رد: ياأهل العلم حدثونا عن ولاية المتغلب ؟
أنقل لكم تلخيصا مفيدا عن طرق ثبوت الولاية الشرعية شرحها لنا شيخي الأستاذ فوزي عثمان أثناء تدريسه لنا مادة السياسة الشرعية في جامعة المعرفة العالمية
والمادة من شرح الشيخ مقتبسة من رسالته الماجستير:
القواعد والضوابط الفقهية وتطبيقاتها في السياسة الشرعية
- الطرق التي تثبت فيها الإمامة في الشريعة الإسلامية ؟
- الطريق الأول: ثبوت الإمامة عن طريق النص.
-
والمراد بها: أن ينص الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على أن فلانا خليفة.
وهي من
أقوى الطرق الشرعية؛ وذلك للنصوص الآمرة بالسمع والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة وهي كثيرة،
مثاله من القرآن
:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}، {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، ومن السنة
النصوص على أن الأئمة من قريش فيقدمون ولا يُتقدم عليهم ما داموا على الخير والدين وهذا في حال الاختيار،
مثاله: "
إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقام الدين" و "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان" و"قدموا قريشا ولا تقدموها" و"الأئمة من قريش".
- التفريق في حال الاختيار والاضطرار فيمن يتولى أمر المسلمين:
ففي حال الاختيار: يراعى فيها الصفات الشرعية التي يجب أن توجد في ولي الأمر من:
القرشية والعدالة والعلم والصلاح الى غير ذلك من الطرق التي نص عليها أهل العلم.
وفي حال الاضطرار: يراعى حال الاضطرار وذكر هذا محمد بن ابراهيم الوزير اليماني "من لم يفرق بين حالي الاختيار والاضطرار فقد جهل المعقول والمنقول"
- هل جاء نص بعينه في ثبوت الإمامة لأحد؟
جاء نص من النبي صلى الله عليه وسلم في قريش؛ أي في إمامة قريش عموما
والخلاف إن كان جاء نص في إمامة أحد بعينه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما خلافة أبي بكر رضي الله عنه، هل هي منصوص عليها أم لا؟
- مسألة: هل خلافة أبي بكر رضي الله عنه ثبتت بالنص أم لا؟
فيها قولين لأهل السنة والجماعة :
(1) الجمهور، وهو
رواية عن أحمد واختاره
شيخ الإسلام والقاضي أبو يعلى: أنها لم تثبت بالنص، وإنما ثبتت باختيار أهل الحل والعقد من الصحابة، وهو
(الراجح)، و
أدلتهم:
-
- حديث عائشة رضي الله عنها: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولابعيرا ولا أوصى بشيء".
- اختلاف الصحابة في سقيفة بني ساعدة على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ثم اجتمعوا عليه بعد ذلك، فخلافهم دليل على عدم وجود نص قاطع صريح من النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه.
- حديث عمر رضي الله تعالى عنه "وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني" وهذا نص من عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام مات وترك أمر الخلافة ولم ينص على أحد بعينه.
- (2) رواية عن الإمام أحمد وقال بها أصحابه، وذهب إليها الحسن البصري والطبري وابن حزم: أنها ثبتت بنص من النبي عليه الصلاة والسلام. واختلفوا هل ثبتت بالنص الجلي الواضح أو بالنص الخفي. وأدلتهم:
-
- حديث جبير بن مطعم رضي الله عن المرأة التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "أرأيت إن جئت ولم أجدك" كأنها تريد موته عليه الصلاة والسلام فقال: "إن لم تجديني فأتِ أبا بكر)"، وهذا الاستدلال فيه نظر فهو غير صريح.
- ما روته عائشة رضي الله عنها "ادعوا لي أبا بكر وأخاه حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمني ويقول قائل أنا أولى بها ويأبى الله والمؤمنون إلا أبابكر" وفي رواية "ويأبى الله ويأبى المؤمنون" هذا الحديث من أقوى أدلة هذا القول.
الراجح: قول الجمهور وخلافة أبي بكر رضي الله عنه ثبتت باختيار أهل الحل والعقل من حيث الواقع؛ والنصوص أشارت إشارات أن الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم تكون لأبي بكر رضي الله عنه.
- سبب ترك التنصيص على أبي بكر رضي الله عنه
- كما في حديث عائشة رضي الله عنها "ويأبى الله ويأبى المؤمنون" لعلمه صلى الله عليه وسلم أن صحابته لا يجتمعون وهم خيرة الناس إلا على أبي بكر رضي الله عنه.
- ولما هذا فيه تشريع للأمة أن يجتهدوا في اختيار الأصلح والأنفع بينهم وأيضا يتطاوعون فيما بينهم إن حصل خلاف، فتأتسي الأمة بالصحابة في هذا الأمر، حيث حصول الخلاف بين الصحابة رغم علمهم منزلة أبي بكر رضي الله عنه، دليل أن الإمامة يختار لها الأصلح، ولا يلزم أن يُختار الإمام لصلاحه وتقواه، ودليله أيضا: قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه "يا أبا ذر إني أراك ضعيفا فلا تأمرن بين اثنين ولا تولين مال يتيم".
