عمرو بن الحسن المصري
:: نشيط ::
- إنضم
- 30 سبتمبر 2012
- المشاركات
- 685
- التخصص
- طالب جامعي
- المدينة
- القاهرة
- المذهب الفقهي
- حنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ:
فإن الإمام ابن رجب الحنبلي، المتوفى (795 هـ) بنى مباحث كتابه ((تقرير القواعد وتحرير المسائل والفوائد)) -وهو الكتاب المشهور باسم "القواعد في الفقه الإسلامي"- على مائة وستين قاعدة، وأردفها بفصل يحتوي على فوائد تُلحق بالقواعد، وهي في مسائل مشهورة، فيها اختلاف في المذهب، وتبنى على الخلاف فيها فوائد متعددة، وقد بلغ عددها إحدى وعشرين فائدة. وسأذكر هنا في هذا الموضوع نماذج من القواعد المختلف فيها، والتي أوردها ابن رجب في قواعده، على سبيل التمثيل مع إجراء التطبيقات عليها، وذلك في مطلبين منفصلين، استفدتها من كتاب الدكتور محمود إسماعيل مشعل المسمى "أثر الخلاف الفقهي في القواعد المختلف فيها" الصفحات (347-353).
المطلب الأول: التطبيق على قاعدة: ’’إمكان الأداء هل هو شرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة؟!‘‘،،
لفظ ورود القاعدة، وبيان معناها:
هذه القاعدة هي القاعدة التاسعة عشرة، في قواعد الإمام ابن رجب، وقد أوردها بلفظ: "إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة على ظاهر المذهب". [تقرير القواعد (1/ 26)، والذمة: صفة يصير بها الإنسان أهلاً للالتزام = وعاء معنوي في الإنسان تستقر فيه الالتزامات. معجم لغة الفقهاء (ص 191)].
وهي القاعدةا لثالثة والأربعون عند الونشريسي من المالكية، ونصها: "إمكان الأداء، هل هو شرط في الأداء أم في الوجوب؟". [إيضاح المسالك، للونشريسي (ص 97)].
أما عند الشافعية؛ فقد أوردها الزركشي بلفظ: "إمكان الأداء شرط في استقرار الواجبات في الذمة"، ثم قال بعدها: "فلا يحكم بالوجوب قبله [أي: قبل التمكن من الأدء] وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، فلو طرأ عذر بعد الزوال وقبل التمكن من الفعل، لم يثبت الظهر في ذمته خلافًا للبلخي". [المنثور، للزركشي (1/ 202)].
وعبارة الزركشي تفيد عدم الاختلاف في القاعدة عند الشافعية؛ لأنه أوردها بلفظ الإخبار وليس بلفظ الإنشاء، أي: صيغة الاستفهام. لكن من ينظر في الفروع التطبيقية التي ذكرها تحت هذه القاعدة يلاحظ أنها فروع خلافية، ينطبق عليها معنى القاعدة عند بعض الفقهاء ولا ينطبق عند البعض الآخر [المنثور (202، 203)]؛ ولذلك قال في التفريع عليها:
-"وكذلك الصوم: لو بلغ الصبي مفطرًا في أثناء يوم رمضان، أو أسلم فيه كافر، أو طهرت فيه حائض لا يلزمهم القضاء في الأصح" [المرجع نفسه (1/ 202)].
-"وكذلك القضاء لو دام عذر المريض حتى مات لم يُكفر عنه. وكذلك الحج: إمكان السير شرط في الوجوب، وهو أن يبقى في الوقت ما يمكنه فيه السير قبل فعل الحج، فلو أيسر وضاق الوقت، ثم مات لا يثبت في ذمته" [تقرير القواعد وتحرير الفوائد (1/ 172)].
معنى القاعدة والاستدلال لها:
معنى القاعدة: أن قدرة المكلف وتمكنه من أداء ما كُلِّف به في وقته المحدد له هو المعتبر لتقرر وثبوت الوجوب في حقه، ولا ينظر إن وجد مانع بعد ذلك بل عليه قضاء ما وجب في ذمته.
وفي الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ)، قَالَ ابْنُ سَهْمٍ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَنُرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. صحيح مسلم، حديث رقم (4848)، مع شرح النووي (6/ 370).
قال النووي (6/ 370) : وفي هذا الحديث: أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوها. وقد اختلف أصحابنا: فيمن تمكن من الصلاة في أول وقتها فأخرها بنية أن يفعلها في أثنائه فمات قبل فعلها، أو أخَّر الحج بعد التمكن إلى سنة أخرى، فمات قبل فعله هل يأثم أم لا؟ والأصح عندهم: أن يأثم في الحج دون الصلاة؛ لأن مدةا لصلاة قريبة، فلا تنسب إلى تفريط بالتأخير، بخلاف الحج. قيل: يأثم فيهما. وقيل: لا يأثم فيهما. وقيل: يأثم في الحج الشاب دون الشيخ". انتهى.
نماذج من فروع هذه القاعدة:
قال ابن رجب الحنبلي: "(القاعدة التاسعة عشرة)_ إمكان الأداء ليس بشرط في استقرار الواجبات بالشرع في الذمة على ظاهر المذهب، ويندرج تحت ذلك صور [قواعد ابن رجب (1/ 26)]:
1- (منها): الطهارة؛ فإذا وصل عادم الماء إلى الماء وقد ضاق الوقت فعليه أن يتطهر ويصلي بعد الوقت، ذكره صاحب المغني، وخالفه صاحب المحرر، وقال: يصلي بالتيمم وهو ظاهر كلام أحمد في رواية صالح.
2- (ومنها): الصلاة؛ فإذا طرأ على المكلف ما يسقط تكليفه بعد الوقت وقبل التمكن من الفعل فعليه القضاء في المشهور. وقال ابن بطة وابن أبي موسى: لا قضاء عليه.
3- (ومنها): الزكاة؛ فإذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء فعليه أداء زكاته على المشهور إلا المعشَّرات إذا تلفت بآفة سماوية لكونها لم تدخل تحت يده؛ كالدين التاوي قبل قبضه، وخرج الشيرازي وغيره وجهان بالسقوط مطلقًا [قواعد ابن رجب (1/ 27].
4- (ومنها): الصيام؛ فإذا بلغ الصبي مفطرًا في أثناء يوم من رمضان أو أسلم فيه كافر أو طهرت حائض لزمهم القضاء في أصح الروايتين.
5- (ومنها): الحج؛ فلا يشترط لثبوته في الذمة التمكن من الأداء على أظهر الروايتين وإنما يشترط للزم أدائه بنفسه.
6- وأما قضاء العبادات؛ فاعتبر الأصحاب له إمكان الأداء، فقالواو فيمن أخَّر قضاء رمضان لعذر، ثم مات قبل زواله: إنه لا يطعم عنه، وإن مات بعد زواله والتمكن من القضاء: أطعم عنه، وأما قضاء المنذورات ففي اشتراط الأداء وجهان فلو نذر صيامًا أو حجًّا، ثم مات قبل التمكن منه فهل يقضي (عنه)؟ على الوجهين. وعلى القول بالقضاء فهل يقضي الصيام الفائت بالمرض خاصة أو الفائت بالمرض والموت أيضًا؟ على وجهين". انتهى. [وجاء في مطالب أولي النهي للرحيباني (2/ 282): "فالعزم على العبادة مع العجز عنها يقوم مقام الأداء في عدم الإثم حال العجز"].
إلى هُنا ينتهي المطلب الأول.
يُتبع...