العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

آراء معاصرة عن تغير الأحكام بتغير الزمان

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
آراء معاصرة عن تغير الأحكام بتغير الزمان (1/3)</SPAN> د. بسطامي محمد خير*

2005-08-17​
مقدمة
1209.jpg
لا يشك مسلم في صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان ، وحيويته لمعالجة مشكلات كل عصر وقطر . ولقد كان من آثار الصحوة الإسلامية المعاصرة ، السعي الجاد لتجديد الفقه وبعث الاجتهاد ، ليقدم الحلول لمشكلات العصر الحاضر ، ومواجهة التطور والتغير الذي حدث في كثير من نواحي الحياة ونظمها . ومن القواعد الهامة التي شاعت عند كثير من المعاصرين ، دليلا على قابلية الإسلام لاستيعاب التطور ، قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان . وهي قاعدة هامة صاغها الفقهاء قبل العصر الحاضر وتناولها عدد منهم بالشرح والتوضيح . ولكن من يتأمل في استعمالات المعاصرين لها ، يجد اضطرابا في فهمها وخلطا في ضبطها ، بين موسع ومضيق لدائرة الأحكام التي تتغير بتغير الظروف والعصور .

وتسعى هذه الورقة لإلقاء الضوء على هذه القاعدة ، وبحث معناها وتحقيق محتواها ، وتحرير فهم الأولين لها ، وعرض أراء المعاصرين عنها ، للخلوص من ذلك كله إلى تعريف دقيق لها ، يعين في تحديد تأثير اختلاف الزمان والمكان في تغير الأحكام ، والإجابة على السؤال الهام ما الثابت والمتغير من الإسلام .

