د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
في وسط نار غزة ....فتية آمنوا بربهم...
في غزة هاشم...
التي مات فيها جد رسول الله صلى الله عليه وسلم
والتي ولد فيها الإمام الشافعي رحمه الله.
والتي توفي فيها ابن العربي تلميذ ابن حزم
ودفنه فيها ابنه القاضي المشهور في رحلته من الأندلس.
وسماها بأنها بلدةٌ في طريق مصر.
فهي بلدة ملتصقة بمصر حتى كأنها هي
اشتركت معها في اللهجة والنسب والدم
وقبل ذلك في الدين.
------
ففي غزة اليومَ فتية آمنوا بربهم...
فعبثاً تفعل أسلحة الدمار....
وعبثاً تضطرم تلك النيران...
فهي لا تصل إلا إلى أجسادهم فتتلفها...
أما أفئدتهم فلا تمسها....
قد صنعها الله على عينه
يقول سبحانه:
{ولتصنع على عيني}
وكانت عليهم برداً وسلاماً...
يقول سبحانه:
{يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم}
وقد ملئت أجواء المدينة بدخان وسموم...
لكنها لا تمس تلك الأنفاس الطاهرة بأذى...
فقد ألقى الله عليها محبة منه...
يقول سبحانه:
{وألقت عليك محبة مني}
إن الظلام الذي أطبق على غزة في غسق الليل
فلا ضوء إلا لهيب نار أو شرر....
قد بدَّده تلك الوجوه المشرقة من الفتية الذين آمنوا بربهم...
إن السكون الذي أطبق على غزة إلا من صوت آلة الحرب المرعبة.
قد قطعه تكبير المخبتين....
وقد زاحمه تهليل الذاكرين ...
وقد أفناه دعاء الصادقين...
إنهم فتية آمنوا بربهم...
إن الموت الذي يعوِّل عليه المجرم
لهو منتهى آمال أولئك الفتية...
إن في الموت لقاء من اشترى منهم أنفسهم
إن في الموت الرضوان.
إن في الموت العزة .
إن في الموت الكرامة.
إن فيه أمنية محمد صلى الله عليه وسلم:
(والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزوا فأقتل ثم أغزوا فأقتل ثم أغزوا فأقتل.)
إن في الموت معنىً تحسم به المعركة.
فإن من ابتغاه فلا شيء معه ولا أمامه يبقى ليخسره...
فنفسه التي بين جنبيه...
التي هي أغلى ما يملك..
قد بذلها في عرسه رخيصة في جناب الله...
وفي الضفة الأخرى:
هناك من يفر من الموت لحسابات معقدة...
وله تقديم وتأخير...
ومصلحة ومفسدة...
وإذا اجتمع:
من لا شيء معه ولا أمامه ليخسره.
مع صاحب الحسابات ...
كانت صافي العملية الحسابية تبشر:
ألا يمس الأخير بأذى، وليكن ما يكون.
أما الموت فهو أبعد أن يفكر فيه من لا يقاتل إلا من وراء جدر
فالأوراق التي بيدنا قد كشفت.
والدواوين التي نملكها قد نشرت.
فوجهاً لوجه ومعاً إلى آخر النفق
فإما وإما...
مع أوراق للعدو معدودة...
وحسابات للمجرم محدودة...
وأيام للقاتل محسوبة.
والمنتهي المعدود المحدود المحسوب....
يستحيل في حسابات ما لا يتناهي ولا بالموت...
-----------------
في غزة فتية آمنوا بربهم...
في غزة آلمنا ما نرى...
في غزة فجعنا بأهلنا...
تذكرنا به ما قصَّه القرآن عن المستضعفين وعن المجرمين.
إن ما نشاهده لهي معركة الحق والباطل.
فالحق يجيء
والباطل يزهق.
والحق يتضح.
والباطل يفتضح.
-----
في غزة فتية آمنوا بربهم...
رضينا بهذه القسمة:
ألف نفسٍ طاهرة مؤمنة
بإزاء ظهور حق وإعلان مبدأ
بإزاء تعري مجرم فاجر.
بإزاء انكشاف سوءة منافق مندس.
لكن:
لكل قطرة دم نزفت حساب وثأر.
ولن تجد لسنة الله تبديلا
ولن تجد لسنة الله تحويلا.
-------------
في غزة ...فتية آمنوا بربهم...
في غزة احترقت أوراق السلام
في غزة تبخرت حقوق الإنسان
فهي مواد كتبت بحبر على ورق
فلا جيش ينتصر ولا زعيم يغار
إن الجيش الأكبر والدولة الأعظم
تحرك هذه الأوراق إن أرادت.
وتهملها إن شاءت.
وتنقضها إذا أحبت.
ولتبارز تلك الأوراق!
