د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
العلاقة التفسيرية في مادة {الرفث} بين آيتي الصوم والحج
قال الله تعالى في آية الحج: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].وقال تعالى في آية الصيام: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾ [البقرة: 187].
ولأهل العلم طريقتان في تفسير الرفث في الآيتين:
الطريقة الأولى: أنه الجماع.
الطريقة الثانية: أنه الجماع ودواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك.
إلا أن ثمة فرقا كبيرا في الحكم بين الحج والصيام:
فإنهم في الحج: قد اتفقوا على أن المُحرِم محظور من كل ذلك: الجماع ومقدماته، بل وأكثر من ذلك من التكلم به بحضرة النساء.
أما في الصوم: فقد اتفقوا على أن الصائم محظور من الجماع، ثم اختلفوا في حل مقدماته على أقوال مشهورة من إبطال الصوم به، إلى التحريم، إلى الكراهة، إلى الإباحة، إلى التفريق بين يملك نفسه ومن لا يملك أو بين الشيخ والشاب.
والعلاقة التي تهمنا بين الرفث في آية الصوم، والرفث في آية الحج: أن من فسر الرفث بالجماع ومقدماته في آية الصوم فإنه اعتمد على دلالة الرفث في آية الحج، وأن المُحرِم بالاتفاق ممنوع من الجماع ومقدماته، فهو استدلال بالنظير على النظير، والمادة اللفظية واحدة.
وعضد هذا الاستدلال بما يلي:
1- سعة معنى الرفث اللغوي.
2- ما جاء في آية الصيام نفسها من النهي عن مباشرة النساء.
4- أنَّ المباشرة فيها تعريض الصوم للإفساد، وعادة الشرع إذا حرَّم شيئا حرَّم مقدماته، وإذا منع الجماع منع مقدماته كما في الحج والاعتكاف.
5- جملة مِنَ الآثار عن الصحابة والتابعين في النهي عن قبلة الصائم.
أما من اقتصر على تفسير الرفث في آية الصيام بالجماع، فإنه ذكر وجوها من الأجوبة على اشتمال الرفث في آية الحج: على الجماع ومقدماته:
منها: أنه قد جاء في سبب نزول آية الحج ما يقتضي توسيع دلالة الرفث فيه.
ومنها: أن تفسير الرفث بالجماع هو قول أحد فقهاء الصحابة وعلمائهم في التفسير، وهو ابن عباس رضي الله عنهما، ولا مخالف له منهم، «الرفث، الجماعُ، ولكن الله كريم يَكني» أخرجه الطبري في تفسيره (3/487).
ومنها: أن الرفث في نفسه لا يدل إلا على الجماع وغشيان النساء، وما سوى ذلك فبأدلة أخرى، وقد جاءت بمنعها من المحرم وجوازها للصائم.
ومنها: أن أكثر المفسرين تواردوا على تفسير الرفث بالجماع، واقتصروا عليه (كالطبري، والبغوي، وابن العربي، وابن الجوزي، والرازي، وابن حيان، وابن كثير، والألوسي، والشوكاني، وابن عاشور، يراجع تفاسيرهم في تفسير آية الرفث في سورة البقرة)، وروي عن جماعة كبيرة من السلف (مثل ابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وإبراهيم، وأبي العالية، وعطاء، ومكحول، وعطاء بن يسار، وعطية، وإبراهيم النخعي، والربيع، والزهري، والسدي، ومالك بن أنس، ومقاتل بن حيان، وعبد الكريم بن مالك، والحسن، وقتادة والضحاك، وغيرهم).
ومنها: أنه على التسليم بأن الرفث في آية الصيام يدل على الجماع ومقدماته فإنه حينئذ قد ثبت استثناء المقدمات بدلالة السنة.
ومنها: الفرق في الدلالة اللفظية، فالرفث في آية الحج جاء نكرة في سياق النهي : ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ﴾ [البقرة: 197]، فيدل على عموم ما تدل عليه مادة "الرفث" من الجماع ومقدماته، أما الرفث في آية الصيام فجاء معرفا بأل الذهنية، أو التعريفية: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187]، فيكون الرفث بهذا التقرير أمرًا مقررًا معروفًا وهو الجماع.
ومنها: تعديتها بـإلى، والعادة تعديتها بحرف الباء، بما يدل على أنَّ المقصود بالرفث هنا هو الإفضاء، كقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾، نبّه على هذا الزمخشري، وتوارد المفسرون على نقله عنه، وبيان النكتة في هذه التعدية.
وأجاب هؤلاء: عن القول بأن عادة الشرع إذا حرَّم شيئا حرم مقدماته، وإذا حرم الوطء حرم مقدماته: بأنها ليست مطردة، فإننا وإنْ اتفقنا على ذلك في الإحرام والاعتكاف، فقد اتفقنا كذلك على عدم اعتبارها في الحيض، ثم اختلفنا هَهُنا في الصيام، والإلحاق المجرد لأحدهما دون الآخر تحكم.
§ خلاصة:
- في تفسير الرفث مسلكان لأهل العلم :
المسلك الأول: تحديد معناه بالجماع: وهي طريقة الأكثر من المفسرين، وأغلب المروي عن السلف.
المسلك الثاني: توسيع معناه: ليكون جامعًا لكل ما يريده الرجال مِنَ النساء، قال بذلك أبو إسحاق والأزهري، والزجاج، واستدل له ابن تيمية، وأخذ به مِنَ المعاصرين الصديق الضرير، ويستثنى منه: ما دلّ النص على استثنائه، كالقبلة والمباشرة في الصيام.
- مادة اللفظ اللغوية: {الرفث}: تنطبق على الجماع، وهو غشيان النساء، وهذا بالإجماع، سواء كان في الحج أو في الصوم، ويلحق به تعمد إنزال المني إمَّا منَ الجهة اللفظية، وإمَّا مِنَ الجهة المعنوية خلافا لأهل الظاهر.
- يتناول هذا اللفظ: مقدمات الجماع في الحج، وقد أجمعوا على حظر ذلك على المحرم.
- اختلف الفقهاء: في تناول اللفظ لمقدمات الصيام، فمنهم من ذهب إلى عدم تناوله للمقدمات بسبب عدم اشتماله مِنْ جهة مادة اللفظ اللغوية، ومنهم من ذهب إلى تناوله للمقدمات، ثم يستثني ذلك بدلالة السُّنَّة وآثار الصحابة، أو يصرف دلالة السنة إلى الخصوصية ونحو ذلك، والله أعلم.
الموضوع الأصلي: http://www.feqhweb.com/vb/t17379#ixzz3f5G8ebJx