عبد السلام حمود غالب
:: متابع ::
- إنضم
- 17 يوليو 2013
- المشاركات
- 33
- الكنية
- نور الدين
- التخصص
- فقه مقارن
- المدينة
- صنعاء
- المذهب الفقهي
- الشافعي
[h=2] ذم العلماء لإفشاء السر[/h]الباحث عبد السلام حمود غالب
أثناء مروري على بعض المواضيع في كتاب نضرة النعيم، مررت بما يتعلق بالسر وذم إفشاء سر الآخرين فنقلت ما ذكره صاحب البحث وأضفت كلمات وتوضيحات ومداخلات على بعض الكلمات الواردة والمنتقيات التي انتقاها صاحب البحث للفائدة ومحاولة محاكاة الواقع الآن. الإفشاء لغة:مصدر قولهم: أفشيت كذا أفشيه، وهو مأخوذ من مادة (ف ش و) التي تدل على الظهور، يقول ابن فارس: الفاء والشين والحرف المعتل كلمة واحدة وهي (تعني) ظهور الشيء، يقال:فشا الشيء: ظهر.وقال الجوهري: يقال: فشا الشيء يفشو فُشُوًّا؛ أي: ذاع، وأفشاه غيره (أذاعه ونشره)، وتفشَّى الشيء، اتسع.
وقال الفيروز أبادي: يقال: فشا خبره وعرفه وفضله، فُشوًّا وفشوًّا وفشيًّا؛ أي: انتشر، والفواشي ما انتشر من المال كالغنم السائمة والإبل وغيرها، وتفشاهم المرض، وتفشى بهم: كثر فيهم، وفشت القرحة: اتسعت ، وبهذا الذي ذكره الفيروز آبادي يتضح معنى قول ابن منظور: أن الفشو بمعنى الظهور عام في كل شيء وأن منه "إفشاء السر".
إفشاء السر اصطلاحًا:قال الجاحظ: إفشاء السر: خلق مركب من الخرق والخيانة، فإنه ليس بوقور من لم يضبط لسانه، ولم يتسع صدره لحفظ ما يستسر به.
وقال السفاريني: إفشاء السر نشره وإذاعته (بين الناس)، والسر هو ما يكتم في النفس كالسريرة، وقال الكفوي: إفشاء السر يكون بالكتابة والإشارة والكلام.
حكم إفشاء السر:قال السفاريني: يحرم على كل مكلف إفشاء السر، قال: ولعله يحرم حيث أمر بكتمه، أو دلته قرينة على (ضرورة) كتمانه، أو كان مما يكتم عادة، وقيل: الذي يحرم هو إفشاء السر المضر؛ (كما في الرعاية).
وقال الغزالي في الإحياء: هو منهي عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف والأصدقاء، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، وهو من قبيل اللؤم إن لم يكن فيه إضرار.
وذكر ابن بطال أن الذي عليه أهل العلم أن السر لايباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة.
حكم إفشاء السر بعد موت صاحبه:قال ابن بطال: أكثر العلماء على أنه إذا مات صاحب السر، فإنه لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة، وقال ابن حجر: الذي يظهر أن الإفشاء بعد الموت ينقسم إلى:1- ما يحرم إذا كان فيه غضاضة على صاحبه.2- ما يكره مطلقًا.3- ما يباح.4- ما يستحب ذكره، وإن كرهه صاحب السر، كأن يكون فيه تزكية أو منقبة أو نحو ذلك.
هل يجوز إفشاء السر للمصلحة؟قال العز بن عبدالسلام في كتابة شجرة المعارف والأحوال: الستر على الناس شيمة الأولياء، ويؤخذ من كلامه أنه قد يجوز الإفشاء إذا كان في ذلك مصلحة، أو دفع ضرر، واستدل على ذلك بما ذكره القرآن الكريم من إفشاء يوسف - عليه السلام - بسر التي راودته عن نفسه، وسر النسوة اللاتي قطعن أيديهن، قال العز: وإنما قال يوسف - عليه السلام - هي راودتني عن نفسي؛ ليدفع عن نفسه ما تعرض له - أو ما يمكن أن يتعرض له - من قتل أو عقوبة، وكذلك قوله: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن، ليدفع التهمة عن نفسه، فإن الملك لو اتهمه لم يوله، ولم يحمل على إحسان الولاية.