ولتنتفخ أوداجها!
ولتنطح بقرونها!
إنها كتبت بإملائهم
ومسحت بأفعالهم
فلتلعنهم بأسمائهم.
------------
في غزة فتية آمنوا بربهم...
في غزة...
في هذا البلد الصغير الذي لا تجاوز مساحته:387 كم2
بما يعادل عشر مدينة القاهرة لوحدها.
قد حوصروا من بين أيديهم ومن خلفهم.
قد حوصروا من الصديق قبل العدو.
ثم فرِّغت في أحشائهم آخر ما توصل إليه الإنسان
من آلة تدمير وحرق.
ومن آلة خنق وفتك.
{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}
--------
في غزة فتية آمنوا بربهم...
صامدون رغم كل هذه النيران
صامدون رغم كل ما فقدوا
صامدون رغم كل ما جرحوا
صامدون رغم كل ما هددوا
صامدون رغم كل ما هجروا
صامدون رغم بطش العدو
صامدون رغم خيانة الصديق
لله، ما أصبركم....
فصبراً، وصبراً؛ فإن موعدكم الجنة.
{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}
--------
إنهم فتية آمنوا بربهم...
في غزة اليوم مشهد
كمشهد:" أصحاب الأخدود"
كمشهد: "النار ذات الوقود"
كمشهد: "إذ هم عليها قعود"
كمشهد: "وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود"
كمشهد: "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد"
وايم الله :
إنه لا فرق يلوح بين قصة أصحاب الأخدود وبين قصة غزة
إلا في الصورة والأشخاص.
إن اليهود اليوم ومَن ورائهم قد انطبقت عليهم كل ما تعنيه هذه الآية من معنى:
"إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات"
وإنا نتربص بهم بطش الله الشديد الذي هو يبدئ ويعيد وهو فعال لما يريد
وسنته لا تنخرم وناموسه لا يتعطل، وإن غداً لناظره لقريب.
-----------
في غزة ...فتية آمنوا بربهم
في غزة استوعبنا قصة أصحاب الكهف والرقيم:
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا }
فهم كأولئك:
1- فتية آمنوا بربهم.
2- زادهم الله هدى.
3- ربط الله على قلوبهم.
4- قالوا:{رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}
مواقف:" ثابتة راسخة ، مطمئنة إلى الحق الذي عرفت . معتزة بالإيمان الذي اختارت"
ومبدءاً: "واضحاً صريحاً حاسماً ، لا تردد فيه ولا تلعثم . . إنهم فتية ، أشداء في أجسامهم ، أشداء في إيمانهم . أشداء في استنكار ما عليه قومهم . .
ولقد تبين الطريقان ، واختلف المنهجان ، فلا سبيل إلى الالتقاء ، ولا للمشاركة في الحياة .
إنما هم فتية تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر ، ولا حياة لهم في هذا الوسط... فهؤلاء الفتية الذين يعتزلون قومهم ، ويهجرون ديارهم ، ويفارقون أهلهم . ويتجردون من زينة الأرض ومتاع الحياة . وهؤلاء الذين يأوون إلى الكهف الضيق الخشن المظلم . هؤلاء يستروحون رحمة الله . ويحسون هذه الرحمة ظليلة فسيحة ممتدة . { ينشر لكم ربكم من رحمته } ولفظة { ينشر } تلقي ظلال السعة والبحبوحة والانفساح . فإذا الكهف فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه الرحمة وتتسع خيوطها وتمتد ظلالها ، وتشملهم بالرفق واللين والرخاء . . إن الحدود الضيقة لتنزاح ، وإن الجدران الصلدة لترق ، وإن الوحشة الموغلة لتشف ، فإذا الرحمة والرفق والراحة والارتفاق .
إنه الإيمان . .
وما قيمة الظواهر؟ وما قيمة القيم والأوضاع والمدلولات التي تعارف عليها الناس في حياتهم الأرضية؟ إن هنالك عالماً آخر في جنبات القلب المغمور بالإيمان ، المأنوس بالرحمن . عالماً تظلله الرحمة والرفق والاطمئنان والرضوان .
ويسدل الستار على هذا المشهد . ليرفع على مشهد آخر ."([1])
..........
وأخيراً:
ففي غزة فتية آمنوا بربهم...
فسلامٌ على أحيائهم...
وسلامٌ على شهدائهم...
وسلامٌ على جرحاهم...
ويا الله:
إن للحق رجالاً
وإن للباطل فجاراً
فاللهم اجعلنا من رجال الحق وأنصاره.
ونعوذ بك أن نكون من أهل الباطل وأوباشه.
َأمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) [الكهف : 9 - 15]
([1])في ظلال القرآن.
التعديل الأخير: