تركي بن عمر بن محمد بلحمر
:: متابع ::
- إنضم
- 25 يوليو 2017
- المشاركات
- 64
- الكنية
- أبو عمر
- التخصص
- دراسات اسلامية
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- أهل السنة والجماعة
بسم الله الرحمن الرحيم
إجماعات المذاهب الأربعة
على فريضة ستر الوجوه لأمهات المؤمنين وغيرهن من النساء وأنه لا فرق بينهن في ذلك بتاتا
حيث نزلت أول الآيات في تشريع فريضة الحجاب في سورة الأحزاب وذلك بداية بمخاطبة النساء وهن داخل البيوت بطريقة تكون من وراء حجاب، وسترهن بالكامل عن الرجال بنص القرآن، ولما كان لا بد لهن من الخروج للحاجة، أرشدهن بعدها لطريقة مماثلة لسترهن بالكامل من وراء الجلابيب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ}]الأحزاب:53[.فهي وإن نزلت بذكر بيوت النبي e وزوجاته بالذات، إلا أنها بالإجماع تعمهن وتعم غيرهن، وسبب ذكر بيوت النبي بالذات لأن الدخول للبيوت قبل فرض الحجاب كان بكثرة في بيوت النبي e لمكانته ومكانة زوجاته بنص القرآن، كما في أول سورة الأحزاب من قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُه ُأُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]. فكان الصحابة في حكم الأبناء لهن، يدخلون عليهن بلا ترتيب ولا استئذان لأنها بيوت أمهاتهم، وكان رسول الله e يدعو بعض صحابته للأكل معه ومع بعض زوجاته، كما وقع لعمر رضي الله عنه. قال السمرقندي (ت:375) في تفسيره: (قوله عز وجل: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} وذلك أن أناساً من المسلمين كانوا يتحينون غذاء النبيّ e، ويدخلون عليه بغير إذن، ويجلسون وينتظرون الغداء، وإذا أكلوا جلسوا طويلاً، ويتحدثون طويلا، فأمرهم الله عز وجل بحفظ الأدب)(1) انتهى.وقال السيوطي في الدر المنثور (ت:911هـ): (وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أنس رَضِي الله عَنه ُقَالَ كنت أَدخل على رَسُول الله e بِغَيْر إِذن، فَجئْت يَوْمًا لأدخل، فَقَال َعَليّ: مَكَانك يَا بني إِنَّه قد حدث بعْدك أَمر، لَا تدخل علينا إِلَّا بِإِذن) انتهى. وكان عمر t يقول: (يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب)(1)،وكان يقول: (يا رسول الله احجب نساءك، فلم يكن رسول الله e يفعل)(2)، فلم يكن لأحد بعد قول الله تعالى أن يحجب الأبناء من الدخول على من حكم الله في كتابه وأسماهن أمهاتهم إلا بنص قرآني آخر، ولهذا فلما نزلت فريضة الحجاب اختصت أمهات المؤمنين بالحجاب من أبنائهن، بخلاف بقية أمهات العالمين، اللاتي لا يحتجبن من أبنائهن. وكون الصحابة عاصروا التنزيل وتسلسل نزول الآيات، والمتقدم منها من المتأخر، لم يحتاجوا لأن يعرفوا أن كل ما أُمرت به أمهاتهم من التصون والحجاب عن أبنائهن، فغيرهن من النساء الأجنبيات مع الرجال الأجانب في ذلك أولى وأوجب، لأنهن لسن بأمهات، ولا محارم لأولئك الرجال، فالله لم يرد خصوصية أمهات المؤمنين بترك الحجاب مع كونهن أمهات، بل أراد خصوصيتهن بالحجاب بخلاف سائر أمهات العالمين. ولهذا فإنك لو قلت عبارة: (إن أمهات المؤمنين مخصوصات بالحجاب) أو نحو قولك: (تغطية الوجه مما اختصت به أمهات المؤمنين) لكان قولك حقا ًوصواباً، لأنك تعني أنهن لسن كبقية الأمهات اللاتي لا يلزمهن الاحتجاب عن أبنائهن. وعلى هذا فلو لم تذكر الآية بيوت النبي e بالذات لبقي الحال كما هو في بيوت النبي e ولما امتنع الصحابة عن الدخول على أمهاتهم معتقدين أن الآية لا تعنيهم، وهم في حكم الأبناء مع أمهاتهم كما جاء في الآية التي بعدها:{لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ...{55}]الأحزاب[. على فريضة ستر الوجوه لأمهات المؤمنين وغيرهن من النساء وأنه لا فرق بينهن في ذلك بتاتا
والله أراد أن يشملهن الحجاب من أبنائهن، ولهذا السبب ذكر بيوتهن بالذات، وعلى هذا إجماع المفسرين من المذاهب الأربعة وغيرهم، في كل كتبهم أن الآية تعمهن وغيرهن جميعا، ولا فرق بينهن في فرض سترهن بالكامل ومن ذلك وجوههن عن الرجال.
1- قال البيضاوي الشافعي (ت:685ه) في تفسير قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]. منزلات منزلتهن في التحريم واستحقاق التعظيم وفيما عدا ذلك، فكما الأجنبيات) انتهى.
2- قال القرطبي المالكي (ت:671هـ) في تفسير: (قوله تعالى:{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} شرف الله تعالى أزواج نبيه e بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن رضي الله تعالى عنهن، بخلاف الأمهات) انتهى. حيث حجبن والأمهات لايحتجبن.
3- قال ابن عطية المالكي (ت:542ه) (وشرَّف تعالى أزواج النبي e بأن جعلهن أمهات المؤمنين في حرمة النكاح وفي المبرة وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات) انتهى. حيث أن غيرهن من الأمهات لا يحتجبن من أبنائهن.
4- وقال الخازن الشافعي(ت:606هـ) في لباب التأويل (قوله تعالى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]. يعني أمهات المؤمنين في تعظيم الحرمة وتحريم نكاحهن على التأبيد لا في النظر إليهن والخلوة بهن، فإنه حرام في حقهن، كما في حق الأجانب) انتهى. وقوله:(حرام) لأنه لا يقال عن الفرائض سنة ومستحب.
5- وقال الزمخشري الحنفي(ت:538هـ) :({وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6].تشبيه لهن بالأمهات في بعض الأحكام، وهو وجوب تعظيمهن واحترامهن وتحريم نكاحهن قال تعالى:{ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا} ]الأحزاب:53[، وهن فيما وراء ذلك بمنزلة الأجنبيات) انتهى.
6- وقال الألوسي(ت:1270ه) في روح المعاني: ({وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6].أي منزلات منزلة أمهاتهم في تحريم النكاح واستحقاق التعظيم، وأما فيما عدا ذلك من النظر إليهن والخلوة بهن وإرثهن ونحو ذلك فهن كالأجنبيات) انتهى.
7- قال البغوي الحنفي (ت:510هـ)قوله عز وجل{وأزواجه أمهاتهم} وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد، لا في النظر إليهن والخلوة بهن، فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب، قال الله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب})]الأحزاب:53[انتهى.
وانظر كيف استشهدوا وشمل بالآية الكريمة:{فاسألوهن من وراء حجاب}غيرهن من النساء بالحجاب الكامل عن الرجال ولا فرق بينهن، وسيأتي معنا تفسيرها بشكل خاص، فكيف يقال إنه لا يوجد نص صريح من القرآن على سترهن لوجوههن بالنقاب، وقد جاء النص الصريح القطعي بأكثر وأشد وفوق ذلك وهو على سترهن بالكامل عن الرجال، وجاء النقاب في السنة للحاجة بكشف العين أو العينين تبصر الطريق أو الأشياء. ولهذا أجمعوا في الآية التي بعدها في حجابهن خارج البيوت من قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء ِالْمُؤْمِنِين َ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنّ}]الأحزاب:59[. على بيان مراد الله بالستر التام لهن جميعا فلا يبدو منهن شيءٌ ولهذا نصوا صراحة على سترهن لوجوههن بالذات.
8-قال النيسابوري (ت:850هـ) في غرائب القرآن ورغائب الفرقان: ({وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]. أي في هذا الحكم، فإنهن فيما وراء ذلك كالأجنبيات) انتهى.
9- وقال ابن الجوزي الحنبلي (ت:597هـ) في زاد المسير: (قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6].أي في تحريم نكاحهن على التأبيد ووجوب إجلالهن وتعظيمهن ولا تجري عليهن أحكام الأمهات في كل شيء، إذ لو كان كذلك لما جاز لأحد أن يتزوج بناتهن ولوَرِثن المسلمين ولجازت الخلوة بهن)انتهى
10- وقال في أحكام القرآن للجصاص الحنفي (ت:370هـ): ({وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]. قيل فيه وجهان: أحدهما: أنهم كأمهاتهم في وجوب الإجلال والتعظيم. والثاني: تحريم نكاحهن وليس المراد أنهن كالأمهات في كل شيء) انتهى.
11- قال في أحكام القرآن لابن العربي المالكي (ت:543هـ): (المسألة الثالثة: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]. ولسن لهم بأمهات، ولكن أُنزلن منزلتهن في الحرمة) انتهى.
12- قال أبو السعود الحنفي (ت:982هـ): ({وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]. أي منزلات منزلة الأمهات في التحريم واستحقاق التعظيم وأما فيما عدا ذلك فهن كالأجنبيات) انتهى.
13- وقال في البحر المحيط لابي حيان الأندلسي (ت:745ه): (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ: أَيْ مِثْلُ أُمَّهَاتِهِم ْفِي التَّوْقِيرِ وَالِاحْتِرَامِ. وَفِي بَعْض ِالْأَحْكَامِ مِنْ تَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَيْنَ فِيهِم َجْرَى الْأَجَانِبِ) انتهى.
14-وقال في معرفة السنن والآثار للبيهقي الشافعي (ت:458هـ) " كتاب النكاح" باب ما جاء في أمر رسول الله e وأزواجه: (قال الشافعي: وكان مما خص الله نبيه e قوله: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم}... مثل ما وصفت من اتساع لسان العرب، وأن الكلمة الواحدة تجمع معاني مختلفة، ومما وصفت من أن الله أحكم كثيرا من فرائضه بوحيه، وسن شرائع، واختلافها على لسان نبيه e وفي فعله، فقوله:{أمهاتهم} يعني في معنى دون معنى، وذلك أنه لا يحل لهم نكاحهن بحال، ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كن لهن، كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم) انتهى.
15- وقال السيوطي(ت:911ه) في الدر المنثور:(أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادةt في قوله:{وَأَزْواجُهُأُمَّهاتُهُمْ} قال يعظم بذلك حقهن)انتهى.
16- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء عمي من الرضاعة فاستأذن علي فأبيت أن آذن له... فقال e إنه عمك فأذني له) انتهى.
قال البخاري (ت:256ه):(باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في الرضاع) انتهى.
وقال العيني الحنفي (ت:855هـ) في عمدة القاري: (فيه أنه لا يجوز للمرأة أن تأذن للرجل الذي ليس بمحرم لها في الدخول عليها ويجب عليها الاحتجاب منه بالإجماع) انتهى. قال (بالإجماع) ولم يفرق أحد لا البخاري ولا العيني.
17- وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة تفرع النساء جسما لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظر يكيف تخرجين) متفق عليه. فدل على أن عائشة رضي الله عنها لا تعرف أن في لباس حجاب أمهات المؤمنين حجابا يفرق عن حجاب غيرهن من النساء، حتى لم تُعرف أم المؤمنين سودة رضي الله عنها، إلا بكونها (كانت امرأة جسيمة تفرع النساء جسما لا تخفى على من يعرفها).
18- وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قصة حادثة الإفك قالت: (فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحّلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما تأكل العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا) متفق عليه. وقولها: (وكان النساء إذ ذاك خفافا...فلم يستنكر القوم خفة الهودج)، فيه بيان أنها لم تكن تعرف لنفسها ولا لغيرها من أمهات المؤمنين سترا وحجابا يختلف عن ستر وحجاب غيرهن من النساء المسلمات، مما تعلم معه أن أمر الحجاب كان يعمهن جميعاً فلم يكن منهن امرأة تكشف أبداً لا خثعمية ولا غيرها، وإنما الخثعمية كانت مثلها داخل هودجها حين (مر الظعن) قال الحافظ:(جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج) فلم تكن كاشفة لعموم الناس كما سيأتي معنا بيانه، والمقصد هنا أنها رضي الله عنها، لم تخبر أو تشر عن ذاك الواقع والزمان عندهم بأن ستر الوجه كان خاصا بأمهات المؤمنين، بل قالتوكان النساء إذ ذاك خفافا...فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه).
ولو أحببنا المزيد في بيان عدم الفرق بين أمهات المؤمنين وغيرهن من النساء في فرض سترهن الكامل عن الرجال ومن ذلك وجوههن من قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}[الأحزاب:6]. وغيرها من الأحاديث وإجماع أهل العلم، لطالبنا النقل وقد حصل المقصود، حيث لم يذكر واحد منهم أن في المسألة أدنى خلاف أو تردد أو أقوال بين أئمة المذاهب الأربعة. فلم يخطر في بالهم شيء حتى يذكروه أو يناقشوه أو يجمعوا على ما هو معلوم عندهم من الدين بالضرورة.
وسنستكمل تأييد هذا المعنى نفسه عند تفسير آية الحجاب داخل البيوت وخارجها، وأنها بالإجماع تشمل الجميع، ولا فرق بين أمهات المؤمنين ولا غيرهن من النساء المسلمات في فريضة الحجاب من سترهن الكامل ومن ذلك وجوههن عن الرجال.
(1)-تفسير بحر العلوم للسمرقندي.
(1) –أخرجه البخاري من حديث عمر رضي الله عنه.
(2) –أخرجه البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.