د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
[مراعاة الخلاف، الخروج من الخلاف سياق المسألتين في كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير]
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد:
إذا ذكرت مسألة "مراعاة الخلاف" فلا بد أن يذكر الشاطبي رحمه الله
ليس لأنه بحث هذه المسألة في كتبه
ولا لأنه حققها بالبحث والتحرير.
ولا حتى لأنه راسل فيها شيوخه في إفريقية وتونس وفاس ثم كرَّ عليهم بالجواب والنقاش بل والنصيحة...
ولكن لسبب آخر يجاوز هذه المعاني كلها:
وهو أن شخصية الشيخ إبراهيم بن موسى الشاطبي ظهرت في هذه المسألة بشكل مختلف وبصورة غير معتادة.
فقد أظهرت هذه المسألة:
أبا إسحاق الشاطبي كطالب علم يتحرى الحقيقة من مصادرها...
وكطالب علم لا يرضى تمرير المسائل المشكلة من غير إيقافها بالسؤال والتفتيش والإشكال حتى تنحل أو تبقى كما هي مشكلة.
وكطالب علم أيقن أن هذه الشريعة من عند الله لا تختلف بل تأتلف، فيستأهله ذلك إلى أن يقيم الدنيا ويقعدها من أجل بحث مسألة أشكلت عليه يمر نظائرها بعجرها وبجرها على مسامع بعض المشتغلين بتحصيل علوم الشريعة لكن تمر كما يمرّ السحاب، وكأن شيئا لم يكن!
إلا أنها ليست كذلك عند أبي إسحاق فثمة إشكال يعرض لها فلا بد من إخضاعها للبحث والسؤال والتحرير وإرجاعها إلى أصولها و النظر في ملائمة فروعها... حتى تتبدّى له معالمها شيئا فشيئا بما يسر الناظرين ويبهج السامعين.
إن من يتعجب من إبداع الشاطبي وما صنعه في كتابيه "الموافقات والاعتصام" ويتساءل!
فِإننا ندعوه هنا لينظر ويرى كيف كان يعالج أبو إسحاق أفراد المسائل
وكيف كان يجهد نفسه في تعاطي آحاد الدلائل
لنعلم بعد ذلك السر في الشاطبي، والسر في إبداعه والسر في تميز إنتاجه.
لم يكن ذكاء الشاطبي وحده هو الذي أنتج له ما أنتج، فإن الأذكياء غيره كثير.
ولم تكن سعة معلوماته كفيلة بإبراز مكنوناته بل إنه – كما ذكر عن نفسه - رجل لا يعتني بكتب المتأخرين لأنها بحسب شيخه القباب أفسدت العلم...
إذا ما استثنينا توفيق الله وتيسيره وهدايته فإن السر البشري الذي كان وراء كتب الشاطبي ووراء إبداعه يكمن في نفسه التي بين جنبيه فإنها مرباة على تلقي العلوم من منابعها الأصيلة ومن مصادرها العتيقة آخذة ضرورة انتظامها علما مقرر وعملا حاضرا بعيدا كل البعد عن تكلف تأويل أو تمحل جواب.
هذه الصورة بكل بساطة أستطيع أن أجزم بأنها هي السر في الشاطبي، وهي السر نفسه في أترابه من أئمة التجديد....
بل إني أذهب إلى القول إلى ما هو أبعد من هذا، فأقول:
إن النفس الصادقة الجادة المتلهفة إلى تحصيل الحقائق والتي أنضجت لنا شيخ المقاصد أبا إسحاق الشاطبي هي ذات النفس التي أنضجت لنا أبا محمد ابن حزم الظاهري الذي قامت مدرسته على معنىً مناوئ لاعتبار المعاني والعلل والمقاصد.
ولسنا في محل بيان ذلك وتقريره ولكن المقصود معرفة القوة الدافعة والتي كانت قاسما مشتركا بين أئمة التجديد.
----------------
وأذكر هنا إلى أن سبب كتابة هذا الموضوع: "مراعاة الخلاف، الخروج من الخلاف سياق المسألتين في كلام الشاطبي من الإشكال والسؤال إلى النضج والتحرير" أمور:
منها:
خلط بعض من كتب في هذا الموضوع في تناول هاتين المسألتين مع ظهور الفرق بينهما صورة ودليلا واعتبارا وخلافا لاسيما عند الشاطبي والذي انطلق أكثر من كتب في هذا الموضوع من حيث انتهى .
ومنها:
ما يقع من الاجتزاء من كلام أبي إسحاق وبدا لي أن كلامه يحتاج إلى إعادة جمع وترتيب ثم تسجيل نتائج محددة يظهر من خلالها معالم رأي الشاطبي على وجه التحديد، لاسيما وأنه لم يظهر لي – على أقل تقدير بحسب البحوث التي اطلعت عليها – من تتبع سير الشاطبي في بناء هذه المسألة.
ومنها:
أن قاعدة مراعاة الخلاف قد نضجت عند الشاطبي نضجا بالغا إلى الحد الذي ذكر فيه - في معرض تطبيقه لهذه القاعدة تفريعا على الأصل في اعتبار المآل -:
أنه مجال للمجتهد صعب المورد
إلا أنه:
1- عذب المذاق.
2- محمود الغب.
3- جار على مقاصد الشريعة.
ومنها:
أهمية هاتين المسألتين من جهة العملية لاسيما في الواقع اليوم والذي جدت فيه من المسائل الشيء الكثير والذي يحوج الناظر من جهة والعامل من جهة أخرى إلى إنزال هاتين القاعدتين في منازلها اللائقة بها.
------------------
بقي أن أعزز ما ذكرته أولا من شخصية الشاطبي والتي اتضح تميزها في معالجة هذه المسألة:
بأن أبا إسحاق لما راسل شيخه ومفيده الذي كان يحبه ويجله كثيرا أبا العباس أحمد بن القباب في إشكالاته حول هذه المسألة:
أجابه شيخه:
بأن مراعاة الخلاف من محاسن المذهب
ثم استشهد بالبيت المعروف:
وكم من عائبٍ قولا صحيحا ***** وآفته من الفهم السقيم
ثم انتقل مباشرة إلى بحث المسألة.
فأجابه أبو إسحاق بمناقشة جوابه ثم ختم جوابه بنصيحة تعقب فيها شيخه على تعريضه بالبيت السابق فقال له:
أهمية هاتين المسألتين من جهة العملية لاسيما في الواقع اليوم والذي جدت فيه من المسائل الشيء الكثير والذي يحوج الناظر من جهة والعامل من جهة أخرى إلى إنزال هاتين القاعدتين في منازلها اللائقة بها.
------------------
بقي أن أعزز ما ذكرته أولا من شخصية الشاطبي والتي اتضح تميزها في معالجة هذه المسألة:
بأن أبا إسحاق لما راسل شيخه ومفيده الذي كان يحبه ويجله كثيرا أبا العباس أحمد بن القباب في إشكالاته حول هذه المسألة:
أجابه شيخه:
بأن مراعاة الخلاف من محاسن المذهب
ثم استشهد بالبيت المعروف:
وكم من عائبٍ قولا صحيحا ***** وآفته من الفهم السقيم
ثم انتقل مباشرة إلى بحث المسألة.
فأجابه أبو إسحاق بمناقشة جوابه ثم ختم جوابه بنصيحة تعقب فيها شيخه على تعريضه بالبيت السابق فقال له:
وجرى في كلامكم عن هذه المسألة أنكم لما حكيتم عن العلماء استشكال القول بمراعاة الخلاف نزعتم بالبيت إلى من استشكله فهو بعيد الفهم عن الصحة.
وأنا يا سيدي أستثقل الحوم حول هذه المنازع التي تشير إلى استنقاص من تقدم من أهل العلم المتسشكلين إذ منهم أبو عمر بن عبد البر وسواه، وإن كان الإشارة على بعد.
وأنتم أعرف بما فيها منا، وإنما حسن النظر معهم أن يكون على جهة الاستشكال وتوقف الفهم عما أرادوه فهو أليق بآداب العلماء، وأخلاق الفضلاء، وأحرى بتنوير القلب وانشراح الصدر وأجلب للفائدة في الدنيا والآخرة.
والمقصود بعد ذلك حاصل إذا تبين فيه الإشكال وظهر ما هو الصواب فإن ظهر أن الصواب خلاف ما قالوه التمس لهم أحسن المخارج وحمل كلامهم على أقرب ما يليق به من مناحي الصحة أو يبين ما هو الحق عند الناظر وحسنت الإشارة إلى رد ما خالفه فهذا الذي يظهر لي وبالله التوفيق.
فراجعه القاضي أبو العباس أحمد بن القباب بما نصه:
يا أخي رضي الله عنكم وصلني ما كتبتم لي به فيما سألتموه مما لا ترضونه من جوابي في كذا وكذا وحصل لي من ذلك في الوقت ما الله المسؤول أن يثيبكم عليه، ويعظم به أجوركم وما أحق المسؤول أن يعود سائلا، فلكم الفضل أولا وآخرا.
وقد وضح لكم صدق مقالي أني لست أهلا لهذا المقام، لكني تكلفت الجواب إسعافا لرغبتكم ، وقضاء لحق صدقكم ومبلغ نفس عذرها مثل منجم إلى غير ذلك مما تضمنه
كتابكم من الفوائد والنصح."
فتأمل:
كيف بلغت نفس أبي إسحاق مبلغا متجردا في الصدق والنصيحة أن تعقب شيخه ومفيده أبا العباس ابن القباب لمجرد التعريض ببيت من الشعر والذي يدور كثيرا على ألسنة العلماء.
ثم يبلغ العجب منتهاه:
حين يجيب الشيخ تلميذه على نصيحته فيدعو له بالرضى وأنه قد حصل له من الخير منذ وقت نصيحته ما الله المسؤول بأن يثيب تلميذه عليه
ثم يفصح بإفادته من جواب تلميذه فيقول:
وما أحق المسؤول أن يعود سائلا والمفيد مستفيدا، وأنه ليس أهلا لهذا المقام وإنما تكلف الجواب إسعافا لرغبتة......
فرحمهم الله وغفر لهما وأجزل مثوبتهما.
التعديل الأخير: