العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

(كتاب الحدود والسلطان)؛ للدكتور: عبدالله قادري الأهدل

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,147
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
كتاب الحدود والسلطان
للدكتور: عبدالله قادري الأهدل
-------------------------------
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)) [آل عمران: 102].

قال تعالى: (( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً)) [النساء: 1].

قال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)) [الأحزاب: 7(ـ 71].

أما بعد: [هذه خطبة الحاجة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، وكانوا يفتتحون بها كلامهم، وقد أفردها شيخنا الألباني برسالة مستقلة سماها باسمها خرّج أحاديثها وذكر طرقها والحكم عليها].
فإن الله عـز وجل قد تفضل على عباده، فأنزل لهم من عنده منهجاً لحياتهم، وهو كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكم حميد، كما بعث إليهم رسولاً من أنفسهم يعلمهم كتابه، وسنة نبيه، ويزكيهم بهما، ليسعدوا في حياتهم الدنيا بالعيشة الطيبة وفي آخرتهم بالرضا والأجر والمثوبة، وتعبدهم سبحانه وتعالى بإقامة خليفة بعد نبيه ينفذ شريعته، وألزمهم بطاعته في غير معصيته.

ولقد بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمره به ربه، فلم ينتقل إلى جواره إلا بعد أن علَّم وزكَّى، وحث على نصب خليفة بعده، وأمر بما أمر الله به من طاعة الله وطاعة رسوله وأولي الأمر من بعده.

فامتثل أصحابه رضوان الله عليهم، أمر الله وأمر رسوله، فلم يدفنوا نبيهم حتى بايعوا خليفة يسمعون له ويطيعون.
وقام الخلفاء الراشدون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم بأمر الله ورسوله، وبينوا للناس أن لا طاعة لأحد منهم في غير طاعة الله ورسوله، فتعاون الخلفاء ورعاياهم على البر والتقوى، وقوَّم الخلفاءُ مَن اعوجَّ عن طاعة الله بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بقوة السلطان الذي قد يزع الله به ما لا يزع بالقرآن.
وكان خليفة المسلمين هو إمامَ الصلاة، وأميرَ الجيش، وقاضيَ الحكم، ومفتيَ الجاهل، وإن كان له في رعيته أعوان.
ولم تدم الحال على ذلك، بل أتى على المسلمين حين من الدهر، تولى فيه شؤون دنياهم وشيئاً من دينهم الأمراء، وتولى فيه تعليمهم والصلاة بهم وإفتاءهم، والقضاء بينهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، علماء الإسلام، وكان التعاون بين هؤلاء وبين الأمراء هو السائد، العلماء يفتون وينصحون والأمراء ينفذون.

ثم أخذت الهوة تتسع، بين العلماء والأمراء شيئاً فشيئاً، حتى أصبح بعض الأمراء ينفذون ما لا يرضى به العلماء، لبعده عن دين الله، ولكن الأمراء لم يكونوا يجرءون على إقصاء حكم الله إقصاءاً كاملاً، وإن خالفوه في سلوكهم وبعض تصرفاتهم، وبقي المسلمون على ذلك يقترب أمراؤهم إلى علمائهم تارة ويبتعدون أخرى.


ولكن قاصمة الظهر كانت عند انفراط عقد المسلمين بسقوط آخر رمز للخلافة الإسلامية، الذي تفرقت بعده الشعوب الإسلامية وسيطر عليها أعداء الإسلام عسكرياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً، فكان من جراء ذلك أن ربَّوا على أيديهم جيلاً من أبناء المسلمين يكفر بالإسلام أو ببعضه، ويقدس قوانين الغرب وأنظمته، ويعادي علماء الإسلام ودعاته، وتسلم هؤلاء دفةَ حكم شعوبهم بالقوة وليس بالاختيار، ونقلوا مناهج أساتذتهم من الكفار في كل مناحي الحياة، ونشَّأوا عليها أبناء شعوبهم، الذين شوهت معاني الإسلام في أدمغتهم، وقُدِّست مبادئ الحضارة الغربية المادية في نفوسهم، وغُرِس في قلوبهم التحررُ من قيود الدين والعادات التي توارثها آباؤهم قبلهم.
وقل العلماء العاملون الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، إما لانغماس كثير منهم مباهج الدنيا وملذاتها، والركون إلى ما فيها من مال وجاه ومنصب، وإما بِحَوْل من تولى أمور المسلمين بين العلماء وشباب الأمة.