تحرير القاعدة
قرر كثير من الفقهاء قديما وحديثا قاعدة تغير الأحكام تبعا لتغير الأحوال والظروف والأوضاع والعادات ، منهم على سبيل المثال ابن القيم والشوكانى ومصطفى الزرقاء والقرضاوي . ولقد عقد الإمام ابن القيم لها فصلا قيما في كتابه "إعلام الموقعين" واستدل عليها ونصرها أتم نصر ، ومثل لها بأمثلة كثيرة . ومما استدل به الشيخ القرضاوي[1] على هذه القاعدة من القرآن قول الله تعالى: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال، إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) (الأنفال: 65)، ثم قال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله، والله مع الصابرين). (الأنفال: 66). فقد قال بعض المفسرين أن هذا نسخ ، ولكن نقل القرطبي وغيره أن هذا تخفيف وليس بنسخ[2] ، فالآية الأولي حكم في حالة القوة والثانية حكم آخر في حالة الضعف . ومن السنة استدل على قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان الأحاديث الصحيحة في ادخار لحوم الأضاحي من مثل ما رواه مسلم[3] عن عائشة قالت: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقى فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم فقال:(إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت فكلوا وتصدقوا وادخروا) . فالنهي عن الادخار كان في وقت الحاجة وجاءت الرخصة بزوال هذه الحاجة ، ولهذا يقول القرطبي: لو قدم على أهل بلدة ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا لتعين عليهم ألا يدخروها فوق ثلاث كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم[4] .
والظاهر أن هذه الأدلة من القرآن والسنة مجرد أمثلة للاستدلال على هذه القاعدة الهامة ، وإلا فإن هناك شواهد كثيرة لأحكام ثابتة بالقرآن والسنة قد بينت النصوص نفسها الأحوال التى تتغير فيها . والواضح أنه ليس هناك اشكال في ثبوت القاعدة لكن قد أشكل بعض المعاصرين فهمها وتطبيقها و تعيين ما الثابت من الأحكام وما المتغير . فمن المعروف أن أحكام الشريعة تنقسم إلي قسمين رئيسيين : أحكام مصدرها نصوص القرآن والسنة مباشرة ، وأحكام مصدرها الاجتهاد دون أن تستند مباشرة علي النصوص مثل أن تكون مبنية علي مصلحة سكتت عنها النصوص أو عرف أو عادة لم ينشئها نص شرعي .
ولا يختلف اثنان أن الأحكام في كلا القسمين إنما ترمي إلي تحقيق مصالح الناس ومراعاة منافعهم . ومما لا ريب فيه أن بعض هذه المصالح والمنافع يتبدل ويتغير بتغير الزمان أو المكان ، أو لأي عامل من العوامل التي تؤثر في تغير المصالح.
ففي القسم الثاني من الأحكام الذي لم يكن مصدره النص مباشرة ، لم يجد عامة الفقهاء صعوبة تذكر في تقرير أن المصلحة التي لم يأت بها نص أصلا يمكن أن تتغير وتصبح في حين من الأحيان مفسدة ، أو أن العادة والعرف الذي لم يتكون نتيجة نص شرعي أصلا ، يمكن أن يتبدل ويتغير ، وحينئذ قرروا بلا تحفظ أن الأحكام في هذا القسم تتغير بتغير الزمان ، لأن الأصل الذي تبني عليه أصل متغير ، وتغيره سواء كان مصلحة أو عرفا متصور عقلا وواقع ملموس .
أما القسم الثاني من الأحكام وهي الأحكام التي تقررها النصوص مباشرة فكل أحد يقر أن النص مقصود منه تحقيق المصلحة للناس ومقصود منه منفعتهم ، فغاية النص وهدفه وحكمته هي المصلحة . حينئذ لم يستطع ذهن عامة الفقهاء أن يتصور أن هذه المصلحة التي يثبتها النص يمكن أن تتغير وتصبح في زمن من الأزمان مفسدة . ذلك أن من المتفق عليه أن المصلحة ليست تابعة للهوي أو المزاج الشخصي ، وأن المصالح التي تقررها النصوص هي المصالح حقيقة . وأن من التناقض الواضح أن يقال أن مصلحة ما عارضت النص . فالنص هو عدل كله ورحمة كله وحكمة كله ومصلحة كله ، فأي مصلحة تلك التي تعارض النص ، إلا إذا كانت نابعة من هوي أو مصدرها مزاج سقيم . حينئذ قرر عامة الفقهاء أن الحكم الذي مصدره النص حكم ثابت إلي يوم الدين لا يتغير بتغير الزمان .
يقول الإمام ابن حزم مؤكدا هذه الحقيقة :
( إذا ورد النص من القرآن أو السنة الثابتة في أمر ما علي حكم ما .. فصح أنه لا معني لتبدل الزمان ولا لتبدل المكان ولا لتغير الأحوال ، وأن ما ثبت فهو ثابت أبدا ، في كل زمان وفي كل مكان وعلي كل حال ، حتى يأتي نص ينقله عن حكمه في زمان آخر أو مكان آخر أو حال أخرى)[5] .
وعلي هذا فإن القاعدة الفقهية ( لا ينكر تغير الأحكام بتدل الزمان ) قد وضعها الفقهاء للقسم الثاني من الأحكام ، وهي الأحكام التي لا تستند مباشرة علي نص شرعي ، بل مصدرها عرف أو مصلحة سكتت عنها النصوص . وهذه القاعدة هي إحدى قواعد المجلة وقررتها المادة 39، وقد جاء شرح هذه القاعدة بقصرها علي الأحكام التي لم تستنبط من النصوص [6] ، وعلي هذا استقر فهم الفقهاء .
يقول ابن القيم: (الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة ، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك ، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه . والنوع الثاني ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة .)[7]
ويقول الدكتور مصطفي الزرقاء من المعاصرين في بحثه لهذا الموضوع :
( من المقرر في فقه الشريعة أن لتغير الأوضاع والأحوال الزمنية تأثيرا كبيرا في كثير من الأحكام الشرعية الاجتهادية ، وعلي هذا الأساس أسست القاعدة الفقهية القائلة لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان ) وقد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب علي أن الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان واختلاف الناس هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحيه وهي المعنية بالقاعدة الآنفة الذكر ، أما الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية فهذه لا تتبدل بتبدل الأزمان بل هي الأصول التي جاءت بها الشريعة لإصلاح الأزمان والأجيال )[8] .