مما ورد عن إفشاء السر كما ذكر عن العلماء:1- (يروى أن معاوية أسر إلى الوليد بن عتبة حديثه، فقال عتبة لأبيه: يا أبت إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك، قال: فلا تحدثني به، فإن من كتم سرَّه، كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال: فقلت: يا أبت، وإن هذا ليدخل بين الرجل وابنه؟
فقال: لا والله يا بني، ولكن أحب ألا تذلل لسانك بأحاديث السر، قال: فأتيت معاوية فأخبرته فقال: يا وليد أعتقك أبوك من رق الخطأ، فإفشاء السر خيانة").
2- (قال الحسن - رضي الله عنه -: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك).
3- عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: عجبت من الرجل يفر من القدر وهو مواقعه، ويرى القذاة في عين أخيه، ويدع الجذع في عينيه، ويخرج الضغن من نفس أخيه، ويدع الضغن في نفسه، وما وضعت سري عند أحد فلمته على إفشائه، وكيف ألومه وقد ضقت به ذرعًا")، وأقول كلمات راقية ومهمة سطرها عمرو بن العاص كيف نتكلم في عيوب الناس، وننسى عيوبنا، ونتجاوز عنها، وكيف نبوح بأسرارنا، ثم نلوم من أفشوا بها للآخرين، ونحن بدأنا ذلك.
4- قال العباس لابنه عبدالله: إني أرى هذا الرجل - يعني عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم أجمعين - يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خمسًا:لا تفشين له سرًّا، وأقول: السر وكتمانه يزيد المحبة بين الاصدقاء والجلساء، ولا تغتابن عنده أحدًا، وأقول: ترك الغيبة والنميمة سلوك يفتقده الكثير في مجالسهم، ويضيقوا ذرعًا بمن يتجول في ذلك
ولا تجرين عليه كذبًا، أقول: الكذب خلق ذميم، وحباله قصيرة، وخاصة في المجالس، فقد يترك لفُشو كذبه، ولا تعصينَّ له أمرًا، أقول: الطاعة في المعروف تزيد من الألفة والمحبة، خاصة عند الأمراء وأصحاب القرار، فيشعرون بالتبعية والاحترام، ولا يطلعن منك على خيانة، وأقول المجالس بالأمانة والخيانة داء المجالس وخرابها.
قال الشعبي: كل كلمة من هذه الخمس خير من ألف، وأقول: نعم كلمات ونصائح متميزة ومنتقاة بعناية، ما أحوجنا إليها اليوم في مجالسنا وفي تعاملاتنا اليوم.
5- قال الغزالي في كتابة الإحياء: أفشى بعضهم سرًّا له إلى أخيه، ثم قال له: هل حفظت؟ قال: بل نسيت، أقول من شدة الحرص على عدم الإفشاء حتى لمن أخبرك به.
6- (قال الثوري: إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فاغضبه، ثم دس عليه من يسأله عنك وعن أسرارك، فإن قال خيرًا وكتم سرَّك، فاصحبه).
وأقول: هذا اختبار قل من يجتازه وينجح فيه، فما أحوجنا لمثل هؤلاء الأصدقاء؛ حيث إننا نفتقد الكثير والكثير، ولا نجد إلا من رحم الله وعلى دخن.