فاصطرع دعاة الحق وأعداء الدين، فزج هؤلاء بأولئك في السجون وآذوهم وقتلوهم، ومن سلم من ذلك حيل بينه وبين قول كلمة الحق.
وبعد أن مضت فترة على الأمة الإسلامية جربوا فيها مذاهب الكفار ومناهجهم فلم يحصدوا منها إلا الذل والمهانة واستعباد أهل الكفر لهم، واحتلال أوطانهم ونهب خيراتهم، وصاح بهم قليل من دعاة الحق، منذرين إياهم من الأخطار المتلاحقة، مقدمين أنفسهم شهداء في ذات ربهم، يسجن الطغاة من يسجنون منهم، ويعذبون من يعذبون، ويقتلون من يقتلون، فصحا كثير من شباب الأمة من سباتهم، وأفاقوا من غفوتهم، وأخذوا ييممون وجوههم شطر دعاة الحق ليتفقهوا في الدين، وأغلب هؤلاء الشباب من الجامعات المسماة بالمدنية التي لم يكن للدين الإسلامي والتفقه فيه مكان، فوجدوا أمامهم ثلاثة أصناف من العلماء:

الصنف الأول: مَن هم على دراية بأحكام الشريعة الإسلامية، ولكن كثيراً منهم لم يجرؤ على الاتصال بهذا الشباب ليعلمه ويفقهه في الدين مما علمه الله، خوفاً من طغاة الحكم الذين لا يرضيهم أن يروا عالماً يجتمع حوله الناس، بل يأخذون في مضايقته واتهامه بالتحريض ضد النظام، ثم إيذائه وفتنته وفتنة كل من يتصل به.

الصنف الثاني: مَن أضلهم الله على علم، فأخذوا يهزون رؤوسهم لكل حاكم بالحق وبالباطل، ويصدرون فتاوى تؤيد كل تصرف يصدر من طغاة الحكم، وكثير منهم تولى مناصب تسمى بالدينية، وهم أدوات لتشويه الدين فيها، فلم يطق هذا الشباب أن يتتلمذ على أمثال هؤلاء، لأنهم عنده ممن الذين يكتمون الحق، وينطقون بالباطل وهم يعلمون.

الصنف الثالث: مَن لهم صلة بعلوم الإسلام، ولكنهم ليسوا فقهاء في أحكامه، وإنما عندهم إلمام ببعض الدراسات الإسلامية، وتخصصاتهم في الأصل ليست في مجال الشريعة الإسلامية ولكن عواطفهم الإسلامية جياشة وحبهم للدين شديد، وهم يدعون إلى الله حسب الفرص المتاحة لهم بالمحاضرات واللقاءات وتأليف الكتب والكتابة في بعض الجرائد أو المجلات، والتدريس في المعاهد والجامعات.
وعلى أمثال هؤلاء وكتاباتهم تتلمذ كثير من الشباب، وقد يتناولون بالدراسة بعض آيات القرآن وتفسيرها، وبعض الأحاديث النبوية وشرحها، ولكنها دراسة شخصية قد يكثر فيها الخطأ ويقل الصواب، وبخاصة التشبث بالآراء الغالية، وقد تأخذ بألبابهم بعض الجزئيات من دين الإسلام، فيهتمون بها أكثر من غيرها، ويتركون جزئيات أخرى هي أهم مما عُنُوا به، فيقدمون بذلك المهم على الأهم والفرع على الأصل، فاهتمت بعض الطوائف ببعض جوانب العقيدة، واهتمت أخرى بجانب السياسة والحكم، واهتمت ثالثة بالجهاد العسكري، واهتمت رابعة بتنفيذ الأحكام وبخاصة الحدود، وقد يقترب بعضها من الشمول، وقد يبتعد بعضها الآخر.

والذي يعنينا في هذا المقام أن بعض الجماعات نظرت إلى الأحكام الشرعية فوجدتها معطلة، ونظرت إلى المجتمعات في الشعوب الإسلامية فوجدتها قد غرقت في الفواحش والمنكرات، فأخذوا على أنفسهم بالتمسك بمبادئ الإسلام، بحسب ما فهموا منها، ومن ذلك إقامة الحدود على أعضائهم، إذا ما ارتكبوا ما يوجب حدا.

وهم ليسوا متعمقين في فقه الحدود وشروطها ومسقطاتها من جهة، وغير عالمين بعواقب ذلك في بلدان يتولى الحكم فيها من يعادي حدود الله، ويحارب من يدعو إلى إقامتها نظرياً، فكيف يكون موقفهم ممن يقوم بتنفيذها فعلاً؟
وانتشرت هذه الفكرة حتى وجدنا بعض الجماعات في بلاد الكفار تحاول إقامة الحدود على أعضائها، وجرت بيننا وبينهم حوارات في هذا الموضوع، وحاولنا إقناعهم بأن إقامة الحدود من حق ولاة الأمور الذين لهم سلطان وقوة، وليست لكل جماعة أو حزب، وأن القدرة ليس المقصود بها مجرد استطاعة فرد من الناس أو الجماعة تنفيذ الحكم، وإنما يتبع ذلك أن يكون ولي الأمر ذا قوة وسلطان تهابه رعيته، وإذا خرج عليه أحد منهم استطاع تأديبه ورده إلى طاعته بقوته ومنعته.

ولكن القوم ازدادوا إصرارً على موقفهم، وتمسكاً برأيهم، على الرغم من اجتماعنا بهم مرة أخرى، كان بينها وبين المرة الأولى ما يقرب من عشرة سنوات، وقد حفزني هذا على البحث والتنقيب في نصوص القرآن والسنة، وتفسير آيات أحكام القرآن وشروح الحديث وكتب الفقه، وكتب السياسة الشرعية، وجمع النصوص المتفرقة في هذا الباب لأصل منها إلى نتيجة، فكانت بسبب ذلك هذه الرسالة التي أرجو أن ينفع الله بها الأمة الإسلامية، وبخاصة الشباب في الجماعات الإسلامية، الذين يتلهفون لمعرفة حكم الله للعمل به إرضاءاً لربهم، ونصراً لدينهم، وقد بذلت جهدي في عرض آراء العلماء وأدلتهم ومناقشتها، والوصول إلى القول الفصل عندي في النهاية، فإن كنت قد وفقت فما توفيقي إلا بالله، وإن كنت قد أخطأت فأرجو من الله أن يغفر لي خطئي ويثيبني على اجتهادي.
والله من وراء قصدي، وهو حسبي ونعم الوكيل.



محتوى الكتاب
تمهيد: في وجوب تنفيذ شرع الله.
الفصل الأول: وجوب إقامة الحدود.
وفي هذا الفصل مبحثان:
المبحث الأول: النصوص الدالة على وجوب إقامة الحدود.
المبحث الثاني: الآثار المترتبة على عدم تنفيذ الحدود.
الفصل الثاني: اختلاف العلماء في المراد بأولي الأمر
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: القول: بأنهم الأمراء.
المبحث الثاني: القول: بأنهم العلماء.
المبحث الثالث: الجمع بين القولين.
الفصل الثالث: دلالة الواقع التاريخي على أن الحدود إلى السلطان من أولي الأمر.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مجيء العصاة إلى السلطان ليطهرهم بإقامة الحد عليهم.
المبحث الثاني: مجيء الرعية إلى السلطان بالعصاة لتطهيرهم بإقامة الحد.
المبحث الثالث: أمر السلطان بإقامة الحدود.
الفصل الرابع: مذاهب العلماء في من إليه تنفيذ الحدود.
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: إقامة الحدود على الأحرار.
المبحث الثاني: إقامة الحدود على العبيد.
الفصل الخامس: إقامة غير السلطان الحدود بدون إذنه.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: مذهب من يرى عدم الجواز وأدلته.
المبحث الثاني: من يرى الجواز وما يستدل له به.
المبحث الثالث: تعدد الأمراء أو تقصير السلطان في إقامة الحدود.

 

المرفقات

  • كتاب الحدود والسلطان.zip
    88 KB · المشاهدات: 0
أعلى