه الأنصابِ، فَيَسَّرَ الله سبحانه وتعالى كسرَها على يدِ شيخِ الإسلامِ، وحزبِ الله المُوحِّدين"[53]. وقال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله - : " وفي بُكرةِ يوم الجمعةِ المذكورِ دارَ الشيخُ تقيُّ الدِّين ابن تيمية رحمه الله، وأصحابُه على الخَمَّاراتِ والحاناتِ فكسروا آنيةَ الخُمُورِ، وشَقَّقُوا الظُّرُوفَ، وأراقُوا الخُمُورَ، وعَزَّرُوا جماعةً من أهلِ الحاناتِ المُتَّخَذةِ لهذه الفواحشِ، ففرح الناسُ بذلك"[54].

ـ أقوال الظاهرية : قال الإمامُ ابن حزمٍ - رحمه الله - : " مسألةٌ : والأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ فرضٌ على كلِّ مسلمٍ إن قَدِرَ بيدِه فبيدِه، وإن لم يقدْر بيدِه فبلسانِه، وإن لم يقدرْ بلسانِه فبقلبِه ولا بُدَّ، وذلك أضعفُ الإيمان، فإن لم يفعلْ فلا إيمان له، ومن خافَ القتلَ أو الضَّربَ، أو ذَهابَ المال فهو عُذْرٌ يُبِيحُ له أن يُغيرَ بقلبِه فقط، ويسكت عن الأمرِ بالمعروف وعن النهي عن المنكر فقط ..."[55]. وقال الإمامُ الشوكاني - رحمه الله - : " ... ثم إذا كان قادراً على تغييرِه (أي المنكر) بيدِه كان ذلك فرضاً عليه ولو بالمقاتلةِ، وهو إن قُتِلَ فهو شهيدٌ، وإن قتَلَ فاعلَ المنكرِ فهو بالحقِّ والشرعِ قتَلَه، ولكنه يُقَدِّمُ الموعظةَ بالقولِ اللَّيِّنِ، فإن لم يُؤَثِّرْ ذلك جاء بالقولِ الخَشِنِ، فإن لم يُؤثِّرْ ذلك انتقلَ إلى التغييرِ باليدِّ، ثم المقاتلةِ إن لم يمكن التغيير إلا بها، فإذا كان غيرَ قادرٍ على الإنكارِ باليدِّ أنكرَ باللِّسانِ فقط وذلك فرضٌ، فإن لم يستطعْ الإنكارَ باللِّسانِ أنكرَ بالقلبِ، وهذا يقدرُ عليه كُلُّ أحدٍ، وهو أضعفُ الإيمانِ، كما أخبر الصادقُ المصدوقُ صلى الله عليه وسلم"[56]. فهذه أقوالُ العلماءِ من فقهاءِ المذاهب الأربعةِ وغيرِهم، تُبَيِّنُ بوضوحٍ وجلاءٍ جوازَ تغييرِ المنكرِ باليدِّ لآحادِ الرعيةِ، وإنَّما وقع الخلافُ فيما لو وصل التغييرُ باليدِّ إلى جمعِ الأعوانِ وشَهْرِ السِّلاحِ، ففيهم من أجاَز التغييرَ عند ذلك كالغزَّالي، ومنهم من مَنَعَ التَّغييرَ حينئذٍ كالإمامِ الجويني وغيره من أهلِ العلمِ.

وفي مثل هذا الخلاف يمكننا _ والله أعلم _ أن نجمع بين الرأيين؛ وذلك بالنظر إلى جسامةِ المنكر وخطورتِه، فإذا كان المنكرُ من الجسامةِ بحيث يترتَّبُ على بقائِه مفسدةٌ أكبرُ من تلك التي تُتَوَقَّعُ من تغييرِه عن طريقِ شهرِ السلاحِ وجمعِ الأعوانِ، فلا بأسَ حينئذٍ من شهر السلاح في التَّغييرِ، أمَّا إنْ كان المنكرُ أهونَ من ذلك، أو كان في إشهار السلاح مفسدةٌ أعظمُ من المنكرِ فلا يلجأُ حينئذٍ إلى تلك الوسيلةِ، وهذا يدخلُ في بابِ تحقيقِ "المصالحِ والمفاسدِ" ففي ما ذكرناه هنا جمعٌ بين الأقوال[57]، والله أعلم .






ضَوابطٌ وتنبيهاتٌ

هناك بعضُ الضَّوابطِ التي ينبغي مُرَاعاتُها في القيامِ بواجبِ الإنكارِ باليدِّ، وهي كثيرةٌ نأخذُ منها ما هو مهمٌ :

الأول : الالتزامُ بدرجاتِ الإنكارِ الشرعيةِ كما ذكرها أهلُ العلم، ومن ذلك :

