العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

(هل ثم اختلاف في اعتبار العمل بالسياسة الشرعية ؟)؛ للدكتور: سعد بن مطر العتيبي

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
هل ثم اختلاف في اعتبار العمل بالسياسة الشرعية ؟
للدكتور: سعد بن مطر العتيبي
3/7/1428هـ

مما سبق يتبين أنَّ الفقهاء من المتقدمين والمتأخرين يعتبرون العمل بالسياسة الشرعية في الجملة ؛ وإن اختلفوا في العمل بها بين موسِّعٍ ومضيِّق ؛ على ما سبقت الإشارة إليه .

و لم يقف كاتب هذه الموضوعات على خلاف عن أحد من الأئمة والمحقين في ردِّ العمل بالسياسة الشرعية مطلقاً ؛ نعم ، اشتهر أنَّ بعض الشافعية (1) قال : " لا سياسة إلا ما وافق الشرع " ؛ وذلك من مناظرة جرت بينه وبين أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي ؛ وهذا كما هو ظاهر ، ليس فيه نفي للعمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة ، وإنَّما هو إثبات للعمل بها بشرط موافقة الشرع ؛ وهذا محلُّ وفاق ، إذ مراده بموافقة الشرع : موافقة نصوصه وقواعده ، أو : عدم مخالفة ما نطق به الشرع - كما عبَّر ابن عقيل .

وهذا الذي ينبغي أن يُفَسَّر به قول هذا الفقيه الشافعي ؛ لأنَّ التقييد بموافقة الشرع ، اقتضاه ما اشتهر من بعض الولاة في تلك الأزمان ، من الحكم بـ( السياسة ) المخالفة للشرع ؛ " حتى صار يقال : الشرع والسياسة ، وهذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعو إلى السياسة ، سوغ حاكماً أن يحكم بالشرع والآخر بالسياسة " (2) .

ولهذا الملحظ أجاب ابن عقيل رحمه الله ذاك الفقيه الشافعي ، بأنَّمراده بالسياسة : السياسة الشرعية ، لا مطلق السياسة .
ولمَّا كان قوله : " ماوافق الشرع " يحتمل معنىً آخر قد يكون مقصوداً للمعترض ؛ فقد فرضه ابن عقيل – كماهو شأن المناظر الحاذق – وأجاب عنه ؛ حيث قال : " وإن أردت : ما نطق به الشرع ؛فغلط ، و تغليط للصحابة ؛ فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحدهعالم بالسير ، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأياً اعتمدوا فيه على مصلحة … " . تنظر الحاشية التالية . ولم يذكر من ساق هذه القصة - ممن وقف الباحث على كلامهم - جواباً لهذا الشافعيِّ على ابن عقيل ؛ فلعلَّه ، لمَّا تحرَّر له محلَّ المناظرة ؛و دقق له ابن عقيل صياغة العبارة - زال اعتراضه . وعلى كل حال فهو خلاف منسوب إلىفقيه لم يسم حتى يُعرف قدره في العلم (3) .

؛ ومن هنا رتَّب د. عبد الفتاحعمرو عايش - رحمه اللهتعالى - المذاهب الفقهية وعلماءها ، من جهة الأخذبالسياسة الشرعية واعتبارها ، سعة وضيقاً ؛ على النحو الآتي : المالكية ، وخاصًّة : ابن فرحون ، والشاطبي ، والقرافي ، ثم متأخِّروا الحنابلة ، وخاصَّة : ابن عقيل ،وابن تيمية ، وابن القيم ، ثم الحنفية وخاصَّة : ابن نجيم ، ثم الشافعية ، وخاصَّة : العزّ ابن عبد السلام ، ثم ابن حزم الظاهري(4).
ويظهر أنَّ هذا الترتيب نُظِرَ فيه إلى التصريح بلفظ " السياسة " ، لا مطلق اعتبارها ؛ ذلك أنَّ كثيراً من العلماء المتقدمين يعتبرون العمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة ؛ لكنهم لا يصرِّحون بهذا اللفظ ؛ بل كثيراً ما يعبرون بأصول السياسة الشرعية ؛ كالمصلحة ، والضَّرورة ، والاستحسان ، وغيرها ؛ ومن استعرض كتبهم : كالخراج ، والأم ، وفتاواهم كمسائل الإمام أحمد ؛ تأكَّد له ذلك

ومن هنا - أيضا - فما يذكر من خلاف في جملة العمل بالسياسة الشرعية ، غير مسلَّم ؛ إذ المتأملُ يتضح له أن ما يُحكى من خلاف في العمل بالسياسة الشرعية ، غايته أن يكون خلافاً في بعض وجوه أسس السياسة الشرعية وتطبيقات تلك الوجوه ، لا في العمل بالسياسة الشرعية ، ولعلَّ السبب في ذلك يعود إلى أمور ، منها :


- حصر مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، فيما لم يرد فيه نصٌّ ، مطلقاً ، سواء كان نصاً جزئياً خاصاً متعيناً أو غير متعين . وهذا مفهوم ضيق للسِّيَاسة الشَّرعيَّة .

- الخلط بين اختلاف الفقهاء في اعتبار بعض مستندات السياسةالشرعية ، الذي سبقت الإشارة إلى كونه لفظياً في عدد من أمهاتها في الحديث عن الأسس - وبين العمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة.

-
الخلط بين رفض العلماء لتصرفات بعضالولاة التي يسمونها ( سِّيَاسة ) أو ينسبونها إلى السِّيَاسة الشَّرعيَّة ، وبيناعتبار العلماء للعمل بالسياسة الشرعية ؛ وإن كان الفرق بين الأمرين ، لا يخفى .

-
الخلط بين سوء تطبيق السِّيَاسة الشَّرعيَّة من بعض الولاة والحكَّام ،واعتراض العلماء على ذلك ؛ وبين اعتبار العلماء للعمل بالسِّيَاسة الشَّرعيَّة .

وهذا مدار الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .



----------------------------------------------------------
(1)
ينظر : الطرق الحكمية ، لابن القيم :14.
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 20/392 -393 .
(3)
وهذا سياقالمناظرة كما أورده ابن القيم ، قال : جرت في جواز العمل في السلطنة ، بالسياسةالشرعية " مناظرة بين أبي الوفاء ابن عقيل وبين بعض الفقها:

- فقال ابن عقيل : العمل بالسياسة هو الحزم ، ولا يخلو منه إمام .
- وقال الآخر : لا سياسة إلا ما وافق الشرع .
- فقال ابن عقيل : السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد ، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نزل به وحي ؛ فإذا أردت بقولك : لا سياسة إلا ما وافق الشرع ، أي : لم يخالف ما نطق به الشرع ؛ فصحيح . وإن أردت ما نطق به الشرع ، فغلط ، وتغليط للصحابة ؛ فقـد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحـده عالم بالسير ، ولو لم يكن إلا تحريـق المصاحف ، كان رأياً اعتمـدوا فيه على مصلحة ، وكذلك تحريق عليٍّ كرَّم الله وجهه الزنادقةَ في الأخاديد ، ونَفْى عمرُ نَصْرَ ابن حجاج " . إعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/372 ط دار الفكر .
(4)السِّيَاسة الشَّرعيَّة في الأحوال الشخصيَّة : 37 .



المصدر: موقع المسلم
 
أعلى