شهاب الدين الإدريسي
:: عضو مؤسس ::
- إنضم
- 20 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 376
- التخصص
- التفسير وعلوم القرآن
- المدينة
- مكناس
- المذهب الفقهي
- مالكي
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى حكام العرب والمسلمين/ العدل أقوى جيش ولزوم الحق أهنأ عيش
الحمد لله المتعزز بعظمته، المتفرد بوحدانيته، المانّ بتواتر آلائه، المتفضل بسوابغ نعمائه، القائم على نفوس العالم بآجالها، الخبير بتقلباتها وأحوالها، حمدا يستنزل الرحمة ويستكشف الغمة، والصلاة والسلام على محمد آخر الأنبياء في الدنيا عصراً، وأولهم يوم الدين ذكراً، وأرجحهم عند الله ميزاناً، وأوضحهم حجة وبرهاناً، وعلى آله وصحبه،
إلى من ابتلاهم الله بالحكم والملك والرياسة والإمارة وفقهم الله جميعا لما يحب ويرضى،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإن المرء منسوب إلى فعله ومأخوذ بعمله، والزمان صروف تجول وأمور تحول، ومن تعرض للمصاعب ثبت في المصائب، ولئن خفي على أحد فلا ينبغي أن يخفى عليكم طبيعة المرحلة وحجم التحديات التي تحدق بأمتنا، فالأحداث جسام والمصائب عظام تتسارع في تقلباتها وتتشابك في تصرفاتها، فلا بد من رؤية ثاقبة ووقفة متبصرة وعمل جاد لوقف التداعيات والمخاطر، وإن لسان النصح فصيح ولسان التقصير قصير، ومن لزم الحق غلب الخلق،والشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية.
وأول الذكرى التذكير بتقوى الله تعالى فالتقوى خير زاد، وشكر نعمائه وآلائه فإن الشكور يزداد، والصبر فهو أوسع نعمة يعطاها العباد، فأولى الناس بالله أشدهم تولياً له، وأقربهم منه أحسنهم تقرباً إليه بالعلم والعمل، وأكثرهم مراقبة له في السر والعلن، فالله تعالى يرى من باطنكم مثل الذي يرى من ظاهركم، قال تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
وأعظم واجبكم الإصلاح والعدل، إصلاح أنفسكم وأهلكم وشعوبكم ومن في مسؤوليتكم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، والنجاة بلزوم كتاب الله تعالى فهو الحبل المتين، والسنة النبوية المطهرة، فذلكم الصراط المستقيم، وإقامة العدل فالإمام العادل قوام لكل مائل، وصلاح لكل فاسد، ومفزع لكل ملهوف، وإنصاف لكل مظلوم، وردع لكل غشوم،وكل واحد منكم وضع في موضع ليُبتلى، فإن أحسن فاز برفعة الدنيا وثواب الآخرة وإن أساء باء بالعقوبة في الأولى والأخرى،وإن المسئول بين رعيته؛ كالقلب بين الجوانح، تصلح بصلاحه وتفسد بفساده، ينقاد إلى الله ويقودهم ويسمع كلام الله ويسمعهم، فكيف إذا أعرض عن كلام الله مَن ولي الأمر؟ والله تعالى شرع الشريعة وسد الذريعة، وأنزل الكتاب تفصيلا لكل شيء وتبيانا، وأرسل الرسول بشيرا ونذيرا، ليطاع فلا يعصى ويحب فلا يبغض، ووضع الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا اقترفها مَن ولي الأمر؟ ومن فعل ما شاء لقي ما ساء، وكل قائد مسئول عما اجترح أصحابه، وليسوا مسئولين عما اجترح، ومن بطانتكم من هم مورد للنار وموئل للخسار؛ يأكلون طيبات الدنيا بإذهاب طيباتكم في الآخرة، ويتنعمون بما فيه بؤسكم، ويستكثرون بما فيه خسارتكم،ومن سلوك سبيل الظالمين؛ تسليط المستكبرين على المستضعفين، قال صلى الله عليه وسلم: [ابْغُونِى الضُّعَفَاءَ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ]
أي حكام العرب والمسلمين هدانا الله وإياكم للحق:
إن واجب الراعي أن يكون شفيقا برعيته يذودها عن مراتع الهلكة وطرق الضلالة، ويرتاد لها أطيب الأحوال، ويحميها من الزلل والخلل والأعداء والأهوال، كالأب الحاني يسعى لأولاده صغارا ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته، بل كالأم الشفيقة الرفيقة بأولادها؛ تسهر بسهرهم وتسكن بسكونهم، تفرح بعافيتهم وتغتم بشكايتهم، فالمسؤولية أمانة في أعناقكم فاحذروا أن تأتوا ربكم وقد شردتم العيال وبذّرتم الأموال وأسأتم الفعال، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:[مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ]، وإن ورائكم عقبة كؤودا لا يجوزها المثقلون، قال صلى الله عليه وسلم: [مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِى أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلاَّ أَتَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَغْلُولاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ فَكَّهُ بِرُّهُ أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ أَوَّلُهَا مَلاَمَةٌ وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ وَآخِرُهَا خِزْىٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] وإن لكم منزلا غير الذي أنتم فيه؛ يطول به ثواؤكم ويفارقكم أحباؤكم ويسلمونكم إلى قعره وحيدين فريدين فتزودوا بما يصحبكم (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) واذكروا إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور فتكون الأسرار ظاهرة والقوى خائرة، (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) وكل مسئول له ممن قبله عظة فلو دامت لغيركم لما وصلت إليكم، والأيام دول والدهر غِيَر، وإن المدح الكاذب ذم، والبناء على غير أساس هدم.