ـ التَّعريفُ باللِّسانِ أولاً ثم باليدِّ، يقول الغزَّالي : " إنَّ درجاتِ التَّغييرِ تبدأُ بالتَّعريفِ، أي تعريفُ الفاعلِ للمُنْكرِ أنَّ هذا مُنْكرٌ، ثم الوعظُ اللَّيِّنُ، ثم السَّبُّ والتَّعنيفُ بالقولِ، ثم التَّغييرُ باليَدِّ، ككسرِ الملاهي، وإراقةِ الخَمْرِ، ثم التَّهديدُ والتَّخويفُ، ثم مُبَاشرةُ الضَّربِ باليَدِّ والرِّجْلِ، ثم جَمْعُ الأعوانِ وشَهْرُ السِّلاحِ"[58]. ويقول القرطبي : " فالمُنكرُ إذا أمكنت إزالتُه باللِّسانِ للنَّاهي فليفعله، وإن لم يمكنه إلاَّ بالعقوبةِ أم القتل فليفعل، فإن زالَ المُنكرُ بدونِ القَتْلِ لم يَجُزْ القَتْلُ، وهذا ( أي : الحُكم ) تُلُقِّي من قولِه سبحانه وتعالى : ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )"[59]. وقال ابنُ العربي : " وإنَّما يبدأُ باللِّسانِ والبيانِ، فإن لم يَكُنْ فباليدِّ"[60]. لكن إذا عَلِمَ أنَّه لا ينتهي عن مُنْكرِه بمجردِ القولِ، جاز له البدءُ بالدَّرجةِ الأعلى، كما ذكره الجصاص فيمن قَصَدَ رجلاً بالقتلِ، او قَصَدَ امرأةً بالزنى ونحو ذلك : " ... وعلم أنَّه لا ينتهي إن أنْكَرَه بالقولِ، أو قاتله بما دون السلاح، فعليه أن يقتُلَه ... وإن غلَبَ في ظَنِّه أنَّه إن أنكرَه بالدَّفعِ بيدِه، أو بالقولِ امتنع عليه، ولم يمكنه بعد ذلك دفعه عنه، ولم يمكنه إزالةُ هذا المنكرَ إلاَّ بأن يُقْدِمَ عليه بالقتلِ، من غير إنذارٍ منه له، فعليه أن يقتلَه ... وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ..." يُوجِبُ ذلك أيضاً؛ لأنَّه قد أمر بتغييرِه على أيِّ وجهٍ أمكن ذلك، فإذا لم يمكنه تغييره إلا بالقتل، فعليه قتله حتى يزيله ..."[61]. وكذا ما ذكره الشوكاني آنفاً : " ... ولكنه يُقَدِّمُ الموعظةَ بالقولِ اللِّين، فإن لم يُؤَثِّرْ ذلك جاء بالقولِ الخَشِنِ، فإن لم يُؤثِّرْ ذلك انتقلَ إلى التغييرِ باليدِّ، ثم المقاتلةِ إن لم يمكن التغيير إلا بها ..."[62].

الثاني : أن لا يُؤدِّي تغييرُ المُنْكَرِ إلى منكرٍ أكبر منه .

يقول ابن تيمة - رحمه الله - : " فإنَّ الأمرَ والنَّهيَ وإن كان مُتضمِّناً لتحصيلِ مصلحةٍ ودفعِ مَفْسدةٍ، فيُنظرُ في المُعَارضِ له، فإن كان الذي يَفُوتُ من المصالحِ أو يحصلُ من المَفاسدِ أكثر، لم يكن مأموراً به؛ بل يكون مُحرَّماً إذا كانت مفْسَدتُه أكثرُ من مصلحتِه"[63]. ويقولُ ابنُ القيم - رحمه الله - : " إنكارُ المُنكرِ أربعُ درجاتٍ :

الأولى : أن يزُولَ ويخْلُفه ضِدُّه . الثانية : أن يَقِلَّ وإن لم يزَلْ بِجُملتِه . الثالثة : أن يخلُفَه ما هو مثلُه . الرابعة : أن يخلُفَه ما هو شرٌّ منه، فالدَّرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثةُ موضعُ اجتهادٍ، والرَّابعةُ مُحرَّمةٌ"[64].

وقِصَّةُ شيخِ الإسلامِ ابن تيمية - رحمه الله – مع التَّتارِ مشهورةٌ؛ إذ يقولُ فيها : " مررتُ أنا وبعضُ أصحابي في زمنِ التتارِ بقومٍ منهم يشربون الخمرَ، فأنكرَ عليهم من كان معي، فأنكرتُ عليه، وقلتُ له : إنَّما حرَّمَ الله الخمرَ لأنَّها تصدُّ عن ذكرِ الله والصَّلاةِ، وهؤلاء يصدُّهم الخمرُ عن قتلِ النَّفُوسِ، وسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، وأخذِ الأموالِ فدعهم"[65].

الثالث : أن لا يُنكرَ العاميُّ إلاَّ في الأمورِ الجَلِيَّةِ الظَّاهرةِ التي لا تحتاجُ إلى اجتهادٍ.

وقد أوضح النَّووي - رحمه الله – هذا بقولِه : " إنَّما يأمرُ وينهى من كان عالماً بما يأمرُ به وينهى عنه، وذلك يختلِفُ باختلافِ الشيء، فإن كان من الواجباتِ الظَّاهرةِ والمُحرَّماتِ المشْهورةِ؛ كالصَّلاةِ والصِّيامِ والزِّنى والخَمْرِ ونحوها، فكُلُّ المسلمين علماءُ بها، وإنْ كان من دقائقِ الأفعالِ والأقوالِ، وممَّا يتعلَّقُ بالاجتهادِ لم يكن للعوامِ مدْخلٌ فيه، ولا لهم إنكارُه؛ بل ذلك للعلماء"[66]. وإنَّما اشْتُرِطَ ذلك في العاميِّ؛ لأنَّه قد يُوقِعُه جهلُه في الأمرِ بالمُنكرِ، والنَّهي عن المعروفِ وهو لا يدري، والله تعالى يقولُ : "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرةٍ"[يوسف108]، فمِنْ أينَ له البصيرةُ في دقائقِ العلمِ وهو عاميٌ جاهلٌ[67] ؟!.

الرابع : أن لا يؤدِّي إنكارُه إلى ضررٍ مُتعدٍ على غيرِه؛ كالأهلِ أو عمومِ المسلمين .

نعم؛ قد ذكرَ العلماء أنَّه إن أدَّى تغييرُك للمُنْكرِ إلى الإضرارِ بغيرِك من المسلمين، فإنَّه يَحْرُمُ عليك التَّغييرُ حينئذٍ، يقول الغزالي – رحمه الله – مُبيناً ذلك : " فإن كان يَتَعدَّى الأذى من حُسْبَتِه إلى أقاربِه وجيرانِه فليتركها، فإنَّ إيذاءَ المسلمين محذورٌ، كما أنَّ السُّكُوتَ على المُنكرِ محذورٌ، نعم إنْ كان لا ينالُهم أذى في مالٍ أو نفسٍ، ولكن ينالهم الأذَى بالشَّتْمِ والسَّبِّ، فهذا فيه نظرٌ، ويختلفُ الأمرُ فيه بدرجاتِ المُنْكَرِ في تفاحُشِها، ودرجاتِ الكلامِ المحذورِ في نكايتِه في القلبِ وقَدْحِه في العِرْضِ"[68]. وكذا قول السيوطي - رحمه الله - : " ومنها الأمرُ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكرِ، ولا يختصُّ بأربابِ الولاياتِ، ولا بالعَدْلِ، ولا بالحُرِّ، ولا بالبالغِ، ولا يسقطُ بِظَنِّ أنَّه لا يُفِيدُ أو علم ذلك عادةً، ما لم يَخَفْ على نفسِه، أو مالِه، أو على غيرِه مفسدةً أعظم من ضررِ المُنْكرِ الواقعِ"[69]. فقد اشترط - رحمه الله - لسقوطِ التَّغييرِ : أن يكون الضَّررُ المُتَوقَّعُ وُقُوعه على نفسِه، أو مالِه، أو غيرِه أعظم من ضررِ المُنْكرِ المُرَادِ تغييره ... فتأمل.

