عبد الإله بن ناصر التميمي
:: متابع ::
- إنضم
- 6 سبتمبر 2011
- المشاركات
- 3
- التخصص
- الشريعة
- المدينة
- الرياض
- المذهب الفقهي
- لا اتقيد بمذهب معين لكن اميل للمذهب الحنبلي
النصيحة لولاة الأمر
إن من مقتضيات البيعة النصح لولاة الأمر, أخرج مسلم في صحيحه[SUP]([1])[/SUP] عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن رسول الله ^ قال : « الدين النصيحة » قلنا : لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» .
فمن الدين: النصيحة لولاة الأمر , قال ابن عبدالبر -رحمه الله-مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها)[SUP]([2])[/SUP] .
قال النووي-رحمه الله-أما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق, وطاعتهم فيه, وأمرهم به, وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف, وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين, وترك الخروج عليهم, وتألف قلوب الناس لطاعتهم, قال الخطابي -رحمه الله-: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم, والجهاد معهم, وأداء الصدقات اليهم, وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة, وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم, وأن يدعى لهم بالصلاح..)[SUP]([3])[/SUP] .
قال ابن رجب -رحمه الله- : « النصيحة لأئمة المسلمين: حب صلاحهم, ورشدهم, وعدلهم, وحب اجتماع الأمة عليهم ، وكراهة افتراق الأمة عليهم ، والتدين بطاعتهم في طاعة الله ، والبغض لمن رأى الخروج عليهم ، وحبّ إعزازهم في طاعة الله »[SUP]([4])[/SUP] .
والنصيحة لولاة الأمر تكون بلطف, ولين, ورفق, وفي السر؛ لأن ذلك أدعى لقبول النصيحة, فلا يشهر بهم أمام الناس, ولا يظهر من أراد النصح المعايب, وينشر المثالب, بل يكون فيما بينه وبين الإمام مشافهة أو مكاتبة.
أخرج الإمام أحمد [SUP]([5])[/SUP] , وابن أبي عاصم [SUP]([6])[/SUP] عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال : قال رسول الله ^ : « من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده, فإن قبل منه فذاك, وإلا كان قد أدى الذي عليه ».
وأخرج البخاري [SUP]([7])[/SUP] , ومسلم [SUP]([8])[/SUP] واللفظ له عن أسامة بن زيد-رضي الله عنهما- قال : قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه.
وأخرج ابن أبي شيبة [SUP]([9])[/SUP],عن سعيد بن جبير-رحمه الله- قال: قال رجل لابن عباس-رضي الله عنهما-: آمر أميري بالمعروف؟ قال: إن خفت أن يقتلك, فلا تؤنب الإمام, فإن كنت لا بد فاعلا فيما بينك وبينه.
قال سليمان التيمي-رحمه الله-ما أغضبت رجلاً فقبل منك)[SUP]([10])[/SUP], فكيف بالسلطان .
قال الإمام أحمد-رحمه الله-يأمر بالرفق والخضوع, ثم قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب! فيكون يريد ينتصر لنفسه)[SUP]([11])[/SUP] .
قال النووي-رحمه الله-وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف)[SUP]([12])[/SUP] .
قال ابن القيم-رحمه الله- : « مخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وعرفاً ، ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه»[SUP]([13])[/SUP] .
قال ابن رجب-رحمه الله : « وتذكيرهم وتنبيهم في رفق ولطف » [SUP]([14])[/SUP] .
قال الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب-رحمه الله- إذا صدر المنكر من أمير أو غيره, أن ينصح برفق خفية ما يشترف أحد، فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية، فإن لم يفعل فيمكن الإنكار ظاهراً، إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق، واستلحق عليه ولا وافق، فيرفع الأمر إلينا خفية)[SUP]([15])[/SUP] .
قال الشوكاني - رحمه الله -ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل: أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد) [SUP]([16])[/SUP] .
جاء في الدرر السنية[SUP]([17])[/SUP]إنكار المنكر على الولاة ظاهراً مما يوجب الفرقة والاختلاف بين الإمام ورعيته, فإن لم يقبل المناصحة خفية, فليرد الأمر إلى العلماء, وقد برئت ذمته).
قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف, والشيخ سعد بن عتيق, والشيخ عبد الله العنقري, والشيخ عمر بن سليم, والشيخ محمد بن إبراهيم-رحمهم الله- وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر، والخروج من الإسلام، فالواجب فيها: مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس, ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر, الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح, وأئمة الدين)[SUP]([18])[/SUP] .
وكتب سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله- نصيحة لأحد القضاة نصهابلغني أن موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي ، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية ، وليس من شروطها أن لا يقع منها زلل ، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير , ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد ، وإفتاء بين المتخاصمين ، ونصيحة الأمير والمأمور بالسر وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين . ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك, والقاضية على فكرك, والحاكمة على تصرفاتك ؛ بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرح بما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها ؛ وأنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين ، ولم تفعل ذلك أصلا ؛ إلا أنها غير معصومة فقط ؛ فأنت كن وإياها أخوين : أحدهما مبين واعظ ناصح، والآخر: باذل ما يجب عليه كاف عما ليس له . إن أحسن دعا له بالخير ونشّط عليه ، وإن قصّر عومل بما أسلفت لك ، ولا يظهر عليك عند الرعية, ولا سيما المتظلمين بالباطل عتبك على الأمير, وانتقادك إياه ؛ لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء ، وغير ما تعبدت به ، إنما تعبدت بما قدمت لك ونحوه ، وأن تكون جامع شمل ، لا مشتت ، مؤلف لا منفر .
واذكر وصية النبي لمعاذ وأبي موسىe :" يسر ولا تعسر ، وبشروا ولا تنفروا ، وتطاوعا ولا تختلفا " أو كما قالe . وأنا لم أكتب لك ذلك لغرض سوى النصيحة لك, وللأمير, ولكافة الجماعة, ولإمام المسلمين . والله ولي التوفيق . والسلام عليكم )[SUP]([19])[/SUP] .
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله- : « ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر » [SUP]([20])[/SUP] .
وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان-غفر الله له وأمد في عمره على طاعته- بعد سؤال وجه إليه ونص السؤال ما هو المنهج الصحيح في المناصحة، وخاصة مناصحة الحكام؛ أهو بالتشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة ؟ أم مناصحتهم في السر ؟ أرجو توضيح المنهج الصحيح في هذه المسألة ؟ فأجاب جزاه الله خيرا : العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فالحكام المسلمون بشر يخطئون، ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين، ولكن لا نتخذ من أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم، حتى وإن جاروا، وإن ظلموا حتَّى وإن عصوا، ما لمَ يأتوا كفرًا بواحًا، كما أمر بذلك النبي- صلى الله عليه وسلم -، وإن كان عندهم معاصٍ وعندهم جور وظلم؛ فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة، ووحدةً للمسلمين، وحماية لبلاد المسلمين، وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة؛ أعظم من المنكر الذي هم عليه، يحصل - في مخالفتهم - ما هو أشد من المنكر الذي يصدر منهم، ما دام هذا المنكر دون الكفر، ودون الشرك . ولا نقول : إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء، لا، بل تُعالَج، ولكن تُعالَج بالطريقة السليمة، بالمناصحة لهم سرًا، والكتابة لهم سرًا .
وليست بالكتابة التي تُكتب، ويوقع عليها جمع كثير، وتُوزّع على الناس، هذا لا يجوز، بل تُكتب كتابة سرية فيها نصيحة ، تُسَلّم لولي الأمر، أو يُكَلّم شفويًا، أما الكتابة التي تُكتب وتُصَوَّر وتُوَزَّع على الناس؛ فهذا عمل لا يجوز، لأنه تشهير، وهو مثل الكلام على المنابر، بل هو أشد، بل الكلام يمكن أن يُنسى، ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي؛ فليس هذا من الحق) [SUP]([21])[/SUP] .
هذا هو الطريق الشرعي في الإنكار على ولاة الأمر, أسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما فيه نصرة الإسلام وعز المسلمين, وأسأله أن يحفظ على بلاد التوحيد أمنها وإيمانها ويكفيها شر أعدائها الغالين في الدين والجافين عنه.
كتبه/ د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
([1]) كتاب الإيمان, باب بيان أن الدين النصيحة, رقم (55).
([2]) الاستذكار(8/579).
([3]) شرح صحيح مسلم(2/227).
([4]) جامع العلوم ص106.
([5]) في المسند برقم(15333).
([6]) في السنة برقم(1096).
([7]) كتاب بدء الخلق, باب صفة النار, رقم(3267).
([8]) كتاب الزهد والرقائق, باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله, رقم(2989).
([9]) في المصنف برقم(37307).
([10]) الأمر بالمعروف للخلال ص36.
([11]) الأمر بالمعروف للخلال ص39.
([12]) شرح صحيح مسلم(2/227).
([13]) بدائع الفوائد(3/1061).
([14]) جامع العلوم ص106.
([15]) الدرر السنية(9/151و152).
([16]) السيل الجرار(4/556).
([17]) (9/153).
([18]) الدرر السنية(9/119).
([19]) الفتاوى(12/182و183).
([20]) الفتاوى(8/210).
([21]) الأجوبة المفيدة ص27 .
إن من مقتضيات البيعة النصح لولاة الأمر, أخرج مسلم في صحيحه[SUP]([1])[/SUP] عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن رسول الله ^ قال : « الدين النصيحة » قلنا : لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» .
فمن الدين: النصيحة لولاة الأمر , قال ابن عبدالبر -رحمه الله-مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها)[SUP]([2])[/SUP] .
قال النووي-رحمه الله-أما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق, وطاعتهم فيه, وأمرهم به, وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف, وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين, وترك الخروج عليهم, وتألف قلوب الناس لطاعتهم, قال الخطابي -رحمه الله-: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم, والجهاد معهم, وأداء الصدقات اليهم, وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة, وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم, وأن يدعى لهم بالصلاح..)[SUP]([3])[/SUP] .
قال ابن رجب -رحمه الله- : « النصيحة لأئمة المسلمين: حب صلاحهم, ورشدهم, وعدلهم, وحب اجتماع الأمة عليهم ، وكراهة افتراق الأمة عليهم ، والتدين بطاعتهم في طاعة الله ، والبغض لمن رأى الخروج عليهم ، وحبّ إعزازهم في طاعة الله »[SUP]([4])[/SUP] .
والنصيحة لولاة الأمر تكون بلطف, ولين, ورفق, وفي السر؛ لأن ذلك أدعى لقبول النصيحة, فلا يشهر بهم أمام الناس, ولا يظهر من أراد النصح المعايب, وينشر المثالب, بل يكون فيما بينه وبين الإمام مشافهة أو مكاتبة.
أخرج الإمام أحمد [SUP]([5])[/SUP] , وابن أبي عاصم [SUP]([6])[/SUP] عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال : قال رسول الله ^ : « من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده, فإن قبل منه فذاك, وإلا كان قد أدى الذي عليه ».
وأخرج البخاري [SUP]([7])[/SUP] , ومسلم [SUP]([8])[/SUP] واللفظ له عن أسامة بن زيد-رضي الله عنهما- قال : قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه.
وأخرج ابن أبي شيبة [SUP]([9])[/SUP],عن سعيد بن جبير-رحمه الله- قال: قال رجل لابن عباس-رضي الله عنهما-: آمر أميري بالمعروف؟ قال: إن خفت أن يقتلك, فلا تؤنب الإمام, فإن كنت لا بد فاعلا فيما بينك وبينه.
قال سليمان التيمي-رحمه الله-ما أغضبت رجلاً فقبل منك)[SUP]([10])[/SUP], فكيف بالسلطان .
قال الإمام أحمد-رحمه الله-يأمر بالرفق والخضوع, ثم قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب! فيكون يريد ينتصر لنفسه)[SUP]([11])[/SUP] .
قال النووي-رحمه الله-وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف)[SUP]([12])[/SUP] .
قال ابن القيم-رحمه الله- : « مخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وعرفاً ، ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه»[SUP]([13])[/SUP] .
قال ابن رجب-رحمه الله : « وتذكيرهم وتنبيهم في رفق ولطف » [SUP]([14])[/SUP] .
قال الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب-رحمه الله- إذا صدر المنكر من أمير أو غيره, أن ينصح برفق خفية ما يشترف أحد، فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية، فإن لم يفعل فيمكن الإنكار ظاهراً، إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق، واستلحق عليه ولا وافق، فيرفع الأمر إلينا خفية)[SUP]([15])[/SUP] .
قال الشوكاني - رحمه الله -ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل: أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد) [SUP]([16])[/SUP] .
جاء في الدرر السنية[SUP]([17])[/SUP]إنكار المنكر على الولاة ظاهراً مما يوجب الفرقة والاختلاف بين الإمام ورعيته, فإن لم يقبل المناصحة خفية, فليرد الأمر إلى العلماء, وقد برئت ذمته).
قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف, والشيخ سعد بن عتيق, والشيخ عبد الله العنقري, والشيخ عمر بن سليم, والشيخ محمد بن إبراهيم-رحمهم الله- وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر، والخروج من الإسلام، فالواجب فيها: مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس, ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر, الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح, وأئمة الدين)[SUP]([18])[/SUP] .
وكتب سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله- نصيحة لأحد القضاة نصهابلغني أن موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي ، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية ، وليس من شروطها أن لا يقع منها زلل ، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير , ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد ، وإفتاء بين المتخاصمين ، ونصيحة الأمير والمأمور بالسر وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين . ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك, والقاضية على فكرك, والحاكمة على تصرفاتك ؛ بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرح بما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها ؛ وأنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين ، ولم تفعل ذلك أصلا ؛ إلا أنها غير معصومة فقط ؛ فأنت كن وإياها أخوين : أحدهما مبين واعظ ناصح، والآخر: باذل ما يجب عليه كاف عما ليس له . إن أحسن دعا له بالخير ونشّط عليه ، وإن قصّر عومل بما أسلفت لك ، ولا يظهر عليك عند الرعية, ولا سيما المتظلمين بالباطل عتبك على الأمير, وانتقادك إياه ؛ لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء ، وغير ما تعبدت به ، إنما تعبدت بما قدمت لك ونحوه ، وأن تكون جامع شمل ، لا مشتت ، مؤلف لا منفر .
واذكر وصية النبي لمعاذ وأبي موسىe :" يسر ولا تعسر ، وبشروا ولا تنفروا ، وتطاوعا ولا تختلفا " أو كما قالe . وأنا لم أكتب لك ذلك لغرض سوى النصيحة لك, وللأمير, ولكافة الجماعة, ولإمام المسلمين . والله ولي التوفيق . والسلام عليكم )[SUP]([19])[/SUP] .
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله- : « ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر » [SUP]([20])[/SUP] .
وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان-غفر الله له وأمد في عمره على طاعته- بعد سؤال وجه إليه ونص السؤال ما هو المنهج الصحيح في المناصحة، وخاصة مناصحة الحكام؛ أهو بالتشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة ؟ أم مناصحتهم في السر ؟ أرجو توضيح المنهج الصحيح في هذه المسألة ؟ فأجاب جزاه الله خيرا : العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فالحكام المسلمون بشر يخطئون، ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين، ولكن لا نتخذ من أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم، حتى وإن جاروا، وإن ظلموا حتَّى وإن عصوا، ما لمَ يأتوا كفرًا بواحًا، كما أمر بذلك النبي- صلى الله عليه وسلم -، وإن كان عندهم معاصٍ وعندهم جور وظلم؛ فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة، ووحدةً للمسلمين، وحماية لبلاد المسلمين، وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة؛ أعظم من المنكر الذي هم عليه، يحصل - في مخالفتهم - ما هو أشد من المنكر الذي يصدر منهم، ما دام هذا المنكر دون الكفر، ودون الشرك . ولا نقول : إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء، لا، بل تُعالَج، ولكن تُعالَج بالطريقة السليمة، بالمناصحة لهم سرًا، والكتابة لهم سرًا .
وليست بالكتابة التي تُكتب، ويوقع عليها جمع كثير، وتُوزّع على الناس، هذا لا يجوز، بل تُكتب كتابة سرية فيها نصيحة ، تُسَلّم لولي الأمر، أو يُكَلّم شفويًا، أما الكتابة التي تُكتب وتُصَوَّر وتُوَزَّع على الناس؛ فهذا عمل لا يجوز، لأنه تشهير، وهو مثل الكلام على المنابر، بل هو أشد، بل الكلام يمكن أن يُنسى، ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي؛ فليس هذا من الحق) [SUP]([21])[/SUP] .
هذا هو الطريق الشرعي في الإنكار على ولاة الأمر, أسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما فيه نصرة الإسلام وعز المسلمين, وأسأله أن يحفظ على بلاد التوحيد أمنها وإيمانها ويكفيها شر أعدائها الغالين في الدين والجافين عنه.
كتبه/ د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
([1]) كتاب الإيمان, باب بيان أن الدين النصيحة, رقم (55).
([2]) الاستذكار(8/579).
([3]) شرح صحيح مسلم(2/227).
([4]) جامع العلوم ص106.
([5]) في المسند برقم(15333).
([6]) في السنة برقم(1096).
([7]) كتاب بدء الخلق, باب صفة النار, رقم(3267).
([8]) كتاب الزهد والرقائق, باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله, رقم(2989).
([9]) في المصنف برقم(37307).
([10]) الأمر بالمعروف للخلال ص36.
([11]) الأمر بالمعروف للخلال ص39.
([12]) شرح صحيح مسلم(2/227).
([13]) بدائع الفوائد(3/1061).
([14]) جامع العلوم ص106.
([15]) الدرر السنية(9/151و152).
([16]) السيل الجرار(4/556).
([17]) (9/153).
([18]) الدرر السنية(9/119).
([19]) الفتاوى(12/182و183).
([20]) الفتاوى(8/210).
([21]) الأجوبة المفيدة ص27 .