7- (وقال ذو النون المصري: لا خير في صحبة من لا يحب أن يراك إلا معصومًا، ومن أفشى السر عند الغضب فهو اللئيم؛ لأن إخفاءه عند الرضا تقتضيه الطباع السليمة كلها)، وأقول: نعم إن الإنسان عند الرضا تتغير طباعه إلى الأحسن، ولا ينطق إلا بخير، وما أن تتغير الأحوال إلى عدم الرضا، تنعكس التصرفات، وتخرج الضغائن، والواقع المشاهد اليوم هو خير دليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومهما بحثت عن أصدقاء لا يخطئون ولا يقعون في الخطأ، فلن تجد، فسدد وقارِب، واختر من تصاحب، واجعل لك أدنى الموازين في الخطأ والصواب عند اختيار الصديق.
8- قال أبو حاتم: الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز، وما كتمه المرء من عدوه، فلا يجب أنيظهره لصديقه، وكفى بذوي الألباب عبرًا ما جربوا، ومن استودع حديثًا فليستره، ولا يكن مهتاكًا ولا مشياعًا؛ لأن السر إنما سمي سرًّا؛ لأنه لا يُفشى).
وأقول: أمسك عليك أسرارك، فما أن تخرج من فمك، حتى لا تعد أسرار وقد تنتشر عاجلاً أو آجلاً، واشكُ أمرك الى الله، وأفشِِ أسرارك له، واستودعها إياه - سبحانه.
9- (قال أبو المعتمر البصري: تعلمت الصمت في عشر سنين، وما قلت شيئًا قط إذا غضبت أندم عليه إذا زال غضبي).
أقول للجميع: اختبر نفسك عند الغضب، فإذا نجحت في ذلك، فقد فزت ونجوت، وإن لم، فأعد الجلوس مع نفسك، وابحث لها عن الدواء.
10- (وقال الحسن البصري - رضي الله عنه - لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه).
وأقول: فمدار صلاح القلب صلاح اللسان، فهو مربط الفرس، وهو سلاح ذو حدين؛ إما أن يرديك قتيلاً، أو تنجو به فائزًا في الدارين، فتأمَّل.
11- (عن عطاء - رضي الله عنه - قال: كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك بما لا بد لك منه).
أقول: لو مر عطاء اليوم بديار المسلمين، وسمع كلامهم اليوم، لمات حسرة من فضول الكلام، وأكثر من ذلك.
12- (عن عبدالله بن المبارك - رضي الله عنه - قال: عجبت من اتفاق الملوك كلهم على كلمة:قال كسرى: إذا قلت ندمت وإذا لم أقل لم أندم.وقال قيصر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.وقال ملك الهند: عجبت لمن تكلم بكلمة إن هي رفعت ضرته، وإن هي لم ترفع لم تنفعه.وقال ملك الصين: إن تكلمت بكلمة ملكتني، وإن لم أتكلم بها ملكتها).
وأقول: فالإنسان حبيس لسانه وما تكلم به، فيصبح بحد ذلك رهنًا له، ومرهونًا به، يقوده حيث شاء، فاختر لنفسك أن يقودك لسانك.
13- (قال السفاريني: قال الحكماء: ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها: شرب السم للتجربة، وإفشاء السر إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى).
وأقول: لأن من تجربة السم لحماقة قد تودي بصاحبها، وكذلك المجرب للأصدقاء واختبارهم بأسراره، قد يودي به ولو كان قريبًا أو صديقًا.
14- (وقال أيضًا: يروى أن أصبر الناس من لا يفشي سره إلى صديقه مخافة التقلب يومًا ما).
وأقول: نعم أصبر الناس وأكملهم صبرًا، من كتم سره، وأخذه معه مخافة تقلب الأيام وانعكاساتها على الأصدقاء.
وذكر صاحب البحث في كتاب "نضرة النعيم" حول مضار إفشاء الأسرار ما نسطره؛ أخذًا للعبرة، وتحذيرًا من هذا الخلق السيء: إفشاء الأسرار:من مضار (إفشاء السر):(1) إفشاء السر دليل الغفلة عن تفطن العقلاء والسهو عن يقظة الأذكياء؛ (كما قال الماوردي).
