العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

النصيحة لولاة الأمر

إنضم
6 سبتمبر 2011
المشاركات
3
التخصص
الشريعة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
لا اتقيد بمذهب معين لكن اميل للمذهب الحنبلي
النصيحة لولاة الأمر
إن من مقتضيات البيعة النصح لولاة الأمر, أخرج مسلم في صحيحه[SUP]([1])[/SUP] عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن رسول الله ^ قال : « الدين النصيحة » قلنا : لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» .
فمن الدين: النصيحة لولاة الأمر , قال ابن عبدالبر -رحمه الله-:(مناصحة ولاة الأمر فلم يختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها)[SUP]([2])[/SUP] .
قال النووي-رحمه الله-:(أما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق, وطاعتهم فيه, وأمرهم به, وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف, وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين, وترك الخروج عليهم, وتألف قلوب الناس لطاعتهم, قال الخطابي -رحمه الله-: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم, والجهاد معهم, وأداء الصدقات اليهم, وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة, وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم, وأن يدعى لهم بالصلاح..)[SUP]([3])[/SUP] .
قال ابن رجب -رحمه الله- : « النصيحة لأئمة المسلمين: حب صلاحهم, ورشدهم, وعدلهم, وحب اجتماع الأمة عليهم ، وكراهة افتراق الأمة عليهم ، والتدين بطاعتهم في طاعة الله ، والبغض لمن رأى الخروج عليهم ، وحبّ إعزازهم في طاعة الله »[SUP]([4])[/SUP] .
والنصيحة لولاة الأمر تكون بلطف, ولين, ورفق, وفي السر؛ لأن ذلك أدعى لقبول النصيحة, فلا يشهر بهم أمام الناس, ولا يظهر من أراد النصح المعايب, وينشر المثالب, بل يكون فيما بينه وبين الإمام مشافهة أو مكاتبة.
أخرج الإمام أحمد [SUP]([5])[/SUP] , وابن أبي عاصم [SUP]([6])[/SUP] عن عياض بن غنم رضي الله عنه قال : قال رسول الله ^ : « من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده, فإن قبل منه فذاك, وإلا كان قد أدى الذي عليه ».
وأخرج البخاري [SUP]([7])[/SUP] , ومسلم [SUP]([8])[/SUP] واللفظ له عن أسامة بن زيد-رضي الله عنهما- قال : قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه ؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه.
وأخرج ابن أبي شيبة [SUP]([9])[/SUP],عن سعيد بن جبير-رحمه الله- قال: قال رجل لابن عباس-رضي الله عنهما-: آمر أميري بالمعروف؟ قال: إن خفت أن يقتلك, فلا تؤنب الإمام, فإن كنت لا بد فاعلا فيما بينك وبينه.
قال سليمان التيمي-رحمه الله-:(ما أغضبت رجلاً فقبل منك)[SUP]([10])[/SUP], فكيف بالسلطان .
قال الإمام أحمد-رحمه الله-:(يأمر بالرفق والخضوع, ثم قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب! فيكون يريد ينتصر لنفسه)[SUP]([11])[/SUP] .
قال النووي-رحمه الله-:(وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف)[SUP]([12])[/SUP] .
قال ابن القيم-رحمه الله- : « مخاطبة الرؤساء بالقول اللين أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وعرفاً ، ولذلك تجد الناس كالمفطورين عليه»[SUP]([13])[/SUP] .
قال ابن رجب-رحمه الله : « وتذكيرهم وتنبيهم في رفق ولطف » [SUP]([14])[/SUP] .
قال الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب-رحمه الله-:( إذا صدر المنكر من أمير أو غيره, أن ينصح برفق خفية ما يشترف أحد، فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية، فإن لم يفعل فيمكن الإنكار ظاهراً، إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق، واستلحق عليه ولا وافق، فيرفع الأمر إلينا خفية)[SUP]([15])[/SUP] .
قال الشوكاني - رحمه الله -:(ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل: أن يناصحه ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد) [SUP]([16])[/SUP] .
جاء في الدرر السنية[SUP]([17])[/SUP]:(إنكار المنكر على الولاة ظاهراً مما يوجب الفرقة والاختلاف بين الإمام ورعيته, فإن لم يقبل المناصحة خفية, فليرد الأمر إلى العلماء, وقد برئت ذمته).
قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف, والشيخ سعد بن عتيق, والشيخ عبد الله العنقري, والشيخ عمر بن سليم, والشيخ محمد بن إبراهيم-رحمهم الله-:( وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر، والخروج من الإسلام، فالواجب فيها: مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، واتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع عليهم في المجالس, ومجامع الناس، واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر, الواجب إنكاره على العباد، وهذا غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح, وأئمة الدين)[SUP]([18])[/SUP] .
وكتب سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم-رحمه الله- نصيحة لأحد القضاة نصها:(بلغني أن موقفك مع الإمارة ليس كما ينبغي ، وتدري بارك الله فيك أن الإمارة ما قصد بها إلا نفع الرعية ، وليس من شروطها أن لا يقع منها زلل ، والعاقل بل وغير العاقل يعرف أن منافعها وخيرها الديني والدنيوي يربو على مفاسدها بكثير , ومثلك إنما منصبه منصب وعظ وإرشاد ، وإفتاء بين المتخاصمين ، ونصيحة الأمير والمأمور بالسر وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين . ولا ينبغي أن تكون عثرة الأمير أو العثرات نصب عينيك, والقاضية على فكرك, والحاكمة على تصرفاتك ؛ بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرح بما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها ؛ وأنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين ، ولم تفعل ذلك أصلا ؛ إلا أنها غير معصومة فقط ؛ فأنت كن وإياها أخوين : أحدهما مبين واعظ ناصح، والآخر: باذل ما يجب عليه كاف عما ليس له . إن أحسن دعا له بالخير ونشّط عليه ، وإن قصّر عومل بما أسلفت لك ، ولا يظهر عليك عند الرعية, ولا سيما المتظلمين بالباطل عتبك على الأمير, وانتقادك إياه ؛ لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء ، وغير ما تعبدت به ، إنما تعبدت بما قدمت لك ونحوه ، وأن تكون جامع شمل ، لا مشتت ، مؤلف لا منفر .
واذكر وصية النبي لمعاذ وأبي موسىe :" يسر ولا تعسر ، وبشروا ولا تنفروا ، وتطاوعا ولا تختلفا " أو كما قالe . وأنا لم أكتب لك ذلك لغرض سوى النصيحة لك, وللأمير, ولكافة الجماعة, ولإمام المسلمين . والله ولي التوفيق . والسلام عليكم )[SUP]([19])[/SUP] .
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله- : « ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر » [SUP]([20])[/SUP] .
وقال الشيخ العلامة صالح الفوزان-غفر الله له وأمد في عمره على طاعته- بعد سؤال وجه إليه ونص السؤال :( ما هو المنهج الصحيح في المناصحة، وخاصة مناصحة الحكام؛ أهو بالتشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة ؟ أم مناصحتهم في السر ؟ أرجو توضيح المنهج الصحيح في هذه المسألة ؟ فأجاب جزاه الله خيرا : العصمة ليست لأحد إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فالحكام المسلمون بشر يخطئون، ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين، ولكن لا نتخذ من أخطائهم مجالاً للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم، حتى وإن جاروا، وإن ظلموا حتَّى وإن عصوا، ما لمَ يأتوا كفرًا بواحًا، كما أمر بذلك النبي- صلى الله عليه وسلم -، وإن كان عندهم معاصٍ وعندهم جور وظلم؛ فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة، ووحدةً للمسلمين، وحماية لبلاد المسلمين، وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة؛ أعظم من المنكر الذي هم عليه، يحصل - في مخالفتهم - ما هو أشد من المنكر الذي يصدر منهم، ما دام هذا المنكر دون الكفر، ودون الشرك . ولا نقول : إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء، لا، بل تُعالَج، ولكن تُعالَج بالطريقة السليمة، بالمناصحة لهم سرًا، والكتابة لهم سرًا .
وليست بالكتابة التي تُكتب، ويوقع عليها جمع كثير، وتُوزّع على الناس، هذا لا يجوز، بل تُكتب كتابة سرية فيها نصيحة ، تُسَلّم لولي الأمر، أو يُكَلّم شفويًا، أما الكتابة التي تُكتب وتُصَوَّر وتُوَزَّع على الناس؛ فهذا عمل لا يجوز، لأنه تشهير، وهو مثل الكلام على المنابر، بل هو أشد، بل الكلام يمكن أن يُنسى، ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي؛ فليس هذا من الحق) [SUP]([21])[/SUP] .
هذا هو الطريق الشرعي في الإنكار على ولاة الأمر, أسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما فيه نصرة الإسلام وعز المسلمين, وأسأله أن يحفظ على بلاد التوحيد أمنها وإيمانها ويكفيها شر أعدائها الغالين في الدين والجافين عنه.
كتبه/ د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء


([1]) كتاب الإيمان, باب بيان أن الدين النصيحة, رقم (55).

([2]) الاستذكار(8/579).

([3]) شرح صحيح مسلم(2/227).

([4]) جامع العلوم ص106.

([5]) في المسند برقم(15333).

([6]) في السنة برقم(1096).

([7]) كتاب بدء الخلق, باب صفة النار, رقم(3267).

([8]) كتاب الزهد والرقائق, باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله, رقم(2989).

([9]) في المصنف برقم(37307).

([10]) الأمر بالمعروف للخلال ص36.

([11]) الأمر بالمعروف للخلال ص39.

([12]) شرح صحيح مسلم(2/227).

([13]) بدائع الفوائد(3/1061).

([14]) جامع العلوم ص106.

([15]) الدرر السنية(9/151و152).

([16]) السيل الجرار(4/556).

([17]) (9/153).

([18]) الدرر السنية(9/119).

([19]) الفتاوى(12/182و183).

([20]) الفتاوى(8/210).

([21]) الأجوبة المفيدة ص27 .
 

عبد الرحمن بكر محمد

:: قيم الملتقى المالكي ::
إنضم
13 يونيو 2011
المشاركات
373
الإقامة
مصر المحروسة - مكة المكرمة شرفها الله
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أنس
التخصص
الشريعة والقانوزن
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
المالكي
رد: النصيحة لولاة الأمر

جميل منك أخي الفاضل أن تذكرنا بواجب الطاعة وعدم الخروج بالسيف، وكذلك لا يجوز الخروج عليهم بالكلام؛ فهو من أنواع الخروج، بل في بعض الأوقات يكون دوره أكبر من الخروج بالسيف، ولكن يجب أن ننتبه إلى وضع الكلام في موضعه، فإن هؤلاء الحكام الذين في زماننا ليسوا ممن أخذ الأمر عن جدارة واستحقاق وبيعة، ولكن في مصر -مثلا- خرجوا متغلبين بالسيف قهرًا، وطردوا الملك، وعلى هذا قس في كثير من بلدان المسلمين كما في ليبيا واليمن والعراق أيام صدام حسين ... إلخ، ثم ألم يُكَفِّر أهل العلم صدام حسين والقذافي، فهل نعتبرها حكامًا شرعيين وولاة أمر لا يجب الخروج عليهم؟؟؟!!!
ثم ألا تعلم أخي ما حدث للرجل الذي حاول نصح رئيسنا السابق المخلوع في الحرم المكي الذي أَمَّنَ الله من دخله، وإن أردت أمثلة من المملكة فهناك محدث العصر الشيخ العلامة الشيخ عبد الله السعد، وغيره، أسأل الله أن يصلح حال الجميع، ينبغي أن يوضع الكلام في محله شيخنا حتى يكون منضبطًا، فلا ينبغي حشد الأدلة وتركها على ظاهرها مع عدم بيان مناطها، وموطن الاستشهاد منها.
أسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: النصيحة لولاة الأمر

توجد في الملتقى عدة مواضيع حول الخروج والمظاهرات ونحوها يحسن العودة إليها دون الوقوف على وجهة نظر واحدة في المسألة من غير تخريج لمناط المسألة ولا تنقيح ولا تحقيق. ومن خير ما كتب في هذا كتاب الشيخ رشيد رضا الخلافة وأيضا للفاضل الدكتور حاكم المطيري كتابان يعالجان المسألة من كافة وجوهها وهما منشوران على موقعه على الشبكة.
 
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
72
التخصص
لغة عربية ودراسات إسلامية
المدينة
تاجوراء
المذهب الفقهي
مالكي
رد: النصيحة لولاة الأمر