أثر العرف في تغير الأحكام :
ويزيد الإمام الشاطبي أحد علماء أصول الفقه المتمكنين مسألة تأثير العرف في تغير الأحكام شرحا وتوضيحا ، فيبين أن العادات والأعراف المتبدلة هي الأعراف التي لم تنشئها الشريعة أصلا ، ولم تتعرض لها إطلاقا لا بمدح ولا ذم ، إنما أنشأاها الناس بأنفسهم نتيجة العلاقات الاجتماعية بينهم . فهذه هي التي يؤثر تغيرها في أحكامها الشرعية فيتغير حكمها تبعا لتغيرها . وضرب بعض الأمثلة علي ذلك منها علي سبيل المثال العبارات التي يكون لها تأثير في إنشاء أو إنهاء عقود المعاملات المالية ، مثل البيع أو ألفاظ الطلاق ، فهذه يراعي فيها العبارات التي يعتادها الناس والاصطلاحات التي يستعملونها في كل عصر . ومن الأمثلة أيضا للعوائد التي تتغير ويكون لها تأثير العادات الخاصة بالزواج مثلا ، فهذه قد تختلف من عصر إلي عصر ، أو من بلد إلي بلد ، فإذا كانت العادة مثلا أن يدفع المهر كاملا قبل الزواج ، أو الهدايا التي تدفع للعروس تكون من ضمن المهر ، فلهذه العادات تأثير في الأحكام الشرعية .
أما العادات والأعراف التي تنشئها الشريعة وتعتبرها من المحاسن أو تذمها وتعدها من القبائح ، فهذه لا تتبدل ولا تتغير بل هي ثابتة ، وفيما يلي عبارة الإمام الشاطبي التي شرح فيها هذه القضية [9] :
يقول ( العوائد المستمرة ضربان ، أحدهما : العوائد الشرعية التي أقرها الدليل الشرعي أو نفاها ، ومعني ذلك أن يكون الشرع أمر بها إيجابا أو ندبا ، أو نهي عنها كراهة أو تحريما ، أو أذن فيها فعلا وتركا . والثانية : هي العوائد الجارية بين الخلق بما ليس في نفيه وإثباته دليل شرعي .
فأما الأول : فثابت أبدا كسائر الأمور الشرعية .. فهي أما حسنة عند الشارع أو قبيحة .. فلا تبديل لها .. فلا يصح أن ينقلب الحسن فيها قبيحا ولا القبيح حسنا .. إذ لو صح مثل هذا لكان نسخا للأحكام المستقرة المستمرة والنسخ بعد موت النبي (ص) باطل . فرفع العوائد الشرعية باطل )
أما الثانية فهي عند الشاطبي المتبدلة ثم ضرب لها أمثلة كما سقناها .