فتأملوا حال الناكصين عن أمر الله تعالى، المتخلفين عن طاعته التاركين لنصرة دينه، المتكاسلين عن حماية الملة المحمدية، الذين لم يقوموا بواجبهم تجاه الأمة الأحمدية، فاحذروا أن يكون ذلك حالكم، فإن التخلف عن أمر الله خسارة ما بعدها خسارة وذل وهوان ولا ينفع الندم حين لا مندم، عرض النبي صلى الله عليه وسلم على ذي الجوشن الضبابي الإسلام؛ قال لَهُ: [هَلْ لَكَ أَنْ تَكُونَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ فِى هَذَا الأَمْرِ] فَقَالَ:لاَ. فَقَالَ لَهُ النَبِىُّ عليه الصلاة والسلام: [مَا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ] قَالَ:رَأَيْتُ قَوْمَكَ قَدْ كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ وَقَاتَلُوكَ فَأَنْظُرُ مَا تَصْنَعُ فَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ آمَنْتُ بِكَ وَاتَّبَعْتُكَ، وَإِنْ ظَهَرُوا عَلَيْكَ لَمْ أَتَّبِعْكَ. فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء الأعشى ليدخل الإسلام فتعرضته قريش فقالت: إن محمداً يحرم الزنا فقال: قد علمتم ما بي إليه حاجة -وكان كبير السن- قالوا: فإنه يحرم الخمر، قال: فأرجع سنة أشرب الخمر ثم أرجع إليه، فرجع فوقصته ناقته ومات من يومه. فأطيعوا الله تعالى فأنتم في مهل قبل أن يأتيكم الأجل وينقطع الأمل، فالدنيا دار ظعن وانتقال، وليست بدار إقامة على حال، وإنما أنزل إليها آدم عقوبة، الغني فيها فقير، والمتوسع فيها سيقدم على الضيق والأمر العسير، والسعيد من لم ينشغل لها، والفائز من لم يظفر بها، والمنصور من لم يذل نفسه لها، وإنما هي قنطرة لمن عبر وعبرة لمن استبصر واعتبر.
وإن أخسر الناس صفقة يوم القيامة وأعظمهم غبناً من باع آخرته بدنيا غيره، ليورد نفسه موارد الهلكة ومواطن الردى، وإن الفجعة الكبرى والجرحة العظمى الولاء والنصرة لأعداء الله تعالى، الذين يخدعونكم ليذهبوا ريحكم ويمنونكم ليفسدوكم ويتلعبون بكم ليفرقوا بينكم، لم يأتوا لإكرامكم بل لإذلالكم، ظلمهم لشعوبكم مستمر وقصدهم لقهرهم مستقر، فاحذروهم أكثر من الطاعون، فموالاتهم خسارة في الدنيا ومسارعة للجحيم يوم الحساب، والركض وراءهم لهث وراء السراب، وقد رأيتم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) فلا تسيئوا الاختيار لأنفسكم بإسخاط ربكم عليكم ولن يرضى الكفار عنكم.
وكل كسر فإن الله يجبره *********وما لكسر قناةِ الدين جبرانُ
غزة العز ومواقف الكرامة :
لقد رأيتم العدوان وامتلأت بالاستغاثة الآذان، ظلم صريح وجور فسيح واعتداء قبيح، ودليل البصر أوضح من دليل الخبر، نداء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان يقطع القلوب ويلهب الوجدان إن كان فيها رحمة وإسلام وإيمان، آهات الثكالى لا تحتاج كلاما ولوعات الجرحى لا تدع مقالا، دخلت امرأة النار بحبس هرة فلم تطعمها ودخلت بغيّ الجنة بسقيا كلب عطش كعطشها، وإن الفعل في وقته سُنّة وفي غير وقته سُبّة، فلكل وقت حقه، قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وأن له عملاً بالليل لا يقبله بالنهار.
واليوم فإن مليون ونصف المليون مسلم يحاصرون ويبادون، وغزة تذبح! فما أنتم قائلون؟ وإلى هذه الساعة لم تقوموا بما أنتم قادرون عليه، من النصرة والتأييد، بل منكم من يشارك في الحصار سرا وجهارا ليلا ونهارا.
إن المرء لا يعرف ببُردِه كالسيف لا يعرف بغِمده، وقد رأيتم مسارعة آردوغان الترك بل آردوغان الإسلام والعرب واستناده إلى دينه وأصوله وتاريخه، والجهود المشكورة لدولة قطر ومواقف أميرها حمد بن خليفة آل ثاني التي تستحق التقدير والإشادة، وشافيز ومبادراته التي جعلته بطلا عالميا، الذي لم تسمح كرامته بإبقاء السفير الإسرائيلي، وسار على نهجه الرئيس البوليفي! ألا يهز هذا مشاعركم؟ ألا يحرك فيكم روح المنافسة ويؤجج فيكم خبايا الطموح؟ إن الجود والشجاعة شريكا عنان والعجز والتواني رضيعا لبان.
إن الضمائر الصحاح والفعال الملاح أبلغ من الألسن الفصاح، لكن متى يصحو الضمير إن لم يصح بسماع الآيات القرآنية ومشاهدة المآسي اليومية من قتل الأطفال الرضع والنساء والشيوخ الركع، وقصف المدنيين الأعزلين والمشافي وبعثات الأمم والصحفيين؟ متى يصحو الضمير إن لم يصح بنداء الثكالى واليتامى والمستضعفين؟ لقد تحركت جيوش المعتصم ردعا لمن حاول هتك عرض مسلمة فمتى تتحرك الجيوش العربية؟ لقد قالت الشعوب كلمتها وقامت ببعض واجبها لكنها تقمع بالجيوش والشرطة لحماية السفارات المعادية، أهذه واجباتها أم هذه خيباتها، إن لم يكن دور هذه الجيوش الثبات أيام المحن والأزمات والحروب والمدلهمات والدفاع عن الدين والأرض والعرض، فما هو دورها؟ أرد الموت إذا حضر؟ أم منع أمر الله إذا أتى؟ إن النساء من شعوبكم تناديكم أن اعطونا السلاح الذي عند جيوشكم؟ فماذا بقي من الكرامة؟
لقد جربتم كثيرا سلسلة الشجب والاستنكار والإدانة ثم رفع القضية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتذبح شعوبكم وفق الشرعية الدولية! وكنتم كالأيتام على مآدب اللئام! فجربوا اللجوء إلى الله والنهوض مع شعوبكم وتحريك الجيوش وقطع شريان العدو من النفط والغاز وطرد السفراء الإسرائيليين وقطع العلاقة معهم، ووقف مهزلة الاستسلام، فمجرد التلويح والتهديد بهذه الأشياء أو بعضها يحقق ما لا تحققه كل المؤتمرات والتنديدات، فلسان العمل أنطق من لسان القول، وإن برد العيش لا يحصل إلا بحر التعب وما الذي يضركم لو فعلتم؟ ماذا فعلت أمريكا لشافيز وآردوغان؟ إن اقتناء المناقب باحتمال المتاعب، وإحراز الذكر الجميل بالسعي في الخطب الجليل.
إن الواجب الشرعي الحتم عليكم مناصرة المسلمين وتقديم كل أنواع الدعم للفلسطينيين؛ بما في ذلك الرجال والمال والسلاح وهذا يمثل الحد الأدنى للواجب الذي تبرأ به ذمتكم، إضافة إلى اتخاذ المواقف الحازمة لدعم القضية سياسيا وقانونيا وإنسانيا.
إننا لم نكن نستغرب التآمر على العراق لأنه كان قويا بعبعا في نظركم، لكن ما لا يخطر على البال أن يكون التآمر على شعب مستضعف أسير منذ عقود، وبدلا من تقديم العون تأتي الضغوطات من البعض ليحملوا الغزيين على الاستسلام للقضاء على المقاومة.