وهذا ما ذكره
شيخ الإسلام: أن في هذا أوجه ثلاثة:
الخبر والأمر والإرشاد ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ثبتت صحة خلافته ووجوب طاعته بالكتاب والسنة والاجماع وإن كانت انعقدت بالإجماع والاختيار.
الطريقة الثانية: ثبوت الإمامة بالعهد والاستخلاف:
-
وقد انعقد الإجماع على صحتها، وذكر هذا الاتفاق الامام
الخطابي وقال أنه سنة متفق عليه بين الصحابة والأمة، وخالف فيه الخوارج، ولا يعتد بمخالفتهم.
- طرق العهد والاستخلاف
- أن يعين الخليفة عند موته أو قبل ذلك خليفة بعده، مثاله: وهو أول مثال في الإسلام: استخلاف أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه، والدليل: قول عمر رضي الله عنه: "إن أَستخلف فقد استخلف من هو خير مني" يقصد أبا بكر رضي الله عنه. وذكر ابن بطال أن في هذا دليل على جواز عهد الخلافة من الإمام المتولي لغيره.
- أن يجعل الإمام الأول الأمر في جماعة لا يخرج عنهم من غير تخصيص لواحد بعينه: ومثاله: ما فعله عمر رضي الله تعالى عنه عندما أتته المنية فجعل أمر الخلافة في ستة من الصحابة، وهم: عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فكانت شورى بينهم لا تعدوهم، فاختاروا عثمان وعقدوا له البيعة ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضوان الله عليهم فكان الإجماع.
- أن يجعل الخليفة ولاية العهد بعده لرجل فإن مات ولي العهد قبل موت الخليفة، فيقول فإن الولاية رجل آخر، فإن مات المُولّى أولا فالعقد الثاني ثابت، ودليل ذلك ومثاله: غزوة مؤتة وترتيب الإمارة وجعلها بين ثلاثة على التوالي "إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة"، وهذه الطريقة من الاستخلاف ذكرها الماوردي عليه رحمة الله.
- الطريقة الثالثة: اختيار أهل الحل والعقد:
-
المراد بها: أن يجتمعوا على واحد ويبايعونه بالخلافة، وفيها
إجماع، وذكر ذلك الإمام البغوي أنه يجب على أهل الحل والعقد أن يجتمعوا على بيعة رجل إن لم يكن هناك استخلاف من الإمام، و
مثاله: اجتماع الصحابة رضي الله عنهم على بيعة أبي بكر رضي الله عنه وإحكامها قبل دفن النبي صلى الله عليه وسلم.
- هل هناك شروط لأهل الحل والعقد الذين يحكمون البيعة لولي أمرهم؟
المسألة فيها خلاف، حيث ذكر بعض أهل العلم ومنهم
الماوردي أنه ينبغي توفر شروط ومنها:
العدالة الجامعة بشروطها، والعلم الذي يتوصلون من خلاله لمعرفة من يستحق الإمامة، ويكونوا من أهل الرأي والحكمة والدراية.
و
الصواب: أن شرط العدالة فيه نظر، فأهل الحل والعقد قد لا يتوفر هذا الشرط فيهم لكن لهم رأي مسموع ومكانة وحكمة، فالضابط إذا في أهل الحل والعقد أن يحصل ببيعتهم القدرة والسلطة، كما ذكر هذا
شيخ الإسلام، وهذا القول يُنظر في الجانب المقاصدي من الولاية حيث يتسامح في جانب العدالة لأجل هذا.
الطريقة الرابعة: ثبوت الإمامه بالغلبة والقهر:
-
و
دليلها: حديث "إنكم سترون بعدي أثرةً وأموراً تنكرونها" قالوا: فماذا تأمرنا يارسول الله ؟ قال: " أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم" أي حقهم من السمع والطاعة وعدم الخروج عليهم. وذكر
ابن بطال أن الحديث حجة في ترك الخروج على أئمة الجور ولزوم السمع والطاعة لهم، وفيه
الإجماع أن الإمام المتغلب (وصل للحكم بالسيف) طاعته لازمة،
فالطريقة لوصوله للإمامة غير شرعية لكن تثبت إمامته بعد التغلب وتكون شرعية تحصيلا للمصلحة ودرءا للمفسدة.
نقل
الإجماع على وجوب طاعة من تغلب وأنه تصح إمامته: الشيخ
محمد بن عبد الوهاب، والشيخ
عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ، ونقل البيهقي عن
الشافعي أنه يرى وجوب طاعة من غلب بالسيف من المسلمين من غير معصية، وقال مثله الإمام
أحمد.
دليل صحة إمامة المتغلب للولاية قهرا، ووجوب طاعته: أن الخليفة عبد الملك بن مروان تغلب على فتنة الخروج عليه بقتل أميره الحجاج بن يوسف عبد الله بن الزبير، فكتب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى الخليفة أنه يقر بالسمع والطاعة له، مع أنه تولى الحكم غلبةً وقهراً.
الخلاصة: أن الطرق الثلاث الأولى شرعية والأخيرة وهي ولاية المتغلب غير شرعية لكن كل الطرق الأربع في الولاية تثبت في الشريعة الإسلامية.