ومن ناحيةٍ أُخرى فإنَّه على افْتِراضٍ : أنَّ كُلَّ تغييرٍ باليدِّ سَيُؤدِّي إلى إلحاقِ الضَّررِ بالغيرِ هو افتراضٌ غيرُ صحيحٍ بالمَرَّةِ، وهذه نقطةٌ تَتَعلَّقُ بالواقعِ، ومن مَارَسَ هذه الأمورَ، وتَعَرَّضَ للإيذاءِ في سبيل الله هو أقْدَرُ من غيرِه على معرفةِ إلْحاقِ الضَّررِ بغيرِه عند التَّغيير، فكان الأولى أن يُناطَ معرفةُ تحقيقِ الضَّررِ بأهلِ الخبرةِ في ذلك، فهم أعلمُ بمعرِفةِ أهلِ الزَّمانِ والمكانِ وما فيهما من مُنكراتٍ، لذا كانوا أدرى بما يُتَوقَّعُ حُدُوثُه من ضَرَرٍ، أو عدمِه، كما قال تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".

تنبيهات :

وقبل الخروجِ من هذا البحثِ المُهمِّ؛ كان من المُناسبِ أن نقفَ مع بعضِ الأخطاءِ التي لم يفتأ يتناقلها أهلُها بين الحين والآخرِ دون علمٍ أو حُجَّةٍ، لذا نجدهم يستدلُّون ببعضِ الآياتِ في غيرِ محلِّها، مثل :
الأولى : قولُه تعالى : "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"[المائدة105]، ويقصدون بهذه الآية : أنَّ الإنسانَ عليه أن يستقيم في نَفْسِه، فإذا فعلَ ذلك فلا شأنَ له بالآخرين.

قلتُ : هذا فهمٌ خاطئٌ ولا شك؛ وقد كفانا مؤونةَ الرَّدِّ على هؤلاء أبو بكرٍ الصديق – رضي الله عنه – حيث قال : "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير مواضعها : (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)، وإنَّما سمعنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : "إنَّ النَّاسَ إذا رَأوْا الظَّالمَ، فلم يأخُذُوا على يَدِهِ، أوْشَكَ أنْ يَعُمَّهُم الله بعقابٍ"[70]أحمد، وأبو داود . والمقصود من ذلك؛ أنَّ المؤمنين إذا قاموا بواجبهم في "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكرِ" فإنَّهم يكونون قد اهْتَدَوْا، وبعد ذلك لا يَضُرُّهم ضَلالُ مَنْ ضَلَّ، قال ابن تيميةَ : " وإنَّما يَتِمُّ الاهتداءُ إذا أُطيعَ الله، وأُدِّي الواجبُ من الأمرِ والنَّهي وغيرهما"[71].

الثانية : قولُه تعالى : " ولا تُلْقُوا بأيدِيكم إلى التهلكة"[البقرة195]، ويقولون في هذه الآيةِ : إنَّ تغييرَ المنكرِ باليدِّ لا سيما هذه الأيام يُؤَدِّي إلى إيذاءِ مَنْ يَقُومُون به؛ كسجنِهم، أو ضربِهم، أو التَّشهيرِ بهم في وسائلِ الإعلام ... الخ، وعليه فإنَّ تغييرَ المُنكرِ يعتبرُ إلقاءً باليدِّ إلى التَّهْلُكةِ .

قلتُ : إنَّ الاستدلالَ بهذه الآيةِ على هذا المسلكِ، يُعتبرُ مسلكاً خطيراً، وفَهْماً سقيماً، يوم تنكَّبَ كثيرٌ من الناسِ التَّاويلَ الصحيح لهذه الآية عند السَّلفِ الصالحِ، أمَّا إن سألتَ عن معناها الصحيح فقد كفانا فيها الصحابيُّ أبو أيوبَ الأنصاري - رضي الله عنه - : فعن أسلم أبي عمران التَّجيبي قال : كنَّا بمدينةِ الرُّومِ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ المسلمين على صَفِّ الرُّومِ حتى دَخَلَ فيهم، فَصَاحَ النَّاسُ، وقالوا : سبحان الله يُلْقي بيدِه إلى التَّهلُكةِ!، فقامَ أبو أيُّوبَ فقال : يا أيها النَّاسَ إنَّكم تَتَأوَّلون هذه الآيةَ هذا التَّأويل، وإنَّما أُنْزِلت هذه الآيةُ فِينا مَعْشَرَ الأنصارِ، لَمَّا أعَزَّ الله الإسلامَ، وكَثُرَ ناصِرُوه، فقال بعضُنا لبعضٍ سِراً دون رسولِ الله صلى الله عليه وسلم : إنَّ أموالَنا قد ضاعت، وإنَّ الله قد أعزَّ الإسلامَ وكَثُرَ ناصِرُوه، فلو أقَمْنا في أموالِنا فأصلحنا ما ضَاعَ منها، فأنزلَ الله على نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم، يَرُدُّ علينا ما قلنا : (وأنفقوا في سبيلِ الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) فكانت التَّهلكةُ الإقامةَ على الأموالِ، وإصلاحها، وتركنا الغَزْوَ، فما زالَ أبو أيُّوبَ شاخصاً حتى دُفِنَ بأرضِ الرُّوم[72]. أبو داود، والترمذي .

فقد ظهرَ من هذا البيانِ أنَّ الإلقاءَ باليدِّ إلى التهلكةِ : هو تَرْكُ الإنفاقِ، وتَرْكُ العملِ لدين الله جلَّ وعلا، وإيثارُ الأهلِ والأموالِ على طاعةِ اللهِ والجهادِ في سبيلِه؛ أي عكس ما يَفْهَمُه هؤلاء!.

المسألةُ الثانية : هل الأصلُ في الإنكارِ العلانيةُ أم السِّرُّ ؟!.

لا شكَّ أنَّ الأصْلَ في أهلِ المعاصي بعمومٍ هو : السِّترُ، وإخْفاءُ ذُنُوبهم، كما دلَّتْ على ذلك النُّصوصُ الشرعيةُ .

ومن ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله سِتِّيرٌ يُحِبُّ السِّتْرَ"[73] أحمد، وأبو داود.

وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يَسْتُرُ عبدٌ عبداً في الدُّنيا، إلاَّ سَتَرَه الله يومَ القِيامةِ"[74] مسلم .

وكذا قال أحدُ الوُزراء لبعضِ مَنْ يأمُرُ بالمعروفِ : " اجتهدْ أن تَستُرَ العُصاةَ، فإنَّ ظُهُور معاصيهم عَيْبٌ في أهلِ الإسلامِ، وأولى الأمُورِ سِتْرُ العُيُوب"[75].

وفي ما ذكرناه هنا من الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ : دليلٌ على التَّرغيبِ الشَّديدِ في السِّترِ على المسلمين، وعدمِ إظهارِ عِيُوبهم .

وكذا فليُعلمْ أنَّ ما قرَّرناه هنا : من سَتْرِ عيُوبِ أهلِ المعاصي؛ ليس على إطلاقِه، كما دلَّت عليه الأدلَّةُ الشرعيةُ، وأقوالُ أهلِ العلمِ .

فأدلَّةُ السِّترِ هنا وغيره محمُولةٌ على أهلِ المعاصي الذين لم يُجاهروا بذُنُوبهم، ولم يكْشِفوا سِتْرَ الله عليهم، ولم يَلْقُوا جِلبابَ الحياءِ، أمَّا من جاهرَ بذنبِه فهذا ليس مِمَّن دلَّتْ الأدلَّةُ الشَّريعةُ على سَتْرِه، ولا ممَّن يَتَشَوَّف الشَّارعُ الحكيمُ على غضِّ الطَّرفِ عن عِيُوبِه.

والحالةُ هذه؛ فكلُّ من أبدى لنا صَفْحتَه، وجاهرَ بمعاصيه بين المسلمين؛ فليس لنا إلاَّ أن نكشفَ أمرَه، ونُظْهرَ حقيقَتَه؛ عُقُوبةً له، وزجراً لغيرِه … كما دلَّت عليه مَقاصدُ الشَّريعةِ، وأقوالُ أهلِ العلمِ سلفاً وخلفاً .

يقولُ الإمامُ أحمد - رحمه الله - :" الناسُ يَحتاجون إلى مُداراةٍ، ورِفْقٍ في الأمرِ بالمعروفِ، بلا غِلْظةٍ، إلاَّ رجُلاً مُبايناً، مُعلناً بالفسْقِ والرَّدى، فيجبُ عليك نهيُهُ وإعلامُهُ؛ لأنَّه يُقالُ : ليس لِفاسقٍ حُرمةٌ، فهذا لا حُرْمةَ له"[76].

قال النَّووي – رحمه الله – عند شرحِه لحديث ( من سترَ مُسلماً ستره الله ...) : " وأمَّا السِّترُ المندوب إليه هنا، فالمراد به الستر على ذوي الهيئاتِ ( أهل السُّؤددِ والفَضْلِ الذين لا يُعْرَفُون بالشَّرِ والفسادِ ) ونحوهم، ممَّن ليس معروفاً بالأذى والفسادِ، فأمَّا المعرُوفُ بذلك فيُستحبُّ ألاَّ يُستَرَ عليه؛ تُرفعُ قضيَّتُه إلى وليِّ الأمرِ، إن لم يُخَفْ من ذلك مفسدةً، لأنَّ السِّترَ على هذا يُطْمِعُهُ في الإيذاءِ والفسادِ، وانتهاكِ الحُرُمات، وجَسارةُ غيرِه على مثلِ فِعْلِه، وهذا كلُّه في سِترِ معصيةٍ وقعت وانقضت .

أمَّا معصيةٌ رآه عليها وهو بَعْدُ مُتَلبِّسٌ بها، فتجبُ المُبادرةُ بإنكارِها عليه، ومنعه منها على مَنْ قَدِرَ على ذلك، ولا يحلُّ تأخيرها، فإن عَجِزَ لزِمه رفعها إلى وليِّ الأمرِ، إذا لم يترتَّبْ على ذلك مفسدةٌ .

وأمَّا جرحُ الرُّواةِ والشُّهودِ والأُمناءِ على الصَّدقاتِ والأوقافِ والأيتامِ ونحوهم، فيجبُ جرحُهم عند الحاجةِ، ولا يحلُّ السترُ عليهم إذا رأى منهم ما يقدحُ في أهليَّتِهم، وليس هذا من الغيبَةِ المُحرَّمةِ؛ بل من النَّصيحةِ الواجبةِ، وهذا مُجمعٌ عليه .

قال العلماءُ في القسمِ الأوَّلِ الذي يُسترُ فيه : هذا السِّترُ مندوبٌ، فلو رفعه إلى السُّلطان ونحوه لم يأثمْ بالإجماعِ، لكنَّ هذا خلاف الأولى ..."[77].

وقد نبَّه الإمامُ النَّوويُّ أيضاً على هذه المسألةِ في ( رياضِ الصَّالحين ) تحت : باب ما يُباحُ من الغِيبةِ، فقال بعد سَرْدِه الأسباب التي تُبيحُ إظهارِ المستور : " ... الخامس : أن يكون مُجاهراً بِفسْقِه أو بدعتِه، كالمُجاهرِ بِشُرْبِ الخمْرِ ..."[78].

وقال ابنُ رجبٍ الحنبلي - رحمه الله – عند شرحِه لحديث ( من ستر مُسلماً ستره الله ... ) : " واعلم أنَّ الناسَ على ضربين :

أحدهما : من كان مستوراً لا يُعرفُ بشيءٍ من المعاصي، فإذا وقعت منه هَفْوةٌ أو زلَّةٌ فإنَّه لا يجوزُ كشفُها ولا هتكُها، ولا التَّحدُّثُ بها ...

والثاني : من كان مشهوراً بالمعاصي مُعلناً بها، لا يُبالي بما ارتكبَ منها، ولا بما قيلَ له، فهذا هو الفاجرُ المُعْلنُ، وليس له غيبةٌ، كما نصَّ على ذلك الحسنُ البَصْريُّ وغيرُه.

ومثلُ هذا لا بأسَ بالبحثِ عن أم%Dِه لِتُقام عليه الحدودُ، صرَّح بذلك بعضُ أصحابِنا، واستدلَّ بقولِ النبي صلى الله عليه وسلم : " واغْدُ يا أُنيسٍ على امْرأةِ هذا، فإنِ اعترفتْ فارجُمها"[79].</H3> ومثلُ هذا لا يُشفعُ له إذا أُخِذَ، ولو لم يَبْلُغْ السُّلطان، بل يُترك حتى يُقام عليه الحدُّ لِيَنْكفَّ شرُّه، ويرتد به أمثالُه"[80].

وكذا قال ابن حجرٍ - رحمه الله – " قال العلماءُ : تُباحُ الغِيبةُ في كلِّ غرضٍ صحيحٍ شرعاً، حيثُ يتعيَّنُ طريقاً للوصولِ إليه بها، كالتَّظلُّمِ، والاستعانةِ على تغيرِ المُنكرِ ... _ ثمَّّ قال _ وممَّن تجوزُ غيبتُهم من يَتجاهرُ بالفسْقِ أو الظُّلمِ، أو البدعةِ"[81].

وهذا أيضاً الحافظُ أبو العباس أحمد القُرطُبي، يقولُ في شرحِه لحديث ( السِّتر ) : " هذا حضٌّ على سِتْرِ مَنْ سَتَرَ نفسَه، ولم تَدْعُ الحاجةُ الدِّينيَّةُ إلى كشفِه، فأمَّا من اشتُهِرَ بالمعاصي، ولم يُبالِ بفعلِها، ولم يَنْتَهِ عمَّا نُهِي عنه، فواجبٌ رفعُه للإمامِ، وتنكيلُه، وإشهارُه للأنامِ ليرتدِعَ بذلك أمثالُه، وكذلك من تدعو الحاجةُ إلى كشفِ حالِهم من الشُّهودِ المجْرَّوحين، فيجبُ أن يُكشفَ منهم ما يقتضي تجريحهم، ويحرُمُ سترهم مخافة تغيير الشَّرعِ وإبطالِ الحقوق"[82]. وهناك كثيرٌ من أقوالِ أهل العلمِ الدَّالةِ على تقريرِ ما ذكرناه، غير أننا تجاوزنا ذكرها رغبةً للاختصارِ .

ثمَّ اعلم أخي المسلم؛ أنَّ كشفَ ذنُوبِ المُجاهرين، وعدمِ سترِ معاصيهم ليس مختصٌّ بحياتِهم !؛ بل يتعدَّاهُ إلى موتِهم عياذاً بالله، وما ذاك إلاَّ تحذيراً منهم ومِنْ مَعَاصيهم، وردعاً لغيرهم مِنْ أمثالِهم.

وعلى هذا نقولُ : إذا ظَهَرَ لغاسلِهم شرٌ أن يُظْهرَه، ولا يَسْتُرَه ليرتدعَ غيرُهم، ويعتبرَ مقلِّدُوهم.

قال صاحب "الكشاف"، وغيره : " وعلى غاسلٍ سَترُ شَرٍّ رآه؛ لأنَّ في إظهارِه إذاعةً للفاحشة ... ثمَّ قال : " قال جمعٌ مُحَقِّقُون : إلاَّ على مَشْهُورٍ ببدعةٍ، أو فُجُورٍ ونحوِه كَكَذِبٍ، فَيُسنُّ إظهارُ شَرِّه، وسِتْرُ خيرِه ليرتدِعَ نظيرُه "([83]) .

وقال المرداوي : " وقال جماعةٌ من الأصحاب : إن كان الميتُ معروفاً ببدعةٍ، أو قلةِ دينٍ، أو فجورٍ ونحوه؛ فلا بأس بإظهارِ الشَّرِّ عنه، وسترِ الخيرِ عنه لتجتنبَ طريقتُه"([84]) .

وقال ابنُ مُفلحٍ : " وقال جماعةٌ : إلاَّ مشهورٌ بفجورٍ، أو بدعةٍ فَيُسْتحَبُّ ظُهُورُ شَرِّه، وسَتْرُ خيرِه"[85].

وبنحوه قال العثيمين - رحمه الله - في صاحب البدعة : " ومن رأى على وجهِهِ مَكْرُوهاً، فإنَّه ينبغي أن يُبيِّنَ ذلك حتى يَحذرَ الناسُ من دعوتِه إلى البدعةِ؛ لأن الناسَ إذا علموا أنَّ خاتمتَه على هذه الحالِ؛ فإنهم ينفرون من منهجِه وطريقِه، وهذا القولُ لا شك أنه قولٌ جيدٌ وحسنٌ؛ لما فيه من درءِ المفسدةِ التي تحصلُ باتباع هذا المبتدع الداعية "([86]) .

وما ذكره شيخنا العثيمين هنا قائمٌ في حقِّ المجاهرِ بالكبائرِ؛ لما فيه من درءِ المفسدةِ التي تحصلُ باتِّبَاعِ هذا العاصي الذي خلعَ ثوبَ الحياء، وانبعثَ في فُجُورِه وسُفُورِه دون مُبَالاةٍ لعموم المسلمين، أو ارتداعٍ من ولي أمرِ المؤمنين ! .

تنبيهٌ : وبعد ما قرَّرناه هنا : مِنْ أنَّ الأصلَ في المسلمين سترُ عيُوبِهم، وإخفاءُ معاصيهم، إلاَّ ما كان مُجاهراً منهم بذنبِه، فهؤلاءِ لا يُسترُ لهم ذنباً، ولا يُشفعُ لهم؛ لأنَّهم مُفْسدون مُتطاولون على أحكامِ الشَّرعِ، فكان في كشفِهم عُقُوبةً لهم وزجراً لغيرهم.

وبعد أن تقرَّرَ لنا هذا الأصلُ؛ نَجدُ بعضاً من المُنتسبين إلى قبيلِ العلمِ مَنْ يعترضُ بقولِه : إنَّنا إذا سلَّمنا بعُمُومِ هذا ( الأصلِ ) في المُجَاهرين بالكبائرِ ونحوها؛ إلاَّ أنَّه مُقيَّدٌ بِذِي الهيئاتِ من المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم : " أَقِيلُوا ذَوِي الهيئاتِ عَثَراتِهم"[87] أحمد، وأبو داود، فظاهرُ الحديثِ : عدمُ كشفِ ذُنُوبِ أهلِ الشَّرفِ والجَاهِ بين الناس، وسِتْرُهم عند اقترافِهم المعاصي .

قلتُ إنَّ الجواب على هذا الحديثِ ليس كما ذهبَ إليه هذا المُعترضُ؛ بل معنى الحديث هو : عدمُ كشفِ ذُنُوبِ أهلِ الشَّرفِ والفضلِ بين الناسِ ممَّن ظهرَ لنا خيرُهم وبِرُّهم، وكان شرُّهم ومُنْكَرُهم مستوراً .

يقولُ ابن القيم - رحمه الله - : قولُه صلى الله عليه وسلم " أَقِيلُوا ذَوِي الهيئاتِ عَثَراتِهم إلاَّ الحُدُود" قال ابنُ عقيلٍ : المُرادُ بهم الذين دامت طاعاتُهم وعدالتُهم، فزَلَّت في بعضِ الأحايين أقدامُه بورطةٍ .

قلتُ ( ابنُ القيم ) : ليس ما ذكره بالبيَّنِ، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لا يُعبِّرُ عن أهلِ التَّقوى والطَّاعةِ والعبادةِ بأنَّهم ذووا الهيئاتِ ولا عُهِدَ بهذه العبارةِ في كلامِ الله ورسولِه للمُطيعين المتَّقين .

والظاهرُ أنَّهم ذوو الأقدارِ بين النَّاسِ من الجاهِ، والشَّرفِ، والسُّؤدد، فإنَّ الله تعالى خصَّهُم بنوعِ تكريمٍ وتفضيلٍ على بني جنسِهم، فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخيرِ، حتى كَبَا به جوادُه، ونبا عَضَبُ صبْرِه، وأُديلَ عليه شيطانُه، فلا تُسارع إلى تأنيبِه وعقُوبتِه؛ بل تُقالُ عَثْرتُه، ما لم يكن حداً من حدودِ الله، فإنَّه ينبغي استيفاؤه من الشَّريف ...الخ"[88].

وكذا قال ابنُ الأثيرِ - رحمه الله - : " ذوو الهيئات : هم الذين لا يُعرفون بالشَّرِ، فيزلُّ أحدُهم الزَّلَّة"[89].

وبعد هذا؛ كان من الحكمةِ والبيانِ أن نستُرَ ذَوِي الهيئاتِ من أهلِ الشِّرفِ والفضلِ ممَّن اشْتُهِرَ خيرُهم، وخُفيَ شرُّهم، وألا نكشِفَ سترهم، ونَعجَلَ في عُقُوبتِهم لعمومِ المصلحةِ العائدةِ لهم وللمسلمين، وهذا بعد تَحقُّقِ أربعةِ شروطٍ :

الأوَّلُ : أن يكونوا من ذوي الهيئات .

الثاني : أن يُشْتهرَ بين النَّاسِ خيرُهم وصلاحُهم .

الثَّالثُ : ألاَّ يكونوا من المُجاهرين بمعاصيهم .

الرَّابعُ : ألاَّ يكونَ ذنبُهم في حدٍّ من حُدُودِ الله ما لم تُرفع للسُّلطان .

وبعد هذا؛ كان علينا أن نُدركَ معنى الحديثِ على الوَجْهِ الشَّرعي الصَّحيحِ، وألاَّ نخلِطَ بين معنىً وآخر، فمن كان من ذوي الهيئاتِ إلاَّ أنَّه لم يكنْ من أهلِ الخيرِ والصَّلاحِ، مع اشتهارِه بالشَّرِ والفسادِ فحرامٌ علينا والحالةُ هذه أن نستُرَه أيَّاً كان حالُه أميراً كان أو سفيراً أو نحوهم مع مُراعاةِ المصلحةِ الشَّرعيَّةِ في ذلك، فإن كان في إشهارِه وإظهارِ أمْرِه مصلحةٌ شرعيَّةٌ وجبَ ذلك، وإن كان في ذلك فسادٌ ظاهرٌ فستْرُه حينئذٍ أسلم، لا إعمالاً بالحديثِ النَّبوي؛ لأنَّه ليس دليلاً في محلِّ النِّزاعِ؛ بل من بابِ تحقيقِ قاعدة " درءُ المفاسدِ مُقدَّمٌ على جلبِ المصالح". والله المُوَفِّق والهادي إلى سواءِ السَّبيل.

قلتُ : لاشكَّ أنَّ الإنكارَ ما هو إلاَّ وسيلةٌ شرعيَّةٌ، فإذا عُلِمَ هذا كان له حُكمُ المقاصِدِ؛ لأجلِ هذا كان من الخطأ البيِّنِ أن نُصْدِرَ حُكماً عاماً مُطَّرِداً : بأنَّ الأصلَ في الإنكارِ السِّرُّ أو العلانيةُ!، لذا كان من تحقيقِ المقاصدِ الشَّرعيةِ أن تُناطَ المسألةُ بذاتِ المُنكرِ القائمِ سراً أو علانيةً، فإذا كان المُنكرُ سِراً كان الإنكارُ سِراً، وما كان علانيةً كان الإنكارُ علانيةً، وعند هذا يكون الأصلُ حينئذٍ في الإنكارِ بحسبِه سِراً أو علانيةً .

لذا؛ فإنَّ المُنكراتِ التي يُتَعرَّضُ لها بالإنكارِ هي المُنكراتُ الظَّاهرةُ المُعْلَنةُ، أمَّا المُنكراتُ الباطنةُ فإنَّ أمْرَها مَوْكُولٌ إلى صاحبِها، وإذا ظَهَرتِ المُنكراتُ التي أنكرتْها الشَّريعةُ وَجَبَ إنكارُها بقطعِ النَّظرِ عن سَرِيرَةِ صاحبِها أو نِيَّتِه فيها، فعند ذلك لا يجوزُ إعلانُ البدعِ والمنكراتِ، أو ما هو مُخالفٌ للشرع؛ فإذا أُعْلِنت وجبَ إنكارُها علانيةً، وعُقُوبةُ مُعْلِنها علانيةً أيَّاً كان، كلُّ هذا حفاظاً على شرائعِ الإسلامِ، وهذا ما عليه أهل العلم كافَّةً .

لذا كان من الخطأ البيَّنِ أن نخلِطَ بين هذه المفاهيمِ الشَّرعيَّةِ في تحقيقِ شعيرةِ "الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المُنكر" !. ولقائلٍ يقول : إنَّ الأصلَ في المسلمين سِتْرُ عُيُوبِهم!، قلتُ : لا شكَّ في ذلك، وهذا ليس على عمومِه بل يُستثنى منه من كان مُجاهراً بفسقِه، مُعْلِناً بمعاصيه، فهذا ليس له من السِّترِ شيءٌ؛ بل يجبُ الإنكارُ عليه، سِراً أو علانيةً، قوَّةً أو ضعفاً؛ حتى يعُودَ إلى قافلةِ التَّائبين، مُتدثِّراً بجلبابِ الحياءِ بين المسلمين، مُتزَمِّلاً باحترامِ شعائرِ الدِّين .

وحاصلُ ما هنالك : أنَّ المُنكرَ إذا كان مَسْتوراً فمصيبتُه على صاحبِه خاصةً، فإذا أظْهرَه صاحبُه كان ضرَرُه عاماً، فمن ابْتُليَ بفعلِ المعاصي سِراً فَعَلِمَ شخصٌ مِنَ أمْرِه ما عَلِمَ، فنصحَه سِراً وسَترَ عليه فلم يَنْتهِ، وَجَبَ على النَّاهي أن يفعلَ ما يَنْكَفُّ به المنكرُ من الهجرِ، أو غيره إذا كان ذلك أنفعُ في الدِّين، أمَّا إذا أظْهَرَ المُنْكَرَ فإنَّه يَجِبُ الإنكارُ عليه علانيةً[90].

إنَّ هذا المسائلَ في غيرِها من المسائلِ المُهمَّةِ ( المُسْتجدَّة ) سوف نثني عنها القلمَ هنا، خشيةَ الإطالة التي ستُخْرِجُنا عن شرطِنا، في حين أنَّنا سنقوم إن شاء الله بجمعها وبحثها في كتابِ مُستقلٍ بعنوان ( فقه المنكر بين السَّلف والخلف )[91]، واللهَ أسألُ أن يُيسِّر إتمامَه!.

والحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ على عبدِه ورسولِه الأمين .

وكتبه : ذيابُ بنُ سَعَدٍ آل حمدانَ الغَامِدي

الطائف

(27/5/1422)




[1]ـ هذا الموضوع عبارةٌ عن فصلٍ مُستلٍ من كتابنا الكبير " أحكام المجاهرين بالكبائر"، علماً أننا اختصرناه طلباً للفائدة.

[2]ـ انظر "إحياء علوم الدين" للغزالي (1/342) .

[3] ـ انظر "إعلام الموقعين" لابن القيم (2/176-177) .

[4] ـ انظر "مجمع الأمثال" للميداني (2/149) .

[5]ـ انظر "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" لابن تيمية ص (76 – 77) .

[6]ـ انظر "الحسبة" لابن تيمية ص (3) .

[7]ـ انظر "الدر المنثور" للسيوطي (2/63) .

[8]ـ أخرجه مسلم (1/69) .

[9] ـ انظر "شرح مسلم" للنووي (2/25) .

[10]ـ انظر "تفسير الرازي" ( 8/179 ) .

[11]ـ انظر "نصاب الاحتساب" لعمر السنامي (97) .

[12]ـ انظر "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/311) .

[13]ـ انظر "شرح مسلم" للنووي (1/22)، و"الكنز الأكبر" لعبد الرحمن الحنبلي ص (113)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (4/48).

[14]ـ انظر "تنبيه الغافلين" للنحاس ص (33) .

[15]ـ أخرجه أحمد (3/19)، وأبو داود (4344)، والحاكم (4/505 ، 506) وصححه الحاكم، وسنده صحيح .

[16]ـ انظر "إحياء علوم الدين" للغزالي ( 2/315 ) .

[17]ـ انظر "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد، ص (137) .

[18] ـ انظر "حكم تغيير المنكر" لعبد الآخر الغنيمي، ص (54) .

[19]ـ انظر "أحكام القرآن" لأبي بكر الجصاص ( 2/34 ) .

[20]ـ انظر "إحياء علوم الدين" للغزالي ( 2/331) .

[21] ـ انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (34/176) .

[22] ـ انظر "السيل الجرار" للشوكاني (4/311) .

[23] ـ انظر "البداية والنهاية" لابن كثير (14/12) .

[24] ـ أخرجه الحاكم (3/195)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/300)، وقال عنه الحاكم : صحيح الإسناد، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (2/574) .

[25]ـ أخرجه البخاري (3045) .

[26] ـ انظر "نيل الأوطار" للشوكاني (7/255) .

[27]ـ انظر "سيرة ابن هشام" (3/96)، قال الألباني : وهذا سندٌ حسنٌ إن كان الأشياخُ من الصحابةِ، وإلا فهو مرسلٌ، وبعضه من المسندِ، وسندهُ صحيحٌ، انظر "فقه السنة" ص (282) .

[28]ـ انظر "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/364) .

[29]ـ انظر " إحياء علوم الدين" للغزالي (2/319_320)

[30]ـ انظر "تفسير ابن كثير " (1/290) .

[31] ـ انظر "أحكام القرآن" للجصاص (2/30) .

[32]ـ أخرجه مسلم (1/69) .

[33] ـ انظر "حكم تغيير المنكر باليد..." لعبد الآخر الغنيمي ص (17-18) .

[34] ـ انظر "شرح مسلم" للنووي (2/25) .

[35] ـ انظر "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/246) .

[36]ـ أخرجه مسلم (1/70) .

[37] ـ انظر "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/248-249) .

[38]ـ انظر "شرح مسلم" للنووي ( 1/22 ) .

[39] ـ انظر "الكنز الأكبر" لعبد الرحمن الحنبلي ص (113) .

[40]ـ انظر السابق (2/23)

[41]ـ انظر " الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (4/48) .

[42]ـ أخرجه البخاري (956) واللفظ له، ومسلم (889) .

[43]ـ انظر "شرح مسلم" للنووي (6/178) .

[44]ـ أخرجه ابن جرير في "تهذيب الآثار" (4/240) .

[45]ـ أخرجه البخاري تعليقاً (5/145) ووصله ابن أبي شيبة (7/312)، وأخرجه ابن جرير في "تهذيب الآثار" (4/241) . وإسناده صحيح .

[46]ـ انظر "أحكام القرآن" للجصاص (2/31) .

[47] ـ انظر "الحوادث والبدع" للطرطوشي ص (105) .

[48]ـ انظر "شرح مسلم" للنووي (2/25) .

[49]ـ انظر "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/332) .

[50]ـ انظر "الطرق الحكمية" لابن القيم ص (271،272) .

[51]ـ انظر السابق ص (274 ، 275) .

[52]ـ انظر "المغني" لابن قدامة (8/111) .

[53]ـ انظر "إغاثة اللهفان" لابن القيم (1/212) .

[54]ـ انظر " البداية والنهاية" لابن كثير (14/12) .

[55] ـ انظر "المحلى" لابن حزم (9/361) .

[56]ـ انظر "السيل الجرار" للشوكاني (4/586) .

[57] ـ انظر "حكم تغيير المنكر ..." لعبد الآخر (41) .

[58]ـ انظر "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/329-333) .

[59]ـ انظر "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ( 4/49 ) .

[60]ـ انظر "السيل الجرار" للشوكاني (4/586) .

[61]ـ انظر " أحكام القرآن" للجصاص ( 1/31 ، 32 ) .

[62]ـ انظر "السيل الجرار" للشوكاني (4/586) .

[63] ـ انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (28/129) .

[64] ـ انظر "إعلام الموقعين" لابن القيم (3/7) .

[65] ـ انظر السابق (3/7-8) .

[66] ـ انظر "شرح مسلم" للنووي (2/23) .

[67] ـ انظر "حكم تغيير المنكر ..." لعبد الآخر (45-50) .

[68]ـ انظر "إحياء علوم الدين" للغزالي ( 2/323 ) .

[69]ـ انظر "الأشباه والنظائر" للسيوطي ( 414 ) .

[70]ـ أخرجه أحمد (1/2،5،7،9)، وأبو داود (4338)، والترمذي (2168، 3057)، وهو صحيحٌ، انظر "صحيح أبي داود" للألباني (3644) .

[71]ـ انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (14/480) .

[72]ـ أخرجه أبو داود (2512)، والترمذي (2972) وقال حسن صحيح غريب، وقد صححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2373) .

[73] ـ أخرجه أحمد (4/224)، وأبو داود (4012،4013)، وهو صحيحٌ، انظر "الإرواء" للألباني (2335) .

[74] ـ أخرجه مسلم (2590) .

[75] ـ انظر "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي (2/292) .

[76] ـ انظر "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" للخلال ص (35) .

[77] ـ انظر "شرح مسلم" للنووي (16/135) .

[78] ـ انظر "رياض الصالحين " للنووي ص (575) .

[79] ـ أخرجه البخاري (6827)، ومسلم (1697) .

[80] ـ انظر "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي ص (2/292-293) .

[81] ـ انظر "فتح الباري" لابن حجر (10/472) .

[82] ـ انظر "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (6/558) .

[83] ـ انظر " كشاف القناع" للبهوتي (2/121)، و" المطالب " (1/865) .

[84] ـ انظر " الإنصاف" (2/506) .

[85] ـ انظر "الفروع" لابن مفلح (2/217) .

[86] ـ انظر " الشرح الممتع" للعثيمين (5/377) .

[87] ـ أخرجه أحمد (6/181)، وأبو داود (4375)، وهو صحيحٌ، كما حسَّنه ابنُ حجرٍ في "الفتح" (12/88)، وكذا صحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (638) .

[88] ـ انظر "بدائع الفوائد" لابن القيم (3/138) .

[89] ـ انظر "النهاية" لابن الأثير (5/285) .

[90] ـ انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (28/105،217-218)، (23/175).

[91]- ومن هذه المسائل لا كُلها : هل التَّحدُّثُ عن المُنكراتِ وبيانُ خُطُورتِها وتحذيرُ المسلمين منها على المنابرِ أو غيرِها يُعتبرُ ( تهييجاً ) للعامَّة ؟!، وهل الإنكارُ على الحُكَّام يعتبرُ ( خروجاً ) عليهم ؟!، وهل الإنكارُ عليهم يكونُ علانيةً أو سِراً، وما الضَّابط في ذلك؟!، وكذا بيانُ الفرقِ بين النَّصيحةُ والإنكار، وهل هنالك فرقٌ بين المُحتسبِ والمُتطوِّع من حيث الإنكارِ باليدِّ؟، وبيانُ الأوقات التي يتعيَّنُ فيها الإنكارُ على عمومِ المسلمين، كلُّ هذا وغيرُه سنُضمِّنُه في كتابِنا "فقه الإنكار بين السَّلف والخلف" إن شاء الله .
 
التعديل الأخير:

زياد العراقي

:: مشرف ::
إنضم
21 نوفمبر 2011
المشاركات
3,614
الجنس
ذكر
التخصص
...
الدولة
العراق
المدينة
؟
المذهب الفقهي
المذهب الشافعي
رد: فِقْهُ الإنْكَارِ باليَدِّ دراسة ونقد

بارك الله فيكم ونفع بكم وجزاكم خير الجزاء
 
أعلى