آراء معاصرة
ومع استقرار هذا الفهم لقاعدة تغير الأحكام بتغير الفتوى ، فقد توسع بعض المعاصرين في استعمالهم لها ، ومن الأمثلة على ذلك رأي الدكتور معروف الدواليبي الذي يشرحه في مقال له بعنوان ( النصوص وتغيير الأحكام بتغيير الزمان ) فيقول :
( إذا كان النسخ لا يصح إلا من قبل الشارع نفسه فهل يصح في الاجتهاد تغيير ما لم ينسخه الشارع من الأحكام وذلك تبعا لتغير الأزمان؟
إن جميع الشرائع من قديمة وحديثة قد أخذت بمبدأ جواز النسخ لما في الشريعة من بعض الأحكام ، تبعا لتغير المصلحة في الأزمان . غير أنها لم تأخذ بمبدأ السماح للمجتهدين بتغير حكم من الأحكام ما دام ذلك الحكم باقيا في الشريعة ولم ينسخ من قبل من له سلطة الاشتراع . وقد تفردت الشريعة الإسلامية من بين جميع تلك الشرائع من قديمة وحديثة ، بالتمييز ما بين المبدأين أولا وبالأخذ بهما ثانيا .
فلقد اعتبرت الشريعة الإسلامية النسخ لبعض الأحكام الشرعية حقا خاصا بمن له سلطة الاشتراع وأخذت به . أما التغيير لحكم لم ينسخ نصه من قبل الشارع فقد أجازته للمجتهدين ، من قضاة ومفتين تبعا لتغير المصالح في الأزمان أيضا ، وامتازت بذلك علي غيرها من الشرائع ، وأعطت فيه درسا بليغ عن مقدار ما تعطيه من حرية للعقول في الاجتهاد ، ومن تقدير لتحكيم المصالح في الأحكام . وهكذا أصبح العمل بهذا المبدأ الجليل قاعدة مقررة في التشريع افسلامي ، تعلن بأنه ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان )[10] .
فعلي رأي الكاتب الفاضل أن الشريعة الإسلامية تمتاز بالمرونة والطواعية في هذه الناحية علي غيرها من التشريعات ، فتجيز للقاضي أو المفتي تغيير حكم من الأحكام ، ولو كان هذا الحكم ثابتا بنص القرآن أو السنة ، تبعا لتغير المصالح بتغير الأزمان ، مع أن كثيرا من القوانين قديما وحديثا لا تتميز بهذه المرونة ، فلا يمكن لقانون وضعه مجلس تشريعي أن ينقضه أحد كائنا من كان ولو أحد قضاة المحاكم العليا أو رئيس الوزراء . ويقول أن ذلك أصبح في الإسلام قاعدة فقهية مقررة وهي أنه ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان ) .
وقد شذ بعض المعاصرين وتطرفوا في توسيع قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان ، فألبسوا بسببها العلمانية ثوبا إسلاميا ، فجعلوا العبادات وحدها هي الثابتة في الإسلام التي يلتزم بها بالنصوص ، أما في غير دائرة العبادات فالباب مفتوح علي مصراعيه لتعديل النصوص وتغييرها ، وحذفها وإضافة غيرها . يقول الدكتور النويهي في مقاله بعنوان ( نحو ثورة الفكر الديني )[11] .
( إن كل التشريعات التي تخص أمور المعاش الدنيوي والعلاقات الاجتماعية بين الناس والتي يحتويها القرآن والسنة لم يقصد بها الدوام وعدم التغير ولم تكن إلا حلولا مؤقتة ، احتاج لها المسلمون الأوائل وكانت صالحة وكافية لزمانهم ، فليست بالضرورة ملزمة لنا ، ومن حقنا بل من واجبنا أن ندخل عليها من الإضافة والحذف والتعديل والتغير ، ما نعتقد أن تغير الأحوال يستلزمه).
ويعتمد هؤلاء المعاصرين لتأييدا رأيهم في تغير الأحكام الثابتة بالنص تبعا لتغير المصالح بتغير الزمان على بعض الحجج: منها رأي الطوفي في المصلحة ، ومنها اجتهادات عمر بن الخطاب ، التي يرون أنه لم يتمسك فيها بالتطبيق الحرفي للنصوص ، ومنها استبدال الشافعي لمذهبه العراقي القديم بمذهبه المصري الجديد[12]. ونتناول هذه الحجج فيما يلي بالمناقشة والنقد .

------------------------------
[1] انظر عوامل السعة والمرونة للشيخ يوسف القرضاوي .
[2] تفسير القرطبي ج /1 ص /45 ، دار الشعب القاهرة .
[3] انظر شرح النووي على صحيح مسلم ج/13 ص/129 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1392 .
[4] تفسير القرطبي ج/12 ص 48 .
[5] الأحكام في أصول الأحكام – ابن حزم ج/5 ص 771 - 774
[6] أنظر شرح المجلة – محمد خالد الأتاسي ج/1 ص 91
[7] إغاثة اللهفان لابن القيم ، دار المعرفة بيروت ن 1975 ، ج/1 ص 330 .
[8] ( تغيير الأحكام بتغير الزمان ) د. مصطفي الزرقاء – مجلة المسلمون ع/8 ص 891 ( 1373)
[9] أنظر الموافقات – للشاطبي ج/2 ص 283 وما بعدها
[10] مجلة المسلمون ع/6 اسنة الأولي ص 553
[11] مجلة الآداب ( بيروت ) عدد مايو 1970 ص 101
[12] راجع مقال معروف الدواليبي ( النصوص وتغير الأحكام ) – مجلة المسلمون ع/6 السنة الأولي ص 553 ومقدمة في إحياء الشريعة المحمصاني ص 67

المصدر
 
إنضم
16 مارس 2012
المشاركات
28
الكنية
أبو حذيفة
التخصص
فقه مقارن
المدينة
غزة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: آراء معاصرة عن تغير الأحكام بتغير الزمان

مشكور
 

محمود حلمي علي

:: مطـًـلع ::
إنضم
4 يونيو 2013
المشاركات
158
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
فقه شافعي
الدولة
مصر
المدينة
العاشر من رمضان
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: آراء معاصرة عن تغير الأحكام بتغير الزمان

قال الإمام القرافي: (ما الصحيحُ في هذه الأحكامِ الواقعةِ في مذهبِ الشافعي ومالكٍ وغيرِهما، المرتَّبةِ على العوائدِ والعُرفِ اللَّذينِ كانا حاصلينِ حالةَ جزمِ العلماء بهذه الأحكام؟ فهل إِذا تغيَّرتْ تلك العوائد، وصارت العوائدُ تَدُلُّ على ضِدّ ما كانت تدلُّ عليه أوَّلًا، فهل تَبْطُلُ هذه الفتاوى المسطورةُ في كتب الفقهاء ويُفتَى بما تقتضيه العوائد المتجدِّدة؟ أو يقال: نحن مُقلِّدون، وما لنا إِحداثُ شرعِ لعدَمِ أهليتنا للاجتهاد، فنُفتِي بما في الكتب المنقولة عن المجتهدين؟
جَوَابُهُ: أنَّ إِجراءَ الأحكام التي مُدْرَكُها العوائدُ مع تغيُّرِ تلك العوائد: خلافُ الإِجماع وجهالةٌ في الدّين، بل كلُّ ما هو في الشريعةِ يَتْبَعُ العوائدَ: يَتغيَّرُ الحكمُ فيه عند تغيُّرِ العادةِ إِلى ما تقتضيه العادَةُ المتجدِّدةُ، وليس هذا تجديدًا للاجتهاد من المقلِّدين حتى يُشترَطَ فيه أهليةُ الإجتهاد، بل هذه قاعدةٌ اجتهدَ فيها العلماء وأجمعوا عليها، فنحن نَتْبَعُهم فيها من غيرِ استئنافِ اجتهاد.
ألا تَرى أنهم أجمعوا على أنَّ المعاملات إِذا أُطلِقَ فيها الثَّمَنُ يُحمَلُ على غالب النقود، فإِذا كانت العادةُ نقدًا معيَّنًا حمَلْنا الإِطلاقَ عليه، فإِذا انتقلتْ العادةُ إِلى غيرِه عيَّنَّا ما انتقلتْ العادَةُ إِليه، وأَلغينا الأوَّلَ، لانتقالِ العادة عنه.
وكذلك الإِطلاقُ في الوصايا والأَيمانِ وجميعِ أبواب الفقه المحمولة على العوائد، إِذا تغيَّرتْ العادةُ تغيَّرتْ الأحكامُ في تلك الأبواب. وكذلك الدَّعاوى إِذا كان القولُ قولَ من ادَّعى شيئًا لأنه العادَة، ثم تغيَّرت العادةُ: لم يَبق القولَ قول مُدَّعِيه بل انعكسَ الحالُ فيه.
بل ولا يُشترطُ تغيُّرُ العادة، بل لو خرجنا نحن من ذلك البلد إِلى بلَدٍ آخر، عوائدُهم على خلافِ عادةِ البلد الذي كنا فيه أفتيناهم بعادةِ بلدهم، ولم نعتبر عادةَ البلد الذي كنا فيه. وكذلك إِذا قَدِمَ علينا أحدٌ من بلدِ عادَتُه مُضَادَّةٌ للبلد الذي نحن فيه لم نُفتِه إِلَّا بعادةِ بلدِه دون عادةِ بلدنا.