(2) إفشاء السر خيانة للأمانة ونقض للعهد.
(3) إفشاء السر فيه ارتكاب للغرر وتعرض للخطر.
(4) إفشاء السر دليل على لؤم الطبع وفساد المروءة.
(5) إفشاء السر دليل على قلة الصبر وضيق الصدر.
(6) إفشاء السر- خاصة عند الغضب - يعقب الندم والحسرة في نفس صاحبه.
(7) إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصداقة، ومدعاة للتنافر.
(8) إفشاء الرجل سر امرأته، وإفشاء المرأة سر زوجها يجعل كلاًّ منهما بمثابة الشيطان، ويخل بفضيلة الحياء.
(9) إفشاء السر من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه.
(10) إفشاء السر يفقد الثقة بين من أفشيت له بالسر والمفشي؛ لأن المفضى إليه بالسر سيعلم أن من أفشى له سيفشي عليه؛ لأن من نَمَّ لك نَمَّ عليك، ولا فرق بين الحالتين.
(11) إفشاء السر من مقتضيات الجهل كما أن حفظه من سمة العقلاء.
(12) في إذاعة السر ما يجلب العار والفضيحة للمفشي، عندما يعرف بذلك من استودعه هذا السر.
(13) إفشاء السر فيه ذل لصاحبه.
(14) إفشاء السر - خاصة ما يتعلق بالميت - يعرض صاحبه لعذاب الله لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من غسل ميتا فأدى فيه الأمانة، ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، قال: ليله أقربكم منه إن كان يعلم، فإن كان لا يعلم، فمن ترون أن عنده حظًّا من ورع")؛ رواه أحمد والحاكم، وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي على ذلك.
(15) إفشاء السر يدخل صاحبه النار في الآخرة، ويعقب الندم والحسرة في الدنيا.
(16) مفشي السر من أشر الناس؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها، وفي رواية: من أشر الناس"؛ رواه مسلم.
هذه مقتطفات حول هذا الخلق الذي نعاني منه الكثير، ويشتكي من الكثير، فاحرص على عدم إفشاء السر وكتمانه بصدرك، ولا تَبُحْ به أنت أولاً. ومن بحث عن أصدقاء لا يخطئون يعش وحيدًا بلا صديق. ومن كشف أسرار الآخرين كان الجزاء من جنس العمل.
الباحث عبد السلام حمود غالب
الهند عليكره 26/11/2013م
وقال الفيروز أبادي: يقال: فشا خبره وعرفه وفضله، فُشوًّا وفشوًّا وفشيًّا؛ أي: انتشر، والفواشي ما انتشر من المال كالغنم السائمة والإبل وغيرها، وتفشاهم المرض، وتفشى بهم: كثر فيهم، وفشت القرحة: اتسعت ، وبهذا الذي ذكره الفيروز آبادي يتضح معنى قول ابن منظور: أن الفشو بمعنى الظهور عام في كل شيء وأن منه "إفشاء السر".
إفشاء السر اصطلاحًا:قال الجاحظ: إفشاء السر: خلق مركب من الخرق والخيانة، فإنه ليس بوقور من لم يضبط لسانه، ولم يتسع صدره لحفظ ما يستسر به.
وقال السفاريني: إفشاء السر نشره وإذاعته (بين الناس)، والسر هو ما يكتم في النفس كالسريرة، وقال الكفوي: إفشاء السر يكون بالكتابة والإشارة والكلام.
حكم إفشاء السر:قال السفاريني: يحرم على كل مكلف إفشاء السر، قال: ولعله يحرم حيث أمر بكتمه، أو دلته قرينة على (ضرورة) كتمانه، أو كان مما يكتم عادة، وقيل: الذي يحرم هو إفشاء السر المضر؛ (كما في الرعاية).
وقال الغزالي في الإحياء: هو منهي عنه لما فيه من الإيذاء والتهاون بحق المعارف والأصدقاء، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، وهو من قبيل اللؤم إن لم يكن فيه إضرار.
وذكر ابن بطال أن الذي عليه أهل العلم أن السر لايباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة.
حكم إفشاء السر بعد موت صاحبه:قال ابن بطال: أكثر العلماء على أنه إذا مات صاحب السر، فإنه لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة، وقال ابن حجر: الذي يظهر أن الإفشاء بعد الموت ينقسم إلى:1- ما يحرم إذا كان فيه غضاضة على صاحبه.2- ما يكره مطلقًا.3- ما يباح.4- ما يستحب ذكره، وإن كرهه صاحب السر، كأن يكون فيه تزكية أو منقبة أو نحو ذلك.
هل يجوز إفشاء السر للمصلحة؟قال العز بن عبدالسلام في كتابة شجرة المعارف والأحوال: الستر على الناس شيمة الأولياء، ويؤخذ من كلامه أنه قد يجوز الإفشاء إذا كان في ذلك مصلحة، أو دفع ضرر، واستدل على ذلك بما ذكره القرآن الكريم من إفشاء يوسف - عليه السلام - بسر التي راودته عن نفسه، وسر النسوة اللاتي قطعن أيديهن، قال العز: وإنما قال يوسف - عليه السلام - هي راودتني عن نفسي؛ ليدفع عن نفسه ما تعرض له - أو ما يمكن أن يتعرض له - من قتل أو عقوبة، وكذلك قوله: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن، ليدفع التهمة عن نفسه، فإن الملك لو اتهمه لم يوله، ولم يحمل على إحسان الولاية.
مما ورد عن إفشاء السر كما ذكر عن العلماء:1- (يروى أن معاوية أسر إلى الوليد بن عتبة حديثه، فقال عتبة لأبيه: يا أبت إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك، قال: فلا تحدثني به، فإن من كتم سرَّه، كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال: فقلت: يا أبت، وإن هذا ليدخل بين الرجل وابنه؟
فقال: لا والله يا بني، ولكن أحب ألا تذلل لسانك بأحاديث السر، قال: فأتيت معاوية فأخبرته فقال: يا وليد أعتقك أبوك من رق الخطأ، فإفشاء السر خيانة").
2- (قال الحسن - رضي الله عنه -: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك).
3- عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: عجبت من الرجل يفر من القدر وهو مواقعه، ويرى القذاة في عين أخيه، ويدع الجذع في عينيه، ويخرج الضغن من نفس أخيه، ويدع الضغن في نفسه، وما وضعت سري عند أحد فلمته على إفشائه، وكيف ألومه وقد ضقت به ذرعًا")، وأقول كلمات راقية ومهمة سطرها عمرو بن العاص كيف نتكلم في عيوب الناس، وننسى عيوبنا، ونتجاوز عنها، وكيف نبوح بأسرارنا، ثم نلوم من أفشوا بها للآخرين، ونحن بدأنا ذلك.
4- قال العباس لابنه عبدالله: إني أرى هذا الرجل - يعني عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم أجمعين - يقدمك على الأشياخ فاحفظ عني خمسًا:لا تفشين له سرًّا، وأقول: السر وكتمانه يزيد المحبة بين الاصدقاء والجلساء، ولا تغتابن عنده أحدًا، وأقول: ترك الغيبة والنميمة سلوك يفتقده الكثير في مجالسهم، ويضيقوا ذرعًا بمن يتجول في ذلك
ولا تجرين عليه كذبًا، أقول: الكذب خلق ذميم، وحباله قصيرة، وخاصة في المجالس، فقد يترك لفُشو كذبه، ولا تعصينَّ له أمرًا، أقول: الطاعة في المعروف تزيد من الألفة والمحبة، خاصة عند الأمراء وأصحاب القرار، فيشعرون بالتبعية والاحترام، ولا يطلعن منك على خيانة، وأقول المجالس بالأمانة والخيانة داء المجالس وخرابها.
قال الشعبي: كل كلمة من هذه الخمس خير من ألف، وأقول: نعم كلمات ونصائح متميزة ومنتقاة بعناية، ما أحوجنا إليها اليوم في مجالسنا وفي تعاملاتنا اليوم.
5- قال الغزالي في كتابة الإحياء: أفشى بعضهم سرًّا له إلى أخيه، ثم قال له: هل حفظت؟ قال: بل نسيت، أقول من شدة الحرص على عدم الإفشاء حتى لمن أخبرك به.
6- (قال الثوري: إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فاغضبه، ثم دس عليه من يسأله عنك وعن أسرارك، فإن قال خيرًا وكتم سرَّك، فاصحبه).
وأقول: هذا اختبار قل من يجتازه وينجح فيه، فما أحوجنا لمثل هؤلاء الأصدقاء؛ حيث إننا نفتقد الكثير والكثير، ولا نجد إلا من رحم الله وعلى دخن.
7- (وقال ذو النون المصري: لا خير في صحبة من لا يحب أن يراك إلا معصومًا، ومن أفشى السر عند الغضب فهو اللئيم؛ لأن إخفاءه عند الرضا تقتضيه الطباع السليمة كلها)، وأقول: نعم إن الإنسان عند الرضا تتغير طباعه إلى الأحسن، ولا ينطق إلا بخير، وما أن تتغير الأحوال إلى عدم الرضا، تنعكس التصرفات، وتخرج الضغائن، والواقع المشاهد اليوم هو خير دليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومهما بحثت عن أصدقاء لا يخطئون ولا يقعون في الخطأ، فلن تجد، فسدد وقارِب، واختر من تصاحب، واجعل لك أدنى الموازين في الخطأ والصواب عند اختيار الصديق.
8- قال أبو حاتم: الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز، وما كتمه المرء من عدوه، فلا يجب أنيظهره لصديقه، وكفى بذوي الألباب عبرًا ما جربوا، ومن استودع حديثًا فليستره، ولا يكن مهتاكًا ولا مشياعًا؛ لأن السر إنما سمي سرًّا؛ لأنه لا يُفشى).
وأقول: أمسك عليك أسرارك، فما أن تخرج من فمك، حتى لا تعد أسرار وقد تنتشر عاجلاً أو آجلاً، واشكُ أمرك الى الله، وأفشِِ أسرارك له، واستودعها إياه - سبحانه.
9- (قال أبو المعتمر البصري: تعلمت الصمت في عشر سنين، وما قلت شيئًا قط إذا غضبت أندم عليه إذا زال غضبي).
أقول للجميع: اختبر نفسك عند الغضب، فإذا نجحت في ذلك، فقد فزت ونجوت، وإن لم، فأعد الجلوس مع نفسك، وابحث لها عن الدواء.
10- (وقال الحسن البصري - رضي الله عنه - لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه).
وأقول: فمدار صلاح القلب صلاح اللسان، فهو مربط الفرس، وهو سلاح ذو حدين؛ إما أن يرديك قتيلاً، أو تنجو به فائزًا في الدارين، فتأمَّل.
11- (عن عطاء - رضي الله عنه - قال: كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو أن تنطق في معيشتك بما لا بد لك منه).
أقول: لو مر عطاء اليوم بديار المسلمين، وسمع كلامهم اليوم، لمات حسرة من فضول الكلام، وأكثر من ذلك.
12- (عن عبدالله بن المبارك - رضي الله عنه - قال: عجبت من اتفاق الملوك كلهم على كلمة:قال كسرى: إذا قلت ندمت وإذا لم أقل لم أندم.وقال قيصر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.وقال ملك الهند: عجبت لمن تكلم بكلمة إن هي رفعت ضرته، وإن هي لم ترفع لم تنفعه.وقال ملك الصين: إن تكلمت بكلمة ملكتني، وإن لم أتكلم بها ملكتها).
وأقول: فالإنسان حبيس لسانه وما تكلم به، فيصبح بحد ذلك رهنًا له، ومرهونًا به، يقوده حيث شاء، فاختر لنفسك أن يقودك لسانك.
13- (قال السفاريني: قال الحكماء: ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها: شرب السم للتجربة، وإفشاء السر إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى).
وأقول: لأن من تجربة السم لحماقة قد تودي بصاحبها، وكذلك المجرب للأصدقاء واختبارهم بأسراره، قد يودي به ولو كان قريبًا أو صديقًا.
14- (وقال أيضًا: يروى أن أصبر الناس من لا يفشي سره إلى صديقه مخافة التقلب يومًا ما).
وأقول: نعم أصبر الناس وأكملهم صبرًا، من كتم سره، وأخذه معه مخافة تقلب الأيام وانعكاساتها على الأصدقاء.
وذكر صاحب البحث في كتاب "نضرة النعيم" حول مضار إفشاء الأسرار ما نسطره؛ أخذًا للعبرة، وتحذيرًا من هذا الخلق السيء: إفشاء الأسرار:من مضار (إفشاء السر):(1) إفشاء السر دليل الغفلة عن تفطن العقلاء والسهو عن يقظة الأذكياء؛ (كما قال الماوردي).
(2) إفشاء السر خيانة للأمانة ونقض للعهد.
(3) إفشاء السر فيه ارتكاب للغرر وتعرض للخطر.
(4) إفشاء السر دليل على لؤم الطبع وفساد المروءة.
(5) إفشاء السر دليل على قلة الصبر وضيق الصدر.
(6) إفشاء السر- خاصة عند الغضب - يعقب الندم والحسرة في نفس صاحبه.
(7) إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصداقة، ومدعاة للتنافر.
(8) إفشاء الرجل سر امرأته، وإفشاء المرأة سر زوجها يجعل كلاًّ منهما بمثابة الشيطان، ويخل بفضيلة الحياء.
(9) إفشاء السر من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه.
(10) إفشاء السر يفقد الثقة بين من أفشيت له بالسر والمفشي؛ لأن المفضى إليه بالسر سيعلم أن من أفشى له سيفشي عليه؛ لأن من نَمَّ لك نَمَّ عليك، ولا فرق بين الحالتين.
(11) إفشاء السر من مقتضيات الجهل كما أن حفظه من سمة العقلاء.
(12) في إذاعة السر ما يجلب العار والفضيحة للمفشي، عندما يعرف بذلك من استودعه هذا السر.
(13) إفشاء السر فيه ذل لصاحبه.
(14) إفشاء السر - خاصة ما يتعلق بالميت - يعرض صاحبه لعذاب الله لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من غسل ميتا فأدى فيه الأمانة، ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، قال: ليله أقربكم منه إن كان يعلم، فإن كان لا يعلم، فمن ترون أن عنده حظًّا من ورع")؛ رواه أحمد والحاكم، وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي على ذلك.
(15) إفشاء السر يدخل صاحبه النار في الآخرة، ويعقب الندم والحسرة في الدنيا.
(16) مفشي السر من أشر الناس؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها، وفي رواية: من أشر الناس"؛ رواه مسلم.
هذه مقتطفات حول هذا الخلق الذي نعاني منه الكثير، ويشتكي من الكثير، فاحرص على عدم إفشاء السر وكتمانه بصدرك، ولا تَبُحْ به أنت أولاً. ومن بحث عن أصدقاء لا يخطئون يعش وحيدًا بلا صديق. ومن كشف أسرار الآخرين كان الجزاء من جنس العمل.
الباحث عبد السلام حمود غالب
الهند عليكره 26/11/2013م