الأزمة الاقتصادية والقمة المالية:
إن الوقوع في شراك الأزمة الاقتصادية نتيجة طبيعية لترك الاحتكام إلى الشريعة المحمدية وعدم تطبيق تعاليمها المرضية، وتعدي حدودها ونقض بنودها، مما هيأ لشيطان العصر أمريكا أخذكم يمينا وشمالا، واختلاس الأموال بصناديق سيادية لتذهب في جيب السيد الأمريكي الذي يذلكم في الليل والنهار، ويبتزكم لضرب شعوبكم وإفقارها ونشر الفساد والدمار؟ وتعلمون أن تداعيات الأزمة المالية في بدايتها وستستمر إلى سنين، خسارة العرب إلى الآن قرابة ثلاثة تريليونات دولار! ولا نجاة إلا بطاعة الله وتطبيق شرعه، ومحق الربا والمعاملات المحرمة وأداء الواجب في المال، وعمل مؤسسات كبرى مستقلة للاستثمار والبناء، بعيدا عن هيمنة مؤسسات الكفار الربوية.
إن الحاجة لقمة اقتصادية حقيقية وإجراءات صحيحة معروف، لكن المنكر هو جعل الدماء الزكية وكل تفاصيل القضية على هامش مؤتمر المال والأعمال إذا تيسر الحال، إنها لإحدى الكبر، فإن الدين يفدى بالمال والنفس، وتفك النفس بالمال وليس العكس، ومن مقاصد الأعداء الانفراد بكل واحد لوحده، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فلا تنتظروا منهم خيرا ولا تأمنوا منهم شرا، فاجتمعوا وتراشدوا على الخير، وكونوا قدوة لشعوبكم ببذل المهج وخوض الرهج والصبر والمصابرة والجد والمثابرة، ومشاورة أهل العلم في كل فن، ولا تزهدوا في معروف فإن الدهر ذو صروف، والأيام ذات نوائب على الشاهد والغائب، قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: [لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا] وإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجوه البر، وخير السخاء ما وافق حاجة، ليسد خلة أو يكسر جوعة.
العراق جمجمة المسلمين ولسان العرب:
إن العراق يتعرض لاحتلالين بغيضين أحدهما أبشع من الآخر، تفاهما على إتفاقية الإذلال لإضفاء الشرعية على الوجود الامريكي طويل الأمد، وحماية المشروع السياسي الموالي لإيران والتي صنعت بدورها شراكة حقيقية في هذه الاتفاقية، سبقتها باتفاقية الدفاع المشترك مع الحكومة العميلة، كغطاء قانوني لسيطرتها على القرار السياسي والاقتصادي والأمني، ليمتهد الطريق أمامها لحراك واسع في العراق والمنطقة، في الوقت الذي ترفض فيه هذه الحكومة توقيع اتفاقية مماثلة مع تركيا!
إن أمريكا لا تظهر جدية في إضعاف دور إيران السلبي في العراق والمنطقة، وضربها بعض المجرمين إنما كان لخروجهم عن السيطرة ومخالفتهم مشروعها السياسي الذي يهدف إلى تمكين حكومة الاحتلال الصفوية وبسط هيمنتها، وهنا إحدى نقاط التقاطع بين السياسة الأمريكية والسياسة الإيرانية في العراق، لذا كانت العمليات بموافقة إيرانية، وكانت دعائية مضخمة، ولو كان الهجوم على مناطق السنة لرأيتم القتل العشوائي والتدمير الشامل ولا عودة للمهجرين ولا إفراج عن المعتقلين.
ولإثبات بعض الشرعية جرّ الاحتلال وحكومته رجل دول عربية لفتح سفاراتها ولن تمنحها فرصة حقيقية للقيام بأي دور إيجابي وإيجاد تفاهم عراقي وتحقيق المصالح المشتركة، فما ثم إلا دعم الحكومة الطائفية، فكيف والسفارات العربية لا تملك أية مشاريع! ولا تملك الشجاعة لتنفيذها إن وجدت، أما السفارة الإيرانية فمشروعها واضح ونفوذها فاضح تتدخل في كل قضية، وتشرف على فرق الموت والقتل على الهوية، وتدعم الصفويين باطنا وظاهرا، ونقول إنصافا وقبل أن يستدرك من لم يحرّق بالنار ويخرّق بالمثقاب الكهربائي؛ إن مشروع إيران في العراق صفوي طائفي توسعي وفي فلسطين إستثمار دعائي تفاوضي، فهما مختلفان!!
فما تقدم يمثل تهديدا مباشرا للدول العربية لو كانوا يعلمون، بيد أنه لم تنته المعركة ولم يحسم النزال بعد، وينبغي بالدول العربية كدول الخليج ومصر والأردن تشكيل حلف وثيق مع تركيا يرافقه تفاهم وتعاون لا بد منه مع سوريا يقف بوجه احتلال إيران للعراق ويضعف نفوذها في المنطقة ويضغط على أمريكا، وهذا لا يحصل إلا بالاعتماد على الله ثم استخدام القدرات الذاتية وعدم الوثوق بالأعداء وخاصة أمريكا فإن تفاهمها مع إيران مرشح للزيادة في ظل الإدارة الجديدة، ولن يكلل هذا العمل بالنجاح إلا بالتفاهم مع الممثل الشرعي للبلد؛ وهم فصائل المقاومة وأنصارها وقوى الممانعة وعلى رأسها المجلس السياسي للمقاومة العراقية لوضع الأمور في نصابها لتحقيق الآمال المشروعة وإجهاض أي خطوة سياسية تعطي الشرعية للاحتلال أو تمنحه الفرصة لتحقيق أهدافه أو تنفيذ مخططاته، أما الخلاف فإنه غلاف الشر، وتشتت المواقف يعني تمكنا أمريكيا ونفوذا أكبر لإيران وتنازلات أمريكية إضافية لصالحها، وزيادة أوراق ضغطها، لإتمام مشروعها النووي، وكسب أرباح نفوذها في العراق ولبنان ودول أخرى، والعبور إلى الخطوة القادمة وهي الخليج
ومما يجب على الحكومات العربية تجاه العراق:
1- احتضان المقاومة العراقية ودعمها بكل الوسائل السياسية والمادية والإعلامية.
2- دعم الشخصيات المؤهلة لقيادة العراق، وعدم التعويل على الأدعياء.
3- الإعانة على بلورة موقف سني موحد، فإن إخفاق الموقف السني أو ارتباكه، سيجعل من الصفويين المستفيد الأكبر لاستكمال سياستهم الإقصائية الإجرامية.
أيها الحكام والمسئولون:
لقد أضعفت أمريكا الدول العربية وحجمت دور الدول الغربية، وتخبطت في سياستها، وأفرطت في الإجرام والعنجهية، فأذهب الله ريحها وأسقط هيبتها وأفقدها سيطرتها، والحل بالرجوع إلى الله والتوكل عليه والكفر بأمريكا والاصطلاح مع الشعوب المسلمة حيث تخطت حاجز الجهل واستخدام الثروات لبناء الذات وحماية المصالح وفق رؤية راشدة لتحقيق وجود قوي في ظل عالم متغير.
ألا فاستقبلوا بالخضوع وجه الله، واستنزلوا بالتسبيح والتهليل رحمته، واستديموا بالحمد والشكر نعمته، ولا تكاثِروا الله في بلاده ولا ترادوه في مراده، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والمرء منسوب إلى فعله ومأخوذ بعمله، وأنصفوا من أنفسكم يوثق بكم، واصدقدوا مع شعوبكم كما تحبون أن تصدق معكم، فالسيد المتواضع كالشمس الباهرة بضيائها القريبة مع اعتلائها، وانصروا الحق بكل ما أوتيتم، فرب مكايد لنصرة الحق دقيقة المسارب أنكى من حداد صقيلة المضارب، والعدى لا تدفع عن البلاد إلا بالشكائم، ولا تقاد الشعوب إلى ما يصلحها إلا بالعزائم، وإن الكريم إذا وعد لم يخلف وإذا نهض بفضيلة لم يقف، والله يتولانا جميعا برحمته ويهدينا إلى الحق بفضله ويعيننا على نصره بقوته.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه الدين وأهله ويذل فيه الكفر وأهله، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، تنصر به الدين والنفس وتصون به العرض والأرض، اللهم وفق جميع المسلمين حكاما ومحكومين لما تحب وترضى والتعاون على البر والتقوى وانصرنا على أعداءك وأعداءنا نصرا مؤزرا ورد كيد الأمريكان والصهاينة والصفويين في نحورهم وصل وسلم على محمد وآله وصحبه.
أمير الجيش الإسلامي في العراق
20- محـــــــــــــــــــــرم -1430
الموافـــــــــــــــق: 17-1-2009
المصدر