ومن هذا الباب ما رُوي عن مالك: إِذا تنازع الزوجان في قبضِ الصَّداقِ بعد الدخول: أنَّ القولَ قولُ الزوج، مع أنَّ الأصلَ عدَمُ القَبْض. قال القاضي إِسماعيل: هذه كانت عادتَهم بالمدينة: أنَّ الرجلَ لا يَدخلُ بامرأته حتى تَقبِضَ جميعَ صَداقها، واليومَ عادتُهم على خِلافِ ذلك، فالقولُ قولُ المرأة مع يمينها، لأجلِ اختلافِ العوائد.
إِذا تقرَّرَ هذا فأنا أسرُدُ لك أحكامًا نَصَّ الأصحابُ على أنَّ المُدْرَك فيها العادة، وأنَّ مُستنَدَ الفُتيا بها إِنما هو العادة، والواقعُ اليومَ خلافُه، فيتعيَّنُ تغيِيرُ الحكم على ما تقتضيه العادَةُ المتجدّدة.
وينبغي أن يُعلَم أنَّ معنى العادة في اللفظ: أن يغلِبَ إِطلاقُ لفظٍ واستعمالُه في معنى حتى يَصِيرَ هو المتبادِرَ من ذلك اللفظ عند الإِطلاق، مع أنَّ اللغة لا تقتضيه، فهذا هو معنى العادة في اللفظ، وهو الحقيقةُ العُرفيَّة،وهو المجازُ الراجحُ في الأغلب، وهو معنى قولِ الفقهاء: إِنَّ العُرف يُقدَّمُ على اللغة عند التعارض، وكلِّ بها يأتي من هذه العبارات.
الحكمُ الأول: بعضُ ألفاظ المُرابحة، بعضُ ألفاظ المُرابحة، وهو قول البائع: بعتُك بوضِيعةِ العشرةِ أحدَ عشر، أو بوَضِيعةِ العشرةِ عشرين أو أكثرَ من ذلك. قال الأصحاب: هذا اللفظ يقتضي عادةً أن يأخذ لكلِّ أحدَ عشَرَ عشرةً، ويَحُطَّ نصفَ الثمنِ في اللفظ الآخر، ويُلزِمون ذلك المتعاقدَيْنِ من الجانبين بمجرَّد هذا اللفظ لأنه العادة.
وهذه عادةٌ قد بطَلَتْ ولم يَبق هذا اللفظُ يُفهَمُ منه اليومَ هذا المعنى البتة، بل أكثرُ الفقهاء لا يَفهمه فضلًا عن العامَّة، لأنه لا عادَةَ فيه، ولا يُفهَمُ منه ثَمَنٌ معيَّنٌ باعتبار اللغة أيضًا.
فينبغي إِذا وقع هذا العقد بين العامَّة في المعاملات أن يكون العقدُ باطلًا، فإِنه ليس عادتُهم استعمالَه البتة، لأنا طُولَ عُمرِنا لم نسمعه إِلَّا في كتب الفقه، أما في المعاملات فلا. وإِذا لم يكن الثمنُ معلومًا بالعادةِ ولا باللغةِ كان العقدُ باطلًا.
الحكمُ الثاني: في المُرابحة إِذا قال: في المُرابحة إِذا قال: (بعتُكَ بما قامتْ عليَّ). قالوا: يَصحُّ البيع، ويكون للبائع مع الثمن ما بذَلَه من أُجرة القِصارةِ والكِمادة والطِّرازةِ والخِياطةِ والصَّبغِ ونحوِ ذلك، مما له عينٌ قائمة، ويَستحقُّ له حِصَّتَه من الربح إِن سَمَّى لكلِّ عَشَرةٍ ربحًا. وما ليس له عينٌ قائمة إِلَّا أنه يُؤثّر في السُّوقِ زيادةَ رغبةٍ فيه وتنميةً للثمن: فإِنه يَستحقُّهُ ولا يَستحقُّ له حصةً من الربح، نحوُ كِراءِ الحُمولاتِ في النقلِ للبُلدانِ ونحوِه، وما لا يُؤثّر في السوقِ لا يستحقُّه، ولا يكونُ له ربحٌ كأجرةِ الطيّ والشدّ وكِراءِ البيت ونفقةِ البائع على نفسِه.
