العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تحقيق هل تحل الصدقة الواجبة لآل البيت إذا منعوا الخمس أو كانوا محتاجين؟

إنضم
7 فبراير 2010
المشاركات
50
الكنية
أبو أيوب
التخصص
علوم شرعية
المدينة
بيش
المذهب الفقهي
مذهب المحدثين
هل تحل الصدقة لآل البيت إذا منعوا الخمس أو كانوا محتاجين؟
قال الشافعي رحمه الله في (الأم): "فأما آل محمد الذين جعل لهم الخمس عوضا من الصدقة فلا يعطون من الصدقات المفروضات شيئا قلّ أو كثر، لا يحل لهم أن يأخذوها ولا يجزئ عمن يعطيهموها إذا عرفهم وإن كانوا محتاجين وغارمين ومن أهل السهمان، وإن حبس عنهم الخمس وليس منعهم حقهم في الخمس يحل لهم ما حرم عليهم من الصدقة".أهـ.
وقال النووي رحمه الله في (المجموع) : وقال أبو سعيد الاصطخرى: إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم لأنهم إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم، والمذهب الأول ــ يعني عدم الجواز ــ لأن الزكاة حرمت عليهم لشرفهم برسول الله r وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس".
ثم قال رحمه الله: ولو مُنِعَت بنو هاشم وبنو المطلب حقهم من خمس الخمس هل تحل الزكاة؟ فيه الوجهان المذكوران في الكتاب أصحهما عند المصنف والأصحاب لا تحل، والثاني: تحل. وبه قال الإصطخري. قال الرافعي: وكان محمد بن يحيى صاحب الغزالي يفتي بهذا، ولكن المذهب الأول.
وموضع الخلاف إذا انقطع حقهم من خمس الخمس لخلو بيت المال من الفيء والغنيمة أو لاستيلاء الظلمة واستبدادهم بهما". أهـ
وقال المرداوي رحمه الله في (الإنصاف) :" قوله : "ولا بني هاشم" يعني لا تحل لهم الزكاة : هذا المذهب مطلقا نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب وكالنبي r إجماعا. وقيل: يجوز إن منعوا الخمس لأنه محل حاجة وضرورة اختاره الآجري، قال في الفائق: وقال القاضي يعقوب وأبو البقاء وأبو صالح إن منعوا الخمس جاز. ذكره الصيرفي".أهـ
وقال الحطاب رحمه الله في (مواهب الجليل)": لا خلاف في حرمة الصدقة المفروضة عليه r وعلى بني هاشم الذين هم آله على المشهور وعلى مواليهم كما صرح به القرطبي في سورة براءة ، وغيره .
ثم قال: وتقدم في مصارف الزكاة عن ابن مرزوق أنهم إذا لم يعطوا ما يستحقونه من بيت المال وأضر بهم الفقر أنهم يعطون من الزكاة، وأن إعطاءهم أفضل من إعطاء غيرهم"أهـ.
وقال ابن نجيم رحمه الله في (البحر الرائق):"وأطلق الحكم في بني هاشم ولم يقيده بزمان ولا بشخص للإشارة إلى رد رواية أبي عصمة عن الإمام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه لأنّ عوضها وهو خمس الخمس لم يصل إليهم لإهمال الناس أمر الغنائم وإيصالها إلى مستحقها، وإذا لم يصل إليهم العوض عادوا إلى المعوّض، وللإشارة إلى رد الرواية بأن الهاشمي يجوز له أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله، لأن ظاهر الرواية المنع مطلقا". أهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (الاختيارات): "وبنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة. وهو قول القاضي يعقوب وغيره من أصحابنا. وقاله أبو يوسف من الحنفية والإصطخري من الشافعية . لأنه محل حاجة وضرورة". أهـ
وقال الشوكاني رحمه الله في (الفتح الرباني):" ثم وردت السنة المطهرة المتواترة تواترا معنويا يجب على كل مسلم العمل به، ويحرم عليه مخالفته: "أن الصدقة لا تحل لمحمد وآل محمد"، فكان هذا النص المتواتر مقيدا للآية الكريمة المصرحة بمصارف الزكاة، فتكون الصدقات الواجبة مصروفة في الفقير الذي ليس من آل محمد، وكذلك بقية المصارف، لأن نفي الحل لآل محمد ورد تارة عاما، وتارة مطلقا؛ فيفيد أنها لا تحل لهم على كل حال، فلا بد أن يكون كل صنف من الأصناف التي لم يأت فيها تخصيص، ليس بمتصف بوصف كونه من آل محمد.
ومن ادعى أنها تحل لمن كان من آل محمد إذا كان مثلا عليلا ومؤلفا فهو مطالب بالدليل الصحيح المفيد لتخصيص دليل التحريم المتواتر، ولم يكن في شيء من الأمهات والمسانيد والمجاميع الموضوعة لجمع الأحاديث النبوية ما يفيد ذلك فيما أعلم بل فيها التصريح بما يقوي تعميم التحريم، وهو امتناعه r من تولية المطلب بن ربيعة بن الحارث، والفضل بن العباس على الصدقات، بعد أن سألاه ذلك، كما في الصحيح معللا ذلك بقوله: " إنما هذه الصدقات أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد " فالحاصل أن تحريم الزكاة على آل محمد قطعي من قطعيات الشريعة، ولم يأت من رام القدح في قطعيته بشيء يصلح للتمسك به".أهـ.
قال أبو أيوب عفا الله عنه : وهذا الكلام من الشوكاني رحمه الله في غاية الوضوح والبيان وفي غاية التحقيق والانصاف وهو الذي يتعين المصير إليه عند تأمل النصوص.
وأما زعم أن الهاشميين إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم، فهذا زعم باطل وتعليل عليل ليس عليه من الله برهان بل هو اجتهاد في مقابل النص والدليل وهو بحاجة إلى دليل وبرهان من نصوص الشريعة يدل عليه ولم يأت من ذلك إلا ما سيأتي تفنيده.
أما مجرد الاجتهاد والتخمين في مقابل النصوص فإنه قد تقرر ألا اجتهاد في مقابل النص، ومما تقرر أيضا أن الحاجة لا تحل الحرام، وإنما تحله الضرورة كما لو خشي الموت والهلاك، وأيضا فالضرورات تقدر بقدرها، وسيأتي تحرير ذلك في مبحث خاص به.
وقد رأيتَ النقلَ عن أكثر الأئمة الأعلام أن الصدقة الواجبة لا تحل لرسول الله r ولا لآله الكرام دون استثناء أية حال من الأحوال بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك، وهذا هو مقتضى الأدلة الشرعية التي تقدم سردها ولا محيص للمنصف من الرجوع إليها والقول بمنطوق ما دلّت عليه.
فمن أراد النصوص فتلك هي النصوص، ومن أراد الرجال فأولئك هم الرجال، وما أحرى بالمسلم أن يكون متبعا للدليل لا أن يغتر بقول فلان وفلان .
وإذا كان رسول الله r لم يرخص لعبد المطلب ولا للفضل في أن يكونا عاملين عليها، مع أنهما إنما سيأخذان ما يأخذانه منها أجرة على عملهما، ومع ذلك فلم يرخِّص لهما r إمعانا في البعد منها والتنزه عنها، فكيف يستقيم بعد ذلك قول من يقول: أنه لا بأس أن يعطوا من الصدقة إذا كانوا محتاجين أو لم يعطوا من الخمس؟!.
فهل يا ترى يوجد في هذا الزمن من هو أحوج من رسول الله r في زمنه وهو يمر عليه الشهر والشهران والثلاثة ولا يوقد في بيته نار ؟!
الجواب : اللهم لا .
وهل يا ترى يوم أن جاء سلمان t بصدقته كان حينذاك لرسول الله r أو لآله خمس أو حتى قد شرع ؟!
الجواب : لا، فإن آية الخمس ما نزلت إلا بعد بدر، وآية الفيء ما نزلت إلا في بني النضير .
وفي تعليله r منع آل البيت المكرمين الطاهرين من الصدقة بأنها "أوساخ الناس" تعليل بصفة ملازمة لها لا تنفك عنها أبدا، لا بحال من الأحوال ولا بزمن من الأزمان، سواء أعطوا الخمس أو لم يعطوه إذ لا علاقة بين وسخها وبين الخمس، فوجود الخمس لا يوسخها وعدمه لا يطهرها.
وهؤلاء هم المساكين وابن السبيل لهم نصيب في الخمس ولهم نصيب في الصدقة فلم يمنعوا منها لاستحقاقهم الخمس، ولم تحرم عليهم مع استحقاقهم الخمس، فظهر ألا علاقة بينها وبين الخمس لا سلبا ولا إيجابا، وهذا ظاهر بيّن لمن تأمله بعدل وإنصاف وبُعدٍ عن الهوى والشهوة.
وقد دلّ حديث معاوية بن قرة t "لا يحل لآل محمد منها شيء" بهذه الصيغة (النكرة في سياق النفي) على عدم حل شيء منها أبدا لآل محمد r سواء كانوا محتاجين أو غير محتاجين، وسواء أعطوا من الخمس أم لم يعطوا، وسواء كان هذا الشيء المأخوذ منها صغيرا أو كبيرا إذ لم يستثن r من هذا شيئا، ولم يأت نص يدل على تخصيص هذا العموم لا متصل ولا منفصل، فلم الاستدراك على الله ورسوله r؟!.
وليت شعري أي استثناء سيقوى على تخصيص هذا العموم، اللهم إلا أن يكون منطوقا وأنّى هذا؟!
وإذا كان r لم يتسامح مع صبي لم يبلغ الحلم بعدُ في تمرة أخذها عن جهل وعدم معرفة بحكمها فما بالك بغيرها مما هو أكبر منها .
وقد دلّ أثر ابن عباس t على منع عموم الصدقة على آل البيت وأن هذا شيء اختص به رسول الله r آل بيته الكرام الطاهرين، فلا سبيل إلى المزايدة عليه وإيجاد الحيل للتخلص منه وتجاوزه، ولم يستثن ابن عباس t من هذا الاختصاص من أعطي الخمس أو غيرهم، بل قد جاء عنه t ما يدلّ على أنهم كانوا قد منعوا خمس الخمس ومع ذلك ما زال يحكي اختصاصهم بعدم أكل الصدقة كما جاء عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة بن عامر ــ يعني الخارجي ــ إلى ابن عباس t قال: فشهدت ابن عباس حين قرأ كتابه وحين كتب جوابه، وقال ابن عباس t: والله لولا أن أرده عن نتن يقع فيه ما كتبت إليه ولا نعمة عين، قال: فكتب إليه: "إنك سألت عن سهم ذي القربى ــ يعني من الخمس ــ الذي ذكر الله من هم؟ وإنا كنا نرى أن قرابة رسول الله r هم نحن، فأبى ذلك علينا قومنا.." رواه مسلم .
وأما الاستدلال بأن فقراء الهاشميين ومساكينهم يدخلون في عموم الفقراء والمساكين الذين شرع صرف الصدقات لهم فهذا استدلال غير صحيح، ذلك لأنه قد جاء ما يخصص هذه الثلة من المسلمين بالنص الواضح الصريح فلا عبرة بعد ذلك باجتهاد المجتهدين.
وإن من أعجب العجب أن تجد من يقول بهذا القول يأخذ بالعموم في لفظ (الفقراء والمساكين) مع أنه قد ورد النص الصريح بالتخصيص ، لكنه إذا جاء إلى لفظ (الصدقة) لم يأخذ بالعموم مع عدم ورود النص الدال على التخصيص، فتجده يفرق فيها بين الفرض والنفل بلا دليل ولا برهان، فسبحان من جلّ عن الغفلة والسهو والذهول والنسيان.


من بحثي (تحرير القول في بيان حكم الصدقة على آل الرسول)
 

عمار الملا علي

:: متابع ::
إنضم
18 سبتمبر 2016
المشاركات
40
التخصص
هندسي
المدينة
حلب
المذهب الفقهي
حنفي
رد: هل تحل الصدقة الواجبة لآل البيت إذا منعوا الخمس أو كانوا محتاجين؟

جزاك الله خيرا
 
إنضم
7 فبراير 2010
المشاركات
50
الكنية
أبو أيوب
التخصص
علوم شرعية
المدينة
بيش
المذهب الفقهي
مذهب المحدثين
أعلى