ليست بالكتابة التي تُكتب، ويوقع عليها جمع كثير، وتُوزّع على الناس، هذا لا يجوز، بل تُكتب كتابة سرية فيها نصيحة ، تُسَلّم لولي الأمر، أو يُكَلّم شفويًا، أما الكتابة التي تُكتب وتُصَوَّر وتُوَزَّع على الناس؛ فهذا عمل لا يجوز، لأنه تشهير، وهو مثل الكلام على المنابر، بل هو أشد، بل الكلام يمكن أن يُنسى، ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي؛ فليس هذا من الحق) ([21]) .
أولا : ينبغي لنا إن أردنا التكلم على مسألة فقهية أن ننظر للواقع الذي نعيشه وبناء عليه نحقق المناط وليس من الفقه إعادة ما قاله الأولون من غير تدبر في فتواهم وعللهم التي بنوا عليها أحكامهم و في واقعهم الذي يعيشونه ، والذي من خلاله يجتهدون ، ومِن المعلوم عند الفقهاء أنّ الفتوى قد تتغيّر بحسب الزمان والمكان والأحوال وخاصّة تلك المبنيّة على مصلحة أو مفسدة مُعيّنة فإنها تتغيّر بتغيّر المصلحة أو المفسدة المبنيّ عليها الحكم كما قرّر ذلك الإمام العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ في كتابه (قواعد الأحكام) وابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه إعلام الموقعين حيث عقد فصلا كاملا بعنوان ( تغيّر الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة و الأمكنة و الأحوال والنيات والعوائد ) ،و بناءً على هذا فإنه لا يَنفع الاحتجاج بالفتاوى الصادرة عن بعض الفقهاء القدامى التي قد يفهم منها عدم جواز الإنكار على السلطان مثلا علانية ؛ لأنها مبنيّة ــ كما تقدّم ذكره ــ على نظرة مقاصدية في المصالح والمفاسد وعلى واقع يسمح لهم الوصول لحكامهم لا كزمننا هذا الذي لا يمكننا رؤيتهم إلا على التلفاز ، وهي ــ أي المصالح والمفاسد ــ تتغيّر بحسب الزمان والمكان والأحوال ، بل لا يجوز للمفتي أنْ يعتمد على فتاواهم تلك إلا بعد النظر في المصالح والمفاسد التي بَنَوا الحكم عليها ، فإنْ وافق نظرُه نظرَهم في الترجيح بينها جاز له نقل فتواهم ، وإنْ تغيّر مناط الحكم في زمنه ففي هذه الحالة يجب عليه أنْ يجتهد فيها لأنها نازلة جديدة والمُسْتجَدّ مِن النوازل يجب الاجتهاد فيه مِن قِبَل علماء العصر المُؤهلين ؛ ولذلك فإنّ كبار الفقهاء المعاصرين ــ مثل الصادق الغرياني و اللحيدان وعبد الرحمن البرّاك وعلوي السقاف و القرضاوي و الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورابطة العلماء و غيرهم ــ لمّا رّأوا أنّ المصلحة فيما قام به الليبيون أعظم مِمّا قد يحدث مِن مفاسد غير ملازمة جوّزوا ذلك ورَأوا أنه غير حرام ، بل هو أمر مُرَغّب فيه .
ثانيا : أما بالنسبة لقولك إن الإنكار علانية على السلطان لا يجوز فهذه دعوة تحتاج إلى دليل منك ، بل الإنكار على الحاكم يكون سرا ويكون علانية والمرجع في ذلك إلى المصلحة الشرعية وهي تتغيّر بحسب الزمان والمكان بناءً على أنّ الأحكام المبنيّة على المصلحة تتغيّر بتغيّر المصلحة ، فإذا اقتضت المصلحة في زمن مِن الأزمان أنْ يكون الإنكار فيه علانية وجب ذلك ؛ لأنّ المقصد مِن إنكار المنكر هو إزالة هذا المنكر والقضاء عليه ، فالوسيلة التي تؤدي هذا المقصد تكون مُتعيّنة والوسائل تتغيّر بالزمان، وبهذه القاعدة نستطيع أنْ نجمع بين الأحاديث والآثار التي بعضها يدلّ على الإسرار وبعضها الآخر يدلّ على الإعلان ومن قرأ سيرة السلف سيجد أمثلة صريحة في جواز الإنكار علانية فعلى سبيل المثال ما رواه مسلم في صحيحه عن طارق بن شهاب قال : " أوّل مَن بدأ بالخطبة يوم العيد قبْل الصلاة مروان فقام إليه رجلٌ فقال : الصلاة قبل الخطبة فقال : قد ترك ما هنالك ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَنْ رَأَى مِنكُم مُنْكَراً فَلْيُغَيّرْه بِيَده ، فإن لم يستطع فَبِلِسَانِه، فإن لم يستطع فَبِقَلْبِه ، وذلك أضعف الإيمان " ، وفي الرواية الأخرى أنّه أمسك بردائه وجذبه عن المنبر ، ولا شك أن الحاضرين في هذه الحادثة صحابة وتابعين ولم ينكروا على هذا الرجل والدليل على ذلك قول سيدنا أبي سعيد الخدري الصحابي الجليل المؤيد له . وعن أبي قبيل قال : " خطبنا معاوية بن أبي سفيان يوم الجمعة ، قفال عند خطبته : إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمَن شئنا أعطيناه ومَن شئنا منعناه ، فلم يُجبه أحد ، فلمّا كان الجمعة الثانية قال مثل ذلك ، فلم يُجبه أحد ، فلما كان الجمعة الثالثة قال مثل مقالته ، فقام إليه رجل مِمّن حضر المسجد فقال : كلا إنما المال مالنا والفئ فيئنا فمَن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا ، فنزل معاوية فأرسل إلى الرجل فأدخله ، فقال القوم : هلك الرجل ، ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير ، فقال معاوية للناس : إن هذا الرجل أحياني