وهذا التفصيلُ لا يفيده قولُه: (بما قامَتْ على) لغةً، بل يصحُّ هذا البيعُ بهذه العبارة إِذا كان هذا اللفظُ يقتضيه عادةً، فيصيرُ الثمنُ معلومًا بالعادة فيصحُّ البيع،
أمَّا اليومَ فلا يُفهَمُ هذا في العادة، ولا يَتعامَلُ الناسُ في أسواقهم بهذه العبارة فلا عادةَ حينئذٍ، فهذا الثمنُ مجهولٌ، فلا يُفتَى بما في الكتب من صحتِهِ وتفاصيله، لانتقالِ العادة.
الحكمُ الثالث: ما وقع في "المدوَّنة": إِذا قال لامرأته: أنتِ عليَّ حرام أو خَلِيَّة أو بَرِيَّة أو وهبتُكِ لأهلِكِ: يَلزمُه الطلاقُ الثلاثُ في المدخولِ بها، ولا تنفعُه النيَّة أنه أراد أقلَّ من الثلاث، وهذا بناءٌ على أنَّ هذا اللفظ في عُرف الاستعمال اشتَهر في إِزالة العصمة، واشتَهر في العَدَد الذي هو الثلاث، وأنه اشتَهر في الإِنشاء للمعنيين، وانتَقَل عما هو عليه من الإِخبار عن أنها حرامٌ، لأنه لو بقي على ما يَدلُّ عليه لغةً لكان كذِبًا بالضرورة، لأنها حلالٌ له إِجماعًا، فالإِخبارُ عنها بأنها حرام كذبٌ بالضرورة. وليس مدلولُ هذا اللفظ لغةً إِلَّا الإِخبارَ عن أنها محرَّمة عليه، وأنَّ التحريم قد دخَلَ في الوجود قَبْلَ نُطقِهِ بهذه الصيغة. وهذا كذِبٌ قطعًا،
فلا بُدَّ حينئذٍ أن يقال: إِنها انتقلَتْ في العُرفِ لثلاثة أمور: إِزالةِ العِصمة، والعَدَدِ الثلاث، والإِنشاءِ، فإِنَّ ألفاظ الطلاقِ إِن لم تكن إِنشاءً أو يُرادُ بها الإِنشاء، لا تُزيلُ عصمةَ البتة.
وملاحظةُ هذه القاعدة هي سبَبُ الخلاف بين الخَلَف والسلف في هذه المسألة.
إِذا تقرَّرَ هذا: فأنت تعلمُ أنك لا تجدُ الناسَ يَستعملون هنذه الصِّيَغ المتقدمة في ذلك
، بل تَمضي الأعمارُ ولا يُسمَعُ أحدٌ يقول لامرأته إِذا أراد طلاقها: أنتِ خَلِيَّة، ولا: وَهَبْتُكِ لأهلك، ولا يَسمَعُ أحدٌ أحدًا يَستعملُ هذه الألفاظ في إِزالة عِصمةٍ ولا في عَدَدِ طَلاقات، فالعُرف حينئذٍ في هذه الألفاظ منتفِ قطعًا، وإِذا انتَفى العُرف لم يَبق إِلَّا اللغة، لأنَّ الكلام عندَ عدَم النيَّةِ والبِساط.
واللغةُ لم توضع فيها هذه الألفاظ لهذه المعاني التي قرَّرها مالك في "المدوَّنة" بالضرورة. ولا يَدَّعي أنها مدلولُ اللفظ لغةً إِلَّا من لا يَدري اللغة، وإِذا لم تُفِد هذه الألفاظ هذه المعانيَ لغةً ولا عُرفًا، ولا نيَّةً، ولا بِساطًا، فهذه الأحكامُ حينئذٍ بلا مستنَد، والفُتيا بغيرِ مستنَد باطلةٌ إِجماعًا، وحرامٌ على قائلها ومعتقِدِها.
نعم، لفظةُ الحرام في عُرفنا اليوم لإِزالة العصمة خاصةً دون عَدَد، وهي مشتهرةٌ في ذلك، بخلاف ما ذُكِرَ معها من الألفاظ، ومقتَضَى هذا أن يُفتَي بطلقةٍ رجعية ليس إِلَّا، ويُنوَّى في غيرها من الألفاظ التي ذُكِرتْ معها، فإِن لم يكن له نيَّةٌ ولا بِساط لم يلزمه شيء، لأنها من الكنايات الخفية على هذا التقدير.
لكنَّ أكثرَ الأصحابِ وأهل العصر لا يُساعدون على هذا وينكرونه. وأعتقدُ أنَّ ما هم عليه خلافُ إِجماعِ الأئمة، وهذا الكلامُ واضحٌ لمن تأمَّلَه بعقلٍ سليم، وحُسنِ نظرٍ سالمٍ من تعصُّباتِ المذاهب التي لا تليقُ بأخلاق المتَّقين لله تعالى.
والعجَبُ منهم أنهم إِذا قيل لهم: إِذا قال الرجل لامرأته: أنتِ طالق، يَفتقرُ إِلى نية؟ يقولون: لا، لأنه صريحٌ لغةً في إِزالة العصمة، لأنَّ الطاءَ واللام والقاف لِإزالة مُطلقِ القيد، ولذلك يقال: لفظٌ مُطلَق، وحلالٌ طِلْق، ووجهٌ طَلْق، وأُطلِقَ فلانٌ من الحَبْس، وانطلقَتْ بَطْنُه. وعَقْدُ النكاح أحَدُ أنواعِ القيد، فإِذا زال مُطلَقُ القيدِ زال قَيْدُ النكاح بالضرورة.
فيقال لهم: إِن قال لها: أنتِ مُنْطَلِقة، فيها جميعُ هذا؟ فلا يجدون جوابًا إِلَّا أنه مهجورٌ في عُرف الإستعمال، لا يُستعمل في الطلاق، فلا يُفيد الطلاقَ إِلَّا بالنيَّة.
فيقال لهم: فإِن اتَّفق أن يكون لفظُ مُنْطَلِقة مشتهرًا في عصرٍ أو في مصرٍ في إِزالة العصمة، وأنتِ طالقٌ لم يشتهر في إِزالة العصمة عندهم ما الحكمُ؟
فيتعيَّنُ أن يقولوا: يَلزمُهم الطلاقُ بمُنْطَلِقةً دون طالق، إِلَّا أن ينوي بطالقٍ إِزالةَ العصمة، عكسُ ما نحنُ عليه اليوم.
فيقال لهم: وكذلك لَفْظُ الحرام ينبغي أن تدور الفُتيا فيها وفي أخواتِها مع اشتهارها في العُرفِ وجودًا وعَدمًا، ففي أي شيء اشتَهَرت حُمِلَتْ عليه بغير نيَّة، وما لم تَشتَهِر فيه لم تُحمَل عليه إِلابنيَّة.
ولا يكفي في الإشتهار كونُ المفتي يعتقدُ ذلك، فإِنَّ ذلك نشأ عن قراءةِ المذهب ودراستِه والمناظرةِ عنه.
بل الاشتهار أن يكون أهلُ ذلك المصر لا يفهمون عندَ الإِطلاق إِلَّا ذلك المعنى، لا مِن لفظِ الفقهاء بل باستعمالهم هم لذلك اللفظ في ذلك المعنى.
فهذا هو الإشتهار المفيدُ لنقل اللفظِ من اللغة للعُرف
). الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام (ص: 218_ 226).
 

شتا محمد حسين

:: متابع ::
إنضم
9 ديسمبر 2015
المشاركات
13
الإقامة
السعودية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عمر
التخصص
شريعة
الدولة
lwv
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حنبلى
رد: آراء معاصرة عن تغير الأحكام بتغير الزمان

جزاكم الله خيرا
 
أعلى