أحياه الله سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون أئمة مِن بَعْدي يقولون ولا يُردّ عليهم ، يَتقاحمون في النار كما تَتَقاحم القردة " ، وإني تكلمت أول جمعة فلم يَرَدّ عليّ أحد فخشيت أنْ أكون منهم ، ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يَرَدّ عليّ أحد، فقلتُ في نفسي إني مِن القوم ، ثم تكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فردّ عليّ ، فأحياني أحياه الله " رواه أبو يعلى وصححه الألباني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات ، وروى الطبراني عن محمد بن عقبة قال : " خطب معاوية فتكلم بشئ مما ينكره الناس فردوا عليه فسره ذلك ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون أمراء يقولون ولا يّردُ عليهم ، يَتهافتون في النار يَتْبع بعضُهم بعضا " حسّنه الألباني .
وعن موسى بن أبي عيسى قال : " أتى عمر بن الخطاب مَشربة بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة ، فقال عمر : كيف تراني يا محمد ؟ فقال : لأراك والله كما أحبّ ، وكما يحبّ مَن يحبّ لك الخير أراك قويّا على جمع المال، عفيفا عنه ، عادلا في قسمه ، ولو مِلتَ عدّلناك كما يُعدّل السهم في الثقاف ، فقال عمر : هاه فقال : لو ملت عدّلناك كما يُعدّل السهم في الثقاف ، فقال عمر: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملتُ عدّلوني" أخرجه ابن المبارك في الزهد.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن يحي بن عيسى عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة قال: " دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدّث نفسه ، فدنوت منه فقلت : ما الذي أهمّك يا أمير المؤمنين ؟ فقال هكذا بيده وأشار بها ، قال: فقلت : الذي يهُمَك والله لو رأينا منك أمرا مُنكرًا لقوّمناك ، قال : آلله الذي لا أله إلا هو لو رأيتم مني أمرا تنكرونه لقوّمتموه؟ فقلت : ألله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمرا ننكره لقوّمناك، قال: فَفرِح بذلك فرحا شديدا وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم أصحابَ محمد مَن الذي إذا رأى مني أمرا يُنكره قوّمني".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " إنه سيكون أمراء يَدَعُون مِن السنة مثل هذه ، فإن تركتموها جعلوها مثل هذه ، فإن تركتموها جاؤوا بالطامّة الكبرى " أخرجه الطبراني في الكبير، فإذا كان هذا في ترك السنة فما بالنا في ترك الواجبات وارتكاب المحرمات والمنكرات ، وذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه خصالا للروم ثم قال: " وخصلة حسنة جميلة وأمْنَعُهُم مِن ظلم الملوك" أخرجه مسلم ، فوصف خصلة منعِ الملوك مِن الظلم بالحسن والجمال .
وها هو سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخليفة الأول يُبَيّن للمسلمين المنهج الإسلامي القويم في التعامل مع الحُكّام و السلاطين إنْ هم أحسنوا أو أساؤوا ، فقد روى ابنُ إسحاق أنّ المسلمين بايعوا أبا بكر الصديق ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال: " أيها الناس فإني قد وُلّيتُ عليكم ولستُ بخيركم ، فإنْ أحسنتُ فأعينوني و إنْ أسأتُ
فقوّمُوني .....إلخ ، قال ابن كثير إسناده صحيح.
فقوله رضي الله عنه ( وإنْ أسأت فقّوموني ) مِن التقويم ، يقال قوّمه أي عدله ، أي إذا أسأت فعدّلوني و ردّوني إلى الحق، وهذا يدل على أنّ الأمّة يجب عليها أنْ تقوّم الأئمة والولاة وتَردّهم إلى الحقّ وتمنعهم مِن الظلم قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله : " فهذا مِن كمال عدله وتقواه ، وواجب على كل إمام أن يَقتدي به في ذلك ، وواجب على الرعيّة أنْ تعامل الأئمة بذلك ، فإنِ استقام الإمامُ أعانوه على طاعة الله ، وإن زاغ وأخطأ بيّنوا له الصواب ودلوه عليه ، وإنْ تعمّد ظلما منعوه بحسب الإمكان ...." منهاج السنة النبوية .
وقال الجصاص ـ رحمه الله ـ وهو يردّ على قوم لا يَرَون الإنكار على الحُكّام والسلاطين ما نصّه : " وزعموا..أنّ السلطان لا يُنكر عليه الظلمُ والجَورُ وقتلُ النفس التي حرّم الله ، وإنّما يُنكر على غير السلطان بالقول أو باليد بغير سلاح ،فصاروا شرّا على الأمّة مِن أعدائها المُخالفين لها، لأنّهم أقعدوا الناس عن قتال الفئة الباغية وعن الإنكار على السلطان الظلم و الجَور ، حتى أدّى ذلك إلى تسَلط الفجّار بل المجوس و أعداء الإسلام ، حتى ذهبت الثغور وشاع الظلم وخربت البلاد، وذهب الدين والدنيا وظهرت الزندقة والغلو ومذاهب الثنوية والخرمية و المزدكية والذي جلب ذلك كله عليهم تَرْكهُم الأمرَ بالمعروف و النهيَ عن المُنكَر والإنكار على السلطان الجائر؛ والله المستعان" أحكام القرآن.

ونسأل الله أن يرزقنا فقها وفهما عميقا ، و أن يرزقنا الإنصاف ، و أن يجعلنا من العاملين بعلمهم ونعوذ به أن نكون من علماء السلاطين ، و أن يهدي ولاة أمورنا إلى ما يحب ويرضى ....
 
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
72
التخصص
لغة عربية ودراسات إسلامية
المدينة
تاجوراء
المذهب الفقهي
مالكي
رد: النصيحة لولاة الأمر

ليست بالكتابة التي تُكتب، ويوقع عليها جمع كثير، وتُوزّع على الناس، هذا لا يجوز، بل تُكتب كتابة سرية فيها نصيحة ، تُسَلّم لولي الأمر، أو يُكَلّم شفويًا، أما الكتابة التي تُكتب وتُصَوَّر وتُوَزَّع على الناس؛ فهذا عمل لا يجوز، لأنه تشهير، وهو مثل الكلام على المنابر، بل هو أشد، بل الكلام يمكن أن يُنسى، ولكن الكتابة تبقى وتتداولها الأيدي؛ فليس هذا من الحق) ([21]) .
أولا : ينبغي لنا إن أردنا التكلم على مسألة فقهية أن ننظر للواقع الذي نعيشه وبناء عليه نحقق المناط وليس من الفقه إعادة ما قاله الأولون من غير تدبر في فتواهم وعللهم التي بنوا عليها أحكامهم و في واقعهم الذي يعيشونه ، والذي من خلاله يجتهدون ، ومِن المعلوم عند الفقهاء أنّ الفتوى قد تتغيّر بحسب الزمان والمكان والأحوال وخاصّة تلك المبنيّة على مصلحة أو مفسدة مُعيّنة فإنها تتغيّر بتغيّر المصلحة أو المفسدة المبنيّ عليها الحكم كما قرّر ذلك الإمام العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ في كتابه (قواعد الأحكام) وابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه إعلام الموقعين حيث عقد فصلا كاملا بعنوان ( تغيّر الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة و الأمكنة و الأحوال والنيات والعوائد ) ،و بناءً على هذا فإنه لا يَنفع الاحتجاج بالفتاوى الصادرة عن بعض الفقهاء القدامى التي قد يفهم منها عدم جواز الإنكار على السلطان مثلا علانية ؛ لأنها مبنيّة ــ كما تقدّم ذكره ــ على نظرة مقاصدية في المصالح والمفاسد وعلى واقع يسمح لهم الوصول لحكامهم لا كزمننا هذا الذي لا يمكننا رؤيتهم إلا على التلفاز ، وهي ــ أي المصالح والمفاسد ــ تتغيّر بحسب الزمان والمكان والأحوال ، بل لا يجوز للمفتي أنْ يعتمد على فتاواهم تلك إلا بعد النظر في المصالح والمفاسد التي بَنَوا الحكم عليها ، فإنْ وافق نظرُه نظرَهم في الترجيح بينها جاز له نقل فتواهم ، وإنْ تغيّر مناط الحكم في زمنه ففي هذه الحالة يجب عليه أنْ يجتهد فيها لأنها نازلة جديدة والمُسْتجَدّ مِن النوازل يجب الاجتهاد فيه مِن قِبَل علماء العصر المُؤهلين ؛ ولذلك فإنّ كبار الفقهاء المعاصرين ــ مثل الصادق الغرياني و اللحيدان وعبد الرحمن البرّاك وعلوي السقاف و القرضاوي و الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورابطة العلماء و غيرهم ــ لمّا رّأوا أنّ المصلحة فيما قام به الليبيون أعظم مِمّا قد يحدث مِن مفاسد غير ملازمة جوّزوا ذلك ورَأوا أنه غير حرام ، بل هو أمر مُرَغّب فيه .
ثانيا : أما بالنسبة لقولك إن الإنكار علانية على السلطان لا يجوز فهذه دعوة تحتاج إلى دليل منك ، بل الإنكار على الحاكم يكون سرا ويكون علانية والمرجع في ذلك إلى المصلحة الشرعية وهي تتغيّر بحسب الزمان والمكان بناءً على أنّ الأحكام المبنيّة على المصلحة تتغيّر بتغيّر المصلحة ، فإذا اقتضت المصلحة في زمن مِن الأزمان أنْ يكون الإنكار فيه علانية وجب ذلك ؛ لأنّ المقصد مِن إنكار المنكر هو إزالة هذا المنكر والقضاء عليه ، فالوسيلة التي تؤدي هذا المقصد تكون مُتعيّنة والوسائل تتغيّر بالزمان، وبهذه القاعدة نستطيع أنْ نجمع بين الأحاديث والآثار التي بعضها يدلّ على الإسرار وبعضها الآخر يدلّ على الإعلان ومن قرأ سيرة السلف سيجد أمثلة صريحة في جواز الإنكار علانية فعلى سبيل المثال ما رواه مسلم في صحيحه عن طارق بن شهاب قال : " أوّل مَن بدأ بالخطبة يوم العيد قبْل الصلاة مروان فقام إليه رجلٌ فقال : الصلاة قبل الخطبة فقال : قد ترك ما هنالك ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مَنْ رَأَى مِنكُم مُنْكَراً فَلْيُغَيّرْه بِيَده ، فإن لم يستطع فَبِلِسَانِه، فإن لم يستطع فَبِقَلْبِه ، وذلك أضعف الإيمان " ، وفي الرواية الأخرى أنّه أمسك بردائه وجذبه عن المنبر ، ولا شك أن الحاضرين في هذه الحادثة صحابة وتابعين ولم ينكروا على هذا الرجل والدليل على ذلك قول سيدنا أبي سعيد الخدري الصحابي الجليل المؤيد له . وعن أبي قبيل قال : " خطبنا معاوية بن أبي سفيان يوم الجمعة ، قفال عند خطبته : إنما المال مالنا والفيء فيئنا فمَن شئنا أعطيناه ومَن شئنا منعناه ، فلم يُجبه أحد ، فلمّا كان الجمعة الثانية قال مثل ذلك ، فلم يُجبه أحد ، فلما كان الجمعة الثالثة قال مثل مقالته ، فقام إليه رجل مِمّن حضر المسجد فقال : كلا إنما المال مالنا والفئ فيئنا فمَن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا ، فنزل معاوية فأرسل إلى الرجل فأدخله ، فقال القوم : هلك الرجل ، ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير ، فقال معاوية للناس : إن هذا الرجل أحياني أحياه الله سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سيكون أئمة مِن بَعْدي يقولون ولا يُردّ عليهم ، يَتقاحمون في النار كما تَتَقاحم القردة " ، وإني تكلمت أول جمعة فلم يَرَدّ عليّ أحد فخشيت أنْ أكون منهم ، ثم تكلمت في الجمعة الثانية فلم يَرَدّ عليّ أحد، فقلتُ في نفسي إني مِن القوم ، ثم تكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فردّ عليّ ، فأحياني أحياه الله " رواه أبو يعلى وصححه الألباني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات ، وروى الطبراني عن محمد بن عقبة قال : " خطب معاوية فتكلم بشئ مما ينكره الناس فردوا عليه فسره ذلك ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون أمراء يقولون ولا يّردُ عليهم ، يَتهافتون في النار يَتْبع بعضُهم بعضا " حسّنه الألباني .
وعن موسى بن أبي عيسى قال : " أتى عمر بن الخطاب مَشربة بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة ، فقال عمر : كيف تراني يا محمد ؟ فقال : لأراك والله كما أحبّ ، وكما يحبّ مَن يحبّ لك الخير أراك قويّا على جمع المال، عفيفا عنه ، عادلا في قسمه ، ولو مِلتَ عدّلناك كما يُعدّل السهم في الثقاف ، فقال عمر : هاه فقال : لو ملت عدّلناك كما يُعدّل السهم في الثقاف ، فقال عمر: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملتُ عدّلوني" أخرجه ابن المبارك في الزهد.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن يحي بن عيسى عن الأعمش عن إبراهيم عن همام عن حذيفة قال: " دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدّث نفسه ، فدنوت منه فقلت : ما الذي أهمّك يا أمير المؤمنين ؟ فقال هكذا بيده وأشار بها ، قال: فقلت : الذي يهُمَك والله لو رأينا منك أمرا مُنكرًا لقوّمناك ، قال : آلله الذي لا أله إلا هو لو رأيتم مني أمرا تنكرونه لقوّمتموه؟ فقلت : ألله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمرا ننكره لقوّمناك، قال: فَفرِح بذلك فرحا شديدا وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم أصحابَ محمد مَن الذي إذا رأى مني أمرا يُنكره قوّمني".
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " إنه سيكون أمراء يَدَعُون مِن السنة مثل هذه ، فإن تركتموها جعلوها مثل هذه ، فإن تركتموها جاؤوا بالطامّة الكبرى " أخرجه الطبراني في الكبير، فإذا كان هذا في ترك السنة فما بالنا في ترك الواجبات وارتكاب المحرمات والمنكرات ، وذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه خصالا للروم ثم قال: " وخصلة حسنة جميلة وأمْنَعُهُم مِن ظلم الملوك" أخرجه مسلم ، فوصف خصلة منعِ الملوك مِن الظلم بالحسن والجمال .
وها هو سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخليفة الأول يُبَيّن للمسلمين المنهج الإسلامي القويم في التعامل مع الحُكّام و السلاطين إنْ هم أحسنوا أو أساؤوا ، فقد روى ابنُ إسحاق أنّ المسلمين بايعوا أبا بكر الصديق ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال: " أيها الناس فإني قد وُلّيتُ عليكم ولستُ بخيركم ، فإنْ أحسنتُ فأعينوني و إنْ أسأتُ
فقوّمُوني .....إلخ ، قال ابن كثير إسناده صحيح.
فقوله رضي الله عنه ( وإنْ أسأت فقّوموني ) مِن التقويم ، يقال قوّمه أي عدله ، أي إذا أسأت فعدّلوني و ردّوني إلى الحق، وهذا يدل على أنّ الأمّة يجب عليها أنْ تقوّم الأئمة والولاة وتَردّهم إلى الحقّ وتمنعهم مِن الظلم قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله : " فهذا مِن كمال عدله وتقواه ، وواجب على كل إمام أن يَقتدي به في ذلك ، وواجب على الرعيّة أنْ تعامل الأئمة بذلك ، فإنِ استقام الإمامُ أعانوه على طاعة الله ، وإن زاغ وأخطأ بيّنوا له الصواب ودلوه عليه ، وإنْ تعمّد ظلما منعوه بحسب الإمكان ...." منهاج السنة النبوية .
وقال الجصاص ـ رحمه الله ـ وهو يردّ على قوم لا يَرَون الإنكار على الحُكّام والسلاطين ما نصّه : " وزعموا..أنّ السلطان لا يُنكر عليه الظلمُ والجَورُ وقتلُ النفس التي حرّم الله ، وإنّما يُنكر على غير السلطان بالقول أو باليد بغير سلاح ،فصاروا شرّا على الأمّة مِن أعدائها المُخالفين لها، لأنّهم أقعدوا الناس عن قتال الفئة الباغية وعن الإنكار على السلطان الظلم و الجَور ، حتى أدّى ذلك إلى تسَلط الفجّار بل المجوس و أعداء الإسلام ، حتى ذهبت الثغور وشاع الظلم وخربت البلاد، وذهب الدين والدنيا وظهرت الزندقة والغلو ومذاهب الثنوية والخرمية و المزدكية والذي جلب ذلك كله عليهم تَرْكهُم الأمرَ بالمعروف و النهيَ عن المُنكَر والإنكار على السلطان الجائر؛ والله المستعان" أحكام القرآن.

ونسأل الله أن يرزقنا فقها وفهما عميقا ، و أن يرزقنا الإنصاف ، و أن يجعلنا من العاملين بعلمهم ونعوذ به أن نكون من علماء السلاطين ، و أن يهدي ولاة أمورنا إلى ما يحب ويرضى ....
 

سهيلة حشمت

:: مطـًـلع ::
إنضم
3 ديسمبر 2011
المشاركات
179
التخصص
فقه
المدينة
000000000
المذهب الفقهي
شافعى
رد: النصيحة لولاة الأمر

جزاكم الله خيرا
 
أعلى